الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة وأفعال سلف الأمة النيرة المشرقة على وجوب تحقيق مبدأ الولاء والبراء كما أمر الله تعالى، ولن يتحقق الولاء والبراء إلا إذا تحقق الإيمان في قلوب الناس، وتحققت الأخوة الإيمانية بين المسلمين، ونُبِذَ الخلاف، واستقام الناس على الحق.
وها هي تباشير الفجر قد لاحت في الأفق، مبشرة بنور العز والتمكين لهذه الأمة، المترتب على صدق الأخوة، ووحدة الصفوف.
-
الموالاة والمعاداة لغة وشرعاً
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] ..
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] ..
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا *
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71] .
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد:
فحياكم الله جميعاً أيها الإخوة الأخيار! وأيتها الأخوات الفاضلات! وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم -جميعاً- من الجنة منزلاً، وأسأل الله جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت المبارك على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك ومولاه.
أحبتي في الله! حقوق يجب أن تعرف: سلسلة منهجية كريمة، تحدد الدواء من القرآن والسنة، لهذا الداء العضال الذي استشرى في جسد الأمة، ألا وهو داء الانفصام النكد بين المنهج المنير والواقع المرير، فأنا لا أعرف زماناً قد انحرفت فيه الأمة عن منهج ربها ونبيها صلى الله عليه وسلم في حقوق الدين كهذا الزمن! فأردت أن أذكر نفسي وأمتي بهذه الحقوق الكبيرة التي ضاعت، عسى أن تسمع الأمة مرة أخرى عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن تردد مع السابقين الصادقين الأولين قولتهم الخالدة،
سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير [البقرة:285] ، ونحن اليوم بحول الله ومدده على موعد مع اللقاء الثامن والعشرين من لقاءات هذه السلسلة الكريمة، مع حق جليل عظيم كبير، ألا وهو حق الموالاة والمعاداة، فأعيروني القلوب والأسماع، وسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في هذا الموضوع الكبير الجليل في العناصر التالية:
أولاً: تفصيل لغوي وشرعي مهم.
ثانياً: أدلة القرآن والسنة.
ثالثاً: صور مشرقة في دنيا الواقع.
رابعاً: لا تيأسوا، فمن سواد الليل ينبثق نور الفجر.
أيها الأفاضل! أكرر القول بأن الداعية الأمين -أسأل الله أن نكون أهلاً لهذه الأمانة - هو الذي لا يكون بأطروحاته في جانب، في الوقت الذي يترك فيه أمته بجراحاتها وأزماتها ومشكلاتها في جانب آخر، ولكنه يشخص الداء؛ ليستل جرثومته بيد بيضاء نقية، ليحدد لهذا الداء الدواء من كتاب رب البرية، وكلام سيد البشرية صلى الله عليه وسلم، ولا يغيب على أحد أن الأمة الآن تعيش واقعاً مريراً، وتزداد المأساة حينما ترى كثيراً ممن ينتسبون إلى الإسلام لا يعرفون شيئاً ألبتة عن هذا الأصل العقدي الكبير، عن الموالاة لله ولرسوله وللمؤمنين، والمعاداة والبغض للشرك والمشركين والكفر والكافرين، مع أن هذا الأصل لا يصح لمسلم على وجه الأرض دين إلا به، وذلك يوقفك على حجم المؤامرة الخطيرة التي أعلنت على عقيدة التوحيد! فلقد حاول أعداؤنا بكل سبيل أن يفرغوا العقيدة من مضمونها الحي، ومحتواها الحقيقي؛ لتصير العقيدة مجرد قشرة هشة خاوية، لا تستطيع الثبوت أمام هذه الفتن الهوجاء والأعاصير المدمرة، فصار المسلم -إلا من رحم ربك- يردد بلسانه كلمة التوحيد، وهو لا يعرف لها معنى، ولا يقف لها على مقتضٍ، ولا يحقق لها في دنيا الواقع مضموناً بين الناس.
كانت العقيدة بالأمس القريب إذا مس جنابها سمعت
الصديق يتوعد، والفاروق
عمر يزمجر ، و
خالد بن الوليد يهدد، ورأيت الصحابة الصادقين يبذلون من أجل حمايتها الغالي والنفيس، أما اليوم فإن العقيدة في الأمة تذبح شر ذبحة.
وأنا أدين لربي جل وعلا بأن الخطوة العملية الأولى على طريق النصر والعزة والكرامة، هي: أن تصحح الأمة عقيدتها، وأن تجدد الأمة إيمانها وتوحيدها لربها جل جلاله، فإن الإسلام عقيدة وينبثق من هذه العقيدة شريعة، وتنظم هذه الشريعة كل شئون الحياة، ولا يقبل الله من قوم شريعتهم إلا إذا صحت عقيدتهم، ويؤلمني أن أذكركم بما قاله قديماً
اللورد كرومر في مصر أثناء الاحتلال الإنجليزي لهذه الديار المباركة، يقول في كلمات صريحة: لابد من المحافظة على المظاهر الزائفة للإسلام، حتى يظل المسلمون في اطمئناً خادع إلى أن إسلامهم ما زال بخير، فلا يهبون لنجدة عقيدتهم التي نقتلعها من جذورها.
وهذا كلام واضح، فالعقيدة هي الأصل، فإذا غيب هذا الأصل العقدي الكبير ضاعت الموالاة لله ولرسوله وللمؤمنين، وضاعت المعاداة للشرك والمشركين.
فما هي الموالاة؟ وما هي المعاداة؟ وهذا هو العنصر الأول:
تأصيل لغوي وشرعي مهم.
الموالاة: لغة: كلمة مشتقة من الولاء، والولاء هو: الدنو والقرب والنصرة والمودة والمحبة، فالموالاة ضد المعاداة، فالولي ضد العدو، والعدو ضد الولي، فإذا كان النصر والود والقرب والحب لله ولرسوله وللمؤمنين، فهذه هي الموالاة الواجبة شرعاًً على كل مسلم ومسلمة، أما إن كان الود، والنصر، والقرب، والمحبة، للشرك والمشركين، والكفر والكافرين، والغرب والغربيين، فهذه هي الموالاة المحرمة شرعاً بإجماع الأمة.. بتضافر الأدلة من القرآن والسنة، وإجماع علماء الأمة، وهذه موالاة ردة وكفر بالله ورسوله.
أقسام الناس بالنسبة للدين
-
أدلة القرآن والسنة في مسألة الموالاة
-
كيفية تحقيق الموالاة والمعاداة
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الأحبة الكرام! السؤال المهم: كيف نحقق الموالاة والمعاداة؟ والجواب في نقاط محدده، وهذا هو عنصرنا الرابع من عناصر هذا اللقاء:
تحقيق الإيمان
تحقيق الأخوة الإيمانية
ثانياً: تحقيق الأخوة الإيمانية، إذا حولنا الأخوة بيننا إلى واقع، فإننا بذلك نجسد الموالاة والمعاداة، فبالعقيدة وبالإيمان وبالأخوة بين المسلمين، بأخوة الجسد الواحد، نحقق الموالاة والمعاداة،
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] فإن وجدت أخوة بغير إيمان، فاعلم بأنها إلى زوال، وبأنها التقاط مصالح، وتبادل منافع، فإن زالت المصلحة زالت الأخوة الزائفة، وإن زالت المنفعة انفصمت الأخوة المزيفة، وإن وجد إيمان بلا أخوة فاعلم أيضاً بأنه إيمان ناقص، إيمان يحتاج إلى تصحيح وإلى تجديد، إذ إن الأخوة الحقة ثمرة حلوة من ثمرات الإيمان الحق الصادق بالله جل وعلا:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10].
نبذ الخلاف
ثالثاً: نبذ الخلاف:
وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46] ، فالأمة في أمس الحاجة الآن إلى أن تلتقي على كلمة سواء، ولو اتخذت الأمة في هذه الظروف الحرجة قرارات اقتصادية .. سياسية .. دبلوماسية -على حد تعبيرهم- والله ستغير مجرى التاريخ في هذه الأيام العصبية، الأمة غنية بالثروات.. بالمناخ.. بالعقول والأدمغة .. بالطاقات .. بالعمق الاستراتيجي في قلب الأرض، لكنها مهزومة نفسياً، ومشتتة، ومشرذمة ، حتى على مستوى العمل الإسلامي، ترى التشرذم والتهارش والنزاع والشقاق والخلاف، وربما لا يلقي الأخ السلام على أخيه؛ لأنه لا ينتمي إلى جماعته، وإنا لله وإنا إليه راجعون!
-
لا تيأسوا! فمن سواد الليل ينبثق الفجر
وأريد أن أختم اللقاء ببشارة للقلوب، وهذا هو العنصر الأخير، لا تيأسوا فمن سواد الليل ينبثق نور الفجر.
أيها الأفاضل! ها نحن نرى الآن على أرض الواقع أن الأمة -ولله الحمد- بدأت تنتقل من مرحلة أزمة الوعي، إلى مرحلة وعي الأزمة، فأنت ترى الآن الولد الصغير من أولادنا يتحدث عن اليهود .. يتحدث عن الحقد الغربي على الإسلام والمسلمين، أجيالنا المعاصرة ما عرفت قضية القدس، إلا بعد هذه الأحداث، ما عرفت العداء الكامل في الصدور للإسلام إلا في هذه الأيام، فأنت ترى الآن إقبالاً شديداً على الله سبحانه وتعالى في كثير من بقاع الأرض، بل في كل أرجاء الأرض، وإذا اشتدت المحن لم يجد الناس - أقصد من أهل الإسلام - طريقاً إلا أن يفروا إلى الله تبارك وتعالى، وأن يرجعوا إلى الله، وما نراه الآن في الدروس والمحاضرات والجمع، وما نراه من حجاب، وما نراه من إقبال على مطالعة أخبار المسلمين في الشرق والغرب، لمن أعظم الأدلة العملية على أن تباشير صباح جديد بدأت تبزغ في الأفق.
أسأل الله أن يحولها إلى فجر صادق إنه ولي ذلك والقادر عليه، فلا تيأسوا ولا تقنطوا فالجولة الأخيرة -كما بينت في اللقاء الماضي- لن تكون ألبتة إلا لدين النبي صلى الله عليه وسلم، برغم أنف الكافرين والمجرمين.
أسأل الله جل وعلا أن يشرفنا بالعمل لدينه حتى نلقاه، وأن يثبتنا على المبدأ والعقيدة حتى نلقاه، وأن يقر أعيننا بنصرة دينه، إنه ولي ذلك ومولاه، اللهم اجعلنا رحمة لأوليائك، حرباً على أعدائك، اللهم ارزقنا حبك وحب رسولك، وحب من أحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.