إسلام ويب

إقامة الصلاةللشيخ : سيد حسين العفاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أنزل الله كتابه لهداية البشر من الضلالة والعمى إلى نور الإيمان والتوحيد، وكان هذا الكتاب معجزاً في ذاته، ولا تزال معجزاته تتوالى في كل عصر، ومن معجزاته: أن تحدى الله الخلق أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا. ولقد اشتمل هذا الكتاب على بيان قضايا الإيمان وقضايا الغيب؛ إذ بهما يعرف الصادق في إيمانه به من الكاذب، فآمن بها المؤمنون كما جاءت، وأنكرها وأولها الملاحدة من الفلاسفة وغيرهم. وأولى اهتماماً خاصاً بقضية الصلاة؛ إذ هي أجل الأعمال وأفضل القربات عند الله، وبقية الأعمال مرهونة بقبولها؛ من أجل ذلك تولى إيضاحها وبيانها والحث عليها في آياته، وكذلك في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    من أسرار الحروف المقطعة في بداية السور

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أما بعد:

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين.

    ثم أما بعد:

    يقول العلامة ابن القيم في كلام له طيب في أسرار الحروف من كتابه بدائع الفوائد يقول: تأمل سر (الم) كيف اشتملت على هذه الأحرف الثلاثة، فالألف التي بدأ بها أولاً مصدرها من أقصى الحلق، وهي أول المخارج من أقصى الحلق، واللام من حروف اللسان، ومن وسط مخارج الحروف منها، وهي أشد الحروف اعتماداً على اللسان، والميم آخر الحروف ومخرجها من الفم من الشفتين. إذاً: الهمزة مخرجها من أقصى الحلق، واللام مخرجها من اللسان، والميم مخرجها من الشفتين وهذه الثلاثة هي أصل مخارج الحروف، الحلق واللسان والشفتان، ثم ترى الترتيب الألف أولاً، ثم اللام الوسط، ثم الميم، فترى الترتيب في النزول من البداية إلى الوسط إلى النهاية.

    يقول العلامة ابن القيم : فإن للألف البداية ولللام التوسط وللميم النهاية، فاشتملت هذه الأحرف الثلاثة على البداية والنهاية والواسطة، وكل سورة استفتحت بهذه الأحرف الثلاثة مشتملة على بدء الخلق ونهايته والتوسط فيه، ومشتملة على تخليق العالم، وعلى الغاية من خلقه، وعلى التوسط بين البداية والنهاية من التشريع والأوامر، وقد اشتمل على ذلك كل سورة بدأت بـ(الم) مثل البقرة، وآل عمران، وتنزيل السجدة، وسورة الروم.

    ثم يقول: فإذا أتيت إلى سورة (ق) تجد السورة كلها مبنية على الكلمة القافية، و(ق) هو الحرف الغالب في سورة (ق): من ذكر القرآن، وذكر الخلق، وتكرير القول، والقرب من ابن آدم، وتلقي الملكين قول العبد، وذكر النقيض، وذكر القلب والقرون، والتنقيب في البلاد، والقيل، وتشقق الأرض، وإلقاء الرواسي فيها، وسوق النخل، والرزق، وذكر القوم، وحقوق الوعيد، والقول والمحاورة، فترى حرف القاف هو الغالب على سورة (ق). قال: وكل معاني هذه السورة مناسب لما في حرف القاف من الشدة والجهر والعلو والانفتاح.

    قال: ثم تعال إلى سورة (ص) وما فيها من الخصومات المتعددة التي تناسب حرف الصاد، وفيها نبض الصاد.

    فأولها: خصومة الكفار مع النبي صلى الله عليه وسلم، واختصام الخصمين عند داود، وتخاصم أهل النار، واختصام الملأ الأعلى في العلم والدرجات والكفارات، ومخاصمة إبليس لربه واعتراضه على أمر السجود، ثم خصامه ثانياً في شأن بنيه، وقوله: لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص:82] إلا أهل الإخلاص.

    قال ابن القيم : فليتأمل اللبيب الفطن هل يليق بهذه السورة غير (ص)، وبسورة (ق) غير حرفها؟!!

    قال ابن القيم : وهذه قطرة من بحر من بعض أسرار هذه الحروف، والله أعلم.

    هذا قول سيدنا وتاج رأسنا العلامة ابن القيم السابح في بحار القرآن الكريم.

    1.   

    معاني التقوى

    قال تعالى: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:1-2].

    والتقوى تأتي في القرآن بمعنى الإيمان تارة، وبمعنى التوبة تارة، وبمعنى الطاعة ثالثة، وترك المعصية رابعة، وبمعنى الإخلاص خامسة.

    أما بمعنى التوحيد والإيمان فقد الله تبارك وتعالى: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى [الفتح:26] وهي كلمة التوحيد. وقال تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى [الحجرات:3]. وقال تعالى: قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ [الشعراء:11] يعني: ألا يوحدون الله عز وجل، وألا يؤمنون.

    وأما التوبة ففي قول الله عز وجل: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا [الأعراف:96] يعني: وتابوا إلى الله عز وجل.

    وأما الطاعة ففي قول الله عز وجل: أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ [النحل:2].

    وأما ترك المعصية ففي قول الله عز وجل: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:189].

    وأما الإخلاص ففي قول الله عز وجل: فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32].

    1.   

    معنى الإيمان

    قال تعالى: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:1-3].

    والإيمان لغة معناه: التصديق، قال إخوة يوسف لأبيهم: وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ [يوسف:17] يعني: وما أنت بمصدق لنا.

    والإيمان شرعاً: تصديق وقول وعمل، تصديق بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان.

    والتصديق بالجنان معناه: اعتقاد القلب بانفراد الله عز وجل بالألوهية، ولا تكفي المعرفة بأن الله عز وجل واحد، وعدم التصديق بذلك لا ينجي العبد من الخلود في النار، وقد قال الناس: إن قول القلب هو تصديق القلب بانفراد الله عز وجل بالألوهية ولا تكفي المعرفة فقط.

    و أبو طالب كان يقول:

    ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا

    لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبينا

    وقال تعالى عن قومه: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14]. إذاً: فلا تكفي المعرفة، وإنما لابد من يقين القلب واعتقاده الجازم بانفراد الله بالألوهية وتصديقه بذلك. هذا قول القلب.

    1.   

    بيان أول واجب على الإنسان عند أهل السنة وعند الأشاعرة

    وقول اللسان: هو النطق بالشهادتين، وهذا هو أول واجب على المكلف، خلافاً لقول الأشاعرة: إن أول واجب على المكلف هو النظر أو القصد إلى النظر، وعندهم أنه لا ينفع التقليد في التوحيد. وهذا القول مما خالفهم فيه الحافظ ابن حجر في المجلدين الأول والثالث عشر من (فتح الباري)، وهذا الذي جعل بعض الناس يقولون: إن ابن حجر لم يكن من الأشاعرة، وإنما كان من مفوضة أهل السنة والجماعة ولم يكن من الأشاعرة؛ لأنه خالفهم في أول واجب على المكلف، وقال: لابد من النطق بالشهادتين إلا أن يحول بين ذلك حائل، كأن يكون أخرس لا يستطيع النطق بها لعيب في لسانه مثلاً.

    1.   

    بيان كيفية توبة المرتد

    في دار الدنيا إن لم ينطق العبد بالشهادتين لا يكون مسلماً أبداً، وقول اللسان يكون بالنطق بالشهادتين، فلو أتى أحد وقال لك: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله فإنه يدخل بها الإسلام، فإذا علم من حاله أنه يقول: إن محمداً نبي العرب فقط وليس للأقباط ولا لنا فلا تكفي حتى يشهد أن الرسالة عامة للثقلين، وناسخة لما قبلها من الشرائع.

    والمرتد يرجع إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين وبالتصديق بما أنكره. فلو قال لك أحد: لا يوجد في الإسلام صلاة، قلنا لك: أقم عليه حد الردة، فإن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله فلا يكفي ذلك، بل لا بد أن يقر بما جحده. وهو وجوب الصلاة.

    إذاً: الدخول في الإسلام يكون بالنطق الشهادتين، ثم بالتصديق بما جحده، وهذه مسألة هامه جداً.

    1.   

    بيان أفضل العمل

    وعمل القلب أفضل الأعمال، وهو الخوف والرجاء والحب والتوكل والإخلاص.

    وهذه الأشياء الثلاثة أقل شيء يأتي به العبد حتى يكون مسلماً، وليس لازم أن يأتي بالأعمال كلها، فمثلاً الصلاة فيها اختلاف بين العلماء، فالإمام الشافعي يقول: إن لم يجحدها وإنما تركها تكاسلاً فلا يكفر.

    1.   

    بيان شروط تحقيق الإسلام في العبد

    وأما النطق بالشهادتين فلازم، وكذلك تصديق القلب واعتقاده بانفراد الله عز وجل بالألوهية، ثم أصل أعمال القلوب. فمن أجل أن يكون العبد مسلماً عند الله عز وجل فلا بد أن ينطق بلسانه بالشهادتين، ويصدق ويوقن بقلبه، وهذا شيء خفي بينه وبين المولى عز وجل، ثم الأمر الثالث أصل أعمال القلوب والتي هي الخشية والخوف والرجاء والمحبة والإخلاص، فلا بد أن يكون في قلبه أقل شيء من الخوف لله عز وجل، وأقل شيء من المحبة، وأقل شيء من الإخلاص. فإن لم يوجد في قلبه تعظيم خالص لله عز وجل وانتفى منه الخوف مطلقاً من قلبه فلا يكون مسلماً.

    1.   

    بيان كيفية معرفة إسلام العبد

    وأما كيفية معرفة أن في قلبه شيئاً من ذلك فلا بد من أن يأتي ببضعة من الأعمال تثبت ذلك، فمثلاً: الخوف لا بد أن يكون عنده ولو ذرة بسيطة في قلبه من الخوف، ونعرف أنه لا يوجد في قلبه ذرة من الخوف أو أنه لا يخاف ربنا أبداً كأن يأتي بالمصحف مثلاً بمزاجه هكذا وهو بكامل عقله وفي كامل قواه غير مكره ثم يطأ عليه، ولو كان في قلبه أدنى ذرة من التعظيم لله لما فعل ذلك؛ لأنه يعلم أن المصحف كلام الله عز وجل.

    فلو أتى بالمصحف وقطعه ووضعه تحت رجله بمزاجه هكذا وبدون إكراه أو ضغط عليه أو ضرب أو فقد لعقله أو شرب للخمر، فليس في قلبه أدنى ذرة من التعظيم لله عز وجل، فأصل أعمال القلوب أن يكون عنده أقل ذرة من المحبة لله عز وجل، وأقل ذرة من الخوف من الله عز وجل، وأقل ذرة من التوكل على الله عز وجل، وهذه هي الثلاثة التي ينجو بها العبد عند الله عز وجل، فإن انتفى ذلك تماماً من قلبه لم يكن مسلماً.

    1.   

    شبهة حول تكفير المرتد والجواب عنها

    يكفي في دار الدنيا النطق بالشهادتين حتى يكون الشخص ملسماً، وبعض الناس اليوم يقول: لا يستطيع أحد أن يحكم بالكفر على أحد، وكيف يستقيم هذا الكلام والعلماء قد كتبوا كتباً كثيرة في الردة، وكتب المذاهب الأربعة والكتب الفقهية مملوءة بالكلام عن الردة، وكذلك كتب السنة مملوءة بأحكام الردة، فإذا عمل أحد شيئاً كفرياً قلنا له: هذا كفر، فنأخذه إلى القاضي الشرعي حتى يقيم عليه الحجة ويقول له: ارجع، فلا تكون العملية سائبة، فلا يقول أحد: لا يوجد أحد يقدر أن يحكم بالكفر على أحد، ولا يملك التكفير إلا الله عز وجل، ومن الذي قال هذا الكلام من العلماء؟!

    قال حذيفة بن اليمان : كان النفاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما اليوم فإما الإسلام وإما السيف.

    ورسول الله صلى الله عليه وسلم ربنا أطلعه على أسماء المنافقين، والرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يقتل أحداً من أصحابه؛ خشية أن يقول الناس: إن محمداً يقتل أصحابه، وأما الآن فقد انتهى النفاق، فكل من أظهر طعناً واضحاً جلياً في دين الله قلنا له: لست جاهلاً وإنما تريد طعناً في دين الله عز وجل، فتعال إلى العلماء، ليقيموا عليك الحجة وإلا حكموا عليك بالردة.

    بيان كفر الحلاج وضلالاته

    ولو لم يكن أحد يملك تكفير أحد فلماذا العلماء كفر العلماء الحلاج وحكموا عليه بالقتل، وهل هؤلاء العلماء كانوا ظالمين له؟ ماكنول المستشرق الأجنبي جلس أربعين سنة ينخر في فكر الحلاج؛ فقد كان عنده بلايا وزندقة واضحة كما ذكر ذلك العلامة ابن كثير، ولسنا نحن من يقول هذا الكلام، بل قاله ابن كثير ، وقد كان عالماً وسيداً من سادات العلماء، فقال في المجلد الثالث عشر من (البداية والنهاية): إن الحلاج كان يقول:

    ألا أبلغ أحبائي بأني

    ركبت البحر وانكسر السفينة

    على دين الصليب يكون موتي فلا البطحا أريد ولا المدينة

    وقال: إن الرجل يسقط عنه صوم رمضان بصيام ثلاثة أيام، ثم يصوم اليوم الرابع ويفطر على ورق الشجر -أي: مثل الجواميس والعجول- فيسقط عنه فرض الصوم.

    ويقول عن الحج: إن الرجل يأتي إلى حجرة مطيبة من بيته ويطوف حولها ويفعل عندها ما يفعل حول الكعبة، ويطعم ثلاثين مسكيناً بيده، ويعطي كلاً منهم 7 دراهم، وبهذا يسقط عنه فرض الحج. وبهذا يرتاح الناس جداً؛ لأن كل واحد منهم عنده اليوم غرفة فيها موكيت نظيف تمام النظافة، فيطوف حولها، فيسقط عنه فرض الحج.

    وأما القرآن فيقول عنه الحلاج لتلميذه: أستطيع أن أؤلف مثله. وهذا ليس كلامي وإنما هو كلام ابن كثير، وكل من يظهر طعناً واضحاً جلياً في دين الله عز وجل فهو زنديق.

    وحكم الزنديق في الإسلام إذا كان أمر زندقته مشهوراً أنه لا تقبل له توبة ويقتل درءاً للفتنة. والحدود لا يقيمها إلا الوالي أو الحاكم الشرعي؛ حتى لا تحدث الفتن.

    1.   

    بيان ما تتعدى به كلمة مؤمن

    وكلمة مؤمن تتعدى بالباء أو باللام، مثل قوله تعالى: وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا [يوسف:17]، وقوله: فَمَا آمَنَ لِمُوسَى [يونس:83]، وقوله: وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ [آل عمران:73].

    ففعل (آمن) يتعدى باللام، أي: يأتي بعده لام الجر، ويتعدى بالباء، أي: تأتي بعده الباء، مثل قولنا: أنا مؤمن برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو تقول: أنا مؤمن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بالباء أو باللام.

    1.   

    بيان كون العمل من الإيمان

    إن الأعمال ركن من أركان الإيمان، فقد الرسول صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان). أخرجه الإمامان البخاري ومسلم .

    1.   

    معنى الغيب والإيمان به

    وقال تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:3]والغيب كما قال العلماء هو: كل ما غاب عن العباد وأخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، ويدخل في ذلك الإيمان بالله عز وجل، والإيمان بالملائكة، وبالكتب المتقدمة، وبالرسل المتقدمين، وباليوم الآخر، وبالجنة وبالنار، وبلقاء الله عز وجل، وبكل ما ذكر القرآن من الغيوب.

    ومن الإيمان بالملائكة ألا تصفها بأن لونها ذهبي؛ لأن هذا فيه استهزاء بالملائكة، وكذلك لا تقل: طعام الملائكة، أو أكل الملائكة، أو هذا يأكل مع الملائكة، وبعض العبارات التي تخرج من الناس وهم لا يشعرون بها توقعهم في سخط الله عز وجل، وهم يقولونها جهلاً منهم بدينهم.

    والغيب كل ما غاب عنا، فالله عز وجل غيب، والإيمان بالقدر غيب؛ لأن قدر الله عز وجل غائب عنا.

    ومن الإيمان بالغيب الإيمان باللوح المحفوظ، والإيمان بالحور العين، وبما ذكر الله عز وجل في الجنة، وبما ذكر في النار، وبعض العلماء يقولون: ومن الإيمان بالغيب: الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأننا آمنا به ولم نره.

    قال العلامة ابن عطية رحمه الله في كتابه (المحرر الوجيز): وهذه الأقوال كلها لا تتعارض في معنى الغيب، بل يقع الغيب على جميعها. فالغيب في اللغة: ما غاب عنك من الأمر.

    وبعض العلماء قالوا في قوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:3]: يؤمنون به حال غيبهم، يعني: يؤمنون به باطناً كما يؤمنون به ظاهراً، فيؤمنون بقلوبهم كما يؤمنون بألسنتهم، وبهذا يفارقون أهل النفاق الذين يؤمنون بألسنتهم وينافقون بقلوبهم. هذا كله من معاني الإيمان بالغيب.

    1.   

    بيان إنكار ابن سينا للحشر وللجنة

    و ابن سيناء يقول: لا يوجد شيء اسمه الجنة، ولا يوجد شيء اسمه حشر الأجساد، وإنما الحشر هو حشر النفوس، وأنه لا يوجد عقاب ولا جزاء، وأن جزاء الفيلسوف أن روحه تنتقل إلى فيلسوف ثان، فقال: بتناسخ الأرواح، وقال: إن عقاب الرجل الذي ليس فيلسوفاً وكان عاصياً أن روحه تنتقل إلى عاصٍ مثله، وأنكر حشر الأجساد، ووجود الجنة، والله تعالى يقول: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ [الواقعة:10-22]. فأثبت تعالى أن الجنة فيها أكل وشرب ونكاح.

    وقد كان ابن سيناء من طائفة الحشاشين، وهم من غلاة الإسماعيلية الشيعة. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة شجرة يمشي الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها).

    فلا يقول أحد: لا يعقل أن شجرة يمشي الراكب في ظلها مائة عام وأنا أمشي من هنا إلى أسوان في شهرين، يعني: أن هذه الشجرة إلى حد موزبيق فلا يعقل هذا الكلام. ولكن علينا أن نؤمن بهذا ونصدقه.

    ولما قيل لـأبي بكر الصديق : أما تنظر إلى صاحبك يزعم أنه قد أسري به ثم عاد الليلة! فقال: إن كان قاله فقد صدق.

    1.   

    إقامة الصلاة

    قال تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة [البقرة:3]، أي: يداومون عليها.

    ونقل العلامة القاسمي في كتابه (محاسن التأويل) عن الراغب في إقامة الصلاة قال: إنها توفية حدودها، وإدامتها، والمحافظة عليها، وأداؤها بأركانها وسننها وهيئاتها في أوقاتها، وملازمتها جماعة في الفرائض، والإكثار من النوافل.

    1.   

    فضل الصلاة وفضل إقامتها في أول وقتها

    ونأتي إلى إقامة الصلاة عند علماء السلف وعبادهم والسابقين من هذه الأمة، وسجودهم في المحراب، واستغفارهم في الصلاة، ودموعهم عند المناجاة، وهذه يحتكرها المؤمنون، ولئن كانت جنة أهل الدنيا في الدينار والنساء والقصر المنيف فإن جنة المؤمن في محرابه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أحمد وابن حبان والحاكم وحسنه الألباني : (الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر).

    ومن إقامة الصلاة المحافظة عليها في أول وقتها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب الأعمال إلى الله الصلاة لوقتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الأعمال الصلاة لوقتها، والجهاد في سبيل الله).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعت النداء فأجب داعي الله).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا بلال ! أقم الصلاة، أرحنا بها يا بلال).

    1.   

    فضل المشي إلى المساجد

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم). ومن إقامة الصلاة والمحافظة عليها: أن تمشي إلى المساجد متوضئاً، فأجر الخارج إلى صلاة مكتوبة متوضئاً متطهراً كأجر الحاج المحرم، فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا يخرجه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين).

    والمشي إلى المساجد بوضوء هذا مما اختصمت فيه الملائكة.

    1.   

    فضل صلاة الجماعة

    ومن إقامة الصلاة أيضاً: الحرص على صلاة الجماعة، وعلى التكبيرة الأولى.

    فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق). رواه الترمذي، وحسنه الشيخ الألباني .

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يتوضأ أحدكم فيحسن وضوءه ويسبغه، ثم يأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة فيه: إلا تبشبش الله إليه كما يتبشبش أهل الغائب بطلعته). والبشبشة هي: الفرح، كما في رواية: (إلا فرح الله عز وجل به).

    رواه ابن خزيمة في صحيحه، وصححه الألباني.

    1.   

    فضل صلاة العصر والترهيب من تركها

    ومن إقامة الصلاة: حب الرجل للمساجد وتعلقه بها؛ حتى يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ويبدو حرص الرجل على صلاته في حرصه على الصلاة الوسطى؛ صلاة العصر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الصلاة -يعني: العصر- عرضت على من كان قبلكم فضيعوها، فمن حافظ منكم اليوم عليها كان له أجره مرتين).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله).

    1.   

    فضل صلاتي الفجر والعشاء والجلوس بعد صلاة الفجر في المسجد حتى تطلع الشمس وصلاة ركعتين

    ومن إقامة الصلاة والحرص عليه: المحافظة على صلاتي العشاء والصبح في جماعة والجلوس في المسجد للذكر حتى تطلع الشمس، ثم صلاة ركعتين.

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف ليلة، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله).

    يعني: الذي يصلي العشاء له النصف، والذي يصلي الصبح له نصف آخر، فيصبح كأنما قام الليل كله.

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في صلاة العشاء وصلاة الفجر لأتوهما ولو حبواً).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها).

    ودخول المسجد في صلاة الفجر له خاصية أخرى: فعن ميثم وهو رجل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بلغني أن الملك يغدو برايته -ملك من الملائكة- مع أول من يغدو إلى المسجد، فلا يزال بها معه حتى يرجع فيدخل بها منزله، وإن الشيطان يغدو برايته إلى السوق مع أول من يغدو فلا يزال معه حتى يرجع فيدخل منزله).

    وهذا القول له حكم الرفع؛ لأنه قول صحابي، وإذا قال الصحابي: بلغني فله حكم الرفع.

    وهذا الحديث رواه ابن أبي عاصم وأبو نعيم والمنذري .

    فأول واحد خارج من بيته لصلاة الفجر يمشي معه الملك بالراية حتى يدخله المسجد، ثم ينتظره بعد الصلاة حتى يوصله إلى بيته، فيا عظمة ذلك الرجل، وهو أفقر رجل في بلدنا لا يملك قوت يومه إلا بالعافية، وأقسم بالله أنه يومياً يمضي قبل الفجر بثلاث ساعات إلى المسجد متوكئاً على عكازه يتهجد، وما فاتته صلاة الجماعة قط.

    وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ ثم أتى المسجد فصلى ركعتين قبل الفجر ثم جلس حتى يصلي الفجر كتبت صلاته يومئذ في صلاة الأبرار وكتب في وفد الرحمن).

    متى صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب

    فإذا فعلت ذلك كتبت عند الله عز وجل من الأبرار، وكتبت في وفد الرحمن.

    وقال صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي بكرة رضي الله عنه: (من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله، فمن أخفر ذمة الله كبه الله في النار لوجهه).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى البردين دخل الجنة).وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي أمامة رضي الله عنه: (من صلى صلاة الغداة في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم قام فصلى ركعتين انقلب بأجر حجة وعمرة).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة).

    فإذا فعلت ذلك كل يوم كان لك أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة، إذاً: فاجلس حتى تشرق الشمس، وصل ركعتين، ثم ارجع إلى بيتك بأجر حجة وعمرة تامة؛ حتى يبارك لك ربك في بيتك وفي زوجتك وفي مالك وولدك، لا أن تخرج تجلس في الشارع إلى أن تشرق الشمس، ثم بعدها تذهب لعمل الدنيا فلا يبارك لك ربك في العمل.

    1.   

    فضل الصف الأول

    ومن إقامة الصلاة: حرصك على الصلاة في الصف الأول، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو تعلمون ما في الصف الأول لكانت قرعة).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا)، وهذا فيه فضل الصلاة في الصف الأول.

    1.   

    فضل الصلاة في ميامن الصفوف ووصل الصفوف واللين بالمناكب

    ومن تمام إقامة الصلاة: الصلاة في ميامن الصفوف، فعن عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف)، فصلاتك عن يمين الإمام يوجب صلاة الله عز وجل والملائكة عليك.

    ومن إقامة الصلاة: صلة الصفوف، ولين المناكب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف، ومن سد فرجة رفعه الله بها درجة).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خياركم ألينكم مناكب في الصلاة) أي: تجعل منكبك بجانب منكب أخيك، لا أن تدفعه وكأنك تريد أن تخلع كتفه.

    1.   

    فضل السنن الرواتب

    وأيضاً من تمام إقامة الصلاة: الحرص على صلاة السنن الرواتب في البيوت، وأداؤها في البيوت سنة.

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى في اليوم والليلة اثنتي عشر ركعة تطوعاً بنى الله له بيتاً في الجنة).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة: أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الغداة).

    1.   

    الترغيب في صلاة السنن والنوافل في البيت

    وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة السنن الرواتب والنافلة في البيوت، فقال: (فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس كفضل المكتوبة على النافلة).

    1.   

    فضل صلاة الضحى

    وأيضاً من تمام إقامة الصلاة ومن حرص الرجل على الصلاة: حرصه على صلاة الضحى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب، وهي صلاة الأوابين). وأفضل أوقاتها هو ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال).

    1.   

    بيان الاختلاف في صلاة التسبيح وذكر فضلها وكيفيتها

    وأيضاً المحافظة على صلاة التسبيح، ومعظم فقهاء القاهرة يضعفون حديث صلاة التسابيح، وأنا سألت شيخنا الشيخ ابن عثيمين عن صلاة التسابيح فقال لي: لا أعرف عنها إلا ما تعرف، فأعطيته أسماء العلماء الذين صححوها وحسنوها، ومن ضعفها من أهل العلم، وممن حسن صلاة التسابيح الحافظ ابن حجر أستاذ الدنيا كلها في علم الحديث، وكذلك الشيخ الألباني، وشيخ الإسلام الإمام البلقيني، وأبو عبد الرحيم المصري، والإمام المنذري، والإمام الحاكم، والحافظ العلائي ، وبلغ الذين صححوا صلاة التسابيح أو حكموا عليها بالحسن أكثر من أربعين عالماً، حتى إن الإمام أحمد بن حنبل كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في التعليق على (مشكاة المصابيح) ضعف الحديث أولاً ثم رجع عن تضعيفه. وذكر الحافظ ابن حجر هذا الكلام أيضاً في النكت على الأذكار.

    وابن حجر عندنا يساوي ملء الأرض من طلاب الحديث والعلماء من أمثالنا. ووَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [يوسف:76]، ولكن علينا دائماً أن نرد الأمر إلى أهله.

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه عن صلاة التسابيح: (يا عباس ! يا عماه! ألا أعطيك؟ ألا أمنحك؟ ألا أحبوك؟ ألا أفعل بك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله ذنبك أوله وآخره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سره وعلانيته؟ تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم قلت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشراً، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشراً، ثم تهوي ساجداً فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، ثم تسجد فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك فتقولها عشراً، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، تفعل ذلك في أربع ركعات، فلو كانت ذنوبك مثل زبد البحر أو رمل عالج غفرها الله لك، إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة).

    وصلاة الأربع الركعات مثنى مثنى.

    1.   

    الخشوع في الصلاة

    وأيضاً من إقامة الصلاة: أن تخشع فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع، ولا تتكلم بكلام تعتذر منه، واجمع الإياس مما في أيدي الناس) أي: اجعل كل قلبك متصل بربك.

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحري أن يحسن صلاته، فصل صلاة رجل لا يظن أنه يصلي صلاة غيرها، وإياك وكل أمر يعتذر منه) أي: صل وكأنها آخر صلاة لك.

    وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصلاة طول القنوت).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم إذا قام يصلي فإنما يناجي ربه، فلينظر كيف يناجيه).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صل صلاة مودع كأنك تراه، فإن كنت لا تراه فإنه يراك).

    1.   

    أهمية مراعاة المعاني الباطنة للصلاة

    وأيضاً من إقامة الصلاة: أن تراعي المعاني الباطنة للصلاة من حضور القلب في الصلاة، وأن يكون قلبك تابعاً لهمتك، فلابد من حضور القلب في الصلاة، وتدبره وتفهمه لمعاني ألفاظ القرآن الكريم التي يتلوها، ثم تعظيم كلام الله عز وجل، ومعرفة حقارة النفس وخستها، وكونه عبداً مربوباً مسخراً.

    وإذا علمت أن ربك عظيم، وعلمت مدى حقارة النفس تبت إلى الله عز وجل، واستكنت وانكسرت وخشعت له عز وجل.

    وإذا استحضر العبد الهيبة والرجاء ولطف الله وكرمه وعميم إنعامه ولطائف صنعه ومعرفة صدقه في وعده بالجنة إذا صلى ثم استشعر الحياء وتقصيره في الصلاة وعلمه بالبعد عن القيام بحق الله عز وجل فإنه يستحيي من ربه أن يوجه إليه صلاة عرجاء.

    1.   

    وصف صلاة الخاشع

    وقد وصف العلامة ابن القيم صلاة الخاشع فقال: يصلي ما كتب الله له صلاة محب ناصح لمحبوبه، متذلل منكسر بين يديه، لا صلاة مدل بها عليه، يرى من أعظم نعم محبوبه عليه أن استزاره ولم يطلب غيره، وأعزه وأهله بالقرب منه وحرم غيره، وهو يزداد بذلك محبة إلى محبته، ويرى أن قرة عينه وحياة قلبه وجنة روحه ونعيمه ولذته وسروره في تلك الصلاة، وهو يتمنى طولها ويهتم بفراقها كما يتمنى المحب الفائز وصول محبوبه، كما يقول الشاعر:

    يود لو أن ظلام الليل دام له وزيد فيه سواد القلب والبصر

    فهو يتملق فيها مولاه تملق المحب لمحبوبه العزيز الرحيم، يناديه بكلامه، معطياً لكل آية حظها من العبودية، فينجذب قلبه وروحه إلى آيات المحبة والوداد، والآيات التي فيها الأسماء والصفات، والآيات التي تعرف بها الله إلى عباده بآلائه وإنعامه عليهم، فتطيب له السير آيات الرجاء والرحمة وسعة البر والمغفرة، وتكون له بمنزلة الحادي الذي يطيب له السير ويهونه، وتقلقه آيات الخوف والعدل والانتقام وإحلال غضبه بالمعرضين عنه العادلين به غيره المائلين إلى سواه، فيجمعه عليه، ويمنعه أن يشرد قلبه عن الصلاة.

    فبالجملة يشاهد المتكلم سبحانه وقد تجلى في الكلام، فيعطي كل آية حظها من عبودية القلب الخاصة الزائدة على مجرد تلاوتها والتصديق بأنها كلام الله، بل الزائدة على نفس فهمها ومعرفة المراد منها، ثم شأن آخر لو فطن له العبد لعلم أنه كان يلعب قبل ذلك، كما قيل:

    وكنت أرى أن قد تناهى بي الهوى إلى غاية ما بعدها لي مذهب

    فلما تلاقينا وعاينت حسنها تيقنت أني إنما كنت ألعب

    وعندما يدخل الشخص الجنة ويرى النعيم الذي فيها وتفاوت الدرجات يقول: يا إلهي! لقد كنا نلعب في دار الدنيا، فصلاتنا كلها صلاة عرجاء، لا تؤهلنا إلى أن نأخذ فقط مقبض باب من أبواب الجنة، فمقبض الباب فقط يساوي الدنيا كلها وما عليها، (ولموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها).

    ولو قيل لك: لو صليت صلاة فسنعطيك فلة على البحر، فإنك ستصلي صلاة لم يصلها أحد؛ من أجل فلة فقط على البحر، فما ظنك بصلاة ترتفع بها إلى أعلى عليين؟

    1.   

    بيان تفاوت أهل الجنة في الدرجات

    إن الذين في أدنى درجات الجنة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لينظرون إلى أهل الغرف كما تنظرون أنتم إلى النجم الدري الغابر في الأفق؛ لتفاضل ما بينهما، وما بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض). يعني: من التفاوت الذي بينهما.

    وهذا التفاوت موجود حتى في الدنيا، فهناك ناس في الدنيا لا يقدرون على شراء طعمية أو باذنجان، وهناك ناس يطيرون بطائرات من ذهب، فالتفاوت في دار الدنيا رهيب لا يخطر على بال أحد، حتى يكاد الشخص يجن، فتجد ناساً فقراء في هذه الدار، وناساً لا يخطر غناهم على بال أحد، إذاً: فكيف تكون الجنة؟! وسبحان مثبت العقول.

    فإن آخر من يدخل الجنة يبدو له قصر من در أبيض، وإذا رأى قهرمانه -وهو لم يره قبل ذلك- سجد له، فيقال له: ارفع رأسك، فيقول: كأنما تراءى لي ربي، فيقول: إنما أنا قهرمانك، وتحت يدي ألف على مثل ما أنا عليه.

    1.   

    التحذير من الغفلة عن الآخرة والركون إلى الدنيا

    فيا ويلك يا من تترك كل هذا النعيم، وتجادل عن جيفة طلابها كلاب، فالملك يدعوك إلى جنانه وأنت مقيم على الجيف وتقول: والله لآخذنها، فنعيم أنت راحل إليه في كل لحظة أحق بالعمل له من نعيم خراب أنت راحل عنه في كل لحظة.

    يقول ابن القيم : فوا أسفاه وواحسرتاه! كيف ينقضي الزمان وينفذ العمر والقلب محجوب ما شم لهذا رائحة، وخرج من الدنيا كما دخل إليها وما ذاق أطيب ما فيها، بل عاش فيها عيش البهائم، وانتقل منها انتقال المفاليس، فكانت حياته عجزاً، وموته كمداً، ومعاده حسرة!!

    1.   

    بيان معنى تطفيف الصلاة وسرقتها

    يا ابن آدم! أي شيء يعز عليك من دينك إذا هانت عليك صلاتك! فالصلاة مكيال، وقد علمت ما قال الله في المطففين، وإن كان الله قد توعد المطففين في مكيال الدنيا من الحبوب والشعير فما ظنكم بالمطففين في مكيال الدين!! أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ [هود:95].

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسوأ الناس سرقة الذي يسرق صلاته، قالوا: وكيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها، وأبخل الناس من بخل بالسلام).

    فليس السارق هو الذي يقطع الجيوب، بل السارق الذي يسرق من صلاة؛ نفسه، فهو يسرق نفسه، فتجده يكبر في التراويح: الله أكبر بسرعة من أجل الفوازير، ويجادل بأن السنة في صلاة التراويح ثمان ركعات فقط، والوتر ركعة أو ثلاث من أجل الفوازير.

    1.   

    نماذج من خشوع السلف في الصلاة

    وأين هذا من الإمام يحيى بن وثاب، فقد كان إذا قضى صلاته مكث ملياً تعرف فيه كآبة الصلاة، وكان إذا ركع أو سجد فكأنه قد وقف للحساب، ويقول: أي رب! أذنبت كذا وكذا فعفوت عني فلا أعود، وأذنبت كذا وكذا فعفوت عني فلا أعود.

    وكان إبراهيم النخعي إذا صلى يمكث بعد الصلاة ساعة كأنه مريض.

    وحاتم الأصم لما سئل عن صلاته قال: أقوم إلى صلاتي وأمثل الكعبة بين حاجبي، والصراط تحت قدمي، والجنة عن يمني، والنار عن شمالي، وملك الموت ورائي، وأظنها آخر صلاتي.

    1.   

    شدة محافظة السلف على صلاة الجماعة

    وهناك أمثلة عطرة في تاريخ الإسلام لعلو كعب العلماء في المحافظة على صلاة الجماعة، والمسارعة إليها، وفي اختيارهم المكان البعيد؛ كي يكسبوا الثواب، فـسعيد بن المسيب يقول: منذ أربعين سنة ما فاتتني تكبيرة الإحرام في المسجد، ومنذ ثلاثين سنة وأنا أسمع صوت المؤذن في المسجد. ويقول: منذ أربعين سنة ما نظرت إلى قفا مسلم في صلاة؛ لأنه كان يصلي في الصف الأول، فلا يوجد أحد أمامه حتى يرى قفاه.

    وأما حضور صلاة الفجر ليلة الزواج فهذه لا تخطر على بال، وما الذي يمنعك إن أنت تزوجت أن تصلي في المسجد وترجع إلى زوجك؟ روى الإمام الطبراني عن عنبسة بن الأزهر قال: تزوج الحارث بن حسان وكان له صحبة، فأراد أن يخرج لصلاة الفجر فقيل له: أتخرج وإنما بنيت بأهلك في هذه الليلة؟! قال: والله إن امرأة تمنعني من صلاة الغداة ومن صلاة الفجر في جمْع لامرأة سوء.

    والإمام سعيد بن المسيب لما اشتكى عينه قالوا: اذهب إلى البادية، قال: فكيف بصلاة الغداة والعشاء؟ أي: لا داعي لذلك، وعيني ستشفى إن شاء الله. وكانوا يحضرون وهم مرضى.

    فالإمام أبو عبد الرحمن السلمي كان يقول: قوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) هو الذي أقعدني هذا المقعد منذ أربعين سنة.

    فقد درس الناس وعلمهم القرآن أربعين سنة، ثم لما مرض أبو عبد الرحمن السلمي وكان قد نزل المطر قال لهم: احملوني على أكتافكم وخذوني إلى المسجد، فكان يحمل وهو مريض إلى المسجد.

    والإمام سعيد بن المسيب قيل له: إن طارقاً يريد قتلك، فقال: أبحيث لا يقدر الله علي؟ فقيل له: اجلس في بيتك تحمي رقبتك، فقال: أسمع حي على الفلاح ولا أجيب؟!

    1.   

    مقارنة بين حالنا وحال السلف في المحافظة على صلاة الجماعة

    ونحن عندما تكون هناك مباراة للأهلي والزمالك في يوم الجمعة تمتلئ المدرجات بالمشاهدين، فإذا جاءت صلاة الجمعة وقلت لهم: صلوا، قالوا: أيعقل أن نترك المكان؟ لتذهب صلاة الجمعة في ستين داهية، وأما ترك المكان فلا.

    والإمام أبو عبد الرحمن السلمي حرص على أن يأتيه الموت وهو في انتظار الصلاة في المسجد، ورفض الانتقال من المسجد إلى فراشه لما حضرته المنية.

    فعن عطاء بن السائب قال: دخلنا على أبي عبد الرحمن السلمي وهو في النزع الأخير في المسجد، فقلنا له: لو تحولت إلى فراشك فإنه أوسع لك، فقال: حدثني فلان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال أحدكم في صلاة ما دام في مصلاه ينتظر الصلاة)، قال أبو عبد الرحمن السلمي : فأريد أن أموت وأنا في مسجدي، ومات في المسجد.

    1.   

    حث الأبناء على صلاة الجماعة

    وينبغي لك أن تحث ابنك على ملازمة المسجد، قال أبو الدرداء لابنه: يا بني! ليكن المسجد بيتك؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن المساجد بيوت المتقين، فمن كانت المساجد بيوته ضمن الله له بالروح والرحمة والجواز على الصراط إلى الجنة). وهذا الحديث حديث صحيح. فالواجب على الأب أن يؤدب ابنه إذا تأخر عن صلاة الجماعة.

    وروي عن عبد العزيز بن مروان والد عمر بن عبد العزيز : أنه لما بعث ابنه عمر إلى المدينة ليتأدب بها كتب إلى صالح بن كيسان أن يتعاهده، وأن يلزمه الصلوات، فأبطأ يوماً عن الصلاة فقال له صالح بن كيسان : ما حبسك؟ قال: كانت خدامتي تسكن شعري، أي: تسرح لي شعري، فقال: أبلغ من تسكين شعرك أن تؤثره على الصلاة؟! وكتب بذلك إلى والده، فبعث عبد العزيز رسولاً إليه فما كلمه حتى حلق شعره.

    أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756294236