الموت هو الحقيقة المرة التي لا يختلف فيها اثنان، وهو الحقيقة التي يخضع لها كل ضعيف وجبار.
وليس الموت هو النهاية، ولو كان كذلك لكان راحة لكل حي، ولكنا إذا متنا بعثنا، وإذا بعثنا حوسبنا عن جميع أعمالنا.
فعلى الكيس الفطن أن يعمل لما بعد الموت، فيعد للسؤال جواباً وللجواب صواباً.
الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، وما كان معه من إله، الذي لا إله إلا هو، فلا خالق غيره، ولا رب سواه، المستحق لجميع أنواع العبادة، ولذا قضى ألا نعبد إلا إياه،
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [الحج:62].
هو الواحد الذي لا ضد له، وهو الصمد الذي لا منازع له، وهو الغني الذي لا حاجة له، وهو القوي الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، هو جبار السماوات والأرض، فلا رَادَّ لحكمه ولا معقب لقضائه وأمره.
وأشهد أن حبيبنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، اللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته، وَصَلِّ اللهم وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد:
فحيا الله المحبين للعلم والعلماء، حياكم الله جميعاً وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله جل وعلا أن ينظر وجوهكم، وأن يزكي نفوسكم، وأن يشرح صدوركم، وأن يجمعني وإياكم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين وسيد المرسلين في جنته ومستقر رحمته، إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.
أحـبائي يا مِلْءَ الفؤاد تحـية تجـوز إليكـم كل سـد وعـائق
لقد شدني والله شوق إليكـم مكلل بالحب والتقدير والدعاء المشفق
وأرقني في المظلمات عليكـم تكـالب أعــداء سعـوا بالبوائق
أردتم رضـا الرحمن قلباً وقالباً ومـا أرادوا إلا خطـير المــآزق
فسدد الله على درب الحـق خطـاكم وجنبكم فيه خفـي المزالق
أيها الأحبة في الله! تلبية لرغبة الكثيرين من أحبابي وإخواني فإننا الليلة على موعد مع محاضرة في الرقائق، والحق أقول: إننا نعيش عصراً طغت فيه الماديات والشهوات وغفل كثير من الناس عن طاعة رب الأرض والسماوات؛ لذا فإنني أرى -مع الإخوة الذين أَلَحوُّاْ علي أن يكون لقاؤنا الليلة في الرقائق- أن القلوب تصدأ، وأن هذه القلوب تحتاج من آن إلى آخر إلى من يذكرها بعلام الغيوب، فتعالوا بنا الليلة؛ لنعيش مع كلام الحق، مع قول الصدق، مع أصل العز والشرف، مع نبع الكرامة والهدى، مع القرآن الكريم، مع القرآن الذي ضيعته الأمة فضاعت، مع القرآن الذي هجرته الأمة فأذلها الله باليهود إخوان القردة والخنازير، مع القرآن الذي ظنت الأمة أنه ما أنزل إلا ليكتب على الجدران، أو ليوضع في علب القطيفة الفخمة الضخمة، ويهدى إلى سادة القوم وَعِلْيَةِ الناس في المناسبات الرسمية والوطنية وغيرها.
تعالوا لنعيش الليلة مع آيات من القرآن الذي قال الله عز وجل فيه:
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا *
وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [الإسراء:9-10].
-
تفسير قوله تعالى: (وجاءت سكرة الموت بالحق...)
يا من عشت للدنيا! يا من عشت للكرسي الزائل! يا من عشت للمنصب الفاني! يا من ظننت أن كرسيك لا يزول! ويا من ظننت أن منصبك لا يفنى! أين الحبيب رسول الله؟! أين سيد الخلق؟! أين حبيب الحق؟! أين من قال له ربه:
وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء:34] ؟! .
أيا عبـد كم يراك الله عاصياً حريصاً على الدنيا وللموت ناسيا
نسيت لقاء الله واللحد والثرى ويوماً عبوساً تشيب فيه النواصيا
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تجرد عرياناً ولو كان كاسيا
ولو كانت الدنيا تدوم لأهلها لكان رسول الله حيَّاً وباقياً
ولكنها تفنى ويفنى نعيمها وتبقى الذنوب والمعاصي كما هيا
كم ستعيش؟ إن عمرك في حساب الزمن لحظات، وما هي النتيجة؟ وما هي النهاية؟ يا أيها الإنسان! يا أيها الكبير! ويا أيها الصغير!
يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6]، وقال تعالى:
كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ *
وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ *
وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ *
وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ *
إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة:26-30].
ويفتح سِجِلُّكَ يا مسكين! ويفتح ملفك يا غافل! وإذا به
فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى *
وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [القيامة:31-32]، سمع الأذان وسمع النداء يقول: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، وهو ما زال جالساً على المقهى في معصية الله جل وعلا، لم يُجِبْ نداء الحق جل وعلا.
تأتي للصلاة في فتور كأنك قد دعيت إلى البلاء
وإن أديتها جاءت بنقص لما قد كان من شرك الرياء
وإن تخلو عن الإشراك فيها تدبر للأمور بالارتقاء
ويا ليت التدبر في مباح ولكن في المشقة والشقاء
وإن كنت المصلي يوماً بين خلقٍ أطلت ركوعها بالانحناء
وتعجل خوف تأخير لشغل كأن الشغل أولى من لقاه
وإن كنت المجالس يوماً أنسا قطعت الوقت من غير اكتفاء
أيا عبد لا يساوي الله معـ ك أنساً تناجيه بحب أو صفاء
يا غافل! يا لاهي! أيها الساهي! يا من نسيت حقيقة الدنيا ونسيت الآخرة! يا من تركت الصلاة! يا من ضيعت حقوق الله! يا من عذبت الموحدين لله! يا من بارزت رسول الله بالمعصية! يا من عق أباه! يا من عق أمه! يا من قطع رحمه! يا من ضيع حقوق الله!
دع عنك ما قد فات في زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
لم ينسه الملكان حين نسيته بل أثبتاه وأنت لاه تلعب
والروح منك وديعة أودعتها ستردها بالرغم منك وتسلب
وغـرور دنيـاك التي تسعى لهـا دار حقيقتها متاع يذهب
الليل فاعلم والنهار كلاهما أنفاسنا فيهما تعد وتحسب
-
تفسير قوله تعالى: (وقيل من راق)
وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ [القيامة:27] من يرقيه؟! من يكتب له الرقية؟ من يعطيه العلاج؟! من يحول بينه وبين الموت؟! لا أحد، (
وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ) وقيل فيها تفسير آخر: من يرتقي بروحه بعدما فارقت جسده إلى الله جل وعلا؟! (من راق) من الذي سيرتقي بها من الملائكة؟
وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ *
وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ *
إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة:28-30].
سَفرِيْ بعيد وزادي لـن يبلغني وقوتي ضعفت والموت يطلبـني
ولي بقايا ذنوب لست أعلمهـا الله يعلمهـا في السـر والعلـنِ
أنا الذي أغلق الأبواب مجتهـداً على المعاصي وعين اللـه تنظرني
ما أحلم الله عني حيث أمهلـني وقد تماديت في ذنبي ويستـرني
كأنني بين جل الأهل منطرحـاً على الفراش وأيديهـم تقلبـني
وقد أتوا بطبيب كـي يعالجـني ولم أر الطِّب هذا اليـوم ينفعـني
واشتد نزعي وصار الموت يجذبهـا من كل عـرق بلا رفق ولا هون
وقام من كان حِـبَّ النـاس في عجل نحـو المغسل يأتيني يغسلني
فجاءني رجل منهم فجـردني من الثيـاب وأعـراني وأفـردني
وأودعوني على الألواح منطـرحاً وصار فوقي خرير الماء يُنْظِفُـنِي
وأسكب الماء من فوقي وَغَسَّلَـنِي غسلاً ثلاثاً ونادى القوم بالكفنِ
وَحَمَّلُوني على الأكتاف أربعة من الرجال وخلفـي من يشيعني
وقدموني إلى المحراب وانصرفــوا خلف الإمام فصلـى ثم ودعني
صلوا علي صلاة لا ركوع لهــا ولا سجود لعـل الله يرحمـني
وأنزلوني إلى قبري علـى مَهَــلٍ وَقَدَّمُوْا واحداً منهـم يُلَحِّـدُنِي
فَكَشَّفَ الثوب عن وجهي لينظرني فأسكب الدمع من عينيه أغرقنـي
وقال هلوا عليه التُّرْب واغتنمـوا حسن الثواب من الرحمن ذي اِلمنَنِ
وتقاسم الأهل مالي بعدما انصرفـوا وصار وزري على ظهري فأثقلني
يا نفس كفي عن العصيان واغتنمي حسن الثواب من الرحمن ذي المنن
وقال آخر:
أيامن يدعي الفهـم إلى كم يا أخا الوهم
تعبي الذنب والذم وتخطي الخطأ الجـم
أما بان لك العيب أما أنذرك الشـيب
وما في نصحه ريب أما نادى بك الموت
أما أسمعك الصوت أما تخشى من الفوت
فتحتاط وتهتــم فكم تسير في الزهو
وتنقـض إلى اللهو كأن الموت ما عم
كـأني بك تنحط إلى اللحـد وتنغــط
وقد أسلمك الرهط إلى أضيـق مــن سَمْ
هناك الجسم ممـدود ليستأكلــه الــدود
إلى أن ينخر العـود ويمســي العظم قد رَمْ
فزود نفسك الخـير ودع مـا يعقب الضـير
وهيء مركب السير وخــف من لجة اليـم
بذا أوصيك يا صاح وقـد بحتك من بـاح
فطـوبى لفتى راح بـآداب محمــد يأتم
قال الله:
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19]، فالموت حق أيها الأحبة! ولو كان الأمر ينتهي عند الموت لاسترحنا كثيراً، ولكن بعد الموت بعث، وبعد البعث حساب، وفي الحساب سؤال، والسؤال بين يدي ملك الملوك وجبار السماوات والأرض.
إن الموت حقيقة لا تنكر، ورحم الله
الفضيل بن عياض إذ لقيه رجل فسأله
الفضيل عن عمره فقال الرجل: عمري ستون سنة، قال
الفضيل : إذاً أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله، يوشك أن تصل. فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، قال
الفضيل : هل عرفت معناها؟ قال: نعم، عرفت أني لله عبد، وأني إلى الله راجع، فقال
الفضيل : يا أخي! إن من عرف أنه لله عبد وأنه إلى الله راجع عرف أنه موقوف بين يديه، ومن عرف أنه موقوف عرف أنه مسئول، ومن عرف أنه مسئول فَلْيُعِدَّ للسؤال جواباً، فبكى الرجل وقال: يا
فضيل ! وما الحيلة؟ قال
الفضيل : يسيرة. قال: ما هي يرحمك الله؟ قال: أن تتقي الله فيما بقي، يغفر الله لك ما قد مضى وما قد بقي.
ورضي الله عن
هارون الرشيد الذي يوم أن نام على فراش موته قال: أريد أن أرى قبري الذي سأدفن فيه، فحملوا
هارون إلى قبره،
هارون الذي كان يخاطب السحابة في كبد السماء ويقول لها: أيتها السحابة! في أي مكان شئت فأمطري فسوف يُحْمَلُ إلي خراجك هاهنا إن شاء الله، حمل ليرى قبره فنظر
هارون إلى قبره وبكى، ثم التفت إلى أحبابه من حوله، وقال:
مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ *
هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:28-29]، أين المال؟! أين الدولارات؟! أين السيارات؟! أين العمارات؟! أين الأراضي؟! أين السلطان؟! أين الجاه؟! أين الوزارة؟! أين الإمارة؟! أين الجند؟! أين الحرس؟! أين الكرسي الزائل؟! أين المنصب الفاني؟!
مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ *
هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:28-29]، وبكى
هارون وارتفع صوته ونظر إلى السماء وقال: يا من لا يزول ملكه! ارحم من قد زال ملكه،
لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16]، أين الفراعنة؟! أين الأكاسرة؟! أين القياصرة؟! أين الظالمون؟! أين الطواغيت؟! أين الظالمون؟! وأين التابعون لهم في الغي؟! بل أين فرعون و
هامان ؟!
أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم وذكرهم في الورى ظلم وطغيان
هل أبقى الموت ذا عـز لعزته أو هل نجا منه بالسلطان إنسان
لا والذي خلق الأكوان من عدم الكل يفنى فلا إنس ولا جـان
وقال آخر:
يا نفـس قـد أزف الرحيــل وأظلـك الخطـب الجليــل
فتأهبـي يا نفــس لا يلـعب بــك الأمــل الطـويـل
فلتـنزلـن بمــنزل ينســى الخـليــل بــه الخـليـل
ولـيركـبن فيــه عليـ ـك مــن الثـرى ثقـل ثقيـل
قرن الفنــاء بنـا فمــا يبقى العزيز ولا الذليل
من الباقي؟ إنه الحي الذي لا يموت،
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ *
وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:26-27]،
كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88].
فيا أيها الحبيب! يا أيها الكريم! هل ذكرت نفسك بهذه الحقيقة؟ هل تذكرت الموت؟ هل أعددت ليوم سترحل فيه عن هذه الدنيا؟ من منا كتب وصيته ووضعها تحت رأسه في كل ليلة؟! يا من شغلك طول الأمل! أنسيت يوماً سترحل فيه عن دنياك؛ لتقف بين يدي مولاك، وليس الموت هو نهاية المطاف، ولكنني أقول: إننا سنبعث؛ لنسأل بين يدي ملك الملوك وجبار السماوات والأرض، سنعرض على هذه المحكمة الكبيرة التي قال الله عز وجل عنها:
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه *
وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]، سينادى عليك باسمك واسم أبيك: أين فلان بن فلان؟
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ [ق:20]، إنه يوم القيامة يوم الحسرة والندامة، يوم الصيحة، يوم الحاقة، يوم القارعة، يوم الآزفة، إنه
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2].
إنه يوم الوعيد،
وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ [ق:21]، عن
عثمان بن عفان -كما نقل ذلك عنه الحافظ
ابن كثير- أنه قال في خطبته: سائق يسوق العبد إلى الله، وشهيد يشهد على أعمال العبد بين يدي مولاه.
ستساق إلى الله جل وعلا وسينادى عليك يا مسكين! ليكلمك ملك الملوك بغير ترجمان! تفكر الليلة، لو عدت إلى بيتك ووجدت شرطياً يقدم لك رسالة فيها: إنك مطلوب غداً؛ للوقوف أمام قاضٍ من قضاة الدنيا الحقراء الفقراء الضعفاء الأذلاء، أتحداك أن تنام الليلة، ولكن ستفكر كثيراً، فهل فكرت في موقف ستسأل فيه من ملك الملوك وجبار السماوات والأرض؟
أين الإمارة والسلطان؟! أين الجاه؟! أين الكراسي؟! أين الجند؟!
تذكر وقوفك يوم العـرض عريانا مستوحشاً قلق الأحشـاء حيرانا
والنار تلهب من غيظ ومن حنـق على العصاة ورب العرش غضبانا
اقرأ كتابك يا عبدي على مَهَــلٍِ فهل ترى فيه حرفاً غير مـا كانا
فلما قرأت ولم تنكر قــراءته وأقررت إقرار من عرف الأشياء عرفانا
نادى الجليل خذوه يا ملائكـتي وامضوا بعبد عصـى للنار عطشانا
المشركون غداً في النار يلتهبــوا والمؤمنون بدار الخلد سكـانا
-
(اتقوا النار ولو بشق تمرة)