إسلام ويب

تفسير سورة فصلت [15-20]للشيخ : المنتصر الكتاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أرسل الله الرسل لإقامة الحجة وبيان المحجة للناس، ولكن الناس كانوا يقابلونهم بالاستهزاء والتحدي والتهم الباطلة، وذلك كقوم صالح وقوم هود الذين اعتمدوا على قوتهم واستكبروا على رسلهم فأخذتهم الصواعق والصيحات، وهكذا جزاء من لا يؤمن برسل الله بعد أن يرى الآيات والمعجزات.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق ...)

    قال تعالى: فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [فصلت:15].

    يقول الله عن عاد إنها قالت عندما جاءتهم رسلهم يدعونهم إلى عبادة الله وحده وإلى الكفر بالأوثان وبالشركاء: لن يكون رسول إلا إذا كان ملكاً.

    وعندما جاءهم الوعيد والإنذار من رسلهم تحدوا وقالوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [فصلت:15].

    واستكبروا في الأرض بغير الحق وتعاظموا وتعالوا، وجعلوا أنفسهم كبراء وسادة وعظماء، فتكبروا على الخلق وعلى الرسل وعلى عبادة ربهم.

    ثم زادوا فقالوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [فصلت:15]، فطغوا بأجسامهم، وكانوا في أجسامهم يسمون بالعمالقة، وكان طول أحدهم مائة ذراع وأقلهم كان طوله ستين ذراعاً وما يناسب ذلك من العرض، وكان الواحد منهم يتناول ما لا يتناوله الجماعات أولو العدد من بعدهم.

    فاستكبروا بأجسامهم وقوتهم وقالوا: مهما ينزل من بلاء ومن صواعق فنحن قادرون على القضاء عليها وقوتنا تدمرها وتقضي عليها.

    فقال الله لنبيهم أن يقول لهم: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً [فصلت:15]، أي: أولم يروا رؤية القلب ويتدبروا ببصائرهم وبعقولهم ويفكروا ويتبصروا، أن الذي خلقهم على هذه القوة وعلى هذا الطول وعلى هذه الأجسام هو الله الذي هو أشد منهم قوة، وهم لم يحسبوا حساباً لقوة الله وقدرته وبطشه خاصة، وهو الذي أرسل رسله بشراً يدعونهم إلى الطاعة وإلى التوحيد وإلى ترك الأصنام وإلى ترك الأوثان أي: ألم يعلموا ويدركوا ويفهموا، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يفلتون من عقاب الله وعذابه.

    وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [فصلت:15] فلم يزدادوا بذلك إلا عتواً وفساداً واستكباراً في الأرض.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات ...)

    قال تعالى: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ [فصلت:16].

    قال تعالى: إنهم بعد أن أنذرناهم وتوعدناهم وأمهلناهم وأرسلنا لهم رسلاً من بين أيديهم ومن خلفهم يدعونهم إلى عبادة الله وحده وترك الأصنام، أخذوا يتعاظمون بأجسامهم وبقوتهم ويقولون: نحن أقوياء وبدناء ونحن ونحن، فقال لهم الله: هل أنتم أشد قوة من خالقكم الذي قواكم وجعل لكم هذه الجسوم؟

    فكانوا مع هذا جاحدين كافرين بآيات الله وقدرته وما أرسل به رسله، والله يمهل ولا يهمل، ثم حلت عليهم كلمة الله وعذابه قال تعالى: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ [فصلت:16].

    وقد كانت سبعة أيام حسوماً، ابتدأت في الأربعاء وانتهت في الأربعاء، وكانت في آخر شهر شوال وكان ابتداؤها قبل ذلك، فقد كانت تأتيهم الرياح والعواصف وليس معها مطر، وإذا أراد الله بقوم خيراً أمطرهم وأغاثهم وأقل رياحهم، وإذا أراد بهم بلاء أكثر رياحهم وعواصفهم وأقل غيثهم وأمطارهم، فجاءتهم الريح العقيم، وهي الريح التي ليست فيها أمطار ولا غيث فيها ولا كسب منها، فهي عقيم لا تلد ولا توجد ماء ولا تنتج غيثاً، فانتشرت الحرائق والجدب والموت والجوع إلى الأيام النحسات المشئومات السبع التي كانت حاسمة بالقضاء عليهم.

    ثم جاءتهم رياح عاصفة، كما قال تعالى: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا [فصلت:16]، أي: ذات صوت كالرعد وذات برد شديد.

    وهو من الصر وهو: البرد الشديد، ومن الصرصر وهو: الصوت المرعب المزعج الذي تكاد طبلة الأذن أن تنفجر منه، وكل هذا قد حصل فسلط الله عليهم خلال أسبوع وثمانية أيام ريحاً عقيماً ذات برد وحر شديدين وصوت كالرعد زلزلتهم من تحت أرجلهم ومن فوق رءوسهم حتى أصبحوا صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية، كما وصفهم ربنا في آية أخرى.

    ولم تمض هذه الأيام الثمانية إلا وقد أصبحوا كجذوع الأشجار عندما يأتيها الجدب والقحط والنار، أي: لم يبق فيها ورق ولا فاكهة ولا ثمر، وإنما هي جذوع وغصون محترقة لا تنفع في فاكهة ولا في حطب، قال تعالى: كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ [الحاقة:7]، أي: كعجز النخل الخاوي الذي ليس فيه جمار ولا فائدة يستفاد منها.

    وقوله تعالى: فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ [فصلت:16] جمع نحس، أي: أيام ذات بلاء مشئوم ومصائب وذل وهوان، فلم تفدهم هذه الأجسام الطويلة والقوة التي تاهوا بها واستكبروا فيها بغير حق في الأرض.

    وقوله تعالى: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ [فصلت:16]، قرئ: نحِسات، ونحْسات.

    قوله: لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [فصلت:16].

    أي: ليصيبهم ويعذبهم بالعذاب الذي أخزاهم، وذلك شأن المتعاظم المتكبر على الله الذي يرى لنفسه ميزة وشأناً، فإنه عندما يذل ويتصاغر ويحتقر ويضيع جاهه وسلطانه ودعواه في القوم، يشعر بالهون وبالذل وبالخزي، وهم قد أخزاهم الله وأذلهم أمام البشر والأمم من جيرانهم من سكان الأرض، وأمام المؤمنين -على قلتهم- الذين آمنوا بهود وانتفعوا بنبوته ورسالته وهدايته. وقوله تعالى: لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ [فصلت:16]، أي: هذا خزي وعذاب الدنيا، أما خزي وعذاب الآخرة فهو أشد خزياً ونكالاً وعذاباً.

    وخطاب الله هذا هو خطاب لكل إنسان سمع هذه الدعوة الإلهية من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، سواء كانت في عصره أو بعده إلى عصرنا وإلى من بعدنا إلى يوم القيامة، فكل من لم يؤمن بالله وبرسالة القرآن وبرسالة نبيه عليه الصلاة والسلام، بل يُعرض إعراض عاد وثمود؛ فله من الخزي ومن الذل ومن الهوان ما قصه الله علينا في هذه الآيات وغيرها.

    وهو ما ذكر ذلك إلا للعظة وللعبرة وللتأديب وللتربية؛ ومن الخزي الذي أصابنا -نحن المسلمين- في عصرنا عندما تركنا كتاب الله ورسالة نبينا عليه الصلاة والسلام وجرينا خلف اليهود والنصارى والمنافقين نعترف بعلومهم وبحضارتهم وتركنا الإسلام والقرآن والقيادة المحمدية؛ أن سلّط الله علينا أذل خلقه وأحقرهم وألعنهم، وهم اليهود إخوة القردة والخنازير وعبدة الطاغوت، ولن يرفع الله عنا هذا الخزي إلا بعد أن نعود إليه تائبين ضارعين مستغفرين، وهذا مما وعظنا به ولم نتعظ.

    وقد سبقنا إلى هذا أجيال من قبلنا، فهم الذين مهدوا لهذا وما بعده، ونحن لسنا إلا اتباعاً لحاقاً بهم، وفي العادة أن اللاحق يزيد على من سبقه، هكذا يقع التباري بالكفر بالله وبرسل الله، فيقع عليهم عذاب الله المخزي كما وقع للأولين عندما خالفوه وعصوه كخلافنا ومعصيتنا؛ قال تعالى: وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ [فصلت:16]، أي: أشد خزياً وعذاباً، ولن ينصرهم أحد كما لم ينصروا في دار الدنيا، فإذا كانوا في دار الدنيا لم ينصروا ولم يجدوا من ينصرهم ولا يفزع لهم ولا يهتم بهم، فكيف في الآخرة؟ فإنهم في الآخرة سيشتد عذابهم وخزيهم، ولن يجدوا لهم نصيراً كما لم يجدوه في دار الدنيا.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ...)

    قال تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [فصلت:17] .

    قصة عاد وثمود هنا هما شرح وبيان لمجمل الآية -الديباجة- التي ذُكرت في أول قصص هؤلاء، عندما قال ربنا: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ [فصلت:13] وقد قص الله علينا قصة عاد في الآية السابقة.

    وأما ثمود فيقول عنها: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى [فصلت:17]، أي: هديناهم ودعوناهم للهداية وأرسلنا لهم نبيهم صالحاً عليه السلام فدعاهم إلى عبادة الله صباحاً ومساء، وأنذرهم وتوعدهم أنهم إذا بقوا على شركهم سيصيبهم مثل ما أصاب قوم عاد قبلهم.

    وقد طلبوا منه معجزة عجيبة غريبة ومع ذلك استجاب الله لهم، فما زادهم ذلك إلا كفراً وخزياً وإصراراً على الشرك، فقد جاءوا إلى صخرة وقالوا: لن نؤمن بك يا صالح! ما لم تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة طولها كذا وعرضها كذا وكذا وهي عشار أي: حامل في شهرها العاشر، وإذا أنت لم تفعل لا نصدّقك.

    فقال: يا قوم! إذا جاءت المعجزة والآية وكفرتم بها حل عليكم عذاب الله سريعاً، قالوا: لن نؤمن إلا بذاك، فقال: أرجئوني أياماً، فدعا الله فاستجاب له، وبعد أن قال لهم: إنهم إذا جاءتهم هذه الآية كما طلبوها وأعرضوا عن الإيمان وأصروا على الكفر فسيكون ذلك سبب القضاء عليهم جاءت الناقة فلم يؤمنوا كذلك.

    وقد كان هود عليه السلام في جزيرة العرب، وكذلك كان صالح عليه السلام في جزيرة العرب في الحجر بين الحجاز والشام الأردن، ولما كانت المياه شحيحة والأرض حارة وصحراوية وكانت الناقة تحتاج إلى الماء الكثير ولم يكن لهم إلا عين ماء يشربون منها رتب صالح لهم يوماً لشرب الناقة ويوماً لشربهم؛ لأنها تشرب ما يشربون جميعهم، فأخذوا يعطشونها ويجيعونها، وولدت بعد شهر من خلقها.

    ثم إذا بتسعة رهط مفسدين يذهبون ويقتلون فصيلها فأخذت تصيح وتجأر بصوت يزلزل الأرض، فقلتوها بعد يوم أو يومين، فجمع صالح القوم وقال لهم: انتظروا بلاء ودماراً وخراباً بعد ثلاثة أيام، وهكذا كان، ففي اليوم الأول اسودت وجوههم، وفي اليوم الثاني أخذت أجسامهم وعروقهم تضعف ولا يكادون يستطيعون حركة، وفي اليوم الثالث أرسل الله عليهم زلزلة وصيحة، حيث صاح بهم جبريل ومن معه من الملائكة صيحة أخرجت قلوبهم من صدورهم وعيونهم من مآقيها وأمخاخهم من رءوسهم، وصرعوا فأصبحوا جاثمين كأن لم يغنوا فيها.

    وهكذا عاقب الله ثمود بالصيحة والزلزلة بما أهلكهم وقضى عليهم.

    قوله تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ ، أي: أرسلنا لهم هادياً نبياً يدعوهم إلى الهداية وإلى الإيمان والإسلام.

    فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ، أي: ففضّلوا الضلال وعمى القلوب والظلام على النور، وأحبوا العمى والكفر والجهالة والظلمات والضلالة على النور وعلى الهدى.

    قال تعالى: فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ [فصلت:17]، أي: ما كادوا يفعلون ذلك ويقتلون الناقة ويتجرءون على نبيهم ويزدادون كفراً بربهم، حتى أخذهم عزيز مقتدر، فأتتهم صاعقة ومصيبة أرسل بها جبريل، فزلزلت أرضهم وأصمت آذانهم وأخرجت عيونهم وقلوبهم وفجّرت أمخاخهم، فانتهوا وكأنهم لم يغنوا بالأمس، فأصبحوا كأعجاز نخل خاوية، وكأنهم لم يكونوا ولم يوجدوا يوماً.

    والنبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحاح عندما ذهب إلى غزوة تبوك وجد قوماً دخلوا إلى أرض صالح وفيها آثارهم وآبارهم وما هم فيه من بلاء، ووجدهم قد أخذوا من هذا الماء فطبخوا به وخبزوا، فأمرهم صلى الله عليه وسلم بإلقاء تلك الأطعمة التي طبخوها من مياه بئر قوم صالح وبإلقاء ذلك العجين لرواحلهم ولنوقهم وقال لهم: (إذا مررتم بأرض عذاب فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا)، أي: كي لا يقع بهم ما وقع بمن سبقهم ولا يبتلوا ببلائهم وبمصيبتهم.

