إسلام ويب

هيا بنا نؤمن ساعةللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • القلب هو ملك الأعضاء والمهيمن عليها، فإن صلح صلحت سائر الأعضاء، وإن فسد فسدت سائر الأعضاء، ومن أجل ذلك لزم العناية بصحة القلب وصلاحه، ولا يتم ذلك إلا بتجديد التوبة، والإكثار من عمل الطاعات، واجتناب المعاصي والمنكرات فهي لا تزيد القلب إلا قسوة، ولا تزيد الإيمان إلا ضعفاً ورقة؛ لأن الإيمان قول واعتقاد وعمل، يزيد وينقص، ويبلى ويتجدد.

    1.   

    دعوة إلى تجديد الإيمان

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله أجمعين. أما بعد: فمن المفترض أن يكون حديثنا اليوم عن الأحداث المؤسفة الأخيرة، من اعتداء أمريكي سافر على السودان وأفغانستان، أسأل الله جل وعلا أن يفرج الكرب عن بلاد المسلمين وعن أمة محمد إنه ولي ذلك والقادر عليه، ولكن الإخوة جزاهم الله خيراً أخبروني أن مجموعة كبيرة من الشباب تحضر معنا اليوم لأول مرة، واستحلفوني بالله أن أرقق قلوبهم لعل الله أن يشرح صدورهم للالتزام، على وعد مني إن شاء الله تعالى بأن أعلق على هذه الأحداث المؤلمة في الخطبة التي كنت قد أعددت لها بعنوان: (عالم الغاب والذئاب). وأسأل الله جل وعلا أن ييسر لنا أن نذكر بهذا الموضوع إنه ولي ذلك ومولاه؛ لذا فإن عنوان لقائنا اليوم: (هيا بنا نؤمن ساعة). وكما تعودت -حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعاً من تحت أقدامنا- فسوف أركز الحديث اليوم مع شبابنا وأحبابنا في العناصر المحددة التالية: أولاً: جدد إيمانك. ثانياً: قسوة القلوب وقلة الخوف من علام الغيوب. ثالثاً: إلى أين المصير؟! وأخيرًا: متى سنتوب؟ فأعيروني القلوب والأسماع، والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب. أولاً: جدد إيمانك. أخي الحبيب! إن الإيمان قول واعتقاد وعمل، قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح والأركان، وهو يزيد بالطاعات وينقص بالزلات والعصيان، قال جل وعلا: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح:4]. إخوتي الكرام! إذا تراكمت سحب المعاصي على القلب حجبت نور الإيمان في القلب كما تحجب السحابة الكثيفة نور القمر عن الأرض، فإذا انقشعت السحب ظهر نور القمر لأهل الأرض مرة أخرى، كذلك إذا انقشعت سحب المعاصي والذنوب عن القلب ظهر نور الإيمان في القلوب. فلابد من تعهد القلب أيها الشباب! لابد من تجديد الإيمان في القلب وتقويته من آن لآخر، وذلك بتعريض القلب لمواد تقوية الإيمان بالله جل وعلا، كقراءة القرآن، وذكر الرحمن، والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، والاستغفار، وزيارة المقابر، وزيارة المرضى، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، والإنفاق على الفقراء والمساكين، والإحسان إلى الأرامل واليتامى والمحرومين. هذه هي الأعمال التي تقوي وتجدد الإيمان في القلب؛ فإن القلب -أيها المسلمون- هو ملك الأعضاء، والأعضاء والجوارح هي جنوده ورعاياه، فإن طاب الملك طابت الجنود والرعايا، وإن خبث الملك خبثت الجنود والرعايا، كما في الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب أن البشير النذير صلى الله عليه وسلم قال: (ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر)، وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب). فلابد من تعهد الإيمان في القلب، ولابد من تجديد الإيمان في القلب من آن لآخر؛ لأن الإيمان يقوى ويضعف، ويتجدد ويبلى، ووالله الذي لا إله غيره، لا أعلم زماناً قست فيه القلوب وتراكمت فيه الذنوب على الذنوب، وقل الخوف فيه من علام الغيوب كهذا الزمان.

    1.   

    قسوة القلب

    ثانياً: قسوة القلوب وقلة الخوف من علام الغيوب. قال تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16]. ألم يأن للقلوب أن تخشع لذكر الله جل وعلا؟! ألم يأنِ لقلوب من وَحّدوا الله وآمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم أن تخضع لعظمة الله تبارك وتعالى، وأن تذعن لأمره، وأن تجتنب نهيه، وأن تقف عند حدوده تبارك وتعالى؟! أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16]

    قسوة القلب سبب لقلة الخوف من الله

    إخوتي الكرام! والله الذي لا إله غيره إن قلة الخوف من الله جل وعلا في هذا الزمان ثمرةٌ مرةٌ لقسوة القلب وظلمته ووحشته، فنرى منا الآن من يسمع القرآن يتلى ولا تدمع عينه، ولا يتحرك قلبه، ولا تلين جوارحه، ولا يخشع جلده!!! لماذا؟ لأن القلوب قست، ولأن القلوب في وحشة، ولأن القلوب في ظُلمة، فقلة الخوف من الله ثمرة مرة لقسوة القلب وظلمة القلب ووحشة القلب. كما أن الخوف من الله جل وعلا ثمرة حلوة للإيمان بالله تبارك وتعالى، فلا يتصور أبداً -أيها الأخيار الكرام- أن ينفك مؤمن عن خوف من الله جل وعلا، فعلى قدر إيمانك بالله، وعلى قدر حبك لله، وعلى قدر علمك بالله، وعلى قدر معرفتك بالله جل وعلا يكون حياؤك وخوفك، ومراقبتك لله تبارك وتعالى، فلو وقف كل واحد منا على هذه المعادلة ونظر في نفسه: هل يحمل في صدره قلبًا رقيقًا أم يحمل في صدره قلبًا قاسيًا وهو لا يدري؟!! إن كنت عارفاً عالماً بالله؛ اشتد خوفك وحياؤك من الله جل وعلا، فعلى قدر العلم بالله يكون الخوف وتكون الخشية، قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28].

    قلة العلم بالله وضعف التوحيد سبب لقسوة القلب

    البعض لا يتأثر بالقرآن، ولا يتأثر بكلام النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يتأثر بالموعظة ولو كانت مؤثرة، بل ولا يتأثر بعبرة على أرض الواقع مؤلمة، كأن يهلك الله طاغوتاً من الطواغيت، أو كأن يأخذ الله فرعوناً من الفراعنة، أو كأن يرى الإنسان حادثاً مؤلماً بين يديه على الطريق، فيرى إنساناً مزقت أشلاؤه أو تناثرت دماؤه، ومع ذلك قد ينظر بعين جامدة وبقلب قاسٍ إلى كل هذه العظات والعبر. وقد تسمع أذنه الموعظة فلا يتحرك قلبه، ولا يخشع جلده ولا تلين جارحته! لماذا؟ لأنه لا يتأثر بكل هذا -أيها الأحبة- إلا من وحد الله جل وعلا وخاف الله سبحانه، وعمل حساباً لعمل الآخرة، قال جل وعلا: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً [هود:102-103]؛ من الذي يعتبر بها؟ من الذي يتعظ ويتأثر بها؟ تدبر كلام الله جل وعلا: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود:103-108]، فعلى قدر علمك بالله يكون الحياء والخوف منه، فقف على حسب معرفتك وعلمك بالله! يا من تتجرأ على معصية الله جل وعلا! يا من ترخي الستور، وتغلق الأبواب، وتبارز الله جل وعلا بالمعصية، وأنت تظن -يا مسكين- أنه لا يسمعك ولا يراك! كن اليوم على يقين أنك لا تعرف الله جل وعلا؛ لأنه على قدر علمك بالله يكون حياؤك منه، وعلى قدر معرفتك بالله يكون خوفك منه، كما قال أعرف الناس بربه صلى الله عليه وسلم: (أنا أعلمكم بالله، وأنا أشدكم له خشية)

    معرفة الله سبب لخشيته والانكسار بين يديه

    أيها الأحباب! إن الذي يعرف الله ويخشى عذابه ويستحيي منه -حتى ولو زلت قدمه في المعصية، فارتكب كبيرة من الكبائر في حال ضعف بشري منه، أو وقع في صغيرة من الصغائر، أو بارز الله بمعصية من المعاصي- سرعان ما يجدد التوبة والأوبة والندم، وسرعان ما يطرح قلبه بين يدي الله بذل وانكسار، وهو يعترف لله بفقره وعجزه وضعفه. فعلى قدر علمك بالله يكون حياؤك وخوفك منه، يقول المصطفى: (أنا أعلمكم بالله، وأشدكم له خشية)، لذا (كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يصلي ولصدره أزيز كأزيز المِرجل من البكاء)، وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. بل وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال: (بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء، فخطب فقال: عرضت علي الجنة والنار .. -خطبة ما سمعت مثلها قط- إلى أن قال: (والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا). يقول أنس: (فغطى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين) أي: ولهم بكاء بصوت مكتوم. عندما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً)، تأثر أصحاب القلوب الرقيقة من أصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم بمثل هذه الكلمات على الرغم من قلتها. بل وورد في مسند أحمد وسنن الترمذي بسند صحيح بالشواهد من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوماً: (كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن -أي: صاحب الصور وهو إسرافيل- القرن، وأصغى سمعه وحنى جبهته، ينتظر متى يؤمر أن ينفخ؟ فشق ذلك على أصحاب البشير النذير صلى الله عليه وسلم، فقالوا للمصطفى: فماذا نقول يا رسول الله؟! فقال لهم: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل).

    صور من خوف السلف الصالح من الله وإشفاقهم من عذابه

    والله لو وقفنا مع خوف النبي صلى الله عليه وسلم من ربه وهو أعرف الناس به، وأتقى الناس له، وأخشى الناس منه؛ لرأينا العجب العجاب، ولو وقفنا على حجم الهوة الرهيبة بيننا وبين ما كان عليه نبينا وسلفنا الصالح رضوان الله عليهم، لعرفنا قسوة قلوبنا. فاروق الأمة الأواب عمر الذي أجرى الله الحق على لسانه وقلبه، كان رضوان الله عليه يخاف الله جل وعلا خوفاً مزق قلبه، وهو الذي لما وضع على فراش الموت دخل عليه ابن عباس رضي الله عنهما وقال: أبشر يا أمير المؤمنين! لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته، ثم توفي رسول الله وهو عنك راض، وصحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثم توفي أبو بكر وهو عنك راض، ثم حكمت فعدلت، ووالله لئن مت اليوم فإن أصحاب رسول الله عنك لراضون. فالتفت عمر إلى ابن عباس وقال: ذلك ما مَنَّ الله به علي، وإن المغرور والله من غررتموه، فوالله إني لوددت أن أخرج من الدنيا كفافاً لا لي ولا عليّ، والله يا ابن عباس ! لو أن لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به اليوم من عذاب الله قبل أن أراه! يا من أسرفت على نفسك بالمعاصي والذنوب! تذكر وتدبر قول عمر: والله لو أن لي طلاع الأرض -أي: ملء الأرض- ذهباً لافتديت به اليوم من عذاب الله قبل أن أراه. وهذا حِبُّ المصطفى وحبيب رسول الله معاذ بن جبل ، الذي أقسم له النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وقال : (يا معاذ ! والله إني لأحبك). ماذا يقول معاذ بن جبل حبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! يبتلى معاذ رضي الله عنه بطاعون الشام، وينام على فراش الموت وهو الشاب الذي لم يبلغ الثالثة والثلاثين من عمره، فيقول لأصحابه: هل أصبح الصباح؟ فينظر أصحابه فيقولون: لا بعد، -أي: لم تطلع الشمس بعد- فيقول معاذ مرة أخرى: هل أصبح الصباح؟ فيقول أصحابه: لا بعد. فيقول معاذ : هل أصبح الصباح؟ فيقول أصحابه: لا بعد! فيبكي معاذ بن جبل ويقول: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار! وسفيان الثوري إمام الدنيا في الزهد والورع والحديث، ينام على فراش الموت فيدخل عليه حماد بن سلمة ، فيقول له: أبشر يا أبا عبد الله إنك مقبل على من كنت ترجوه، وهو أرحم الراحمين، فيبكي سفيان ويقول لـحماد بن سلمة : أسألك بالله يا حماد ، أتظن أن مثلي ينجو من النار؟! وهذا إمام الدنيا الشافعي رحمه الله تعالى، يدخل عليه الإمام المزني وهو على فراش الموت فيقول له: كيف أصبحت يا إمام؟! فيقول الشافعي: أصبحت من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقاً، ولعملي ملاقياً، ولكأس المنية شارباً، وعلى الله وارداً، ثم بكى وقال: فلا أدري والله يا مزني أتصير روحي إلى الجنة فأهنيها، أم إلى النار فأعزيها؟! وهذا مالك بن دينار وهو من أئمة السلف الأخيار، كان يقوم بالليل يصلي للعزيزِ الغفار ويقبض على لحيته ويبكى ويقول: يا رب! يا رب! لقد علمت ساكن الجنة وساكن النار؛ ففي أي الدارين منزل مالك بن دينار؟! هل فكرت في المصير يا عبد الله؟! هل فكرت في مصيرك: أتصير إلى الجنة أم إلى النار؟!

    1.   

    أين المصير

    ثالثاً: أين المصير ؟ والله إنه لسؤال يحتاج أن يطرحه كل واحد منا على نفسه في الليل والنهار. مع كل معصية قل لنفسك: إلى أين المصير؟ مع كل كبيرة قل لنفسك: إلى أين المصير؟ يا من بارزت الله بالزنا قل لنفسك: إلى أين المصير؟! يا من خنتِ زوجكِ الذي سافر ليأتيكِ أنت وأولادك بالطعام الحلال! سلي نفسك يا مسكينة وقولي: إلى أين المصير؟ يا من تلاعبت ببنات المسلمين وبارزت الله بالمعاصي! سل نفسك يا مسكين وقل: إلى أين المصير؟

    قصة محزنة لمن ينتهكون محارم الله

    والله لقد قرأت .. ومن أعجب ما قرأت: أن ثلاثة من الشبان في المملكة كانوا يتفننون في تصيد بنات المسلمين، وفي ليلة من الليالي اصطاد كل ذئب من هؤلاء الذئاب فتاة مسلمة، وانطلق الشباب بثلاث فتيات إلى الصحراء؛ ليفجر كل شاب بالبنت التي معه، ولما وصلوا إلى هنالك يقول أحدهم: كان بين أيدينا الشراب الملعون -أي: الخمر- وكان بين أيدينا كل ما نشتهيه، ولكننا نسينا أن نأتي بالطعام فشعرنا بالجوع، فأرسلنا أحدنا ليأتي لنا بالطعام من أقرب مكان؛ حتى نقضي ليلة حمراء ساهرة. يقول: وذهب هذا الشاب وطالت غيبته، فانتظرناه ساعة فلم يأت، وانتظرنا الثانية فلم يأت، وكاد الصبح أن يشرق علينا، يقول: فانطلقت بسيارتي؛ لأبحث عن زميلي، وعلى جانب الطريق رأيت ناراً مشتعلة متأججة فاقتربت من السيارة فعلمت أنها سيارة صاحبنا، ونظرت في داخلها فوجدت النار قد وصلت إلى صاحبي وقد أحرقت نصفه تماماً، وهو يصرخ ويقول قولة واحدة: ماذا أقول له؟! ماذا أقول له؟! ماذا أقول له؟! يقول: فعجزت أن أخرج صاحبي من السيارة، ولكن شغلني كلامه، وشغلني سؤاله الذي ما زال يردده: ماذا أقول له؟! فقلت له: من تقصد؟! ومن الذي تريد؟! فقال: الله. ماذا أقول لربي غداً؟! ماذا أقول وأنا الذي ألقاه وأنا زان؟! ماذا أقول لربي غدا وأنا ألقاه وَعَلَيَّ جنابة الزنا؟! ماذا تقول لربك أيها الزاني؟! وماذا تقولين لربك أيتها الزانية؟! ماذا تقول لربك أيها الظالم؟! وماذا تقولين لربك أيتها الظالمة؟! ماذا تقول لربك أيها الشاب؟! يا من انحرفت عن طريق الله، وعن هدي الحبيب رسول الله، ماذا تقول لربك غداً؟ فارتجف هذا الشاب وعاد إلى رفاقه وهو يبكي ويرتعد ولا ينطق إلا بهذه الكلمة: وأنا ماذا أقول له غداً؟! ماذا أقول له غداً؟! فيا من أسرفت على نفسك بالمعاصي! ماذا تقول له غدا؟! مثل وقوفك يوم العرض عريانا مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا والنار تلهب من غيض ومن حنق على العصاة ورب العرش غضبانا اقرأ كتابك يا عبدي على مهل فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا لما قرأت ولم تنكر قراءته إقرار من عرف الأشياء عرفانا نادى الجليل خذوه يا ملائكتي وامضوا بعبد عصى للنار عطشانا المشركون غداً في النار يلتهبوا والمؤمنون بدار الخلد سكانا ماذا تقول لربك غداً إن وقفت بين يديه عارياً؟! أين المنصب؟ ضاع. أين الجاه؟ زال. أين الأموال؟ تبددت. ماذا تقول لربك غدا؟ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]، فماذا تقول لربك غداً أيها المسكين؟ إلى أين المصير؟ وجه لنفسك اليوم هذا السؤال: هل أنت ممن عمل الطاعة وتنتظر الجنة من الله جل وعلا، أم أنك مسرف على نفسك بالمعصية، ومع ذلك تتمنى على الله الأماني وترجو الجنة؟ ما أقل حياء من طمع في جنة الله وهو لم يعمل بطاعة الله سبحانه!!

    بيان حال أهل النار

    من يقوى منا على أن يقتحم حريقاً هائلاً شب في بيت من البيوت؟! من منا يقوى على نار الدنيا؟! وقد جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم، قالوا: يا رسول الله! والله إن كانت لكافية! فقال: فضلت عليهن بتسعة وستين جزءاً، كلهن مثل حرها!). عباد الله! اتقوا النار فإن حرها شديد، وإن قعرها بعيد، وإن مقامعها من حديد. إن الطعام في النار نار، وإن الشراب في النار نار، وإن الثياب في النار نار؛ فطعام أهل النار من الزقوم والغسلين والضريع. هل تعلم عن الزقوم والضريع والغسلين شيئاً؟ الزقوم: شجرة طلعها كأنه رءوس الشياطين، تنبت في أصل جهنم، يقول ابن عباس : لو أن قطرة واحدة من الزقوم قطرت في الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن يكون طعامهم؟! أي: فكيف بمن يكون الزقوم طعامهم؟! أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ [الصافات:62-66]. أما الضريع: فهو نوع من أنواع الشوك الذي ينبت في أرض الجزيرة، يأكله أهل النار يوم القيامة: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ [الغاشية:1-7]. أما الغسلين: فهو عصارة أهل النار من قيح وصديد، قال جل وعلا: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِئُونَ [الحاقة:25-37] فالغسلين هو عصارة أهل النار من قيح وصديد، فإذا تأججت النار في بطونهم استغاثوا يريدون الماء، فيغاثون بماء، ولكن ... ما هو الماء؟ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15]، هذا كلام ربنا جل وعلا. وقال جل وعلا: إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا [الكهف:29]. وهنا يستغيث أهل النار بخزنة جهنم: وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ [غافر:49-50]. فإن يئس أهل النار من خزنة النار نادوا على مالك رئيس الخزنة: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف:77]. فيتذكر أهل النار إخوانهم من أهل التوحيد ممن أساءوا إليهم وآذوهم في الدنيا، فينادون عليهم ليغيثوهم بقليل من الماء أو بشيء من رزق رب الأرض والسماء: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [الأعراف:50-51]. فإن يئس أهل النار من الخلق أجمعين استغاثوا بالملك الكريم جل وعلا، الذي وسعت رحمته كل شيء وهو أرحم الراحمين ... ومع ذلك اسمع بماذا يرد جل وعلا على أهل النار: قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:106-108]. فالطعام نار، والشراب نار، حتى الثياب من النار: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [الحج:19-21].

    بيان حال أهل الجنة

    أما الجنة، فلا يعلم ما أعد فيها من كرامة للمؤمنين إلا العزيز الغفار، ففيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة؛ لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، وريحهم المسك، ومجامرهم الألوة، وأزواجهم الحور العين). ويكفي أن تقف مع أدنى -أي: أقل- أهل الجنة منزلة؛ لتعلم قدر أعلى أهل الجنة منزلة، ففي صحيح مسلم من حديث المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سأل موسى ربه جل وعلا فقال: يا رب! ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ فقال الله تعالى: أدنى أهل الجنة منزلة رجل يجيء وقد دخل أهل الجنة الجنة فيقول الله عز وجل له: ادخل الجنة، فيقول: يا رب! كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم؟! -يخيل إليه أن الجنة ملأى، حتى لا يرى لنفسه مكاناً في الجنة- فيقول الله جل وعلا له: أترضى أن يكون لك مثل مُلْك مَلِكٍ من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت يا رب! فيقول الله جل وعلا: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله، فيقول العبد في الخامسة: رضيت يا رب! رضيت يا رب! فيقول الرب سبحانه: لك ذلك وعشرة أمثاله معه. قال موسى: يا رب! هذا أدنى أهل الجنة منزلة، فما أعلاهم منزلة؟ قال الله: أولئك الذي أردت، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر). وإن أعلى نعيم في الجنة -أيها المسلمون- هو النظر إلى وجه الله جل وعلا: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23]. ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله تعالى: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير كله في يديك! فيقول الله سبحانه: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أدخلتنا الجنة، ونجيتنا من النار، وبيضت وجوهنا يوم تسود الوجوه؟! فيقول الله تعالى: أفلا أعطيكم أفضل من ذلكم؟ فيقول أهل الجنة: وأي شيء أفضل من ذلك؟! فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا). وفى رواية أبي سعيد : (فيكشف الحجاب؛ فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى وجه الله جل وعلا) قال تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى [يونس:26] وهي الجنة، (وزيادة) وهي التمتع بالنظر إلى وجه الله جل وعلا في الجنة، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

    1.   

    الحث على المسارعة في التوبة

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام، أيها الآباء الفضلاء، وأيتها الأخوات الكريمات، وأيها الشباب! متى سنتوب؟! متى سنرجع إلى علام الغيوب؟! أما آن لقلوبنا أن تخشع، وأن تخضع وأن ترجع وأن تنيب، والله إن الموت يأتي بغتة، وإن أقرب غائب ننتظره جميعاً هو الموت، فلا تسوف أخي الكريم وعجل بالتوبة، وعاهد ربك الآن بين يديه أن تنيب، وأن ترجع إليه سبحانه، وأن تمتثل أمره، وأن تجتنب نهيه، وأن تقف عند حدوده، وأن تراقب الله في سرك وعلنك، وفي خلوتك وجلوتك، وأن تحرص على مجالس العلم، وأن تفرغ لها من الوقت والجهد والمال، فإن مجالس العلم تجدد الإيمان في القلب، وتحول بينك وبين معصية الله بإذنه جل وعلا؛ لأن مجلس العلم طريق يقربك إلى الجنة ويبعدك عن النار، كما قال النبي المختار: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سَهَّلَ الله له طريقاً إلى الجنة). فعد وارجع وتب إلى الله، وأرجو ألا تيأس أو تقنط، فالفقه كل الفقه أن نرهب دون يأس أو تقنيط -نسأل الله أن يرزقنا الفقه والعلم- فالفقه كل الفقه أن نرهب بكلام الله وكلام رسوله دون أن نوصل الناس إلى حد القنوط واليأس من رحمة الله. حاشا ثم حاشا أن ييأس مسلم يعرف الله جل وعلا من رحمته ومن فضله وعظيم عفوه، لكن المسلم العاقل الذي يرجو الله هو الذي يدفعه الرجاء في الله إلى العمل الصالح والتوبة والأوبة. أيها الشاب! مهما بلغت ذنوبك ومهما بلغت ذنوبك أيتها المسلمة! فلتعاهد الله جل وعلا جميعاً من الآن على أن تعود إليه، وعلى أن تجدد له التوبة والأوبة. ونحن على يقين بأنه سبحانه وتعالى سيفرح بتوبتنا وهو الغني عنا، فهو سبحانه لا تنفعه الطاعة، ولا تضره المعصية، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]. ما دمت توحد الله جل جلاله فاعلم بأن التوبة تجب كل كبيرة وصغيرة: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]

    شروط قبول التوبة

    ولكني أود أن أذكرك -أخي وأختي في الله- بأن للتوبة شروطاً وأركاناً. فأول شروط التوبة: أن نقلع عن الذنوب والمعاصي كبيرها وصغيرها، ثم الندم على ما مضى، فلا تباه ولا تفاخر بأنك أوقعت فلانة، أو بأنك ارتكبت المعصية الفلانية، إن سترك الله فاستر على نفسك وتب إليه: (فكل أمتي معافى إلا المجاهرين) كما قال النبي الأمين صلى الله عليه وسلم. ثم عليك بالندم، فالندم ركن التوبة الأعظم، ليرى الله من قلبك الحرقة والألم على ما مضى من إفراط وإسراف. ثم المداومة على العمل الصالح: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:70]، وفي الحديث القدسي الذي رواه مسلم والترمذي واللفظ للترمذي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة). اللهم اغفر لنا ذنوبنا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم لا تدع لأحد منا في هذا الجمع المبارك الكريم ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً بيننا إلا شفيته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ميتاً لنا إلا رحمته، ولا عاصياً بيننا إلا هديته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا طائعاً إلا زدته وثبته، ولا حاجة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا أرحم الراحمين! اللهم احفظ أهلنا في السودان، اللهم احفظ أهلنا في السودان، وفي أفغانستان، وفي فلسطين، والصومال، وفي كشمير وطاجكستان، وفي الفلبين، وفي الجزائر وفي كل مكان، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أرنا يوماً كيوم عاد وثمود في أمريكا ومن شايعها، اللهم عليك بأمريكا ومن شايعها، اللهم إن أمريكا قد طغت وبغت ولا قدرة للمسلمين عليها، اللهم إنا مغلوبون فانتصر، اللهم إنا مغلوبون فانتصر، اللهم إنا مغلوبون فانتصر، اللهم عليك باليهود وأعوان اليهود، اللهم إنا نشكو إليك خيانة الخائنين وضعف الموحدين! اللهم ارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، واستر عيبنا، ولا تهتك سترنا، وفك أسرنا، وتول خلاصنا، واختم بالصالحات أعمالنا برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم استرنا ولا تفضحنا، وأكرمنا ولا تهنا، وكن لنا ولا تكن علينا، اللهم أصلح شبابنا، اللهم أصلح شبابنا، اللهم احفظ شبابنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم استر نساءنا وبناتنا، اللهم استر نساءنا وبناتنا برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اجعل بلدنا واحة للأمن والأمان وجميع بلاد المسلمين، اللهم ارفع عنا البلاء والوباء والفتن ما ظهر منها وما بطن، برحمتك يا أرحم الراحمين! إخوتي الكرام! هذا وما كان من توفيق فمن الله، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون عليه إلى الجنة ويلقى به في جهنم، ثم أعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.

    دعوة للإنفاق في سبيل الله

    وأود أن أذكر هذا الجمع الكريم بين يدي بالحق الذي عليهم لله تبارك وتعالى، فأنتم ترون هذا المسجد المبارك الذي شيده إخواننا -أسأل الله أن يتقبل منا ومنهم صالح العمل- إلا أنه يحتاج إلى إتمام دوره العلوي، فأرجو أن نقف اليوم مع إخواننا وقفة رجل واحد، وألا ينصرف أحد من الإخوة أو من الأخوات إلا وقد ساهم -ولو بالقليل- لإنهاء بيت الله الجليل تبارك وتعالى، وأسأل الله أن يجعل الدنيا في أيدينا لا في قلوبنا؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه. ثم أود أن أذكر -وأرجو أن يبلغ الحاضر منكم الغائب- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، إن مصر بلد الخير وبلد العطاء بلا نزاع، ولا نجامل بها ورب الكعبة مخلوقاً، فإني أذكر أن التاريخ قص علينا يوماً لما وقعت المجاعة في مدينة المصطفى وأرسل فاروق الأمة عمر إلى عمرو بن العاص في مصر: أن: أرسل إلينا مدداً من مصر، فقرأ عمرو بن العاص في مسجده رسالة عمر بن الخطاب على أهل مصر: إن إخوانكم من أصحاب النبي في المدينة يذوقون الجوع؛ فيطلبون منكم الغوث والمعونة والنجدة. فخرج أهل مصر بعطاء لم يعرف التاريخ له مثيلاً على الإطلاق، حتى أرسل عمرو بن العاص رسالة إلى عمر بن الخطاب وقال فيها: يا أمير المؤمنين! لقد أرسلت إليك قافلة من المئونة أولها عندك وآخرها عندي. فمصر بلد العطاء والجود والخير، وأنا أعلنها لله: إن أهل مصر لم يصابوا بأزمة بخل وإنما أصيبوا بأزمة ثقة، إذ لم يجدوا من يثقون فيه ليسلموا له أموالهم بنفس سخية وبيد معطية منفقة. أقول: يعيش بيننا في مصر العطاء والخير إخوان لنا وأخوات من ماليزيا وغيرها من بلاد شرق آسيا، وهم مسلمون فقراء، منهم والله من لا يجد الطعام فضلاً عن أجرة بيته، وقد وقف أهل الفضل -في المنصورة بالذات- وقفة ترضي الرب وتذهل اللب، وللأمانة فلقد قام كثير من أهل الخير بالإنفاق بسخاء على هؤلاء الإخوة والأخوات، ولكنهم لا زالوا في حاجة إلى المزيد، فأرجو من المسلمين، وأرجو بأن يبلغ الحاضر منكم الغائب عن هؤلاء الإخوة، فإننا نذكر الإخوة المسلمين في المنصورة وفي غيرها بأن يكفل كل مسلم طالباً أو طالبة من هؤلاء؛ ليساعده على إتمام دراسته الشرعية في مصر، لينصرف هؤلاء بعد ذلك دعاة إلى دين الله جل وعلا. أسأل الله أن يجعل لهذه الدعوة في قلوبكم مكاناً، وأن يرقق قلوبكم لها، وأن يبحث كل واحد منكم عن هؤلاء الإخوة والأخوات. وأدلكم على أخصر طريق: فمن ذهب منكم إلى كلية الدراسات الإسلامية هنا استطاع أن يحصل على رقم الحساب، أو استطاع أن يكفل طالباً أو طالبة، أو أكثر من ذلك، وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل مني ومنكم جميعاً صالح الأعمال، وأن يجمعنا جميعاً في جنات النعيم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756193476