الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، أما بعد:
فإن العلوم تنقسم إلى قسمين: علوم مادية يبحث الإنسان فيها بعقله أو بجوارحه، فيبحث عن ترتيبها وعن خصائصها، يبحث في شيء محسوس، من الأمور المحسوسة، هذه العلوم المادية تشمل أمرين في النظري وفي الاصطلاحي: تشمل علوماً عقلية يبحث فيها عن طريق العقل فيستنتج منها أمور، كما هو الحال في علم الهندسة والطب والكيمياء والفيزياء والجيولوجيا وغير ذلك، فليس طريق البحث فيها مجرد نظر أو سماع، علوم النفس تبحث في واقع محسوس مشاهد، وهناك علوم تدخل في هذا أيضاً، وهي علم التاريخ والجغرافيا، يدخل في هذا لأنه يبحث في أمر محسوس عن طريق ما رآه أو سمعه، هذان يدخلان في العلوم التجريبية المادية العقلية، وهناك علم سلوكي يتعلق بفعل الإنسان: حلال حرام، رذيلة، في التشريع، في النظام، فيما ينبغي أن يعتقد، أن يعبده، أن يسير عليه في هذه الحياة في النظام والتشريع، فتلك علوم سلوكية.
كان في تقديري عندما أردت أن أتكلم في هذه المحاضرة أنه بإمكاني أن أتكلم على النوعين، لكنني لما قيدت عناصر الموضوع رأيت أن الأمر طويل، ويعلم الله أنه يستحق أن يُتكلم عليه في محاضرات لا في محاضرتين، لذلك سأختصر الكلام على هذا الموضوع لنتكلم عليه في محاضرتين.
في المحاضرة الأولى وهي التي نتكلم عليها الآن نتدارسها في العلوم المادية مما يتوقف بحثه على الأمور العقلية والاستنتاجات النظرية، ومما يكون عن طريق الرؤية والسماع شيء مشاهد محسوس، من علوم تاريخية ومادية عقلية نستنتج مما نشاهده قضايا محسوسة، فنتكلم على هذا إن شاء الله.
وأما العلوم السلوكية وهي أهم الأمرين عندي، فلعل الله يأذن لنا في اجتماع آخر لنتكلم عليها إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
الطب البشري يبحث في العين، وفي تركيبها، لكن لمَ كانت تلك النسب فيها هكذا؟ هذا تقدير العزيز العليم، يبحث في أعضاء البشر في خواصها، هذا يصل إليه، كيف تعلم هذا من أجهزة في داخله وفي خارجه؟ يقرر هذا ويطبقه بقواعد، لكن لمَ كان الأمر كذلك؟ هذا تقدير العزيز العليم، بإمكان العقل البشري أن يتوصل إلى قاعدة: أن الماء إذا وصل إلى درجة أربعة تحت الصفر يتجمد، بإمكانه أن يعرف هذا، وأن الماء إذا وصل إلى هذه الدرجة تجمد، لكن لمَ كان الأمر كذلك؟ ليس بإمكانه أن يدرك هذا، هذا مما خلقه ربنا جل وعلا واستأثر بعلمه، فالعقل يدرك كيف تعمل الأشياء، ويعرف خواصها وتركيبها، لكن لمَ كانت تلك النسب فيها هكذا؟ العقل عاجز عن إدراك ذلك.
الجاذبية العامة بين النجوم والتيارات ومنظومات هذه الجاذبية، هم يدركونها ويقررونها، لكن ما حقيقة هذه الجاذبية؟ هذا استأثر الله بعلمه، ونحن نقول لهم من الوجهة الشرعية: إن حقيقة الجاذبية هي العبودية، انقياد كل مخلوق لخالقه: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [مريم:93]، نظام جعله الله بين الكواكب السيارات، لكن ما حقيقتها؟ هذا استأثر به رب البرية، حقيقته أن الله سخر هذا الكون بأسره لا يخرج عن طاعته وعن أمره، فهو عبدٌ مربوب مسخر لهذا الرب الإله الكريم القادر سبحانه وتعالى، فالعقل يدرك كيف تعمل الأشياء، يصل إلى عناصرها، إلى تركيبها، لكنه ليس بإمكانه أن يدرك حقيقة الأشياء.
أخرج الإمام الرهاوي -ويقال بفتح الراء الرهاوي - في كتابه الأربعين بسند حسن، كما نص على ذلك الإمام النووي في كتاب الأذكار في صفحة (94) عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كل أمرٍ لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع ) لا بركة فيه، ولا خير فيه، وتكون هذه العلوم شؤماً عليه كما كانت شؤماً على الغرب وعلى غيرهم عندما بحثوا في هذه الأمور المادية، ولعل الحياة البشرية ستصطلي بنار أبحاثهم عما قريب، بحيث لا يبقى في الأرض إلا قليل قليل ممن يعيش عليها، عندما لم يُبحث في تلك العلوم باسم الحي القيوم.
إخوتي الكرام! ورد في سنن أبي داود بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كل أمر لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع )، قال أئمتنا: المراد من الحمد هنا مطلق الثناء على الله، يحصل بالتسمية وغيرها، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وقد تتبعت كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمراء البلاد الذين أرسل إليهم كتبه عندما كان يرسل الكتب كهرقل وغيره، فما رأيت كتاباً من كتبه بدئ بالحمد لله، إنما كان يبدؤه النبي عليه الصلاة والسلام -كما في صحيح البخاري -: ( بسم الله الرحمن الرحيم، من محمدٍ عبد الله ورسوله إلى
وهناك أمرٌ ثانٍ لا ينبغي أن يغفل عنه أيضاً في الأدب الأول: وهو أن من يريد أن يطرق العلوم المادية، وأن يصل إلى قواعد عن طريق العقول البشرية، فعليه أن يلتزم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فضبط الهندسة والفيزياء والكيمياء والجيولوجيا وأمور الطب يبدأ: بسم الله، والصلاة والسلام على نبينا محمد خير خلق الله، ثم يتدارسون النظريات التي توصل إليها عقول البشر، فنحن مطالبون بهذا، بالصلاة على نبينا عليه الصلاة والسلام، فإذا كان عباد العبيد في هذه الحياة ينوهون لأسيادهم في كل مجلس، فمن حق نبينا علينا عليه صلوات الله وسلامه أن لا يمر علينا مجلس إلا ويصلى عليه فيه عليه صلوات الله وسلامه.
ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم ، والحديث على شرط البخاري كما قال الحاكم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا فيه على نبيهم عليه الصلاة والسلام إلا كان عليهم ترة -أي: حسرة- وأمرهم إلى الله؛ إن شاء عذبهم، وإن شاء عفا عنهم )، وفي رواية في المسند وصحيح ابن حبان والمستدرك: ( إلا كان عليهم حسرة، وإن غفر الله لهم لأجل ما فاتهم من الثواب ).
فهذه العلوم تبتدأ بـ(بسم الله)، وبالصلاة على نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اجتمع خمسة من شباب المسلمين، فأرادوا أن يساعدوا بعض الأسر من الفقراء والمساكين والمحتاجين، فاتفقوا على مساعدة ثمانيَ أسر، فتبرع كل شاب من هؤلاء الخمسة، لنفرض مثلاً بمقدار معين بثمانية آلاف، فكم تأخذ كل أسرة إذا وزع عليهم بالتساوي؟ عنده ضرب وعنده تقسيم، ويصل إلى ما نصل إليه من دراستنا في هذا الحين، لكن كما قلت: مع أداة إسلامية، والجو صار جواً شرعياً، ليس هو علوم مادية بحتة لا صلة لها بالله جل وعلا، فهذا لابد منه، عندما نصل إلى النتائج ننقلها إلى الناس بصورة إسلامية، بحيث تكون وسيلة لضبط الأحكام الشرعية.
ثبت في سنن الترمذي والنسائي وسنن البيهقي وصحيح ابن حبان وابن خزيمة ومستدرك الحاكم بسند صحيح أقره عليه الذهبي ، والحديث صحيح صحيح، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( كانت امرأة تشهد الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان بعض الناس يتأخر -ولعله من المنافقين- ليصلي في آخر الصفوف، فإذا سجد نظر من تحت إبطيه إلى هذه المرأة وإلى النساء، فأنزل الله: وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ [الحجر:24] )، والحديث صحيح إخوتي الكرام، وما علل به الإمام الترمذي هذا الحديث من أنه روي عن أبي الجوزاء موقوفاً عليه وليس مرفوعاً إلى ابن عباس ، فمن وصله ورفعه إلى ابن عباس فهو مصيب ومعه الحجة، وروي من طريقين، والحديث ثابت عنه، وإذا تكلم الصحابي في سبب النزول، فلهذا حكم الرفع إلى نبينا الرسول عليه صلوات الله وسلامه، فكان يتأخر لأجل أن ينظر من تحت إبطيه إلى النساء اللاتي يصلين في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام، فأنزل الله هذه الآية.
أطلعني بعض الإخوة الكرام من اليمن على مسألة جاءتهم من أخٍ لهم في بعض البلاد الشيوعية ذهب ليدرس الطب، يقول له: أنا أسكن في حجرة ومعي اثنان من الخنازير، أي: من الشيوعيين الملعونين، ودراستنا -كما تعلم- في بلاد الشيوعيين مختلطة، ولا يوجد هناك اعتبار لرب العالمين، يسأل هذا الأخ الذي عندنا في كلية الشريعة وعرض السؤال علي، يقول: أريد أن أؤخر صلاة الظهر والعصر والمغرب إلى وقت العشاء؛ لأنني في الحرم الجامعي لا أتمكن من الصلاة، ثم لو صليت أنذر وأعاقب، والمحاضرة أحياناً تستمر من بعد الظهر إلى بعد المغرب، محاضرة في الطب، وفيها النساء الشيوعيات، فماذا أعمل؟ هل هذه ضرورة؟ فقلت لهذا الأخ الذي عرض علي هذه الرسالة: ستجيبه بصدق أم يريد مداهنة؟ قال: يا شيخ! بصدق، نريد حكم الله، قلت: قل له باختصار -ما كنت ذكرته في محاضرة سابقة في هؤلاء البعثات الذين يذهبون إلى بلاد من غضب عليهم رب الأرض والسماوات- إن كنتم تريدون الله فليس الطريق إلى الله في تلك البلاد، وأنا أعجب من شاب مسلم له لحية يجلس في محاضرة علم وأفخاذ الطالبات فيها مكشوفة! أنا أعجب! كيف تبلد إحساسنا وذهبت غيرتنا في الدراسة لنعصِ الله، ونقبل هذا المسلك الذميم! وإذا كنت تريد الدنيا فأرض الله واسعة، ورزق الله سيأتيك أينما كنت، فلا داعي لأن تبقى في حجرة تنام فيها وتأكل وتشرب مع اثنين من الخنازير على حد تعبيره، أي: من الشيوعيين.
فلابد -إذاً- أن تكون الطريقة التي نحصل بها ذلك العلم طريقة شرعية، لا اختلاط فيها ولا شيء آخر من الفساد، وخلطة النساء بالرجال في شرعنا من أقبح الخصال، وسمة الفساق والجهال في كل وقت ولكل حال، إن الطريقة التي تؤخذ بها هذه العلوم المادية الآن طريقة غربية لا دخل فيها للآداب الإسلامية.
ذكر لي بعض الإخوة ممن وقع له هذا قصتين، قصة وقعت في تركيا من بعض إخواننا الذين كانوا يدرسون في الطب هناك، وقصة في بلاد مصر، أما في البلاد التركية، فيقول: لما أتينا بالرجل لنشرحه بعد الموت، ولنأخذ عليه محاضرة في التشريح، بعد أن انتهينا، جاء الأستاذ المسئول ليتفقد هذا الجسم الذي شرح، فوجد عضو الرجل مفقوداً، (العضو).. لا إله إلا الله! ميت يعبثون به ثم يقطعون عضوه وذكره! هذه طريقة إسلامية؟! أما تخافون الله؟! لا يؤذي الحي الميت، يقول: فقال لنا الأستاذ: أين ذهب عضوه؟ يقول: فكل واحد أنكر، مما اضطر إلى تفتيش ملابسنا، هذه العباءة البيضاء التي يلبسونها، فوجدوا هذا العضو في جيب طالبة في الطب.. نعوذ بالله من هذا الضلال! هل هذه طريقة إسلامية؟! وتريد أن تتخرج طبيبة.
وقصة أشنع وأشنع وقعت في بلاد مصر: أتوا بامرأة ليشرحوها في الطب، فكان الذي يدرسهم يشرب السجائر والطلاب كذلك، وعندما كانوا ينتهون من السجائر لا يريدون أن يضعوها في الأرض لئلا تتسخ، كانوا يدخلون أعقاب السجائر في فرج المرأة! هذا هو حال الطب في بلاد المسلمين، اختلاط وفساد ومحاربة لرب العباد! تعلَّم الطب، لكن بطريقة إسلامية.
المقصود منه أن نتقرب بذلك إلى الله جل وعلا، هذه حالتنا في تحصيل العلوم المادية، فكيف سيكون حالنا بعد ذلك في العلوم السلوكية كما سيأتي؟!
إخوتي الكرام! من باب التعليق، السجائر تعتبر من فصيلة المخدرات، من فصيلة الحشيش والأفيون، والمحرم عندنا المسكر والمخدر، ولكل واحد من هذين أثر، أما المسكر فضرره عظيم، لكنه لا يفقد الإنسان الكياسة، ضرره عظيم، لكنه لا يفقد الإنسان الغيرة، ولا يفقده الكياسة، يبقى عنده نخوة وشهامة ومروءة، وأما المخدرات فضررها عظيم، لكن من شربها ضاعت منه الغيرة، ولا يبالي بعد ذلك بقلة الحياء والدياثة، ولذلك عندما هؤلاء وضعوا مخلفات السجائر ونهايتها في فرج المرأة؛ لأنه لا حياء عندهم، والدياثة صارت خلقاً لهم، وكل حساس ليس عنده غيرة ولا حمية على عرضه ولا على أعراض المسلمين، ومن يشرب السجائر يبتلى بهذا الأمر، فتذهب من نفسه الغيرة والحمية والمروءة.
فلابد من دراسة هذه العلوم بالطريقة الإسلامية، والأمر ليس صعباً، فهذه الأمور المادية عندما ندرسها نلفت الأنظار إلى عظيم قدرة وحكمة العزيز القهار فيها، كيف جعلها بهذه الصفة وبهذا الاعتبار؟!
والعالمون كما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام (ألف عالم)، أربعمائة منهم في البر وستمائة منهم في البحر، ثبت هذا في مسند أبي يعلى بسند ضعيف عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قل الجراد في سنة من سنوات خلافته، فأرسل رجلاً إلى اليمن وآخر إلى الشام وآخر إلى العراق ليبحث: هل قل الجراد في تلك الأمصار؟ فجاء الراصد الذي ذهب إلى الشام وأخبره أنه لا يوجد بها جراد، وهكذا الذي ذهب إلى العراق، وأما الذي ذهب إلى اليمن فعاد بحفنة من جراد، وقال: الجراد فيها، فقال عمر : الله أكبر! سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( خلق الله ألف أمة، ستمائة منها في البحر وأربعمائة منها في البر، أول ما يهلك منها الجراد، فإذا هلك تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه )، أي: الطوق والعقد إذا قطع خيطه تتابعت حباته، والحديث كما قلت: فيه راوٍ ضعيف كما قال ابن كثير في تفسيره عند تفسير سورة الفاتحة: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] في الجزء الأول صفحة: (24)، وذكر الحديث في تفسيره في الجزء الثاني في صفحة: (131) عند قول الله: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ [الأنعام:38]، والحديث في المجمع في الجزء السابع صفحة: (322).
إذاً: عالم البحر أكثر من عالم البر، وثلاثة أخماس الأرض بحر، والخمسان يابسة، بل أقل من ذلك.
إذا كان الأمر كذلك، فما الحكمة من أن الماء إذا جمد خفت كثافته فخف وزنه فطفا؟ لو أن الماء له حكم غيره لما بقي في البحر كائن حي، الماء عندما يتجمد لو كان سينزل ويغوص لقتل الأسماك والحيوانات في قعر البحار، لكن من تدبير الخالق الحكيم سبحانه وتعالى أن الماء عندما يتجمد وينزل البرد يطفو على سطح الماء، وترى الطبقة الأولى متجمدة ثلجاً، فإذا كسرته رأيت الماء بعد ذلك منساباً سائلاً، لتسبح تلك المخلوقات في قعر البحار الذي جعله الله سكناً لها، فلو أن الماء حكمه كحكم غيره لما وجد في البحر كائن حي.
فلماذا لا نقرر هذا لأبنائنا عندما نقرر هذه النظريات؟ النظريات فقط استوردناها بطريقة غربية لا نلفت فيها أنظار العباد إلى ما فيها من عبر! الفاعل لذلك هو الله، قوانين الطبيعة -كما يقولون- حتمية لا تتخلف، فما الذي جعل هذا يتخلف في الماء؟ لمَ تخلف؟ جميع الأشياء عندما تثقل عندما تبرد تزداد كثافتها فيثقل وزنها فتنزل إلا الماء فتخف كثافته ويخف وزونه فيطفو، والسبب في هذا المحافظة على هذا العالم، الله خلقهم وهو أعلم بهم سبحانه وتعالى، هو رب العالمين، وكل المخلوقات أطوع لله من بني آدم، هذه العوالم التي في البحار من جنود العزيز القهار، ولذلك عندما قدر الله على عبده يونس على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه أن يلقى في البحر سخر له حوتاً، قال له: اجعل بطنك سجناً له، إياك أن تخدش له لحماً، أو أن تكسر له عظماً، مخلوقات البحر عوالم البحر أطوع لله منا، فالله رحيم بهم، فالماء عندما يتجمد يطفو ولا يغوص، ولو غاص لتجمدت هذه المخلوقات في قعر البحر، ولما كان في البحر كائن حي، لابد من تنبيه الأنظار إلى هذا.
ثم بعد ذلك لماذا جهز الله الذكر بخصيتين ولم يجهز الأنثى؟ كان يكفي وجود القضيب فيه، لماذا جهز الله الذكر بخصيتين؟ الذكر أقوى حرارة من الأنثى، ولذلك أحل الله للرجل مثنى وثلاث ورباع، ولعل الله يأذن للكلام على تعدد الزواج وما فيه من حكم وأسرار؛ لنرى حكمة العزيز الغفار في شرعه وفي خلقه.
فإذا كان هو أقوى حرارة من المرأة، فإن الماء يتم إنضاجه وطبخه فيه أكثر مما يتم في المرأة، فهي باردة المزاج قليلة التأثر، وهو شديد الحرارة، شديد الانفعال والتأثر، يذهب الماء إلى الخصيتين وهو كالدم أحمر، فتطبخه الخصيتان فيخرج منياً فيه حيوانات منوية بإذن الرحمن، كل دفعة من ماء الرجل فيها أربعة ملايين حيوان منوي، هذا يقرره علماء الطب، إذاً الرجل حرارته أقوى؛ لأنه هو الذي يجهز بهذا، وأما هي فلو زودها الله بخصيتين لما تم تحويل الدم إلى مني، ولما وجد حيوان بشري بعد ذلك، لكن من حكمة الله أن ماءها الرقيق عندما يجتمع مع ماء الرجل الغليظ الذي طبخ ينعقد ويختلط به فيصبح سميكاً قابلاً لتكوين الجنين بإذن رب العالمين.
ألا نعلم هذا لأبنائنا؟! عندما نعلمهم هذا نلفت أنظارهم إلى ما في هذه المخلوقات من حكم وأسرار.
المرأة لا يخرج ماؤها منها، إنما ينحدر من ترائبها إلى رحمها، فلا داعي لتزويدها بخصيتين، أما الرجل فيخرج ماؤه منه إلى غيره فزود بهما.
المرأة هي محل للجماع، فلو زودت بخصيتين كان وجودهما عبثاً فيها، فما جعل الله فيها هاتين الخصيتين، ألا نبحث في هذا عندما نقرره لأبنائنا؛ لنربط بين هذه العلوم وبين من أطلعنا عليها وهو الحي القيوم سبحانه وتعالى؟
إخوتي الكرام! الكلية يقول علماء الطب: فيها مليون وحدة لتصفية الدم، الكلية الواحدة، ألا نبحث في هذا ونقول: من الذي أوجد هذا؟!
المعدة فيها خمسة وثلاثون مليون غدة معقدة التركيب لهضم الطعام، وأما الخلايا الجدارية في المعدة التي تفرز حمض كلور الماء، الذي لو صب على الحديد لصهره، لأجل أن يذيب هذا الطعام، فتقدر بمليار خلية، هذا في جدار المعدة هذا لابد من تنبيه العقول عليه: من الذي أوجد هذا التركيب الدقيق؟ ماءٌ يخرج من المعدة بواسطة مليار خلية، هذا الماء لو صب على الحديد لأذابه، لأجل أن يطبخ الطعام، وأن يهضمه، وأن يذهب إلى دم وإلى فضلات، لابد من لفت الأنظار عندما ندرس هذه العلوم: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21].
وبهذا نصل إلى نهاية هذه الموعظة، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر