-
تفسير قوله تعالى: (الم. الله لا إله إلا هو الحي القيوم... والله عزيز ذو انتقام)
الم *
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ *
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ *
مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [آل عمران:1-4].
قال تعالى: (( ألم )) الله أعلم بمراده بذلك، حيث إن هذا من المتشابه.
((اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)) سبق تفسيره في سورة البقرة في آية الكرسي.
(نزل عليك) يعني: يا محمد.
(الكتاب) أي: القرآن.
(بالحق) أي: متلبساً بالحق أي: بالصدق في أخباره.
(مصدقاً لما بين يديه) يعني: مصدقاً بما قبله من الكتب.
(وأنزل التوراة والإنجيل) والتوراة بالعبرانية معناها: الشريعة، والإنجيل معناه: البشارة، وأصل الإنجيل بشارة؛ لأن أحد مقاصد بعثة عيسى عليه السلام الأساسية هي ما عبر عنه في قوله:
وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6]، ولذلك تأتي في نصوص الإنجيل -حتى بعد تحريفها- كثير من النصوص التي تدل على أن هذا كان هدفاً ومقصداً أساسياً لبعثة عيسى عليه السلام.
وهناك رجل من كبار أحبار الكلدانيين وهو
داود الأشوري وكان من الأحبار، وقد أسلم وأنار الله قلبه بالإسلام فكتب كتباً قيمة، هي في الحقيقة من أرقى الكتب في هذا الموضوع، وأفرد بعض الفصول لهذه المسألة، وقد ناقش أن كلمة الإنجيل تعني البشارة، وقال: إن العبارة المشهورة عند النصارى عبارة محرفة وهي قولهم: المجد لله في الأعالي، وفي الناس المسرة، وعلى الأرض السلام، قال: إن حقيقة هذه الكلمة هي: المجد لله في الأعالي وفي الناس أحمد، وعلى الأرض إسلام. وأتى بالنقول التي تدل على هذا.
فإذاً حتى كلمة الإنجيل تعني باللغة العبرية الأصلية: البشارة، والبشارة هي التبشير ببعثة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
(وأنزل التوراة والإنجيل من قبل) يعني: من قبل تنزيل القرآن.
(هدىً للناس) هذا حال بمعنى: هاديين من الضلالة.
وقوله: (للناس) يعني: لمن تبعهما، وعبر هنا في (التوراة والإنجيل بـ(أنزل)، لكن في القرآن قال: (نزل عليك الكتاب بالحق) لأن القرآن لم ينزل دفعة واحدة، فكلمة (نزل) تقتضي التكرار، لأن القرآن نزل مفرقاً بحسب المناسبات والنوازل. أما التوراة والإنجيل فقد أنزل كل منهما دفعة واحدة.
وقوله: (وأنزل الفرقان) بمعنى: الكتب الفارقة بين الحق والباطل، وذكره بعد ذكر هذه الثلاثة من الكتب ليعم كل ما عداها، فيعم أيضاً صحف إبراهيم عليه السلام، وكل كتاب أنزله الله على نبي.
ثم قال تعالى: (إن الذين كفروا بآيات الله) أي: بالقرآن وغيره، (لهم عذاب شديد). (والله عزيز) أي: غالب على أمره، فلا يمنعه شيء من إنجاز وعده ووعيده.
(ذو انتقام) يعني: ذو عقوبة شديدة لمن عصاه لا يقدر على مثلها أحد، وليس من أسماء الله الحسنى المنتقم، لكن قال سبحانه: (والله عزيز ذو انتقام).
-
تفسير قوله تعالى: (إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء... العزيز الحكيم)
-
تفسير قوله تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات... إن الله لا يخلف الميعاد)
-
تفسير قوله تعالى: (إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً...والله شديد العقاب)
-
تفسير قوله تعالى: (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ...إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار)
-
تفسير قوله تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين ... والله عنده حسن المآب)
-
تفسير قوله تعالى: (قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها... والمستغفرين بالأسحار)
قال تبارك وتعالى:
قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ *
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ *
الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ [آل عمران:15-17].
هذه الآيات جاءت مباشرة بعد قوله تبارك وتعالى:
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ [آل عمران:14] فبعدما ذكر الله سبحانه وتعالى هذه الأشياء التي هي أصول الفتنة في الدنيا وجذورها أشار إليها جميعاً بقوله تعالى:
ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14].
فهذا هو الذي زين للناس وهذا الذي يبتلى الناس بفتنته من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، وهذه هي التي تراد لذاتها من عباد الدنيا، أو ترغب في تحصيل ما لم يذكر من متاع الدنيا، وأشار تبارك وتعالى لكل هذا بقوله: (ذلك متاع الحياة الدنيا) أي: كالبلاغ الذي ينبغي أن يتبلغ الإنسان به لفترة وجيزة في سفر قصير.
وهذا يتوافق مع ما يرد في القرآن الكريم ثم في سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التحذير من فتنة الدنيا، الأمر الذي يحقق صدق تلك المقولة المشهورة: حب الدنيا رأس كل خطيئة! فإنك إذا فتشت وراء أي معصية تقع تجد حب الدنيا وراءها، فالحروب التي تقع إذا فتشت عن أسبابها تجد أنها ترجع إلى حب الدنيا، والاطمئنان لها والخلود إليها والركون إليها، فأما الشهوات فمعلوم كيف يهلك كثير من الناس بسببها، والحروب التي تقع على نطاق فردي أو على نطاق أممي وجماعي فإنما هي من أجل قطعة من الأرض فيها بترول أو معادن أو ثروات زراعية أو غير ذلك من الثروات، والتناحر والتحاسد الذي يكون بين الجار وجاره، وبين الأخ وأخيه، وبين الإنسان وشريكه كله بسبب حب الدنيا، فما يخطر ببالك شيء إلا يكون حب الدنيا هو سببه وهو من ورائه، حتى التنافس على الرئاسات وعلى الوجاهات وعلى الشهرة، وإن كان ليس تنافساً في الدنيا، فإنه تنافس في حظ من حظوظ الدنيا.
فلذلك إذا أخرج الإنسان الدنيا من قلبه سلم من هذه الآفات جميعاً؛ لأنه لن يحوز شيئاً من الدنيا إلا وهناك من هو أكثر منه حظاً فيه؛ ولذلك يقول الإمام
الشافعي رحمه الله تعالى:
ومن لم يذق الدنيا فإني طعمتهـا وسيق إليَّ عذبها وعذابها
فلم أر إلا جيفة مستحيلـة عليها كلاب همهن اجتذابها
فإن تجتنبها كنت سلماً لأهلها وإن تجتذبها ناهشتك كلابها
فالسلامة هي في ترك الدنيا والإعراض عنها إلا ما يتبلغ به ويوصله إلى الدار الآخرة، على حد قول بعض الصالحين في الشعر الذي هو ذكره
النووي في مقدمة رياض الصالحين:
إن لله عبـاداً فطنـا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا
وقال
علي رضي الله عنه للدنيا: (غري غيري، لي تشوفت أم إلي تزينتِ، قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيهن) أو كما قال رضي الله تبارك وتعالى عنه.
وهنا أشار الله تعالى لكل هذه الفتن الدنيوية بقوله:
ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14] ثم لما أخبر الله تبارك وتعالى بحال الدنيا وفتنتها أخبر أن ما عنده خير مما في الدنيا وإن كان محبوباً؛ لأنه إذا كان قد زين لنا فتنة الدنيا من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، فهذا أيضاً قد زين لنا، وما زين لنا لابد أن نحبه وأن نميل إليه بطبعنا وبما ركب فينا من الميل لهذه الدنيا، فأشار أولاً بقوله:
وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14].
وقد روي أن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما نزلت هذه الآية قال: يا رب! كيف وقد زينتها؟! فنزل قوله تعالى:
قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:15].
فأراد الله تبارك وتعالى بهذه الآيات أن يخبرنا أن ما عنده خير مما في الدنيا وإن كان محبوباً؛ لنترك ما نحبه من فتنة الدنيا لما نرجوه، حيث إنه أعظم وخير؛ لشهادة الله سبحانه وتعالى هنا في الآية: (( قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا )) إلى آخر الآية.
واختلف العلماء في منتهى هذا الاستفهام: فمنهم من قال: إنه يقف عند قوله تعالى: (قل أؤنبئكم بخير من ذلكم) ثم يكون الجواب: (للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) إلى آخرها.
ومنهم من قال: إن الاستفهام ينتهي عند قوله تعالى: (قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم) فيكون الجواب: (جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها).
قوله تعالى: (قل أؤنبئكم بخير من ذلك) أي: بخير من الشهوات المزينة لكم من زهرة الدنيا وزينتها الزائلة لا محالة؛ ولذلك نلاحظ أن القرآن يذم من يؤثر الحياة الدنيا،
بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا *
وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الأعلى:16-17]،
فَأَمَّا مَنْ طَغَى *
وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [النازعات:37-38] فالذي يؤثر الحياة الدنيا هو الخاسر كما يعلم هذا من تتبع الكثير من الآيات في القرآن الكريم.
(للذين اتقوا) يعني: للذين اتقوا الله سبحانه وتعالى ولم ينهمكوا في شهواتهم.
(عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار) يعني: تنخرق بين جوانبها، ونحن قلنا من قبل إن النهر هو عبارة عن الشق الذي يكون في الأرض، فالأصل أن يقال: ماء النهر هو الماء الذي يجري في هذا الشق، لكن أطلق تجاوزاً استعمال النهر في المياه التي تجري، والنهر في الأصل هو الخندق المحفور، فمعنى هذا أنها تنخرق بين جوانبها وأرجائها الأنهار من أنواع الأشربة من العسل واللبن والخمر والماء، وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
و(للذين اتقوا) خبر المبتدأ الذي هو (جنات) يعني: جنات للذين اتقوا، و(تجري) صفة لها، والعندية في قوله تبارك وتعالى: (للذين اتقوا عند ربهم) مفيدة لكمال علو رتبة الجنات وسمو طبقاتها، لأنها أضيفت إلى الله سبحانه وتعالى.
(خالدين فيها) أي: ماكثين فيها أبد الآباد لا يبغون عنها حولا، والذي يعمل أعمالاً صالحة في سنوات محددة لا تساوي الحياة الخالدة إلى أبد الآباد في جنات النعيم، إنما يدخل الجنة ويخلد فيها برحمة الله سبحانه وتعالى، لكن ما هو السر في أن الكافر يخلد في جهنم مع أنه عصى الله سنوات محددة، والمؤمن يخلد في الجنة مع أن عمل كل منهما محدد، والخلود الأبدي لهما بلا نهاية؟!
قد أخذنا في كتاب (فضائل النية) أن من فضائل النية أن يحصل بها الخلود في الجنة أو الخلود في النار.
فالخلود في النار كان بسبب نية البقاء على الكفر، والمؤمن من كانت نيته أن يبقى على طاعة الله سبحانه وتعالى حتى لو عاش بلا نهاية، فكانت نيته تلك سبباً للخلود في جنة الرضوان.
(وأزواج مطهرة) أي: أزواج مطهرة من الأرجاس والأدناس البدنية والطبيعية، مما لا تخلو منه نساء الدنيا غالباً، وتلاحظون هنا كيف أنه سبحانه وتعالى بعد ما ذكر زينة الدنيا من حب الشهوات من النساء وغيرها ذكر بعدها نعيم الجنة وما فيه من الأزواج المطهرة من الآفات والأدناس، فهن مطهرات من الحيض والنفاس وغير ذلك من الأذى الذي يوجد في نساء الدنيا، فهذه إشارة إلى أفضلية نساء الآخرة على نساء الدنيا، ولذلك يستحب علماء السلف للشباب أن يكثروا من التشوق إلى الحور العين.
كان بعض السلف يقول: يا معشر الشباب! تشوقوا إلى الحور العين؛ لأنه يحرض ويحض على الأعمال الصالحة التي تبذل في خطبة الحور العين، ومن أهم وأفضل المهور للحور العين كما يقول بعض الشعراء:
أيها النائم دعني لست أصغي للمنام
إنني أطلب ملكاً نيله صعب المرام
الخلد والفردوس في دار السلام
وعروساً فاقت الشمس مع بدر التمام
أحسن الأتراب قداً في اعتدال وقوام
مهرها من قام ليلاً وهو يبكي في الظلام
فالذي يخطب به الحور العين هو الأعمال الصالحة كالجهاد في سبيل الله وقيام الليل وقراءة القرآن، لا كما يحصل من العناء والشقاء في سبيل الحصول على الحور الطين.
النساء في الدنيا خلقن من طين.
قوله: (ورضوان من الله) هنا التنوين والتكبير للفظ (رضوان) أي رضوان من الله سبحانه وتعالى قدره عظيم، وهو أعظم لذة للروح والجسد وأكبرها، كما قال تبارك وتعالى:
وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [التوبة:72] أي: أنه أكبر من كل هذا النعيم،
ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:72]، وهذا يتضمن رداً على الكفرة من المستشرقين والنصارى وغيرهم ممن يطعنون في دين الإسلام بزعم أنه دين شهواني، وذلك حين رغب في الحور العين في الجنة، قال هؤلاء: لقد أتاكم من جانب الملاذ الحسية، فهذا من جهلهم وظلمة قلوبهم؛ لأن الإنسان روح وجسد، فكما أنه يتنعم ب
-
تفسير قوله تعالى: (الذين يقولون ربنا إننا آمنا...)
-
تفسير قوله تعالى: (الصابرين والصادقين والقانتين...)
قال الله تعالى:
الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ [آل عمران:17].
(الصابرين) أي: على البأساء والضراء وحين البأس، وكذلك الصبر عن المعاصي والشهوات، وقيل: الصبر على الطاعات.
(والصادقين) أي في إيمانهم وأقوالهم ونياتهم.
(والقانتين) أي: المطيعين لله الخاضعين له.
(والمنفقين) أي: أموالهم في سبيل الله تعالى وصلة الأرحام والقرابات، وسد الخلات، ومواساة ذوي الحاجات.
اهتمام السلف بالطاعات وخاصة الاستغفار
علاقة حديث النزول بالعقيدة والرد على منكر نزول الرب سبحانه
فضل الاستغفار بالأسحار
قال بعض الصالحين لابنه: يا بني! لا يكن الديك أحسن منك، ينادي بالأسحار وأنت نائم.
والحكمة في تخصيص الأسحار كونها وقت غفلة الناس عن التعرض للنفحات الرحمانية والنفحات السبحانية، ومعروف أن أفضل أوقات العبادة وقت غفلة الناس عنها، لذلك يعظم ثواب من ذكر الله سبحانه وتعالى في السوق؛ لأن السوق مكان الغفلة والاشتغال بالدنيا، فمن ذكر الله في الغافلين فإنه ينال ثواباً عظيماً، كذلك ثبتت فضيلة شهر شعبان، وعللها النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شهر يغفل عنه الناس ما بين رجب ورمضان، هكذا أوقات غفلة الناس تضاعف فيها الأجور، وعند ذلك تكون العبادة أشق، والنية خالصة، والرغبة وافرة من عباده مع قربه تعالى وتقدس.
في الآية فضيلة الاستغفار في السحر، وأن هذا الوقت أفضل الأوقات.
وجاء في كتب التفسير في قوله عز وجل:
قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ *
قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي [يوسف:97-98] أنه أراد أن يؤخر ذلك إلى وقت السحر؛ لأنه أدعى للإجابة.
يقول
الرازي : واعلم أن الاستغفار في السحر له مزيد أثر في قوة الإيمان، وفي تمام العبودية، من وجوه: الأول: أن وقت السحر يطلع نور الصبح بعد أن كانت الظلمة شاملة للكل، وبسبب طلوع نور الصبح كأن الأموات يصيرون أحياء، فهناك وقت الجود العام والفيض التام، فلا يبعد أن يكون عند طلوع صبح العالم الكبير يطلع صبح العالم الصغير، وهو ظهور نور جلال الله تعالى في القلب.
الثاني: أن وقت السحر أطيب أوقات النوم، فإذا أعرض العبد عن تلك اللذة وأقبل على العبودية كانت الطاعة أكمل.
الثالث: نقل عن
ابن عباس وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ [آل عمران:17]، يريد المصلين صلاة الصبح. قالوا: إن الصلاة هنا سميت استغفاراً؛ لأنهم طلبوا بفعلها المغفرة.
إذاً: ينبغي أن نتواصى بهذا الأمر، وهو الاهتمام بالاستغفار في السحر؛ لأننا إذا كنا محتاجين إلى الاستغفار من قبل حاجة ماسة وشديدة، فنحن الآن في ظروف يعتبر الاستغفار فيها مثل سفينة نوح ، فنحن في أوضاع كلها شؤم، وكلها تنذر بالويل والثبور وعظائم الأمور، وتنذر بنزول عذاب من الله سبحانه وتعالى يستأصل من شاء من عباده، وقد بارزنا الله بكل أنواع المعاصي، ومن آخرها ما يسمى بمؤتمر السكان وغير ذلك من ألوان محاربة الإسلام.
والآن نسوا كلمة التطرف والإرهاب وعادوا للحقيقة وهي محاربة دين الإسلام محاربة صريحة بلا خجل ولا استحياء، لا من الخالق ولا من المخلوقين، ولا يرفع هذا البلاء إلا الاستغفار، أعني: أن الاستغفار قد يحول دون نزول البلاء والعذاب؛ لأننا حشدنا كل ما يستنزل غضب الله سبحانه وتعالى، وأصبح الطعن في الكتاب والسنة وظيفة عند الملحدين كما ترون في مزبلة الصحافة المصرية المسماة روز اليوسف، ولا يجوز لأحد أن يدخل هذه المجلة في بيته، وأن يريها أولاده وبناته وزوجته؛ لما تحويه من الفسوق والفجور، ويكفي أن أمثال هؤلاء الملاحدة الزنادقة حينما يكتبون فيها يكتبون بالخط العريض مقالة عنوانها كفر بواح وردة عن الدين مثل "الأخطاء النحوية في القرآن الكريم" ومقالة مثلاً في الدفاع عن المرأة الهندية التي شتمت الرسول عليه السلام وطعنت في القرآن، وإظهارها في مظهر المظلومة، وأن هذا ضد الحريات، وأنها مضطهدة، وغير ذلك من الأشياء التي ذكرنا مقتطفات منها ومن بعض الكتب الممنوعة مثل: "آيات شيطانية" لـ
سلمان رشدي ورواية "أولاد حارتنا" للخبيث
نجيب محفوظ وغير ذلك من كتب الإلحاد والكفر والزندقة، والله تعالى أعلم.
إذا لم يتداركنا الله سبحانه وتعالى برحمته فسيعمنا جميعاً عذاب، نسأل الله سبحانه وتعالى ألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء والملاحدة والزنادقة منا.
يقول تبارك وتعالى:
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25]، فالاستغفار قد يكون مانعاً يحول دون نزول العذاب على العامة والخاصة.
ويقول الله تعالى:
وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ *
فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [الأنفال:32-32]، فجاء الجواب من الله سبحانه وتعالى:
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الأنفال:33]، يعني: كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن وجوده صلى الله عليه وسلم أمن من العذاب،
وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33]، هذا هو الأمان الثاني ضد العذاب، وذكر بعض العلماء أقاويل كثيرة في تفسير هذه الآية منها: أن (هم) هنا تعود على من هو موجود في وسطهم من المؤمنين ممن يستغفر، فلما خرجوا وتزيلوا عذبهم الله سبحانه وتعالى يوم بدر وغيره.
حكي: (أن رجلاً من العرب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان مسرفاً على نفسه بالمعاصي، فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم رجع عما كان عليه، وأظهر الدين والنسك، فقيل له: لو فعلت هذا والنبي صلى الله عليه وسلم حي لفرح بك، قال: كان لي أمانان مضى واحد وبقي الآخر، قال الله تعالى:
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الأنفال:33]، فهذا أمان.
والثاني:
وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33].
إذاً فهذه الأمة كان لها أمانان:
الأول: في حياة النبي عليه الصلاة والسلام وهو وجوده فيهم، فلا ينزل العذاب كرامة له عليه الصلاة والسلام.
الثاني: هو الاستغفار، فهو سبب آخر للأمن من العذاب.
فالذي بقي لنا أن نستغفر الله سبحانه وتعالى من هذه الذنوب.
قال
الزمخشري : الواو المتوسطة بين الصفات في قوله تعالى:
الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ [آل عمران:17] للدلالة على كمالهم في كل واحدة منهم.
-
تفسير السيوطي لقوله تعالى: (قل أؤنبئكم بخير من ذلكم...) والآيتين بعدها
يقول
السيوطي رحمه الله تعالى:
قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ قل يا محمد لقومك: (أؤنبئكم) أي: أأخبركم.
(( بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ )) المذكور من الشهوات، وهذا استفهام تقرير.
(( لِلَّذِينَ اتَّقَوْا )) الشرك.
(( عِنْدَ رَبِّهِمْ )) خبر مبتدؤه (( جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ )) أي: مقدرين الخلود (فِيهَا) إذا دخلوها.
(( وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ )) من الحيض وغيره مما يستقذر.
(( وَرِضْوَانٌ )) بكسر أوله وضمه، لغتان -أي: قراءتان سبعيتان- أي رضاً كثير.
(( مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ )) عالم ((بِالْعِبَادِ)) فيجازي كلاً منهم بعمله.
(( الَّذِينَ )) نعت أو بدل من الذين قبله في قوله تعالى: ((للذين اتقوا)).
(( يَقُولُونَ )) يا (( رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا )) صدقنا بك وبرسولك صلى الله عليه وسلم.
(( فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )).
((الصابرين)) على الطاعة وعن المعصية نعت.
((والصادقين)) في الإيمان.
((والقانتين)) المطيعين لله.
((والمنفقين)) المتصدقين.
((والمستغفرين)) الله بأن يقولوا: اللهم اغفر لنا.
((بالأسحار)) أواخر الليل، خصت بالذكر لأنها وقت الغفلة ولذة النوم.
-
تفسير قوله تعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو...)
قال تبارك وتعالى:
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18].
((شهد الله)) أي: علم وأخبر، أو: قال أو بين (أنه لا إله إلا هو) معبود حقيقي.
((والملائكة)) وشهد بذلك الملائكة.
((وأولوا العلم)) وفي مقدمتهم الأنبياء عليهم السلام فإنهم أشرف أولو العلم.
(وأولوا العلم) وهذه مرتبة جليلة للعلماء، إذ لو كان هناك أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته كما قرن اسم العلماء، (( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ ))، والعلم هنا المقصود به العلم بالدين وبالعلوم الشرعية كعلم التوحيد وغيره.
هناك حديث يقول فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (
ويقل العلم ويظهر الجهل)، كما هو الحال في هذا الزمان.
فإذا نظرنا في أحوال الناس نجد أن العلم بالدنيا يزيد، والعلم بالدين يقل، فدلت الآية على أنه إنما أراد بالعلم علوم الآخرة وليست علوم الدنيا.
((قائماً بالقسط)) أي: بالعدل في أحكامه تبارك وتعالى.
((لا إله إلا هو)) كرره تأكيداً. وليبني عليه قوله:
((العزيز)) فلا يضام جنابه عظمة.
((الحكيم)) فلا يصدر شيء عنه إلا على وفق الاستقامة.
هذا التكرار معروف عند العرب؛ فإذا طال عهدك بالكلام تعيد ما ذكرته حتى تصل الأول بالآخر؛ لأن الكلام هنا طال:
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18] حتى يصلها بالعزيز الحكيم.
هنا يقول
السيوطي : (شهد الله) أي: بيّن لخلقه بالدلائل والآيات.
((أنه لا إله)) أي: لا معبود في الوجود بحق.
((إلا هو)) شهد بذلك ((والملائكة)) بالإقرار.
((وأولوا العلم)) من الأنبياء والمؤمنين بالاعتقاد واللفظ.
((قائماً)) بتدبير مصنوعاته، ونصبه على الحال، والعامل فيها معنى الجملة أي: تفرد بذلك.
((بالقسط)) يعني: بالعدل.
((لا إله إلا هو)) كرره تأكيداً.
((العزيز)) في ملكه ((الحكيم)) في صنعه.
-
تفسير قوله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام...)
-
تفسير قوله تعالى: (فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله...)