إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (24)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    حكم الشك في عدد الرضعات المحرمات

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

    أيها السادة المستمعون! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم في لقائنا هذا ومع رسائلكم التي نعرضها في هذا اللقاء على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    ====

    السؤال: سماحة الشيخ! هذه الرسالة وردتنا من محافظة الأنبار من الجمهورية العراقية، ومن الطالب: صبار حمادي ، يقول في رسالته بعد الثناء على العلماء المشاركين في هذا البرنامج: أرضعتني امرأة عندما كنت طفلاً بشهادة تلك المرأة ووالدتي رضعات غير معلومة، هل هن واحدة أو ثلاث أو أقل أو أكثر، وكان الرضاع في يوم واحد فقط من العصر وحتى ميعاد النوم في الليل، فهل يحق لي الزواج من أحد بناتها، وخصوصاً البنت الأخيرة التي أنجبتها، نرجو الإفادة وفقكم الله؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

    فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان) وقال أيضاً فيما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك) وقال عليه الصلاة والسلام: (إنما الرضاعة من المجاعة، لا رضاعة إلا في الحولين) إلى غير ذلك. هذه الأحاديث وما جاء في معناها تدلنا على أنه لا بد من خمس رضعات فأكثر، فإذا كانت المرأة المرضع تشك في الرضاع الواقع منها هل هو واحدة أو أكثر من ذلك، فإنه لا يحصل به تحريم الرضاع ولا تنشر به الحرمة، ولا حرج أن ينكح بعض بناتها؛ لأنها لم تثبت أنها أم له، حتى يثبت أنها أرضعته خمس رضعات أو أكثر، وبهذا يعلم السائل أنه لا حرج عليه في نكاح ابنة المرأة التي أرضعته هذا الرضاع الذي هو غير معروف، وإن ترك ذلك من باب ترك الشبهة، ومن باب (دع ما يريبك) فلا حرج.. حسن، وإلا فليس عليه حرج في ذلك، إنما من باب ترك الشبهات وترك الريبة، إذا ترك ذلك فهو حسن، عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) فإنها قد تكون أرضعته عدة رضعات بلغت الخمس لكن لم تحفظ ذلك، فإذا ترك ذلك احتياطاً وبعداً عن الشبهة فهو مشكور ومأجور، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه).

    1.   

    حكم نقض الوضوء من مس الزوجة عمداً أو نسياناً

    السؤال: هذه الرسالة من علي سالم مؤمن ، يقول في رسالته: ببالغ الفرح والسرور أكتب هذه الرسالة، وأقدم الشكر والامتنان لكل من يساهم في إنجاح هذا البرنامج، وأرجو من فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرد على سؤالي هذا، يقول: إذا حصل أن لمست يدي يد زوجتي عفواً أو العكس، فهل ينقض الوضوء أم لا؟

    الجواب: مس المرأة سواءً كان ذلك عمداً أو من غير عمد لا ينقض الوضوء على الصحيح، وقد اختلف العلماء في ذلك، فقال بعضهم: إن مسها ينقض مطلقاً، وقال بعضهم: لا ينقض مطلقاً، وقال بعض أهل العلم: ينقض مع الشهوة، وهي: التلذذ بمسها، ولا ينقض المس بدون ذلك، والصواب قول من قال: إنه لا ينقض مطلقاً؛ لأنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ) ولأن الأصل سلامة الطهارة، وعدم انتقاضها إلا بدليل، وليس هناك دليل واضح ثابت يدل على انتقاضها بمس المرأة، فوجب حينئذٍ أن تبقى الطهارة على حالها وألا تنتقض بالمس لعدم الدليل على ذلك، بل لوجود الدليل على أن مسها لا ينقض ولو كان بشهوة؛ لأن القبلة في الغالب لا تكون إلا عن شهوة، عن تلذذ، فالحاصل أن الصواب والراجح من أقوال العلماء أن مس المرأة بشهوة أو بغير شهوة لا ينقض الوضوء، سواءً كانت زوجته أو غير زوجته، هذا هو الصواب، وأما قوله جل وعلا: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43] وفي قراءة: (أو لمستم النساء) المراد بذلك على الصحيح الجماع، هذا قول ابن عباس وجماعة من أهل العلم وهو الصواب، أما قول من قال: إن المراد به مس المرأة، كما هو عن ابن مسعود رضي الله عنه، يعني: مسها باليد، فهذا مرجوح، والله جل وعلا يعبر عن الجماع بالمسيس واللمس والمباشرة، كما في قوله جل وعلا: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187] وقال هنا: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43] فالمراد به هنا الجماع، وهكذا قراءة من قرأ: (أو لمستم) منْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [الأحزاب:49] في طلاق غير المدخول بها، فالمراد بكله الجماع، هذا هو الصواب وهو الحق إن شاء الله.

    المقدم: لكن سماحة الشيخ هناك من يقول: إن مثلاً تقبيل الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقاس عليه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يستطيع أن يمسك نفسه وألا يقع فيما يقع فيه العامة الآن؟

    الشيخ: هذا القول ليس بشيء، هو المشرع لنا، هو القدوة عليه الصلاة والسلام، ولما قيل له في مثل هذا قال: (إني أخشاكم لله وأتقاكم له) عليه الصلاة والسلام، لما سأله سائل قال له: يا رسول الله! قد غفر الله لك، في مسائل عديدة، قال: (إني أخشاكم لله وأتقاكم له) عليه الصلاة والسلام، فالحاصل أنه القدوة والأسوة في كل شيء عليه الصلاة والسلام إلا ما قام الدليل على أنه خاص به عليه الصلاة والسلام.

    1.   

    حكم نسيان ركعة أو أكثر في الصلاة وذكرها بعد ذلك

    السؤال: سؤاله الثاني يقول: صليت مع جماعة، ولكن الركعة الأولى قد فاتت علي، ولما سلم الإمام سلمت معه، ثم افتكرت أنه بقي علي ركعة قبل أن أكلم أحداً، فهل أعيد الصلاة أم أكمل الصلاة التي بدأتها مع الإمام؟

    الجواب: إذا فات الإنسان بعض الركعات ثم سلم مع الإمام ناسياً؛ فإن عليه أن يقوم فيكمل، ولا يعيد الصلاة بل يكمل ما فاته ركعة أو أكثر، ثم يسجد للسهو قبل السلام أو بعد السلام، وبعد السلام هي أفضل لكونه سلم عن نقص، وتكفيه الصلاة وتجزئه والحمد لله، إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر مع إمامه ناسياً وهو مسبوق، فإنه إذا انتبه يقوم فيأتي بالركعة التي فاتته أو الركعتين ويسجد للسهو بعد السلام، يكمل ثم يسلم ثم يسجد سجدتين للسهو بعد السلام، وإن سجدهما قبل السلام فلا بأس، هذا إذا كان ذكر قريباً، أما إن طال الفصل وتأخر ذكره لتسليمه مع إمامه فإنه يعيدها كلها، مثلاً سلم ونسي حتى طال الفصل، سلم من الظهر حتى ما ذكر إلا العصر أو في الليل، يقضيها كلها، يعيدها كلها، أما إذا ذكر في الحال في مجلسه أو بعد قيامه بقليل خطوات أو ما أشبه ذلك، هذا يكفيه قضاء الركعة، لأنه صلى الله عليه وسلم سلم من بعض الصلوات في صلاة العصر أو الظهر، وقام ومشى ودخل بعض حجر نسائه، فنبهه ذو اليدين ، فرجع وكمل الصلاة ولم يعدها، فالذي يفعل مثل فعله صلى الله عليه وسلم ليس عليه إعادة، بل يأتي بما فاته فقط، يأتي بالركعة التي فاتته أو الثنتين، فإذا سلم سجد للسهو كما فعله النبي عليه الصلاة والسلام، أما إذا أطال الفصل كثيراً، مثلاً: ذهب عليه وقت، مثلما فاته في الظهر ولم يذكر إلا في العصر، أو ما فاته في العصر فما ذكره إلا في المغرب أو في العشاء، مثل هذا يعيدها كلها، من أولها، لأنه طال الفصل.

    1.   

    حكم شرب الماء قبل إنهاء أذان الفجر في رمضان

    السؤال: سؤاله الأخير يقول: في شهر رمضان الكريم أثناء أذان الفجر، هل يسمح بشرب الماء قبل إنهاء الأذان، وفقكم الله؟

    الجواب: إذا كان الصائم لم يعلم أن الأذان على الصبح، بل كما يؤذن الناس على التحري وعلى الساعة والتقويم، فلا بأس أن يشرب وهو يؤذن أو يأكل لقمة في يده وهو يؤذن، لا بأس بهذا؛ لأن الأذان يخبر عن الصبح، ومظنة الصبح، ليس براءي للصبح وإنما يخبر عن ما عرفه بالساعة أو بالتقويم، وقد يكون الصبح خرج وقد يكون ما خرج، والله جل وعلا إنما أوجب الإمساك بالتبين، فينبغي للمؤمن أن يحتاط وينتهي من سحوره قبل الأذان حتى لا يقع في شبهة، لكن لو قدر أنه أكل شيئاً يسيراً مع الأذان أو شرب حال الأذان، فالظاهر أنه لا حرج عليه في ذلك إذا كان لم يعلم أن الصبح قد طلع.

    1.   

    حكم حضور الاحتفال بالمولد النبوي

    السؤال: هذه الرسالة وردتنا من مكة المكرمة ومن المرسل عبد الله إبراهيم بخاري ويقول في رسالته: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: أرجو الإجابة على بعض الأسئلة الدينية وعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وهي:

    السؤال الأول : حكم المولد النبوي؟ وما حكم الذي يحضره؟ وهل يعذب فاعله إذا مات وهو على هذه الصورة؟

    الجواب: المولد لم يرد في الشرع ما يدل على الاحتفال به، لا مولد النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره، فالذي نعلم من الشرع المطهر وقرره المحققون من أهل العلم: أن الاحتفال بالموالد بدعة، لا شك في ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أنصح الناس وأعلمهم بشرع الله، وهو المبلغ عن الله لم يحتفل بمولده صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه، لا خلفاؤه الراشدون ولا غيرهم، فلو كان حقاً وخيراً وسنة لبادروا إليه ولما تركه النبي صلى الله عليه وسلم، ولعلمه أمته وفعله بنفسه، ولفعله أصحابه وخلفاؤه رضي الله عنهم، فلما تركوا ذلك علمنا يقيناً أنه ليس من الشرع، وهكذا القرون المفضلة لم تفعل ذلك، فاتضح بذلك أنه بدعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)وقال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)في أحاديث أخرى تدل على ذلك، وبهذا يعلم أن هذه الاحتفالات بالمولد النبوي في ربيع الأول أو في غيره، وهكذا الاحتفالات بالموالد الأخرى كـالبدوي والحسين وغير ذلك كلها من البدع المنكرة التي يجب على أهل الإسلام تركها.

    وقد عوضهم الله بعيدين عظيمين: عيد الفطر وعيد الأضحى، ففيهما الكفاية عن إحداث أعياد واحتفالات منكرة مبتدعة. وليس حب النبي صلى الله عليه وسلم يكون بالموالد وإقامتها، وإنما حبه صلى الله عليه وسلم يقتضي اتباعه، والتمسك بشريعته، والذب عنها، والدعوة إليها، والاستقامة عليها، هذا هو الحب قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُم [آل عمران:31] فحب الله ورسوله ليس بالموالد ولا بالبدع، ولكن حب الله ورسوله يكون بطاعة الله ورسوله، وبالاستقامة على شريعة الله، بالجهاد في سبيل الله، بالدعوة إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمها والذب عنها والإنكار على من خالفها، هكذا يكون حب الرسول صلى الله عليه وسلم، ويكون بالتأسي به في أقواله وأعماله، والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام، والدعوة إلى ذلك.

    هذا هو الحب الصادق الذي يدل عليه العمل الشرعي، والعمل الموافق لشرعه.

    وأما كونه يعذب أو لا يعذب هذا شيء آخر، هذا إلى الله جل وعلا، فالبدع والمعاصي من أسباب العذاب، لكن قد يعذب الإنسان بمعصيته وقد يعفو الله عنه، إما لجهله وإما لأنه قلد من فعل ذلك ظناً منه أنه مصيب، أو لأعمال صالحة قدمها صارت سبباً لعفو الله أو لشفاعة الشفعاء من الأنبياء أو المؤمنين أو الأفراط، فالحاصل أن المعاصي والبدع من أسباب العذاب، وصاحبها تحت مشيئة الله جل وعلا، إذا لم تكن بدعته مكفرة، أما إذا كانت البدعة مكفرة فيها الشرك الأكبر فصاحبها مخلد في النار نعوذ بالله، لكن إذا كانت البدعة ليس فيها شرك أكبر، وإنما هي فروع خلاف الشريعة، من صلوات مبتدعة أو من احتفالات مبتدعة ليس فيها شرك، فهذا تحت مشيئة الله كالمعاصي.

    1.   

    حكم الاحتفال بعيد الميلاد الشخصي

    السؤال: طيب بالنسبة للأشخاص، هناك أيضاً من يجعل له عيداً لميلاده هو لهذا الشخص ما حكم هذا؟

    الجواب: كل هذا منكر، جعل عيد له أو لأمه أو لبنته أو لولده كل هذه الذي أحدثوها الآن تشبهاً بالنصارى واليهود، لا أصل لها ولا أساس لها، عيد الأم أو عيد الأب أو عيد العم أو عيد الإنسان نفسه أو عيد بنته، كل هذه منكرات، كلها بدع، كلها تشبه بأعداء الله، لا يجوز شيء منها أبداً، بل يجب سد الباب والحذر من هذه المحدثات، ولكن بعض الناس كثرت عليه النعم واجتمعت عنده الأموال فلا يدري كيف يتصرف فيها، لم يوفق لصرفها في طاعة الله وفي تعمير المساجد ومواساة الفقراء، وصار يلعب بها في هذه الأعياد وأشباهها، وإذا كان المراد إحياء سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فليس بالموالد، يحييها بالدروس الإسلامية في المدارس والمساجد والمحاضرات، هذا ليس بدعة، بل مشروع مأمور به، يدرس السيرة النبوية، ويبين ما جاء في المولد من الأخبار في الدروس الإسلامية بالمدارس، بالمعاهد، في المساجد، في المحاضرات، أما يجعل لها وقتاً مخصوصاً تقام فيه الاحتفالات في ربيع الأول أو في غيره والمآكل والمشارب وغير ذلك، هذا لا أصل له، بل هو من البدع المحدثة.

    1.   

    حكم المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام وغيره عمداً ونسياناً

    السؤال: السؤال الثاني من المستمع عبد الله إبراهيم بخاري من مكة المكرمة يقول: ما حكم المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام، وهل الحديث خاص في المسجد الحرام أم يشمل مكة ومساجدها؟ وهل يأثم من مر بين يدي المصلي من غير قصد وليس متعمداً؟

    الجواب: أما المسجد الحرام الذي حول الكعبة، فالمعروف عند أهل العلم: أنه لا حرج في المرور بين يديه للحاجة؛ لأن الغالب هو الزحمة فيه، ومظنة عدم تيسر السترة والسلامة من المار، فالأمر فيه واسع، وهكذا عند الازدحامات في المسجد النبوي وغيرها من المساجد، إذا ازدحم الناس وتكاثر الناس ولم يتيسر للمسلم المرور إلا بين أيدي المصلين، فالظاهر والله أعلم أنه لا حرج في ذلك للضرورة والمشقة الكبيرة.

    وينبغي للمصلي أن يتحرى المكان الذي ليس فيه تعرض للمرور بين يديه، في لزوم السواري التي في المسجد وأشباهها حتى يكون بعيداً عن المرور بين يديه، أما مساجد مكة وأرضها فالظاهر أنها كغيرها، ولهذا لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالأبطح جعل أمامه العنزة، وصلى إلى عنزة عليه الصلاة والسلام وهو في الأبطح في المسجد الحرام، فدل ذلك على أن المسجد الحرام مثل غيره في اتخاذ السترة، يعني: بقية الحرم؛ لأن الحرم كله يسمى مسجد حرام، لكن ما كان حول الكعبة فالأمر فيه أوسع وأسهل للزحمة غالباً، ولما جاء في ذلك من الآثار عن بعض الصحابة في عدم توقي مرور الناس؛ لأنه موضع زحمة في الغالب، ومظنة عدم القدرة على السلامة من المار؛ ولأن في السترة ورد الناس مشقة على الطائفين وعلى غير الطائفين، فالأولى والأقرب والأرجح أنه لا حرج في ذلك إن شاء الله، ولا لزوم للسترة، لكن في بقية مكة في بقية الحرم ويسمى المسجد الحرام ينبغي اتخاذ السترة ومنع المار كما اتخذها النبي صلى الله عليه وسلم في الأبطح عليه الصلاة والسلام.

    1.   

    حكم استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة في البيوت

    السؤال: سؤاله الأخير يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولكن شرقوا أو غربوا) والسؤال هنا أن بعض المراحيض والحمامات في البيوت والمنازل تجاه القبلة، فما الحكم؟ وشكراً جزيلاً لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز الذي أرجو أن يكون ضيفاً لهذه للحلقة؟

    الجواب: الأحاديث الصحيحة في النهي عن استقبال القبلة واستدبارها في حال قضاء الحاجة كثيرة، تدل على تحريم استقبال القبلة واستدبارها في قضاء الحاجة، البول أو الغائط، وهذا في الصحراء أمر واضح وهو الحق؛ لأن الأحاديث صريحة في ذلك، فلا ينبغي ولا يجوز أبداً استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء بالبول والغائط، أما في البنيان فاختلف العلماء في ذلك أكثر، فقال بعضهم: يجوز في البناء؛ لأنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه في بيت حفصة قضى حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة، كما رواه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، قالوا: فهذا يدل على أنه لا بأس باستقبالها واستدبارها في البناء، لأن الإنسان مستور بالأبنية، والأصل أنه يفعل ذلك للتشريع ويتأسى به عليه الصلاة والسلام في أفعاله، فلما فعل ذلك دل على جوازه؛ لأنه قضى حاجته على لبنتين مستقبل الشام مستدبر الكعبة، فهذا يدل على جوازه في البناء، وقال آخرون: هذا لعله خاص به؛ لأنه إنما فعله في البيت ولم يشتهر ولم يفعله في الصحراء، فيدل هذا على أنه خاص به، وأنه يجب على المسلمين عدم الاستقبال وعدم الاستدبار حتى في البناء، عملاً بالأحاديث العامة التي فيها التعميم وعدم التخصيص، وهذا القول أظهر؛ أنه ينبغي عدم الاستقبال وعدم الاستدبار مطلقاً في البناء والصحراء، لكن كونه محرماً في البناء محل نظر؛ لأن الأصل عدم التخصيص به صلى الله عليه وسلم، لكنه يحتمل أن يكون هذا قبل النهي، ويحتمل أنه خاص به عليه الصلاة والسلام، فلهذا لا يكون التحريم فيه مثل التحريم في الصحراء، فالأولى بالمؤمن أن لا يستقبل في الصحراء ولا في البناء وألا يستدبر، لكن في البناء أسهل وأيسر، ولا سيما عند عدم تيسر ذلك لوجود المراحيض الكثيرة إلى القبلة، فحينئذٍ يكون الإنسان معذوراً لأمرين:

    الأمر الأول: وجود المراحيض التي إلى القبلة ويشق عليه الانحراف عنها.

    والأمر الثاني: ما عرفت من حديث ابن عمر في استقبال النبي صلى الله عليه وسلم للشام واستدباره الكعبة في قضاء حاجته في بيت حفصة ، فهذا يدل على الجواز، والأصل عدم التخصيص له صلى الله عليه وسلم بذلك، فيكون الفعل جائزاً، مع أن الأولى ترك ذلك في البناء، ويكون في الصحراء محرماً لعدم ما يخص ذلك، هذا هو الأقرب في هذه المسألة، والله جل وعلا أعلم.

    المقدم: أحسنتم، أيها السادة! إلى هنا نأتي على نهاية لقائنا هذا، الذي استعرضنا فيه أسئلة السادة: الطالب: صبار حمادي من العراق محافظة الأنبار، وعلي سالم مؤمن من مكة المكرمة، وعبد الله إبراهيم بخاري من مكة المكرمة أيضاً، استعرضنا ما وردنا منهم من أسئلة واستفسارات، على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    شكراً لسماحة الشيخ، وشكراً لكم أيها السادة، وإلى أن نلتقي نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755822047