وبعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
لا زال الكلام عن معجزاته عليه الصلاة والسلام وشمائله ومناقبه موصولاً.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أبو العالية : حدثني ابن عم نبيكم -وهو ابن عباس رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت ليلة أسري بي موسى آدم طوالاً جعداً)] هنا يذكر أوصاف موسى عليه السلام، وكانت هذه الرؤية رؤية حقيقة، وهي رؤية في اليقظة، فأحد أوصاف موسى أنه كان طويلاً، وقوله: (آدم) يعني: فيه شيء من السمرة.
[(كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى رجلاً مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض -يعني: يميل إلى البياض المشرب بحمرة- سبط الرأس، ورأيت مالكاً خازن النار، ورأيت
[وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني رأيت موسى وعيسى وإبراهيم -أي: ليلة أسري به رأى موسى وعيسى وإبراهيم عليهم السلام- فأما عيسى فأحمر جعد -والجعد بخلاف السبط- عريض البدن، وأما موسى فآدم جسيم سبط كأنه من رجال أزد شنوءة، وأما إبراهيم فإذا أردتم أن تعرفوا شبهه ومثله فانظروا إلى صاحبكم، يعني: نفسه عليه الصلاة والسلام)].
فكان عليه الصلاة والسلام أشبه الناس بإبراهيم عليه السلام، والحديث أخرجه البخاري.
والراجح من أقوال أهل العلم: أنه يتكلم هنا عن رؤيته للمدينة في المنام، ولا مانع أن يكون رآها مصورة على قطعة من قماش أو زجاج أو صخر أو غير ذلك، المهم أنه رأى المدينة ورأى أنها في واد بين لابتين -أي: بين جبلين عظيمين- وفي سفح هذين الجبلين حرتان عظيمان، والحرة: هي الكومة أو الجبل الصغير من حجارة سوداء.
[قالت: (فهاجر من هاجر قِبَل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: لما ذكر لهم هذا الكلام هاجر من هاجر من أصحابه إلى المدينة- ورجع إلى المدينة بعض من هاجر إلى أرض الحبشة -كما فعل
[قالت عائشة : (فبينما نحن جلوس في بيتنا في نحر الظهيرة قال قائل لـ
[قالت: (فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام حين دخل لـ
قال: [حين خرج من مكة مهاجراً إلى المدينة هو وأبو بكر رضي الله عنه، ومولى لـأبي بكر وهو عامر بن فهيرة ، ودليلهم الليثي عبد الله بن الأريقط].
وعلى أية حال هذا كلام سبق به أهل العلم، وقضية الاستعانة بالكافرين هي محل نزاع طويل بين أهل العلم، وقد ذكر هذا الخلاف غير واحد من أهل العلم، وتوسع فيه جداً الإمام الشوكاني ، وكذلك الصنعاني وابن تيمية عليهم جميعاً رحمة الله عز وجل.
أما القائلون بجواز الاستعانة فإنهم يحتجون بهذا الحديث وبغيره من الأدلة التي يفهم منها فهماً بعيداً جواز الاستعانة، وبعضهم يمنع مطلقاً، والبعض يقول: يجوز الاستعانة بالمشرك إذا كان في موطن الذل والصغار، وأنه لا تأثير له على المسلم بعد ذلك، وأن دوره ينتهي بمجرد أداء مهمته، وقيدوا ذلك بشروط طويلة كثيرة، وأظن أن هذا أرجح الأقوال.
فالنبي عليه الصلاة والسلام لما استعان بهذا الرجل استعان به فقط في الدلالة على الطريق، في حين أن جانبه مأمون ولا خوف منه، وأن مهمته تنتهي بانتهاء هجرة النبي عليه السلام أو معرفته للطريق.
فقد أتى النبي عليه الصلاة والسلام رجل مشرك يريد أن يحارب معه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (ارجع. فإنا لا نستعين بمشرك)؛ لأن الدلالة على الطريق بخلاف المشاركة في الغزو والجهاد، فقد أراد هذا المشرك أن يشارك في الغزو والقتال، فرده عليه الصلاة والسلام، فكيف يؤذن لهؤلاء القوم بدخول أرض الجزيرة التي أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه لا يجتمع بالمدينة -أي: بالجزيرة- أهل دينين ولا يجتمع فيها أهل ملتين سواء، فهؤلاء إنما حرصوا كل الحرص من أول الأمر على أن يكون لهم وجود بعد أن فشلوا سنوات طويلة في عهد سعود ومن بعده فيصل ومن بعد فيصل خالد ، ولكنهم نجحوا في هذا العهد، وهذه قصة معلومة وأمر مدروس بين هؤلاء القوم وبين العميل الكبير صدام حسين ، فهؤلاء القوم دخلوا هذه البلاد للسيطرة الكاملة على حقول البترول أولاً، ثم لاعتقادهم أن أرض الجزيرة تئول إليهم في آخر الزمان وقبل نزول المسيح عليه السلام. هكذا معتقدهم.
ولذلك تنبه لذلك كثير من أهل العلم، فقال الشيخ الألباني عليه رحمة الله: إن هؤلاء إنما أتوا لاسترداد خيبر، والعجيب أن هذا الكلام يردده هؤلاء الآن في أرض الجزيرة، يقولون: لا نخرج منها وقد دخلناها إلا بعد أن نسترد خيبر كما سلبت منا، وهذا كلام تنبه له الشيخ الألباني وغيره من أهل العلم، وكان هذا فيضاً من فيوضات الرحمن تبارك وتعالى على أهل العلم، فهؤلاء لهم مطامع عظيمة جداً، وهم اليهود والنصارى، فقد كانت مطامعهم من قبل من النيل إلى الفرات، ولكن الآن مطامعهم أن يكون العالم كله تحت سيطرتهم وتحت أمرهم.
الأمر الثاني: أن غالب البترول في أمريكا الذي كانوا يحتضنونه منذ خمسين عاماً تحت الأرض أوشك على النفاد، فلابد من بترول وإلا ستضيع أمريكا وستضيع سيطرة أمريكا والنظام العالمي الموحد، فإنها من جهة أرادت أن تحقق مكسباً اعتقادياً بسيطرتها على الأرض، والأمر الثاني: أرادت أن تبقى السيطرة والزعامة هناك، ولا تبقى هذه السيطرة ولا تلك الزعامة إلا ببقاء مسوغات الحياة بوجود البترول فيها.
[قال: (ثم أراضوا -يعني: استراحوا شيئاً من الزمان يسيراً- ثم حلب حلبة ثانية ثم غادره عندها، ثم بايعها وارتحلوا عنها)] (ثم بايعها) أي: أسلمت على يديه عليه الصلاة والسلام لما رأت من معجزاته في شاتها، ومن مزيد رحمته عليه الصلاة والسلام أنه حلب حلبة ثانية وجعلها خاصة بصاحبة الشاة، وهي أم معبد رضي الله عنها، قال: [(فقلما لبثت -أي: لبثت هذه المرأة وقتاً يسيراً- حتى جاء زوجها
قال: [(فلما رأى
إن وصفه عليه الصلاة والسلام عجيب جداً، ومن أراد أن يتعرف على شمائله ومناقبه وخلقته عليه الصلاة والسلام وخُلُقه فلينظر في كتاب الشمائل للإمام الترمذي ، فموضوع الكتاب من أوله إلى آخره هو بيان حاله ووصفه عليه الصلاة والسلام.
قالت المرأة: [(وله رفقاء -يعني: أصحاب- يحفون به -أي: يحوطونه من كل جانب-، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر بادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفند)] محفود أي: مسارع في خدمته، محشود عنده حشد من الناس يحفون به من كل جانب لخدمته، (لا عابس ولا مفند)، يعني: لا يتكلم بكلام فيه عبس، ولا أصابه الخرف ولا أصابه شيء في عقله.
[قال أبو معبد: (هذا والله صاحب قريش) هذا الرجل الذي كنا نسمع عنه، وإنه نبي آخر الزمان وإنه من قريش؛ الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، قال: (ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلاً، فأصبح صوت بمكة عالياً يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه. يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين قالا خيمتي أم معبد
قالا بمعنى: أنهما بقيا في خيمة أم معبد وقت القيلولة:
هما نزلاها في هدى واهتدت به فقد ساد من أمسى رفيق محمد
فيا آل قصي ما زوى الله عنكم به من فعال لا يجازى وسؤدد
ليهن بني كعب مقام فتاتهم ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حايل فتحلبت عليه بصريح ضرة الشاة مزبد
فغادره رهناً لديها لحالب يرددها في مصدر ثم مورد]
أي: ترك لها الحلوب الثاني لديها رهناً
[ليهن أبا بكر سعادة جده بصحبته من يسعد الله يسعد]
.. إلى آخر هذه الأبيات.
ومعنى جوامع الكلم: الكلام القليل المبنى الكثير المعنى، آية تتكون من كلمتين أو ثلاث كلمات، أو حديث يتكون من كلمتين أو ثلاث كلمات، فإذا به قاعدة عظيمة تصلح لفض المنازعات والخصومات إلى قيام الساعة.
فمثلاً: قوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى).. إلى آخر حديث عمر رضي الله عنه، هذا كلام عظيم يضبط مسائل النيات الصالحة وغير الصالحة، ويرتب الثواب والعقاب عليها، ويرتب الصلاح والفساد عليها، وغير ذلك إلى قيام الساعة في أعمال العباد، فإذا أردت أن تحتج على صحة العمل أو فساده أو على الثواب والعقاب فإنما حجتك هذا الحديث: (إنما الأعمال بالنيات)، حتى صار هذا الحديث مثلاً دارجاً على ألسنة العوام.
مثال آخر: قوله عليه الصلاة والسلام في عالم القضاء: (البينة على المدعي واليمين على من أنكر)، هذه قاعدة في القضاء تصلح لفض النزاع إلى قيام الساعة، فالقاضي لا يأمر المدعى عليه باليمين إلا إذا عجز المدعي عن إتيانه بالبينة، والمطلوب من المدعي أن يبرز البينة ولا يمين عليه. هذه قاعدة عامة، وأنتم تعلمون أن بعض أهل العلم كـابن رجب الحنبلي والإمام النووي وغيرهم من أهل العلم اعتنوا عناية فائقة بكلامه عليه الصلاة والسلام، فكل كلامه يصلح أن يكون قاعدة تضبط أمراً من الأمور إلى قيام الساعة.
فجمع الإمام النووي عليه رحمة الله ما ظن أنه من جوامع الكلم، فبلغ أربعين أو أربعين ونيفاً، ثم جاء من بعده ابن رجب الحنبلي وزاد عليه عشرة من الأحاديث وهي المعروفة بجامع العلوم والحكم، فهذه الأحاديث كلها من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام، كلام قليل المبنى كثير المعنى يصلح أن يكون قواعد ثابتة راسخة إلى قيام الساعة.
فالنبي عليه الصلاة والسلام بعث إلى الناس عامة، إلى الأحمر والأسود والأبيض، إلى العجم وإلى العرب، إلى الإنس وإلى الجن كذلك، فالجن مكلفون كتكليف البشر سواء بسواء، بالإيمان بالنبي عليه الصلاة والسلام، والعمل بأوامره على مقتضى أصل خلقتهم وما يتفق مع خلقتهم، فالنبي عليه الصلاة والسلام من مناقبه وشمائله أنه بعث إلى الناس عامة، وكان النبي من قبله يبعث إلى الناس خاصة.
وأما الغنائم في شرع نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فهي حلال له ولنا، لقوله: (وأحلت لي الغنائم ولم تحل لنبي قبلي).
أما اليهود والنصارى فإن جميع الأرض عندهم نجسة إلا ما تيقنوا طهارته، وهي البيع والكنائس.
فانظروا إلى الفرق بين هذه الأمة والأمم السابقة، إنه لفرق عجيب جداً، ولذلك وضع الله تبارك وتعالى الإصر والأغلال التي افترضها على الأمم السابقة عنا ورحمنا فيها، فجعل لنا الأرض كلها طاهرة إلا ما تيقنا نجاسته، وجعل لأهل الكتاب الأرض كلها نجسة إلا البيع والكنائس، فصلاة الواحد منهم لا تصح إلا في البيع والكنائس، وهذا الشيء بكامله كان قبل مبعث النبي عليه الصلاة والسلام، أما بعد البعثة فلا صلاة له؛ لأنه بمجرد البعثة إن لم يؤمن فهو كافر، فلا صلاة له ولا طاعة له مقبولة.
يعني: وأنتم تقوم في الصلاة اعلم أن هذا فيه وجه شبه بصفة الملائكة في صفها عند ربها.
قال: (ومثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى قصراً فأجمله -يعني: زينه وأحسنه- إلا موضع لبنة، فطاف الناس بالقصر فعجبوا لبنيانه وقالوا: ما أحسن هذا القصر لو تمت هذه اللبنة، قال: فأنا تلك اللبنة)]، يعني: هو المتمم لرسالة الأنبياء من قبله والخاتم لها، بل هو الناسخ لما تقدمه من رسالات ونبوات.
[وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فضلت بخصال ست لا أقولهن فخراً)]؛ لأننا مطالبون أن نؤمن بجميع الأنبياء وألا نفضل بين الأنبياء؛ ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقولوا أنا خير من يونس بن متى)، ويونس بن متى نبي من الأنبياء، والمعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام هو خير الخلق قاطبة، وهذا أمر قد أجمعت عليه الأمة وقد وردت به الأدلة، والنبي عليه الصلاة والسلام نفسه قال: (أنا خير ولد آدم ولا فخر)، والمعلوم أن يونس بن متى من ولد آدم، والله تعالى يقول في أمره لنا بالإيمان بالرسل: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة:285]، أي: لا نفرق بين أحد من رسله في مبدأ الإيمان، فنحن كما نؤمن بمحمد نؤمن بعيسى وموسى وجميع الأنبياء المذكورين في القرآن والسنة وغير المذكورين إجمالاً، نؤمن بأن الله تعالى أرسل قبل نبينا أنبياء ورسلاً وأنزل معهم الكتب، وكانوا هداة مهديين بهداية ربهم تبارك وتعالى، نؤمن بهم جميعاً إجمالاً، ونؤمن بنبينا إجمالاً وتفصيلاً، فإيماننا بالنبي عليه الصلاة والسلام كنفس إيماننا بموسى وعيسى من جهة أنه نبي أرسله الله عز وجل، وأنزل معه الكتب، وأمره أن ينزل في بني إسرائيل أو في قوم كذا وكذا.
فالأمر الذي ورد في النصوص في عدم التفريق بين الأنبياء هو أمر بعدم التفرقة في مبدأ الإيمان بالأنبياء، أما النصوص الواردة بأن النبي عليه الصلاة والسلام هو خير الخلق وهو خير الأنبياء وفضل على الأنبياء فهذا أمر معلوم، وإنما هي خصائص خصه الله تبارك وتعالى بها.
قال: [عن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فضلت بخصال ست لا أقولهن فخراً)]؛ لأنه من أشد الناس تواضعاً عليه الصلاة والسلام. قال: [(لم يعطهن أحد كان قبلي، قال: غفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر)]، وأنتم تعلمون حديث الشفاعة الطويل الذي فيه: أن الناس هرعوا في الموقف إلى آدم فذكر خطيئته، ثم إلى إبراهيم فذكر خطيئته، ثم إلى موسى فذكر خطيئته، ثم إلى عيسى.. حتى أتوا إلى محمد عليه الصلاة والسلام، فقال: (أنا لها أنا لها، فذهب فخر تحت العرش ساجداً حتى دعاه ربه بقوله: اشفع تشفع وسل تعطه) صلى الله على نبينا محمد.
قال: [(وجعلت لي الأرض مساجد وطهوراً، وأعطيت الكوثر، ونصرت بالرعب، والذي نفسي بيده إن صاحبكم -أي: أنا- لصاحب لواء الحمد يوم القيامة غير فخر، تحته آدم ومن دونه)]، يعني: لواء الحمد يحمله النبي عليه الصلاة والسلام، وتحت لواء الحمد جميع الأنبياء والمرسلين بما فيهم آدم، والمعلوم أن آدم هو أول نبي، وأما أول رسول فهو نوح عليه السلام.
[وعن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فضلنا على الناس بثلاث -أي: نحن المؤمنين المسلمين- جعلت لنا الأرض كلها مسجداً وجعلت ترابها لنا طهوراً، وجعل صفوفنا كصفوف الملائكة، وأوتينا الآيات الأخر من سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعط أحد قبلي، ولا يعطى أحد منه بعدي)] أي: من أول قوله: آمَنَ الرَّسُولُ [البقرة:285].. إلى آخر سورة البقرة.
فهذه الآيات من سورة البقرة نزل بها جبريل مرة، وأعطيها النبي عليه الصلاة والسلام من كنز تحت العرش في رحلة معراجه إلى السماء.
[وكان علي بن أبي طالب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء، قلنا: ما هو يا رسول الله؟ قال: نصرت بالرعب، وأعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد، وجعلت لي الأرض طهوراً، وجعلت أمتي خير الأمم)].
فالأمة لها خصائص تخصها دون بقية الأمم، ونبي الأمة صلى الله عليه وسلم له خصائص تخصه دون بقية الأنبياء.
[وعن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت خمساً لم يؤتهن نبي قبلي: أرسلت إلى الأبيض والأسود والأحمر، -وهذا يدل على عموم الرسالة- وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت جوامع الكل) يعني: القرآن.
وعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت خمساً لم يؤتهن نبي قبلي: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، أو قال: جعلت لي كل أرض طيبة طهوراً ومسجداً، -يعني: صالحة للتيمم بصعيدها والصلاة فيها- فقيل لـ
والفيء يقال للغنائم التي حيزت بغير قتال، فالفيء يختلف عن الغنيمة، وهي: ما تركه العدو، فما تركه العدو في القتال فهو غنيمة، وإذا تركه بغير قتال فهو فيء.
قال: [(وأطعمت أمتي الفيء -يعني: أحلت لي الغنائم- ولم يطعمه نبي أمته قبلي، وأعطيت الشفاعة، وهي نائلة من مات لا يشرك بالله شيئاً)]، يعني: هي مصيبة من مات لا يشرك بالله شيئاً، فالشفاعة لا تشمل من مات على الشرك والكفر، فإنه لا شفاعة له، إنما الشفاعة لأصحاب الكبائر والذنوب والمعاصي من أمة النبي عليه الصلاة والسلام، أما من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار واستقر بها.
[وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما-: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك قام من الليل فصلى، فاجتمع وراءه قوم من أصحابه يحرسونه، حتى إذا صلى وانصرف، قال لهم: لقد أعطاني الله الليلة خمساً ما أعطاهن أحداً قبلي: أما أنا فأرسلت إلى الناس عامة، وكان من قبلي إنما يرسل إلى قومه خاصة، ونصرت على العدو بالرعب، ولو كان بيني وبينه مسيرة شهر لملئ مني رعباً، وأحلت لي الغنائم كلها، وكان من قبلي يعظمون أكلها، -يعني: يعتبرونها من الذنوب العظيمة- وكانوا يحرقونها، وجعلت لي الأرض مساجد وطهوراً، وأينما أدركتني الصلاة تمسحت -أي: تيممت- وصليت، وكان من قبلي إنما كانوا يصلون إلى كنائسهم وبيعهم، والخامسة: هي وما هي؟ -يعني: الخامسة هي أحسن شيء- هي وما هي؟ قيل لي: سل. فإن كل نبي قد سأل، فأخرت مسألتي إلى يوم القيامة)]، ألا وهي الشفاعة التي ينكرها مصطفى محمود وغيره.
قال: [(قيل لي: سل. فإن كل نبي قد سأل، فأخرت مسألتي إلى يوم القيامة، فهي لكم ولكل من يشهد أن لا إله إلا الله).
وفي الباب عن أبي موسى وأبي سعيد الخدري وأبي أمامة وأنس بن مالك وعوف بن مالك وابن عباس وابن عمر وغيرهم في مناقبه وشمائله عليه الصلاة والسلام.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من تشق عنه الأرض، وأول شافع وأول مشفع)] صلى الله عليه وسلم.
قوله: (أنا سيد ولد آدم)، يعني: هو صاحب السؤدد والرياسة، وصاحب الفضل وصاحب الخير، وهو أحسن ولد آدم عليه الصلاة والسلام يوم القيامة، (وأول من تشق عنه الأرض)، يعني: أول من يبعث من قبره هو النبي عليه الصلاة والسلام قبل جميع الأنبياء والمرسلين وقبل جميع الخلق، وهو أول شافع، يعني: كل من يذهب إليه الناس لكي يشفع يذكر ما كان منه فيعتذر حتى يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (أنا لها أنا لها)، وهذا الحديث عند الإمام مسلم .
[وعن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر)]، يعني: لا يفتخر بذلك من فرط تواضعه عليه الصلاة والسلام، وإنما يذكر هذا من باب التقرير والعلم، يقول: [(أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر، ولواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر).
وعن عبد الله بن سلام قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع ومشفع؛ لواء الحمد بيدي، تحتي آدم فمن دونه)]، يعني: جميع الناس بما فيهم آدم كلهم تحت لواء النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا محمول على أهل الإيمان والإسلام.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الحديث القدسي: (عبدي لا تخف من ذي سلطان مادام سلطاني لا يزول).. إلى آخر الحديث؟
الجواب: هذا حديث غير صحيح.
السؤال: حديث صلاة الحاجة؟
الجواب: حديث صلاة الحاجة قد أنكره بعض أهل العلم، ولكنه حديث صحيح، والراجح من أقوال المحدثين: أن من كان في حاجة أو عرضت له حاجة فليركع ركعتين، ثم ليدع الله عز وجل.
السؤال: وحديث: (من تعار من الليل- أي: من قام واستيقظ من نومه في الليل- فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له).. إلى آخر الحديث: (ثم توضأ فصلى ركعتين ودعا الله ما رد الله دعاءه)، يعني: الذي يفعل هذا وله حاجة فإنها مقضية بإذن الله تعالى؟
الجواب: هناك شواهد كثيرة جداً للحديث الأول التي تدل على ما يسمى في الشرع بصلاة الحاجة.
الجواب: لا، ليس منه، يدل على ذلك سبب ورود الحديث، كما يدل عليه لغة العرب، فسبب ورود الحديث أن بعيراً ضل، فناداه صاحبه في المسجد، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا رأيتم الرجل ينشد الضالة في المسجد فقولوا: لا ردها الله عليك)، يقول أهل العلم والشراح من المحدثين وأهل اللغة: الضالة تطلق على ذوات الأربع فقط، وما دون ذلك يجوز النداء عنه في المسجد وفي غيره.
الجواب: النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن العزاء ابتداء، ويقول سعيد بن المسيب : كنا نعد الاجتماع للعزاء من النياحة، فالأفضل عندما يموت شخص أن نخبر الأهل والجيران والخلان والأصحاب؛ وكل واحد يخبر الآخر بالهاتف، وكل واحد يخبر الآخر عن طريق الزيارة أو المسارعة في نشر الخبر أو غير ذلك، أو بدعوة الناس في المسجد إلى أن يحضروا الجنازة غداً في المكان الفلاني، وقد مات كثير من أهل العلم في الأيام الأخيرة، وهذه من علامات الساعة، وكان آخر من مات من الفضلاء الشيخ سيد سابق رحمه الله، فذهبنا وصلينا في الشارع وانسدت الطرق بواسطة الهواتف التي اتصل بها طوال الليل فقط، ولم يحصل أكثر من ذلك، لا عزاء ولا نداء ولا شيء من هذا القبيل، فليس بلازم أن تستخدم ميكرفون المسجد أو تدور بطبلة في البلد، أو بميكرفون سيارة نقل وغير ذلك، فلا يجوز هذا.
الجواب: على أية حال النزيف لا يفسد الوضوء، وجاء عن غير واحد من السلف أن النزيف منه الغسل، يعني: الذي يلزمه غسل موضع الدم فقط، كما جاء عن ابن عمر وجابر وابن سيرين والحسن البصري وغيرهم: النزيف منه الغسل، أما الحديث الوارد عند ابن ماجة : (أن الرعاف يفسد الوضوء)، فهو حديث ضعيف.
الجواب: البيع: اسم معابد اليهود، كما أن الكنائس اسم معابد النصارى، كما أن المساجد اسم معابد المسلمين.
الجواب: الدعاء يكون في آخر ركعة بعد القيام من الركوع، والدعاء في غير الوتر يكون قبل الركوع من آخر ركعة.
الجواب: على أية حال هذه الرسالة تشير إلى توبة صاحبها، فهنيئاً له أنه يتقلب بالليل والنهار ألماً، فهذا يدل على صدق التوبة والأوبة والرجوع إلى الله عز وجل، ولكن سؤال السائل ينقسم إلى عدة أمور:
الأمر الأول: أنه وقع في الفحشاء، والواضح من قراءة الرسالة بتمامها أنه وقع في الزنا، فإن تكرر منه هذا فإجماع أهل العلم أن كل زنا يحتاج إلى كفارة، ولا تجزئ كل كفارة واحدة لمجموعة من الوقائع أو الفحشاء، فعلى الأخ أن يتقرب إلى الله عز وجل في صدق توبته بأن يصوم شهرين متتابعين ومعها يوم إذا كان ذلك في رمضان لكل وقعة فاحشة وقع فيها بغير اتصال، وإذا كنت تتلذذ بهذه المعصية فاعلم أنك لو داومت على الصيام فإنك تستمرئ صوم الدهر كله.
وكثير من السلف كانوا يقولون: لقد عانينا قيام الليل عاماً حتى صار سجية، وقد سأل غير واحد من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يقدرون على سرد الصوم، فأذن لبعضهم ولم يأذن للبعض الآخر، فكل هذه النصوص هي بشرى لك بأنك إذا ألفت أن تصوم هذه الكفارات فستكون في نهاية الأمر سجية لك، وما الذي يمنعك أن تصوم عاماً أو عامين أو ثلاثة، كفارات لهذه الفواحش التي وقعت فيها؟
الأمر الثاني: أن صحبة هذا الرجل كلها صحبة فساد كما هو واضح من سؤاله، وأنتم تعلمون أن من عوامل نجاح التوبة التخلص من أصحاب السوء، ولا أدل على ذلك من هذا الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً ثم ختمها بالراهب فأتم المائة؛ فأمر به أن يرحل عن بلده؛ لأن بها قوماً سوءاً، إلى أرض أناس صالحين يعينونه على طاعة الله عز وجل، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل).
ويقول الحسن البصري : صديقك من صادقك -أي: من نصحك- لا من صدقك، صديقك من صادقك، أي: من نصحك وأخذ على يديك وأرجعك إلى الصواب، لا من صدقك في كل ما تقول من خير وشر، فإن هذا ليس بصاحب.
وأنصح هذا الأخ السائل أن يحرص على طلب العلم فإنه النجاة كل النجاة، وما أوقعه فيما وقع فيه إلا الجهل كما يقول، وهو صادق إن شاء الله في زعمه أنه لم يكن يعرف أن هذا حرام أو لا يعرف عقوبة هذا الفعل، غير أنه يعلم بفطرته أن هذا الفعل قبيح، بل إن لفظة قبيح تعتبر قولاً رقيقاً بالنسبة لهذه المسائل، فهذا وقوع في الفاحشة.
فعلى أية حال لو فرضنا صدقه -والأصل فيه الصدق- فيجب عليه أن يتخلص من صحبته تماماً، وأن يقبل على الله تبارك وتعالى، ولا يجد أحسن من طلب العلم؛ ففيه النجاة كل النجاة، ويتخلص من الصحبة السيئة، ولا ينام وحده حتى لا يفكر في مقدمات هذه المعصية مرة أخرى، وألا يغلبه الشيطان في وحدته، ولا أدل على ذلك من قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يسافر الرجل وحده ولا يبيتن وحده)؛ وذلك لتسلط الشيطان وغلبته على هذا الوحيد الشريف، ويقول عليه الصلاة والسلام: (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)، فربما حدثتك نفسك بالوقوع في المعصية، ولكنك لعلمك أن فلاناً أو فلاناً ينظر إليك تكف عن هذه المعصية؛ ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (استحيوا من الله على قدر حيائكم من رجلين صالحين من قومكم)، فتصور لو أنك أردت أن تنظر إلى امرأة أجنبية جميلة تمر في الشارع، ولكن معك رجل من صالحي قومك، هل تجرؤ أن تنظر إليها؟! فاستحي من الله عز وجل استحياءك من هذا الرجل الصالح.
أما ما ذكره من صلة الرحم أو من أمر والديه وأنهم يمنعونه من طلب العلم، فعلى أية حال هذا أمر يتعلق بأخلاقك أنت في بيتك، فلو أنهم رأوا آثار هذا العلم في عقيدتك وفي خلقك ومسلكك لا أظن أن الوالد يكره ذلك، ولا أظن أن الأم تكره ذلك، فلو أنك أحسنت خلقك معهما أو مع أهلك وأقاربك وجيرانك، فأظن أنهم جميعاً يدفعونك إلى طلب العلم؛ لأنهم هم الذين يجنون ثمرة هذا العلم، أما وأن تطلب العلم شرقاً وغرباً وتذهب إلى الشيخ الفلاني والمسجد الفلاني وأخلاقك على ما هي عليه؛ بأنك حاد الخلق سيئ الطبع صعب المراس.. وغير ذلك، فإنهم لا يرون ثمرة في هذا، فأولى بك أن تذهب فتعمل لتدر عليهم المال، خاصة إذا كانوا فقراء، وإذا كانوا جميعاً فقراء وعيالتهم واجبة في حقك فلا بأس أن تعمل لتعولهم وتكفلهم وتستغني عن الحضور في مجالس العلم بسماع الأشرطة من هنا أو هناك، إما شراء أو استعارة أو غير ذلك.
ووسائل وسبل طلب العلم كثيرة جداً، الشريط والكتاب والكتيب ومجلس العلم ولقاء الإخوان وحضور المجالس وغير ذلك، أما أن تقف عند قولك: إما أن أرضيه بألا أذهب إلى المساجد وإما أن أرضي نفسي، فأظن أن هذا حل ممن لم يكن عنده بعد نظر.
وما المانع أن تخبرهم بأنك لن تطلب العلم، بمعنى: أنك تقنعهم بذلك، بحيث إنهم إذا اشترطوا عليك ألا تذهب إلى مساجد أهل السنة قل لهم: طيب حاضر، ثم تأتي بدون علمهم وتطلب العلم، وحتى إذا اختاروا لك الجليس بأن قالوا: لا تصاحب فلاناً وصاحب فلاناً قل لهم: حاضر طيب، وقل لهم: سأذهب إلى صاحبي فلان الذي قد اختاروه لك، ورتب مع الآخر بأن تأتيا الاثنان إلى المسجد، فإذا سألوك: أين كنت؟ فقل: كنت مع فلان، وبذلك يطمئنون بأنك لم تذهب إلى مساجد أهل العلم، واعلم أنهم لا يكرهون أن تطلب العلم، إنما هم يخافون من فرط شفقتهم عليك، لا يكره طلب العلم إلا إنسان قد انتكست فطرته، فلا أحد يكره النور والهدي النبوي والنور الإلهي إلا إنساناً انتكست فطرته وانعكست، وما أظن أن ذلك ينطبق على سؤال السائل، أو على معظم أسئلة الإخوة، الذين يقولون: إن أبي يمنعني من مساجد أهل السنة، إن أباك محق؛ لأنه يخاف عليك، فأنت لابد أن تقدر شعورهم، فكذلك عندما تكون أباً ويكون عندك ولد وتخاف عليه ستقول: فعلاً إنه كان محقاً، فلابد أن تحسن الظن بوالديك، وإذا كان الأصل في عموم المسلمين حسن الظن، فمن باب أولى أن تحسن الظن بوالديك، وأنهما يحرصان عليك كل الحرص، ويخافان عليك كل الخوف، وعندهما حق، فقل لهما: هذه مساجد سنية لن أذهب، وفي حقيقة أمرك لست مقاطعاً لهذا، فأنت بهذا قد حزت الخيرين، حزت رضا الوالدين وأدخلت عليهما الطمأنينة، وأزلت عنهما الخوف، وفي نفس التوقيت حضرت مجلس العلم، خاصة إذا كان من العلوم الواجبة التي لا يسعك جهلها.
أما نافلة العلم فاسمع كلامهما ولا تذهب، وهذا الجواب هو جواب شيخنا صفوت نور الدين في هذا المسجد، لما سئل هذا السؤال قال: إذا كان واجباً لا يسعك جهله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأما إذا كان من نافلة القول والعلم فقولهما وأمرهما مقدم على حضور هذه المجالس.
الجواب: إذا كنت وقعت في عرضه بالغيبة والنميمة فلا بأس أن تذهب إليه وتستسمحه، وإذا كان يحدث من ذلك مفسدة عظيمة فقم الليل دعاء له واستغفاراً له، وإن كنت ذا مال فتصدق عنه، يعني: ابذل له كما بذلت عليه.
الجواب: المسألة محل نزاع، لكن الذي يترجح لدي أن التحريك زيادة من زائدة بن قدامة ، وإن كانت هذه اللفظة قد جاءت في صحيح مسلم ، فالحافظ ابن حجر غمزها في تلخيص الحبير، والإمام البيهقي في كتابه السنن غمزها وقال: هذه اللفظة إما أنها شاذة، وإما أن يحمل التحريك على الإشارة، وسئل أحمد بن حنبل : ماذا نعمل في التشهد؟ قال: تنصب السبابة بشدة. قيل له: أنحركها؟ قال: لا، فمن أقوال أهل العلم الذي يترجح لدي: أنك تشير بالسبابة دون أن تحركها خفضاً ورفعاً، والله تعالى أعلم، وعلى أية حال، هذه من المسائل المختلف فيها، والخلاف فيها أمره هين.
الجواب: على أية حال يا أخي! لابد أن تعلم أن النار حفت بالشهوات، وأن الجنة حفت بالمكاره، فمن الشهوات الاستمناء، والاستمناء حرام، وهذا الراجح من أقوال أهل العلم، وأقوال أهل العلم في الاستمناء ثلاثة: منهم من قال بالجواز، ومنهم من قال: بالحرمة مطلقاً، ومنهم من فصل فقال: لا يكون الاستمناء مأذوناً فيه أو مباحاً إلا في حال حرب أو سفر أو غياب الرجل عن امرأته، وخوفه أن يقع في الفتنة، يعني: لو أن امرأة جميلة عرضت عليك، فإما أن تزني وإما أن تستمني، ولا خيار ثالث في هذه القضية، فأيهما أولى؟ الاستمناء بغير تردد، فكلاهما ضرر، وكلاهما حرام، لكن ليست حرمة الاستمناء كحرمة الزنا الصريح، فارتكاب أخف الضررين أولى من ارتكاب الضرر الأكبر.
والإمام الشافعي عليه رحمة الله احتج على حرمة الاستمناء بقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5-7]، فأنت لست مأذوناً إلا مع امرأتك الحرة أو مع إمائك، فمن ابتغى بعد ذلك استمتاعاً مع غير الأمة والمرأة الحرة فإنه يكون متعدياً، حده: فَمَنِ ابْتَغَى أي: فمن أراد بعد الحرة والأمة فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ والعدوان هنا يفيد الحرمة في مقابلة حل الزوجة والأمة، فعلى جهة المقابلة يكون حراماً.
الجواب: على أية حال أظن أن بلادنا -والحمد لله- فيها من التقدم التكنولوجي وفي عالم الكمبيوتر وغيره الشيء الذي يغنينا ويسد الحاجة، لكن إذا أردت أن تذهب هناك كرحلة علمية فأهلاً وسهلاً بشرط أن تصحب معك امرأتك، أو ألا تغيب عنها أكثر من أربعة أشهر لحاجتك إليها وحاجتها إليك، فإن عمر وابنته حفصة رضي الله عنهما قد حددا أقصى مدة يمكن أن تحتملها المرأة في غياب زوجها، وهي أربعة أشهر؛ ولذلك كان عمر رضي الله عنه يقسم الجيش أقساماً فلا يزيد قسم عن أربعة أشهر حتى يأذن لهم بالرجوع إلى زوجاتهم في المدينة، لكن لابد أن تعلم أن الذهاب إلى بلاد الكفر عموماً أمر منكر في الشرع، والنبي عليه الصلاة والسلام كما جاء في سنن أبي داود قال: (أنا بريء ممن أقام بين ظهراني المشركين)، فهذا الحديث فيه ترهيب ووعيد شديد لمن يذهب إلى هناك بغير حاجة ولا ضرورة ولا مصلحة شرعية، إن الدعاة يذهبون هناك من أجل الدعوة، وهذا أمر قد كلفنا الله عز وجل به، أما أن تذهب إلى هناك لترى المومسات فهذا هو الإجرام، كما أنك حين تذهب إلى هناك، يحصل لك تمييع لعقيدتك، فالأرض غالباً تلعب مع أصحابها، فالأرض هناك تلعب مع الكفر، وإنك إذا نظرت فوق وتحت وفي جميع الجوانب لا تجد إلا كفراً بواحاً، وعندما تذهب إلى هناك ستجد صعوبة في كل شيء، ولو أردت أن تكون متمسكاً بدينك فإنك تجد صعوبة في ذلك.
وأذكر أنني لما ذهبت إلى هناك قلت لهم: إنني مقاطع للحم الذي في هذا البلد نهائياً، فمعذرة أريد سمكاً، فقالوا لي: إنهم يشوونه بشحم الخنزير، وما قيل لي هذا الكلام إلا بعد أن أكلت سمكاً حتى شبعت، وعندما سافرت إلى منطقة اسمها (بورتلاند) في غرب أمريكا أحضروا لي لحماً، فقلت لهم: الأصل في لحوم هذه البلاد التحري، فقالوا: يا شيخ! إننا ذبحنا هذا في إحدى رحلات الصيد، فقلت: إذن لا مشكلة نأكله، فلابد في كل مرة أن تسأل وتتحرى، فقلت: ألا تخلصوننا من هذا القلق وتعطونا سمكاً ويكفي، فقالوا: من أين نأتي لك بسمك، فإنه من الممنوع أن نشوي في البيوت.
وفي المقابل المركز الذي نزلت فيه قلت للطباخ: بالله عليك أتقلي السمك في شحم خنزير أو في زيت؟ قال لي: الذي يريد في زيت أقلي له في زيت، والذي يريد في شحم أقلي له في شحم. فقلت: السمك الذي وصلني وأنا في المركب أستحلفك بالله بماذا قليته؟ قال لي: والله مرة هكذا ومرة هكذا! فدعوت عليه، لأنه من المفروض حتى وإن قيل له: أنا أريد سمكاً بشحم خنزير أن يقول: لا، وينكر عليه، فضلاً عن أنه لا يحل لك أن تستخدم شحم الخنزير في محلك أبداً، وغضبت غضباً شديداً، ونهرت هذا الأخ، مع أن كان يصلي معنا كل فرض، وكان أحياناً يذهب بعد صلاة الفجر ويأتينا إلينا بالحليب وغير ذلك من وجبات الإفطار، فلما سألته عن سبب فعله لهذا الشيء قال: يا شيخ! هذه طبيعة الحياة هنا، هذه طبيعة الحياة هنا!!
وعندما رجعت إلى مصر وسألت الإخوة في السويس عن هذا الرجل وقصصت عليهم قصته، فقالوا: هذا كان من الدعاة هنا، وإيرادي لهذه القصة من أجل أن أثبت لك أنك إذا ذهبت إلى هناك تتأثر، فهو مطلوب منه هناك أن يسدد ألفي دولار شهرياً للمحل، وألف دولار للسكن، وألفي دولار آخرين للطعام والشراب، يعني: خمسة آلاف دولار شهرياً من أين يأتي بها؟ فلابد أن يتجاوز دائرة الحل إلى الحرمة، وأنت يا أخي! من الذي أكرهك على ذلك؟ لماذا يا أخي! لا تأتي إلى بلادك وتأكل من تحت رجليك، وفي بلدك اليوم الذي لا تجد فيه فولاً وطعمية خذ تراباً من تحت رجليك، وما أظن أن أحداً في هذا الزمان يبيت جائعاً لا في بلاد المسلمين ولا في بلاد الكفار.
فالشاهد: أنني أنصح دائماً بعدم الذهاب إلى بلاد الكفار عامة وبخاصة أمريكا، وأنا قد تكلمت وشتمت ولعنت أمريكا والذي يريد أمريكا في هذا المسجد وفي غيره مرات ومرات، وقلت: إن الذين يذهبون إلى هناك يصعب عليهم جداً أن يتمسكوا بدينهم، فضلاً عن أنهم ضعفاء أصلاً قبل ذهابهم، فأنت لن تسافر من هنا وأنت ابن تيمية أو أحمد بن حنبل ، إنك ستسافر من هنا بضعف إيمانك وهزالته، فتذهب إلى هناك، فيكون ضعفاً على ضعف على كفر على فجور على مجون، وستلقى نفسك بعد سنة ضائعاً تائهاً.
وقد أساء بي الظن بعض المستمعين، وظنوا أني أرد على بعض إخواني كالشيخ محمد حسان والشيخ عمر بن عبد العزيز القرشي وغيرهم من الإخوة الأفاضل الطيبين، والله ما قصدت الرد على هؤلاء، بل قبل أن أذكر هذا وقبل أن أنقم على أمريكا وعلى من يريد أن يذهب إلى أمريكا، تحدثت مع أخي محمد حسان ومع الشيخ عمر بن عبد العزيز، وقلت: يا إخواني! الذي ذكرتموه على سبيل المدح في المنابر أنتم تعلمون أنه أمر لا يصح، وقد سافر أخونا الشيخ فوزي السعيد والشيخ محمد بن عبد المقصود إلى أمريكا ورأيا ما رآه الشيخ عمر بن عبد العزيز، فقالوا: لا يصح أن تقول: إن أمريكا بلد الخلافة، وإن أمريكا سيظهر فيها المهدي ، وإن أمريكا وأمريكا.. فقالوا: والله نحن ما أردنا إلا أن نبشر الناس، فأنا رددت على الشيخ محمد حسان، قلت: بشراك للناس لا يعرفها كثير من الناس، وكثير من المستمعين لا يفهم هذا، وإنما فهم أن أمريكا بلد الخلافة وأن أمريكا هي مستقبل الإسلام، وأن الإسلام قادم من هناك، والحقيقة أنك لا تقابل أخاً فضلاً عن إنسان عادي إلا ويقول لك: يا شيخ! معذرة أنا أريدك على انفراد، فاعلم بكلامه هذا أنها كبائر، فهل ستقول له: الإسلام قادم من هناك؟! هل هناك إسلام أصلاً؟ إن الإخوة الذين هناك يخافون على دينهم خوفاً شديداً، فما هو الإسلام الذي يأتي من أمريكا؟ إن الإخوة هناك يتخبطون بالليل والنهار وليس هناك أمل نهائياً في الثبات على الإسلام، إن صلاة الجمعة لا تؤدى هناك إلا من رحم الله، فمن الإخوة من يقول: يا شيخ! أنا لي خمس سنين لم أصل الجمعة؛ وذلك لأن الجمعة يوم عمل، والأجازة هي السبت والأحد، وآخر يقول: أنا لي سبع عشرة سنة لم أصل الجمعة، فتقول له: النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من ترك صلاة الجمعة ثلاث جمعات متواليات طبع الله على قلبه)، فماذا تقول وكلهم جاءوا يسألونك، وليسوا على استعداد للسماع منك نهائياً، فإن هذا الجواب غير مسموح به هناك، ولكن بفضل الله عز وجل كنت أنصحهم، ولقد تحداهم الشيخ صفوت نور الدين أمامي في مؤتمر كان في بلد هناك فقال: من الذي جاء هنا قبل أن ينجب؟ فرفع كبار السن أيديهم وقالوا: نحن هنا لنا خمسين سنة وأربعين سنة وثلاثين سنة وستين سنة، فقال لأحدهم: إذاً: أرني حفيدك، وهل هو مسلم أم لا؟ فأقسم بالله -والشيخ صفوت نور الدين يحدثهم- ما رفع واحد أصبعه للإقرار بأن حفيده مسلم، وهذا الكلام قد تكلم به مفكرو أمريكا في ذلك الزمان وفي هذا العصر الحديث. يقولون: الذي يأتي من بلاد المسلمين لا نريده؛ لأنه ربما يتأثر بعض التأثر بالمجتمع، وما بقي عنده من فضلة يبقيها لولده، لكن حفيده يسقيه المجتمع، فإذا بحثت عن حفيد في الثانوية أو في الجامعة فإنه لا يحسن أن يتكلم العربية قط، ودائماً بينك وبينه ترجمان، وهو حفيد عربي، قد يكون سورياً أو سعودياً أو مصرياً أو غير ذلك، تصور أن بني جلدتك يكون بينك وبينه إنسان يترجمه؛ لأنه لا يفهم اللغة العربية وأنت بالتالي لا تفهم اللغة الإنجليزية، فالأمر يحتاج إلى ترجمان، وقد كان بيني وبين ولد ترجمان، فلما قلت للترجمان: اسأله هل هو يصلي؟ فقال: ماذا يعني بقوله أصلي؟ لا يفهم معنى أصلي ولا يفهم معنى الصلاة، بل فوجئت أنه لا يعرف أن وقوعه على الأجنبية زنا، وأن الله تعالى حرمه، فيا لها من أمور يندى لها الجبين!
وذهبت إلى (شيكاغو) إلى أناس لندعوهم أو نزورهم، فوجدت أنهم جميعاً في يوم (17) من رمضان جالسين بعد أن صلينا الظهر يأكلون، الرجل والمرأة والأبناء كلهم يأكلون في (الرسبشن) في مدخل البيت، فعندما دخلت وقلت: ما هذا؟! ماذا تعملون؟! انزعج الرجل أن أدخل وأنا ضيف بهذه الطريقة. قلت له: كيف تأكلون؟! قال: وهل الأكل حرام؟! قلت له: نعم. في نهار رمضان حرام. قال: هل نحن في رمضان والله العظيم لا أعلم! وذهبنا في ليلة العيد لنخبر رجلاً أن يصلي معنا في المكان الفلاني صلاة العيد، فقال: وفي أي يوم هو؟! قلنا: الصبح غداً. قال: يا إلهي! انتهى رمضان ولم أعلم بذلك، هذا هو حال المسلمين هناك.
أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر