إسلام ويب

سلسلة تأملات قرآنية [1]للشيخ : صالح بن عواد المغامسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • القرآن الكريم كلام الله تعالى الذي تفيء إليه العلوم كلها، وفي آياته الهدى والرشاد، فمما جاءت الآيات القرآنية من الهدى دعوة الله عباده إلى تقواه واجتناب الشرك به، وبيان عظيم منة الله تعالى عليهم، وبيان انتفاع المؤمنين بضرب الأمثال وشقاء الكافرين مع حصول بيان الهدى بذلك، والإنكار على الخلق في كفرهم بربهم وهو الذي أحياهم بعد موت ويبعثهم بعد موت، مع قدرته على إيجاد ما سواهم مما هو أعظم منهم.

    1.   

    القرآن جامع العلوم

    الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فسوى وقدر فهدى، وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

    فإن هناك أموراً نذكر بها، ومنها: أن القرآن أم العلوم كلها، وأن الإنسان إذا قدر له أن يفقه كتاب الله فقد أصبح بيده مقاليد العلم كلها، ذلك أن جميع العلوم تفيء إلى القرآن، على أننا -ونحن نشرح- قد نطيل الوقوف عند آية ونتجاوز آية أخرى على هيئة أسرع، والمقصود أن الآيات تتفاوت فيما نريد إيصاله إليك لكونك طالب علم في المقام الأول.

    وقد نقل الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله تعالى عن شيخه الإمام الشنقيطي صاحب أضواء البيان أنه سأله عندما كان يفسر القرآن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: له إنك رجل ذو باع عظيم في العلم، فلماذا اخترت التفسير دون سائر العلوم مع قدرتك على إتيان كثير من المسائل وشرحها؟! فقال الشيخ رحمه الله تعالى -وهو العارف بكتاب الله-: إن العلوم كلها تفيء إلى القرآن. أو نحو ذلك من المعنى. والمقصود أن هناك مسائل في العقيدة ومسائل في الفقه ومسائل في التربية ومسائل في الدعوة متنوعة متعددة سنقف عند كل منها بقدر المستطاع، وسنحاول أن نكثر من بعضها ونقلل من بعضها بحسب ما يمليه الموقف وبحسب ما تمليه الآية.

    كما أننا نخاطب في المقام الأول طلبة العلم، فلذلك قد لا يغلب الوعظ على الدرس كله وإن كان لا بد منه، لكن فمما يعين طالب العلم على طلب العلم -بعد استعانته بالله- أن يجد مادة علمية يعقد عليها خنصره وبنصره، فإذا وجد شيئاً يعقد عليه أصابعه وازداد الكم الذي يأخذه مع مراجعته إياه استمر في الطريق، ولكن إن وجد طالب العلم نفسه يكرر مسائل بعينها فتغدو عليه الشهور والأيام وهو ما زال رهين مسائل معدودة، أصابه سآمة وملل من العلم نفسه، وهذا ما نحاول بقدر الإمكان تلافيه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم .... )

    براهين البعث والنشور

    قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:21-22].

    لما ذكر الله أصناف الخلق الثلاثة خاطبهم أجمعين بقوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا [البقرة:21-22]، إلى آخر الآيتين.

    وأراد الله من هذا أن يبين حقيقة البعث والنشور، وذكر في هاتين الآيتين ثلاثة براهين على وجود البعث والنشور.

    البرهان الأول: هو الإيجاد والخلق الأول، وقد بينه بقوله: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21].

    ومعلوم قطعاً أن من قدر على الخلق الأول فهو قادر على الخلق الثاني، وهذا قد بينه الله في غير سورة، قال الله جل وعلا: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ [يس:78]، وقال الله جل وعلا: فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الإسراء:51]، فالاتكاء في الدليل على الإيجاد الأول أول البراهين على أن هناك بعثاً ونشورا.

    الدليل الثاني: ذكر ما هو أعظم من خلق الإنسان، وفائدة الذكر أن من قدر على خلق الأعلى قادر على أن يخلق ما هو دونه، والله جل وعلا خلق السماوات والأرض، فمن باب أولى أن يكون قادراً على أن يحيي الناس بعد موتهم، ودليل هذا في القرآن قال الله جل وعلا: لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ [غافر:57]، وقال جل وعلا: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ [يس:81]، فهنا برهانان: البرهان الأول: الإيجاد والخلق، البرهان الثاني: ذكر خلق أعظم من خلق الناس، وهو هنا خلق السماوات والأرض.

    البرهان الثالث: القياس، لأن الله جل وعلا قال: وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ [البقرة:22]، فكون الأرض ميتة فينزل عليها من السحاب مطر فتحيا يدل على أن من أحياها قادر على أن يكون على يديه البعث والنشور، وهذا ما ذكره القرآن، قال الله جل وعلا: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [فصلت:39].

    فبين سبحانه أن القادر على أن يحيي الأرض بعد موتها قادر بقدرته وعظمته وجبروته ورحمته وعزته وسلطانه على أن يحيي الناس ويعيدهم بعثاً ونشوراً بعد أن كانوا أمواتاً، فاجتمعت في هاتين الآيتين ثلاثة براهين على إثبات حقيقة البعث والنشور، فهذا هو التفسير المجمل للآيتين.

    التلازم بين العبادة والتقوى

    أما التفسير التفصيلي فإن قول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]، فيه تلازم بين العبادة والتقوى.

    فالعبد إذا عبد الله اتقاه وإذا اتقاه فقد عبده.

    فضل الله على عباده في بسط الأرض وإنزال المطر

    وقوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا [البقرة:22]، أي: تطئون عليها ممهدة ميسرة، وهذا ظاهر لكل ذي عينين.

    وقوله تعالى: وَالسَّمَاءَ بِنَاءً [البقرة:22]، السماء في اللغة: كل ما أظلك، كما قال القائل:

    وأرضك كل مكرمة بنتها بنو تيم وأنت لها سماء

    أي: وأنت لها سقف، فكل ما أظلك فهو سماء، ولكن المقصود بالآية هنا: السماوات السبع وسيأتي تفصيلها في آيات أخر.

    وقوله تعالى: وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ [البقرة:22]، السماء هنا ليس المقصود بها السماوات السبع، بل المقصود بها السحاب بالقرينة الموجودة، وهي أن المطر ينزل من السحاب.

    قوله تعالى: وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ [البقرة:22]، الباء هنا سببية، أي: فأخرج لكم بسبب الماء، مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22].

    تحريم الشرك بالله تعالى

    ولما ذكر الله جل وعلا هذه البراهين الثلاثة التي تدل على قدرته، وعلى ربوبيته، وعلى أنه لا رب غيره ولا إله سواه قال مطالباً عباده بقوله: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا [البقرة:22].

    والند: هو الشريك والمثيل والنظير، ولا يوجد لله شريك، ولا ند، ولا مثيل، ولا نظير لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، ولذلك ما بني الدين إلا على أنه لا يعبد إلا الله، وما أرسلت الرسل وما أنزل الكتب وما أقيمت الموازين ولا نصبت البراهين إلا ليعبد الله وحده دون سواه، فمن أجل هذا خلق الله جل وعلا الخلق كلهم، قال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58].

    يقول تعالى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22]، ولا تفهم أن جملة (وأنتم تعلمون) متعلقة بقول تعالى: (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا) لأنك إذا علقتها بها ونسيت أن هناك محذوفاً يصبح مفهوم الآية في ذهنك: لا تجعل لله أنداداً وأنت تعلم. فكأنك تقول: يجوز أن تجعل لله نداً وأنت لا تعلم. وليس هذا مقصود القرآن، ولكن المعنى: فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون يقيناً أنه ليس له أنداد.

    فهناك مفعول به للفعل (تعملون) حذف لدلالة المعنى عليه، وهذا كثير في القرآن، أي: فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون يقيناً أنه ليس لله جل وعلا ند، ولا شريك، ولا ظهير، ولا نصير ولا أي شيء من ذلك أبداً، بل الله واحد أحد فرد صمد ليس له شريك ولا ند وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4].

    ويفهم من هذا أن الشرك -والعياذ بالله- أعظم الكبائر، وهو الذنب الذي لا يغفر أبداً.

    وقد يعبد المرء هواه، وقد يعبد المرء شيئاً آخر بحيث يتعلق به القلب حتى يصرفه عن طاعة الله جل وعلا، فهذا قد جعل لله ندا، سواء علم أو لم يعلم، لكن لا يقال بكفره كفرا أكبر؛ لأن مسألة التكفير أمر يحتاج إلى تفصيل وإلى تأن وإلى تبين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا ... )

    ذكر آيات التحدي

    ثم قال سبحانه: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:23-24].

    هذه الآية تسمى في لغة القرآن: آية التحدي، وهي أول آيات التحدي في القرآن حسب ترتيب المصحف، وآيات التحدي في القرآن خمس، ومعنى آيات التحدي: أن الله جل وعلا تحدى العرب -على فصاحتهم وبلاغتهم- في أن يأتوا بمثل هذا القرآن.

    وآيات التحدي في القرآن خمس: هذه الآية من سورة البقرة، والآية الثامنة والثلاثون من سورة يونس، وهي قوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ [يونس:38]، والآية الثالثة عشرة من سورة هود، وهي قول الله جل وعلا: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ [هود:13]، والآية الثامنة والثمانون من سورة الإسراء، وهي قول الله جل وعلا: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88].

    والتحدي الخامس جاء في سورة الطور في الآيتين الثالثة والثلاثين والرابعة والثلاثين، حيث قال الله جل وعلا: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ [الطور:33-34]، فاجتمع بهذا خمس آيات حسب ترتيب المصحف في تحدي كفار قريش.

    وتقول في مسألة التحدي: إن العرب كان ليس لهم هم ولا بضاعة إلا بضاعة الكلام، نصبت على ذلك أسواقهم، وقامت على ذلك أنديتهم، وكانوا أهل بلاغة وفصاحة وشعر وخطابة، فليس لهم تبار ولا تنافس ولا نقد إلا في الشعر والخطابة، وعلى هذا قامت حياتهم.

    فجاء نبينا صلى الله عليه وسلم بالقرآن من عند ربه وهو يقول: إن هذا القرآن من الله، وهذا الكلام كلام الله، فكذبوه قائلين: إن هذا من عندك إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ [الأنعام:25]، فلما كذبوه أخبره الله جل وعلا بأنه إن كان هذا القرآن من عندي -كما تقولون- فأنا بشر مثلكم وعربي مثلكم، وأنتم أهل فصاحة وأهل بلاغة فأتوا بمثله إن كنت صادقين، واستفزهم الله جل وعلا أيما استفزاز وتحداهم أيما تحد، فقال الله: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]، ثم قال: وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]، ثم ساواهم بالحجارة قال: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:131]. وأخبر بأن وقودها الناس والحجارة، كل ذلك ليلهب مشاعرهم ويوقظ الهمم فيهم حتى يتحدوا القرآن، ومع ذلك أثبتوا عجزهم وأنهم غير قادرين على أن يأتوا بآية ولا بجزء من آية فضلاً عن سور أو عشر سور أو عن القرآن كله، فهذا معنى التحدي في الآيات.

    ذكر حقيقة التحدي في القرآن الكريم

    واختلف الناس في كون العرب لم تستطع أن تأتي بمثل هذا القرآن؟

    فقيل: لإعجازه في ذاته، وهذا هو الذي لا ينبغي أن يقال بغيره.

    وقيل: لمفهوم الصرفة، والصرفة مسألة بلاغية لا نحب أن نطيل فيها، ولكن نقول: قالها رجل معتزلي اسمه: إبراهيم بن سيار النظام ، قال: إن العرب كانوا قادرين على أن يأتوا بمثل هذا القرآن، لكن الله صرفهم -لحكمة أرادها- عن أن يأتوا بمثله. وهذا قول باطل خالفه فيه العلماء حتى مشايخ المعتزلة، فقد أجمع المسلمون على أن العرب عجزت على أن تأتي بمثل هذا القرآن لنظمه لأمور عديدة لا تحصى، ومن أراد أن يرجع إلى هذه المسألة فليرجع إلى كتاب اسمه: (النبأ عظيم) لرجل عالم اسمه: محمد عبد الله دراز ، من أئمة الدنيا له قدرة بلاغية عظيمة، ولكنه مات قبل أن يكمل الكتاب، ولكن الكتاب يطبع ويباع كثيراً.

    وهذا الكتاب مزيته الكبرى أن الرجل أعطاه الله جل وعلا بلاغة وفصاحة عز نظيرها وقل مثيلها، فمن أراد أن يستزيد في البيان والقدرة على الكتابة والقدرة على الخطابة فليكثر من القراءة في هذا الكتاب، فهذا الكتاب ألهم الله جل وعلا كاتبه رحمه الله تعالى قدرة بيانية يعجز الناس في هذا القرن كثيراً عن أن يأتوا بمثلها، وله أسلوب غريب وعجيب في أنه يتأسى بالقرآن كثيراً، فلما ذكر قضية الإعجاز قال: فما كان جوابهم إلا أن ركبوا متن الحتوف واستنطقوا السيوف بدل الحروف لما عجزوا عن الإتيان بالبرهان، وهذه حيلة كل عاجز يعجز عن دفاعه عن نفسه بالقلم أو اللسان، إلى غير ذلك مما قال.

    مقام العبودية وذكر أنواعها

    ذلك هو أول ما دلت عليه الآيات، وقد دلت الآيات أيضاً على صدق رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم، كما أن في قوله جل وعلا: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [البقرة:23] بيان أن مقام العبودية أرفع مكان وأجل منزلة، وكلمة (عبد) تأتي في الشرع لثلاثة معان:

    الأول: العبودية بمعنى القهر، وهذا يستوي فيه المؤمن والكافر، فكل الناس المؤمنون والكافرون عبيد لله، والدليل: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [مريم:93]، هذه عبودية مطلقة يستوي فيها المؤمن والكافر والملائكة والجن والإنس.

    الثاني: العبودية في الشرع، وهي ضد كلمة: (حر) قال الله جل وعلا: الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ [البقرة:178]، وهذا الذي يُستَرقُ في الجهاد ويؤخذ كأسير بصرف النظر عن لونه، فيسمى عبداً في الشرع، الثالث: العبودية بالطاعة والاتباع، وتنقسم إلى قسمين:

    الأول: طاعة لله، وهذا الأمر الذي يتنافس فيه عباد الله الصالحون.

    الثاني: عبودية لغير الله أعاذنا الله، وهذا الأمر بابه واسع، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم)، أي: الذي يطيع هواه، ويطيع ديناره، ويطيع درهمه.

    فتحرر أن العبد ثلاثة أقسام عبد مقهور، فكل الناس في هذه العبودية سواء، ودليلها قوله تعالى: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [مريم:93]، وعبد بالشرع، ودليل ذلك قوله تعالى: الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ [البقرة:178]، وعبد طاعة وتنقسم إلى قسمين: طاعة لله، وهذا هو الأمر الواجب شرعاً، وهو الذي يتنافس فيه عباد الله الصالحون، وعبد لغير الله عياذاً بالله، وهو عبد الهوى، وعبد الدينار، وعبد الجمال، وعبد الدرهم، وعبد لأي شيء، وهذا مصيره الضلالة والخسران.

    بيان المراد بالحجارة التي توقد بها النار

    قال الله تعالى: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:23-24]، هذا قمة الإعجاز، وهو أنه لم يستطع أحد أن يأتي بالقرآن، فقال تعالى: وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24]، أما قوله: (وقودها الناس) فمعروف، وأما قوله: (والحجارة) فللعلماء فيه قولان:

    فقيل: أن الحجارة هنا حجارة من كبريت في النار، وهذا عليه الأكثرون، وهو -فيما نرى- رأي مرجوح.

    وقيل: إن الحجارة هنا هي الأصنام التي كانوا يعبدونها في الجاهلية، فتقرن معهم في النار، وهذا هو الراجح إن شاء الله، ودليله من القرآن: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [الأنبياء:98].

    معنى قوله تعالى ( أعدت للكافرين )

    ثم قال جل وعلا: أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:131]، قال العلماء في قول الله جل وعلا: (أعدت للكافرين) دليل على أنه لا يخلد في النار أحد من أهل التوحيد، فمن مات على (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وجاء بأركان الإيمان الستة من؟ فهو موحد، ولا يخلد في النار أحد من أهل التوحيد ممن مات على (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وجاء بالأركان الإيمان الستة.

    قال العلامة السفاريني وغيره: وتحقيق المقال أن خلود أهل التوحيد في النار محال، فمن مات على التوحيد فإنه مهما عذب في النار على قدر ذنبه مصيره أن يخرج منها؛ لأن الله قال: أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:24]، والموحد غير كافر، والله جل وعلا قال: لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى [الليل:15-16]، فما دام أن من كذب وتولى كافر، فإن من لم يكذب ولم يتول يعذب في النار -إن كان عاصياً ولم تداركه رحمة الله من قبل- أمداً محدوداً، ثم يخرج منها إلى الجنة، أعاذنا الله وإياكم من النار.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( وبشر الذي آمنوا وعملوا الصالحات .... )

    ومن أسلوب القرآن أنه يجمع بين الترغيب والترهيب والوعد والوعيد، فبعد أن ذكر ربنا جل جلاله أهل النار قال جل وعلا: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:25]، هذه الآية فيها مبشِّر وفيها مبشَّر وفيها مبشر به، وفيها سبب للبشارة.

    أما المبشِّر فهو النبي صلى الله عليه وسلم ومن يقوم مقامه بعده من أمته في الدعوة إلى الدين وأما المبشَّر فهم المؤمنون، وأما المبشر به فهو الجنات على ما وصفها الله جل وعلا به.

    وأما أسباب البشارة فالإيمان والعمل الصالح، كما قال تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [البقرة:25].

    فهذه الإشارة -يا أخي- تأخذ طرائق ومسالك من أعظمها: أن الإنسان إذا وفق في الدنيا -وهو حي- للخيرات فهذه أول البشارات بأن الله جل وعلا جعله أهلاً لأن يدخله الجنة.

    وثاني البشارة تكون عند الموت عندما تأتي الملائكة تبشر المؤمنين بما سيصيرون إليه، وأما تحقيق البشارة فيكون بعد الموت.

    وصف الجنات

    يقول تعالى: وَبَشِّرِ [البقرة:25] أي: يا نبينا صلى الله عليه وسلم، وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ [البقرة:25]، وجاءت (جنات) مجرورة؛ لأنها جمع مؤنث سالم منصوب بالكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه وقع اسماً للحرف الناسخ (أن) وأصل الكلام: أن جنات لهم.

    ثم ذكر الله جل وعلا وصف الجنات فقال في أول وصفها: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [البقرة:25]، ولم يذكر الله جل وعلا هنا ما هية الأنهار، والقرآن يفسر بالقرآن، فذكر تعالى الأنهار في سورة محمد، وهي أنها أنهار من ماء، وأنهار من لبن، وأنهار من خمر، وأنهار من عسل مصفى، فقوله تعالى: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [البقرة:25] أي: أنهار الماء، وأنهار اللبن، وأنهار الخمر، وأنهار العسل.

    ثم إنه جل وعلا ذكر أن جريان الأنهار من تحتها أول صفاتها؛ لأن والقاعدة أن الشيء كلما كان ملتصقاً بذات الشيء كان تقديمه أولى، فالله تعالى حين قال بعدها: كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ [البقرة:25] فهو يتكلم عن أهلها، ولكن لما قال: مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [البقرة:25]، كان الكلام عن الجنة نفسها، فقدم هذه الصفة؛ لأنها متعلقة بالجنة.

    وتطبيق أصل هذه في باب العبادات في الطواف حول الكعبة، فهو عبادة، فكلما اقترب الإنسان من الكعبة كان ذلك أفضل، ولكن حين يأتي الإنسان في طواف القدوم فإن طواف القدوم من سننه الرمل، وهو أن يسرع الإنسان في الخطوات، فإذا اقترب الإنسان من الكعبة يفوت عليه أن يرمل، فقول هنا: ابتعد عن الكعبة وائت بالرمل خير من أن تقترب من الكعبة دون أن ترمل؛ لأن الرمل من ذات العبادة، أما القرب من الكعبة فليس من ذات العبادة، فهو أمر منفك عن العبادة.

    وكذلك لو أن إنساناً يسكن في حي بعيد عن الحرم، فأقيمت الصلاة فحرك سيارته ليدرك الصلاة في الحرم، فإنا نقول: إن إدراكك تكبيرة الإحرام مع الإمام في حيك أفضل من إدراك بعض الصلاة في الحرم؛ لأن إدراك تكبيرة الإحرام فضل يتعلق بذات الصلاة، ولكن إدراكك الصلاة في الحرم يتعلق بمكانها لا بذاتها، وكلما كان الفضل يتعلق بذات العبادة كان أكمل وأفضل وأولى.

    ولذلك قدم الله جل وعلا ذكر الأنهار على ذكر غيرها من الصفات؛ لأن ذكر الأنهار يتعلق بذات الجنة، فقال جل وعلا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا [البقرة:25].

    بيان معنى قوله تعالى ( قالوا هذا الذي رزقنا من قبل ... )

    وكلمة (كلما) لا تكرر كما هو مشهور كلام الناس، حيث يقولون: كلما أتيتني كلما أطعمتك. فهذا خطأ، بل يؤتى (كلما) في أول الكلام ولا تكرر، كما قال الله: كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ [البقرة:25]، ولم يقل: كلما قالوا.

    فهذا من ناحية نحوية.

    وأما من ناحية المعنى فللعلماء في معنى هذه الآية ثلاثة أقوال:

    القول الأول: أن قوله تعالى: (قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) أي: في الدنيا.

    لأن (قبل) جاءت مضمومة منقطعة عن الإضافة، فلم يذكر الله جل وعلا المضاف إليه فوجب إحرازه بقدر الإمكان، فيصبح المعنى أن هؤلاء المؤمنين -جعلنا الله وإياكم منهم- يرون ثمار الجنة، فإذا رأوها قالوا: هذه الثمار تشبه الثمار التي كنا نأكلها في الدنيا.

    القول الثاني: أن الثمار إذا قطفوا منها تبدل بغيرها، فإذا رأوا الثاني قالوا: هذا مثل الأول الذي قطفناه من قبل؛ لتشابه ثمار الجنة.

    وبين هذين القولين يدور أكثر المفسرين، ولكننا نقول -والله أعلم-: إن المعنى: أن أهل الجنة إذا قطفوا ثمرة في أول النهار تبدل بغيرها تشبهها في آخر النهار، فإذا جاءوا يقطفونها قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل. أي: هذا مثل طعام الصباح، فإذا أكلوها وجدوها تختلف في الطعم الأولى وأظن الشوكاني رحمه الله في (فتح القدير) مال إلى هذا القول.

    وصف نساء الجنة

    يقول تعالى: وَلَهُمْ فِيهَا [البقرة:25] واللام هنا للملكية، أي: لهم في الجنة أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ [البقرة:25]، ولم يقل الله مطهرة من كذا وكذا؛ لفائدة عظيمة وهي أنهن مطهرات من كل شيء، ومطهرات في خلقهن، ومطهرات في أخلاقهن، ومطهرات من كل عيب ونقص لا يشينهن شيء.

    الخلود في الجنة

    قال تعالى: وَهُمْ فِيهَا [البقرة:25] أي: في الجنة خَالِدُونَ [البقرة:25]، وهذا الخلود خلود أبدي لا انقطاع له أبداً، دل عليه القرآن والسنة، فقد قال الله جل وعلا في أكثر من سورة: خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ، وأما ما دلت عليه السنة ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه: (إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار أتي بالموت على صورة كبش أملح، فينادى: يا أهل الجنة! هل تعرفون هذا؟ فينظرون فزعين خوفاً أن يقال لهم: اخرجوا منها، وينادى! يا أهل النار! هل تعرفون هذا؟ فينظرون فرحين لعلهم أن يقال لهم: اخرجوا منها. فيقولون جميعاً: نعم هذا الموت، فيذبح بين الجنة والنار، وينادى! يا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت. قالت عائشة : فلو أن أحداً مات فرحاً لمات أهل الجنة فرحاً، ولو أن أحداً مات حسرة لمات أهل النار حسرة)، وفي رواية البخاري : (أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا بعدها: وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [مريم:39-40]).

    عظم نعيم الجنة وبعث تذكره على العمل

    فتحرر من هذا أن دخول الجنة أعظم الأماني وأجل الغايات، وأن ما ينال الإنسان من نصب أو تعب أو جهد أو إنفاق من ماله أو من وقته أو من بدنه في سبيل تحقيق الإيمان والعمل الصالح إذا دخل الجنة ينساه، فينسى كل بؤس وجده في الدنيا، وقد قيل للإمام أحمد رحمه الله تعالى: متى يستريح المؤمن؟ قال: إذا خلف صراط جهنم وراء ظهره. وفي رواية أخرى أنه سئل فقال: إذا وضع قدمه في الجنة. والمقصود أن أهل الجنة لا يبيدون، وقال النبي عليه الصلاة والسلام عنهم (لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم)، والإنسان إذا أراد أن يقوم من الليل فأضجعته نفسه ودعته نفسه الأمارة بالسوء إلى أن يخلد إلى الفراش فليتذكر يوم الحشر ويوم الحساب ويوم يقال لأهل الجنة: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:24].

    ويتذكر يوم أن يطرق النبي صلى الله عليه وسلم أبواب الجنة فيقول الخازن: من أنت؟ فيقول: (أنا محمد)، فيقول: أمرت ألا أفتح لأحد قبلك. فيدخلها عليه الصلاة والسلام، ثم يدخلها بعده الأخيار المؤمنون الأتقياء الأبرار من أمته، وليتذكر المؤمن وهو يرى ما يثبطه عن العمل الصالح ويدعوه إلى الشهوات ويدعوه إلى أن يعصى الله جل وعلا، ليتذكر خروج الناس من قبورهم حفاة عراة غرلاً بهما أشد ما يكونون إلى ماء يروي ظمأهم، فإذا خرجوا وجدوا النبي عليه الصلاة والسلام على حوض يسمى: الحوض المورود، فيقبل عليه -صلى الله عليه وسلم- المؤمنون الأتقياء من أمته فيردون من حوضه ويشربون من يده شربة لا يعطشون بعدها أبداً.

    فإذا تذكر الإنسان حال أهل الجنة وما فيها من نعيم، وتذكر حال أهل النار -عياذاً بالله- وما فيها من جحيم دعاه ذلك إلى زيادة الإيمان في قلبه والمسارعة في الخيرات وعمل الصالحات، ولن تلقى الله جل وعلا بشيء أعظم من سريرة صالحة، وإخلاص في قلب، ومحبة للمؤمنين وعدم بغض لهم، فليس في قلبك حسد ولا غل على مؤمن كائناً من كان؛ ترى من ترى من تفضل الله جل وعلا عليه فتسأل الله جل وعلا من فضله، ولا يخلو إنسان من عثرة ولا من زلل ولا من خطأ، ولكن المؤمن إذا آب إلى الله فرح الله جل وعلا به، قال الله جل وعلا في نعت خليله إبراهيم: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ [التوبة:114]، وقال الله جل وعلا عنه في آية أخرى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ [هود:75]، أي: كثير الرجعة إلى الله، فكثرة التوبة والاستغفار والإنابة إلى الله مع الإيمان والعمل الصالح كل ذلك يهيئ للمؤمن أن يدخل جنات النعيم، رزقنا الله وإياكم إياها بأمن وعفو وعافية.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة ... )

    ثم قال جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ [البقرة:26].

    لما ذكر الله جل وعلا الأمثال السابقة عن المنافقين استنكروا أن يضرب الله أمثالاً بتلك الصورة، فرد الله جل وعلا عليهم بقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26]، من شيء عظم أم حقر؛ لأن العبرة بما ينجم عن المثل لا بعين المثل، فالعبرة بما ينجم من فائدة من المثل لا بعين المثل، والناس في تلقيهم للمثل القرآني فريقان) كما قال الله: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ [البقرة:26] أي: المثل، هو الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة:26]، فيعلمون أنه الحق من ربهم؛ لأن قلوبهم مؤمنة تتلقى ما عند الله جل وعلا.

    قال تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا [البقرة:26]، وهو أسلوب التشكيك، فالظلمات التي في قلوبهم تظهر على ألسنتهم كما هي موغلة في قلوبهم.

    انتفاع المؤمنين بالأمثال المضروبة دون غيرهم

    ثم أخبر الله أن المثل كالقرآن فقال تعالى: يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا [البقرة:26].

    والقرآن كالمطر، والمطر لا يُنبِت في كل أرض ينزل عليها، وقد قال الله: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ [الإسراء:82]، لمن؟ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا [الإسراء:82]، وقال: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت:44]، وذكر الذين كفروا فقال: وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى [فصلت:44]، وكذلك الأمثال التي يضربها الله جل وعلا في القرآن ينتفع بها المؤمنون ولا ينتفع بها أهل الفسق والكفر والفجور.

    ثم قال الله: وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ [البقرة:26]، والفسق يأتي على معنيين: الأول: الكفر، ويكون مخرجاً من الملة، ومنه قول الله جل وعلا: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ [السجدة:18]، ويأتي بمعنى الكبيرة أو العصيان الذي لا يخرج من الملة، ومنه قول الله جل وعلا: إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6]، فهذا فسق لا يخرج من الملة، وأصل الفسق: الخروج، فكل من خرج عن طاعة الله فهو فاسق، والناس في هذا -بلا شك- على درجات عدة.

    صفات الفاسقين الضالين عن الانتفاع بالهدى

    ثم ذكر الله صفات الفاسقين فقال تعالى: الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ [البقرة:27]، وأعظم عهد لله توحيده والإيمان وبه، وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ [البقرة:27]، والذي أمر الله به أن يوصل كثير، ولكن أعظمه: صلة الرحم، وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ [البقرة:27]، أي: بالمعاصي، وإني أجمل أحياناً في التفسير لأن القرآن مثاني، أي: يتكرر، فأطنب في مواضع وأتوقف في مواضع عمداً حتى يأتي البيان في سورة ثانية.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ... )

    ثم ذكر الله جل وعلا خطاباً موجهاً لأهل الكفر خاصة على هيئة أسلوب استفهامي إنكاري توبيخي فقال سبحانه: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [البقرة:28].

    ويتحرر من هذا أن الموت موتان، والحياة حياتان، فالموت الأول المقصود به العدم قبل الخلق، قال الله تعالى: هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان:1]، والحياة الأولى: هي نفخ الروح في الجنين في بطن أمه، وهي الحياة التي نعيشها الآن، والموت الثاني: مفارقة الروح للجسد، والحياة الثانية: عودة الروح إلى الجسد، وهذا ينجم منه أن الروح لا تموت، وإنما موتها خروجها من الجسد، فالروح تخرج من الجسد بعد أن تكون قد دخلت فيه، ودخول الروح إلى الجسد ليس وضعاً اختيارياً لها، فلا يوجد إنسان اختار جسده، ولا جسده اختار روحه، ولكن يحصل مع الأيام تآلف بين الجسد والروح، فإذا جاء نزع الروح يكون ذلك صعباً على الإنسان لما وجد من تآلف بين البدن والروح، ولذا قيل:

    هبطت إليك من المحل الأرفع ورقاء ذات تعزز وتمنع

    هبطت على كره إليك وربما كرهت فراقك وهي ذات توجع

    يعني: يصيبها توجع وتمنع عندما تريد أن تفارقك.

    فقول الله: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:28] المقصود به أن من كان ولي هذا وربه وهو القادر عليه وجب ألا يكفر به، فمن كفر به استحق التوبيخ والإنكار.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً .... )

    ثم قال الله جل وعلا: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]، هذه الآية -كما يقول عنها الأصوليون- دلت على أن الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة، وأكدها الله جل وعلا بقوله: جَمِيعًا [البقرة:29].

    فالأصل في المخلوقات الطهارة والإباحة إلا ما دل الدليل على نجاسته أو دل الدليل على حرمته، فالناقل عن الأصل هو الذي يحتاج إلى دليل، فالأصل في البيوع -مثلاً- الحل، قال الله جل وعلا: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275]، فمن قال: هات دليلاً على أن هذا البيع حلال، قلنا له: لا نحتاج إلى دليل، بل تحتاج إليه أنت إن قلت: إنه حرام والعبادات الأصل فيها المنع إلا ما دل الدليل على شرعيته، قال الله تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21].

    بيان معنى قوله تعالى ( ثم استوى إلى السماء ... )

    قال الله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ [البقرة:29]، قبل الحديث عن الفعل (استوى) نقول: هناك فعل لازم وآخر متعدٍ، فتقول مثلاً: أكل الرجل الطعام.

    ف(أكل) فعل، والرجل فاعل، فهذا الفعل (أكل) تعدى إلى مفعول به، وهو الطعام.

    والمتعدي يتعدى بأحد طريقين: فإما أن يتعدى بنفسه، نحو (أكل الرجل الطعام) وإما أن يتعدى بحرف جر، فتقول: جلس الرجل على الكرسي. فـ(جلس) فعل والرجل فاعل و(على الكرسي) جار ومجرور، فتعدى بـ(على).

    في فعل في اللغة اسمه: فالفعل (استوى)، جاء في القرآن على ثلاثة أحوال: جاء لازماً غير متعد، وجاء متعدياً بحرف الجر (على)، وجاء متعدياً بحرف الجر إلى، أعيد جاء ماذا؟ لازماً غير متعدي وجاء متعدياً بحرف الجر على وجاء متعدياً بحرف الجر (إلى). وفي كل حال له معنى.

    فقد قال الله جل وعلا عن كليمه موسى: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى [القصص:14]، فلم يذكر بعد (استوى) شيء، فإذا جاءت الفعل (استوى) وليس بعده شيء فمعناه الكمال والتمام، أي أن موسى تم وكمل عقله ورجولته.

    وأما التعدي بـ(على) فقد ذكره تعالى في استوائه على العرش في سبعة مواضع من القرآن، منها قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، فإذا تعدى بحرف الجر على يكون معناه العلو والارتفاع، ومنه قوله تعالى: لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ [الزخرف:13]، أي: علوتموه وارتفعتم عليه وأما إذا تعدى بحرف الجر (إلى) فإن معناه القصد، أي قصد شيء آخر بعد شيء قبله، وهو الذي بين أيدينا، قال الله جل وعلا: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [البقرة:29]، فالله تعالى خلق الأرض قبل قبل السماء، فخلق الأرض في يومين، وقبل أن يتمها جل وعلا -وهو القادر- قصد السماء فخلقها في يومين، كما قال تعالى: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [فصلت:9-12] وبعد أن خلق الأرض في يومين عاد جل وعلا -وهو القادر على كل شيء- فأكمل خلق الأرض، فأصبح خلق السماوات والأرض جملة في ستة أيام، ولكن السماء خلقت في يومين والأرض خلقت في أربعة أيام، فقوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [فصلت:11] أي: قصد السماء. لأنه تعدى بحرف الجر (إلى) ثم لما أكمل خلق السماء عاد جل وعلا فأكمل خلق الأرض، ولذلك قال جل وعلا في النازعات: قال: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا [النازعات:27-30]، ولم يقل: والأرض بعد ذلك خلقها؛ لأنه تعالى خلقها من قبل، ولكن تركها جل وعلا غير منتهية لحكمة أرادها، ثم أكمل خلقها.

    عدد السماوات وعدد الأرضين

    ذكر الله في القرآن أن السماوات سبع، ولم يذكر في القرآن نصاً صريحاً كلمة سبع أرضين، ولكنها جاءت في السنة، ودل عليها القرآن في سورة الطلاق في قوله جل وعلا في آخر الآية: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ [الطلاق:12] وجاء في السنة أن من اغتصب شبراً طوقه يوم القيامة من سبع أرضين، ولا يوجد جواب شاف في عدم ذكر لماذا الله كلمة (أرضين) في القرآن فيما نعلم.

    فهذه السماوات السبع بعضها فوق بعض، وأدنى سماء إلينا تسمى السماء الدنيا، وأعلى سماء تسمى السماء السابعة، ولكل خزنة وأبواب وسكان، أما الأبواب فإن الله يقول فيها: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ [الأعراف:40]، وأما السكان فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أطت السماء وحق لها أن تئط، والله ما من موضع أربعة أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله تعالى)، وأما خزنتها فإنه جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث المعراج أن جبرائيل كان يستفتح فيسأله الخزنة: من أنت؟ فيقول: أنا جبريل ومعي محمد. وهؤلاء هم القائمون على شئون السماوات.

    وهذه السماوات تفتح لأقوام وتسد في وجه أقوام، تفتح للإيمان، والعمل الصالح، والدعوات الصالحات، ودعوة المظلوم، فهذه الأعمال كلها تفتح لها أبواب السماء، قال الله جل وعلا : إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10]، وتسد عياذاً بالله في وجه أرواح أهل الكفر وأهل الفسق، كما قال تعالى: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ [الأعراف:40]، وتسد في وجه الأعمال التي يخل بها الإنسان، كمن ضيع الصلاة أو فرط فيها، وفي الدعوات بقطيعة الرحم والبغي، وكل ما نهى الله جل وعلا عنه لا تفتح له أبواب السماء، فتح الله لنا ولكم أبواب السماء.

    ثم قال جل وعلا: وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:29]، والباء هنا: للإلصاق، و(عليم): اسم من أسمائه الحسنى.

    هذا ما تيسر إيراده، والفضل لله في أوله وآخرة، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755912195