أيها الإخوة: قد يتساءل البعض: ما الذي يحعلنا نهتم بهذا الموضوع، موضوع النظام العالمي الجديد؟ وإن كان التساؤل في غير محله، إذ أن هذا النظام هو حديث العالم أجمع، في وسائل إعلامه ومنتدياته ومؤتمراته، ونحن جزءٌ من هذا العالم، ولا بد أن نكون على معرفة وبينة بما يدور حولنا في العالم، لكننا أصبحنا في زمنٍ نحتاج فيه إلى تبيين المبين، وتوضيح الواضح، وإقامة الدليل القطعي البدهي الذي لا يحتاج إلى بيان.
والإمام ابن القيم عليه رحمة الله يتحدث في كتاب الفوائد عن قوله سبحانه وتعالى: وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام:55] فيقول: إن الناس على أربعة أصناف -ويهمنا أن نذكر هنا الصنف الأول- قال هم: الذين عرفوا الحق عن علمٍ وبينة ودليلٍ وبرهان؛ فدعوا إليه وجاهدوا في سبيل إقراره في الأرض، وعرفوا الباطل عن بينة، وعلمٍ ودليلٍ وبرهان؛ فجاهدوه وسعوا لإزالته ومنعه من الأرض، قال: وهم المصلحون أعلى الناس درجة، أو أعلى أصناف الناس في هذه الأرض.
ثم تحدث بعد ذلك عن أصناف الناس الذين يلونهم، فنحن من هذا المنطلق نتحدث عن النظام العالمي الجديد، وعن مثله من الموضوعات، وقد جعل الله سبحانه وتعالى لنا ميزاناً ومعياراً نحاكم به كل شيء، ونزن به كل شيء، ونتحدث به عن كل شيء، وسيكون حديثي عن هذا الموضوع في سبع نقاط:
النقطة الأولى: تمهيد عن أهم الأحداث التي شكلت التاريخ العالمي المعاصر.
النقطة الثانية: أهم أسباب ظهور النظام العالمي الجديد.
النقطة الثالثة: أهم ملامح النظام العالمي الجديد.
النقطة الرابعة: بعض الآثار المتوقعة للنظام العالمي الجديد في العالم الإسلامي.
النقطة الخامسة: النظام العالمي في موازين العقيدة الإسلامية.
النقطة السادسة: بعض المقترحات في هذا الموضوع.
وقبل أن أبدأ في العناصر، حاولت أن أطلع على أكثر من ثلاثمائة مقال ووثيقة وخبر، مما نشر حول النظام العالمي من اتجاهات مختلفة، ومناطق مختلفة من العالم، وحاولت أن أخرج بما ستسمعونه بشكلٍ مركزٍ ملخص، أرجو أن يعينني الله سبحانه وتعالى على قول الحق، وأن ينير بصائرنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ولدي بعض الوثائق التي سأشير إليها -إن شاء الله- في نهاية الحديث أو أشير إلى مقتطفات منها، تؤكد بعض ما أقوله في كلامي هذا.
ففي الحجاز -كما تعلمون- كان هناك لورانس ، وفي الخليج كان الاستعمار الإنجليزي، وظهر في نجد فلبي وأمثاله، لكن منطقة عسير كان يُظن أنها منطقة مزوية بعيدة عن اهتمام العالم فإذا بهذا الكتاب الذي أعدته الاستخبارات البريطانية، وكأنه قد جند له فريق عملٍ متكامل، ولم يخرج هذا الكتاب ويطبع إلا في عام (1973م).
المهم أن الحرب العالمية الأولى كانت من أهم العوامل التي كوَّنت التاريخ المعاصر، وقد نتج عن هذه الحرب:
والدولة العثمانية -كما تعلمون- برزت بعد سقوط الخلافة العباسية، وكان العثمانيون من أتراك آسيا الوسطى الذين كانوا في البداية قادة للسلاجقة، الذين واجهوا الصليبيين، وواجهوا التتار، وقد توغلوا في البلاد الصليبية فيما كان يسمى ببلاد الروم، وأقاموا دولة إسلامية، فلما ضعفت الدول الإسلامية في المشرق وتعرض المشرق الإسلامي لهجمات البرتغاليين في الخليج والبحر الأحمر ، وفي شرق أفريقيا ، وكان البرتغاليون يخططون لاحتلال الحجاز - مكة والمدينة -. هبَّ العثمانيون لإتمام استيلائهم على الشرق، ووقفوا في وجه أوروبا أكثر من ستمائة سنة، وقاتلوها ووصلوا إلى أواسط أوروبا ، وحولوا البحر الأبيض في فترات طويلة إلى بحيرة إسلامية، ودفعوا الهجمات الصليبية عن شمال أفريقيا وعملوا على إنقاذ المسلمين بعد انهيار دولتهم في الأندلس.
المهم أن هذه الدولة في آخر عهدها سيطرت عليها النـزعات القومية، الأتراك ينادون بالقومية الطورانية، والعرب ينادون بالقومية العربية، والأكراد ينادون بالقومية الكردية، ودخلتها الماسونية ، ودخلتها الجمعيات الإلحادية العلمانية ، وكان الغرب أيضاً يضغط عليها: حروب في روسيا ، وحروب في البلقان ، وحروب مع بريطانيا ، وحروب مع إيطاليا في ليبيا ، وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير أن في الحرب العالمية الأولى زج بهذه الدولة التي كانت تُسمى بالرجل المريض، فأسقطت هذه الدولة التي كانت تجمع المسلمين، واستمرت أوروبا أكثر من قرنين تطلق على الدولة العثمانية المسألة الشرقية، ولو قدر الله سبحانه وتعالى أن الدولة العثمانية استمرت وانتصرت لتغير وجه التاريخ المعاصر.
وأنتم تعلمون أن القوميين العرب قد تضافرت جهودهم مع الإنجليز ومع الفرنسيين لإسقاط هذه الدولة، وأن ما يسمى بالثورة العربية التي خطط لها وأشعل أورها وقادها حقيقة ضابط الاستخبارات البريطاني لورانس ، كان لها دورٌ كبير في هزيمة الدولة العثمانية.
كان أيضاً من نتائج الحرب العالمية الأولى: وقوع الشعوب الإسلامية تحت الهيمنة الغربية الاستعمارية المباشرة، فشمال أفريقيا وقع في أيدي الفرنسيين باستثناء ليبيا وقعت في أيدي الإيطاليين، ومصر سيطر عليها الإنجليز، وكذلك فلسطين، ولبنان وسوريا كانت في يد الفرنسيين، والعراق في يد البريطانيين، وتركيا أقاموا فيها نظاماً علمانياً، نظام أتاتورك الذي خضع خضوعاً كاملاً للهيمنة البريطانية، حتى أنه كان في آخر حياته كما في كتاب الرجل الصنم، استدعى السفير البريطاني وأراد أن يستخلفه بعده في قيادة الدولة التركية الحديثة، وكانت الهند كما تعلمون تحت السيطرة البريطانية.
والمهم معرفته أن شعوب العالم الإسلامي وقعت تحت السيطرة الصليبية الغربية لأول مرة بهذا الشكل الواسع الكبير في الحروب الصليبية، استولوا على سواحل بلاد الشام ، واستمرت الحروب قرابة مائتين سنة، أما بعد الحرب العالمية الأولى فقد سيطروا سيطرة كاملة.
أيضاً من نتائج هذا الحرب: بروز بريطانيا وفرنسا كقوتين عالميتين بعد أن كانت الدولة العثمانية إحدى القوى العالمية قبل الحرب الأولى، وكانت بريطانيا تعتبر قوة عالمية، وألمانيا تنافسها، وفرنسا تنافسها، وروسيا تنافسها أحياناً، وبعد الحرب التي انتصرت فيها بريطانيا وفرنسا ، أصبحت هي القوة العالمية الموجودة في الساحة.
كذلك كان من نتائج هذا الحرب خروج أمريكا من عزلتها إلى العالم، فـأمريكا كانت قبل الحرب العالمية الأولى، ومنذ ما سمي بحرب التحرير التي قادها جورج واشنطن ضد الإنجليز، منكفئة على نفسها غير متصلة بالعالم، لا ترى أن تهتم بالعالم الخارجي، وفي الحرب العالمية الأولى ولأول مرة ولأسبابٍ أهمها: دفع اليهود لـأمريكا من خلال سيطرتهم على اقتصادها وإعلامها، والقرار السياسي فيها دفعهم لـأمريكا إلى الدخول في الحرب في جانب الحلفاء.
والسبب الثاني: الأسباب الاقتصادية والأطماع الاستعمارية، خرجت أمريكا في عهد ويلسن وشاركت في مؤتمر فرساي وكانت من الدول المنتصرة.
المهم أن العامل الثاني هو: الحرب العالمية الثانية وكان من نتائجها: أن حلت أمريكا وروسيا مكان فرنسا وبريطانيا ، وأصبح هناك استقطاب شرقي وغربي، وإن كان في الحقيقة الشرق والغرب يدين لليهودية العالمية، فمثلاً الاتحاد السوفيتي كان في الظاهر أنه ضد اليهود، والحقيقة أنه كان أحد ألاعيب اليهودية العالمية، ونسبة اليهود أقل من (1%) في الاتحاد السوفيتي ، لكن نسبتهم في مجلس السوفيت الأعلى عندما قامت الشيوعية كانت أكثر من (80%) واستمرت هذه النسبة في أقل أحوالها لم تقل عن (45%) يعني قبل سقوط الاتحاد السوفيتي وكثير من الأسماء المشهورة، مثل: بريماكوف وشيفردنا آرز وجوربتشوف، كانوا إما من أمهاتٍ يهودية، أو زوجاتهم يهوديات أو هم يهود وانتقلوا إلى النصرانية، والذي رأى جورباتشوف عندما زار إسرائيل وهو يلبس طاقية الحاخامية اليهودية ويقف تهطل دموعه عند حائط المبكى يدرك أي رجلٍ كان هذا.
المهم أنها برزت أمريكا وروسيا كقوتين عالميتين، تعملان لتحقيق المصالح اليهودية ، وأنتم تعلمون أن روسيا اعترفت قبل أمريكا بقيام دولة إسرائيل في عام (1948م) قبلها أظن بـ"17" دقيقة، كانا يتسابقان إلى هذا الحد! والذي يطلع على العلاقات اليهودية الشيوعية أظن لـعمر حليق يرى الأسرار الخفية التي قام بها الروس في سبيل إقامة دولة إسرائيل.
أيضاً من نتائج الحرب العالمية الثانية: نتيجة للحروب الجهادية التي قامت في العالم الإسلامي من مراكش غرباً إلى إندونيسيا شرقاً، والتي ظهر فيها من البطولات الشيء الكثير، فـعبد الكريم الخطابي في المغرب قاد حرباً جهادية ضد الأسبان والفرنسيين، وأوقع في آخر أيامه هزيمة بربع مليون جندي صليبي، وكان عدد المجاهدين الذين يقودهم لا يتجاوزون ثلاثين ألفاً، وكانت الصحف الأوروبية تدعو بالويل والثبور، وتقول: أن عبد الكريم الخطابي سيعبر كما عبر طارق بن زياد مرة أخرى إلى غرب أوروبا ، ويعيد الفتح الإسلامي.
وكذلك في الجزائر عبد الحميد بن باديس وأصحابه، وفي ليبيا عمر المختار، كذلك ما وقع في مصر خاصة في (1951م) ضد الإنجليز في قناة السويس ، وراجعوا كتاب كامل الشريف عن تلك الأحداث، وفي فلسطين منذ وطأتها أقدام الإنجليز أيام عز الدين القسام عليه رحمة الله، إلى أيام اليهود بعد ذلك، وكتائب المجاهدين تترا، كذلك في بلاد الشام ، وفي العراق، وأيضاً في تركيا قامت ثورة سعيد الكردي عليه رحمة الله ذلك العالم الجليل، وفي بلاد الهند قام علماء المسلمين وقادوا الجهاد ضد الإنجليز، وفي إندونيسيا قاد علماء المسلمين الجهاد ضد الهولنديين، وفي كل مكان.
المهم أنه بعد هذه الحروب التي كانت بين الحربين العالميتين، وأثناء الحرب العالمية الثانية اقتنع الاستعمار بأن يوجد بديلاً للقوة العسكرية المباشرة، أن يوجد هيمنةً من خلال أنظمةٍ تابعةٍ له، فربى أناساً على عينه، وسلمهم مقاليد الأمور، وابتدءوا بعد ذلك يمارسون الدور الذي عجز عن ممارسته الاستعمار في بلاد المسلمين.
أيضاً من آثار الحرب العالمية الثانية بالنسبة للعالم الإسلامي: انحسار الحكم الإسلامي من أغلب الأقطار الإسلامية، واستبداله بـالاشتراكية أو الليبرالية أو الديكتاتورية العلمانية، مهما مر على المسلمين من ضعف، فهناك قضايا لم تكن محلاً للمساومة ولا للتفكير والنقاش، منها الحكم بشريعة الله، ومنها وحدة الأمة المسلمة، وعدم وجود الفوارق فيما بينها.
ولما هيمن الاستعمار الغربي على بلاد المسلمين جزئت الأمة المسلمة إلى أممٍ متعددة ونحيت شريعة الله عن الحاكمية، واستبدلت بأنظمة وضعية اشتراكية أو ليبرالية أو ديكتاتورية قومية، وتعاقبت هذه الأنظمة على البلدان الإسلامية، مع اختلافٍ في ترتيبها، أيها المتقدم وأيها المتأخر، ولم تجنِ الأمة منها إلا التفرق والشتات والهزائم والفقر والذل.
أضرب لكم مثالاً: مصر عندما قامت الثورة -ثورة عبد الناصر - فيها كانت ديونها على بريطانيا خمسمائة مليون جنيه، بمقاييس ذلك الزمان تساوي اليوم خمسة مليارات جنيه، والآن تستنفذ الديون المصرية فوائد ربوية فقط من الاقتصاد المصري سنوياً قرابة ثلاثة مليارات دولار سنوياً، وخذ جميع البلدان الأخرى.
أيضاً من آثار الحرب العالمية الثانية: بروز الدولة اليهودية إلى عالم الواقع، وسيطرة اليهود على كثير من وسائل صنع القرار العالمي، وبعض العقبات التي كانت في طريق اليهود قضي عليها في الحرب العالمية الثانية، كـالنازية وموقفها من اليهود، وهتلر وموقفه، وإن كان استغل لمصلحة اليهود، لكن موقفه في كتاب " كفاحي معروف من اليهود "، قضي على هذه القوة الأخيرة، وسيطر اليهود على المعسكرات السياسية العالمية الكبرى، وقامت دولة اليهود في أرض فلسطين في عام (1948م)، وأصبح هذا الجسم الغريب في وسط أرض الأمة المسلمة، وعلى مقربة من مقدساتها، يستنفذ جهودها ويذلها ويشتتها ويمزقها.
أيها الأحبة: هذه بعض المقدمات التي لا بد من أن نلم بها، لندرك ماذا يعني النظام العالمي الجديد؛ لأن النظام العالمي الجديد لم يأتِ من فراغ، إنما كان نتيجة لجهود وأحداثٍ ووقائع سبقته، وكان بعد ذلك ثمرة لها كما هي سنة الله سبحانه وتعالى في الكون.
كل نقطة من النقاط السابقة تحتاج إلى بيانٍ وإيضاحٍ واستدلالٍ وتوثيق، لكن لطول الموضوع وسعته أكتفي بالإشارات التي أشرت إليها.
وأن أغلب دول العالم إن لم يكن جميع دول العالم تدور في فلك هذا المعسكر أو في فلك ذاك المعسكر، ولا شك أن كلا المعسكرين يحمل في طياته بذور وجذور فنائه، لكن أحدهما كان أكثر تصادماً واضطراباً وتنافراً من الفطرة البشرية من المعسكر الآخر، وهو النظام الشيوعي الذي كان أسوأ فكرة عرفتها البشرية، وأسوأ فلسفةٍ ونظامٍ طبق على الكرة الأرضية على مدار التاريخ.
ويذكرون أن استالين في مؤتمر يالطا عندما كان مع تشرشل وروزفلت لرسم حدود العالم الجديد بعد الحرب العالمية الثانية، فكان وهو يأكل قطعة من السندوتش يسأله تشرشل ، فيقول: هل صحيح أنك أبدت في الاتحاد السوفيتي (50) مليوناً من أجل تطبيق النظام الشيوعي؟ فقال له وهو يأكل السندوتش: نعم.
بهذا الاستخفاف وبهذه البساطة والسهولة خمسين مليوناً من البشر يبادون!
هذا السرطان الذي نشأ في الأرض نتيجة لجهود اليهود، وأنتم تعرفون أن ماركس يهودي، ولينين -كما تعلمون- من أمٍ يهودية وزوجته يهودية، وتروتسكي يهودي، واستالين زوجته يهودية، المهم أن اليهود هم الذين أخرجوا هذه الفكرة الجهنمية إلى البشرية، من أجل إشغال البشرية وتدميرها وإبادتها وإذلالها وتركيعها؛ لتسود مملكة شعب الله المختار في العالم، بعد إقامة دولة إسرائيل في أرض الميعاد كما يزعمون.
هذه الفكرة التي كانت تحمل عوامل فنائها في طياتها، كان من أهم أسباب سقوطها واقعياً وعملياً هو: الجهاد الأفغاني.
إن من فضل الله سبحانه وتعالى على الأمة المسلمة أن جعل سقوط هذه الفكرة الجهنمية، وانتهاء هذه القوة الأسطورية على أيدي شعبٍ مسلمٍ من الحفاة العراة العالة، الذين كان سلاحهم الوحيد الإيمان بالله سبحانه وتعالى.
وأنا أملك الأدلة والبراهين من أقوال قادة السوفيت أنفسهم وقادة الغرب أنفسهم، ومن الواقع من خلال التتبع لمسيرة الصراع بين المؤمنين الأفغان والملاحدة الشيوعيين الروس، ما كانت تنتظر أمريكا ولا حلف الأطلنطي أن حلف وارسو سيسقط بحربٍ نووية لا تبقي ولا تذر، لكن الله سبحانه وتعالى أسقطه على يد شعبٍ فقيرٍ لا يملك أسلحةً تقليدية، فضلاً عن أسلحة نووية.
وحين سقط هذا النظام أو هذه الفكرة، أورثت في العالم فراغاً، فتداعى العالم الغربي إلى سد هذا الفراغ، بما سمي بالنظام العالمي الجديد، والمؤرخ البريطاني الشهير الذي يعتبر من أشهر مؤرخي الغرب في هذا العصر تونبي كان يقول في بداية هذا القرن: إننا لا نخشى من الشيوعية فقد خرجت من جعبتنا وستعود إلينا، ولا نخشى من الجنس الأصفر، فهم أمة لا يملكون قيماً إلا قيم الحضارة الغربية، لكن خشيتنا من المارد الإسلامي إذا استيقظ مرة أخرى، وفوجئنا بصيحات التكبير ونداءات التهليل في جنوب أوروبا وأواسطها.
من هنا تستطيعون أن تعرفوا ما الذي يجري في البوسنة والهرسك ، وما الذي يجري على شواطىء البحر الأبيض الجنوبية الآن.
وخرجت دعوة التضامن الإسلامي: وكان من ثمراتها ما يسمى منظمة المؤتمر الإسلامي ، والبنك الإسلامي للتنمية، وهذه المنظمات الإسلامية التي جمعت المسلمين على -عجرهم وبجرهم- وحاولت أن توجد منهم قوةً عالمية على ما فيهم، ثم ظهرت بعد حرب (73م) قوة البترول الاقتصادية، وأصبحت الدول التي تمتلك هذه القوة تنمو اقتصادياً، وتؤثر في كثير من القوى العالمية، وامتدت آثار هذه القوة الاقتصادية لخدمة الدعوة الإسلامية من خلال فتح الجامعات الإسلامية، وإنشاء المراكز والجمعيات، وبدأ هذا المال إلى حدٍ ما يدعم طلائع الصحوة الإسلامية في شرق آسيا وأواسط أفريقيا ، وفي أوروبا وأمريكا ، فكان لا بد من وجود نظام عالميٍ جديد يوقف هذه القوة النامية، التي قد يُتوقع منها خطراً على المدى البعيد فلابد أن يوقفها عند حدها.
مثلت كذلك ظهور الصحوة بروز العالم الإسلامي كقوة على مستوى الحكومات، كذلك ظهور الصحوة الإسلامية المعاصرة على مستوى الشعوب المسلمة، ولئن أمكن الضغط على الحكومات واحتواء قوتها، فإن الضغط على الشعوب واحتواء قوتها أمرٌ متعذر أو قريبٌ من المتعذر، وقد برزت الصحوة الإسلامية في وقت ظن الغرب فيه أن الإسلام قد تُودع منه وأنه قد رحل إلى الأبد، وظهرت هذه الصحوة أو ظهرت بشائرها في الجامعات، التي ظن الغرب كما قالوا في تقاريرهم وفي كتاباتهم ظن الغرب أن هذه الجامعات هي المؤهلة لإنشاء جيلٍ علماني بعيد عن الدين الإسلامي.
فظهرت هذه الصحوة الإسلامية التي ما زالت تتنامى والتي كانت شاملة للساحة الإسلامية من إندونيسيا وماليزيا، بل من الفليبين حتى غرب أفريقيا، ولولا الإطالة لذكرت لكم بعض التقارير التي سمعتها في بعض الإذاعات الغربية، وبعض التقارير التي كتبت في بعض الصحف الغربية.
بل إن الغربيين رصدوا الصحوة الإسلامية فيما يسمى بـالاتحاد السوفيتي قبل سقوطه، وتحدثوا عنها قبل أن يتنبه المسلمون لها، والذي التقى ببعض رجالات الدعوة الإسلامية في تلك البلدان بعد سقوط الاتحاد السوفيتي علم كيف أن الغربيين كانوا يرسلون الوفود تلو الوفود، والباحثين بعد الباحثين لمعرفة تلك الصحوة، ومعرفة أبعادها، ومعرفة قوتها.
المهم أن هذه الصحوة الإسلامية التي ظهرت بين الشباب، وظهرت في الاقتصاد، وظهرت في الإعلام، وظهرت في جماهير الشعوب المسلمة، وظهرت في المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وظهرت في نداءات الجهاد في مواقع شتى من العالم الإسلامي، وظهرت في عودة الحجاب الإسلامي، وظهرت في ظهور الأنظمة الإسلامية المعاصرة التي يسعى المسلمون لتطبيقها في واقع الحياة، في الاقتصاد والإعلام والتعليم والتربية وما إلى ذلك، هذه الصحوة أقلقت الغربيين وأزعجتهم أيما إزعاج!
إذاً: هم كانوا يتطلعون إلى هذا الأمر ويسعون إليه، وكلماتهم وأقوالهم وكتاباتهم تؤكد ذلك، وأضرب مثالاً بـ" مجلة التايم الأمريكية " في إبريل عام (1991م) يعني: في وقت قريب جداً، تقول وهي تعرف النظام العالمي الجديد: إنه الهيمنة الأمريكية المطلقة، أو تقول هي نفسها: أو هو نظامٌ أمريكي يديره رئيس مخابرات سابق تقصد بوش.
وأيضاً بوش نفسه يقول: في المستقبل المنظور ليس هناك بلد سينازعنا القيادة ولن نسمح بذلك.
هذه أهم الأسباب في نظري التي عجلت بظهور النظام العالمي الجديد.
أهم ملامح النظام العالمي الجديد بعد أن أُعلن ميلاده، وظهر على مسرح الأحداث، وإن كانت فكرته لم تتبلور بشكلٍ نهائي محدد واضح، والذي يتابع ما كتب وما قيل عن هذا النظام يدرك أنه ما زال في طور التشكل، وأن أصحاب الجد والاجتهاد والفاعلين في هذه الحياة، يستطيعون أن يكون لهم دور في تشكيل هذا النظام، إن هم قصدوا ذلك وكانوا أهلاً له.
وأمريكا الآن -كما تعلمون- تهدد أي دولة في العالم، بل إنها تعترض حتى السفن في أواسط المحيطات، المتجهة من دولٍ إلى دولٍ أخرى، ببضائع وأسلحة لتمنع هذه السفن وتفتشها وتمنعها من الوصول إلى إيران أو إلى سوريا أو إلى غيرها، فالآن هي تحاول أن تهيمن على العالم عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، والاتحاد السوفيتي الذي كان نداً لها أصبح الآن يدور في فلكها، ويستجديها لقمة العيش ويحاول أن يدعمها لئلا يتناثر ما بقي منه، أي: روسيا.
إن حلف الأطلنطي أو حلف الأطلسي أنشئ أصلاً لمواجهة العالم الشيوعي، لمواجهة حلف وارسو، أما الآن وقد حل حلف وارسو وانتهى، وأصبحت دوله تدور في فلك الغرب، فما الداعي لبقاء حلف الأطلسي؟!
حين سُئل رئيس البرلمان الأوروبي عن هذه القضية، قال: أين ذهبتم من الإسلام؟ وفي مؤتمر روما الذي عقد في العام الماضي لإعادة تشكيل مهام حلف الأطلسي ، والتخطيط له من جديد، صرحوا بشكلٍ واضح أن مهام الحلف المنتظرة الجديدة هي في شمال أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط ، أي: في العالم الإسلامي. وسأقرأ عليكم إن شاء الله بعد أن أنتهي من عرض هذه النقاط بعض الشواهد على هذه القضية كما قلت.
أضرب لكم مثالاً لا زال الجميع يعيشونه: ما الذي حدث في الجزائر ؟ انتخابات والدولة هي التي أعلنت عنها، وهي التي سنت لها القوانين، وهي التي حددت موعدها، وهي التي أعلنت نتائجها، لكن حين كان الإسلام هو الفائز في هذه الانتخابات، يقول كليد شيسون وزير الخارجية الفرنسي السابق في مقابلة مع مجلة الأسبوع العربي أو الوطن العربي -لا أذكر- يقول: إن إلغاء العملية الديمقراطية الانتخابية في المطلق العام أمرٌ لا يجوز، ولا يمكن أن نرضى عنه، لكنه حين يكون في مثل حالة الجزائر أمرٌ واجب يتحتم المصير إليه، حتى لو أدى ذلك إلى قتلٍ وسجون ودماء.
هذا من رجال الديمقراطية ومن سدنتها.
المهم أن هذه هي نظرتهم للحركات الإسلامية، والواقع أنهم لا يفرقون بين هذه الحركات، إنما تختلف لديهم الأوليات في الإجهاز على هذه الحركة، أو تقديم تلك عليها في بلدٍ آخر.
قال فيها: إن دخل دول الأوبك من نفطها قرابة (75 مليار دولار) في العام، وأن الضرائب التي تجنيها أوروبا من هذا النفط مائتين وعشرة مليار دولار، يعني: ثلاثة أضعاف ما تجنيه الدول المنتجة، وكثيرٌ مما تجنيه هذه الدول المنتجة يذهب للخبراء والشركات، والقليل أيضاً الذي يبقى بعد ذلك يعود لاستيراد الأسلحة، واستيراد الكماليات، واستيراد الأجهزة من تلك الدول المصنعة؛ فهم يسعون للتحكم في الثروات العالمية، ولا تستطيع الآن دول الثروات العالمية -مثلاً: دول النفط أو غيرها من الدول ذات السلع الاستراتيجية- لا تستطيع أن تحدد هي انتاجها كما تريد، يعني لو أرادت أن تخفضه من (22) مليون برميل إلى (4) مليون أو (5) مليون لا تستطيع ذلك حتماً، بعكس الدول الغربية، يعني: هي في مجال التسليح -كما سنرى بعد قليل- تُعطي من تشاء كيف شاءت، وتمنع من تشاء، بل إنها تسعى لتدمير الأسلحة الموجودة عند بعض الدول الأخرى، فـالباكستان الآن تقع تحت التهديد، وقد منعت عنها المساعدات الغربية والأمريكية لسنواتٍ عدة، بسبب استمرارها في مشروعها النووي.
إذاً: هم يسعون بشدة لمنع هذه الدول -دول العالم الإسلامي خاصة ودول العالم الثالث بشكلٍ أعم- من اكتساب أي قوة عسكرية، تجعل هذه الدول تقف على قدميها، ومنعها من التحكم في ثرواتها، بل لا بد أن تكون مصالح الدول الغربية هي التي تراعى قبل أي شيءٍ آخر.
فهم ينظرون مثلما قال كسنجر قبل سنوات، يقول: إن البترول وضعه القدر خطأً في أيدي أناسٍ لا يستحقون الإشراف عليه، وكان يقترح أن يستولى على منابع النفط بعد حرب (73) وأن يُجلى الناس من هذه المناطق إلى مناطق أخرى في العالم.
وحين يُسأل الأمين العام للأمم المتحدة: هل القرارات الدولية ملزمة لإسرائيل ويمكن استخدام القوة؟ قال: إن القرارات الدولية غير ملزمة لإسرائيل، ولا يمكن استخدام القوة ضدها.
كذلك عندما يُهجر المسلمون في بورما وفي أماكن أخرى من العالم لا نرى للأمم المتحدة أي أثر لرفع الضيم عنهم.
وهذه القوة النامية الآن بدأت بلي ذراع أمريكا في كثير من القضايا، وقد بدءوا بإنشاء قواتٍ عسكرية خاصة بـأوروبا بعيداً عن حلف الأطلسي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية ، وبدءوا باتخاذ بعض القرارات الاقتصادية التي لا ترضى عنها أمريكا ، وهذه من المبشرات التي ينبغي أن يستغلها المسلمون، وأن يلجئوا من خلالها للاستفادة من النظام العالمي الجديد وتجاوز محاذيره.
كذلك ظهور التناقض الاقتصادي بين الولايات المتحدة الأمريكية واليابان ، وهذا بشكلٍ أبرز وأوضح من التناقض بين المصالح الأوروبية والأمريكية.
وكان أيضاً منفذاً لبعض الشخصيات الاقتصادية في العالم الإسلامي للسيطرة على بعض المؤسسات الاقتصادية في الغرب، وأعتقد أن هذه من أهم الأسباب لضرب هذا البنك.
كذلك أعتقد أن من أهم الأسباب -مثلما ذكرت سابقاً لإشعال حرب الخليج - هو ضرب القوة الاقتصادية لدول الخليج.
وهذا أمير طاهري في جريدة الشرق الأوسط قبل عدة شهور كتب مقالاً يقول: إن الغرب سيستفيد من صدام حسين في تدمير العراق ، وتدمير قوته العسكرية، وتدمير قوته الاقتصادية، فإن كان صدام حسين ذكياً فلن يعطيهم كل ما لديه دفعةً واحدة، لأنه بعد ذلك سيستنفذ الغرض من وجوده ويسقط، لكنه عندما يبقيه قليلاً قليلاً سيطول عمره وعمر نظامه.
إذاً: فهو يمثل دوراً مرسوماً له.
أيضاً كمثال: إسرائيل الآن التي لم تنفذ القرارات الدولية، والتي صدرت عليها المنظمة أكثر من عشرين عاماً، والتي تمتلك -كما تقول التقارير الغربية- أكثر من (200) قنبلة ورأس نووي، والتي تمتلك الأسلحة الكيماوية، لماذا لم يمارس أي نوعٍ من الضغوط والتدمير على هذه الدولة بمفردها فقط؟
وشامير قبل عدة شهور، قال: إن حماس تشكل خطراً على الأنظمة العربية المحيطة بإسرائيل، كما تشكل الخطر ذاته على إسرائيل. أما هاني الحسن عضو اللجنة المركزية في منظمة التحرير الفلسطينية فقد قال أيضاً: إن على إسرائيل أن تمد يدها لـمنظمة التحرير، قبل أن يسيطر الأصوليون على الساحة الفلسطينية، وحينئذٍ يُصبح الجميع في خطر.
وكان الأمير الحسن ولي عهد الأردن ورئيس المنتدى العربي قد قال -وهي أيضاً موجودة لدي في صحيفة هنا- قال: إن الأصولية في المنطقة خطرٌ مشترك علينا وعلى إسرائيل، وينبغي أن ننسق جميعاً لمواجهتها.
إذاً: هناك خطوات يسعى من خلالها لتمزيق المنطقة وتدميرها، منطقة شعوبها تدين بالإسلام، وتدفع أنظمتها إلى أن تتعامل مع الإسلام بهذه الكيفية، ما الذي تتوقعونه من نتيجة؟
لو كان هناك تفكيرٌ منطقي كمثال في الجزائر، الجزائر استعمرتها فرنسا أكثر من مائة وثلاثين عاماً، وحكمت بعد بذلك بحكمٍ قريبٍ من الماركسية قرابة ثلاثين عاماً، وحينما أعطي الشعب فرصته صوت أكثر من (80%) منه للإسلام، والمفترض أن يكون في هذا عبرة وعظة للعقلاء من الدعاة والمفكرين والحكام في المنطقة الإسلامية، ليعلموا أنه لا مكانة ولا استقرار لهذه المنطقة إلا في جو أو في ظل الإسلام.
أيضاً في الوثيقة التي أُذيعت في صوت أمريكا قالوا: إن الدول التي تسعى للتطبيق الحرفي للإسلام، أو تطبيق بعض أحكامه المتشددة، إذا لم يمكن إقناعها يجب السعي على المدى البعيد في إسقاط أنظمتها وتغيير تشريعاتها، وكأنهم يشيرون بذلك إلى السعودية .
ولو أخذت منظمة المؤتمر الإسلامي مداها البعيد المنتظر لها، وتوحدت هذه الدول على اختلاف توجهات أنظمتها حتى وإن كان كثيرٌ منها لا يمت للإسلام بصلة، لكنها ستشكل قوة تصبح خطراً حينئذٍ على المشاريع والمصالح الغربية.
أيها الأحبة: هذه أهم الآثار المتوقعة للنظام العالمي على الشعوب الإسلامية، وكل نقطة من هذه النقاط أملك الوثائق التي تدلل عليها، لا أقطع بأنها وثائقٍ قطعية لكنها معلوماتٍ نشرت وقيلت وأذيعت في مواقع مختلفة، أقل ما تورث للإنسان في هذه النقاط الظن إن لم يكن الظن الغالب.
الأمر الأول: إخضاع المسلمين للدول الغربية.
الأمر الثاني: السيطرة على ثرواتهم، وتنحية دينهم من واقع حياتهم.
الأمر الثالث: من الممكن أن يخضع المسلمين، ومن الممكن أن يسيطر على ثرواتهم، وأن يحارب دينهم، لكنهم رافضون لهذا الأمر.
الأمر الرابع الذي يسعى إليه على المدى البعيد هو: جعل المسلمين يعيشون في وئامٍ واستسلامٍ وخنوعٍ لغيرهم، يعني في النهاية لا يتأففون من الواقع الذي يعيشونه.
نحن نؤمن بأن الإسلام حق وأن الكفر باطل، وأن المسلمين حملة الحق، وأن الغربيين حملة الباطل، هذا في العموم المطلق.
هل يمكن أن يكون هناك وئامٌ وسلام واتفاقٌ بين الحق والباطل؟ نستقرئ التاريخ، ولنبدأ من أول الرسالات بين نوحٍ وقومه، ثم نمر على إبراهيم، ونعرج على موسى وعيسى، وصولاً إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك نستقرئ التاريخ الإسلامي.
لقد كان هذا التاريخ تاريخ صراعٍ مرير بين الحق والباطل، لقد كان تاريخ دماءٍ وأشلاء وتضحيات وحروب، لقد كان هذا التاريخ تاريخ ما تهدأ معاركه إلا لتثور مرة أخرى.
إن الله سبحانه وتعالى قد أنزل الحق في الأرض، ليصلح واقعاً قائماً باقياً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولن تستطيع قوة في الأرض أن تطفئ نور الله، بل سيتم الله سبحانه وتعالى نوره، وكلما ظن الناس أن الإسلام قد أفل نجمه ورحل استعاد دوراً جديداً، وعاد بدورة جديدة لقيادة البشرية وتاريخ البشرية في العالم.
أيها الأحبة: هذا الواقع الذي نستعرضه على مدار تاريخ البشرية يؤكد لنا أن ما يسعى إليه النظام العالمي الجديد وسدنته من إخضاع المسلمين والسيطرة عليهم، إنما هو وهمٌ وخيال؛ وإنما هو سرابٌ يسعون وراءه، وأن الصراع سيتأجج أكثر وأكثر، وأن المسلمين كلما سمعوا خسفاً كلما عادوا إلى دينهم.
أنتم تعلمون أنه بعد الحروب الصليبية، وبعد مذكرات لويس التاسع التي كتبها بعد أسره في مصر، هذه المذكرات التي أشار فيها على الأوروبيين بأن يتجهوا إلى الحرب العقائدية الفكرية، وأن يرفعوا أيديهم عن الحرب العسكرية، لأنها لا تجدي، إنما تزيد المسلمين تمسكاً بدينهم، بعد الحرب الفكرية التي استمرت بضعة قرون، نرى الغربيين الآن قد عادوا مرة أخرى إلى الحرب العسكرية والتصفية البدنية، وهذا دليلٌ على فشل مخططهم الذي استمر مئات السنين، الذي يجري الآن في البلقان في البوسنة والهرسك، والذي جرى في مواقع أخرى من العالم الإسلامي وإن كان في ظاهره مأساة، لكنه يحمل في طياته البشرى للمسلمين، لو لم يشعر الأعداء بيقظة المسلمين وخطورتهم على مشاريعهم ما حدث هذا في البوسنة.
من كان يتوقع أن في أواسط آسيا وأن في يوغسلافيا بعد سقوط الظلام الشيوعي، ستظهر حركات إسلامية شابة، نشأت في السجون وفي المعتقلات تدافع عن الإسلام، وتصر على أن تقيم نظامه مرة أخرى في هذه المناطق من العالم؟
إذاً: فالصراع باقٍ ما بقيت السماوات والأرض بين الحق الباطل، حدثنا عن ذلك القرآن الكريم.
يقول سبحانه وتعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ [البقرة:251] .
إذاً: هو سنة كونية قدرها الإله سبحانه وتعالى.
ويقول سبحانه وتعالى: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217] ... وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120] .
ثالثاً: الصراع يقينية من اليقينيات التي حدثنا عنها القرآن الكريم، وهذا هو المحور الثالث الذي من خلاله نلقي الضوء على النظام العالمي الجديد وموقفنا منه.
إذاً: فليس هناك سلام، حتى في ظل النظام العالمي الجديد، وما يسمى بمجلس الأمن الدولي، وما يسمى بهيئة الأمم المتحدة، وقبلها عصبة الأمم، وبعدها النظام العالمي، وبعدها الهيمنة الأمريكية، نحن أمةٌ يحركها قدر الله، ويقودها كتاب الله، ويحدد معالم طريقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعلاقة بيننا وبين أعدائنا من خلال إحدى ثلاث صور:
الصورة الأولى: إما أن يدخلوا في دين الله، فهم إخواننا لهم ما لنا وعليهم ما علينا.
الصورة الثانية: إما أن يدفعوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون.
الصورة الثالثة: إما السيف بيننا وبينهم.
نعم: كلامٌ مثل الخيال في واقعنا المعاصر، لكن حقائق الإسلام لا تتغير ولا تتبدل، وينبغي أن نحافظ عليها، وأن نسلمها غراء نقية للأجيال التي بعدنا، كما سلمتها لنا الأجيال التي قبلنا.
خامساً: أحكام الولاء والبراء في الشريعة الإسلامية: هذا النظام العالمي الجديد يسعى ليس فقط لجعل المسلمين والكافرين على قدم المساواة، بل جعل الهيمنة لأعداء الله، وجعل المسلمين يخضعون لهم ويستسلمون وينقادون، والله سبحانه وتعالى يقول: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22] أحكام الولاء والبراء أحكامٌ أصيلةٌ في عقيدتنا، والنظام العالمي الجديد يتناقض مع مقتضيات أحكام الولاء والبراء، والنبي صلى الله عليه وسلم يحدثنا أنه سيبقى من المسلمين فئة منتصرة في الأرض، منتصرة أولاً بمبادئها وصفاء عقيدتها وثباتها على الحق، وثانياً: منتصرة بنصر الله سبحانه وتعالى لها عندما تكون مؤهلة لذلك.
هذه الفئة تحدث عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرةٌ على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يرث الله الأرض ومن عليها).
إذاً: نحن مع أعدائنا سواءً في النظام العالمي الجديد أو فيما سبق أو فيما يتلوه في صراعٍ لا في وئام، هذه هي نظرة العقيدة الإسلامية إلى النظام العالمي الجديد.
تأملوا في هاتين الآيتين أيها الأحبة: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [محمد:7] شرط وجوابه، طلبٌ وجوابه، وإذا تحقق الشرط تحقق الجواب لا محالة، على مقتضى أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، الشرط: إن تنصروا الله، نصر الله بتطبيق شرعه في واقع حياتنا، سينصرنا حينئذ، ومن كان يتصور أن الشيوعية ستسقط بهذه الصورة، ومن كان يتصور أن الاتحاد السوفيتي سيسقط بهذه الصورة؟!
أحمد ياسين أجريت معه مقابلة في يوم محاكمته قبل شهور في فلسطين نشرت في الشرق الأوسط فقالوا له: إنك خيالي حين تنادي بتدمير إسرائيل، كيف يمكن أن تدمر إسرائيل في هذا الواقع الذي نعيشه؟
فقال: هل كان يُصدق أحدٌ قبل سنوات أن الاتحاد السوفيتي سيتدمر وينتهي؟!
فقالوا له مرة أخرى: إن الآخرين يتهمونك بأنك تقدم التضحيات وتدفع الشباب للاستشهاد، لكنك لا تملك البدائل أو لا تستطيع أن ترسم الخط للوصول إلى النصر.
قال: إن الذي نملكه هو أن نلقى الله سبحانه وتعالى ونحن لم نفرط في الأمانة، نعم إذا نصرنا الله .. كما أن سقوط الشيوعية في أفغانستان آية، فأنا أعتقد أيضاً أن رجلاً مشلولاً مُقعداً لا يتحرك منه الآن إلا لسانه يحرك صبية وشباباً لا يملكون إلا الحجارة فيقلقون إسرائيل، ويدمرون اقتصادها، ويحققون ما لم تحققه الجيوش العربية الجرارة في أربعين عاماً، أعتبر أيضاً هذا آية من آيات نصر الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين الذين يقودون هذه الانتفاضة في فلسطين .
وتأملوا ما نشر عن مروان الزايغ الذي قتل في غزة ، استشهد قبل أسابيع، هذا الشاب التي بدأت المعركة عندما هاجموا موقعه في الساعة الثالثة من الليل إلى الساعة التاسعة، استخدمت فيه الطائرات المروحية، وقتل عددٌ من اليهود من الضباط والجنود، وقالوا: إنه متهم بقتل ما لا يقل عن (27) يهودياً منهم الحاخام اليهودي الذي كان في غزة ، ومنهم جرح الحاكم العسكري في غزة ، هذا الشاب عمره (19 عاماً) هذا الشاب كان يواجه القوة الإسرائيلية واثنين معه لمدة ست ساعات أو أكثر من ست ساعات..!
نعم أيها الإخوة: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] والذين ملأ الإيمان جوانحهم لا ترهبهم أمريكا ، ولا ترهبهم أوروبا ، عندما كنت ألتقي مع قادة المجاهدين -التقيت مع بعض قادة المجاهدين- سنة (1403هـ) فكنت أقول له: هل تتوقع أن يتحقق النصر لكم في أفغانستان في هذا الجيل؟ قال: لست مسئولاً عن هذا، إنني مسئولٌ عن أن أنصر دين الله في الأرض، وعند ذاك أمر نصر عباده في الأرض عائدٌ إلى الله سبحانه وتعالى: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] .
أيها الإخوة: يجب أن نتجاوز كثيراً من الجزئيات، وكثيراً من الأمور الصغيرة، يجب على الدعاة بالدرجة الأولى أن يوحدوا صفوفهم، وأن يكونون على قدر القضية التي يعيشون لها، وأن يستوعبوا ما يراد بأمتهم، ويجب على من فيه خيرٌ من الحكومات في البلاد الإسلامية، أن يلتفوا مع شعوبهم، ومع دعاة الإسلام في هذه الشعوب، وأن يضعوا أيديهم في أيدي بعض، وأن يقفوا صفاً واحداً في وجه هذه الهجمة البربرية اليهودية الصليبية مرة أخرى.
أيها الإحبة! هذا الكتاب العظيم جمع قوانين النصر في هذه الأرض، الله سبحانه وتعالى قد أراح الأمة المسلمة فلا تحتاج إلى كثير بحث، ولا إلى تخطيط، ولا إلى فلسفات ولا إلى نظريات، ولا إلى خبراء، ولا إلى استراتيجيات، ففي أفغانستان كان سازنور راعي الغنم في جلال أباد، الذي كان يحفظ كتاب الله، كان ينـزل الهزائم المتتالية بجنرالات روسيا، الذين درسوا أرقى النظريات في الدراسات الاستراتيجية، وكليات القيادة والأركان، والأسلحة العابرة للقارات.
رجل راعي غنم هزم الجنرالات بعضهم على بعض، حتى أن أحدهم عندما عاد أسلم الآن في كازاخستان وهو جنرال مؤذن الآن في مسجد، كان نصرانياً شيوعياً أسلم نتيجة المعارك التي قادها في مواجهة سازنور ، ونشرت معه قبل عدة أشهر مقابلة في ( جريدة المسلمون ).
أيها الأحبة: إذا نحن صبرنا واتقينا وثبتنا ووحدنا صفوفنا، كان النصر حليفنا بإذن الله، مهما كان واقعنا، أي: واقعنا المادي.
أيها الإخوة: إن أمل الأمة هم الدعاة، وأمل البشرية هي أمة الإسلام، وحين يبقى الدعاة في تفرقهم وتشتتهم وتمزقهم، فلا يُرجى للأمة نصر، وحين تبقى الأمة متخلفة في ذيل البشرية فلا يرجى للبشرية سعادة، وسيصبح المسئول عن شقاء البشرية كلها هم دعاة الإسلام، الذين يختلفون في السنن ويضيعون الواجبات، والذين يهدرون الفرائض في غبار المعارك حول المندوبات والجزئيات، والذين تحتدم المعارك بينهم حول المصالح الصغرى ويتناسون المصالح الكبرى.
أيها الإخوة: إنني أنادي من هذا المنبر كل داعية وكل عالم وكل طالب علم، وكل شابٍ من شباب الصحوة: إلى أن يمد يده لإخوانه الآخرين، وأن يقيم الجسور معهم، وأن يعلم أن الجميع في خندقٍ واحد، وأن يعلم أن الأعداء يختلفون في الأوليات، أما الجميع فهم متفقون على حرب كل من دعا إلى لا إله إلا الله محمد رسول الله، وسأبين لكم هنا أيضاً بعض هذه الوثائق مما يؤكد هذا.
ولا يتصور الدعاة عندما يستنفذون جهودهم الطويلة في الصراع مع الحكومات التي كان يمكن الوصول إلى الأهداف بدون هذا الصراع، أنهم سيخلصون في النهاية وهم أقوياء، قادرين أن يقفوا على أقدامهم في مواجهة أعداء الإسلام، نعم هذه وجهة نظر.
نحن الآن في وقت تغير فيه كل شيء، ولا بد أن ندرك هذه المتغيرات وأن نستوعبها، لا بد أن تستوعبها الحكومات، وأن يستوعبها الدعاة، وأن يستوعبها حملة الأفكار الأخرى، وأن يعلموا أن الإسلام عاد مرة أخرى ليهيمن على هذه الأمة، نحن لا نطلب من أصحاب الفكر العلماني، وأصحاب الفكر اللبرالي، وأصحاب... وأصحاب... لا نطلب منهم أن يغمضوا أعينهم ويعتنقوا الفكر الإسلامي، لكن نطلب منهم أن يفتحوا عقولهم، وأن يناقشونا بصدورٍ رحبة، وأن يعطونا من الحرية في النقاش والحوار ما يعطيه اللبرالي للماركسي، ويعطيه الاشتراكي للرأسمالي، وحينئذ سيجدون كثيراً من الخير، الذي كان يبحث عنه من كان محباً لأمته منهم.
متى يستيقظ هذا الإعلام ويصطلح مع هذه الأمة؟
على الأقل يكون في مستوى الإعلام الجاد الغربي، الذي ينقل الحقائق إلى شعوب العالم أجمع، نحن في حاجة إلى إعلام، أيها الأحبة: هناك إحصائيات تؤكد أن البرامج الإسلامية في الإعلام أقل من (20%) إحصائيات رسمية، وهذه البرامج أيضاً كثيرٌ منها فيه ما فيه وعليه ما عليه، ويشطب منه ما يُشطب، طيب و(80%) لمن؟ ألسنا أمة مسلمة؟ ألسنا شعوبٌ مسلمة؟
ألا ينبغي أن يعبر الإعلام عن شخصيتنا، وأن ينشئ أجيالنا على حقيقة رسالتنا التي نحملها؟ هذه أيها الأحبة أهم هذه النقاط.
يقول أيضاً: لتوزيع ثروة دول الخليج التي أصبحت حافزاً للهجوم العدواني، سيقع إنشاء بنك للتعمير تسيره دول الخليج ، غير أن السياسة الرئيسية لهذا البنك ستضعها أمريكا وبريطانيا وفرنسا.
ويقول: لإيقاف التأثير المتزايد للإسلام والمشكلة الفلسطينية -هذه مقتطفات- يجب اتخاذ الإجراءات التالية:
أولاً: إشغال المسلمين بتناقضات ليحارب كلٌ منهم الآخر؛ للقضاء على قوتهم، كأن يُستخدم محمد الغزالي في إثارة الجدل عن وضع المرأة في الإسلام.
ويقول: إذا طبقت أي دولة الشريعة الإسلامية يجب بذل الجهود لإلغاء ذلك، مثل تنفيذ الحدود في السعودية، ويجب إقصاء بعض المشايخ وإيقاف أنشطتهم ويجب القضاء على كل أنواع الفعاليات الإسلامية، وبتغيير الحكومات يجب التخلص من بعض القوانين الشرعية، ويجب ألا تعطى وجهة نظر المشايخ مكاناً بوسائل الإعلام، لمنعهم من التأثير في الرأي العام، ويجب عدم السماح للعناصر الإسلامية من الوصول إلى الوظائف الحكومية الحساسة، ويجب ألا يكون ذلك قاصراً على دول الخليج فقط بل يمتد أيضاً إلى الدول الإسلامية الأخرى، ويجب عدم السماح للإسلاميين للتأثير بالوسائل التعليمية والإعلامية.
ويقول أيضاً: لا يُسمح للإسلاميين بالعمل في المجال الاقتصادي والعمل في المجال الاجتماعي والترفيهي، بحيث يكون لهؤلاء تأثيرٌ حتى خارج أقطارهم.
يقول: يجب تغيير نظم التعليم والثقافة، وتوسيع برامج الإذاعة والتلفزيون، ويجب خلق عداواتٍ بين التيارات الإسلامية، مثل: سلفي وإخواني، ويجب إقحام الدول التي لديها فكرٌ إسلامي مثل باكستان والسودان في خلافاتٍ ومشاكل. هذا أُذيع في صوت أمريكا في (6 مارس 1991م) وهذه مقتطفات فقط من بعض ما ورد فيه.
وتحت عنوان "العالم الحقيقي" استهل نكسن الفصل الأول من الكتاب مؤكداً على أن العالم اليوم ليس فيه إلا قوة عظمى واحدة، وهي الولايات المتحدة الأمريكية ، قائلاً: يجب على أمريكا أن تقود العالم أجمع في السنين القادمة، وأيضاً يقول: إن علينا أن نراجع سياستنا في ضوء الحقائق الخمس الجديدة الآتية:
أولاً: وجود ضمانٍ للأمن والسلم في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي، يعني: لم يعد هناك حاجة للحشود العسكرية.
ثانياً: الجمهوريات الديمقراطية الجديدة الهشة في أوروبا الشرقية.
ثالثاً: ألمانيا متحدة ولكن مبتعدة عن أمريكا.
رابعاً: الاتحاد التدريجي المستمر لـأوروبا الغربية.
خامساً: انهيار الشيوعية السوفيتية.
ويختتم هذا الفصل بقوله: إلا أن هذا الوطن المشترك عبر الأطلنطي، يجب أن يقوم على الأعمدة الخمسة التالية، يعني محاولة إبقاء أوروبا تحت الهيمنة الأمريكية.
أولاً: شمول وضمانات حلف الأطلنطي لدول أوروبا الشرقية، تدخل أوروبا الشرقية في حلف الأطلسي ضد من؟
ثانياً: تعاون وثيق بين الولايات المتحدة وألمانيا.
ثالثاً: سياسة الباب المفتوح مع الجمهوريات المستقلة الجديدة.
رابعاً: إعادة بناء حلف شمال الأطلسي ليتأهب لمهمته الجديدة.
ويجيء الفصل الخامس وهو أهم فصول الكتاب على الإطلاق، بالنسبة لنا نحن المسلمين، تحت عنوان: العالم الإسلامي. حيث يستهل نكسن الفصل موضحاً النظرة الأمريكية للمسلمين.
فيقول: يميل كثيرٌ من الأمريكيين إلى وصف المسلمين بأنهم غير متحضرين، لا يغتسلون، بربريون، همجيون، غير عقلاء، يجذبون اهتمامنا فقط؛ لأن بعض قادتهم لديهم ثروةً كبيرة تحكم منطقة تحوي بالمصادفة ما يزيد على ثلثي احتياطي النفط في العالم، فقط هذه نظرتهم لنا، مستودع للثروة العالمية.
نعم يقول: ولا توجد دولةً ولا حتى الصين الشيوعية تحظى بصدارة سلبية في الضمير الأمريكي، كما هو الحال بالنسبة للعالم الإسلامي.
ويقول: ويحذر بعض المراقبين -هذه قضية أخرى- من أن الإسلام سيصبح قوةً جيوبلوتيكية واحدة ومتعصبة، وأن تزايد عدد السكان والقوة المالية التي يتمتع بها ستشكل تحدياً رئيسياً، وأن الغرب سيضطر إلى تشكيل حلفٍ جديد مع موسكو لمواجهة عالمٍ إسلامي معادٍ ومعتدٍ.
ثم يتحدث أيضاً عن القنابل الموقوتة التي تحدثنا عنها فيقول: إن الصراعات والتنافسات في العالم الإسلامي جعلت منه مرجلاً للنـزاعات، والقائمة القصيرة لهذه النـزاعات تشمل المغرب ضد الجزائر ، وليبيا ضد الجزائر ، وليبيا ضد تشاد ، والعالم العربي ضد إسرائيل، والأردن ضد السعودية ، وسوريا ضد إيران ، وباكستان ضد أفغانستان ، والهند ضد باكستان وبنجلادش ، وإندونيسيا ضد ماليزيا ، وإن الكثير من الدول هي تآلفات اصطناعية من عدة دولٍ أو مجموعاتٍ عرقية، وأن التنازع الداخلي يسود المنطقة، وكثيرٌ من الدول في العالم الإسلامي هي لبنان المستقبل -انظروا واسمعوا، هي لبنان المستقبل- تنتظر ما يمكن أن يحدث، إن التيارات السكانية والاقتصادية والسياسية تجعل النـزاع المتزايد أمراً لا مفر منه، إن عدد سكان الشرق الأوسط سيتضاعف بحلول عام (2010م) وفي الوقت نفسه فإن اقتصاديات المنطقة لن تنمو بما فيه الكفاية لمنع انخفاض مستويات المعيشة، مما سيعرقل قدرة الحكومات على دفع التهديد، واستتباب الاستقرار والسلام.
وفي مناطق كثيرة فإن المصادر الأساسية مثل المياه، ستصبح أكثر ندرة مما سيؤدي إلى نشوب نزاعاتٍ أو حتى حروبٍ حول السيطرة عليها.
الشعوب الإسلامية ليس بينها أي تآلف، أما الشعب الأمريكي الذي اجتمع من جميع آفاق الأرض فهو شعب متوحد في وجهة نظره.
وينتقل نكسن للحديث عن عملية السلام بين العرب وإسرائيل، ويوضح الأسباب التي تجعل أمريكا تمضي قدماً في عملية السلام فيحددها في ثلاثة أسباب:
الأول: أن النـزاع العربي الإسرائيلي يشوه ميزانيتنا للمساعدات الخارجية.
ثانياً: النزاع العربي الإسرائيلي يسمم علاقاتنا مع العالم الإسلامي، ويقلل من قدرتنا على التعاون مع دولٍ يحكمها تحديثيون وزعماء موالون للغرب.
ثالثاً: النـزاع العربي الإسرائيلي يشكل خطراً على الولايات المتحدة في حربٍ تستخدم فيه الأسلحة النووية.
ويستطرد نكسن بأن الظروف الحالية هي أفضل ظروفٍ لإسرائيل منذ خمسة وأربعين عاماً، وأن عليها أن تقتنص هذه الفرصة حيث التشرذم والتفكك العربي يعطي الفرصة لإسرائيل كي تحصل على ما تريد.
ويلخص نكسن الأوضاع المحيطة بإسرائيل فيما يلي:
العراق تم سحقه في الحرب وهو معزولٌ في العالم العربي، ومثقلٌ بالديون والتعويضات، ولا يستطيع بعد الآن أن يُشكل تهديداً عسكرياً هجومياً تقليدياً لإسرائيل.
منظمة التحرير فقدت الثقة بتحالفها مع العراق، وخسرت من كانوا يقدمون لها المال في السابق مثل السعودية .
سوريا اقتصادياً ضعيفة، ولا يمكن أن تساورها أية أوهام بعد حرب الخليج .
الأردن مخنوقة بين تهديدات الراديكالية السياسية والانهيار الاقتصادي، ولا تستطيع أن تشكل تهديداً حقيقياً لإسرائيل.
مصر الدولة العربية الوحيدة التي وقعت على معاهدة سلام مع إسرائيل، والقوة العربية الرئيسية المعتدلة، وقد استعادت موقعها كزعيمٍ للعالم العربي.
إن يدي إسرائيل القوية سوف تضعف لا محالة مع الوقت، ويجب على إسرائيل أن تتفاوض الآن حيث أنها أقوى من أيٍ من أعدائها، بدلاً من الانتظار حتى تجبرها القوة المتزايدة لأعدائها على ذلك، إن جوهر سياسة أمور الدولة الناجحة هو اقتناص الصفقة في أفضل اللحظات، وبالنسبة لإسرائيل فإن ذلك الوقت هو الآن.
وعن وجهة نظر نكسن في إمكانية تحقيق السلام بين العرب وإسرائيل ودور أمريكا في التسوية، تجده يتحدث إلى أن يقول: إن التسوية السلمية بواسطة الولايات المتحدة يجب أن تكون لها أربعة أهداف:
1/ اعتراف دبلوماسي كامل بإسرائيل من قبل جيرانها.
2/ حدودٌ آمنةً لإسرائيل.
3/ إعادة أراضٍ للدول العربية اُحتلت عام (1967م). أراض!!
4/ حكومةٌ ذاتية للفلسطينيين.
ثم -أيضاً- يتحدث وينصح صُناع السياسة الأمريكية، بأنهم إذا أرادوا التعاون مع العالم الإسلامي فعليهم بهذا النص: المناورة داخل وكر أفعى، والتنبه إلى سر النـزاعات الأيدلوجية، والصراعات الوطنية، حتى بين الأصوليين. يعني: حتى الحكومات الإسلامية الموالية لهم ينظرون إليها باعتبارها أفاعي ويتعاملون معها على هذا الأساس، نعم.
أيضاً يتحدث عن الأصولية، فيقول: الأصولية هي صورٌ تلفزيونية مألوفة ومؤلمة، لقد عصبوا أعين الرهائن الأمريكيين، وطافوا بهم أمام سفارتنا في طهران وقتلوا (341) بحاراً أمريكياً على الشاحنة التي نسفت الكناتن في بيروت، واختطفوا الرهائن الأمريكيين، وجعلوهم قيد الأسر في جنوب لبنان.
هذه الأحداث تلخص العنف السياسي للأصوليين الإسلاميين المتطرفين على المسرح العالمي، إنهم مدفوعون بكراهيتهم الشديدة للغرب، وتصميمهم على استعادة تفوق الحضارة الإسلامية عن طريق إعادة الماضي، وهم يسعون إلى تطبيق الشريعة، ورغم أنهم ينظرون إلى الماضي كمرشدٍ للمستقبل فهم ليسوا محافظين وإنما ثوريون، وقبل أن يبنوا الجديد فإنهم يعتزمون تدمير القديم.
نعم يتحدث نكسن عن موقف أمريكا من الحرب العراقية الإيرانية فيقول: إن مصالحنا تطلبت ألا يخرج أيٌ من الجانبين كمنتصرٍ حقيقي، وإدارة ريجن تصرفت بصورة صحيحة في اللعب على الجانبين، يعني: تأملوا أيها الأحبة كيف يُتلاعب بمصير هذه الأمة.
نعم في جريدة المسلمون -أظنه في العدد الأخير- إشارة سريعة إلى هذا الكتاب -كتاب نكسن - أنقل لكم ملخصاً سريعاً عن الكتاب يقول: يقول الرئيس نكسن صراحة: إن أكثر ما يهمنا في الشرق الأوسط هو البترول وإسرائيل، ولو أنهما لا يسيران دائماً في اتجاهٍ واحد، إن مصالحنا تحتاج إلى حسابات معقدة، فعلينا المحافظة على بقاء إسرائيل وفي الوقت نفسه التعاون مع الدول العربية المعتدلة لضمان أمن الخليج من أجل البترول، إن التزاماتنا نحو إسرائيل عميقةٌ جداً، فنحن لسنا مجرد حلفاء ولكننا مرتبطون ببعضنا ارتباطاً أخلاقياً، ولكن التزامنا ينبع من ميراث الحرب العالمية الثانية، والتزامنا الأدبي والأيدلوجي تجاه مساندة الديمقراطيات الضعيفة، فلن يستطيع أي رئيس أمريكي أو كونجرس أن يسمح بتدمير دولة إسرائيل، فإذا اندلعت الحرب مرة ثانية، فلا مناص من تدخلنا بطريقٍ مباشر أو غير مباشر، خصوصاً أن إسرائيل تمتلك سلاحاً نووياً، وأعدائها العرب يملكون أسلحة كيماوية وبيولوجية.
هذا رجل تولى أمريكا في فترتين رئاسيتين، وكان من أشهر الرؤساء الأمريكان، وهذه نظرته ولا زال يُستشار في كثيرٍ من القرارات الأمريكية.
استمعوا إلى كلمة هنا لـبوش ، هذا في جريدة قضايا دولية نقلاً عن تقرير الكونجرس الاستراتيجي الأمريكي لعام (1991م) من ضمن الكلمة التي ألقاها، يقول: وبالنسبة لـأمريكا لن يكون هناك تراجعٌ عن القضايا الدولية، ونحن نرى دورنا الخاص واضحاً ضمن المجموعة الأرحب للأمم، وينبغي ألا نحمي مواطنينا ومصالحنا فحسب، وإنما يجب أن نساعد في خلق عالمٍ جديد لا تحيي فيه قيمنا الأساسية فحسب، بل تنتعش وتزدهر، ويجب أن نعمل مع الآخرين، ولكن يجب أن نظل القادة أيضاً .. هذه كلمة لـبوش.
وكتب علي الدين هلال في جريدة الحياة مقالة في (13 ذو القعدة) يقول فيها: النظام العالمي الجديد لن يكون شيئاً مغايراً تماماً لما سبقه، بل ستكون هناك عناصر واستمرار لبعض الجوانب، وسيكون تعديل لجوانب أخرى، وإدخال لعناصر جديدة، وكنتيجة للتفاعل بين تلك العمليات الثلاث تبرز صورة جديدة للعالم. هذا الرجل أستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة القاهرة ومدير مركز البحوث والدراسات السياسية فيها.
هنا أيضاً بقلم محمود عوض في مجلة الفرسان العدد (696) يتحدث عن لاعب القرن القادم خصم أم شريك، ينقل عن رئيسة الوزراء الفرنسية السابقة، تقول: إن اليابان خصمٌ لا يحترم قواعد اللعبة، ورغبتها الطاغية -يعني رغبة اليابان - أن تغزوا العالم، والذين لا يرون ذلك لا بد أنهم مصابون بالعمى، وتقول مرة أخرى: هناك حربٌ اقتصادية عالمية جارية تقودها اليابان، وفرنسا ليس لها مركزٌ قياديٌ فيها.
أيضاً هناك مقال في ملف تاما الصحفي منقول من صحيفة الوطن الكويتية بتاريخ (19/6/1412هـ) عنوانه آسيا هي التي ستختبر مصداقية أمريكا كدولة عظمى في العام المقبل، مما ورد فيه يقول: وأخيراً أتاح سقوط الشيوعية في الاتحاد السوفيتي الفرصة أمام اليابان للمضي قدماً في الطريق التي تسلكه، وهي الزعامة السياسية الإقليمية التي تتماشى وقوتها الاقتصادية.. نعم هذه كلها توثيقات لبعض القضايا.
أيضاً منذر الأسعد في جريدة المسلمون في (18/9/1991م) يقول: النظام الدولي الجديد والحقائق الغائبة، مما قال: ولكي نبرهن على الحقيقة نشير إلى ثلاثة أنظمة دولية عرفها العالم في القرن العشرين:
الأول: النظام الذي أقامه المنتصرون في الحرب العالمية الأولى.
والثاني: النظام الذي شهدته القوة الفائزة بالحرب العالمية الثانية، ونشهد اليوم عملية تعديله وإحلال نظام دولي جديد محله، وقد كنا نحن العرب والمسلمون في طليعة الشعوب التي آذاها النظامان الدوليان الأول والثاني، فقد قام الأول على تفكيك الدولة العثمانية، ووقوع معظم بلداننا تحت الاحتلال الغربي المباشر، ولم تكتمل فرحتنا بالاستقلال عندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها؛ لأن أطراف النظام الدولي الثاني أجمعت على تناقضها في الاعتقادات وفي معظم المصالح أجمعت على إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين .
أما النظام الثالث: الذي يجري تكريسه حالياً فينطوي على وعودٍ إيجابية يمكننا استثمارها مثل منع العدوان المسلح، وحل النـزاعات بين الدول بالطرق الدبلوماسية، غير أن هذا الاستثمار البناء مشروطٌ بأن لا نبالغ في حماسنا للنظام الجديد، بحيث لا نرسل ثغراته التي يبصرها حتى بعض المشاركين فيه بدرجة غير رئيسة.. نعم.
ثم يتحدث أيضاً في جريدة قضايا دولية في (8 ربيع الأول 1412هـ) في موضوع تحت عنوان "المنهج الأمريكي بعد سقوط الدب الروسي" ينقل عن جيفاني ديمي كليس وزير خارجية إيطاليا ، وسكرتير عام المجتمع الأوروبي يقول وزير خارجية إيطاليا : نحن ندعم حلف الناتو حالياً رغم سقوط حلف وارسو ، استعداداً للعدو البديل وهو الإسلام.. هذه نشرت في النيوزيك تايم عدد (2 يوليو 1990م).
أيضاً في هذا المقال يقول: إن أمريكا تصنف الحركات الإسلامية مع أو ضد المصالح الغربية والشرعية الدولية، وتسعى لاحتوائها واحتواء الشخصيات البارزة، وتشويه صورة الرموز الإسلامية، وتهيئة جو لا تستطيع هذه الحركات العمل فيه.
أيضاً الضغوط على الدول التي تتجه للإسلام، وتمارس أمريكا في ذلك صوراً عديدة تتنوع ما بين ضغوط اقتصادية وسياسية وإعلامية وعسكرية علنيةٌ وسرية.
أيضاً وصف الإسلام في وسائل الإعلام الغربية بالإرهاب، واستخدام مصطلح الأصولية بالمفهوم الغربي.
كذلك هناك مقالات عديدة نشرت في الغرب منها مقالٌ في جريدة -الجريدة مكتوبة بالحرف اللاتيني هنا- بقلم برجرين وارشون عنوان المقالة "الوجه القبيح للإسلام" مما قال فيه: إن الإسلام لا يلقي أي اعتباراً للقانون الدولي، كأنما يعتبر نفسه فوق هذا القانون، ولا تطالهم متطلبات السلوك الحضاري، وإن لم تكن الدول العربية كلها تؤيد الإرهاب، إلا أن الرأي العربي بأسره يؤيده.
إذاً: الشعوب العربية عدواً لهم كلهم بأسرها.
كذلك مما ورد في هذا المقال: نقل مقولة تاتشر باجتماعات حلف الأطلسي قبل استقالتها، تقول: يجب على الغرب الاحتفاظ بقوته للتعامل مع الشرق الأوسط ، رغم تلاشي الخطر السوفيتي.
وفي صحيفة الديليتجراف البريطانية في (19/2/1989م) يقول: نحن بحاجة إلى عون الروس في مواجهة الإسلام، وفي الواشنطن بوست في (16/2/1992م): إن الصحوة العالمية الإسلامية هي قوس الأزمات الجديدة.
وتقول بنازير بوتو في جريدة منلت في (20/10/ 1990م) تقول: هناك صراع بين الأصولية الإسلامية وبين الإسلام المدرك الواعي، ولقد حل أتاتورك هذه القضية فأعلن العلمانية .
و شامير يطالب قادة الدول العالمية بمحاربة حماس لأن أصوليتهم تهدد الجميع، والأمير الحسن بن طلال ولي عهد الأردن ورئيس منتدى الفكر العربي، يقول: إن الأصولية الإسلامية هي العدو المشترك لنا وللصهيونية ، وينبغي التنسيق بيننا لمواجهتها.
هناك وثيقة أمريكية سربت من وزارة الدفاع الأمريكية، تتحدث عن منظور أمريكا للنظام العالمي الجديد، وقُدم تحليل لها في مجلة الإصلاح ، وهذه صورة تحليلٍ آخر في مجلة المجلة العدد (634) ومما ورد فيها -حقيقًة فيها أشياء طويلة جداً- لكن ورد أيضاً ملخص عنها في الجريدة التي أشرنا إليها قبل قليل - قضايا دولية - يقول: في يوم (8/3) نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقتطفات من وثيقة سرية، تتألف من (48) صفحة أعدتها وزارة الدفاع في واشنطن ، بصدد مستقبل السياسة الأمريكية على شكل ورقة عمل تحتوي على نقاطٍ عديدة أبرزها:
أولاً: الحرص على هدف بقاء الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الأقوى عسكرياً في العالم.
ثانياً: العمل على منع ظهور منافسة عسكرية من جانب دولٍ ما في آسيا وأوروبا وما كان يُسمى بـالاتحاد السوفيتي .
ثالثاً: اتباع وسائل متعددة لتحقيق ذلك، وأفضلها في نظر واضع الوثيقة، هو إقناع الأطراف الأخرى بفوائد بقاء الزعامة الأمريكية على الصعيدين السياسي والاقتصادي، كمرتكزٍ للصعيد العسكري.
وينقل بعض التعليقات من بعض الأمريكان والأوروبيين على هذه الوثيقة، من ضمنها حديث أحدهم عن مؤتمر روما -آخر مؤتمر لدول حلف الأطلسي قبل حرب الخليج - فيقول: بدأ داخل الحلف تساؤل حول جدوى وجودها بعد زوال حلف وارسو، ووضع حدٍ لهذا التساؤل بوضع صيغة عامةٍ مستقبلية للحلف في مؤتمر قمة روما في العام الماضي، اعتمدت على أربعة محاور:
أولاً: احتمالات الخطر المستقبلية قائمة فيما وصف بحزام الأزمات -المنطقة الإسلامية-.
ثانياً: تحويل مركز الثقل العسكري للحلف من وسط أوروبا إلى حوض البحر المتوسط .
ثالثاً: رافق ذلك بروز الاتجاه الأوروبي للتميز عسكرياً مما تقف وراءه فرنسا وألمانيا في الدرجة الأولى، وانتهى إلى موافقة واشنطن كارهة في مؤتمر قمة روما، وتقرر أن تكون منظمة الاتحاد الأوروبي الغربي هي مسرح الجهود الرامية إلى إيجاد قوة عسكرية أوروبية مشتركة، تتميز عن قوات حلف الأطلسي .
ثم يقول أيضاً في موضع آخر: ظهر على المستوى السياسي والاقتصادي تنافس أكبر باتجاه تعدد الأقطاب عالمياً، وانعكس في الجهود الأوروبية المضاعفة للتكتل والتوسع شرقاً، كما انعكس في ازدياد حدة المواجهة الأوروبية الأمريكية دولياً، كما كان في سلسلة من المؤتمرات الدولية مؤخراً، وأيضاً برزت خارج نطاق أوروبا جهودٌ أخرى جديرة بالرصد منها سعي أمريكا لوجود عسكريين بشكلٍ مباشر في مناطق معينة، والمساعي الهندية الصينية للتعاون الشامل بعد مرحلة عداءٍ طويلة، والمساعي اليابانية لتوسيع نطاق تأثير اليابان سياسياً واقتصادياً في شرق آسيا بصورة خاصة.
أيضاً يقول وبتعبيرٍ آخر: أصبح واضحاً أن نمو حجم الاستقلال الأوروبي والياباني اقتصادياً وسياسياً سيؤثر على القدرة العسكرية الأمريكية سلبياً، وليس على المكانة الاقتصادية والسياسية الأمريكية فحسب، كما سيساهم في توفير قدرة عسكرية متنامية على المستويين الأوروبي والياباني.
عدد آخر من قضايا دولية فيه أيضاً بعض النقول السريعة، طبعاً موضوعات كاملة عن النظام الدولي الجديد لكنني فقط أجتزئ منها مقتطفات، يتحدث عما ستفعل أمريكا في روسيا وعن زيارة الرئيس الأمريكي إلى اليابان ، وعن خطة العمل الأمريكية اليابانية المشتركة، والتي أشرت إليها قبل قليل.
أيها الإخوة: هذه أهم الأمور والأفكار التي جمعتها لكم، وما كان من صواب فمن الله وبتوفيقه، وما كان من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، وأستغفر الله سبحانه وتعالى منه، وإن أريد إلا الإصلاح ما استطعت إلى ذلك سبيلاً وسبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
الجواب: إذا كانت القضية فقط التعقيد والصداع فنأخذ حبوب بندول ويزول الصداع بإذن الله، وإن كانت القضية عدم القدرة على الاستيعاب، فبالتعلم يدرك الإنسان ما عجز عنه، وإن كانت لشبهة من الناحية الشرعية فأنا تحدثت عن هذا في البداية، والحديث عن هذا يطول ومثلما قلت قبل قليل: أصبحنا في زمن البديهيات تحتاج فيه إلى دليل.
الجواب: أنا أظن أني قلت غير هذه العبارة، وأتوقع أنني قلت قيام دولة إسرائيل على أرض الواقع، نعم قد قلت: بروز الدولة اليهودية إلى عالم الواقع، وسيطرة اليهود على كثير من وسائل صنع القرار العالمي، فلعل الأخ خانه السمع، أما هم ليس لهم في الدنيا إلا القتل، وفي الآخرة إلا جهنم.
الجواب: لا زالت الصين، وكوبا، وفيتنام تعلن انتمائها إلى الشيوعية، لكن الشيوعية كفلسفة ونظام حياة سقطت منذ زمن بعيد، وتخلى الشيوعيون أنفسهم بنسبٍ متفاوتة عن ما جاء به ماركس قبل أن تسقط كنظام سياسي وقوة دولية.
الجواب: هذه أيها الأحبة من القضايا الخلافية -كما تعلمون- والقضايا الخلافية الأمر فيها سعة، بغض النظر عن رأيي الشخصي، لكن ما دامت القضية خلافية للمصيب فيها أجران, وللمخطئ أجر واحد، فأحتفظ برأيي لنفسي، وإذا كان هناك مناسبة لعرضه، وعرض أدلته أفعل ذلك ولا أثرب ولا أنكر على من خالفني في مسألة خلافية.
الجواب: المفترض يا إخوة أن الإعلام يقوم بنفس الرسالة التي يقوم بها العلماء والمشايخ، لماذا الإعلام دائماً يخطئ والمشايخ يصححون، الإعلام يهدم والمشايخ يبنون، لماذا لا يكون مطلبنا أن الإعلام يبني والعلماء يبنون، والدعاة يبنون، تكون الرسالة واحدة متكاملة، أما الدعاة فأنا أعتقد أنهم في الظروف الوقعة التي يعيشونها يبذلون ما يستطيعونه.
الجواب: هو يكتب بالدرجة الأولى للشعوب الغربية الأمريكية، وهم لا يخرجون لنا إلا ما لا يشعرون أن في إخراجه خطورة، وما قد أبرموه وأصبحوا ينفذونه، وأيضاً مع هذا -مثلما سمعتم قبل قليل- يعني ما زال منا من يعترض على الإطلاع على مثل هذه الأمور، يعني البعض يريد إذا كنا سنذبح فلا يجوز لنا أن نعرف لون السكين التي سنذُبح بها.
الجواب: لا شك أن الكثرة الكاثرة من الحكومات في العالم الإسلامي حكوماتٍ علمانية ، لكنني أقول: من منظور المصالح والمفاسد الشرعية، أن توحد هذه الحكومات والتفافها على بعضها، ونصرة بعضها لبعض فيه مصلحةٌ للإسلام وقوةٌ للمسلمين، أياً كان حالها، لا يعني هذا أنها مطبقة لشرع الله، قائمةٌ بدين الله .. لا.
الجواب: أنا أعتقد أن منظمة التحرير سيُطلب منها قبل أن تمثل الشعب الفلسطيني، أن تثبت هذا التمثيل في الواقع، والعقبة الكئود في وجهها هي حماس فلن تجد لها مقعداً في مؤتمر السلام، أو ما يُسمى بمؤتمر السلام قبل أن تُثبت سيطرتها الكاملة على الساحة الفلسطينية، وهذا يستدعي أن تُصفى حماس، فـحماس تتعرض للتصفية من اليهود، وتتعرض للتصفية من علماني العرب ويساريه.
الجواب: بطرس غالي وإن كان عربياً لكنه نصراني صليبي، وكان موقفه في الحرب -حرب الإبادة الدائرة في البلقان ضد المسلمين- أشد وأقذر من موقف نصارى أوروبا ، ولعل تعيينه كان فيه شيءٌ من الامتصاص لحماس العالم الثالث، وما نال الأمم المتحدة منذ أنشئت الآن كلهم من الغرب أو من شمال العالم، وبطرس غالي يعتبر من العالم الثالث، وأيضاً يحسب على العرب.
وأيضاً المسلمون صفقوا له كثيراً، وهنأه بعض العلماء المسلمين، لكنه ما انتظر طويلاً وما صبر أن يكتم ما في نفسه، وأذكر مقالاً في المجتمع وفي الإصلاح عن بطرس غالي والمؤامرة على الإسلام، أو المؤامرة على قضايا العرب، أو قضية فلسطين أو كذا، مقال تحريري قريب من هذا.
الجواب: أن يوجد أكثر من قوة تتنافس على الساحة من القوى الكافرة لا شك أن في ذلك مصلحة للإسلام والمسلمين، وإذا أحسن المسلمين استغلال التناقضات الموجودة بين هذه القوى، وتعميقها وتأجيج الصراع فيما بينها كان في ذلك خير للإسلام والمسلمين، وأنا أعتقد أن بقاء أمريكا قوة مهيمنة هي مسألة وقت، وأنه وقتٌ لن يطول، وأمريكا لن تنتهي قوتها بحربٍ خارجية ولا هجومٍ عسكري، سيتفجر المجتمع الأمريكي من داخله وتتلاشى هذه القوة وتصبح قوىً صغرى بعضها يأكل البعض الآخر، أنا ألمح ذاك ولدي عليه بعض الأدلة:
أذكر قبل أربع سنوات أو خمس عدت من أفغانستان ، واجتمعت ببعض المشايخ والإخوة في الرياض فكان حديثي عن مؤشرات سقوط الاتحاد السوفيتي كدولة، فصارحني البعض والبعض استحى، وقالوا: نرى أنك تتحدث عن أوهامٍ وخيال، ثم في شهر ذي القعدة من هذه السنة التقوا بي أنفسهم أو بعضهم في الرياض فذكروني بذلك الكلام عندما كنت أتحدث عن مؤشرات سقوط أمريكا ، نسيت ذلك الكلام لكن ذكروني به، فأقول: أرجو بإذن الله أن يكون سقوط أمريكا قريباً.
الجواب: لعل في الإذاعات وفي الصحف وفي آخر الأخبار أن توريتا -المعقل الرئيسي الأخير للنصراني الشيوعي قرنق - في جنوب السودان سقط في أيدي المسلمين.. هذه آخر الأخبار ولعل الأخبار إن شاء الله هناك طيبة، ونرجو أن يكون المستقبل أحسن من الحاضر بإذن الله.
الجواب: الواقع أن المتتبع لأخبار اليمن وهو يهمنا كثيراً يجد أن الإسلاميين في ذلك البلد أمام أحد ثلاثة خيارات: إما أن يوافقوا على تمديد الفترة الانتقالية، وهذا ما كانت تطرحه الحكومة قبل زمن، ويظهر أنها الآن تراجعت عن هذا بضغوطٍ عالمية، أو أن يرضوا بترتيب نتائج الانتخابات قبل إجرائها، أو أن يواجهوا وضعاً لا أقول مثل الذي كان في الجزائر لكن يشبهه من بعض الوجوه؛ لأن اليمن يختلف عن الجزائر تماماً، قناعتي أنه لو استمر ما يسمى بالوضع الانتقالي في اليمن أن الرابح والذي سيكسب من ذلك هو الإسلام، فهو في كل يومٍ يكسب مواقعاً جديدة، وساحات جديدة، وأن الاشتراكيين والعلمانيين والناصريين والقوميين يفقدون كل يومٍ مواقع جديدة، ولذلك مورست الضغوط وتوحد الحزب الاشتراكي مع المؤتمر الشعبي العام وسينـزلون الآن بقائمة واحدة في الانتخابات.
حقيقةً الأمر مشكل جداً، وأجد نفسي من الواقفين -على مصطلح العلماء الآن- ولا شك أن الدعاة هناك قد ناقشوا هذا الأمر باستفاضة، ووصلوا فيه إلى قرار، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينصر دينه وأن ينصر عباده المؤمنين، وأن يخذل أعدائه.
الجواب: البلاد الإسلامية يعمل فيها قوىً متعددة الآن، أمريكا ألقت بثقلها إما للأسلحة النووية، وإما لما يخشى من الأصولية الإسلامية، وإما للثروات الطبيعية، واليهود نزلوا بأموالهم، وتركيا بقوميتها العلمانية ، وإيران بشيعيتها المنحرفة، وروسيا بمحاولة بقاء الهيمنة وبقايا الشيوعيين وفلولهم، والدعاة المسلمين بجهود محدودة، وأعتقد أن الفترة ستستمر لسنوات، الكل سيحاول أن يكسب أكبر قدر ممكن في الساحة، لكن سيكون بعد ذلك تصفية ومواجهة، فالذي يبذل الآن أكثر هو الذي سيكسب في المستقبل، الحركة الإسلامية هي حركة قوية ونشطة، لكنها تحتاج إلى ثلاثة أمور:
الأول: إلى أن تُفتح على التجارب الدعوة الإسلامية في العالم الإسلامي، فهم كانوا فعلاً وراء ستارٍ حديدي.
الأمر الثاني: أن تُدعم مادياً ومعنوياً وعلمياً، حيث أنهم لا يملكون شيئاً.
الأمر الثالث: ألا ينقل الإسلاميون خلافاتهم في العالم العربي إلى الحركات الإسلامية هناك، فهي حركة واحدة، وأرجو بإذن الله أن يكون لها مستقبلٌ باهر في تاريخ البشرية.
كازاخستان قصدت بالسؤال ربما لأن فيها أسلحة نووية، الواقع نسبة المسلمين فيها فقط (60%)، والحركة الإسلامية أضعف ما تكون في هذه الدولة مع الأسف الشديد، وإن كان يقصد طاجكستان التي فيها الاضطرابات، فالحركة الإسلامية فيها هي أقوى الفرقاء فهي متصلة بالمجاهدين الأفغان اتصالاً قوياً.
الجواب: أنا لا أتسرع بالفتوى في هذا، فبيان المخاطر تحتاج إلى جمع وإحصائيات وحديث، أما الفتوى فأنا حسب علمي أن الشيخ عبد العزيز بن باز يبحث هذه القضية وسيكون له إن شاء الله كلام بإذن الله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر