أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم.
وها نحن في العقيدة، وألفت النظر وأذكر الناسين وأعلم غير العالمِين: أن العقيدة الإسلامية الصحيحة التي مصدرها الكتاب والسنة متى عرضت عليهما وقعا عليها وأثبتاها.
هذه العقيدة بمنزلة الروح للجسد، صاحبها حي، يسمع ويبصر، يعقل ويفهم، يأخذ ويعطي، يذهب ويجيء، يقوم ويقعد؛ لكمال حياته.
وفاقدها بالمرة ميت، كالجسم الذي فارقته الروح، فلا يسمع نداء الحق ولا يجيب، ولا يعطي في الله ولا يمنع في الله، ولا يذهب ولا يجيء من أجل الله؛ لأنه ميت، والكافرون كلهم أموات؛ لأن روح الحق لا وجود لها عندهم، فهم أحياء لكن حياة الحيوان، بل هم أضل من الحيوان.
ثم العقيدة الإسلامية إذا داخلها زيغ أو نقص وحصل فيها بعض الانحراف فصاحبها غير ميت، ولكنه مريض، يقوى على أن يقول يوماً ويعجز آخر، ويقدر على أن يعطي الآن وغداً يعجز فلا يعطي؛ وذلك لمرضه، فهو مريض، فليعالج نفسه بتصحيح عقيدته بالكتاب والسنة.
هذه العقيدة السليمة الصحيحة مبناها الذي تقوم عليه ستة أركان، ويجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يعرف هذه الأركان الستة، وهي: أولاً: الإيمان بالله. ثانياً: الإيمان بملائكته. ثالثاً: الإيمان بكتبه. رابعاً: الإيمان برسله. خامساً: الإيمان بلقائه. أي: بالبعث الآخر. سادساً: الإيمان بالقضاء والقدر.
وقد درسنا الركن الأول والثاني والثالث والآن الإيمان بالرسل، وهو الركن الرابع.
يقول المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين والمؤمنات: [ يؤمن المسلم ] المسلم الصحيح الإسلام، الحسنه، الذي توفرت فيه آيات الإسلام وعلاماته، أي: المسلم الحق يؤمن [ بأن الله تعالى قد اصطفى من الناس ] ومعنى اصطفى: اختار واجتبى من الناس ومن بني آدم، فقد اجتبى واختار [ رسلاً ] جمع رسول، وهذا اختيار خاص، يصطفيهم اصطفاءً خاصاً من بين الناس [ وأوحى إليهم بشرعه ] الذي شرعه لعباده؛ ليمشوا في ظلاله وأنواره حتى ينتهوا إلى رضوان الله وجواره، ألا وهو الصراط المستقيم [ وعهد إليهم بإبلاغه ] فعهد الله تعالى إلى رسله بأن يبلغوا شرعه إلى الناس [ لقطع حجة الناس عليه يوم القيامة ] أي: من أجل أن لا يحتج الناس على الله يوم القيامة، ويقولون: ما عرفناك، وما عرفنا ما تحب حتى نفعله، ولا ما تكرهه حتى نتركه، فلا تعذبنا، فقطعاً لهذه الحجة يرسل الله الرسل، وينزل الكتب، قطعاً لحجة الناس عليه يوم القيامة [ وأرسلهم بالبينات ] جمع بينة، أي: بالعلامات الدالة على أنهم رسل الله وأنبيائه [ وبالمعجزات ] وهي الخوارق للعادات، كإحياء الميت وإحضار الغيب، وما إلى ذلك [ ابتدأهم بنبيه نوح، وختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ] فاعلم عبد الله! واعلمي أمة الله! أن أول الرسل الذين أرسلوا يحملون الرسالات للخلق أولهم نوح عليه السلام، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، فلم يأت بعد محمد رسول إلى اليوم منذ ألف وأربعمائة وسبعة عشرة سنة، فأول الرسل نوح عليه السلام، وآخرهم وختامهم - وهو المسك- محمد صلى الله عليه وسلم [ وأنهم وإن كانوا بشراً يجري عليهم الكثير من الأعراض البشرية، فيأكلون ويشربون، ويمرضون ويصحون، وينسون ويذكرون، ويموتون ويحيون] ومع هذا الاتفاق مع سائر البشر [ فهم أكمل خلق الله تعالى على الإطلاق، وأفضلهم بلا استثناء. وأنه لا يتم إيمان عبد إلا بالإيمان بهم جميعاً، جملة وتفصيلاً ] فلا يبلغ العبد إيماناً سليماً صحيحاً حتى يؤمن بهم جميعاً، ولا يفرق بينهم، وهذا الذي قلناه من أنه واجب الإيمان بهم جميعاً بدون تفرقة أدلته ما يلي:
هذه الأدلة النقلية الأولى من الكتاب، والثانية من الرسالة والسنة المحمدية.
فمن أجل ألا يقول الناس يوم القيامة: إننا يا ربنا! لم نعرف وجه طاعتك حتى نطيعك، ولم نعرف وجه معصيتك حتى نتجنبها، ولا ظلم اليوم عندك، فلا تعذبنا، فتكون لهم الحجة على الله كانت هذه حالاً اقتضت بعثة الرسل؛ لقطع الحجة على الخلق، قال تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:165] ].
وعرفنا بحمد الله من كلام ربنا أنه أصدر حكمه في هذه القضية، وأقسم عليه بأقسامات وبأيمان، فقال في أيمانه وفي حلفه: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:1-8]. كالذي يقول: والله والله والله والله وربي، تسعة أيمان أو عشرة حلف بها على هذا الحكم، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9]، أي: النفس. وَقَدْ خَابَ [الشمس:10]، أي: خسر، مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:10]، أي: النفس. وهنا لو كان ما أنزل الله من كتاب ولا بعث من رسول لقامت لنا الحجة عليه، ولقلنا: أنت حكمت بحكمك هذا ونحن ما عرفنا كيف نزكي أنفسنا، فأنت لم تعلمنا بماذا نزكيها، ولا بماذا نغسلها ونطهرها، ولم تعرفنا ما الذي يدسيها حتى نتجنبه ونبتعد عنه، والشريعة والشرائع الإلهية كلها تحت هذه الكلمة، فما شرع الله شريعة إلا من أجل تزكية النفس وتطهيرها، وإبعادها عما يخبثها ويدسيها؛ لأن الجنة والنار بعد نهاية هذه الحياة، وكل الناس مصيرهم إما إلى الجنة وإما إلى النار، ولا يوجد حياة أخرى، بل إما في الجنة تعيش وإما في النار والعياذ بالله.
فلنحفظ هذا الحكم الإلهي، ونحدث به نساءنا وأطفالنا وإخواننا، وهو ليس صعباً، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]. وهذا خبر وحكم، والله لا يمكن أن يكذب، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وأعوذ بالله أن يظن في الله ظن السوء. قد أفلح من زكى نفسه، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:10]. سواء كان أبيض أو أسود، ابن نبي أو أباه، أو من أي جنس كان، والعبرة كلها هل زكيت نفسك يا ابن الإسلام! فطابت وطهرت، فترقى السماء وتنزل الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، أو لوثتها وخبثتها فأصبحت منتنة عفنة، فالمصير معروف، جهنم وبئس القرار، والله قد حلف على هذا أعظم أيمان. إذاً: على كل ذي عقل من رجل وامرأة أن يعمل على تزكية نفسه، أي: على تطهيرها وتطيبها؛ لتصبح زكية طاهرة نقية، يقبلها الله في السماء بعد ما يأخذها الملك من جسده، ويعمل جهده ألا تخبث نفسه ولا تتدسى.
والآن لو كنا جادين فهناك بين المستمعين من لا يعرف مواد التزكية ومواد التدسية، فاسأل وقل: يا شيخ! أريد أن أزكي نفسي، فبم أزكيها؟ وسأجيبك، فكونك لا تسأل معناه: أنك في غنى، ولست في حاجة إلى هذا، وأصبحنا كاللاعبين، وبالله الذي لا إله غيره لا تدخل نفس الجنة إلا إذا كانت زكية طاهرة، فكونوا مستعدين لتزكيتها.
واعلموا أن العبادات التي تعبدنا الله بها وشرعها لنا في كتابه وبينها رسوله من كلمة لا إله إلا الله إلى إماطة الأذى عن طريق المسلمين، ومن الحج والعمرة والصدقة والصيام والذكر والدعاء وصلة الرحم وبر الوالدين هذه العبادات كلها ذات تزكية، فلا يعمل العبد عبادة إلا وتأثرت بها نفسه، وطابت وطهرت، على شرط أن تكون العبادة مما شرع الله وبين رسوله، وليست بدعة؛ إذ البدعة لا تنتج أبداً طهراً ولا صفاء.
ثانياً: الذي يدسي النفس ويخبثها ويلوثها معصية الله ورسوله، فالشرك والمعاصي هي التي تحيل النفس إلى نتن وعفن لا تقبل لا في الملكوت الأعلى ولا بين الصالحين، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]. فأمر الله بين أيدينا، فمن عمل على تزكية نفسه ليل نهار حتى مات فهنيئاً له، وقد سعد، وإن أهملها وأقبل على المعاصي والذنوب والآثام وتلوثت نفسه وخبثت فمصيره معروف، الخيبة والخسران. والله تعالى نسأل أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الجماعة الضائعة ينشرون مناشير، يدعون أنهم يدعون فيها إلى الإسلام، وهم يحرفون كلام الله، فهم يقولون في هذا المنشور: ذكر بعض الصالحين - وبعض الصالحين ليسوا رسول الله، فهو الذي يشرع ويقنن-: أن من قرأ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين خمسمائة وواحد وثلاثين مرة، هذا والله إنه ليحتاج إلى الضرب، أقسم بالله أنه يحتاج إلى أن يضرب بالعصا حتى يؤدب، حتى لا يكذب على الله ورسوله، فليس كل أحد يقنن ويشرع، وهذه عبادة تزكي النفس، وهو يحدد لها هذا العدد، وهل الرسول جحد هذا وكتمه عن أمته، وهو يبينه للناس؟ فينبغي أن يؤدب هؤلاء، فيحضرون في المحكمة ويؤدبون، ويسألون: لم تكذبون على الرسول؟ ولم تكذبون على الأمة وتشوشون عليها؟ فعلموها دينها الذي ضاع من بين يديها، وعلموها العبادات التي ألزمها الله بها وطلبها منها، فلماذا تأتون بضلالات وتعلموها؟ هذا والله لصرف الأمة عن الحق، لتمشي في الظلام والضلال. والعياذ بالله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر