إسلام ويب

حقيقة النصرللشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة على إثبات النصر في نهاية المطاف لأهل الإيمان وحملة العقيدة الصحيحة، وأن النصر ليس بالضرورة أن يكون في ساحات المعارك، فبقاء الإيمان رغم موت أصحابه نصر، وانتشار الدين نصر، والصبر على البلاء نصر، فأصحاب الأخدود انتصروا، والنبي صلى الله عليه وسلم في العهد المكي انتصر هو وأصحابه على قريش لما ثبتوا على عقيدتهم ودينهم.

    1.   

    انتصار أصحاب العقائد وأهل الإيمان

    إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] .

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71] أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وما قَلَّ وكفى خير مما كَثُر وألهى، وإنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين.

    اللهم صل على محمد وآل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد. ثم أما بعد:

    يتردد في هذه الآونة سؤال بين كثير من الشباب وخاصة بين شباب الصحوة مضمونه: لماذا غُلب هؤلاء وأولئك في فلسطين وأفغانستان؟ ألم يعد الله تبارك وتعالى بالنصر والتمكين لعباده المؤمنين؟

    فوقع هؤلاء بين فكين كلاهما مر: أحدهما كفر، والآخر إساءة ظن.

    أما الكفر: فبعضهم شك في وعد الله عز وجل، وأما سوء الظن فإنهم شككوا في إيمان وصلاح تلك الطوائف من أهل الإيمان في أفغانستان وفلسطين، وخفي على هؤلاء جميعاً أنه لا يلزم أن يكون النصر نصراً مادياً أو عسكرياً، وأن النصر الحقيقي إنما هو نصر العقيدة والإيمان، هذا هو النصر الذي وعد الله تبارك وتعالى به، وإذا كان النصر هو النصر المادي فحسب والغلبة والقهر، فكم من أنبياء بني إسرائيل قتلتهم بنو إسرائيل، فهل تلك هزيمة لهؤلاء الأنبياء؟ فإن قالوا: نعم. كفروا بالله عز وجل، ولذلك أعظم الناس بلاءً نبينا عليه الصلاة والسلام، أنسيتم ما حدث له في الطائف؟ أنسيتم ما حدث له في مكة بين أهله وعشيرته؟ أنسيتم أنهم أدموه عليه الصلاة والسلام وسبوه وشتموه؟ أهذه هزيمة للنبي عليه الصلاة والسلام؟ كلا وألف كلا، لقد مات النبي عليه الصلاة والسلام وبقيت عقيدته ترفرف في سماء الدنيا إلى يوم القيامة.

    1.   

    قصة أصحاب الأخدود

    ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً للنصر الحقيقي الذي ينبغي أن يحرص عليه المرء، وللأشخاص الذين يموتون وتبقى عقائدهم، وذلك فيما أخرجه مسلم من حديث صهيب الرومي رضي الله تعالى عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كان فيمن كان قبلكم ملك له ساحر يسحر له)، وهذا على عادة الملوك والرؤساء والزعماء، فإنما يصدرون عن تكهنات وأسحار وأوهام، ولذلك تجد أن كل رئيس أو زعيم -إلا من رحم الله- قد اتخذ لنفسه عدة من السحرة والعرافين والكهنة، ولا يصدر إلا عن آرائهم، خاصة في بلاد أوروبا وأمريكا، فلكل رئيس منهم وزعيم وعمدة قرية ساحر يسحر له، ولا يصدر ولا يتحرك إلا بأمره، حتى يكاد أن يكون الذي يحكم العالم اليوم هم السحرة وليسوا تلك الرءوس؛ لأنهم لا يصدرون إلا عن آرائهم.

    ابتلاء أصحاب العقائد

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فلما كبر الساحر قال للملك: إني قد كبر سني، ورق عظمي، وحضر أجلي، فابعث إلي بغلام أعلمه السحر، فأرسل إليه الملك غلاماً يعلمه السحر، وكان على الطريق بين الغلام والساحر راهب، فذات مرة جلس الغلام إلى الراهب فسمع كلامه فأعجبه كلامه فلازمه، وكان إذا خرج من عنده متأخراً ذهب إلى الساحر، عاقبه الساحر على التأخير، فشكا ذلك إلى الراهب، فقال الراهب للغلام: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر) يكذب لينجو بنفسه، وهذا أمر مشروع، أو يكذب لينجي نفساً أخرى، ولا بأس بالكذب هنا؛ لأن الحرب خدعة، وهذه حرب ضروس بين الإيمان والكفر.

    قال: (وذات يوم انطلق الغلام في طريقه إلى الساحر فوجد دابة عظيمة قد حبست الناس فلم يمروا، فقال الغلام في نفسه: اليوم أعلم أي الأمرين أحب إلى الله تعالى، أمر الساحر أم أمر الراهب، فأخذ حجراً في يده وقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة، ثم رماها بحجر فقتلها، فقال: الآن أيقنت أن أمر الراهب أحب إلى الله من أمر الساحر، وانطلق الناس يمشون، فجاء الغلام إلى الراهب، فقال له: لقد كان من أمري اليوم كذا وكذا، فقال الراهب: يا بني! إنك اليوم أفضل مني، وإنك ستبتلى)، انظروا إلى هذه السنن الربانية: لا بد من الابتلاء لأهل الإيمان؛ لأن العقيدة أشرف شيء يمكن أن يدعو إليه الداعي، أو يحافظ عليه المسلم، وهذا لا يكون رخيصاً، بل لا بد من دفع الثمن مقدماً، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)، وقال عليه الصلاة والسلام: (يبتلى المرء على قدر دينه) أي: لا بد أن تبتلى في دينك، فاصبر فإنهم لا يضرونك شيئاً، إنما سلطانهم على أبدانكم، وليس على أرواحكم أو قلوبكم أو عقائدكم، فتلك أمور لا سلطان لأحد عليها إلا سلطان الله عز وجل؛ لأن (القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) سبحانه وتعالى.

    وقال عليه الصلاة والسلام: (يبتلى المرء على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة).

    منحة من الله عز وجل لعباده المؤمنين أن يبتليهم بالأمراض والأوجاع والأسقام، وتسلط الكافرين عليهم حتى يطهرهم من ذنوبهم كبيرها وصغيرها، ويقدمون على رب رحيم غفور، ثم يوم القيامة سيدخلهم الجنة مع أول الداخلين بغير حساب ولا سابقة عذاب، أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم منهم.

    ثم قال: (وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل علي) وصية أهل الإيمان بعضهم لبعض، إذا ابتليت يا فلان فلا تدل علي إلا أن تعجز عن ذلك، ويقع على جسدك من العذاب ما لا يمكن أن تقدر عليه، ويكون المخرج أن تدل علي، ويغلب على ظنك أنني لا أفتن بهذه الدلالة، فلا بأس حينئذ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

    إظهار شعائر التوحيد والصبر على ذلك

    قال عليه الصلاة والسلام: (وكان الغلام يبرئ الأكمه).

    أي: الذي ولد أعمى، وكان يداوي من سائر الأدواء والعلل، وكان للملك جليس أعمى، فلما سمع بأمر الغلام جهز هدايا عظيمة وذهب بها للغلام، وقال: لقد جمعت لك هذا على أن تشفيني من العمى، فقال الغلام: أنا لا أشفي، إنما يشفي الله عز وجل! انظروا إلى ظهور عقيدة التوحيد، من أول لحظة نسب العلاج لله: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء:80] لا يزعم أنه يشفي ويداوي من الأسقام والعلل، وإنما هو سبب سببه المولى عز وجل.

    قال: أنا لا أشفي، إنما يشفي الله عز وجل، فإن آمنت بالله دعوت الله لك فشفاك من العمى، فآمن الجليس فدعا الغلام الله تعالى لهذا الجليس فشفاه الله عز وجل، فرجع ليجلس في مجلسه عند الملك، فقال الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي، فقال بغطرسة ووقاحة وتبجح: ألك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله! انظروا إلى إظهار شعائر التوحيد على أيدي فئة قليلة، كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249] .

    قال: ربي وربك الله، فأخذه فعذبه ونكل به حتى دل على الغلام، وأخذ الغلام وقال له: أبلغ من سحرك هذا المبلغ؟ فقال: أنا لا أشفي وإنما يشفي الله عز وجل، فنكل به حتى دل على الراهب، فجيء بالراهب، فقيل له: ارجع عن دينك، فقال: لا. وأبى أن يرجع عن دينه. فوضع المنشار في مفرق رأسه وشقه نصفين حتى ألقي على الأرض ولم يرجع عن دينه.

    انظروا إلى رجل ضحى بنفسه فداءً لدينه وعقيدته، لقد سجل التاريخ وسجل الإسلام شهادة تقدير واحترام لهذا الراهب لأنه قدم نفسه فداءً لعقيدته. هذا هو النصر الحقيقي؛ إنه نصر العقيدة.

    ثم جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى ألقي على الأرض نصفين فمات فتقبله الله عز وجل، وجيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك فأبى أن يرجع عن دينه، فأمر الملك أعوان السوء أن يأخذوه ويصعدوا به إلى ذروة جبل كذا وكذا في تلك البلدة من بقاع الأرض، فإن رجع عن دينه وإلا فألقوه من ذروة الجبل، فلما كانوا في ذروة الجبل قالوا له: ارجع عن دينك، فأبى أن يرجع عن دينه، ورفع يديه إلى السماء؛ ليستخدم أعظم سلاح عرفه أهل الإيمان -ويستهين به أبناء الصحوة في هذا الزمان- قال: اللهم اكفنيهم بما شئت وكيف شئت، فارتج الجبل فسقطوا جميعاً في الوادي ورجع الغلام بعزة أهل الإيمان واستعلاء وفخر أهل التوحيد إلى الملك المتغطرس الجبار يمشي على قدميه، فلما رآه الملك قال: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله بما شاء وكيف شاء!

    فأمر بعض أصحابه أن يأخذوه في قرقور -سفينة- حتى إذا كانوا في وسط البحر قالوا للغلام: ارجع عن دينك، فأبى ورفع يديه إلى السماء وهو يقول: اللهم اكفنيهم بما شئت وكيف شئت، فغرقوا جميعاً ورجع الغلام إلى الملك يمشي على قدميه، ثم تحدى الغلام الملك!

    أرأيتم صبياً صغيراً يتحدى ملك الأرض؟! غلام واحد يقول كلمة الحق عند سلطان جائر، إن هذا لمن أعظم الجهاد وأفضله. (قال له: إنك لن تقتلني حتى تفعل ما آمرك به، قال الملك: وما تأمرني؟) انظروا إلى موقف الذل والهوان لأهل الكفر والطغيان، حين يقول الملك بغروره وكبريائه للغلام: (وماذا تأمرني أيها الغلام؟ قال: إنك لن تقتلني حتى تجمع الناس جميعاً في صعيد واحد وتصلبني على جذع نخلة، ثم تأخذ سهماً من كنانتي فتضعه في كبد القوس وتقول على مرأى ومسمع من الناس: باسم الله رب الغلام) انظروا إلى هذه النكتة: (أن تقول باسم الله) لا باسم الملك، ولا باسم المسيح، ولا باسم العذراء، ولا باسم فلان، إنما تقول: (باسم الله رب الغلام، فإن فعلت قتلتني).

    ففعل الملك، ربطه على جذع نخلة، وجمع الناس في صعيد واحد، وأخذ سهماً من كنانة الغلام فوضعه في كبد القوس وأطلقه قائلاً: (باسم الله رب الغلام، فوقع السهم في صدغ الغلام، فوضع الغلام يده على صدغه فمات، فلما رأى الناس ذلك قالوا جميعاً: آمنا بالله رب الغلام، آمنا بالله رب الغلام، آمنا بالله رب الغلام) أي نصر بعد هذا؟ أي انتصار لعقيدة الإيمان والتوحيد بعد هذا؟ أتظنون أن الغلام إذ قتل، وأن الراهب إذ قتل، وأن جليس الملك إذ قتل؛ أن تلك هزيمة؟ أهذا خذلان؟ كلا والله، تلك هي الملحمة الكبرى بين الإيمان والكفر التي يكتب فيها النصر لأهل الإيمان، والهزيمة والخسران، لا للجحود والكفر والطغيان.

    التضحية في سبيل الله للحفاظ على العقيدة

    بعد هذا الموقف اجتمع أصحاب السوء وبطانة السوء إلى الملك فقالوا: أرأيت أيها الملك! لقد نزل بك ما كنت تحذر، لقد آمن الناس، فانظر ماذا ترى. قال: (خدوا لهم الأخاديد في أفواه السكك) أي: في أطراف الطرق احفروا لهم حفراً عظيمة وأججوا فيها النار، وانظروا من رجع منهم عن دينه فقد نجا من تلك النيران، ومن أبى فاقذفوه فيها، ففعلوا ذلك، فتتابع الناس إلى النيران، وكان الملك يظن أن الناس إذا رأوا ذلك هربوا، ولكنه فوجئ بأمر لا يتوقعه، فوجئ بأن الناس يقتحمون النيران حفاظاً على عقيدتهم ودينهم وتوحيدهم الذي لم تخالط بشاشته تلك القلوب إلا للحظات يسيرة، ولكنهم كانوا من الإخلاص والصدق في المحل الأعظم.

    الناس كلهم يشتركون في الموت، ولكن الناس جميعاً لا يشتركون في المجد، فمنهم من يختار طريق المجد وهم قلة، وكثير من الناس ينظر إلى زهرة الحياة الدنيا.. ينظر إلى بقائه وحياته وإن عاش ذليلاً مهيناً، ولا يختار ميتة شريفة إلا من يعلم شرف الموت في سبيل الله عز وجل.

    لقد كان موقف أهل الملك وأتباع الملك آنفاً أن آثروا الدخول في هذه النيران على انحرافهم عن عقيدة التوحيد.

    مثلهم مثل سحرة فرعون الذين خروا لله سجداً بمجرد أن علموا أن موسى ليس ساحراً، وإنما هو رسول من عند الله، ولذلك قال لهم فرعون ذاك الطاغية الجبار العنيد: آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه:71] وصار يتوعدهم ويتهددهم؛ لأنهم آمنوا بالله عز وجل.

    فالمعركة منذ أن خلق الله تعالى الخليقة إلى قيام الساعة معركة إيمان وكفر، ولذلك اعتقاد أهل الإسلام جميعاً وكل أتباع الأنبياء والمرسلين: أن الفوز والنصر فيها لأهل الإيمان، يدل على ذلك بقاء الإيمان وظهوره إلى هذا اليوم، وسيكون كذلك إلى قيام الساعة بإذن الله تعالى.

    فخد لهم الأخاديد وألقاهم في النار، فتدافعوا إليها، إلا ما كان من امرأة معها صبي على صدرها، فتقاعست وتراجعت وخافت أن تلقي بنفسها ووليدها في النار، فنطق الغلام وقال: (يا أماه! اصبري فإنك على الحق)، نطق الغلام ناصحاً أمه أن تصبر، وأن تقذف نفسها وإياه في النار فإنها على الحق. فتبين من هذا أن عدة النصر الصبر، (ولكنكم قوم تستعجلون).

    1.   

    صور من نصر الإيمان في المعارك المعاصرة

    قامت هذه الفئة في فلسطين وأفغانستان والشيشان وكشمير وبلاد الألبان وغيرها من بقاع الأرض برفع راية الجهاد في سبيل الله؛ لإظهار دعوة الحق، ولتبليغ الحق إلى الخلق، فما أخطأوا وما أرهبوا، وإنما أرادوا أن يقوموا بأعظم واجب اعتقدوه -وهو اعتقاد صحيح- أن الله تعالى أوجب عليهم أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، أوجب عليهم أن يبلغوا دين الحق إلى الخلق، فلا غروا حينئذ أن يرفعوا راية الجهاد لمن وقف حجر عثرة في سبيل ذلك.

    وقد انتصروا بفضل الله عز وجل، وجعلوا العالم أجمع يسمع بمحمد ودعوته وعقيدته وشريعته صلى الله عليه وسلم، وهذا أعظم نصر، ذهب الأشخاص وبقيت عقائدهم ترفرف على وجه الأرض ليسمع بها القاصي والداني، أي نصر بعد هذا النصر؟ وأي فلاح ونجاح بعد هذا الفلاح وذاك النجاح؟ لا شيء بعد ذلك، حسبهم أن الله تعالى قد رضي منهم أفعالهم وأقوالهم، حسبهم أنهم فئة قليلة قامت عليهم سائر ملل الكفر وأجلبت عليهم بخيلها ورجلها، ثم هم إلى الآن لم يحققوا أدنى نصر في مواجهة تلك الفئة القليلة من أهل الإيمان إلا ما قد أظهروا من كلمات رنانة، بينما أولئك قد رفعوا سواعدهم للدلالة على النصر المبين، تلك هي الهزيمة لملل الكفر، فما فعلوا بكلماتهم التحسين للوجه القبيح، والمداراة لذلك الخزي والعار الذي لحق دولة الصليب العظمى أمريكا ومعها أوروبا ومن كان معهم من العرب والعجم على السواء.

    نعم. هم يدارون خزيهم وعارهم وهزيمتهم على أرض فلسطين وعلى أرض أفغانستان، ويقولون: في كل يوم نقتل كذا وكذا، القتلى عندنا نحسبهم عند الله شهداء، وذاك مرادنا إما النصر أو الشهادة، وهذا هو مبتغى المؤمن من ربه في الجهاد إما أن ينصره الله ويثبت بهذا النصر دينه وعقيدته، وإما أن يختاره الله تعالى إلى جواره. وهذا نصر عظيم للأفراد والجماعات.

    نعم. المؤمن يدور أمره بين خيرين لا شر فيهما: النصر أو الشهادة، لكن ماذا ينتظر هؤلاء؟ من المعلوم أن أمريكا في أفغانستان وفلسطين على السواء تعاني من حرج شديد أمام العالم أجمع، ففي أفغانستان يزعمون النصر، وأن طالبان والقاعدة والمجاهدين في أفغانستان ذهبوا إلى حيث لا رجعة، بينما أمريكا تورطت أخيراً مع روسيا في قتال 70 ألفاً من جند طالبان على أرض روسيا، من أين هؤلاء 70؟ ما كنا نسمع بهم من قبل، كيف وقد زعموا أن طالبان من أولها إلى آخرها لا تزيد عن 19 ألفاً؟ فما بالهم الآن يقولون: إن 70 ألفاً من طالبان هربوا من جبال أفغانستان إلى جبال روسيا؟ إن هذا العدد الزائد ما هو إلا من جند أمريكا الذي نزل على أرض أفغانستان ليحارب فمنَّ الله عليه بالإسلام فانضموا إلى صفوف طالبان.

    أليس هذا نصراً من عند الله عز وجل؟ أليس هذا نصراً وتأييداً لدين الله تعالى؟

    النبي عليه الصلاة والسلام لما دخل على الغلام اليهودي يعوده في مرض الموت ويدعوه إلى الإسلام والإيمان قال له: (يا غلام! قل لا إله إلا الله تنجو بها من النار، فنظر الغلام إلى أبيه فقال له: أطع أبا القاسم، فنطق الغلام بالشهادتين ثم فاضت روحه إلى باريها، فخرج النبي فرحاً وهو يقول: الحمد لله الذي نجى بي نفساً من النار) .

    نفس واحدة فما بالكم بالآلاف المؤلفة نجت من جراء تلك الحرب على يد هذه الفئة القليلة العارية الحافية الجائعة التي سكنت الجبال والتحفت السماء، قتلوا برداً وجوعاً، ومع هذا أتت أمريكا من تلك البلاد البعيدة لتقاتلهم، ثم تبدو سعيدة بهذا النصر الذي أوهمتنا أنه نصر، وليس الأمر كذلك.

    هذا عين ما فعلته أمريكا، وإن شئت فقل: ما فعله الصليبيون على أرض أفغانستان في محاربة أهل الإيمان، يظنون أنهم تخلصوا من ثلة أهل الإيمان ممن رفعوا راية الجهاد، ولا والله: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق يقاتلون دونه، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك).

    هذه هي عقيدة الثبات على دين محمد عليه الصلاة والسلام، أمر لا يكل ولا يمل منه المؤمن، يقدم نفسه فداءً له وهو راض، أرأيتم رجلاً يهراق دمه ويعقر جواده في سبيل الله، وهو راض بل حريص على ذلك، أناس يحرصون على الموت حرص أهل الكفر على الحياة.

    هذه هي سنة الله تعالى، حرب طاحنة بين الفريقين، ونحن لا نعبأ بمن قتل من الجانبين، وإنما نعبأ بالنتيجة الحتمية لبقاء الإيمان وزوال الكفر. هذا هو الذي كان وسيكون إلى قيام الساعة.

    1.   

    إنفاق الكفرة لأموالهم للصد عن سبيل الله

    إن الكفار ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال:36]، يحاربون الإسلام والإيمان بشتى أنواع المحاربة، يستخدمون النساء تارة للفتنة، ويستخدمون المال والرشوة تارة أخرى.

    لقد عرض كفار مكة من قبل على النبي عليه الصلاة والسلام عروضاً كثيرة منها: إذا كان بك مرض أو جنون أو مس عالجناك واستدعينا لك أعظم الأطباء، قال: ما بي من مس ولا جنون. قالوا: إذا كنت تريد مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أغنى قريش، وليس به حاجة إلى مال، إذا كنت تريد كذا وكذا وكذا، وفي كل ذلك يأبى عليه الصلاة والسلام إلا نصر عقيدته ودينه ورسالته. هذا هو النصر الحقيقي.

    فلما أيسوا من محمد عليه الصلاة والسلام قلبوا له رأس المجن، فبعد أن كان الأسلوب ناعماً ولم يجد نفعاً مع صاحب الدين والعقيدة، قاموا بعد ذلك يسبونه ويلعنونه ويشتمونه ويقاتلونه ويحاربونه. لا بد أن يمر المؤمن إلى قيام الساعة بتلك المراحل.

    أنسيتم ما قالت أمريكا: من أتى لنا بفلان فله خمسة ملايين دولار، ثم رأت أن هذا المال قليل فزادوه إلى عشرة، ثم خمسة عشر، حتى أوصلوا المبلغ إلى خمسة وعشرين مليون دولار، لو كان مع ذاك المطلوب أصحاب دنيا لهرب أحدهم ودل عليه وانتهت القضية.

    أتظنون أن تلك الجحافل الكفرية أتت من شرق الأرض وغربها، تزعم أنها لو أخذت شخصاً أو شخصين لوضعت الحرب أوزارها، واستقر الأمر، وانتشر الأمان؟ أتظنون أن هذه الجحافل استطاعت إلى يومنا هذا أن تحصل على ما أتت إليه بزعمها؟ أهذا هزيمة لأهل الإيمان ونصر لأهل الكفر؟

    إن هذه الفرقة المؤمنة قضت على آمال أمريكا والصليب، وحققت عليهم نصراً مادياً وعسكرياً مؤزراً فضلاً عن نصر عقيدتهم، وقد نصروا العقيدة بهدم أعظم تمثال يعبد من دون الله في الأرض، وهو تمثال بوذا ، وهذا يدل دلالة واضحة على رسوخ الإيمان وعقيدة التوحيد في قلوب طالبان والقاعدة.

    أيها الإخوة الكرام! لقد ضرب الله عز وجل لنا أمثلة عظيمة للثبات، كمؤمن آل فرعون، وكل نبي مع قومه ووجه وجوبه بالتكذيب والطرد والتشريد والقتل والسجن وغير ذلك، ولكنهم ثبتوا على عقيدتهم، وما سمعنا أن واحداً قال لما سجن يوسف إنه انهزم، بل سعى يوسف عليه السلام في السجن وأسس نواة التوحيد داخل السجن، أسس نواة تدعو إلى الله عز وجل، وإلى توحيده وعقيدته وشرعه في ذلك الوقت في داخل السجن.

    إن الأمر كما قال ابن تيمية عليه رحمة الله: أنا جنتي وبستاني في صدري، ما يفعل أعدائي بي؟ إن سجني خلوة، ونفيي سياحة، وقتلي شهادة! فلما أدخلوه وأغلقوا دونه الباب تلا قول الله عز وجل: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ [الحديد:13] انظروا إلى هذا الدرس الذي يعلمه ابن تيمية لأمة كاملة: أنا هنا في حياة طيبة، وأنتم في عذاب؛ لأن الله معي.

    هذا هو النصر الحقيقي لأهل الإيمان، ولعقيدة الإيمان والتوحيد.

    أقول هذا من باب التثبيت لكثير من شباب الصحوة وعامة الأمة؛ ليعلموا أن ما يدور اليوم على ساحة أفغانستان إنما هو النصر الذي وعد الله تبارك وتعالى به، وأرجو ألا تقيس النصر أو الهزيمة بقياس مادي بحت، ولكن انظر إلى الآثار المترتبة على تلك الحرب الضروس التي شنها الصليبيون على أرض أفغانستان.

    1.   

    نصر الله لدينه

    أما أرض فلسطين تلك الأرض السليبة المغتصبة التي اغتصبها اليهود بمعاونة الصليبيين في أوروبا وأمريكا، فهناك نصر عظيم جداً، ولذلك لما تولى شارون الحكم رفع إبهامه في مجلس اليهود في فلسطين وقال: موعدكم للتخلص من الانتفاضة بعد مرور مائة يوم لا مائة وواحد.

    فمر على توليه عاماً كاملاً ويزداد الأمر تعقيداً ثم تعقيداً، مما جعل شارون واليهود جميعاً في حرج بالغ، واليهود الآن يتنكرون ويبكتون شارون أين المائة التي وعدت بها، أين الوفاء يا شارون ؟

    فهو في مأزق عظيم لا يكاد أن يخرج من أزمة إلا ويدخل في أزمات حتى يلحق بسابقيه باراك ونتنياهو ، لا بد أن يلحق بهما ويلقوا جميعاً في مزبلة التاريخ، ولن يبقى إلا نصر عقيدة التوحيد على أرض فلسطين، وذلك كائن لا محالة؛ لأن الله تعالى هو الذي وعد بذلك، ووعد الله لا يتخلف: إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:9] .

    ألا ترون أن اليهود بأسطولهم الجوي والبري على أرض فلسطين يخافون من أطفال الحجارة، ثم ازداد خوفهم ورعبهم من صاروخ يسمى القسام اثنين، صاروخ يمكن للأطفال أن يصنعوه بالمطارق والفئوس، حديد جمع من هنا وهناك ومعدات بسيطة يسيرة، ولكنهم لما أطلقوه بفضل الله وقدره دمر لهم دبابة، وهم في ذعر وأي ذعر منذ أن أطلق ذلك الصاروخ، ويدندنون بالسلام الشامل والسلام العادل، ولكن الله تبارك وتعالى نهانا أن نجنح للسلم إلا من علو قهر وغلبة وتمكين، وأن نكون نحن الأعلين وهم الأسفلين: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ [الأنفال:61] هم أولاً. فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [الأنفال:61] أي: لا يضرك غدرهم بعد ذلك. لكن لا بد أن تعد لهم العدة: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60] .

    إذا كان الدفاع عن الإسلام هو الإرهاب، فأول إرهابي على وجه الأرض هو آدم عليه السلام، ثم نوح عليه السلام، ثم كل الأنبياء والمرسلين، وأعظمهم إرهاباً هو محمد عليه الصلاة والسلام.. إذا كان دين الله هو الإرهاب فمرحباً بالإرهاب، ومرحباً بالقتل والقتال أفواجاً وجماعات في سبيل الله عز وجل، وفي سبيل هذا الإرهاب: تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60] .

    إن إرهاب العدو واجب على أهل الإيمان، ولذلك سطر الله تبارك وتعالى في كتابه شهادة حق وتقدير لهؤلاء الذين قتلوا في ذلك الأخدود، قال الله تعالى مقسماً على فوزهم وفلاحهم: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ [البروج:1-7].

    وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ [البروج:7] أي: هؤلاء الظلمة الطغاة الكفرة على ما يفعلون بالمؤمنين يأتون شهوداً يوم القيامة، كما أنهم كانوا شهوداً على قتلهم وتدميرهم وتشريدهم وسلبهم في الدنيا، فإنهم يأتون كذلك شهوداً على أنفسهم يوم القيامة. هذه شهادة حق سجلها التاريخ.

    ثم من رحمة الله عز وجل أن فتح لهم باب الأمل والتوبة فقال: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ [البروج:10] . قال الحسن البصري : انظروا إلى هذا الجود والكرم، قتلوا أولياءه وأحرقوهم ثم يدعوهم إلى التوبة.

    ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [البروج:10-11] ثم يأتي الحكم النهائي: ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ [البروج:11] .

    حكم الله تعالى على هذه القضية بأن الفائز فيها هم أهل الإيمان الذين أحرقت أبدانهم وذهبت أجسامهم، ومع هذا فهم أصحاب الفلاح وأصحاب النصر، وهم الفائزون في هذه القضية، وإن الناظر منا إلى هذا الموقف لا بد أن يرجع إليه طرفه بأن الخاسر في هذه القضية هم أهل الإيمان وليس الأمر كذلك؛ لأن النصر الحقيقي إنما هو نصر العقيدة والتوحيد، ولذلك بيَّن الله تبارك وتعالى -كما وعد في غير ما آية من كتابه- أن دينه قائم، وأن ما وعد الله تعالى به عباده المؤمنين لا بد أن يتحقق رغم أنوف الكافرين، رضي بذلك من رضي وسخط على ذلك من سخط، قال الله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:32-33].

    وقال تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف:8] توكيداً للآية السابقة.

    وقال تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173]، الغلبة لجند الإيمان ولعقيدة التوحيد وإن كان يخطر للناظر غير ذلك.

    وقال تعالى: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51-52].

    1.   

    مواقف في نصرة العقيدة والتوحيد

    موقفان في نصرة العقيدة لإبراهيم عليه السلام:

    الأول: لما حطم الأصنام أججوا له النيران وألقوه فيها.

    وربما يقول قائل من أول وهلة: لقد خسر إبراهيم عليه السلام، ولكن الله تعالى أمر النار أن تكون برداً وسلاماً عليه، ثم خرج منها يمشي إليهم، وهذا نصر آخر في قضية واحدة، وهي الرسالة الحنيفية السمحة التي جاء بها إبراهيم عليه السلام، قال تعالى: وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [آل عمران:55] فأهل الإيمان فوق أهل الكفر بإيمانهم وعقيدتهم إلى قيام الساعة.

    وقال تعالى: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [البقرة:212].

    وقال تعالى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139] أي: إن كنتم مؤمنين حقاً فأنتم الأعلون -بإذن الله- ولا يلزم من ذلك ألا تقدم لله تعالى نفسك وروحك ومالك.

    إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111] تلك هي السلعة الغالية وثمنها أن تقدم نفسك ومالك رخيصاً لله عز وجل.

    وقال تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:55-56]، حزب الله هم الغالبون أي غلبة كانت؛ لكن لا بد أن تكتب لهم الغلبة، ولا يلزم من ذلك ما تراه في واقع الناس اليوم في مقابلة قول الله تعالى: أوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المجادلة:19] .

    ثم قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ [المجادلة:20] (في الأذلين): هذه عقوبة من الله وتهديد ووعيد لأهل الكفر والطغيان. كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:21] .

    ومن المبشرات لأهل الإيمان: أن الله تعالى مع الذين آمنوا، ومع الذين أحسنوا، ومع الذين اتقوا، ومع الذين صبروا: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [آل عمران:120] .

    وقال النبي عليه الصلاة والسلام لما كان في غار ثور وقال له أبو بكر : (يا رسول الله! إن أحدهم لو نظر تحت قدمه لرآنا، قال: يا أبا بكر ! لا تحزن إن الله معنا).

    خرجت عليه جحافل الشرك من مكة وغيرها ليقتلوه فلم يستطيعوا فعل شيء، ففي هذا الوقت وذاك الضعف يبشر النبي عليه الصلاة والسلام من تولى أمر قريش للدلالة على محمد عليه الصلاة والسلام، لما آمن يبشره بكنوز كسرى وقيصر، ويبشر النبي عليه الصلاة والسلام الأمة في آخر الزمان أنها ستملأ الأرض عدلاً وإسلاماً وتوحيداً. هذا دين الله وهو ناصره لا محالة، وهذا رسوله ولن يضيعه الله عز وجل.

    وقال أصحاب موسى: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61] هذا فرعون وملؤه أتوا، سيدركوننا ويقتلونا، فقال موسى الواثق بالنصر من ربه: قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62] وهداية الطريق إلى الله أعظم نصر لموسى عليه السلام في ذلك الوقت.

    وقال الله تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47]، حق أوجبه الله تعالى على نفسه؛ لكننا لا نفرض على الله تعالى نوعية النصر وكيفية النصر؛ لأن النصر له عدة وعتاد وثمن لا بد أن يفتح، قال الله تعالى: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ [الأنفال:30] للدلالة على أن الحرب بين أهل الكفر وأهل الإيمان إنما هي في حقيقتها حرب مع الله عز وجل.

    قال: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ [الأنفال:30] ثم يشهد الله لنفسه بالغلبة والقوة والنصر، قال: وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30] سبحانه وتعالى، ولذلك يقول: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق:15-16] ولم يقل: إنهم يكيدون كيداً وتكيدونهم كيداً، وإنما قال: وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا [الطارق:16-17] دعهم يا محمد! يطغون ويبغون في الأرض، ويفسدون فيها شرقاً وغرباً، فإن الغلبة في النهاية لأهل الإيمان، والعبرة بالخواتيم.

    قال الله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال:36] .

    وقال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [المجادلة:5] .

    وقال: أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ [المجادلة:20] .

    وقال تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ [آل عمران:12-13].

    وقال الله تعالى: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ [الرعد:17] يستقر في الأرض لينتفع به الناس.

    وقال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40] .

    أسأل الله تعالى أن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال والأقوال، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    1.   

    الصبر طريق النصر

    الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى ، وبعد:

    فتلك الآيات تدل دلالة واضحة على تلك العقيدة الراسخة في قلوب الموحدين أن النصر في نهاية الأمر لأهل الإيمان، بل كتب الله تعالى نصرهم في الدنيا والآخرة.

    وجودكم في هذا المسجد نوع من أنواع النصر، رفعكم لراية الجهاد نوع من أنواع النصر، طلبكم للعلم الشرعي نوع من أنواع النصر، بقاء المفتين والعلماء والمحدثين وأهل الخير من أهل الجود بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله نوع من أنواع النصر، فالنصر باق وقائم في الأمة إلى قيام الساعة، والإسلام قادم وإن رغمت أنوف، فقد بشر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث، قال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه البخاري من حديث خباب بن الأرت : (أصابنا من المشركين شدة ونحن في مكة، فأتينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسند ظهره إلى الكعبة، فقلنا: يا رسول الله! ألا تدعو الله لنا؟ ألا ترى ما نحن فيه؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، واحمر وجهه، وكان متكئاً فجلس، ثم قال: إن الرجل فيمن كان قبلكم لينشر بالمناشير حتى يلقى على الأرض نصفين لا يرده ذلك عن دينه شيئاً، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه)، ثم قال: (ولكنكم قوم تستعجلون).

    لما مر النبي عليه الصلاة والسلام بآل ياسر وهم يعذبون ويسحقون، لم يقل: لقد هزمنا وانتهى الدين وذهب إلى غير رجعة. بل قال: (صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة) وهذا أعظم نصر في ذلك الوقت، أن ينتصر المرء على نفسه بالصبر لله عز وجل؛ ليلقى جزاءه في الآخرة جنة عرضها السماوات والأرض، أي نصر بعد هذا؟ بل أنت لماذا تسعى في هذه الحياة وتصبر على هذا الشقاء وتلك الحياة الضنك؟ لأنك تعتقد أن ما عند الله في الآخرة خير لك وأبقى، حياة نعيم أبدية سرمدية. (يا أهل الجنة! خلود فلا موت) تتحمل هذا الشقاء لأجل تلك الكلمة.

    (يا أهل الجنة! خلود فلا موت)، هذا مبتغانا من عبادتنا وعقيدتنا وصبرنا على ما حل بنا من بلاء وأذى. (ولكنكم قوم تستعجلون) الثمرة قائمة بل هي حاضرة، ونرى والله فروعها وأغصانها يانعة قوية مزهرة مثمرة ولكنكم قوم تستعجلون، ولكن النبي عليه السلام يبين لـخباب بن الأرت الذي عليه، قال: (إن الرجل كان فيمن كان قبلكم ينشر بالمناشير لا يرده ذلك عن دينه شيئاً)، الثبات على العقيدة هو أعظم نصر لله عز وجل.

    1.   

    مبشرات بالنصر

    وقالت عائشة لما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى. قالت: يا رسول الله! إني لما قرأت قول الله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32] قلت: إن ذلك لتام. قال النبي: يا عائشة ! إنه سيكون من ذلك ما شاء الله أن يكون) بشارة عظيمة وإن خالطها شيء مما يقول الناظر إنه هزيمة، وليس في حقيقته كذلك.

    وهذا تميم الداري ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار) .

    (ليبلغن هذا الأمر) أي: هذا الدين وعقيدة التوحيد في كل بقاع الأرض شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، فوق وتحت. (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار) أي: يدخل في كل مكان، ويسمع به كل إنسان، وهذا نصر عظيم.

    انظروا من بدأ بهذه الدعوة؟ واحد فقط، النبي عليه الصلاة والسلام، ثم اثنان وثلاثة وأربعة، رجال ونساء، صبيان وغلمان، عبيد وأحرار، وظل الأمر ينتشر ويتسع حتى سمع به الإنس والجن، أليس هذا أعظم نصر لعاقبة الصبر على الإيمان والتوحيد؟ (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر -أي: في الحضر والقرى والبوادي- إلا أدخله الله تعالى هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر).

    وفي حديث ثوبان : (إن الله زوى لي الأرض) أي: جمع وضم لي الأرض. (كأنها رقعة قماش) ينظر إليها النبي عليه الصلاة والسلام. (إن الله زوى لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها -ثم تأتي البشارة- وإن ملك أمتي سيلغ ما زوي لي).

    هذه الأمة هي التي تملك زمام الأمر، وتملك قيادة العالم، لأنها ملكت زمام العالم أولاً، وسيكون هذا العالم تحت إمرة أمير واحد ومهدي واحد، وخليفة لأهل الإيمان على منهاج النبوة، وعلى منهاج الخلافة الراشدة كما أخبر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، وسكت للدلالة على أن هذا هو آخر الأمر في آخر الزمان.

    وكذلك لا بد من عودة الرخاء والأمن لبلاد العرب خاصة، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى تكون أرض العرب مروجاً وأنهاراً)، وهي كائنة وقائمة، ولذلك من بين أغراض أهل الكفر والطغيان استغلال ثروات العرب والمسلمين من الذهب والبترول والصناعات وغير ذلك، هم يريدون لنا أن نكون أمة تابعة لا أمة متبوعة، أمة ذليلة لا عزيزة، عملوا لذلك بالليل والنهار ونجحوا في بعض خططهم، ولكن الله تعالى لن يمكن لهم أبداً، فهو يختار ويصطفي من عباده قلة قليلة لمحاربة تلك الأمم الكبيرة الكافرة: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249] .

    وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك) .

    وقال عليه الصلاة والسلام: (مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره) للدلالة على أن الخيرية قائمة وباقية في الأمة ما بقيت الدنيا، فكما أن الخير فيها أولاً فكذلك الخير فيها آخراً، وما بينهما خير.

    وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وبينما أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي. قال الراوي أبو هريرة : فهذا النبي قد مات وأنتم تنتشلونها) أي: مفاتيح الأرض وقيادة الأرض بين أيديكم يا أهل الإيمان، تنتشلونها جيلاً بعد جيل، وعصراً بعد عصر، وزماناً بعد زمان، ومكاناً بعد مكان، وغير ذلك مما يدل على البشارة العظيمة.

    وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود -أي: على أرض فلسطين- حتى يختبئ اليهودي خلف الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! خلفي يهودي تعال فاقتله، إلا شجر الغرقد فإنه من شجر اليهود)، وهذا الشجر يزرع الآن في بلاد الشام، وهذا يدل على قرب الموعد وقرب الملحمة الكبرى بين أهل الإيمان وأهل التوحيد، ليتبين أن موشي ديان عليه لعنة الله ذاك المصري اليهودي الذي كان يعمل وزيراً للدفاع في دولة اليهود، ذهب ليزور مدارس قرية من قرى فلسطين، فأراد أن يسلم على أبناء المدرسة فامتنع تلميذ من التلاميذ عن مصافحته، قال: إليك عني يا عدو الله، أخذتم بلادنا، وسلبتم حرياتنا، وانتهكتم مقدساتنا، وتريد أن أضع يدي في يدك، كلا والله، وإن وعد رسول الله ووعد الله لا بد أن يتحقق فيكم، إن الملحمة تكون بيننا وبينكم أنتم شرقي النهر ونحن غربيه، فتبسم موشي ديان ابتسامة عريضة وقال: نعم، إنا لنجد ذلك في كتبنا، لكن متى يكون ذلك؟ إذا ظهر فيكم جيل يحترم تراثه، ويدافع عن عقيدته، ويبذل نفسه لنصرة دينه، ويكون منا من تنكب تراثه، وتنكر لعقيدته، وآثر الحياة الدنيا، فحينئذ لا بد من زوال دولة إسرائيل وخروجها من أرض فلسطين.

    موشي ديان يفهم هذه الحقيقة، بل كل زعيم من زعماء اليهود يفهم هذه العقيدة، فما بالنا أصبنا بنكسة عظيمة في عقيدتنا وقرآننا وشريعتنا وأخلاقنا وسلوكنا؟ إن العيب فينا وليس في ديننا، وإن على هذه الأمة أن تراجع دينها، وأن ترجع إلى ربها، حتى يتحقق لها وعد الله تبارك وتعالى بالنصر والتمكين، ولذلك قال أبي بن كعب: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (بشر هذه الأمة بالنصر والسناء - أي: الرفعة - في الدين والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب)، لابد من الصدق والإخلاص لله عز وجل، فمن عمل عملاً من أعمال الآخرة، ما عمله إلا ليصيب به عرضاً من أعراض الدنيا، من كرسي أو مال أو وجاهة أو منصب، فالنار النار كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

    وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (كما لا يجتنى من الشوك العنب كذلك لا ينزل الفجار منازل الأبرار، وهنا طريقان فاسلكوا أي طريق شئتم، فأي طريق سلكتم وردتم على أهله) .

    اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم قو عزيمتنا وقو شوكتنا، وانصر المجاهدين في شرق الأرض وغربها، انصر المجاهدين في شرق الأرض وغربها، انصر المجاهدين في شرق الأرض وغربها، اجعل بلاد الإسلام والمسلمين مقبرة للطغاة والكافرين، اجعل بلاد المسلمين مقبرة للطغاة والظالمين.

    اللهم إنك أنت القوي العزيز، وإنهم لا يعجزونك، فخذهم أخذ عزيز مقتدر، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر، اللهم نج عبادك المؤمنين وانصر عبادك المؤمنين، اللهم عليك بالكافرين، اللهم يتم أطفالهم ورمل نساءهم، يتم أطفالهم ورمل نساءهم، واجعل الدائرة عليهم، اللهم اجعل الدائرة عليهم، اللهم اجعل الدائرة عليهم، اللهم عجل بنصرك لعبادك الموحدين، اللهم عجل بنصرك لعبادك الموحدين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وكل ذلك عندنا، وصلى الله على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755895484