إسلام ويب

كتاب الصلاة - باب المواقيت [2]للشيخ : عطية محمد سالم

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حددت الشريعة أوقات الصلوات، وكل الصلوات يستحب المبادرة بأدائها في أول وقتها إلا صلاة الظهر في شدة الحر، وصلاة العشاء إذا انتفت المشقة في تأخيرها، ويستحب إطالة القراءة في صلاة الفجر والتغليس بها، ويتعلق بما ذكر مناقشات وخلافات فصلها العلماء، ورجحوا بينها.

    1.   

    حديث رافع بن خديج بتعجيل وقت المغرب

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

    فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [وعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: كنا نصلي المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وإنه ليُبصر مواقع نبله ].

    الله أكبر! هذه الرياضة، رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه من الشباب المشهورين بالرماية، وفي بعض الغزوات رده رسول الله صلى الله عليه وسلم لصغر سنه وأجاز غيره، فذهب إلى أبيه وبكى وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز فلاناً ومنعني، وإني -والله- أصرعه، فتصارعا فصرعه، فأجازه، وكان قد قيل لرسول الله عليه الصلاة والسلام: إن رافعاً الذي رددته رامٍ، فجيء به واختبر، فأجازه؛ لأنه رام، أي: متمرن على الرماية قبل أن يبلغ السن الذي يجيز له أن يشارك في القتال في سبيل الله.

    قال: (كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا -من الصلاة- وإنه ليبصر مواقع نبله)، النبل هي السهام التي توضع في القوس ويرمى بها، وأين كان هذا؟ وهل كانوا يقاتلون؟ وهل كان حينئذٍ قتال في المدينة؟ وهل وقت القتال تنظر مواقع النبل؟ لا، فالنبل تصوب إلى العدو وتذهب، ولكنهم كانوا يتدربون.

    وتعرفون مسجد السبق في الباب الشامي، وهو الآن عند موقف النقل الجماعي قبل ثنية الوداع، فهذا المسجد بني في موضع السبق.

    مشروعية السبق برمي النبل

    والسبق عند العلماء هو المسابقة، ويبوب الفقهاء في مصنفاتهم (باب السبق والمناضلة)، والسبق يكون بالخيل، والمناضلة تكون بالسهام، فكانوا يخرجون -ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم- وينصبون الهدف، ويتبارون أيهم يصيب أكثر.

    وتكون المسابقة بين شخص مقابل شخص، أو فريق مع فريق، وقد جاء (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بفريقين متناضلين منهم بنو بياضة، فقال لبني بياضة: أنا معكم، فأمسك الفريق الثاني أن يرمي شيئاً، فقال: ما بالكم لا ترمون؟ قالوا: كيف نناضل قوماً معهم رسول الله؟ فقال: ارموا وأنا معكم جميعاً).

    وطريقة المناضلة أن يجعلوا هدفين: هدفاً لهذا الفريق، وهدفاً لهذا الفريق، ويكونان متساويين في المسافة وفي الارتفاع وفي المقدار، ثم يحدد الرمي في عشرة أسهم مثلاً، فمن يصب من العشرة أكثر من خصمه فهو السابق، فبعضهم يصيب العشرة كاملة، أو تسعة أو ثمانية، وبقدر ما يتفوق أحد الفريقين يكون له السبق.

    فكانوا يخرجون إلى ذلك المكان بعد العصر ويتسابقون -ويشترط العلماء لهذا شروطاً مذكورة في كتب الفقه- فكانوا يؤدون هذه الرياضة والرسول صلى الله عليه وسلم أحياناً معهم، وأحياناً ليس معهم، فإذا أنهوا السبق وحان موعد صلاة المغرب صلوا، فإذا انصرفوا من صلاتهم يبصر أحدهم مواقع نبله، وذلك بعد الانصراف من صلاة المغرب مع بقاء ضوء النهار، قبل دخول شدة الظلام، فكان الواحد منهم ينظر موقع النبل، هل أصاب الهدف أو وقع يميناً أو يساراً.

    وهذا يدل على أنهم كانوا يصلون المغرب في أول وقتها، فحديث رافع يبين لنا أنهم كانوا يصلون المغرب في أول وقتها، حتى إنهم بعد أن ينصرفوا من صلاتها ليتمكن الواحد منهم من أن يرى مواقع النبل.

    وهذا الحديث يدل على مشروعية هذه الرياضة وهذه المسابقة، وقد كان صلى الله عليه وسلم يسابق بين الخيل التي لم تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق، وبين الخيل المضمرة إلى الحيفاء وراء بئر عثمان، والسباق على الخيل والمناضلة على السهام من أسباب الاستعداد للجهاد، فكان صلى الله عليه وسلم يمرن الصحابة على كل ما يساعدهم على الجهاد، والنبي عليه الصلاة والسلام قد صارع وحمل الأثقال وناضل بالسهام وسابق بالخيل.

    مشروعية تعلم المصارعة وإتقان رياضة الدفاع عن النفس

    أما المصارعة فكانت مع ركانة قبل الهجرة، وكان ركانة لا يصرعه أحد، فقال له صلى الله عليه وسلم: (ألا تسلم يا ركانة ؟! قال: يا محمد! صارعني فإن غلبتني فلك شاة! فصارعه رسول الله عليه الصلاة والسلام فصرعه، فقال: واعجبا! والله ما أحد قبلك ألصق جنبي بالأرض، هذه شاة، أتعود يا محمد؟! قال: نعم، فصرعه الثانية، فأعطاه الشاة الثانية، قال: الآن الثالثة وهي النهاية، فعادا المرة الثالثة فصرعه فأخذ ثلاث شياه.

    فقال ركانة : يا ويلتاه! ماذا أقول لأهل الغنم في ثلاث شياه في وقت واحد؟ إن قلت: واحدة أخذها الذئب، وواحدة هربت فلم أدركها، فماذا أقول في الثالثة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: يا ركانة ! لا أجمع عليك غبنين: غبن الانهزام وغبن الشياه، خذ شياهك فهي لك.

    فتعجب من شجاعته وقوته ثم من كرمه صلى الله عليه وسلم، قال: أتعجب من هذا يا ركانة ؟! قال: إي والله يا محمد! قال: ألا أريك ما هو أعجب من ذلك؟ قال: بلى، فنظر صلى الله عليه وسلم إلى شجرة هناك فأشار إليها أن هلم إليّ، فجاءت تخط الأرض كالمحراث، حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال لها: عودي حيث كنت! فرجعت كما كانت؛ فأسلم ركانة).

    أعتقد أن مهندسي الزراعة في العالم كله في الأراضي الباردة والحارة، لا يستطيعون أبداً أن يدركوا أو يكيفوا كيف انجذبت جذورها! وكيف جاءت تخط في أرض يابسة! ثم رجعت إلى مكانها وهي على حالها! كيف حصل هذا؟! هذا أمر غريب على العقل، ولكن المعجزة فوق إدراك العقل وتصوره.

    إذاً: صارع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمصارعة من الإعداد للجهاد، فقد يكون القتال بالسلاح الأبيض، ومن شارع إلى شارع، ومن دار إلى دار، فيضطر المقاتل عندها إلى القتال باليد، وإن كان القتال الآن بالأسلحة الذرية وبالاقتصاد وبأشياء كثيرة؛ لكن قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَة [الأنفال:60]، يشمل كل قوة، ولا حد للاستطاعة ألبتة.

    وروي أنه صلى الله عليه وسلم مر على شباب يتبارون في حمل صخرة، فبعضهم يقدر على رفعها، وبعضهم يعجز، فقال: (أريكم؟ وحملها بين يديه ورفعها ووضعها)، وهذا حمل الأثقال.

    وكذلك سابق عائشة فسبقته مرة وسبقها مرة، وكان مرة على ناقته القصواء فسبقها أعرابي فقال: (حق على الله ألا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه).

    يهمنا أن الصحابة كانوا يخرجون من صلاة المغرب، وينظرون مواقع نبلهم، وعند العرب أن من اتصف بثلاث صفات سمي كاملاً وهي: أن يكتب بالقلم، ويجيد الرمي، ويحسن السباحة، فمن اجتمعت فيه تلك الخصال الثلاث قالوا: إنه من الكمل، أي: كملت صفة الرجولة فيه.

    1.   

    حكم تأخير صلاة العشاء إذا انتفت المشقة

    قال المؤلف: [وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة بالعشاء حتى ذهب عامة الليل ثم خرج فصلى وقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي) رواه مسلم ].

    قول عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها: (أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة)، أعتم: أي: دخل في العتمة مثل أصبح، ومثل أمسى، أي: دخل في الصباح ودخل في المساء، والعتمة هي: ظلام الليل.

    وقولها: (ذات ليلة) أي: أن ذلك لم يكن مما يداوم عليه صلى الله عليه وسلم، ولكن ليلة من الليالي أعتم بالعشاء حتى ذهب عامة الليل، وبعضهم يقدر ذلك بنصف الليل، وبعضهم بثلثي الليل، إلى غير ذلك من التقديرات.

    ثم خرج على أصحابه، وقد كانوا ينتظرون خروجه ليصلي بهم صلاة العشاء، وفي رواية ابن عباس : حتى كانت تخفق رءوسنا بالنوم، فكانوا جالسين ينتظرون الصلاة، ومع طول الوقت، وعدم تعودهم على السهر؛ كانت تخفق رءوسهم بالنعاس، وهو من مقدمات النوم، ولما خرج عليهم صلوات الله وسلامه عليه وهم على تلك الحالة قال لهم: (إنه لوقتها)، أي: هذا الوقت الذي جئتكم فيه هو وقت العشاء (لولا أن أشق على أمتي).

    مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم لمصلحة أمته

    وقد ذكرنا أنه عليه الصلاة والسلام كان يرغب في الشيء ويريده ولكنه يتركه مراعاة لمصلحة الأمة، سواء كان خوفاً من مغبة ذلك وما يترتب عليه، أو كان رفعاً للحرج وللمشقة، ومن ذلك قوله في السواك: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)، فالأمر يقتضي الوجوب والإلزام، فلم يأمرهم أمر إيجاب وإلزام ولكن أمر توجيه وإرشاد.

    وكذلك من شفقته بالأمة عليه الصلاة والسلام أنه لما صلى بعض الناس بصلاته صلى الله عليه وسلم في رمضان، ولم يعلم بهم، وفي الليلة الثانية والثالثة كثر الناس حتى امتلأ المسجد بهم، فصلوا العشاء ولم يخرجوا، وبقوا ينتظرون خروج النبي صلى الله عليه وسلم كما كان يخرج في الليالي السابقة ليصلي فيصلون بصلاته قيام الليل، فلما وجد المسجد مليئاً بالناس سأل عائشة فقال: (يا عائشة! ما بال الناس مجتمعون؟! ألم يصلوا العشاء؟! قالت: بلى صلوها، ولكن ينتظرون خروجك لتصلي فيصلون بصلاتك كما صلى بصلاتك من قبلهم في الليالي الماضية، فقال: ارفعي حصيرتي، ولم يخرج تلك الليلة، ولما استبطئوا خروجه أخذوا الحصباء يرمون بها باب البيت -لينبهوه صلوات الله وسلامه عليه للخروج إليهم وكأنهم يقولون: نحن في انتظارك- فلم يخرج إلا في صلاة الفجر وقال: أما إنه لم يخف عليّ صنيعكم البارحة -أي: أنا بحمد الله لم أبت غافلاً ولم أكن نائماً، بل كنت أعلم بوجودكم- ولكن خشيت أن أخرج إليكم فأصلي بكم فتكتب عليكم فلا تستطيعوها).

    فكان عدم خروجه إليهم مع أن هذا من في فعل الخير، حيث يصلون في مسجد رسول الله مقتدين برسول الله في شهر مبارك، ولكن لرأفة النبي بالأمة وشفقته عليهم خشي أن يخرج فيكتبها الله عليهم، وتصبح واجبة عليهم في الليل، كما أن الصيام واجب عليهم في النهار، فتلحقهم بذلك مشقة، وإذا لحقتهم مشقة فما كل الناس يستطيع أن يفعل ذلك.

    ولما عرج به صلى الله عليه وسلم وفرض الله عليه خمسين صلاة، مر بموسى عليه السلام وهو في السماء السادسة، فقال: (ماذا فرض الله عليك؟ قال: فرض عليّ وعلى أمتي خمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك وسله التخفيف، فالتفت إلى جبريل يستشيره، فقال: نعم، فرجع به جبريل إلى ربه، وسأله التخفيف، فخفف عنه خمساً، ونزل إلى موسى، ولم يزل يتردد بين موسى وبين ربه، وموسى يقول له: سله التخفيف، فإني قد بلوت بني إسرائيل قبلك -وهم أشد من أمتك أبداناً وقوة- بأقل من ذلك، فلم يستطيعوا لهذا، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فحينما انتهت إلى خمس، قال: لقد استحييت من كثرة مراجعتي ربي، فقال المولى له: يا محمد! هي خمس بالعدد وخمسون في الأجر)؛ أي: لأن الحسنة بعشر أمثالها.

    الشاهد أن موسى نصحه وقال له: لقد بلوت بني إسرائيل قبلك بأقل من هذا فلم يستطيعوا، إذاً: التخفيف على الأمة هو الأولى، وكان من سنته ومنهجه صلى الله عليه وسلم -كما تقول أم المؤمنين عائشة - أنه ما خير صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وفي الحديث: (يسروا ولا تعسروا).

    إعتام النبي صلى الله عليه وسلم بالعشاء ليلة لبيان الجواز والفضيلة

    أعتم بهم ذات ليلة، وليس كل ليلة، أو كل أسبوع مرة، أو كل شهر مرة أو مرتين، بل ليلة ليبين الأفضل والجواز، وهذا في حق الأفراد لا في حق أئمة المساجد؛ لأن المساجد يأتي إليها أجناس الناس المختلفة قوة وضعفاً، كما في الحديث: (من أمّ بالناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة).

    إذاً: أعتم ذات ليلة ليبين الفضيلة، ولم يُعتم بعدها، واستقر الأمر على أن يصلي العشاء في أول وقتها، وفي بعض الروايات أنه قال: (إنه لا ينتظرها على وجه الأرض غيركم)، يعني: يريد أن يخفف عنهم عناء السهر الذي سهروه، فأخبرهم بأن سهرهم هذا لا نظير له على وجه الأرض، أي: أنتم الذين خصكم الله بهذا الفضل، ولا يوجد على وجه الأرض من ينتظر صلاة كانتظاركم، ففرحوا بهذه الخصوصية والأفضلية، وهان عليهم ما مضى من سهر وانتظار لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

    إذاً: النبي عليه الصلاة والسلام أعتم ذات ليلة، وهل استمر على ذلك؟ لا، بل رجع إلى ما كان عليه من قبل، وهو صلاته بهم في أول الوقت، أو كما قال الراوي: (أما العشاء فكان يصليها أحياناً وأحياناً، إذا وجدهم اجتمعوا عجل، وإذا رأى منهم تأخيراً أخر)، وذلك انتظاراً لمن لم يحضر حتى لا تفوته الجماعة.

    1.   

    شرح حديث تأخير صلاة الظهر وقت اشتداد الحر

    قال المؤلف: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم) متفق عليه ].

    هذا الحديث أخذ حيزاً كبيراً في كتب شروح الحديث، وكثُر الكلام والمناقشة حوله من جهتين:

    من جهة الحقيقة والمجاز في قوله: (من فيح جهنم)، ومن جهة الفقه في قوله: (أبردوا).

    خلاف العلماء وأدلتهم في مسألة الإبراد بالظهر

    ثبت في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (اشتكت النار إلى ربها وقالت: يا رب! أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنفسين: نفس في الصيف، ونفس في الشتاء، فأشد ما تجدون من الحر فهو من نفسها في الصيف، وأشد ما تجدون من الزمهرير فهو من نفسها في الشتاء).

    ومعنى قوله: (أكل بعضها بعضاً)، أي: أن حرها وأوارها قد اشتد فطلبت من ربها أن يخفف عنها، فسمح لها بنفسين، فأشد ما تجدون من الحر فهو من نفسها، وأشد ما تجدون من البرد فمن نفسها، فالنار فيها حر وبرد! فيها الزمهرير وهو شدة البرد، وفيها النار والحميم.

    وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة)، أي: بصلاة الظهر، فهل الإبراد بصلاة الظهر أولى أو مراعاة فضيلة أول الوقت؟ جاء في الحديث: (أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله ثم الصلاة على أول وقتها)، وجاء الحديث الذي فيه مقال: (أول الوقت رضوان الله، وأوسطه رحمة الله، وآخره عفو الله)، فهناك أحاديث متعادلة متقابلة.

    فالجمهور على أن الأفضل أن تكون جميع الصلوات في أول الوقت إلا الظهر في شدة الحر فيبرد بها، وإلا العشاء فتؤخر إلى ثلث الليل، فهاتان الفريضتان الأفضل فيهما التأخير، كما قال أحمد رحمه الله: كل الصلاة على أول وقتها أفضل إلا الظهر في الحر وإلا العشاء إلى ثلث الليل، أي: لمن لم يشق عليه ذلك.

    ومن العلماء من يرجح أن الظهر تصلى في أول وقتها، ولكن يعارضه هذا الحديث الصريح.

    والشافعي رحمه الله يقول: يُنظر لحال المصلين، فإذا كانوا يمشون في ظل، ويأتون إلى المسجد بلا مشقة عليهم، فإنهم يصلون الظهر في أول وقتها، وإن كانوا يمشون في الشمس، وفي شدة الحر فإن الأفضل أن يؤخروها.

    ومنهم من يقول: يختلف الحكم إذا كانوا يأتون من مكان بعيد إلى المسجد أو يأتون من قُرب المسجد، فيراعى حال المصلين بالنسبة لشدة الحر.

    فالقائلون بأن الظهر تؤخر نظروا إلى هذا الحديث، وهناك حديث آخر رواه مالك في الموطأ فيه: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة حر الشمس والرمضاء على أكفنا وجباهنا، فلم يَشكُنا، أو: فلم يُشكِنا) أي: لم يسمع شكوانا، وأمرنا بالصلاة في أول وقتها.

    فهناك حديث الإبراد، وهناك حديث: (شكونا فلم يشكنا)، فقالوا: إن حديث: (شكونا)، ناسخ للإبراد وحديث: (إذا اشتد الحر فأبردوا) قاله صلى الله عليه وسلم في سفر.

    يرد عليهم بأن دعوى النسخ تحتاج إلى إثبات التاريخ، والذين يقولون بالإبراد استدلوا أيضاً بحديث: أنه صلى الله عليه وسلم كان في سفر فحضر الظهر، وأراد المؤذن أن يؤذن فقال له: (أبرد أبرد) أي: لا تؤذن الآن، ورجح الجمهور الإبراد بالظهر إذا كان يشق على الناس الحضور إلى المسجد وقت الحر، بألا يكون هناك ما يظلهم وكانت تلحقهم المشقة في مجيئهم إلى صلاة الظهر في وقت شدة الحر.

    الحكمة من الإبراد بالظهر في شدة الحر

    فإن قيل: ما هي الحكمة من الإبراد بالظهر في شدة الحر؟

    فالجواب: لأن شدة الحر تجعل الناس في قلق وعدم طمأنينة، وهذا ينافي المطلوب في الصلاة من توافر الطمأنينة ليفقه المصلي ما يقول، وليكون على خشوع بين يدي ربه في صلاته، فإذا كان في شدة الحر فهو قلق مضطرب منزعج، فلا يمكن أن يوفي الصلاة حقها في تلك الحالة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (أبردوا).

    وجاء في الأثر: ثلاث ساعات نُهينا عن الصلاة فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا، وذكر منها: حينما تكون الشمس في كبد السماء حتى تزول، فقالوا: النهي عن الصلاة في ذلك الوقت؛ لأن النار تُسجر في ذلك الوقت.

    واستشكل بعض العلماء هذا فقال: إذا كانت النار تسجر في ذلك الوقت، فإنه أدعى إلى أن نصلي، ونسأل الله العفو والمغفرة، ونسأل الله السلامة من النار.

    وأجاب بعض العلماء عن ذلك فقال: إنّ كون النار تسجر في ذلك الوقت، إشعار بما يكون من المولى سبحانه من غضب، حتى جعل النار بتلك الحالة في ذلك الوقت، والسائل حينما يسأل يراعي حالة أو صفة المسئول، فلو كانت لك حاجة عند إنسان فإنك تراعي وقت رضاه، ووقت سماحته، ولا تسأله وقت غضبه وشدته، إنما تراعي وقت رضاه، ووقت رحمته، ووقت انبساطه، وهذا في حق المخلوق، والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك كله، لكن ينبغي أن تكون صلاتنا وسؤالنا في غير حال غضب المولى سبحانه، كما جاء في حديث الشفاعة، حينما يذهب أهل الموقف إلى آدم ثم إلى نوح ثم إلى إبراهيم، فكل منهم يعتذر ويقول: (إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله)، ولم يتقدم أحد منهم لطلب الشفاعة؛ ثم يذهبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد ادخر دعوته لذلك اليوم، فيشفع لهم.

    إذاً: شدة الحر من فيح جهنم فأبردوا من أجل تلك الحالة؛ لأن الدعاء في ذلك الوقت ليس كالدعاء في حالة هدوئها، وعدم فيحها.

    يهمنا في الفقه أن الأفضل مراعاة حال المصلين في صلاة الظهر، كما هو مذهب مالك رحمه الله، ففي الشتاء نصلي الظهر في أول وقتها؛ لأنه ليس هناك دواع للإبراد بها.

    قالوا: الجواب عن حديث: (شكونا فلم يشكنا)؛ لأنهم طلبوا التأخير إلى وقت طويل حتى تبرد الحصباء، وجاء في بعض الآثار: (شكونا فلم يشكنا، فكان أحدنا يسجد على طرف كمه، وعلى طرف ردائه، وكان أحدنا يأخذ القبضة من البطحاء يمسكها في يده طيلة ما هو قائم للقراءة والركوع، فإذا سجد بسطها ليسجد عليها)، لأنها تكون قد بردت في يده في تلك المدة.

    فيكون قوله: (فلم يشكنا) أي: لأنهم طلبوا مدة أطول للإبراد، ولكن هذا في الواقع يحتاج إلى إثبات؛ لأنهم ما طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم مدة معينة، بل شكوا إليه الحر فقط، وشكوى الحر تتضمن الانتظار حتى يذهب حرها، وحر الرمضاء لا يذهب إلا قريب العصر، فيكون فيه تأخير صلاة الظهر إلى حد بعيد.

    حد الإبراد

    وقد ذكر البيهقي رحمه الله عن عمر بن عبد العزيز أنه لما كان أميراً على المدينة لبني أمية، كان يصلي الظهر في شدة الحر الساعة الثامنة على التوقيت الغروبي، أي: في وسط الوقت الذي بين أول وقت الظهر وأول وقت العصر، فبعض الناس يجعل ذلك حد الإبراد.

    وبعضهم يقول: هذا شيء كثير.

    وبعضهم يفرق بين الشخص في حد ذاته وبين مساجد الجماعة، فالمصلي المنفرد له أن يصلي الظهر في أول وقتها، أما مساجد الجماعة التي يرتادها الناس من بعيد، وتلحقهم بسبب ذلك مشقة الحر، فعلى الإمام أن يبرد بصلاة الظهر، هذا ما يتعلق بالناحية الفقهية.

    معنى: إن شدة الحر من فيح جهنم

    وقوله: (فإن شدة الحر من فيح جهنم).

    الفيح: هو النفس والهواء، فزهم النار عُبر عنه بفيح جهنم، واختلف العلماء: هل فيح جهنم على الحقيقة أو على المجاز؟

    جاء في بعض الروايات: أن الفرق بين نار الدنيا ونار الآخرة سبعون درجة، فنار جهنم أشد من نار الدنيا بسبعين درجة، فإذا كانت شدة الحر من فيح جهنم، فهل تنفست النار فعلاً على الحقيقة، فحصل شدة الحر في الصيف بسبب فيحها؟ وهل هذا الحر الذي نجده في الصيف هو فعلاً من نفسها أو من هوائها ووصل إلى الأرض، أو أن هذا على سبيل التشبيه، والمعنى: أن شدة الحر يشبه شدة حر جهنم؟

    بعض العلماء يقول: الحديث على التشبيه، والبعض الآخر يقول: ما المانع أن يكون على الحقيقة! فالنار اشتكت فعلاً على الحقيقة، وخلق الله لها القدرة على النطق فاشتكت إلى ربها، كما ينطق الله يوم القيامة الأعضاء والجلود، كما قال الله: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ [النور:24]، وقال: وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [فصلت:21]، وقال الله عن السماوات والأرض: اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت:11]، وقال: يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْر [سبأ:10]، وقال: وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ [ص:19]، وقال: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44] فلا مانع من أن الله خلق في النار القدرة على النطق حتى اشتكت، أو أنه جعل عندها قوة التعبير، وعلم شكواها.

    فالمسألة دائرة في هذا بين الحقيقة والمجاز.

    والنووي رحمه الله يذكر أن كثيراً من العلماء حملوا الحديث على ظاهره، وذكر البيضاوي عن بعض العلماء أن الحديث على التشبيه وعلى المجاز وليس على الحقيقة؛ لأن فيح جهنم لو قيس بما نحن فيه من الحرارة لكان بعيداً كل البعد؛ لأن نار جهنم تزداد سبعين ضعفاً عن النار التي تكون في الأرض، ومهما اشتد الحر في وقت القيلولة فلن يصل إلى حد النار الموجودة في الدنيا، وهي واحد من سبعين جزءاً من نار جهنم، قالوا: فالحديث -إذاً- على التشبيه.

    وابن عبد البر رحمه الله قد أطال الكلام في الاستذكار حول هذه المسألة، ومن أراد الاستزادة في هذا الموضوع فليرجع إليه، ومما قاله في ذلك: لا مانع على قدرة الله أن يكون ذلك على الحقيقة، ولا أحد ينفي قدرة الله، ولكن الكلام في واقع الأمر، فهل قوله: (من فيح جهنم) على الحقيقة أو هو تشبيه بفيح جهنم؟

    وبعضهم يقول: إن العرب إذا أرادت أن تضرب مثلاً لشيء تشبهه بأعلى ما يمكن فتقول مثلاً: فلان نار في طبعه، أي: أنه حار الطبع كالنار، فيمكن أن يشبه الشيء بأقصى ما يمكن من درجاته وبعده، ليُبين إلى أي حدٍ ومدى وصل في هذه الصفة.

    على كلٍ: فإن الجمهور على أن الإبراد تراعى فيه مصلحة المصلين، بدليل أن الحكم معلل بشدة الحر، فإذا كان في الشتاء فلا إبراد، وإذا كان أهل المسجد حوله، ولا يأتون من مكان بعيد، كأن يكون المسجد في وسط السوق، فيأتون من السوق إلى المسجد، والمسافة بينهما أمتار قليلة، فإذا سمعوا النداء خرجوا من حوانيتهم ودكاكينهم إلى المسجد، فليس هناك شدة حر، ولا فيح ولا مشقة، فيصلون الظهر في أول وقته، فيراعى في ذلك حالة المصلين، أما إذا كانوا يأتون من بعيد، وليس هناك ما يظلهم من الشمس أبردوا.

    وهناك من يقول: يراعى في ذلك المساجد العامة ولا يدخل في ذلك من يصلي منفرداً؛ لأن الفرد قد يصلي في مكان يكنه، إذا كان لا يتحمل مشقة الذهاب إلى المسجد، كأن يكون من أهل الأعذار، فيصلي في بيته فهذا لا يبرد بالظهر، ومثله من كان مع جماعة في موضع لا تلحقهم مشقة المسير إلى المسجد العام، والله تعالى أعلم.

    1.   

    الإسفار بصلاة الفجر والتغليس بها

    قال المؤلف: [ وعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم) رواه الخمسة، وصححه الترمذي وابن حبان ].

    تقدم أنه كان صلى الله عليه وسلم ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، و(كان) تدل على الدوام والاستمرار، فكان من شأنه ومن سنته ومن منهجه وفعله المستمر أن ينفتل من صلاة الغداة -وهي الصبح- حين يعرف الرجل جليسه، وكان يقرأ بالستين إلى المائة؛ ومتى كان يبدأ صلاة الفجر إذا كان عند نهايتها بعد أن يقرأ الستين أو المائة يعرف الرجل جليسه؟

    كان يبدأ بها في الغلس، أي: أول انبلاج الفجر.

    وهنا يقول صلى الله عليه وسلم: (أصبحوا بالصبح)، وفي رواية: (أسفروا).

    أصبحوا بالصبح، أي: ادخلوا في الصبح، وقوله: أسفروا هو: من الإسفار، وهو النور، ومنه سمي السفر سفراً؛ لأنه يكشف وينير عن حقيقة الإنسان في سفره، فالإنسان في حالة إقامته قد تكون أخلاقه فاضلة، فعنده حلم وكرم ومساعدة وتسامح، لكن إذا كان في السفر تأتي المشقة والتعب، فبعض الناس لا يراعي إلا راحة نفسه، ولا يراعي الآخرين، فالسفر يسفر ويكشف عن حقيقة الأشخاص وطبائعهم؛ لأنه يُظهر الشخص على حقيقته، فهنا يقول رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أصبحوا، أو أسفروا)، وظاهره أن الصلاة يستحب تأخيرها! وهذا متعارض مع حديث: (كان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه)، مع أن قراءة النبي عليه الصلاة والسلام كانت بالستين إلى المائة، فأيهما أرجح؟

    الشوكاني رحمه الله تكلم على حديث: (أصبحوا ..) وبين أنه في بعض طرقه ضعفاً، وذكر أنه لا ينهض لمعارضة ما هو أقوى منه، ويدل على صلاة الفجر وقت الغلس حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف من صلاة الصبح، ونسوة الأنصار في المسجد فلا يعرفن من الغلس)، والغلس هو الظلام.

    إذاً: الأحاديث التي فيها أنه صلى الله عليه وسلم كان يغلس بالصبح أكثر وأقوى من حديث: (أصبحوا.. أو.. أسفروا)، ثم بعضهم يقول: إن حديث: (أصبحوا أو أسفروا) ليس معناه: أخروا صلاة الصبح حتى يحصل الإسفار ويأتي الصبح، فقد كان صلى الله عليه وسلم أحياناً يدخل في صلاة الصبح بغلس ويُطيل القراءة حتى لا يخرج منها إلا مسفراً أو مصبحاً، ولكن قد يكون في ذلك مشقة، وهو عليه الصلاة والسلام كان يراعي حالة من خلفه، فمن أمّ الناس فليخفف، ولكن ربما فعل ذلك مرة أو أمر بذلك لبيان الجواز، ولكنه داوم على ما هو الأفضل، فكان يغلس بها.

    وعلى هذا جمهور المسلمين وأكثر العلماء ومنهم الأئمة الثلاثة، فعندهم أن صلاة الصبح تصلى من أول انفجار الفجر بغلس، والإمام أبو حنيفة رحمه الله أخذ بحديث رافع ، ورأى أن تأخير الصبح إلى الإسفار أعظم للأجر وأفضل، فالمسألة دائرة بين أن نسفر بها أو نغلس بها، وأكثر الأحاديث على التغليس بها، وهو أن تصلى الصبح في أول وقتها بغلس، والله تعالى أعلم.

    1.   

    الوقت الاضطراري للفجر والعصر

    قال المؤلف: [ وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) متفق عليه].

    تقدم لنا في تحديد الأوقات أن صلاة الظهر حينما تزول الشمس عن كبد السماء إلى أن يصير ظل كل شيء مثله زيادة على ظل الزوال، ووقت العصر من أول ما يصير ظل كل شيء مثله إلى اصفرار الشمس، إلى تضيفها للمغيب.

    فالعصر له عدة أوقات، وقد ذكر النووي عن الشافعية أن للعصر أوقاتاً متعددة: وقت الفضيلة في أولها، ووقت الإباحة حينما يصير ظل كل شيء مثليه، ووقت الكراهية حينما تصفر الشمس.

    وهذا الحديث فيه بيان وقت الضرورة، وذلك لمن كان نائماً أو كان ناسياً أو اشتغل عنها، فأدرك من العصر ركعة بقراءتها وبركوعها وبسجدتيها قبيل غروب الشمس، وبعد أن أكمل الركعة غربت الشمس؛ فقد أدرك العصر، بمعنى أدرك وقتها، فإنه يُصلي بعد غروبها ثلاث ركعات تتمة للأربع، وهذا أضيق وقت للعصر.

    ويبحث الفقهاء لو أن الحائض طهرت قبل أن تغرب الشمس بما يسع ركعة، فهل تلزمها صلاة العصر أم لا؟ ولو أن الكافر أسلم قبل غروب الشمس بما يسع ركعة فهل تلزمه هذه الصلاة أم لا؟ ولو أن الصبي بلغ الحلم قبل غروب الشمس بركعة فهل تلزمه هذه الصلاة أم لا؟

    يقولون: نعم؛ لأنه أدرك الوقت بالركعة، فعليه أن يصلي هذه الصلاة التي أدرك من وقتها ركعة، وإذا كان الوقت قبل غروب الشمس بما يسع خمس ركعات، فأسلم الكافر أو طهرت الحائض أو بلغ الصبي، فإن على هؤلاء الثلاثة صلاة الظهر والعصر معاً؛ لأن وقت الظهر والعصر مشترك بينهما، فيدرك الظهر بأربع ركعات، والعصر بركعة، وكذلك لو حصل ذلك قبل الفجر بأربع ركعات، فإنه يلزمهم صلاة المغرب وصلاة العشاء، فيدركون المغرب بثلاث والعشاء بركعة.

    فمن أدرك من العصر ركعة قبل غروب الشمس فقد أدرك الوقت، وتكون صلاته أداءً وليست قضاء، وكذلك من لزمته الصلاة قبل غروب الشمس بركعة فإن عليه أن يُصلي تلك الصلاة، وكذلك الحال في الصبح، فمن أدرك ركعة قبل طلوع الشمس فالحكم في ذلك واحد.

    الحديث هذا فيه مجالات من البحث الفقهي، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة عند غروب الشمس، وعند شروقها، وعند استوائها، كما في حديث: (ثلاثة أوقات نهينا عن الصلاة فيها، وأن نقبر فيهن موتانا)، ومن أدرك ركعة من العصر قبل غروب الشمس فإنه سيصلي أثناء غروبها وبعد غروبها الثلاث الركعات الباقية، فيكون قد صلى عند غروبها، وكذلك من أدرك ركعة قبل طلوع الشمس فسيصلي الركعة الثانية في أثناء طلوعها، فيكون قد صلى في الوقت الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم، ويجيبون عن ذلك بأن النهي متعلق بابتداء الصلاة بأن تُنشئ صلاة وتبتدأها في تلك اللحظات، أما أن تكون في صلاة ويدركك غروبها أو يُدركك شروقها؛ فليس داخلاً في النهي.

    قال: [ ولـمسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها نحوه وقال: سجدة بدل ركعة، ثم قال: والسجدة إنما هي الركعة ].

    هذا طرف من هذا الحديث، ومن العلماء من يقول: من أدرك السجدة فقد أدرك الركعة، والسجدة جزء من الركعة، وبعضهم يقول: الركعة هي بكامل أركانها من القراءة والركوع والرفع والسجود والجلوس بين السجدتين والسجدة الثانية، فهذه هي أركان الركعة، فيقولون: من أدرك السجدة -وهي جزء من الركعة- فقد أدرك الصلاة، يا سبحان الله! وهل يُدرك السجدة إلا من أدرك الركعة من أولها، فمن سجد فقط فلا تعتبر سجدة في حقه، ولا يصح أن يأتي عند غروب الشمس ويسجد! لا، بل سيأتي ويكبر تكبيرة الإحرام، ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر معها من آية أو سورة قصيرة، ثم يركع، ثم يرفع، ثم يسجد. وهل المعتبر من أدرك الركعة قبل أن تغرب الشمس أو من أدرك تكبيرة الإحرام؟

    في بعض الروايات أنه من أدرك تكبيرة الإحرام قبل غروب الشمس فقد أدرك الصلاة، إذاً: رواية (من أدرك السجدة)، فيها أن إدراك الركعة إنما هو من أولها إلى آخرها، أي: ركعة كاملة بكامل أركانها، ولهذا جاءت هذه الرواية: (من أدرك السجدة)، وليس المراد جزءاً من الركعة فقط، ولكن أدرك الركعة من أولها إلى السجدة قبل غروب الشمس عليه، بخلاف ما إذا كبر تكبيرة الإحرام فلما كان يقرأ الفاتحة غربت الشمس، فإنه في هذه الحال لم يدرك السجدة، أي: لم يدرك السجدة قبل غروبها على هذه الرواية.

    ولكن جاءت رواية فيها: (من أدرك تكبيرة الإحرام قبل غروب الشمس فقد أدرك الصلاة)، وهذا هو وقت الضرورة، كأن يكون نائماً، ولم يستيقظ إلا في ذلك الوقت، أو امرأة كانت حائضاً ولم تطهر إلا في ذلك الوقت، أو الذين طرأ عليهم الوجوب والإلزام كالصبي إذا بلغ في ذلك الوقت، أو الكافر إذا أسلم في ذلك الوقت.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755974880