إسلام ويب

شرح فتح المجيد شرح كتاب التوحيد [116]للشيخ : عبد الله بن محمد الغنيمان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن من التوسل والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى أن يكون بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وذلك بعد إثباتها والإيمان بها، وعدم الإلحاد فيها، فإنه قد حذر الله سبحانه وتعالى من الإلحاد في أسمائه وصفاته -بأنواعه المختلفة التي ذكرها العلماء- وأمر بتوحيده.

    1.   

    باب قول الله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب قول الله تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف:180] .

    ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما ( يلحدون في أسمائه ): يشركون، وعنه: سموا اللات من الإله والعزى من العزيز، وعن الأعمش : يدخلون فيها ما ليس منها ].

    هذا الباب في قول الله جل وعلا: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف:180].

    ويقصد المؤلف بهذا أن يبين أن التوسل يجب أن يكون بأسماء الله جل وعلا وصفاته، ولا يجوز أن يكون التوسل بمخلوق من المخلوقات، وأن عبادة الله جل وعلا تكون بأسمائه التي أمر أن يدعى بها.

    وفيه أيضاً: التحذير من الإلحاد في الأسماء والصفات؛ لأنه نوع من الكفر الذي قد يكون منافياً للتوحيد إذا كان إلحاداً بأسماء الله جل وعلا، والإلحاد أنواع كما سيأتي، وقد يكون أقل من ذلك فيكون منافياً لكمال التوحيد، فالإنسان لا يخلو من أن يكون موحداً وسالماً من الإلحاد فيكون مرتكباً لهذا الأمر وداعياً لله جل وعلا، وعابداً له بأسمائه وصفاته، مكملاً لتوحيده، أو يكون عنده نقص، إما بجهل أسماء الله جل وعلا وصفاته التي يجب أن يعبد بها، أو عنده شيء من الإلحاد في أسمائه وصفاته، فيكون ذلك تركاً لما هو واجب من التوحيد، أو ترك ركن منه فيكون ناقص التوحيد.

    أراد المؤلف رحمه الله هنا أن يبين ما يجب على العبد في هذا، وبالإضافة إلى أن الله جل وعلا جعل توحيده بأسمائه وصفاته نوعاً من أنواع التوحيد، لكن الظاهر هنا أنه يقصد بذلك توحيد العبادة؛ لأنه قال: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف:180]، والدعاء يقصد به العبادة، والعبادة هي التوحيد، فلا تكون عبادة شرعية نافعة إلا إذا كانت توحيداً. أي: خالصة لله جل وعلا، ليس فيها شيء لغيره.

    معنى قوله: (ولله الأسماء الحسنى)

    وقوله: ( ولله الأسماء الحسنى ) الجار والمجرور قدم على ذكر الخبر؛ ليبين أن هذا خاص بالله جل وعلا.

    والحسنى: هي التي بلغت الغاية في الحسن، ومعنى حسنى: أنها كملت في معانيها ومدلولاتها، وأنها سلمت من النقص والعيب، فلا يلحقها نقص ولا عيب، وهذا بخلاف أسماء المخلوقين.

    معنى قوله: (فادعوه بها)

    وقوله: ( فادعوه بها ) أمر من الله جل وعلا أن ندعوه بأسمائه الحسنى.

    وكيف ندعوه؟ يعني: أن تكون دعوته بها، وهذا يكون في كل مطلب بما يناسبه، إذا كنت تطلب المغفرة فتدعوه باسمه الغفار والغفور، وإذا كنت تطلب الرحمة فادعه باسمه الرحيم والرحمن، وإذا كنت تطلب الرزق فادعه باسمه الرزاق والجواد والكريم، وهكذا في كل شيء تدعو بالاسم الذي يناسبه، وهذا معنى دعائه بها.

    فكذلك كل أمور الإنسان يجب أن تكون ملتمسة ومقترنة بهذه العبادة. يعني: أن يعبد الله بأسمائه.

    فمثلاً: إذا أراد عملاً من الأعمال يقول: باسم الله. يعني: أستعين بهذا الاسم الكريم، سواءً كان يأكل أو ينام أو يعمل عملاً من أمور الدنيا أو غيرها، وقد يكون هذا واجباً في بعض الأفعال، مثل الذبيحة، فإذا أردت أن تذبح ذبيحة فيجب أن تسمي وتذكر اسم الله، وهذا نوع من عبادة الله وذكره بأسمائه الحسنى.

    وكذلك عند الأكل وغيره فهو داخل في الأمر، فكل أفعال الإنسان التي يكون فعلها طاعة، يجب أن تكون مكتملة بدعاء الله جل وعلا باسمه، سواء قصد بالدعاء جلب نفع أو استعانة، أو تقرب إليه جل وعلا بالذبيحة، أو فعل شيء مباح كالأكل والدخول والمشي والجلوس وأعمال الدنيا، وغيرها، فحياة الإنسان لا تنفك عن هذا الأمر، ولكن يجب أن يكون متنبهاً له وقاصداً له؛ لقوله جل وعلا: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] ومعنى ذلك: أن هذه العبادة لا ينفك المؤمن عنها في حال من الأحوال، فدائماً تكون معه، ويجب أن يتنبه لهذا ويقصد ذلك ويريده حتى يثاب عليه، وبعضها يكون واجباً، وبعضها يكون مندوباً.

    معنى قوله: (وذروا الذين يلحدون في أسمائه)

    وقوله جل وعلا: ( وذروا الذين يلحدون في أسمائه ):

    (ذر): اترك. أي: اتركهم، ولا يهمك أمرهم فإنهم صائرون إلى الله فمجازيهم بما يستحقونه، وليس معنى ذلك أنهم لا يكلمون ولا يدعون إلى الحق ويحذرون من الباطل، بل يؤخذ من هذا: أنهم لا يجادلون في إلحادهم، ولهذا كان السلف رضوان الله عليهم يقطعون مجادلة الملحدين الذين يلحدون في أسماء الله، بل وينهون عن ذلك أشد النهي؛ لأن هذا فيه نصر لإلحادهم، وفيه إقرار لهم على ذلك، وقد يكون في مجادلتهم ومسالمتهم فتنة لغيرهم ممن يسمع ولا يتخلص من الشبه التي يلقونها، فإذا تركوا كان ذلك مدعاة لأن يموت مذهبهم ويهجر.

    فقوله: ( وذروا الذين يلحدون ) يفهم منه: التهديد والوعيد.

    (يلحدون في أسمائه): الإلحاد: هو الميل والعدول عما قصد بها، وهو مأخوذ من اللحد، ومنه لحد القبر؛ لأنه يحفر مائلاً عن سمت الحفرة إلى جهة القبلة حتى يوضع به الميت، فيسمى لحداً من هذه الناحية.

    1.   

    أنواع الإلحاد في أسماء الله وصفاته

    والإلحاد في أسمائه جل وعلا أنواع، منه:

    تحريف معانيها

    أولاً: تحريف معانيها؛ وهو ما يسمونه بالتأويل، مثل أن يقول: (يد الله): نعمته، (استواء الله): استيلاؤه، (علو الله): قهره، وهكذا، فهذا من الإلحاد في أسمائه جل وعلا، وهو داخل في التعطيل الذي هو أعم من هذا كله.

    إذاً الإلحاد يكون في تعطيلها عن معانيها وتحريفها عما قصد بها من المعاني التي دلت عليها.

    اشتقاق بعض أسماء المخلوقات منها

    ثانياً: أن يشتق منها أسماء لبعض المخلوقات، كتسمية الحجر -مثلاً- أو الشجر، أو القبر أو غيره باسم (إله)، (فالإله) يجب أن يكون لله وحده، والتأله لله وحده فقط، فتسمية مخلوق (إله) من الإلحاد.

    وكذلك الكفار ألحدوا في أسمائه حيث سموا بعض معبوداتهم بأسماء أخذوها من أسماء الله، مثل: اللات أخذوها من (الإله) أو من (الله)، و(العزى) أخذوه من (العزيز) ولعلهم أنثوها باعتبار أنها آلهة، ومعروف أن التأنيث يدل على الضعف والرخاوة والليونة والميوعة ؛ لأن اسم المؤنث هكذا يكون، ولا يدل إلا على النقص، وكذلك قولهم: (مناة) مأخوذة من (المنان)، فهذا نوع آخر من الإلحاد. يعني: أن يشتق أسماء لبعض المخلوقات من أسمائه جل وعلا، فهذا نوع من الإلحاد؛ لأن أسماء الخالق كلها لله جل وعلا، ومعانيها كاملة وهي حسنى.

    تسميته ووصفه جل وعلا بما يتنزه عنه تقدس وتعالى

    ثالثاً: أن يسمى جل وعلا بما يتعالى ويتقدس عنه، كتسمية النصارى له (أب) تعالى الله وتقدس، وكذلك الفلاسفة يسمونه (علة موجبة) أو (علة فاعلة) أو يسمونه (عقل فعال).. أو ما أشبه ذلك من التسميات الباطلة، وهو نوع من الإلحاد في أسماء الله جل وعلا.

    رابعاً: أن يوصف بالنقص الذي يتنزه عنه جل وعلا، كما يقول اليهود لعنهم الله: (يد الله مغلولة) ويقولون: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181] ويقولون: إن الله لما خلق السماوات والأرض في ستة أيام وانتهى من الخلق تعب واستراح تعالى الله وتقدس، ولهذا يقول الله جل وعلا: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38] يعني: من إعياء وعجز نفياً لما قاله هؤلاء الخبثاء قاتلهم الله، فهذا من الإلحاد في أسمائه وصفاته جل وعلا.

    1.   

    الفرق بين الاسم والصفة

    وقوله: ( وذروا الذين يلحدون في أسمائه ).

    أولاً: أسماء الله جل وعلا لم يذكر أنها محصورة في عدد معين، والحديث الذي سيأتي لا يدل على هذا، وإنما ذكر أن له الأسماء الحسنى، والتي ذكرها الله جل وعلا في كتابه، وذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه جل وعلا مخبراً بها عنه، فكل ما ثبت أنه اسم من أسماء الله أو صفة من صفات الله فإنه يسأل بها.

    والفرق بين الاسم والصفة: أن الاسم يدل على الذات، فمثلاً: الرب يدل على ذاته المقدسة التي تتصرف في كل شيء والله كذلك، والرحمان والرحيم.

    أما الصفة فهي المعنى الذي يقوم بالذات، مثل الرحمة، فالرحمة معنى قائم بالله جل وعلا دل عليها الاسم الذي هو الرحمن أو الرحيم. هذا الفرق الأول.

    الفرق الثاني: أن الأصل الصفات، والأسماء مشتقة من الصفات، فكل اسم مأخوذ من صفة، فالرحمن مأخوذ من الرحمة، والله مأخوذ من التأله، والرب مأخوذ من التربية والقيام على المخلوق بما يرضي الله، والعزيز من العزة وهكذا، فهذا هو الفرق.

    إذاً: الفرق الأول: أن الاسم يدل على المسمى وعلى الذات التي وضع لها هذا الاسم، وأما الصفة فهي المعنى القائم بالموصوف.

    الفرق الثاني: أن الأصل هي الصفات والأسماء مشتقة من الصفات، وليس العكس كما يتوهم بعض الناس فيجعل الأسماء هي الأصل والصفات مشتقة، فهذا خطأ، بل الأصل الصفة، وهذا معنى قول العلماء: إن أسماء الله مشتقة، أي: أنها مأخوذة من معان قامت في الرب جل وعلا.

    1.   

    حكم إنكار الصفات

    والصفات كثيرة جداً، وإنكارها ضلال وجهل. ومن الجهل الوقوف على ظاهر النصوص بدون تأمل للمعنى، كما وقع لـابن حزم رحمه الله فأنكر أن يكون لله جل وعلا صفات وقال: هذا كله من كلام المتكلمين الذي لا يدل إلا على الانحراف والشك والباطل.

    وقال: جاء في بعض النصوص كما ثبت في الصحيح من حديث الرجل الذي كان يؤم أصحابه فيقرأ سورة ثم يختم بـ( قل هو الله أحد ) ويردد ذلك، فلما سألوه؟ قال: إنها صفة الله وأحبها، فلما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ قال: (حبك إياها أدخلك الجنة)، قال: هذا يثبته وما عدا ذلك فلا؛ فيقال له: هل الرحمن يدل على معنى أو لا يدل على معنى؟ لابد من أنه يدل على معنى. فما هو المعنى الذي يدل عليه؟ الرحمة، وكذلك العليم يدل على العلم، والحليم يدل على الحلم، والكريم يدل على الكرم وهكذا، فيقال: هذه المعاني التي دلت عليها هذه الأسماء هي الصفات، وهي التي يسأل الله جل وعلا ويدعى بها كالأسماء تماماً لا فرق، ثم إن معنى كونها مشتقة: أنها أخذت من هذه المعاني وأنها دلت على معانٍ عظيمة، والعلماء قسموها إلى قسمين: متعدٍ ولازم، والأفعال في لغة العرب إما أن تكون متعدية أو تكون لازمة فمثلاً: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] فهذا يسمى لازماً؛ لأنه يدل على الاستواء على العرش فقط، ومثل هذا يجب أن يؤمن به وبالصفة التي دل عليها وهي الاستواء.

    وأما قوله جل وعلا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام:1] .

    فهنا ( خلق ) اسم فعل يدل على الفاعل، فالخلق فعله الذي هو صفة، وله أثر. يعني: له شيء يتعدى إليه وهو المخلوق.

    ( السموات والأرض ) أثر الخلق، فهو تعدى بهذا المعنى، فلابد من أمور ثلاثة فيها: إثبات الاسم، والصفة، والأثر.

    إذاً: يكون معنى التعدي واللزوم في هذا هو التعدي واللزوم اللغوي. يعني: إذا قلت -مثلاً- قام زيد، فهذا يسمى لازم، كذلك ( جلس )، ولكن إذا قلت: ضرب وأكل وشرب فإن هذا يكون متعدياً، ولابد له من أثر، والأثر هو أثر الضرب، وأثر الأكل، وأثر الشرب، وهذا التقسيم من ناحية المعاني التي يدل عليها الكلام.

    وقوله جل وعلا: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف:180]. يعني: اتركوا، وهذا جاء من باب الوعيد والتهديد، ويدل على توعد الملحدين وتهديدهم، وأنه على المخاطب أن يعرض عنهم، ومعنى الإعراض عنهم: عدم مجادلتهم وعدم الاهتمام بأمرهم، أما دعوتهم والبيان لهم فإنه إذا أمكن فلابد من ذلك؛ لأن الله جل وعلا يقول: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى [الأعلى:9]، والدعوة إليه كما سبق لابد منها، ولكن إذا علم أن الإنسان لا يجدي ذلك معه فيعرض عنه، خصوصاً الملحد، فالغالب في الملحد أنه يكون عارفاً، ولكن لا يريده، بل يريد غيره ولهذا أمر بالإعراض عنه.

    1.   

    معاني الإلحاد في الأسماء والصفات

    ( وذروا الذين يلحدون ) والإلحاد ذكر له ثلاثة معان:

    الأول: الشرك وإدخال ما ليس منها.

    الثاني: جعلها أسماء لبعض المخلوقات.

    الثالث: اشتقاق أسماء المخلوقات والأوثان منها.

    فهم يأخذون أسماء أصنامهم وأوثانهم منها فهذه معانٍ ذكرها بعض السلف: (الشرك وإدخال ما ليس منها، وجعلها أسماء لبعض المخلوقات، أو جعل بعضها أسماء لبعض المخلوقات).

    وبقي من معاني الإلحاد معنيان: الأول: تعطيل معانيها التي دلت عليها وهذا من أعظم الإلحاد.

    والثاني: تشبيه معانيها بمعاني المخلوقات، بأن يجعل ما دلت عليه شبيهاً بما دلت عليه صفة المخلوق أو اسم المخلوق.

    إذاً تكون معاني الإلحاد خمسة: إلحاد هو عدول بها إلى غير ما وضعت له، وإلحاد بإدخال ما ليس منها فيها، وإلحاد بجعلها أو بعضها أسماء لبعض المخلوقات، وإلحاد يكون في تعطيل معانيها، وإلحاد يكون في تشبيه معانيها بمعاني المخلوقين.

    الشرك في الأسماء والصفات

    أما القسم الأول: فالشرك بها، وهو داخل في جميع ما ذكر؛ لأن المشرك معطل ولابد، وكل مشرك معطل وليس كل معطل مشرك، فالشرك في أسماء الله وصفاته: أن يجعل -مثلاً- صفات وأسماء الرب جل وعلا تدل على ما دل عليه اسم مخلوق، مثل أن يقول: إننا لا نفهم من يد الله جل وعلا إلا الجارحة المعروفة لنا، أو يقول مثلاً: لا نفهم من كون الإنسان الذي قال: الله جل وعلا يتكلم إلا أن يكون ذلك صادراً عن فم وعن لسان وعن شفتين وحنجرة وأحبال صوتية ... وهكذا. وهذا تشبيه.

    وكذلك الصوت فيجب أن يثبت لله في هذا على وجه التوحيد. يعني: خاصاً به، ولهذا جاء في الحديث: (إن الله ينادي بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب) وهذا لا يكون في الخلق، وإنما هو خاص بصوت الله، وكذلك جاء: (أن الملائكة إذا سمعوا صوت الله صعقوا وأصابهم الغشي وذهبت عقولهم وسقطوا) وهذا خاص بصفة الله جل وعلا، وليس معنى ذلك أنه يكون عظيماً؛ لأن الإنسان مثلاً لو سمع صوتاً عظيماً -يعني: فوق طاقته- يصعق، وقد ذكر الله جل وعلا عن قوم ثمود لما أخذتهم الصاعقة -الصاعقة هي الصيحة- التي ذكرت في بعض الآيات. ويقول المفسرون: إن جبريل عليه السلام صاح فيهم صيحة بصوته فتقطعت قلوبهم في أجوافهم فسقطوا؛ لأن الإنسان ضعيف. وصوت جبريل مزعج وعظيم لا يتحمله الإنسان، ولكن ليس هذا هو المقصود في حق صوت الله جل وعلا، فصوته تعالى هو صوت يخاطب به ملائكته ومع ذلك يصعقون، فالمقصود أن قوله جل وعلا: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا [البقرة:22] يكون هذا في حقه ويكون في وصفه وأسمائه، ويكون أيضاً في أفعاله، فلا يجوز أن تكون أفعاله كأفعال المخلوقين، كما أن أسماءه وصفاته لا تجوز أن تكون كأسماء المخلوقين وكذلك حقه الذي أوجبه على خلقه، وكذلك ذاته المقدسة تعالى وتقدس، وهذا أمر متفق عليه أما بالنسبة للذات، فلا أحد ينازع فيها، ومعلوم أن الأسماء والأفعال والصفات تكون خاضعة للذات؛ ولكنهم يتناقضون.

    إدخال ما ليس من أسماء الله وصفاته فيها

    أما الثاني: وهو أن يدخل فيها ما ليس منها، كأن يسميه: (علة موجبة، أو عقلاً فعالاً) أو مثل ما يقول النصارى: (الابن والأب وروح القدس)، وهذا من الإلحاد، وكذلك يلحق بهذا أيضاً أن يوصف بمعنى ينزه تعالى وتقدس عنه، كوصف اليهود له بأنه فقير تعالى الله وتقدس، أو بأنه بخيل تعالى الله وتقدس؛ لأنهم قالوا: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا [المائدة:64]ولهذا لا تجد يهودياً كريماً أبداً، فكل اليهود من أبخل الناس وأعظم الناس عبادة للمال، لقول الله جل وعلا: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا [المائدة:64] فهم يصفون الله جل وعلا بالبخل، والصفات التي يرمون الرب جل وعلا بها ينزهون أنفسهم منها: قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181] .. لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا [آل عمران:181]، والله جل وعلا لا يخفى عليه شيء، فكل شيء يحصيه على عباده، فإنه يستمع لهم منذ خلقهم إلى أن يوقفهم في قبورهم، ثم بعد ذلك يبعثهم ثم يعرض عليهم ما كانوا يعملونه ويقولونه، فيقصه جل وعلا عليهم، ولا يخفى عليه شيء، ومع ذلك فكل شيء مسجل حتى لا يكون للإنسان أي اعتذار. وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:13-14].

    الصواب في هذا: أن هذا الكتاب الذي يخرج هو كتاب الحسنات والسيئات التي يسجلها الملائكة على الإنسان، حيث يخرج له ويجد فيه كل ما عمل، وهناك يقول الظالمون: يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف:49]، لا يغادر شيئاً، وكل شيء يجده المرء أمامه مكتوباً محفوظاً لدى الله جل وعلا.

    وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود يقول: كنت جالساً عند الكعبة فجاء ثلاثة نفر من المشركين، كثيرة شحوم بطونهم قليل الفقه في قلوبهم، فقال واحد منهم: أترون الله يسمعنا إذا تكلمنا؟ فقال الآخر: إذا رفعنا أصواتنا سمعنا وإذا خفضنا لم يسمعنا، فقال الثالث: إن كان يسمعنا إذا رفعنا أصواتنا فهو يسمعنا إذا خفضنا أصواتنا، فذهب وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله جل وعلا: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:80].

    ( بلى ) يعني: بلى نسمعها، ومع ذلك فالرسل -الذين هم الملائكة- يكتبون، وقد أخبر الله جل وعلا في قوله في الآية الأخرى: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى [طه:15]وقوله: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه:7].

    يقول العلماء: (السر) هو: الذي يدور في نفس الإنسان وذهنه ولم يظهر عليه أحداً ولم يتلفظ به، وأخفى منه الشيء الذي لم يحدث في ذهنه، كل هذا يعلم الله جل وعلا أنه سيحدث كذا وكذا في وقت كذا وكذا، فلا يخفى على الله شيء، بل يخبرنا ربنا جل وعلا بالشيء الذي يكون، وأنه لو كان أنه يكون على كذا وكذا، كما قال الله جل وعلا لما قال الكفار عندما ألقوا في جهنم: يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا [الأنعام:27]جاء الجواب: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ [الأنعام:28] أي: ولو ردوا إلى الدنيا لعادوا إلى الكفر والتكذيب الذي كانوا فيه، وهذا لا يحصل فهو ممتنع؛ لأن الله أخبر أنهم لا يردون، ولكن على سبيل التنزل، لو قدر أنهم يردون لعادوا إلى ما كانوا عليه من الكفر، فالله يعلم الأشياء التي لا تكون لو كانت أنها تكون على كذا وكذا، والله على كل شيء قدير وهو بكل شيء عليم، وهو الغني بذاته عن كل شيء، وكل شيء فقير إليه، ولا يخفى عليه من تصرفات خلقه شيء تعالى وتقدس.

    إذاً أسماء الله جل وعلا معانٍ عظيمة، والتفقه فيها من أعظم ما يجب على الإنسان، ومعرفة الله جل وعلا تتوقف على ذلك، فالله جل وعلا تعرف إلى عباده بأسمائه وصفاته، والمقصود في هذا الباب: أن الإنسان يتعرف على ربه جل وعلا من خلال الأسماء والصفات التي سمى ووصف الله جل وعلا بها نفسه، وعلى هذا فالإلحاد يكون أنواعاً وكله متوعد فيه، وأصله من الميل والعدول؛ لأن معنى ألحد: أي عدل عن السمت المراد الذي طلب منه أن يفعله ومال وجنح عنه، وكل ميل وجنوح عن السمت يسمى لحداً، ومنه لحد القبر؛ لأنه لا يكون على سمت الحفرة بل يجنح إلى جهة القبلة في جانب القبر، فيحفر حفرة في جانب القبر من جهة القبلة ويوضع بها الميت، وهذا يسمى لحداً، وهذا اللحد بخلاف الشق، فإن الشق يكون على قدر الميت مثل اللحد ولكنه في الوسط، وكلاهما جائز، ولكن اللحد أفضل كما جاء في الأحاديث.

    إذاً: الإلحاد في أسماء الله يكون بتحريفها بالتأويلات الباطلة، ويكون بتعطيل معانيها، ويكون بجعلها معانٍ للمخلوقات، ويكون بإضافة شيء إليها ليس منها، ويكون بأن تجعل معانيها معانٍ معينة من معاني المخلوقات.

    هذه الأقسام الخمسة، والإلحاد أيضاً يكون في آيات الله التي تدل على الأحكام، ولهذا جاء أن الملحد في الحرم لا يقبل منه صرف ولا عدل، والملحد فيه هو الذي خرج عن الطاعة بفعل الكبائر والمعاصي الظاهرة. يعني: ارتكب محرماً ظاهراً وترك ما هو ظاهر الوجوب، فهذا يسمى ملحداً أو ملحداً في دين الله.

    1.   

    شرح حديث: (إن لله تسعاً وتسعين اسماً ...)

    قال الشارح رحمه الله تعالى: [عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله تسعةً وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر) أخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة . ورواه البخاري عن أبي اليمان عن أبي الزناد عن الأعرج عنه ].

    هذا الحديث متفق عليه، والكلام جملة واحدة. يعني: أن المقصود الإخبار عن هذه الأسماء التسعة والتسعين، وليس المعنى أن أسماء الله محصورة في هذا العدد، بل لا حصر لها، وإنما أريد الإخبار عن حكم معين، وهو أن من أحصى هذه الأسماء التسعة والتسعين يدخل الجنة. وهذا هو المقصود.

    إذاً: يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن من أحصى هذه الأسماء المعينة -التسعة والتسعين- يدخل الجنة، ولهذا يتعين أن نعرف ما معنى أحصاها؟ لأن هذا أمر مهم؛ ولأنه يترتب عليه دخول الجنة.

    معنى الإحصاء في الحديث

    ووجه ذكر الحديث هنا: أن يبين المؤلف رحمه الله أن معنى الدعاء بها الذي ذكر في الآية: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] هو معنى الإحصاء المذكور في الحديث فيكون الحديث مطابقاً للآية تماماً.

    مراتب الإحصاء

    ومراتب الإحصاء في الحديث ثلاث:

    المرتبة الأولى: حفظ هذه الأسماء التسعة والتسعين ومعرفتها مرتبة.

    المرتبة الثانية: أن يعرف معانيها ويفقهها.

    المرتبة الثالثة: أن يدعو الله بها ويعبده.

    هذا قول من أقوال العلماء.

    القول الثاني: أن معنى الإحصاء: العد والحسب، والبخاري رحمه الله كأنه يميل إلى هذا القول؛ لأنه لما ذكر الحديث قال: أحصاها: حفظها، ولكن من المعلوم أن الحفظ بلا معنى لا يفيد شيئاً.

    والقول الثالث: أن معنى الإحصاء: أن يقول بما يلزم من معانيها، وما دلت عليه، وأن يقوم بالعمل اللازم لها، واستدل أصحاب هذا القول بقوله جل وعلا: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ [المزمل:20]وقال: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ [المزمل:20]يعني: أن لن تطيقوه. أي: لا تطيقون قيام الليل كله، ولكن السدس أو الربع أو ما تيسر، لهذا يقول جل وعلا: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ [المزمل:20] فهنا يقولون: (الإحصاء) معناه: أن يطيق الإنسان القيام بما تستوجبه هذه الأسماء والصفات لله جل وعلا، فهذا يكون صعباً على الإنسان.

    وأقرب الأقوال والله أعلم: القول الأول، أن الإحصاء له ثلاث مراتب: الحفظ، ومعرفة المعنى، ودعاء الله بها، ويكون هذا هو المقصود.

    1.   

    أسماء الله غير محصورة

    أول اللفظ قوله صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة) (إن) تدخل على المبتدأ والخبر، وتجعل الأول اسماً لها منصوباً، وتجعل الثاني خبراً لها مرفوعاً.

    ( إن لله تسعة وتسعين اسماً ) ولفظ الجلالة هنا مجرور فتصير (تسعة وتسعين اسماً لله) فتكون جملة واحدة، وهذا لا يدل على أنها محصورة في هذه الأسماء، وإنما لله جل وعلا هذه الأسماء للتعبد بها، ثم إن هذه الأسماء لابد أن تكون موجودة في القرآن؛ لأن الرسول يخبر عن شيء موجود صلوات الله وسلامه عليه؛ لأنه قال: (من أحصاها دخل الجنة).

    وكذلك إذا فات شيء في القرآن فهو موجود في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فلابد أن تكون موجودة فيما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتاب الله وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم.

    يعني: قد يكون في القرآن أكثر من التسعة والتسعين اسماً، والدليل على أنه ما أريد بها الحصر ظاهر في هذا الأسلوب، فالإنسان قد يقول: عندي عشرون كتاباً أعددتها للمطالعة أو أعددتها للعارية، فلا يفهم من هذا أنه ليس عنده إلا هذه الكتب، وإنما يفهم أنه أراد بهذه العشرين شيئاً معيناً إما للمطالعة لمن يأتي ويطالع فيها، أو للعارية فمن يأتي يستعيرها، وعنده كتب أخرى غيرها.

    ومن الأدلة على أن أسماء الله غير محصورة بعدد: ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أصاب عبد هم أو حزن فقال: اللهم أني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء همي وغمي، إلا أذهب الله غمه وأبدله فرحاً) أو كما قال.

    1.   

    أقسام أسماء الله

    في الحديث النبوي قسمت الأسماء إلى أقسام ثلاثة: قسم جعله الله منزلاً في كتابه، والمقصود بالكتاب: جنس الكتاب. يعني: الكتب التي أنزلها على عباده، والقسم الثاني: علّمه من يشاء من خلقه ولم ينزله في كتابه، والقسم الثالث: استأثر به في علم الغيب عنده، فلم ينزله في كتابه، ولم يعلمه أحداً من خلقه، وهذا دليل واضح بأن أسماء الله غير محصورة.

    ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة لما ذكر أن الناس إذا طال بهم الوقوف، وأشتد بهم الكرب يلهمهم الله جل وعلا بأن يطلبوا الشفاعة من الرسل وهم واقفون معهم في الموقف، فيقول بعضهم لبعض: من أولى من أبيكم آدم، خلقه الله بيده، وأسكنه جنته، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء، فيذهبون إلى آدم ويطلبون منه ذلك فيعتذر، وفي الأخير تئول الشفاعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم. يقول صلى الله عليه وسلم: (فأذهب إلى مكان تحت العرش فإذا رأيت ربي خررت ساجداً فيفتح علي من المحامد والثناء ما لا أحسنه الآن).

    المحامد والثناء تكون بأسمائه وصفاته جل وعلا. وقوله: ( ما لا أحسنه الآن ) يعني: أنه لم ينزل عليه صلى الله عليه وسلم.

    ومنه أيضاً: قوله صلى الله عليه وسلم: (لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)والثناء عليه جل وعلا يكون بأسمائه وصفاته، وما يدل على ذلك: قوله جل وعلا: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ [لقمان:27]. يعني: لو أن جميع ما في الأرض من شجر جعل أقلاماً، والبحر جعل مداداً للأقلام فكتب بهذه الأقلام من البحار كلها، ويكون مع هذه البحار الموجودة مثلها سبع مرات، فإن البحار تنفد وكلمات الله لا تنفد.

    وغير ذلك من الدلائل الكثيرة على هذا، وكله يدل على أن كلمات الله من أسمائه جل وعلا وصفاته، ويدل على أن أسماء الله غير محصورة.

    إذاً: المقصود بهذا الحكم الذي ذكر وهو أن من أحصاها دخل الجنة، وإحصاؤها يكون بحفظها، وبمعرفة معانيها، وبسؤال الله جل وعلا بها، فمن فعل ذلك دخل الجنة، ولا يكون ذلك إلا لمن وحد وعرف حق الله، وعرف ما يوجب له وما يمتنع عليه.

    1.   

    ذكر أسماء الله الواردة في القرآن

    قال الشارح رحمه الله تعالى: [ وأخرجه الترمذي عن الجوزجاني عن صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم عن شعيب بسنده، مثله، وزاد بعد قوله ( يحب الوتر: هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، الباري، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الأحد، الفرد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالي، المتعالي، البر، التواب، المنتقم، العفو، الرءوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني، المانع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور ).

    ثم قال الترمذي : هذا حديث غريب، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة ، ولا نعلم في كثير من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث ].

    وهذا الحديث يدور على هذا السبب فقط، والصواب كما يقول كثير من الحفاظ: إن سرد الأسماء ليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو مدرج استخرجه بعض العلماء من كتاب الله جل وعلا ومن حديث رسوله، ولهذا يوجد في الروايات اختلاف من تقديم وتأخير، ومن زيادة ونقص، وهذا السرد ترك فيه اسم متفق عليه لم يذكر، وهو ظاهر جداً وهو الرب، مما يدل على أن هذا السرد ليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والعلماء اختلفوا اختلافاً كثيراً في هذا، فأخذ بعضهم ذلك مما ثبت في كتاب الله، وبعضهم أخذوا الأفعال وجعلوها أسماء، وبعضهم صار يزيد وينقص، ولكن لا يجوز أن يؤخذ من كل فعل له اسم، فالأفعال أوسع من الأسماء؛ لأنه تذكر أفعال لله ولكن لا يؤخذ له منها أسماء؛ فإنه جل وعلا يقول: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [آل عمران:54]، إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق:15-16]، يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:142]وما أشبه ذلك، فلا يجوز أن نأخذ من هذه الأفعال أسماء له تعالى وتقدس، كما أنه لا يجوز أن نأخذ من قوله: ( صنع الله الذي أتقن كل شيء ) فنسميه الصانع، وكذلك لا نسميه الماكر، ولا نسميه المخادع، ولا نسميه الكائد أخذاً من هذه الأفعال، وإنما يجب أن تكون أسماؤه موقوفة على ما سمى به نفسه كالعزيز الحكيم، البر الرحيم التواب، وما أشبه ذلك مما هو ظاهر من أنها أسماء لله جل وعلا، فإذا وجد ذلك دل ذلك على أنها أسماء، وأنها يقينية بلا شك، أما شيء يؤخذ من معانٍ، أو من أفعال، كاسم فعل أو فعل، فلا يجوز أن يعتمد على هذا. نعم.

    1.   

    سرد أسماء الله في الحديث مدرج وعدم انحصارها في تسعة وتسعين

    قال الشارح رحمه الله: [ والذي عول عليه جماعة من الحفاظ: أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه، وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمد الصنعاني عن زهير بن محمد ].

    الحديث يدور على الوليد بن مسلم، الذي ضعفه أهل الجرح والتعديل.

    قال الشارح رحمه الله: [ عن زهير بن محمد أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم، أنهم قالوا ذلك، أي: أنهم جمعوها من القرآن كما روي عن جعفر بن محمد وسفيان وأبي زيد اللغوي والله أعلم.

    هذا ما ذكره العماد ابن كثير في تفسيره، ثم قال: ثم ليعلم أن الأسماء الحسنى ليست منحصرة في تسعة وتسعين، بدليل ما رواه أحمد عن يزيد بن هارون عن فضيل بن مرزوق عن أبي سلمة الجهني عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما أصاب أحد قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك: أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي، إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه فرحاً، فقيل: يا رسول الله! ألا نتعلمها؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها) وقد أخرجه أبو حاتم ابن حبان في صحيحه].

    1.   

    حقيقة الإلحاد في أسماء الله سبحانه وتعالى

    قال الشارح رحمه الله: [وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف:180]، قال: (إلحاد الملحدين: أن دعوا اللات في أسماء الله).

    وقال ابن جريج عن مجاهد : وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف:180]، قال: اشتقوا اللات من الله واشتقوا العزى من العزيز.

    وقال قتادة : يلحدون: يشركون. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (الإلحاد: التكذيب).

    وأصل الإلحاد في كلام العرب: العدول عن القصد، والميل والجور والانحراف، ومنه اللحد في القبر؛ لانحرافه إلى جهة القبلة عن سمت الحفر.

    قال ابن القيم رحمه الله تعالى :

    وحقيقة الإلحاد فيها الميل بالـ إشراك والتعطيل والنكران

    وأسماء الرب تعالى كلها أسماء وأوصاف، تعرف بها تعالى إلى عباده، ودلت على كماله جل وعلا.

    وقال رحمه الله تعالى: فالإلحاد إما بجحدها وإنكارها، وإما بجحد معانيها وتعطيلها، وإما بتحريفها عن الصواب، وإخراجها عن الحق بالتأويلات.

    وإما أن يجعلها أسماء لهذه المخلوقات، كإلحاد أهل الاتحاد، فإنهم جعلوها أسماء هذا الكون، محمودها ومذمومها. حتى قال زعيمهم: هو المسمى بمعنى كل اسم ممدوح عقلاً وشرعاً وعرفاً. وبكل اسم مذموم عقلاً وشرعاً وعرفاً، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. انتهى].

    عقيدة أهل السنة في صفات الله سبحانه

    قال الشارح رحمه الله: [والذي عليه أهل السنة والجماعة قاطبة، متقدمهم ومتأخرهم: إثبات الصفات التي وصف الله بها نفسه، ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، على ما يليق بجلال الله وعظمته، إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل، كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].

    وأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، يحتذى حذوه ومثاله

    وكما أنه يجب العلم بأن لله ذاتاً حقيقة لا تشبه شيئاً من ذوات المخلوقين، فله صفات حقيقة لا تشبه شيئاً من صفات المخلوقين، فمن جحد شيئاً مما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله، أو تأوله على غير ما ظهر من معناه، فهو جهمي، قد اتبع غير سبيل المؤمنين، كما قال تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115]].

    أقسام ما يجري صفة أو خبراً على الرب سبحانه وتعالى

    قال الشارح رحمه الله: [وقال العلامة أيضاً:

    فائدة جليلة: ما يجري صفة أو خبراً على الرب تبارك وتعالى أقسام:

    أحدها: ما يرجع إلى نفس الذات كقولك: ذات وموجود.

    الثاني: ما يرجع إلى صفاته ونعوته: كالعليم، والقدير، والسميع، والبصير.

    الثالث: ما يرجع إلى أفعاله: كالخالق، والرازق.

    الرابع: التنزيه المحض، ولابد من تضمنه ثبوتاً، إذ لا كمال في العدم المحض: كالقدوس، والسلام.

    الخامس -ولم يذكره أكثر الناس-: وهو الاسم الدال على جملة أوصاف عديدة، لا تختص بصفة معينة، بل دال على معان نحو: المجيد، العظيم، الصمد؛ فإن المجيد من اتصف بصفات متعددة من صفات الكمال، ولفظه يدل على هذا، فإنه موضوع للسعة والزيادة والكثرة، فمنه استمجد المرخ والعفار، وأمجد الناقة: علفها، ومنه: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ [البروج:15]، صفة للعرش لسعته وعظمته وشرفه.

    وتأمل كيف جاء هذا الاسم مقترناً بطلب الصلاة من الله على رسوله، كما علمناه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه في مقام طلب المزيد، والتعرض لسعة العطاء، وكثرته ودوامه، فأتى في هذا المطلوب باسم يقتضيه، كما تقول: اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، فهو راجع إلى التوسل إليه بأسمائه وصفاته، وهو من أقرب الوسائل وأحبها إليه، ومنه الحديث الذي في الترمذي: (ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام)، ومنه: (اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام!)، فهذا سؤال له وتوسل إليه بحمده، وأنه لا إله إلا هو المنان، فهو توسل إليه بأسمائه وصفاته، وما أحق ذلك بالإجابة، وأعظمه موقعاً عند المسئول، وهذا باب عظيم من أبواب التوحيد.

    السادس: صفة تحصل من اقتران أحد الاسمين والوصفين بالآخر، وذلك قدر زائد على مفرديهما، نحو: الغني الحميد، الغفور القدير، الحميد المجيد.

    وهكذا عامة الصفات المقترنة والأسماء المزدوجة في القرآن، فإن الغنى صفة كمال، والحمد كذلك، واجتماع الغنى مع الحمد كمال آخر، فله ثناء من غناه، وثناء من حمده، وثناء من اجتماعهما، وكذلك الغفور القدير، والحميد المجيد، والعزيز الحكيم، فتأمله فإنه أشرف المعارف ].

    أولاً: علمنا أن الله جل وعلا سمى نفسه بأسماء موجودة في كتابه جل وعلا، وسماه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، قد يوجد في الأسماء التي جاءت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما ليس في الكتاب، وكذلك الصفات؛ لأن الأصل في الاسم هو الصفة، فالله أمرنا أن ندعوه بأسمائه وصفاته: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]، فالدعوة في الواقع هي: العبادة، بل هي مخ العبادة، كما جاء في الحديث وعرفنا أن معنى الدعاء بالأسماء: أننا نتوسل إليه بأسمائه فنقول: يا غفور! يا رحيم! اغفر لنا وارحمنا، يا تواب! يا كريم! تب علينا، وهكذا.

    وكذلك في الأعمال التي نزاولها، نبدؤها بذكر اسم الله جل وعلا، ويكون ذلك طلباً للاستعانة به وطلباً للبركة، ويكون هذا من باب العبادة، ومن باب الدعاء بأسمائه جل وعلا.

    وكذلك قال الله جل وعلا : وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الأعراف:180]، وهنا بين أن أسماءه حسنى، وعرفنا أن الحسنى: التي لا يلحقها نقص ولا عيب، وتكون كاملة في معانيها، وفيما دلت عليه.

    وحذر من الإلحاد في أسمائه وتوعد الملحدين بقوله: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف:180].

    أنواع الإلحاد في أسماء الله

    فالإلحاد في أسمائه أنواع، ذكر منها عدة أنواع:

    أحدها: أن يسمى بها شيء من المخلوقات، بأن تسمى بعض المخلوقات الناقصة بما يشتق من أسمائه، كما كان يفعل الملحدون من المشركين، فإنهم يسمون بعض آلهتهم: آلهة، أخذاً من التأله، والتأله يجب أن يكون لله؛ لأنه من خصائصه جل وعلا، وكذلك سموا اللات أخذاً من اسم الله، وسموا العزى أخذاً من اسم العزيز، ومناة أخذاً من اسم المنان وهكذا، فهذا إلحاد.

    الثاني: من الإلحاد أن يوصف بما ليس من أوصافه ويسمى بشيء ليس من أسمائه، فإن أسماءه حسنى، فمن سماه بغير أسمائه الحسنى فقد ألحد في أسمائه، وألحد في معاملته، وقد مثلنا لهذا مثلما يقول خبثاء الخلق من اليهود وغيرهم: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ [آل عمران:181]، وقولهم: إن الله تعب حينما خلق السماوات فاستراح، وقولهم: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة:64]، فهذا من الإلحاد في أسمائه وهو من أعظم الإلحاد.

    الثالث: من الإلحاد التأويلات التي تبطل معاني أسماء الله جل وعلا، كأن يجعل معنى اليد: القوة أو القدرة أو النعمة، ويجعل معنى الرحمة: الإحسان وما أشبه ذلك، فإن هذا إلحاد في أسمائه جل وعلا.

    الرابع: من الإلحاد في أسمائه أن يسمى أيضاً بما يتقدس عنه ويتنزه، كتسمية النصارى له: بالأب، والفلاسفة له: بأنه علة موجبة وما أشبه ذلك، فكل ما سمي به مما لم يسم به نفسه، أو سماه به رسوله فهو إلحاد.

    فإذاً يكون معنى الآية: أننا أمرنا بأن نتوسل إليه وندعوه ونعبده بأسمائه، ونقتصر على ما سمى به نفسه، ونفهم معاني الأسماء والصفات، على ما يليق بجلال الله وعظمته، ومن عدل عن ذلك فقد ألحد.

    فإذاً الإلحاد معناه: إما الإشراك، وإما التعطيل والجحود، وإما أن يكون ملحداً إلحاداً كاملاً، بحيث أنه يجحد الله جل وعلا ويجحد حقوقه، كما يوجد في كثير من الناس.

    وأما قوله جل وعلا: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ [الأعراف:180]، فليس معنى ذلك أنهم يتركون، وأن هذا أمر مباح لهم، بل معناه: أنه توعد لهم، يعني: إنني سوف أتولى عذابهم، أي: أن الله جل وعلا هو الذي يتولى عذاب من ألحدوا في أسمائه، ويتولى جزاءهم بما يستحقون.

    1.   

    باب قوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه)

    وجوب إثبات أسماء الله وصفاته

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فيه مسائل: المسألة الأولى: إثبات الأسماء ].

    إثبات الأسماء لابد منه؛ لأن الله جل وعلا تعرف إلى عباده بأسمائه وصفاته، وقل أن تجد آية في القرآن إلا وفيها شيء من أسمائه وصفاته جل وعلا، وجاء ذكرها أكثر من ذكر الأحكام، وأكثر من الأمر بالصلاة، وأكثر من النهي عن الشرك.

    فذكر أسمائه في كتابه كثير جداً؛ لأن الله جل وعلا علام الغيوب، يعلم حاجة الخلق إلى ذلك، فهم لا يتعرفون على ربهم جل وعلا إلا بأسمائه وصفاته؛ لأن الله غيب لا أحد يشاهده، وليس له مثيل فيقاس عليه، تعالى الله وتقدس.

    فإذاً تعالى إلا من ثلاث طرق: آياته التي يحدثها، ومخلوقاته التي تدل على الخالق الموجد؛ لأن كل مخلوق له خالق ولابد، وأسمائه وصفاته.

    والله يتعرف إلى عباده بذلك، فإذاً لابد من إثباتها، وإثباتها يجب أن يكون على ما يليق به، وكما قال الله جل وعلا: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الزمر:67]، يعني: أنه يجب على الخلق أن يقدروا الله ويعظموه ويعرفوا قدر عظمته، وهذا من خلال ما يتعرفون عليه من أسمائه وصفاته.

    فإذاً يكون إثبات الأسماء الذي ينبني عليه معرفة الله جل وعلا هو أصل التوحيد.

    إثبات أن أسماء الله وصفاته حسنى والأمر بدعائه بها

    [ المسألة الثانية: كونها حسنى ].

    الحسنى: هي التي لا يلحقها نقص ولا عيب فهي كاملة تامة.

    [ المسألة الثالثة: الأمر بدعائه بها ].

    والأمر يقتضي الوجوب، يعني: أننا نعبده بها، وعرفنا كيفية دعائه بها، والتوسل إليه بها، وكذلك الاستعانة به في أعمالنا بذكر أسمائه، إذ بذكرها تحصل لنا البركة، فهذا من دعائه ومن عبادته.

    الموقف ممن ألحد في أسماء الله وصفاته وإثبات الوعيد في حقه

    [ الرابعة: ترك من عارض من الجاهلين الملحدين ].

    يعني: الذي يلحد في أسمائه يترك، ومعنى يترك: أن الله يتولى جزاءه ويتولى عقابه، أما إذا كان عنده نوع من الشبه ومن تشكيك الناس فلا يترك، بل يجب أن تبطل شبهته وتبين، ويبين لمن قد يغتر به أنه ملحد.

    [ الخامسة: تفسير الإلحاد فيها

    السادسة: وعيد من ألحد ]

    يعني: أن الله توعده؛ لأن الآية تقتضي ذلك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755902851