عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، واجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، في يومٍ لا ينفع ولدٌ والده شيئاً، ولا يجزي والد عن ولده شيئاً: يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
معاشر المؤمنين! كلكم قد قرأ في كتاب الله جل وعلا قوله الحكيم: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105] ويقول جل وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125] ويقول جل وعلا: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104].
أيها الأحبة في الله! الأمر بالدعوة إلى دين الله، والنداء بالدعوة إلى صراط الله المستقيم، أمرٌ عامٌ لجميع المسلمين أجمعين، وكلكم يعلم ما فيه من الأجر والثواب العظيم، ولو لم يكن فيه إلا أن يموت الداعية ويبقى أجره بعد موته ماضياً لكفى، وإن الدعوة إلى الله لمن أجل الأعمال وأفضلها: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم) ويقول صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى فله أجره، وأجر من تبعه إلى يوم القيامة، لا ينقص من أجورهم شيئاً) وأمام هذه الآيات القرآنية، والنصوص النبوية، يقف جملةٌ من الشباب، يتحرقون ويتعطشون، يريدون أن يدعوا إلى الله، يرغبون في الدعوة إلى الله جل وعلا، فيأتي الشيطان لكي يحصر عملاً إسلامياً، أو دعوةً خالصة، لكي يحصرها في سبيلٍ ضيق، فيقول: لست من أهل الشهادات! ولست من أهل المؤهلات! ولست من ذوي المراتب والمناصب والهيئات! ويظن بعض الشباب أن الدعوة إلى الله منحصرةٌ في المنابر والمحاضرات والندوات، وأنما سوى ذلك فليس بعملٍ للإسلام، أو أن الإسلام ليس في حاجةٍ له.
وهذا قد يسر لطلب العلم، وقد فتح له باب البحث والقراءة والرواية والدراية، فمن الظلم أن نقيمه من حلقة علمه، لنقول له: اذهب وجاهد في أفغانستان ، أو في أي مكانٍ من الأماكن، قد فتح له باب العلم والبحث والاستنباط والتنظير، فهذا ينبغي أن يدعى له، وأن يؤيد في هذا المجال، فلنعلم ذلك جيداً -أيها الأحبة في الله- ومن الخطأ أن يثرب أو أن نسمع الملامة من بعضنا على بعض، يوم أن نرى مجاهداً فنقول: هذا لا يعمل عملاً كاملاً، إنما العمل في الحلقات، أو أن نرى طالب علمٍ في مسجده وحلقته وحلقة شيخه، فنقول: هذا لا يعمل شيئاً، إنما العمل في الجهاد تحت الرصاص والنار، والبعض قد ينال من حظ أو من مكانة أخيه فيقول: شتان شتان ما بيني وبينه، أنا مجاهدٌ هناك عند الدبابات والطائرات، وهذا تحت مكيفه عند الورقات والكتب ونحوها، هذا من وسوسة الشيطان، ومن باب العجب الذي هو محبطة العمل، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تستمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك.
أيها الأحبة في الله! إن تضييق مجالات العمل لدين الله جل وعلا لهو إما نتيجةٌ لوسوسةٍ شيطانية، ليصد الشيطان بعض العاملين إلى الله عن مزيدٍ من مجالات العمل لدين الله، أو هو قلة فهمٍ لأبعادٍ وشمولية وسعة نطاق هذا الدين، وكل ذلك مرفوضٌ مردود، فإذا علمتم ذلك -يا معاشر الشباب- فاعلموا أن العمل لهذا الدين بعد التوبة والاستقامة والالتزام، وبذل الحسنات والصالحات، اعلموا أن العمل لهذا الدين متعدد المجالات، فما الذي يمنع أن يكون من بين الشباب من يهتم بأحوال المعوقين في مستشفيات النقاهة، ومتابعة أحوالهم، وحوائج أسرهم، وتأمين احتياجاتهم، هذا والله بابٌ من أعظم أبواب الدعوة!
وما الذي يمنع أن يكون من بين شباب الإسلام الصادقين الملتزمين من يهتم بأحوال السجناء والمعسرين، فيجمعون لهم التبرعات، ويفاوضون غرماءهم، لكي ينقص من الديون التي في ذممهم؛ حتى يعتقوا رقاباً من السجن؛ لتعود إلى زوجاتها وأطفالها وآبائها وأمهاتها، هذا أيضاً من باب الدعوة إلى الله!
وما الذي يمنع طائفةً من الشباب أن يجتهدوا في العناية بالمساجد وجمع التبرعات لها، وإصلاح شئونها، ومرافقها ودورات المياه فيها، ومكبرات الصوت التي لها، هذا أيضاً من العمل لدين الله جل وعلا؟!
إن العمل للإسلام بابٌ واسعٌ شامل، ما الذي يرد بعض الشباب أن يزوروا مستشفيات الأمل لكي ينظروا ويتعرفوا ويتلطفوا بأحوال إخوانهم الشباب، الذين وقعوا ضحية المخدرات والأفيون والمسكرات!
ما الذي يمنع بعض الشباب أن يزوروهم وأن يجعلوا جزءاً عظيماً من أوقاتهم متخصصاً لهؤلاء الشباب في زياراتهم ودعوتهم والتعرف بهم؟
حتى إذا جاء يومٌ من الأيام وخرج ذلك المتعاطي للمخدرات، وقد تماثل للشفاء سليماً معافى من ضربة هذا الأفيون والمخدر، يجد صحبةً صالحة تتلقاه بعد خروجه من السجن؛ لأنه من المعلوم أن الذين يقعون ضحية المخدرات ويذهبون إلى السجون أو إلى مستشفيات الأمل، أول من يتجهمهم، وأول من يتبرأ منهم، وأول من يقاطعهم جلساء السوء الذين أكلوا وشربوا وقعدوا وباعوا واشتروا منهم، فلا بد أن يكون من الشباب من يزور أولئك في المستشفيات وفي السجون، ويتعرف عليهم، ويحبب إليهم التوبة، والإقبال على الله، فإذا خرجوا من السجن إذا لهم رصيدٌ من الأخوة الصالحة، والعلاقة الطيبة، والمتابعة والرعاية اللاحقة، التي تمنعهم من الوقوع مرةً أخرى في المخدرات والمسكرات.
ما الذي يمنع البعض أن يزوروا مدارس الجنح والأحداث؛ لكي ينظروا أحوال الشباب، خاصةً من الصغار فيهم الذين حصل لهم جنوحٌ مبكرٌ في سلوكهم أو تصرفاتهم، فيربط بهم علاقةً طيبة، فإذا خرجوا من السجن ربطوهم واتصلوا بهم، ربطوهم بكتاب الله وسنة رسول الله، وحلق الذكر في المساجد، والندوات والمحاضرات!
أبواب العمل لهذا الدين كثيرة..
ما الذي يمنع بعض الشباب أن يجمع من كثيرٍ من الناس أشرطة الغناء، فيمسحها ويمحو ما فيها، ثم يردها إليه مليئةً بكلام الله، والخطب والندوات والمحاضرات؟!
ما الذي يمنع بعض الشباب أن يزوروا أصحاب محلات الفيديو في محلاتهم، ومعهم الهدية، وعليهم الابتسامة، وملؤهم الرحمة والمحبة، فيدعونهم إلى الله، ويحذرونهم مغبة ما وقعوا فيه، هذا أيضاً من أبواب العمل لدين الله جل وعلا؟!
ما الذي يمنع البعض أن يتطوع لكي يسافر إلى أطراف هذه المملكة، ولو مرتين أو ثلاث مرات، أو على الأقل مرةً واحدةً في السنة، لكي يزور بعض المناطق والقرى والهجر التي فيهم من لا يعرف الفاتحة، ولا يعرف شروط الصلاة، ولا يعرف شروط الطهارة وأركان العبادة؟! هذا أيضاً من أبواب الدعوة إلى الله.
إذاً أيها الأحبة! لا يأتي الشيطان إلى بعضنا حينما يرى من أحدنا حماساً وشوقاً ورغبةً للعمل في دين الله، لكي يقول: من أنت؟ وهل بلغت مرتبةً فلانية؟ وهل حملت شهادةً فلانية؟
لا والله.. إن العمل لدين الله لا يحتاج إلى شهادةٍ عالية، بل يحتاج شرطاً واحداً: (نضر الله امرأً سمع منا مقالةً فوعاها، فبلغها، فرب مبلغٍ أوعى من سامع) إذاً شرط الدعوة أن تكون عالماً واعياً بما تدعو إليه، ثم بعد ذلك انطلق في كل مجالات ومناحي الحياة.
ما الذي يمنع الكثير أن يتعاونوا مع إخوانهم في مدارسهم وفي جامعاتهم لكي يعينوهم على الإقبال على دين الله جل وعلا، ولكي يحذروهم من مغبة الأفكار الهدامة، والتيارات الوافدة المهاجمة؟!
ما الذي يمنع البعض أن يفتح له باباً في فضح خطط الأعداء والمبشرين والمنصرين، والغزاة المفسدين بأفكارهم وأقلامهم، لكي يتابعوا ذلك؟! هذا أيضاً من أبواب العمل.
ما الذي يمنع بعض الشباب أن يتتبعوا الجرائد والمجلات فينظروا ما فيها من الأخطاء العقدية والمخالفات الشرعية! سيما هذه الجرائد والمجلات التي تفد إلينا من الخارج، فينبه على ما فيها من الخطأ، ويتصل بالمسئولين ويقول: ورد في العدد الفلاني الصادر من الدولة الفلانية، أو من الجهة الفلانية، خطأ وخطرٌ وخلل في العقيدة أو في الأخلاق والسلوك!
ولكن إذا قدمت الجنازة فيكون القيام لها والصلاة عليها أفضل من قراءة القرآن في هذه الحالة، فكذلك العمل لدين الله جل وعلا، أن نعتني به في كل حالٍ بما يناسب وظيفةً مرضيةًَ لله جل وعلا، في ذلك الوقت، أو في كل وقت.
فاعلموا يا شباب الإسلام، واعلموا يا معاشر المسلمين أجمعين أن العمل ليس محصوراً أو مقصوراً على الشباب، ووالله لو فقه كل مسلمٍ دينه، وفقه كيف يعمل لدينه، لكان من أيسر الأمور أن ينتشر الصلاح في المجتمع، وأن تنعدم الجريمة، وأن يظهر الخير، وأن تفتح بركات السماء والأرض من الله جل وعلا، لكن المصيبة أن يكتفي بعضنا بمعرفة بعضٍ أو بالإشارة إلى بعض، والبقية يبقون لا يعملون، فالعمل واجبٌ على الصغير والكبير، وكل من علم في دين الله شيئاً.
جاءت امرأةٌ إلى سعد بن أبي وقاص تريد أن تشارك في الجهاد، وليس على النساء جهاد، فقطعت ضفيرة شعرها، وقالت: يا أمير الجيش! لا أستطيع أن أشهد معكم هذا الغزو في سبيل الله، فخذ هذه ضفيرة شعري، اجعلها عناناً لفرسك في سبيل الله!!
الله أكبر يا عباد الله! ينبغي أن نفهم الدين والعمل والجهاد فهماً نستطيع من خلاله أن نقبله من الحداد ومن النجار ومن الضابط ومن المهندس ومن المعلم والقاضي والعالم وطالب العلم، ينبغي أن نفهم هذا الدين فهماً يجعلنا نقبل كل عملٍ متيسرٍ من كل شخصٍ أياً كانت مرتبته، أو أياً كان وظيفته، فنيةً في الصناعة والعمل، أو مهنيةً أو علميةً أو ميدانيةً أو نحو ذلك، إذا فهمنا ديننا هذا الفهم الواسع الشامل استطعنا أن نعمل لدين الله، فما عليك يا أخي المسلم إلا أن تستعين بالله، ثم بإخوانك، وتقرر عملاً يرضي الله جل وعلا، سواءً كان مع السجناء أو مع الذين في مستشفيات الأمل، أو مع الفقراء، أو كفالة الأيتام، أو رعاية الأيامى والمقطوعين ممن لا قريب لهم ينفعهم أو يقوم بحوائجهم، المهم أن تقرر عملاً في مرضات الله جل وعلا، ولا تظنن أن العمل لدين الله، إنما هو في حالةٍ واحدة.
لقد سرني ما عرفته من شبابٍ، علمتُ أنهم اجتمعوا جزاهم الله خير الجزاء، وسدد خطاهم، فاهتموا واعتنوا بمرضى مستشفى النقاهة الذي في طريق الخرج ، يجمعون التبرعات لهم، ويأخذون عناوين بيوتهم، ويذهبون إلى أسرهم، ويحضرون لهم الأرز، والسمن والدقيق في نهاية كل شهرٍ وما يحتاجونه من الطعام، فإذا أقبل الشتاء بذلوا لهم مئونة الشتاء، وما يحتاجون من لحافٍ وكساء، فإذا أخذوا فترةً قدموا لهم مالاً حتى لا ينفتح على أسر أولئك المعوقين أو أسر أولئك المرضى الذين أخذوا سنين طويلة في المستشفى بابٌ من الفساد، لأن بعضاً من ضعفاء الإيمان من المجرمين الشرسين، يتسلطون على أسر المرضى، فيساومونهم في أعراضهم، وفي بناتهم، وفي بيوتهم، أتريدون مالاً افتحوا لنا الباب، احضروا من يقعد معنا، اجلسوا وافعلوا هكذا، فإذا قام أولئك الشباب برعاية أولئك المرضى، الذين يمكثون سنين طويلة في المستشفى ولا دخل ولا عائل لهم، فإنهم يدفعون ويسدون باباً من الفساد عظيماً.
أسأل الله أن يوفقنا وإياكم بأن نعمل لدين الله في شتى المجالات التي ترضي الله، ونسأل الله أن يرزقنا فهماً شاملاً واسعاً عريضاً لهذا الدين والعمل لجميع جوانبه.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بناء سوءاً فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء!
اللهم انصر المجاهدين، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان ، اللهم أقبل الشتاء بجليده وثلجه وبرده القارس، اللهم إنهم جياعٌ إن لم تطعمهم، اللهم إنهم عطشى إن لم تسقهم، اللهم إنهم عراةٌ إن لم تكسهم، اللهم أنزل عليهم سكينةً وثبتهم بمنك ورحمتك، وسدد رصاصهم في نحور أعدائهم، اللهم انصرهم على عدوك، اللهم عجل نصرهم، اللهم قد ملّ كثيرٌ من الناس من المجاهدين وسئموا التبرع لهم وضاقوا ذرعاً بما يطلب منهم، اللهم فإن انقطعت أسباب الأرض فافتح اللهم عليهم أبواب السماء، اللهم إن ضاق الخلق بهم ذرعاً اللهم يا خالق الخلق أجمعين فافتح لهم أبواب مددك وعونك، ومنك وتأييدك، يا رب العالمين!
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر