مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: حياكم الله.
====السؤال: نعود مع مطلع هذه الحلقة إلى رسالة المستمع (م. ع. ق) من مكة المكرمة، أخونا عرضنا سؤالاً له في حلقة مضت، وفي هذه الحلقة يسأل ويقول: صليت الظهر يوماً فشككت في الصلاة هل صليت ثلاثاً أم أربعاً، ثم إني لم أصل الرابعة التي شككت فيها، وفي اليوم الثاني أعدت الصلاة كاملة، ما حكم ما فعلت؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فالذي فعلت هو الصواب؛ لأن الواجب عليك لما شككت أن تجعلها ثلاثاً وأن تأتي برابعة ثم تسجد للسهو قبل أن تسلم، هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا صلى أحدكم وشك في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم ليسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلى تماماً كانتا ترغيماً للشيطان).
فالمقصود: أن المؤمن إذا شك هل صل ثنتين أو ثلاثاً يجعلها ثنتين، وإذا شك هل صلى ثلاثاً أم أربعاً في الرباعية؟ يجعلها ثلاثاً، وإذا كان في المغرب فشك هل صلى ثنتين أو ثلاثاً، يجعلها ثنتين ويأتي بالثالثة، وإذا كان في الفجر أو في الجمعة وشك هل صلى واحدة أو ثنتين يجعلها واحدة ثم يكمل، ثم بعد النهاية يسجد سجدتين قبل أن يسلم، هذا هو الواجب على المؤمن إذا كان منفرداً أو إماماً، فإذا لم يفعل واقتصر على الثلاث المشكوك فيها فإن صلاته تكون باطلة وعليه أن يعيد ذلك، أما إن كان مأموماً فإنه يتبع إمامه وليس له حكم الانفراد، بل يتبع إمامه إذا شك ويتابع إمامه.
ولا ينبغي للمؤمن أن يتساهل في هذه الأمور، بل ينبغي له أن يعمل بالحق بالسنة، فإذا شك هل صلى ثنتين أو ثلاثاً يجعلها ثنتين ويكمل، شك هل صلى ثلاثاً في الظهر أو العصر أو العشاء أم صلى أربعاً يجعلها ثلاثاً ويكمل، ثم بعد ذلك في النهاية إذا كان إماماً أو منفرداً يسجد للسهو، وهكذا لو شك هل سجد سجدة أو سجدتين يجعلها سجدة ويأتي بالسجدة الثانية، أو شك وهو واقف هل ركع أو ما ركع يركع، يعني: يبني على اليقين أنه ما ركع ويركع ثم يسجد للسهو بعد النهاية إذا فرغ من صلاته وانتهى من التحيات والدعاء يسجد سجدتين للسهو قبل أن يسلم.
إذاً: إن كان شكه بعد الصلاة فليس عليه إعادة، إذا كان شك في ثلاث أو أربع بعدما صلى كأن صلى أربعاً على نية أنها أربع، ثم طرأ عليه الشك بعد الصلاة وبعد السلام هذا لا عمل عليه، لأن الشك بعد الصلاة لا عمل عليه، والأصل أنه صلاها أربعاً والحمد لله.
أما إذا كان شكه في أثنائها هل صلى ثلاثاً أم أربعاً تساهل واقتصر على الثلاث ولم يكمل، ثم تنبه بعد ذلك وقضاها بعد صلاة العصر أو الظهر أو الضحى فقضاؤه صحيح، وهذا الواجب عليه أنه يقضيها؛ لأنه ما صلى صلاة تامة سلم منها وهو شاك، فهذا عليه أن يقضي إذا كان لم يتمم في الحال لما تنبه ما تمم، أو كان الشك بعد الصلاة فلا عمل عليه، الشكوك بعد الفراغ من العبادة لا عمل عليها، فلو صلى على أنها تامة ثم بعد هذا وقع عنده شكوك فليس عليه عمل، إنما العمل إذا كان الشك في داخلها، شك هل صلى ثلاثاً أم أربعاً قبل أن يسلم؟ فالواجب عليه أن يجعلها ثلاثاً ويكمل يأتي برابعة، هذا في الظهر والعصر والعشاء، وفي المغرب شك ثنتين أو ثلاثاً، إذا شك هل صلى ثنتين أو ثلاثاً؟ يجعلها ثنتين ثم يأتي بالثالثة يكمل المغرب، وهكذا في الفجر والجمعة إذا شك هل صلى ثنتين أو صلى واحدة؟ يجعلها واحدة هذا المتيقن، ثم يأتي بالثانية ويكمل ويسجد للسهو قبل أن يسلم، فلو أنه ترك العمل بهذا ما بنى على اليقين تساهل واقتصر على الثالثة وسلم أو الثنتين وسلم في المغرب هذا يكون أخطأ وخالف السنة، فإن تنبه في الحال قام وأتى بركعة، فإن كان ما تنبه إلا بعدما طال الفصل يقضيها كلها كما فعل هذا السائل.
المقدم: إذاً أخونا حينما قضاها كاملة في اليوم الثاني لا حرج عليه؟
الشيخ: نعم؛ لأنه طال الفصل عليه.
الجواب: إذا ارتضع الإنسان من المرأة صار أولادها كبارهم وصغارهم إخوة له، الرضيع الذي ارتضع معه والذي قبله والذي بعده كلهم إخوة، إذا ارتضع رضاعاً شرعياً خمس رضعات أو أكثر في الحولين، يعني: حال كونه في الحولين فإن أولاد المرضعة وأولاد زوجها يكونون إخوة لهذا الرضيع كلهم، صغارهم وكبارهم الذي قبله والذي بعده، إذا كان الرضاع تاماً خمس رضعات أو أكثر وكان الطفل في الحولين.
الجواب: الصلاة عند القبور ذات الركوع والسجود لا يجوز، النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، وكل قبر يصلى عنده فقد اتخذ مسجد وإن لم يبن حوله مسجد، وقال عليه الصلاة والسلام: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد -يعني: مصليات- ألا فلا تتخذوها مساجد فإني أنهاكم عن ذلك)رواه مسلم في الصحيح، وما ذاك إلا لأن الصلاة عندها وسيلة إلى عبادتها ودعائها، فلهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك وحذر من ذلك، سداً لذريعة الشرك حتى لا تكون الصلاة لهم بعد حين قد يصلي لله ثم يجره الشيطان إلى أن يصلي لهم أو يدعوهم من دون الله، فلا تجوز الصلاة عند القبور لا فرضاً ولا نفلاً، ولا الجلوس عندها للدعاء أو قراءة القرآن أو الصدقات، لا تتخذ محلاً لهذا، إنما تزار للذكرى والموعظة لذكر الموت والموعظة والدعاء للمقبورين، أما أن يزورها لقصد آخر ليجلس عندها ويدعو لأنه يرى أنها أحرى بالإجابة أو يجلس عندها يقرأ أو يجلس عندها يصلي هذا لا أصل له، وإذا صلى عندها فالصلاة أشد وباطلة.
أما إذا صلي على الجنازة عند القبور فلا بأس، أو صلى على القبر ما حضر الصلاة في المسجد -مثلاً- وصلوا على قبر لا حرج في هذا، فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى على قبر بعدما دفن عليه الصلاة والسلام فلا حرج في ذلك، صلاة الجنازة لا حرج فيها.
المقدم: بارك الله فيكم، إنما الكلام كما تفضلتم على الصلاة ذات الركوع وذات السجود؟
الشيخ: هي الممنوعة في المقابر.
الجواب: نعم. القبور لا بأس أن ترفع قدر شبر، كما ثبت من حديث سعد بن أبي وقاص أنه رفع قبره قدر شبر، وأن قبر النبي صلى الله عليه وسلم كان كذلك والسر في ذلك لتعرف أنها قبور حتى لا تمتهن وحتى لا توطأ وحتى لا يجلس عليها، فإنها إذا سويت بالأرض قد تخفى معالمها، فإذا رفعت قدر شبر وما يقاربه فهذا يعفى عنه ومشروع لتعرف أنها قبور ولتصان ولا تداس.
أما حديث علي وما جاء في معناه فالمراد به الإشراف الزائد على هذا، كأن يبنى عليها مساجد أو قباب أو بنية، هذه تزال، وإنما ترفع بترابها نفس التراب الذي أخرج من اللحد، هذا يجعل فوقه لأنه إذا دفن بقي بعض التراب الذي إلى اللحد وبعض التراب الآخر؛ لأنه لو كان مرصوصاً أولاً رصاً عظيماً ثم بعد ما أخرج يتراكم بعضه على بعض ويبقى منه بقية إذا دفن الميت، فهذه البقية تجعل على القبر علامة على أنه قبر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يزاد على ترابه، فالتراب الذي بقي من الميت يكون هو المرفوع على محله علامة على أنه قبر ولا يؤتى بزيادة أخرى من تراب أو لبن أو حصى أو غير ذلك، بل يكفي التراب، وتوضع النصايب علامة على أنه قبر في طرفيه، ولا بأس أن يوضع عليه شيء من الحصباء لحفظ التراب ويرش بالماء لا بأس، كل هذا لا بأس به.
الجواب: نعم التذكير بذلك مناسب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلاً جالساً فلم يصل أمره أن يقوم فيصلي، قال: (قم فصل ركعتين)، فإذا جلس الإنسان ولم يصل تحية المسجد ولو في وقت النهي يرشد إلى الأفضل، فإن الصحيح أنها تشرع حتى في وقت النهي، هذا الصحيح من قولي العلماء، أما في غير وقت النهي فلا خلاف في شرعيتها كالضحى أو الظهر والمغرب وبعد العشاء، هذه أوقات لا خلاف فيها، أنها تشرع تحية المسجد، وإنما الخلاف إذا كان بعد العصر أو بعد الصبح قبل ارتفاع الشمس، والصواب: أنها تشرع حتى بعد الصبح وبعد العصر، فإذا جلس يبين له أن الأفضل أن تقوم وتأتي بركعتين هذا هو الأصح، وإذا كان طالب علم وقال: إنه يرى الجلوس وإنه يرى قول العلماء الآخرين أولى فلا حرج والأمر في هذا واسع؛ لأن العلماء اختلفوا في ذلك، فالأكثرون على أنه يجلس في وقت النهي ولا يصلي؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس)، والقول قوي لعموم الأحاديث، فالذي أخذ به وعمل به لا حرج عليه إن شاء الله، ولكن عند التأمل والنظر في الأحاديث الواردة في ذلك يتضح أن استثناء ذوات الأسباب أصح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الطواف وصلاة الطواف: (يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)، ورخص لهم في الصلاة مع الطواف وإن كان في العصر أو الصبح؛ لأنها من ذوات الأسباب، وقال عليه الصلاة والسلام لما دخل كسوف الشمس والقمر، قال: (إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة وصلوا وادعوا)، وهذا يعم العصر ويعم غيرها.
فدل ذلك على أنها لو كسفت الشمس بعد العصر فالحديث يعم ذلك لأنها سنة يفوت محلها، فإذا كسفت الشمس شرع للناس على الصحيح أن يصلوا في وقت النهي؛ لأنها صلاة لها أسباب، وليس المقصود التشبه بالكفرة في هذا؛ لأن السبب يبين أنه لم يصل للتشبه بالكفرة وإنما صلى لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة، وهكذا تحية المسجد سواء بسواء إذا دخل بعد العصر لينتظر المغرب أو ليسمع حلقات العلم أو بعد الصبح ليسمع حلقات العلم أو ليجلس في المسجد حتى ارتفاع الشمس، فإذا وصل يصلي تحية المسجد.
الجواب: هذه المسائل فيها خلاف بين أهل العلم، والأرجح أنه يبدأ بالقضاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر)، وإذا كان ما صام بعض رمضان كيف يتبعه ستاً من شوال؟ عليه أن يكمل أولاً رمضان وعلى المرأة أن تكمل ما أفطرته من رمضان ثم تصوم إذا أمكنها ذلك، وإلا فلا حرج والحمد لله.
وقال بعض أهل العلم: إنه يبدأ بالسنن لأن وقتها ضيق، قد تفوت والقضاء وقته واسع، فلا مانع أن يبدأ بالست أو صيام الإثنين والخميس أو صيام يوم عرفة أو يوم عاشوراء والقضاء له وقت واسع، وهذا القول له وجاهة وله حظ من النظر، ولكن القول الأول أظهر وأبين؛ لأن الفرض أهم ولأن الإنسان قد يعرض له الموت والأمراض فينبغي له أن يبدأ بالأهم وهو القضاء، ثم إذا تيسر له بعد هذا التطوع تطوع بعد ذلك بما يسر الله.
وأما خبر عائشة فهو حديث ثابت عنها رضي الله عنها في الصحيحين، أنها قالت: كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يظن بها أنها تصوم النوافل وتؤخر الفرائض ما دام تفطر لأجل حاجة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أهله، فكونها تفطر في النوافل من باب أولى.
الحاصل: أنه ليس في عملها دليل على أنها كانت تصوم النوافل، لم تقل: إني كنت أصوم النوافل، بل قالت: إنها تؤخر صوم رمضان من أجل مكان الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم أذن لها في ذلك أو رخص لها في ذلك، لا، بل أمر واضح في أنها أخرت من أجل مراعاة حاجة الرسول إليها عليه الصلاة والسلام.
المقدم: جزاكم الله خيراً. وكأني بكم سماحة الشيخ تقولون: إن عائشة رضي الله عنها ما كانت تصوم الست من شوال في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
الشيخ: ولا غيره من النوافل وعليها القضاء، فالظاهر أنها تؤخر القضاء وغير القضاء أيضاً.
الجواب: هذا محل نظر والأقرب أنه لا يدخل في النمص؛ لأنه قد يشوه وجه المرأة والمنظر إليها، فالأقرب والله أعلم أنه لا يدخل في النمص، النمص بين الحاجبين وما بينهما ليس منهما، وإن تركته احتياطاً وبعداً عن الشبهة فلا بأس إن شاء الله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
الجواب: إذا كان الصبغ من الحناء أو غيره يجعل الشعر أسود فهذا يمنع، أما إذا كان فيه حمرة بين الحمرة والسواد فلا حرج؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم منع من تغيير الشيب بالسواد، وقال: (غيروا هذا الشيب، وجنبوه السواد) في عدة أحاديث. فلا يجوز أن يغير الشيب بالسواد، ولو كان الشيب حدث من الرجل أو المرأة في حال الشباب، يغير بغير السواد بالصفرة والحمرة، وأما السواد فلا لعموم الحديث الذي ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل عدة أحاديث في ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام.
الجواب: ليس عليك الإعادة ولا الرجل إذا صلى جمعاً المغرب والعشاء ثم قدم البلد والناس لم يصلوا العشاء فليس عليه أن يصلي معهم، لكن إن صلى معهم فهي نافلة، وهكذا المرأة إذا صلت جمعاً في السفر ثم قدمت البلد التي هي بلدها أو بلداً أخرى فلا يلزمها أن تصلي مع الناس لأنها أدت الفريضة والحمد لله.
الجواب: هذا فيه تفصيل: إذا كان الأقارب كفاراً فلا حاجة إلى وصلهم، إذا كان ليس فيهم أب ولا أم، أما الأب والأم ولو قطع، ولو ضرب الولد ولو دعاه إلى المعصية لا يسقط حقه من جهة مراعاة الإحسان إليه والحرص على هدايته؛ لأن الله جل وعلا قال في حق الكافرين: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15]، فنهى عن طاعتهما في الشرك، وهكذا المعصية لا يطاعان في المعصية، ولكن مع هذا قال: (وصاحبهما في الدنيا معروفاً) فالوالدان لهما شأن غير شأن بقية الأقارب.
فالواجب على الولد أن يصحبهما بالمعروف وأن يحسن إليهما ولو أساءا إليه ولو كانا كافرين، أما بقية الأقارب فإذا أساءوا فلا حرج في قطيعتهم وتركهم، وإن وصلهم من باب الدعوة إلى الله ومن باب الإحسان لعلهم يهتدون، فهذا من باب المعروف ومن باب الخير، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الواصل بالمكافي، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)، وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال صلى الله عليه وسلم: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل -يعني: الرماد الحامي- ولا يزال معك من الله ظاهر عليهم ما دمت على ذلك).
فالمقصود أن الله يعينه عليهم وربما هداهم الله بأسباب ذلك، لكن لا يلزمه ذلك.
أما قرابته المسلمون فإنه يحسن إليهم ويصلهم ولو أساءوا يكون خيراً منهم، ولعل الله أن يهديهم بأسباب ذلك، حتى ولو لم يقبلوا إذا ردوا عليك فلا بأس اقبله، إذا ردوا عليك فقد أديت ما عليك، أما إذا قبلوا فالحمد لله، إذا كانوا فقراء وأحسنت إليهم سلمت عليهم ورددت عليهم السلام ودعوتهم إلى الله ولو لم يجيبوا فأنت مأجور وهم آثمون إذا ردوا الحق.
الجواب: على كل حال هذا من حق أهل العلم وأهل النصح إذا عرفوا جماعة متهاجرين، أقارب أو غير أقارب أو جيران نصحوهم، هكذا المؤمن ينصح إخوانه سواء كان من أهل العلم أو من خواص المؤمنين أو من عامة المؤمنين ينصح من عرف أنه قد هجر أخاه أو بينهم شحناء، ينصحهم ويزورهم مع من تيسر من إخوانه إذا كانوا جماعة يكونون أحسن؛ لأن الجماعة كلمتهم أنفع، فإذا اجتمع مع اثنين أو ثلاثة من أقاربهم أو جيرانهم وزاروهم ونصحوهم حتى تزول الهجرة وحتى تحل المودة بدل الشحناء هذا حق المسلم أخو المسلم، والرسول عليه السلام يقول: (الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟! قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)، والتهاجر لا يجوز، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)، وقال: (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يكذبه ولا يخذله، التقوى ها هنا وأشار إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه).
والمقصود: أن التهاجر شره عظيم.
فالواجب على الأقارب والجيران والأصدقاء أن يحلوا مشاكلهم، وأن يجتهدوا في إزالة أسباب الشحناء والعداوة والهجر بالطرق التي يستطيعونها ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
الجواب: المحادة التي مات زوجها تراعي خمسة أمور جاءت بها السنة عن النبي عليه الصلاة والسلام.
الأمر الأول: بقاؤها في البيت الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه، تبقى به إذا استطاعت ذلك حتى تنتهي من عدتها بوضع الحمل أو بمضي أربعة أشهر وعشرا، ولا بأس أن تخرج لحاجتها كأن تخرج للطبيب للمستشفى أو تخرج لخصومة للمحكمة، أو لحاجات تخرج إليها في السوق ونحو ذلك من حاجاتها، ولا بأس أن تخرج من البيت إذا كان فيه من يؤنسها وتستوحش، لا بأس أن تنتقل عنه إذا لم يكن عندها من يؤنسها، أو كان البيت خرباً لا يحسن أن يبقى فيه أو ما أشبه ذلك.
الثاني: أن لا تلبس الملابس الجميلة، تلبس ملابس عادية ليس فيها ما يلفت النظر، عادية سوداء أو خضراء ما هو بلازم الأسود ما تيسر، أخضر أو أسود أو أحمر أو غير ذلك، لكن تكون ملابس عادية ليس فيها ما يلفت النظر ويسبب الفتنة.
الثالث: عدم الحلي لا ذهب ولا فضة ولا ماس، لا تلبس الحلي؛ لأنها قد تسبب فتنة وتشوف للأزواج.
الرابع: عدم الطيب: لا ببخور ولا بغيره من الأطياب، حتى تنتهي من العدة، إلا إذا كانت شابة تحيض كلما طهرت من حيضها تستعمل بعض البخور بعد الطهر من حيضها، ولا بأس بتطييب المنزل الحجرة والمنزل، لكن لا تطيب في نفسها.
والخامس: عدم التكحل والمكياج ونحوه والحناء، بل تنظف وجهها وبدنها بغير هذا كالسدر والصابون ونحو ذلك لا بأس، أما الكحل والمكياج والحناء فلا، والصابون الممسك لو تركته يكون أحسن وإلا ليس بطيب، لكن فيه شيء من الطيب لو ترك من باب: (دع ما يريبك) لا بأس، هذه الأمور الخمسة هي التي تطلب من المحادة.
أما كونها تنظر للقمر أو النجوم لا بأس بهذا، ولا حرج أن تذهب إلى حديقة البيت تمشي فيها حافية أو عليها جوارب أو نعال لا بأس، ولا بأس أن تصعد إلى السطح ولو في القمراء، ولا بأس أن تستحم متى شاءت، يعني: تغتسل متى شاءت في يوم الجمعة أو في غير الجمعة متى شاءت ولو كل يوم لا حرج عليها في ذلك، ولا بأس أن تستعمل مثل الكريمة مثل الشمبو مثل غيرها مما تحتاج إليه والسدر ونحو ذلك، كل هذا لا حرج فيه.
والعامة عندهم خرافات كثيرة لا ينبغي الالتفات إليها في هذا، كذلك الصبية الصغار لا حرج أن ينظروا إليها، أما إذا كان مراهقاً فالأحوط التستر عنه، لأنه قد يكون بلغ فالأحوط أن لا تكشف له وأن تتستر عنه، ولا بأس أن تكلم الرجال وأن تسلم عليهم وترد عليهم السلام من طريق الهاتف التلفون أو من طريق المباشرة إذا سلموا عليها أو سألوها عن حاجة وطلبوا الباب عن حاجة، على وجه ليس فيه ريبة ولا منكر، أو من وراء حجاب، وهي متحجبة لا حرج، كل هذا لا بأس به، أو تكلم بالتلفون أقاربها أو ترد الهاتف، كل هذا لا بأس به، وأما ما يقوله العامة من تشديد فهذا لا وجه له.
الجواب: لا تحج ولا تعتمر لأنها ممنوعة من الخروج إلا لحاجة، تبقى في بيتها تعتد، وإذا انتهت تحج إن شاء الله، ثم أمر آخر وهو إذا انتهت من الإحداد بعض العامة يقول لها: تسوي كذا وتسوي كذا تدخل للمسجد أو تلبس خاتماً صفته كذا أو كذا، وكل هذا لا أصل له، إذا انتهت من الإحداد تغير إما بملابس أخرى أو تتطيب أو نحو ذلك مما يدل على أنها خرجت من الإحداد، تغير مما يشير ويدل على أنها انتهت بتغيير الملابس إلى ملابس أحسن منها تتطيب تتكحل كل هذا يكفي، أما أنها تخرج إلى المسجد أو زيارة أحد معين فكله ما له أصل، متى خرجت تخرج متى شاءت تخرج، وإذا سافرت كذلك للحج أو العمرة بعد خروجها من العدة فلا بأس، أما في حال الإحداد وفي حال العدة فلا، لا تسافر لا حج ولا عمرة.
المقدم: سماحة الشيخ! في الختام أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.
مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، شكراً لمتابعتكم وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر