أما بعد:
قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا [الأحزاب:4-6].
في هذه الآيات حرم الله سبحانه وتعالى مظاهرة الرجل من امرأته، كما حرم أن يدعي ابناً ليس له، قال سبحانه: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ [الأحزاب:4] وقد تقدم ذكر القراءات في هذه الآية.
وقد منع الله سبحانه وتعالى من المظاهرة، وهي أن يظاهر الرجل من امرأته فيقول لها: أنت علي كظهر أمي، وجاء المنع هنا بصيغة الإخبار فقال: وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ [الأحزاب:4].
في سورة المجادلة ذكر الله سبحانه تحريم ذلك كما ذكر أن ذلك هو قول للزور وقول للمنكر، قال تعالى:قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ [المجادلة:1-2] فبين أن من الزور والمنكر أن يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، يريد: أنها محرمة عليه كحرمة أمته.
ثم بين ما يجب على من وقع في ذلك فقال: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة:3].
فبعد أن ذكر أن هذا منكر من القول وزورا، ذكر ما عليه من الكفارة إذا عاد، قال تعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا [المجادلة:3] أي: يرجعون عن القول الذي قالوه ويريد أحدهم أن يعاشر امرأته وأن يرجع إلى حياته الطبيعية، فإذا أراد أحدهم ذلك وجب عليه أن يكفر عن هذا القول الذي قاله وكأن قوله بمثابة اليمين المغلظة التي يحلف بها، ولكن كفارة هذا القول الزور الذي قاله أن يعتق رقبة، قال تعالى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة:3].
ولأن بعض الناس لا يملكون الرقبة فقد بين حكم من لم يجد ما يعتق، وأن الفرض عليه أن يصوم شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا، قال تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة:4].
فإذا لم يستطع ذلك فعليه أن يطعم ستين مسكيناً، قال تعالى: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا [المجادلة:4].
وهذه الأحكام وعظ من الله تبارك وتعالى، وقد بينت الآيات أن الكفارة لا تكون إلا قبل أن يتماسا أي: قبل أن يعاشر الرجل امرأته، فعليه أن يكفر بواحدة من ثلاث على الترتيب: فعليه أن يعتق رقبة إذا وجدت الرقاب، فإذا انعدمت الرقاب، لزمه أن يصوم شهرين متتابعين، فإذا لم يقدر على ذلك كان عليه أن يطعم ستين مسكيناً، فلو أنه عكس الترتيب فبدأ بإطعام ستين مسكيناً وهو واجد لرقبة أو قادر على الصيام لا يجزئ ذلك عنه، ولا بد أن يعتق الرقبة إن وجد.
أما بعد:
قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا [الأحزاب:4-6].
في هذه الآيات حرم الله سبحانه وتعالى مظاهرة الرجل من امرأته، كما حرم أن يدعي ابناً ليس له، قال سبحانه: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ [الأحزاب:4] وقد تقدم ذكر القراءات في هذه الآية.
وقد منع الله سبحانه وتعالى من المظاهرة، وهي أن يظاهر الرجل من امرأته فيقول لها: أنت علي كظهر أمي، وجاء المنع هنا بصيغة الإخبار فقال: وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ [الأحزاب:4].
في سورة المجادلة ذكر الله سبحانه تحريم ذلك كما ذكر أن ذلك هو قول للزور وقول للمنكر، قال تعالى:قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ [المجادلة:1-2] فبين أن من الزور والمنكر أن يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، يريد: أنها محرمة عليه كحرمة أمته.
ثم بين ما يجب على من وقع في ذلك فقال: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة:3].
فبعد أن ذكر أن هذا منكر من القول وزورا، ذكر ما عليه من الكفارة إذا عاد، قال تعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا [المجادلة:3] أي: يرجعون عن القول الذي قالوه ويريد أحدهم أن يعاشر امرأته وأن يرجع إلى حياته الطبيعية، فإذا أراد أحدهم ذلك وجب عليه أن يكفر عن هذا القول الذي قاله وكأن قوله بمثابة اليمين المغلظة التي يحلف بها، ولكن كفارة هذا القول الزور الذي قاله أن يعتق رقبة، قال تعالى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة:3].
ولأن بعض الناس لا يملكون الرقبة فقد بين حكم من لم يجد ما يعتق، وأن الفرض عليه أن يصوم شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا، قال تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة:4].
فإذا لم يستطع ذلك فعليه أن يطعم ستين مسكيناً، قال تعالى: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا [المجادلة:4].
وهذه الأحكام وعظ من الله تبارك وتعالى، وقد بينت الآيات أن الكفارة لا تكون إلا قبل أن يتماسا أي: قبل أن يعاشر الرجل امرأته، فعليه أن يكفر بواحدة من ثلاث على الترتيب: فعليه أن يعتق رقبة إذا وجدت الرقاب، فإذا انعدمت الرقاب، لزمه أن يصوم شهرين متتابعين، فإذا لم يقدر على ذلك كان عليه أن يطعم ستين مسكيناً، فلو أنه عكس الترتيب فبدأ بإطعام ستين مسكيناً وهو واجد لرقبة أو قادر على الصيام لا يجزئ ذلك عنه، ولا بد أن يعتق الرقبة إن وجد.
الدعي: هو الابن الذي يدعيه الإنسان لنفسه، أو يدعي هو أن فلاناً أبوه بدلاً من أبيه الحقيقي.
ومعنى الآية: أن الله عز وجل ما جعل هؤلاء الأدعياء أبناءً لكم، فدلت على أنه لا يجوز للإنسان أن يتبنى، كأن يدعي إنساناً لنفسه فيقول: فلان ابني، وهو ليس كذلك.
ثم بين سبحانه ما ينبغي عليهم من دعوة الأبناء لآبائهم الحقيقيين فقال: سبحانه: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب:5] فكان العدل الذي حكم الله عز وجل به أن يُدعى الإنسان لأبيه طالما أن أباه معروف، أما إذا لم يعرف أبوه فيقال له أخٌ في الدين، ولا يدعى لغير أبيه.
قال العلماء: إن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ذكر: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد صلى الله عليه وسلم، حتى نزلت: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب:5].
وكان زيد بن حارثة قد ادعاه النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه، وبعد ذلك نزل القرآن يحرم التبني فنودي بعد ذلك زيد بن حارثة .
وذكر أنس بن مالك وغيره: أن زيداً كان مسبياً من الشام، أي أن زيداً كان أصله من الشام ولم يكن من الحجاز، وإنما سباه ناس من عرب من تهامة، ثم ذهبوا به إلى بلاد الحجاز فباعوه عبداً.
وكان السبي والاستبعاد في الجاهلية كثير، حيث يختطف الإنسان من أهله ثم يباع في سوق العبيد، كما فعل بـزيد مع أنه كان حراً رضي الله عنه، وكان أهله أحراراً، وبعد أن خطف زيد من أهله وبيع في الحجاز، اشتراه حكيم بن حزام بن خويلد ، وهو ابن أخ للسيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، أي أنها عمته.
ومعروف أن خديجة هي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، فبعد أن اشتراه حكيم بن حزام وهبه لعمته السيدة خديجة ، ثم وهبته السيدة خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم تكرم وتفضل النبي صلى الله عليه وسلم فأعتق زيداً رضي الله تبارك وتعالى عنه وتبناه.
والحقيقة أن زيداً رفض الرجوع إلى أبيه وعمه لا لأنهم كانوا قساة عليه، فلم يحرموه من حاجة طلبها، وإنما كان زيد مخطوفاً من أبيه ومن أمه وهو ما زال صغيراً رضي الله تبارك وتعالى، ولكن من يعاشر النبي صلى الله عليه وسلم يستحيل أن يقبل أن يكون عند غيره بل سيفضل أن يكون عبداً عند النبي صلى الله عليه وسلم على أن يكون حراً وملكاً في مكان آخر.
فـزيد قد أحس بقربه من النبي صلى الله عليه وسلم، وأنس برحمة النبي صلى الله عليه وسلم وشفقته ورأفته، وعلم أن هذا النبي لا يضاهيه أحد مكانة أو شرفاً ولذلك اختار زيد النبي صلى الله عليه وسلم على أبيه وعلى عمه، وبعد أن اختار زيد النبي صلى الله عليه وسلم أخذه وخرج إلى قومه من قريش وقال: (يا معشر قريش! اشهدوا أنه ابني يرثني وأرثه).
فتبناه النبي صلى الله عليه وسلم على العادة التي كانت جارية في العرب قبل أن يحرم الله عز وجل التبني، فانصرف أبوه وقومه بعد ذلك تاركين زيداً عند النبي صلى الله عليه وسلم بعد طول بحث وشوق جسده أبوه شعراً يقطع قلب من يسمعه، من شدة حبه لابنه، ومن شدة حزنه على فراقه، حيث يقول:
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل أحي فيرجى أم أتى دونه الأجل
فو الله لا أدري وإني لسائر أغالك بعدي السهل أم غالك الجبل
فيا ليت شعري هل لك الدهر أوبة فحسبي من الدنيا رجوعك لي بدل
تذكرنيه الشمس عند طلوعها وتعرض ذكراه إذا غربها أفل
وإن هبت الأرياح هيجن ذكره فيا طول ما حزني عليه وما وجل
فأعمل نص العيس في الأرض جاهداً ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل
حياتي أو تأتي علي منيتي فكل امرئ فان وإن غره الأمل
ولكن بعد أن وجد حنان النبي صلى الله عليه وسلم ورحمته مع ابنه، واختيار ابنه للنبي صلى الله عليه وسلم أحس أنه في أمان، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أولى به، فتركه للنبي صلوات الله وسلامه عليه، فكافأه النبي صلى الله عليه وسلم بأن تبناه وجعله ابناً له.
وقد توفي أبوه بعد ذلك فظل عند النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قتل زيد رضي الله تبارك وتعالى في غزوة مؤتة، في سنة ثماني من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم في سرية الأمراء التي أمّر النبي صلى الله عليه وسلم فيها زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة ، وجعلهم على البدل، فقال: (أميركم
فقتل الثلاثة في هذه الغزوة وبكاهم النبي صلوات الله وسلامه عليه، وتأمر بعدهم خالد رضي الله عنه من غير إمرة وفتح الله عليه في تلك الغزوة.
ومن يسمع هذه القصة يعرف عظيم حب النبي صلى الله عليه وسلم لـزيد وحب زيد للنبي صلى الله عليه وسلم، وشفقة النبي صلى الله عليه وسلم ورحمته معه، ولكن مع هذه المحبة العظيمة ينزل الله قرآناً على نبيه: أن لا تدعيه لنفسك فهو ليس ابنك! فينفذ النبي صلى الله عليه وسلم ما أمر به، فمن سيكون بعد النبي صلى الله عليه وسلم أشد حباً لإنسان كهذا الحب الذي كان من النبي صلى الله عليه وسلم لـزيد ومن زيد للنبي صلى الله عليه وسلم.
فبين أننا إذا لم نعلم أبا هذا الإنسان نقول: أخونا في الدين، أو أخونا في الإسلام أو هو مولانا.
وكلمة المولى من الكلمات التي لها معان كثيرة، وأصلها من الولي، والولي: القرب، فمن كان قريباً مني، كان وليي، ومن معاني المولى أيضاً: ابن العم: لأنهم قرابة أبناء العم.
ومن معاني الموالي: العبيد الذين أعتقوا، والمولى هو السيد الذي يعتق.
ومن معانيها: النصير والمدافع والمحامي أو الحامي عن الإنسان.
فتشير الآية إلى أن من لم يعلموا آبائهم إما أن يكونوا أحراراً، فهم إخوانكم في الدين، وهم كذلك إخوانكم في الدين ومواليكم، إن كانوا أرقاء.
قد يريد الإنسان أن يعمل الصواب ولكن يقع في الخطأ، فالله غفور رحيم.
وكان هناك أناس قد تبناهم آخرون غير النبي صلى الله عليه وسلم، جرياً على ما كانوا عليه من عادة التبني، فلما نزلت الآية وحرم التبني، كان يجري على ألسنة الناس نسبة المتبني إلى المتبنى، كأن يقال: زيد بن محمد، فبينت الآية أن من تعمد ذلك وقع في الإثم، ومن لم يتعمد ذلك وإنما جرت الكلمة على لسانه خطأً فالله غفور رحيم.
على أن منهم من لصق به هذا الاسم، حتى أن الناس لا يكادون يعرفون له اسماً غيره، مثل: المقداد بن الأسود ، وقد كان المقداد بن الأسود فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي غزوة من الغزوات لقبه بذلك عليه الصلاة والسلام.
و الأسود ليس أباه، وإنما هو عمه، فهو المقداد عمرو ولكن صار على الألسنة المقداد بن الأسود ، فـالأسود بن عبد يغوث كان قد تبنى المقداد في الجاهلية ومكث معه فترة طويلة إلى أن أصبح رجلاً، وحينها نسي أباه الحقيقي، فأصبح الناس ينادونه بهذا الاسم لا يكادون يعرفون غيره، وأصبح من يناديه لا يقصد أن يقول له: أبوك ليس عمرو وإنما أبوك الأسود ؛ ولكن لما لصق به هذا الاسم عرف به، على أن الله عز وجل قد عفا عن مثل ذلك، أي: أن الإنسان لا يتعمد أن ينسب الإنسان إلى غير أبيه، وعلى هذا فمن التصق به الاسم فصار لا يكاد يعرف إلا كـالمقداد بن الأسود لم يأثم من ناداه به.
لكن من قصد نسبة فلان إلى فلان وهو ليس أباه ولو بالتبني فهذا حرام لا يجوز إطلاقه، كما لا يجوز لإنسان أن يقول: أنا ابن فلان على وجه التبني، ولا للرجل أن يقول: فلان ابني على وجه التبني، ولا لثالث أن يقول: فلان بن فلان كأنه ينسبه إليه وهو يعلم أنه ليس ابنه، ومن فعل ذلك كان عاصياً.
قال الله سبحانه: وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:5] أي: إن الله غفور للإنسان الذي تعمد ذلك ثم تاب إلى الله، والله رحيم بأن رفع عنكم المؤاخذة في الخطأ.
وهناك فرق بين الخطأ والخطيئة:
فالخطيئة أن يريد الإنسان المعصية، أو يقع في المعصية وهو متعمد لها.
والخطأ: أن يريد الإنسان الطاعة فيخطئ فيقع في المعصية، فهو لم يرد معصية ولكن أخطأ فوقع في الشيء فالله سبحانه وتعالى رحيم، ومن رحمته أنه رفع عنا الإثم في الخطأ والنسيان وما استكرهنا عليه.
فالحالف كان يعتقد في نفسه الصدق ولم يقصد أن يكذب في ذلك، فأخطأ فيها فقال: والله إنه فلان فتبين غيره، فليس عليه في ذلك إثم وليس عليه في ذلك كفارة يمين.
كذلك: لو أن إنساناً طلب من إنسان حقه، ثم حلف قائلاً: والله لا أفارقك حتى تدفع لي حقي! فدفع له ما يرضيه، فأخذ منه المال وفارقه، فلما انصرف وجد المال مزيفاً غير حقيقي، فلا كفارة عليه؛ لأنه حين فارقه اعتقد الصدق في ذلك واعتقد أنه استوفى حقه، فليرجع إليه وليطلب حقه بعد ذلك ولا كفارة عليه في ما أقسم.
كذلك: لو أن إنساناً حلف قائلاً والله لا أسلم على فلان، ثم جاء من أقسم ألا يسلم عليه مستخفياً وهو لم يره، فما أدرك إلا ويده في يده فيقال: هذا أخطأ ولم يتعمد فلا حنث عليه في ذلك طالما أنه لم يتعمد الحنث.
وقد يسأل سائل هل من هذا الباب أن إنساناً يقول لامرأة على وجه الرأفة والرحمة: افعلي يا أمي! ولم يقصد بذلك الظهار ولكن من باب التلطف الراجح أنه ليس من هذا الباب.
ومثله أن يقول: إنسان للغلام الصغير: تعال يا بني! اذهب يا بني! إذ إنه لم يقصد أنت ابني حقيقة ولكن ذلك من باب الشفقة والرحمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـأنس بن مالك: (أين كنت يا بني؟) وكان يقول ذلك له ولغيره.
فهذه الكلمة لا يقصد منها الإنسان أنك ابني حقيقة ولا من يخاطب زوجته فيقول: يا أمي! لا بقصد الحقيقة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر