إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (156)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    حكم اعتقاد الشفاء بالشرب من طست معين

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.

    هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج: (نور على الدرب) رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    في بداية لقائنا نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .

    ====

    السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من أحد الإخوة المستمعين يقول عبد الله محمد عبد العزيز أخونا بدأ رسالته كما يلي: بسم الله الرحمن الرحيم، سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية حفظه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    وبعد: الحمد لله تعالى والشكر له، ونسأله سبحانه العلي القدير أن يجزيكم عنا خيراً أنتم وكل من فيه خير للمسلمين.

    وبعد: يا سماحة الشيخ! يوجد عند بعض الناس في وادي قديد إناء مصنوع من النحاس ويسمونه طاسة السم، وعندما يمرض إنسان فإنه يذهب إلى من توجد عنده هذه الطاسة ويملؤها بالماء، ويشرب ذلك الماء معتقداً أنه يوجد شفاء في هذا الماء ولاسيما إذا كان المرض في المعدة، وقد لاحظت وجود صور محفورة على الإناء، وهي للعقرب والحصان والقط والغزال والحمير -أجلكم الله- والحية والثعلب والفيل والأسد وللرجال، وبعض صور أخرى لا أعرفها، وهي جميعها منقوشة نقشاً على هذا الإناء، كما توجد أسماء وكتابات مثل الشهيد وهكذا، ويستمر في سرد الوصف لتلك الطاسة، ويرجو من سماحة الشيخ توجيه الناس حول هذا الأمر، جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فهذه الطاسة التي أشار لها السائل منكرة وفيها من دلائل المنكرات هذه الصور التي ذكرها السائل، ولا نعلم أن أي طاسة من حديد أو نحاس أو ذهب أو فضة يحصل بها شفاء أمراض المعدة، وإنما هي دعوى يدعيها صاحب الطاسة، وإنما الظاهر والله أعلم أنه يستخدم الجن أو يعمل شعوذة يزعم بها أنه يعالج حتى يأخذ أموال الناس بالباطل، وحتى يغرهم بأنه يعالجهم بهذه الطاسة.

    فالواجب أن تصادر هذه الطاسة وأن يعالج الأمر بتأديب صاحبها ومعرفة الحقيقة التي يتعاطاها حتى يقام عليه ما يستحق من التعزير، وهذا واجب على المسئولين الأمير والقاضي والهيئة في قديد، يجب أن يرفع الأمر إلى المحكمة والهيئة والإمارة حتى يقوموا بما يجب في هذا الموضوع، ولا يجوز السكوت عن صاحب هذه الطاسة؛ لأن عمله منكر لا وجه له من الشرع.

    وعليك أيها السائل أن تقوم بهذا الأمر أنت وإخوانك العارفون بهذا الأمر؛ حتى تخلصوا بلدكم من هذا المنكر وحتى يقضى على هذه المفسدة أو هذا الشر بأسبابكم إن شاء الله.

    1.   

    حكم تربية الطيور وحبسها

    السؤال: هنا رسالة وصلت إلى البرنامج من إحدى الأخوات المستمعات، تقول: أختكم في الله هلالة بنت سعود ، أختنا تقول: لقد انتشرت تربية الطيور الأليفة وحبسها وتسأل عن الحكم؟

    الجواب: لا نعلم بأساً في ذلك، سواءً كان حماماً أو بغبغاء أو غيرها من الطيور التي ينتفع بها أو يستأنس بها أو ما أشبه ذلك مما قد ينتفع به أهل البيت إذا أحسنوا إليها بالماء والطعام ولم يظلموها فلا بأس بذلك، وإن كره هذا بعض أهل العلم، لكن لا نعلم في هذا بأساً، إذا أدي الحق من جهة الشراب والطعام ولم تؤذ فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر (امرأة عذبت في النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)، فهذا يدل على أن من حبس الحيوان وأطعمه وسقاه وقام بحاجته لا حرج عليه، ناقة أو بقرة أو شيئاً من الغنم أو غيره من الظباء أو غير ذلك، فهكذا الطيور التي أشار إليها السائل.

    1.   

    حكم القول بوجوب تقبيل المرأة يد زوجها ورأسه كل يوم

    السؤال: هل من واجب الزوجة أن تقبل يد ورأس زوجها في صباح ومساء كل يوم؟

    الجواب: لا نعلم لهذا أصلاً، ولو فعلت فلا حرج، ليس بواجب ولا مشروع، وإنما تسلم عليه السلام المعتاد، سلام الرجل على أهله والمرأة على زوجها، وهذا شيء معروف بين الزوجين، تفعل مع زوجها ما يفعله الناس من تقبيل ومن مؤانسة ومن مداعبة، أما أنه يجب عليها أن تقبل يده أو رأسه أو رجله فهذا لا أصل له، وإنما تفعل معه ما جرت به العادة وما يحبه منها مما ليس فيه محذور شرعاً، وإذا رأى أنها تقبل يده أو تقبل ركبته أو تقبل رأسه وفعلت ذلك فلا بأس.

    المقدم: إذا قدم من سفر أو كان ذلك في الأعياد؟

    الشيخ: كل هذا لا بأس به، لكن لا يجب إنما تستعمل ما ترى فيه شيئاً يعني: يحبه منها، أو يطيب نفسه، أو يسبب تمام الألفة بينهما والعشرة بينهما لا حرج في ذلك.

    1.   

    كتب ينصح باقتنائها وتوزيعها

    السؤال: أختنا تقول: إنها قادرة على شراء الكتب وتوزيعها في سبيل الله، فهل هناك قائمة تنصحونها بشرائها لتقوم بتوزيعها؟

    الجواب: نعم، الكتب من أهم القربات، توزيعها من أهم القربات، الكتب النافعة المفيدة وهي داخلة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) وهو حديث صحيح، فإذا اشترى الإنسان الكتب الطيبة ووزعها أو جعلها في المكتبات العامة للمسلمين فهذا عمل صالح وصدقة جارية.

    ومن أحسنها فيما نعلم: كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، كتاب ثلاثة الأصول، وكشف الشبهات، وآداب المشي إلى الصلاة، وزاد المعاد في هدي خير العباد لـابن القيم ، فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ، تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله ، وكلاهما حفيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، الصحيحان البخاري ومسلم ، سنن أبي داود ، سنن الترمذي ، سنن النسائي، سنن ابن ماجه، سنن الدارمي ، موطأ مالك ، مسند أحمد ، كل هذه كتب عظيمة شراؤها وتسبيلها للمسلمين في المكتبات العامة أو توزيعها على طلبة العلم كل ذلك نافع، كله طيب، أيضاً فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، الدرر السنية فتاوى أئمة الدعوة الإسلامية في نجد، كل هذه كتب عظيمة نافعة، اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام ابن تيمية ، العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية ، الرسالة الحموية لشيخ الإسلام ابن تيمية ، القواعد النورانية لشيخ الإسلام ابن تيمية ، كلها كتب عظيمة مفيدة نافعة، فهذه الكتب وأشباهها شراؤها وتوزيعها طيب، هكذا شرح الطحاوية لـابن أبي العز كتاب مفيد نافع.

    المقدم: من كتب التفسير لو تكرمتم؟

    الشيخ: من كتب التفسير تفسير ابن كثير ، تفسير ابن جرير ، تفسير البغوي ، تفسير الشوكاني ، تفسير القرطبي ، كل هذه كتب مفيدة نافعة، شراؤها وتوقيفها وتسبيلها أمر مهم ونافع للمسلمين.

    ومن المؤلفات في العصر الحديث مؤلفات أخينا العلامة الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله وأخينا الشيخ حمود التويجري وبعض المؤلفات التي لنا يعرفها الناس.

    فيه كتب أخرى قد لا تحضرني الآن من إخواننا المعروفين مثل بعض مؤلفات الشيخ صالح بن فوزان كذلك مفيدة ونافعة، والذي يريد أن يشتري ويوزع ينبغي له أن يستشير بعض العلماء حتى يكون على بصيرة فيما يشتري وفيما يوزع أو يكتب عليه وقف في المكتبات، ينبغي له أن يستشير حتى يكون على بينة فيه؛ لأن بعضها الآن قد غاب عني.

    1.   

    حكم الحلف بالطلاق في لحظة غضب

    السؤال: ننتقل إلى رسالة وصلت إلى البرنامج من أحد الإخوة يقول: عبد الله محمد هلال أخونا رسالته مطولة في الواقع لكنها تحكي قصة يمين بالطلاق، أستأذن سماحة الشيخ في قراءتها كما وردت؟

    يقول: في لحظة غضب وانفعال قلت لزوجتي التي كانت السبب في هذا الغضب: علي الطلاق ما أنت ذاهبة إلى المدرسة بكرة، وكررت ذلك ثلاث مرات، وأنا لا أدري ما أقول، ولا أقصد الطلاق أبداً؛ لأني أبغضه ولا أعرف أحكامه، بل أريد منعها عن المدرسة، فهي تعمل مدرسة، وكان ذلك ليلة أول يوم في العام الدراسي، في الصباح ألحت علي زوجتي بأنه من الضروري الذهاب إلى المدرسة وخاصة في أول يوم من العام الدراسي، فاضطررت إلى توصيلها إلى المدرسة وكلي خوف من الله؛ لأني لا أعرف بالضبط حكم ما قلت: هل هو يمين طلاق أم لا، بسؤالي بعض الإخوة المتفقهين في الدين عن حكم ذلك، فأفاد البعض أن هذا حلف بغير الله سبحانه وتعالى ويستوجب الكفارة وهي: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو صيام ثلاثة أيام متتابعة، وقد كفرت عن هذا اليمين بإطعام عشرة مساكين، أفيدوني جزاكم الله خيراً، هل ما فعلت وهو إطعام عشرة مساكين صحيح ويكفي، وأن هذه اليمين حلف بغير الله، أم أنه يعتبر يمين طلاق أستغفر الله، إنني أعيش في خوف وفزع وصراع نفسي رهيب، أخشى أن أكون أعيش مع زوجتي في الحرام وأن ما حدث يعتبر يمين طلاق، علماً بأنني ندمت على ذلك ندماً كبيراً وتبت إلى الله وعزمت على عدم العودة إلى ذلك أبداً، إنني أدعو الله أن يبارك فيكم ويكثر من أمثالكم، والسلام عليكم ورحمة الله؟

    الجواب: هذا الطلاق حكمه حكم اليمين، مادمت تقصد منعها ولا تريد إيقاع الطلاق وإنما قصدت منعها من الذهاب إلى المدرسة فهذا حكمه حكم اليمين وقد فعلت الكفارة والحمد لله، ولا حرج عليك في أصح قولي العلماء، ولا يعتبر في حكم الحلف بغير الله، ولكن له حكم اليمين من جهة الكفارة فقط، فينبغي لك أن لا تعود إليه؛ لأن الكثير من أهل العلم يرونه يقع به الطلاق، فينبغي لك أن لا تعود إلى ذلك.

    وأما الصواب: فهو الذي فعلته وهو الكفارة، أنه تكفي فيه الكفارة؛ لأنك لم ترد إيقاع الطلاق وإنما أردت منع زوجتك من الذهاب إلى المدرسة، فيكفي في هذا كفارة اليمين وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم وقد فعلت ذلك، لكن من عجز عن الإطعام والكسوة والعتق فإنه يصوم ثلاثة أيام؛ لأن الكفارة فيها تخيير وفيها ترتيب، فالتخيير هو عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أي واحدة فعلها من هذه الثلاث كفى، فإن عجز عن الثلاث كلها صام ثلاثة أيام.

    ولكن مثلما تقدم ليس هذا حكمه حكم الحلف بغير الله من جهة أنه شرك كما لو قال: والنبي أو والأمانة، أو بالنبي هذا شرك لا يجوز، أما قول: علي الطلاق أو علي الحرام ليس حكمه حكم الحلف بغير الله ولكنه ما ينبغي فعله، ولاسيما الحرام لا يجوز تحريم الإنسان ما أحل الله له، وعليه في هذا كفارة اليمين إذا كان قصد منع من حلف عليه، منع زوجته أو منع غيره، كأن يقول: علي الحرام ما أكلم فلاناً، علي الطلاق ما أكلم فلاناً، علي الطلاق ما تروحي يا فلانة إلى كذا وكذا، هذا كله حكمه حكم اليمين إذا قصد المنع.

    المقدم: بارك الله فيكم، لو افترضنا أنه حصل شيء من المعاشرة الزوجية قبل تكفير اليمين؟

    الشيخ: لا حرج، الكفارة إن شاء قدمها وإن شاء أخرها.

    1.   

    كيفية رد المال لبيت المال إذا تاب صاحبه من ذلك

    السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من أحد الإخوة المستمعين من منطقة جيزان، رمز إلى اسمه بأربعة حروف يقول: (م . م . ح . ط) أخونا يحكي قصته عندما كان أميناً للصندوق، ويقول: إنه كان يبقى لديه بعض الأموال بلغت ما هو كذا وكذا، ويحدد المبلغ سماحة الشيخ، والآن في نفسه شيء من تلك الأموال ويرجو التوجيه؟

    الجواب: هذه الأموال إن أمكن ردها إلى بيت المال ردها إلى بيت المال بواسطة الجهة التي يرى أنها توصله إلى بيت المال، ولا يكون عليه في ذلك خطر، فإن كان إيصالها إلى بيت المال غير متيسر أو في ذلك خطر عليه فإنه يتصدق بها ويصرفها في وجوه البر، مثل: عمارة المدارس، ودورات المياه، مثل مساعدة من يريد الزواج من الفقراء، مثل قضاء دين الغرماء المساكين المحتاجين، وأشباه ذلك من وجوه البر ويكفي، مع التوبة والندم، التوبة إلى الله صادقاً نادماً عازماً أن لا يعود في مثل ذلك، ومع ذلك يصرفها في وجوه البر، توبة إلى الله ورجوعاً إلى الحق وندماً على ما مضى منه، ويكفي ذلك.

    المقدم: جزاكم الله خيراً. أخونا يشكو من حاله في سن معينة سماحة الشيخ يرجو التوجيه؟

    الشيخ: إذا كان المقصود أنه في حال كبر من السن وضعف من الجسم فعليه أن يعمل ما يستطيع من الخير وله البشرى بالخير، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، يعمل ما يستطيع من طاعة الله، ومن ذكر الله، وقراءة القرآن.. وغير هذا من وجوه الخير ولا يضره عجزه عما سوى ذلك، فالله سبحانه لا يكلف نفساً إلا وسعها، ويقول عز وجل: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] ويقول صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم)، فإذا منعه العجز وكبر السن والضعف عن بعض الأعمال الطيبة كتب الله له أجر ذلك إذا كان يعملها في حال القوة والنشاط، كتب الله له أجر ذلك، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في غزوة تبوك: (إن في المدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم -وفي اللفظ الآخر: إلا شاركوكم في الأجر- قالوا: يا رسول الله! وهم في المدينة؟ قال: وهم في المدينة حبسهم العذر -وفي اللفظ الآخر: حبسهم المرض-)، فدل ذلك على أن الإنسان إذا كان له أعمال طيبة مثل صيام الإثنين والخميس، مثل الصدقات، مثل عيادة المرضى، صلاة الجماعة ثم انحبس بالمرض أو بكبر السن فلم يستطع أعماله تلك بسبب كبر سنه أو مرضه، فإن الله يكتب له تلك الأعمال ويجري له أجرها وإن كان لا يعملها بسبب العذر الشرعي.

    المقدم: هذا وجه من وجوه القصد، إذا كان هناك وجه آخر سماحة الشيخ، إذا كان مرت به حياة معينة قد يكون ارتكب شيئاً من المعاصي؟

    الشيخ: أما إن كان المقصود أنه مضى منه هفوات وزلات في شبابه أو في حال عمله في الوظيفة أو في غير ذلك من الأحيان، فدواء ذلك التوبة، الإنسان محل الخطايا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) فالواجب حينئذ هو التوبة إلى الله والندم والإقلاع من الذنوب تعظيماً لله ورغبة فيما عنده سبحانه وتعالى وحذراً من عقابه والعزم الصادق أن لا يعود فيها، ومتى وقع هذا محاها الله سبحانه وتعالى عنه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لـعائشة: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (التوبة تجب ما قبلها والإسلام يجب ما قبله).

    والإنسان هو محل الهفوات ومحل الزلات، لكن من رحمة الله أن جعل باب التوبة مفتوحاً قبل طلوع الشمس من مغربها، وقبل أن يغرر، قبل أن تبلغ الروح الحلقوم، فهو في سعة، عليه أن يبادر بالتوبة المشتملة على أمور ثلاثة:

    الإقلاع من السيئة.

    والندم على ما مضى منها.

    والعزم الصادق أن لا يعود فيها.

    فإذا تمت هذه الشروط وصدق فيها محا الله عنه الذنوب الماضية وكفرها له، وإذا كان مع توبته عمل صالح، إذا أتبع التوبة عملاً صالحاً أبدلها الله سبحانه وتعالى حسنات كما تقدم في بعض الأسئلة الماضية، ولا ينبغي للعاقل أن ييئس من رحمة الله ولا يقنط، بل الواجب أن يحسن ظنه بالله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يموتن أحد منكم إلا وهو يحسن ظنه بالله)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي)، فالله عند ظنك به، فعليك بحسن الظن بالله مع التوبة الصادقة والعمل الصالح.

    أما إن كانت هناك حقوق للآدميين فأدها إليهم، ولا تتم التوبة إلا بأدائها إليهم كالسرقة والخيانة والقتل بغير حق، أو الضرب بغير حق أو ما أشبه ذلك، تؤدي لهم حقهم حسب الطاقة، إذا أمكنك تؤدي الحقوق أدها، فإن كنت لا تستطيع فإنك تؤدي ما تستطيع وتخبرهم بالحق، إن كان مالاً حتى يعذروك ويمهلوك، أو تدفع المال إليهم بطرق أخرى إذا كنت لا ترى إعلامهم، ترسل إليهم حقوقهم من طرق لا يعرفون أنها منك ولكنك تتيقن وصولها إليهم وأنها حق على الباذل لهم بذلها إليهم بواسطة من يوصله إليهم، وإن كان قصاصاً وجب التمكين من نفسك حتى يقام عليها القصاص، إذا كنت قتلت أحداً بغير حق حتى يقتصوا منك أو يسمحوا بالدية أو يعفوا عن الجميع، وإن كان ضرباً بغير حق استحللت من ضربته أو أرضيته بشيء حتى يرضى، فحقوق الآدميين عظيمة وخطيرة لابد من إعطائهم حقوقهم أو استحلالهم منها قبل أن تموت، والله المستعان.

    المقدم: لنفترض أن تلك الزلات كانت مالية وقد استفاد منها كثيراً لكنه الآن أصبح يشعر بالندم؟

    الشيخ: مثلما تقدم عليه أن يرد المال الذي أخذه، وأما كونه استفاد منها فلا يضره ذلك مع التوبة، لكن يرد المال الذي أخذ، من صندوق أو من خيانة أو من سرقة، يرد عين المال، وإن رد معه نصف الربح إن كان يعرف في الفوائد فهذا قول بعض أهل العلم إذا عمل بالأموال التي أخذها بغير حق واستفاد منها فإنه يرد النصف على من هي له، ويروى ذلك عن عمر رضي الله عنه أنه أمر به بعض أولاده لما استعملوا شيئاً من بيت المال وربحوا أمرهم أن يعطوا النصف، وكان يشاطر عماله إذا اتهمهم بشيء من المال.

    فالحاصل أنه إذا رد الشطر هذا حسن، إذا رد الشطر الذي يعلم أنه جاءه ربح كأن تكون السرقة أو الخيانة مائة ألف ريال فاستفاد منها مائة ألف أخرى يرد خمسين ألفاً من باب البراءة للذمة كأنه مضاربة، كأنه عمل فيها مضاربة.

    وقال آخرون من أهل العلم: تكفي التوبة ولا يرد شيئاً، وقال آخرون: يرد الربح كله ولا يستفيد منه شيئاً بل يرده كله، وهذا قول معروف لبعض أهل العلم، وإذا رد نصف الربح فهذا قول وسط.

    والأصل: أنه لا يلزمه إلا ما أخذ، هذا هو الأصل، لقول الله عز وجل: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ [البقرة:275]، فهذا يدل على أن ما سلف له، والذي له هو تعبه وما حصل منه، وأما عين المال يرده إلى أهله كما لو اقترضه وتصرف فيه.

    المقدم: الذي يميل إليه سماحتكم؟

    الشيخ: النصف أحسن، رد النصف أحوط، رد النصف أحوط كما فعله عمر ، يعني: نصف الربح.

    المقدم: بارك الله فيكم، عندما تنزع النفس الأمارة بالسوء إلى هذا كيف توجهون الإنسان لو تكرمتم شيخ عبد العزيز؟

    الشيخ: لابد من تذكر الوقوف بين يدي الله، وأنه مسئول عما اقترفت يده وعما أغله من حقوق الناس، يجتهد في التخلص، يتذكر مقامه بين يدي الله، الله يقول: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46] ، ويقول سبحانه: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41]، فإذا زينت له نفسه شيئاً من الباطل والإصرار عليه، فإنه يعالجها بتذكر هذا المقام، يجتهد في التخلص مما مالت إليه نفسه من الباطل بأي طريق يعلمه من طرق الشرع التي تخلصه من هذا البلاء الذي وقع فيه، إن كان ذنباً تاب إلى الله منه، وإن كان مالاً رده إلى أهله، وإن كان قصاصاً مكن أهله من أخذ حقهم وهكذا.

    1.   

    زكاة الأموال التي في البنوك الإسلامية وتدر أرباحاً لصاحبها

    السؤال: ننتقل إلى موضوع آخر ورسالة أخرى، الموضوع هو: من الأخ طلال العبد الرحمن من المنطقة الشرقية يقول: لدي مبلغ من المال أودعته بالبنك الإسلامي وهو يدر علي ربحاً جيداً في نهاية كل سنة، هل أزكي عن رأس المال العامل كله أو على ما يدره هذا المبلغ من ربح فقط، أرجو إفادتي جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: يزكى الجميع؛ الأصل والربح؛ لأن الأصل معد للبيع فيزكي هذا وهذا، يزكي أصل ماله ويزكي الربح، والربح تابع للأصل، ولو ما حال عليه الحول.

    1.   

    حكم زيارة القبور والمكوث فيها للأكل والشرب وقراءة الأذكار

    السؤال: أخ مصري يسأل ويقول: يوجد في بلدتنا رجل متوفى صالح ويبنى له مقام على قبره، وله عادة عندنا في كل عام نذهب مع الناس إليه رجالاً ونساء ويقيمون عنده ثلاثة أيام بالمدح والتهاليل والأذكار، ويستمر في الأوصاف المعروفة سماحة الشيخ ويرجو التوجيه والإرشاد جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: هذا العمل لا يجوز، بل هو من البدع التي أحدثها الناس، فلا يجوز أن يقام على قبره بناء، سواء سمي مقاماً أو سمي قبة أو سمي غير ذلك، كانت القبور في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة مكشوفة ليس عليها بناء، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبر وأن يجصص، وقال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)متفق على صحته، وقال جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه) فالبناء على القبور منكر، وهكذا تجصيصها ووضع الزينات عليها أو الستور، كله منكر ووسيلة إلى الشرك، فلا يجوز وضع القباب أو الستور أو المساجد عليها.

    وهكذا زيارتها على الوجه الذي ذكره السائل، من الجلوس عندها والتهاليل وأكل الطعام والتمسح بالقبر أو الدعاء عند القبر أو الصلاة عند القبر، كل هذا منكر، كله بدعة لا يجوز، إنما المشروع زيارة القبور، كونه يزورها ويدعو لهم ثم ينصرف، يمر على القبور ويقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين. وما أشبه من الدعوات فقط، هذا هو المشروع الذي علمه النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه، كان يعلمهم إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية)، وحديث عائشة : (يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين)، وحديث ابن عباس : (السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر)، هذا المشروع.

    وأما الإقامة عند القبر للأكل والشرب أو للتهاليل أو للصلاة أو لقراءة القرآن، كل هذا منكر، يسلم ويذهب، ويدعو للميت ويترحم عليه، أما اتخاذه محل دعاء أو محل قراءة أو محل طواف أو محل تهاليل، والجلوس عنده، أو أكل يوم أو يومين أو ثلاثة، هذا ما له أصل، هذا بدعة ومن وسائل الشرك، فيجب الحذر من ذلك ويجب ترك ذلك.

    المقدم: بارك الله فيكم، سماحة الشيخ في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.

    الشيخ: وفق الله الجميع، نسأل الله ذلك.

    المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    من الإذاعة الخارجية سجلها لكم زميلنا فهد العثمان . شكراً لكم جميعاً، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755777324