والتوبة النصوح هي: الندم المثمر بالإقلاع عن الذنب والعزم على عدم العودة إليه.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل ما دمتم في وقت الإمهال، وبادروا بالتوبة النصوح قبل حلول الآجال، قبل إسبال الحجاب وطي الكتاب على ما فيه، بادروا قبل طلوع الشمس من المغرب، فإنها آية من أكبر الآيات الدالة على قيام الساعة، فبادروا بالتوبة -يا عباد الله- امتثالاً لأمر الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ [التحريم:8] رب العالمين يناديكم يا عباد الله! أرحم الراحمين يناديكم باسم الإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً [التحريم:8].
ما هي التوبة النصوح؟
هي: توبة صادقة جازمة، تمحو ما قبلها من السيئات، وتلم شعث التائب، وتجمعه وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات، فإن العبد إذا تاب وأقبل على الله، وندم على ما فات، فإن الله وعده بقبول توبته، فقال وقوله الحق: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ [الشورى:25] سبحان الله العظيم! لا إله إلا الله وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ [الشورى:25].
ومهما عملت أيها العبد من الذنوب والخطايا، ثم تبت منها، فإن الله يغفرها ولا يبالي، فاسمع قول الله جل وعلا: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
فبادر يا أخيّ! بادر استجابةً لله عز وجل، بادر بالتوبة والإنابة، فإن الله يقول: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ [الزمر:54] فالمصيبة إذا حلَّ العذاب يا أمة الإسلام! وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ [الزمر:54] ثم يحثنا ربنا جل وعلا باتباع أحسن ما أنزل إلينا، فإننا إذا تمسكنا بالكتاب والسنة، وسرنا على نهجهما، فإن في ذلك الحياة السعيدة في الدنيا والآخرة، وأما إذا أعرضنا وابتعدنا عن الكتاب والسنة؛ فلا تأمنوا العذاب أن يأتيكم بغتة وأنتم لا تشعرون، وذلك مصداق قول الله تعالى: وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الزمر:55].
فعند نزول العذاب، يبدأ الإنسان يتحسر ويندم في حين لا ينفع الندم، ويقول فيما أخبر الله عنه: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الزمر:56-58] قال الله تعالى رداً عليها: بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ [الزمر:59].
حدَّث نبينا صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، فقالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (يا رسول الله! النساء والرجال جميعاً؛ ينظر بعضهم إلى بعض؟! فقال صلى الله عليه وسلم: يا
ثم يأتون محمداً صلى الله عليه وسلم، فيأتون العبد المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتون إلى نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول مفتخراً بنعمة الله: {أنا لها، أنا لها} فيستأذن من ربه عز وجل، ويخر له ساجداً، ويفتح الله عليه من محامده وحسن الثناء عليه ما لم يفتحه على أحدٍ قبله، ويدعه الله ما شاء أن يدعه، ثم يقول: يا محمد! ارفع رأسك، وقل تسمع، واشفع تشفع، وسَلْ تعط.
تب ما دمت في وقت الإمهال.
تب ما دمت في ميدان الأعمال الصالحة، وأكثِر من الأعمال الصالحات، فأنت الآن في الدنيا في دار العمل، وأما غداً يوم القيامة فحساب وجزاء.
يا عباد الله: المسابقة المسابقة فأنتم في دار الأعمال! أوصيكم ونفسي بتقوى الله.
لقد جاءكم نبيكم بها بيضاء نقية يا أمة الإسلام! فالحذر الحذر أن تلقوا ربكم على معاصيه! الحذر الحذر أن تلقوا ربكم على ما يغضبه! الحذر الحذر من معاصي الله! نبيكم على الصراط قائمٌ يقول:{يا رب! سلم سلم} فاتقوا الله -يا عباد الله- وخذوا لهذا اليوم عدته، فإنه مصيركم لا محالة، وموعدكم لا ريب ولا شك فيه، وإنه على عظمه وشدته وهوله ليكوننَّ يسيراً على المؤمنين المتقين، فآمنوا بالله واتقوه، واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه.
اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، وجنبنا ما تبغضه وتأباه، اللهم إنا نسألك حسن الختام، اللهم أخرج أرواحنا على كلمة لا إله إلا الله، اللهم أخرجنا من الدنيا على الإسلام والإيمان، اللهم نور لنا في قبورنا، واجعلها لنا روضة من رياض الجنة، اللهم يسر حسابنا، ويمن كتابنا، واجعلنا ممن يمر على الصراط كالبرق الخاطف بمنك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأسال الله بمنه وكرمه ألا يجعل قولي هذا عليَّ حجة، اللهم لا تجعل عليَّ قولي هذا حجة، اللهم اجعلنا ممن تعلم وعمل يا رب العالمين، اللهم اجعلنا ممن تعلم وعمل بما عمل، ونفعه عمله يوم لقائك يا رب العالمين، ولا تجعل في أعمالنا رياءً، ولا سمعةً، ولا بطراً، ولا عجباً يا رب العالمين، وأسأله أن يغفر لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله حق تقاته، واعلموا أن جميع ما ذكر سوف يحصل يوم القيامة. سوف ينقسم الناس إلى قسمين: أشقياء وسعداء، فأما الأشقياء ففي النار لهم فيها زفير وشهيق، وأما السعداء ففي الجنة لهم فيها ما تشتهي أنفسهم، ولهم فيها ما يشتهون، فالكيس يا عباد الله، والفطن، والحذِر من دان نفسه، أي: حاسبها على الدقيق والجليل، وعلى الكثير والقليل، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، اللهم وفقنا لفعل الخيرات وجنبنا المنكرات.
اعلموا -يا عباد الله- أن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، وأطيعوا ربكم فيما أمركم به حيث يقول: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى عليَّ صلاة، صلى الله عليه بها عشراً).
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، الله أعزنا بطاعتك، ولا تذلنا بمعصيتك، اللهم أعزنا بطاعتك، ولا تذلنا بمعصيتك، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، الله اشف مرض قلوبنا يا رب العالمين، اللهم وفقنا للاستعداد لما أمامنا، اللهم وفقنا للاستعداد لما أمامنا، اللهم وفقنا للاستعداد لما أمامنا في يوم لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم، اللهم سلِّم قلوبنا وأعمالنا يا رب العالمين.
اللهم أذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم اشدد وطأتك على الكافرين يا رب العالمين، اللهم ارفع عنهم يدك وعافيتك ومزقهم كل ممزق، واجعلهم غنيمةً للمسلمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم اصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداةً مهتدين يا رب العالمين، اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم اقذف في قلوبنا وقلوبهم الإيمان يا رب العالمين، اللهم حبب الإيمان إلينا جميعاً، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من عبادك الراشدين، واجعلنا هداةً مهتدين، واغفر اللهم لنا في هذه الساعة أجمعين، وهب المسيئين منا للمحسنين يا رب العالمين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا، لنكونن من الخاسرين.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم لا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا سقيا رحمة لا سقيا عذابٍ، ولا هدمٍ، ولا بلاءٍ، ولا غرقٍ، اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً، مريئاً، سحاً، غدقاً، طبقاً، عاماً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم أغثنا غيثاً تغيث البلاد به، وتحيي به البلاد يا رب العالمين، واجعله يا رب متاعاً للحاضر والباد إنك على كل شيء قدير، اللهم أحيي بلدك الميت وانشر رحمتك على العباد.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل:90-91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر