إسلام ويب

تفسير سورة الأحزاب [70 - 73]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن تقوى الله عز وجل هي لب هذا الدين، ويترتب عليها أمور عظيمة منها: صلاح الأعمال وقبولها، وإذا صلحت الأعمال وقبلت كان ذلك سبباً في دخول الجنة والنجاة من النار؛ ولذلك كثر الأمر بها في القرآن الكريم وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكثر الحث عليها.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً .... ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً)

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في آخر سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    في هاتين الآيتين من سورة الأحزاب يأمر الله عز وجل المؤمنين بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في أول هذه السورة، فقد قال في أولها: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ .

    فأمره بتقواه سبحانه وتعالى، وفي آخرها أمر المؤمنين بذلك، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا .

    والأمر بتقوى الله عز وجل جاء كثيراً في كتاب الله عز وجل، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم كذلك. فاتق ربك سبحانه، وخف من غضبه وعقوبته واجعل بينك وبينه وقاية بالأعمال الصالحة والنية الخالصة، وأحسن في ذلك. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا .

    أي: سددوا في القول. والسداد هو الصواب والحق، أي: قولوا قولاً حقاً غير باطل، قولاً عادلاً غير جائر. وقولوا قولاً سليماً، وأحسنوا في أقوالكم. فليتق الإنسان ربه سبحانه ولا يتكلم إلا بالخير وبالحق وبالصدق وبالسداد. وأصل السداد من تسديد السهم، ويسدد الإنسان السهم، أي: يصوب السهم حتى يصل إلى الهدف.

    فالإنسان المؤمن يسدد ويقارب، ويحاول أن يصل إلى الصواب في كل أمر من الأمور، فإن أخطأ مع اجتهاده فهو معذور. ويؤجر الإنسان بحسب ما يستطيع أن يعمل، وبحسب ما ينحرف ويضل ويبتعد يعذب ويعاقب عند الله سبحانه.

    لقد ذكر الله عز وجل في القول السديد أنه ينفع المؤمنين، ويصلح لهم أعمالهم بسببه، ويغفر لهم ذنوبهم، فالله عز وجل أمر الإنسان الذي يترك الذرية الضعفاء من بعده ويخاف عليهم أن يتقي الله ويقول قولاً سديداً، حتى يحفظ الله عز وجل له ذريته.

    فالذي يريد أن يحفظ نفسه في الدنيا وفي الآخرة، وأن يحفظ ذريته فليتق الله سبحانه، وليتكلم بالكلام الصواب، وبالقول السديد. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ [الأحزاب:70-71].

    وهذا جواب الأمر. أي: إذا اتقيتم الله وقلتم القول السديد فإن نتيجة هذا الشرط يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [الأحزاب:71] فإذا أردت أن تصلح أعمالك وتكون موفقاً في عملك مصيباً في اجتهادك فاتق الله سبحانه وتعالى.

    وقد كان الأئمة العظام رضوان الله تعالى عليهم إذا أشكلت عليهم مسألة هرعوا إلى ذكر الله سبحانه، وأكثروا من الاستغفار، حتى يفتح الله عز وجل عليهم بجواب هذه المسألة، أو بحل هذه المشكلة، وإذا أردت أن يخرجك الله عز وجل من ضائقة، وأن يعينك على السداد في قول أو فعل فأكثر من ذكره سبحانه، واتق الله ولا تتكلم إلا بالصواب، فإنه يرشدك سبحانه ويوفقك للصواب، كما قال تعالى: يُصْلِحْ لَكُمْ ، أي: يجعل أعمالكم صالحة، فإذا عملت عملاً أصلحه الله سبحانه وتعالى، وأيضاً: وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ، وهذه زيادة أيضاً من فضل الله سبحانه. وذلك إذا اتقى الإنسان ربه ولم يتكلم إلا بالكلام السديد.

    فعلى المؤمن أن يعود نفسه ألا يتكلم إلا بخير، وألا ينطق إلا بالصواب، وأن يبتعد عن اللهو واللغو والكذب، وأن يكون صادقاً مع الله عز وجل، حتى يسدده في خطاه، ويسدده في عمله.

    قال تعالى: يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ . ومغفرة الذنوب من الله الغفور الرحيم سبحانه معناها أنه يمحوها. فالغفر: المحو والتكفير للسيئات. بمعنى: أن الله سبحانه وتعالى يستر الذنب ويمحوه ويكفر السيئات، فلا يفضح العبد في الدنيا ولا في الآخرة بفضله سبحانه، وذلك إذا كان الإنسان متقياً لربه سبحانه.

    قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:71] هذه نتيجة الطاعة، فإذا أطعتم الله وأطعتم الرسول صلوات الله وسلامه عليه في كل ما جاءكم به من عند الله، فإن لكم الفوز العظيم والفلاح الدائم، والنجاح الذي لا خسران بعده.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها ...)

    قال الله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72].

    والأمانة هي: التكاليف الشرعية. وهي جميع وظائف الدين، سواء في كتاب الله أو في سنة النبي صلوات الله وسلامه عليه.

    وكل الأنبياء والرسل -قبل النبي صلى الله عليه وسلم- جاءوا للخلق بشرع من عند الله سبحانه، فأمرهم الله ونهاهم، وهذه هي أمانة الله عز وجل. إذاً: فالأمانة هي التكاليف.

    وقد جعل الله للعبد عقلاً، وجعل له بدناً، وأمره أن يتصرف في حدود ما أمره، وأخبره أنه مسئول عن تصرفاته، ومسئول عن عقله، ومسئول عن حفظ عقله وحفظ بدنه، والله عز وجل أعطى الإنسان أمانة، واستودعه إياها، وسيسأله عنها يوم القيامة.

    قال تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا .

    فكأن الآية تخبر أن السموات بقوتها العظيمة وجرمها الهائل وكذلك الأرض والجبال عرض الله عز وجل عليهم الأمانة، وهذه الأمانة هي التكليف الذي قبله هذا الإنسان، فقبل أن يعرضه على الإنسان عرضه الله عز وجل على السموات والأرض والجبال فأبين، ليس رفضاً لأمر الله سبحانه، ولكن إشفاقاً وخوفاً من عذابه سبحانه.

    وهذه الأشياء سألت: وما نتيجة هذا التكليف؟ قال: إذا فعلتم الصواب دخلتم الجنة، وإذا عصيتم دخلتم النار. فقالت هذه الأشياء: لا نريد التكليف، ونحن نطيعك راغبين راغمين مسخرين، فهذا أولى بنا؛ لأننا لا نريد تكاليف يكون من ورائها النار. فعرض ذلك على آدم على نبينا عليه الصلاة والسلام، فقبل آدم حمل هذه الأمانة التي كلفه الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72]، يعني: جنس الإنسان، حمله الله عز وجل الأمانة فحملها.

    ثم ذكر الله عز وجل أن جنس البشر والإنسان فيه الجهل والظلم بطبيعته، ويختلف ذلك من إنسان إلى إنسان آخر، فرب إنسان يكون فيه زيادة ظلم وزيادة جهل يصلان به إلى الكفر بالله سبحانه في النهاية، كما قال تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34].

    وآخر قد يصل بالظلم والجهل إلى معصية الله، أو إلى الفسق.

    فكل إنسان فيه شيء من الجهل ومن الظلم، الذي أخبر الله عز وجل أن الإنسان كان ظلوماً جهولاً.

    جاءت الآثار عن الصحابة وعن التابعين في الأمانة حول هذا المعنى الذي ذكرناه. فقال ابن مسعود رضي الله عنه: هي أمانات الأموال كالودائع وغيرها، يعني: أن من ضمن الأمانة التي كلف الإنسان أن يؤديها الأمانة في بيعه وشرائه، وفي معاملاته مع الناس، وودائع الناس، فهو ملزم بردها إلى أصحابها. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58].

    وجاء عنه أيضاً أنها الفرائض، وأشدها أمانة المال. يعني: الإنسان مؤتمن، ومن أشد الأمانات التي حملها الإنسان وقصر فيها المال، فإنه يأخذ المال من الناس ولا يرده إلى أصحابه، ويحمل أمانات الناس فيتناساها ولا يعيدها إلى أربابها؛ لأن الإنسان يفتنه المال إلا من رحم الله سبحانه وتعالى.

    وقال: أبي بن كعب : من الأمانة أمانة المرأة على فرجها. أي: أن المرأة تقول: حضت حيضة، أو حيضتين، أو ثلاث حيض، بعد أن يطلقها الرجل، فهي مؤتمنة على وقت عدتها، فتصدق في ذلك، وهي التي تقول: انقضت العدة أم لم تنقض العدة، وهي التي تخبر أنها تحمل جنيناً في بطنها أو لا تحمل، وقد تكذب المرأة في ذلك وقد تصدق، فهي أمانة حملها الله عز وجل المرأة.

    ويقول أبو الدرداء : غسل الجنابة أمانة، ولا يعرف أحد أن الإنسان على جنابة، فهي أمانة حمله الله عز وجل إياها، فليقم وليغتسل ولا يدخل في الصلاة وهو على هذه الحالة.

    وكذلك وضوء الإنسان، فلا يعرف أحد أن هذا الإنسان على وضوء أو ليس على وضوء، وإنما هي أمانة يحملها الإنسان ويؤديها لله عز وجل، وهو مؤتمن عليها.

    وكذلك الصلاة، فيدخل الإنسان في الصلاة، ويقف الرجل بجوار الرجل، وهذا يراعي صلاته ويخاف من ربه، وهذا بعيد عن صلاته، وفي حسابات، فلم يدخل في الصلاة إلا رياء ونفاقاً. والناس يرون أن هذا مصلٍ وهذا مصلٍ، وهي أمانة حملها الإنسان، والله أعلم بما في القلوب.

    وكذلك الصيام أمانة، فإنسان يصوم حقاً، وإنسان آخر يصوم في الظاهر، والله أعلم بحقائق باطن هذا وذاك.

    وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : أول ما خلق من الإنسان فرجه. قال: هذه أمانة استودعك إياها، فلا تلبسها إلا بحق، فإن حفظتها حفظتك، فالفرج أمانة، والأذن أمانة، والعين أمانة، واللسان أمانة، والبطن أمانة، واليد أمانة، والرجل أمانة، ولا إيمان لمن لا أمانة له. هذا من كلام عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه.

    فالمقصد: أن كل ما في الإنسان أمانة من أمانات الله سبحانه وتعالى، فهو مؤتمن على لسانه، فلا ينطق إلا بخير أو بطاعة الله سبحانه، ومؤتمن على أنفه وعلى عينه وعلى أذنه وعلى يده وعلى رجله، وعلى كل حواسه، ومؤتمن على عقله، وعلى بطنه وعلى فرجه. وكلها أمانات من الله عز وجل، ائتمن العبد عليها وكلفه بحفظها، ثم يسأله عنها يوم القيامة سبحانه وتعالى.

    ويقول الحسن البصري : إن الأمانة لما عرضت على السموات والأرض والجبال قالت هذه المخلوقات: وما فيها؟ قيل لها: إن أحسنت جوزيت وإن أسأت عوقبت، فقالت هذه الأشياء: لا أتحملها.

    قال مجاهد : فلما خلق الله تعالى آدم عرضها عليه، فقبلها آدم. قال: فلما تحملها ما كان بين أن تحملها إلى أن أخرج من الجنة إلا قدر ما بين الظهر والعصر. أي: أن الله سبحانه وتعالى اختبره هو وزوجه بقوله: لا تقربا هذه الشجرة، فما كان إلا قليلاً حتى أكلا منها، فبدت لهما سوآتهما، فأخرجا من الجنة، وأنزلا إلى الأرض؛ ليتم أمر الله سبحانه وما شاء أن يكون.

    قال تعالى: وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72]، أي: أن السموات والأرض والجبال أبين أن يحملنها شفقة من حمل الأمانة. وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ [الأحزاب:72]، أي: جنس الإنسان. إِنَّه كَانَ ظَلُومًا [الأحزاب:72]، يعني: فيه الظلم وفيه الجهل بنفسه وبقدره، وجهل بالله سبحانه وبقدر الله سبحانه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( ليعذب الله المنافقين والمنافقات ... )

    قال الله تعالى: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ [الأحزاب:73].

    واللام للتعليل. أي: ليكون الأمر بناء على ذلك، ويظهر من الإنسان ما يستحق عليه أن يعذب أو يثاب. أي: حمل الإنسان الأمانة؛ ليعذب أو ليثاب بحمله هذه الأمانة. لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:73].

    قال الله عز وجل في أول هذه السورة لنبيه صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [الأحزاب:1].

    وقال في آخرها: وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا .

    أي: إنه هو الغفور الرحيم سبحانه وتعالى، وقد ذكر تقوى الله في أول السورة، وختم بتقوى الله سبحانه في آخرها، وقال في أولها للنبي صلى الله عليه وسلم: وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [الأحزاب:1-3].

    فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتقوى، وأمره ألا يطيع المنافقين والكافرين، وأمره بالتوكل على الله سبحانه.

    وفي آخر السورة حذر المؤمنين من طاعة المنافقين ومن أن يتصفوا بالنفاق، فذكر مآل المنافقين فقال: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ .

    فالكافر يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه يريد أن يدخل في الإسلام، ولكنه يشترط شروطاً حتى يدخل في هذا الدين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على دخول الكفار في هذا الدين، فلعله كان يميل إلى أن ينفذ لهم شيئاً، فحذره الله عز وجل من الكافرين. وأما المنافق فلم يكن يقترح، ولكنه كان يفعل أفعالاً يؤذي بها النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤذي المؤمنين.

    فأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحذر هؤلاء المنافقين، وعرفه بهم، فكان يحذرهم صلوات الله وسلامه عليه.

    والله عز وجل لما أخبر عن حال أهل النار قدم المنافقين؛ لأنهم أشد أذى، فإن الكافر معروف أذاه، وأما المنافق فيعمل في الخفاء، ويفعل ما يريد، ولذلك بدأ الله عز وجل بهؤلاء المنافقين، وأخبر عن حالهم أنهم في الدرك الأسفل من النار، وقال هنا لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ ، ثم قال: وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ ، والمنافق يبطن الكفر ويظهر الإسلام، والكافر يظهر ما يبطنه من كفر، فأخبر الله عز وجل أنه يعذب الجميع، فقال: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ .

    وتكون النتيجة من الله عز وجل بناء على هذا الاختبار للعباد أنه يتوب على المؤمنين والمؤمنات، فيمحو ذنوبهم ويلهمهم التوبة ويقبلها منهم سبحانه وتعالى.

    (وكان الله غفوراً رحيماً) أي: يغفر الذنوب سبحانه ويمحوها، بل ويبدل السيئات حسنات من فضله وكرمه ورحمته بعباده، فهو الرحيم سبحانه.

    ومعنى الرحيم: أي الرحمة الخاصة بالمؤمنين، والرحمن: أي: الرحمة العامة لخلقه جميعهم، فهو رحيم رحمة عظيمة خاصة بالمؤمنين يوم القيامة. قال: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا .

    نسأل الله عز وجل أن يغفر لنا ويرحمنا ويتوب علينا.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755779813