    وقد ضرب الله هذا مثلاً لكفار هذا العصر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنهم إن أعرضوا عن ربهم وعن طاعة نبيهم صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم فإن الله سيدمرهم وينزل عليهم الصواعق والبلاء والمصائب، وقد فعل ولا يزال يفعل، وما تسليط النصارى ثم اليهود ثم المنافقين على الشعوب الإسلامية إلا عذاب وعقوبة لتركنا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وترك الإسلام الذي بذل سلفنا الصالح في سبيل قيامه وإعزازه ونشره أرواحهم رخيصة في سبيل الله، فجئنا نحن فاستهزأنا بكل ذلك ونبذناه وأصبح كتاب الله وراءنا ظهرياً.

    فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [فصلت:17]، أي: أخذتهم الصاعقة والمصيبة والبلاء المدمر.

    وعذاب الهون: عذاب الهوان، وهو العذاب المؤلم للأجساد المهين للأرواح المذل للأنفس؛ بسبب ما كانوا يكسبون ويرتكبون من كفر بالله وشرك به وتكذيب لرسله وإعراض عن كتابه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون)

    قال تعالى: وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [فصلت:18].

    أي: فعل الله هذا بكفار ثمود، وكان أكثرهم كفاراً، ونجّى من بينهم صالحاً نبيهم ومن آمن معه من قومه، وما آمن معه إلا قلة، وهكذا الأمم السابقة لم يؤمن منهم إلا ثلة من الأولين، وقليل من الآخرين.

    قال تعالى: وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [فصلت:18]، أي: الذين آمنوا قولاً وآمنوا جناناً، وكانوا يتقون في العمل، أي: ويجعلون بينهم وبين الذنوب والمعاصي ومخالفة الله ورسله وأنبيائه وقاية.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون)

    قال تعالى: وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ [فصلت:19].

    جعل الله كل كافر به وبرسله عدو له، وهذا الأرعن الأحمق الذي فقد عقله قبل أن يفقد دينه وأراد إزالة الحواجز بيننا وبين هؤلاء الذين لعنهم الله من إخوان القردة والخنازير لم يدر أن هؤلاء ليسوا أعداءنا نحن فقط، بل هم أعداء الله أولاً، وهم الذين لعنهم الله إلى أبد الآباد، كما قال تعالى: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ [البقرة:61].

    وقد لُعنوا على لسان الأنبياء السابقين واللاحقين، وقد أذلّهم الله ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم عليهما السلام، ولعنهم أيضاً على لسان محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقال تعالى فيهم: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [الأعراف:167].

    فهم أعداء الله قبل أن يكونوا أعداءنا، فهم الذين تكبروا على الله وتجبروا عليه وقتلوا أنبياءه، واستباحوا الدم الحرام وأتوا المنكر وقذفوا أنبياءهم المعصومين عن المحارم، وقتلوا العلماء وشرّدوا الصالحين، فدمّرهم الله وقطّعهم في الأرض أمماً.

    والذي نراه اليوم ليس هو إلا من باب أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا [مريم:83]، ثم يجمع الله الشياطين والكفار واليهود ومن سُلطوا عليهم في جهنم، جزاء خذلانهم وكفرهم بالله، كما قال تعالى: وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ [فصلت:19]، أي: يُحشر يوم القيامة أعداء الله من الكفار يهوداً ونصارى ومنافقين.

    قوله: إلى النَّار فَهُمْ يُوزَعُونَ ، أي: يُساقون إلى النار ويجرون إليها، فيجمع أولهم مع آخرهم ويساقون إليها سوق الدواب، ويسحبون على وجوههم وجباههم؛ جزاء كفرهم بالله وشركهم به.

    قال تعالى: وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ [فصلت:19]، وقرئت: (ويوم نحشر أعداءَ الله إلى النار فهم يوزعون) أي: فهم يُسحبون على وجوههم ويساقون إليها سوق الدواب على وجوههم ورءوسهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم ...)

    قال تعالى: حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [فصلت:20].

    أي: حتى إذا جاءوا النار ووصلوا إليها وهم يُسبحون على وجوههم.

    و(ما) في القرآن صلة، وهي في اللغة زائدة، ولكنها زائدة أو صلة من حيث الأعراب والنحو، أي: ليس لها مكان ولا أثر في رفع أو نصب أو جر، ولكنها في المعنى للتأكيد، ولها المعنى الكامل في تأكيد المعنى الداخلة عليه.

    فقوله تعالى: حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا ، أي: حتى إذا تأكد مجيئهم ووصل أعداء الله إلى النار، شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، أي: إذا وصلوا إلى النار فسينكرون ويقولون: نحن ما أذنبنا وما عصينا وقد عشنا موحدين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755896103