الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وأما في الشرع: فهي قدر واجب شرعاً بأموال مخصوصة لطائفة مخصوصة.
والعلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي: أن الزكاة وإن كان ظاهرها نقص كمية المال، لكن آثارها زيادة المال بركة، وزيادة المال كمية.
الشيخ: آثار الزكاة على المجتمع وعلى الاقتصاد الإسلامي ظاهرة أيضاً، فإن فيها من مواساة الفقراء والقيام بالمصالح العامة ما هو معلوم ظاهر من مصارف هذه الزكاة، فإن الله سبحانه وتعالى قال في مصارف هذه الزكاة: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60]، وهؤلاء الأصناف الثمانية منهم من يأخذها لدفع حاجته، ومنهم من يأخذها لحاجة المسلمين إليها، فالفقراء والمساكين والغارمين لأنفسهم، هؤلاء يأخذون لحاجتهم، وكذلك ابن السبيل والرقاب، ومنهم من يأخذ لحاجة الناس إليه، كالغارم وفي إصلاح ذات البين والعاملين عليها والمجاهدين في سبيل الله، فإذا عرفنا أن توزيع الزكاة على هذه الأصناف يحصل بها دفع الحاجة الخاصة لمن أعطيها، ويحصل بها دفع الحاجة العامة للمسلمين، عرفنا مدى نفعها للمجتمع، وفي الاقتصاد تتوزع الثروات بين الأغنياء والفقراء، حيث يؤخذ من أموال الأغنياء هذا القدر ليصرف إلى الفقراء، ففيه توزيعهم للثروة حتى لا يحدث تضخم من جانب والبؤس والفقر من جانب آخر.
وفيه أيضاً من صلاح المجتمع ائتلاف القلوب، فإن الفقراء إذا رأوا من الأغنياء أنهم يمدونهم بالمال ويتصدقون عليهم بهذه الزكاة التي لا يجدون فيها منة عليهم؛ لأنها مفروضة عليهم من قبل الله، فإنهم بلا شك يحبون الأغنياء ويألفونهم ويرجون ما أمرهم الله به من الإنفاق والبذل، بخلاف ما إذا شح الأغنياء بالزكاة وبخلوا بها واستأثروا بالمال، فإن ذلك قد يولد العداوة والضغينة في قلوب الفقراء، ويشير إلى هذا ختم الآية الكريمة التي فيها بيان مصارف الزكاة في قوله تعالى: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60].
الشيخ: شروط وجوب الزكاة: الإسلام، والحرية، وملك النصاب، واستقراره، ومضي الحول. إلخ.
فأما الإسلام: فإن الكافر لا تجب عليه الزكاة، ولا تقبل منه لو دفعها باسم الزكاة؛ لقول الله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى [التوبة:54]،.. إلى آخره، ولكن ليس معنى قولنا: إنها لا تجب على الكافر ولا تقبل منه أنه معفو عنها خاصة، بل إنه يعاقب عليها؛ لقوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [المدثر:39-47]، وهذا يدل على أن الكفار يعذبون على إخلالهم بفروع الإسلام، وهو كذلك.
وأما الحرية: فلأن المملوك لا مال له، إذ إن ماله لسيده؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من باع عبداً له مال فماله لبائعه إلا أن يشترطه المبتاع )، فهو إذاً غير مالك للمال حتى تجب عليه الزكاة، وإذا قدر -أنه أي: العبد- يملك بالتمليك فإن ملكه في النهاية يعود إلى سيده؛ لأن سيده سوف يأخذ ما بيده، وعلى هذا ففي ملكه نقص ليس مستقراً استقرار أملاك الأحرار.
وأما ملك النصاب فمعناه أن يكون عند الإنسان مالٌ يبلغ النصاب الذي قدره الشرع، وهو يختلف باختلاف الأموال، فإذا لم يكن عند الإنسان نصابٌ فإنه لا زكاة عليه؛ لأن ماله قليل لا يحتمل المواساة، والنصاب يختلف باختلاف الأموال، وفي المواشي الأنصبة فيها مقدرة ابتداء وانتهاء، وفي غيرها أنصبة يقدر فيها ابتداء وما زاد فبصفاته.
وأما مضي الحول: فلأن إيجاب الزكاة في أقل من الحول يستلزم الإجحاف بالأغنياء، وإيجابها فيما فوق الحول يستلزم الضرر في حق الفقراء، فكان من حكمة الشرع أن قدر لها زمناً معيناً تجب فيه وهو الحول، وفي ربط ذلك بالحول توازن بين حق الأغنياء وحق أهل الزكاة، وعلى هذا فلو مات الإنسان مثلاً أو تلف المال قبل تمام الحول سقطت الزكاة، إلا أنه يستثنى من تمام الحول ثلاثة أشياء: ربح التجارة، ونتاج السائمة، والمعشرات.
أما ربح التجارة: فإن حوله حول أصله، وأما نتاج السائمة، فحول النتاج حول الأمهات، وأما المعشرات فحولها تحصيلها أو وقت تحصيله.
مثال ذلك في الربح: أن يشتري الإنسان سلعة بعشرة آلاف ريال، ثم قبل تمام حول الزكاة بشهر تزيد هذه السلعة أو تربح نصف الثمن الذي اشتراها به، فيجب عليه زكاة رأس المال وزكاة الربح، وإن لم يكن للربح حول؛ لأنه فرع والفرع يتبع الأصل.
وأما النتاج: فمثل أن يكون عند الإنسان من البهائم نصاب، ثم في أثناء الحول يتوالد هذا النصاب حتى يبلغ نصابين، فيجب عليه الزكاة بالنصاب الذي حصل بالنتاج وإن لم يتم عليه الحول؛ لأن النتاج فرع، فيتبع الأصل.
وأما المعشرات: فحولها حين أخذها، مثل: الحبوب والثمار، فإن الثمار في النخل لا يتم عليه الحول حتى يجز فتجب الزكاة عند جزه، وكذلك الزرع يزرع ويحصد قبل أن يتم عليه الحول، فتجب الزكاة عند حصاده؛ لقول الله تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141]، فهذه الأشياء الثلاثة تستثنى من قولنا: إنه يشترط في وجوب الزكاة تمام الحول.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر