وبعد:
فنحن في استهلال تفسير الجزء الثالث من كتاب الله عز وجل بعد أن أنهينا الجزء الأول، والثاني، أعني الثلاثين، والتاسع والعشرين.
سورة المجادلة على رأي أكثر أهل العلم سورة مدنية نزلت على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالمدينة.
وقد استثنى بعض أهل العلم بعض آياتها وقالوا في بعض آياتها: إنها نزلت بمكة.
لكن كما سمعتم أكثر أهل العلم على أنها سورة مدنية، وهي تتعلق بالأحكام والمعاملات بين المؤمنين، كما هو شأن أكثر السور المدنية، بينما تتعرض السور المكية في أكثر أحوالها إلى مناقشة أمور العقائد، والتذكير بالجنة وبالنار في الجملة.
يقول الله سبحانه وتعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِير [المجادلة:1].
وقوله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة:1]، قد هنا للتحقيق كما هو واضح، وكذلك إذا دخلت (قد) على المضارع في كثير من الأحيان تأتي للتحقيق: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب:18] ، قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْه [النور:64]، وهنا قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة:1].
المجادِلة على رأي جمهور المفسرين هي: خولة بنت ثعلبة ، والأسانيد بهذه التسمية وإن كان في كل منها مقال، إلا أن رأي جمهور المفسرين أن المجادلة هي خولة بنت ثعلبة ، وزوجها على رأي الجمهور هو أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت ، وعبادة بن الصامت هو الصحابي الجليل المشهور أحد نقباء الأنصار الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، فـأوس أخوه، وجملة الأسانيد -كما قلنا- لا يخلو سند منها من مقال، لكن بجملتها تعطي هذا المعنى الذى قلناه وتقلده أكثر المفسرين، وسبب نزول الآية وهو: (أن
وكان في الجاهلية إذا قال قائل لزوجته: أنت علي كظهر أمي، يعد طلاقاً وفراقاً، فجاءت تشتكي -بعد هذه العشرة الطويلة مع زوجها- مقالة زوجها للنبي صلى الله عليه وسلم، فلم ير النبي صلى الله عليه وسلم فيها شيئاً، إلا الشيء الذي كان متبعاً وهو إتمام الفراق، فجادلت النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وراجعت النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك علها تجد رخصة من النبي صلى الله عليه وسلم في البقاء مع زوجها، فما وجدت شيئاً عند النبي صلى الله عليه وسلم، فاتجهت بشكواها إلى ربها سبحانه وتعالى، إلى الله أشكو حالتي، إلى الله أشكو ضعف قوتي، إلى الله أشكو فراق ابن عمي، واتجهت بشكواها إلى الله سبحانه وتعالى.
وهذا هو شأن أهل الصلاح، إذا انقطع رجاؤهم في البشر فإن رجاءهم في الله لا ينقطع، كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها بعد سماعها مقالة النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإفك: (يا
وهكذا ينبغي أن نكون، إذا انقطع رجاؤنا في البشر فلا ينقطع رجاؤنا في ربنا سبحانه وتعالى، فبابه مفتوح، وعنده خزائن كل شيء، ويجعل دائماً بعد العسر يسراً سبحانه وتعالى.
شكت المجادلة حالها إلى ربها سبحانه وتعالى، واستمع الله سبحانه وتعالى لشكواها كما نص على ذلك في هذه السورة الكريمة.
وقد ورد في بعض الأسانيد التي ينظر فيها: أن عمر كان في سفر مع بعض رجالات قريش وأكابر قريش، وفي بعض الروايات أنه خرج لبعض مغازيه فاعترضته امرأة في الطريق، فأوقفته طويلاً وخاطبته وهي عجوز، فقالت له: يا ابن الخطاب! قد كان يقال لك وأنت صغير: يا عمير! ثم قالوا لك: يا عمر! لما كبرت، ثم قالوا لك: يا أمير المؤمنين! فاتق الله يا ابن الخطاب! فإن من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب، وطال مقامها معه حتى عاتبه بعض رجال قريش، وقال: يا أمير المؤمنين! تحبس الجيش على امرأة عجوز مثل هذه، فقال له عمر : أتدري من هذه التي أوقفتني؟ إنها التي استمع الله إلى قولها من فوق سبع سماوات، ونزل في ذلك قرآن: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة:1]، أفيستمع ربنا سبحانه وتعالى إلى قولها ولا يستمع عمر إليها؟.
وهذا المعنى قد لقنه لقمان لولده: يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [لقمان:16]، وأيضاً: وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [يونس:61]، والآيات في باب الحث على مراقبة الله سبحانه وتعالى لا تكاد تنتهي، قال تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19]، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [الملك:13]، آيات لا تحصى ولا تنتهي، تفيد أنك مراقب بدقة وأي دقة، مراقب مراقبة دقيقة من كل صوب ومن كل اتجاه، وكل الحركات منك محسوبة عليك، بل ما بداخلك مطلع عليه ربك سبحانه وتعالى، قال جل جلاله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16]، فأنت يا ابن آدم ضعيف كما قال ربك سبحانه، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وأنت عجول، ومع هذا كله فأنت مراقب مراقبة صارمة ودقيقة في غاية الدقة.
قال الله سبحانه: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا [المجادلة:1]، والمحاورة: هي إرجاع الكلام إلى الطرف الآخر، هو يتكلم وأنت تحاوره، أي: ترد الكلام عليه، كما قال الشاعر في وصف فرسه:
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ولكان لو علم الكلام مكلمي
قال الله سبحانه وتعالى: وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة:1]، (وقد تلا النبي صلى الله عليه وسلم آية ختامها يشابه هذا الختام: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:58]ولما تلاها النبي عليه الصلاة والسلام وضع إبهامه على أذنه وسبابته على عينه )، فاستنبط بعض العلماء من هذا الحديث: إثبات السمع والبصر لله سبحانه وتعالى، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة:1].
الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ [المجادلة:2]، في قوله: (من نسائهم) إبطال لكل ظهار على غير الزوجة، فإذا قال رجل من الناس: فلانة عليّ كظهر أمي إن تزوجتها، فلا اعتبار لهذا الكلام؛ لأنها ليست من نسائه، وربنا يقول: الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ [المجادلة:2]، ثم إنه قبل أن يتزوجها هي محرمة عليه، إن لم يكن التحريم كتحريم الأم، فاستفيد من الآية: أن المظاهر من غير امرأته لا اعتبار لظهاره، وكذلك مطلق غير امرأته، كمن يقول: فلانة طالق إن تزوجتها، كذلك يأخذ نفس الحكم.
الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ [المجادلة:2] أي: الذي يقول لزوجته: أنت عليّ كظهر أمي، كذاب، فزوجته ليست هي أمه.
إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُم [المجادلة:2] يعني: أمك هي التي ولدتك، ولا يعكر على هذا قوله تعالى: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6] فأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهاتنا في المحرمية، ولسن أمهاتنا من النسب، ولكنهن محرمات علينا تحريماً أبدياً كتحريم الأمهات، كما قال تعالى: وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا [الأحزاب:53]، لكن ليس مقتضى هذه المحرمية أننا نراهن؛ فتحريم رؤيتهن استنبط من دليل آخر ألا وهو: َإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ [الأحزاب:53].
قال تعالى: إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُم [المجادلة:2]، ويستنبط من هذه الآية منع التبني بالنسبة للنساء، فكون امرأة تأتي وتلتقط طفلاً وتنسبه إليها على أنه لها ولد فهذا باطل، فكما أن الله حرم التبني بالنسبة للرجال بقوله: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب:5]، كذلك الأمر بالنسبة للنساء.
إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ [المجادلة:2] أي: المظاهرون الجهلة،لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا [المجادلة:2] أي:يقولون قولاً كذباً ومنكراً ومزوراً.
وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا [المجادلة:2]، فالظهار فضلاً عن الأحكام الفقهية المترتبة عليه هو في نفسه إثم، لكونه قولاً منكراً وقولاً وزوراً.
وقد جاءت فتاوى العلماء على هذا النمط في عدة مسائل، ليست عليها أدلة في الكفارات، كأن تذنب ذنباً فتبحث عن فتاوى العلماء في هذا الذنب تجدها متعددة، فكلٌ قيَّم الذنب بحسبه، من ذلك -مثلاً-: كفارة من جامع زوجته وهو محرم، لم يرد فيها نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عموم قوله تعالى: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]، لكن كم هي الكفارة؟
من العلماء من قال: يذبح جملاً.
فكما أسلفنا أن عظم الكفارة تدل على عظم الذنب، والكفارات التي لم تحدد في الشرع، أو الفروض التي لم تحدد لها كفارات في الشرع، تقدر بقدرها، ويفعل الشخص حسنات توازيها أو تزيد عليها حتى تمحى وتزال، بدليل قوله تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114]؛ ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها)، وكما أسلفنا أن فتاوى العلماء أحياناً تختلف في مسألة من المسائل، مثلاً: تجد شخصاً قد أذنب ذنباً فذهب إلى الإمام الشافعي ، فقال: كفارته كذا وكذا، وليس هناك دليل على هذه الكفارة التي ذكرها الإمام الشافعي ، أو دليل على بيان حجمها، والإمام مالك رحمه الله تعالى يفتي بكفارة من نوع آخر، وأحمد يفتي بكفارة من نوع ثالث، فالكل نظر إلى حجم الذنب وإلى قدر الحسنات التي توازيه، فرأى هذا القدر يتمثل في كذا وكذا.
ومن هذا الباب ما روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن رجلاً أتاه فقال: يا ابن عباس! إني أذنبت ذنباً كبيراً كلما تذكرته اقشعر جلدي، قال: وما هو؟ قال: رزقت ببنت من زوجتي وكانت حسناء، فأصابني ما يصيب أهل الجاهلية من العار، وهممت بوأدها، ولكني تصبرت حتى كبرت وأصبحت ذات جمال، فقلت لأمها ذات يوم: جمليها وألبسيها أحسن الثياب، فجملتها وألبستها أحسن الثياب، ثم أخذتها فلما رأت أمها في وجهي الشر قالت: اتق الله ولا تمس ابنتك بسوء، فوعدتها خيراً، وذهبت بها بعيداً إلى حافة بئر، فأردت أن أقذفها في البئر، فتعلقت بثيابي وقالت: يا أبتِ! ماذا تريد أن تصنع بي؟ فأمسكت عنها، وأخذتني الرأفة، ثم ذهبت بها بعيداً وعاودني ما يعتري أهل الجاهلية من الجهل والعار فجئت لأدفعها فتعلقت بثيابي قائلة: يا أبت! ماذا تريد أن تصنع بي؟ فأخذتني الرأفة، ثم تحاملت على نفسي وقذفتها في البئر وقتلتها، فماذا عليّ يا ابن عباس؟
فـابن عباس استعظم الذنب -وهذا هو الشاهد- فقال: اذهب فلا أجد لك شيئاً، فانطلق الرجل ثم دعاه ابن عباس فقال: هل لك أم حية؟ قال: لا، فانصرف الرجل ثم رجع إلى ابن عباس فقال: يا ابن عباس! وماذا تريد مني بسؤالك: هل لك أم حية؟ قال: لا أعلم شيئاً يوازي الذي صنعت إلا برك بأمك.
فـابن عباس رضي الله عنهما نظر إلى حجم الذنب، ونظر إلى حسنة تكافئ هذا الذنب أو تزيله وهو البر بالأم، فمن ثم بين للمذنب هذه الحسنات وهذه الخيرات التي تباد بها هذه السيئات.
إذاً: إذا علمت هذا؛ فلا يعد خلافاً بين العلماء أن يفتي عالم بفتاوى وبكفارة معينة في المسائل التي ليس فيها نص، ويفتي عالم آخر بكفارة أخرى في نفس المسألة التي ليس فيها نص، فيكون هذا قد اجتهد في تحديد حجم الكفارة، وهذا قد اجتهد في تحديد حجم الكفارة.
أما أن تأتي وتقول: المسألة ليس فيها دليل فيكفي أن تستغفر الله، صحيح أن المسألة ليس فيها دليل، لكن نهاية الكلام فيه قصور، فالاستغفار قد لا يكفي في أكثر الأحيان مع الذنوب الكبار، إلا إذا شاء ربي شيئاً آخر.
فمن ثم جاءت عقوبة الظهار تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فدل على عظم ذنب من قال لزوجته هذا القول المنكر: أنت عليّ كظهر أمي، فهي مقولة لا تصدر إلا من أهل الجهل وأهل الغباء، إذ هي في نفسها مقولة قبيحة مستقبحة مستنكرة، هي منكر من القول كما وقال ربنا، وإضافة إلى النكارة فهي زور وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا [المجادلة:2].
فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ [المجادلة:4]، والاستطاعة في الحقيقة يعلمها ربك، فكثير من الشباب يفعل فعلة تستوجب الصيام، والله يعلم من حاله أنه يطيق الصيام، فيتجه إلى الإطعام، فليعلم مثل هذا أن الاتجاه إلى الإطعام مع استطاعة الصيام لا يجزئ؛ لأن الله يقول: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ [المجادلة:4].
فكذلك أصحاب الكفارات الأخرى، مثل: المجامع في رمضان، وقاتل الخطأ، كأن يصدم شخصاً بسيارته فيموت المصدوم، كل هؤلاء في حقهم الكفارة المغلظة التي هي صيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فحينئذ يتجه إلى إطعام ستين مسكيناً، ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ [المجادلة:4] أي: فلا تعتدوها ولا تتخطوها، وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المجادلة:4] عافانا الله وإياكم منه!
الجواب: لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الجواب: تقدم الكلام عليه، فمن صام يوم السبت لا إشكال فيه، لا إشكال في صومه، والحديث الوارد في هذا الباب قد ضعفه فريق كبير من العلماء: كالإمام مالك ، وأبي داود ، ألا وهو حديث (لا تصوموا السبت إلا فيما افترض عليكم) قال الإمام مالك: إنه حديث كذب، وغيره من العلماء تكلموا فيه، وفي حالة صحته فهو محمول على من يتشبه باليهود ويخصص السبت بالصيام، وقد تقدم الكلام بمزيد من الإيضاح، وأن الحديث معارض بما هو أقوى منه بمراحل (لا يصومن أحدكم الجمعة إلا ويوماً قبله ويوماً بعده ) . (أحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً)، وهذا قول عامة أهل العلم: أن صوم يوم السبت جائز، والله سبحانه أعلم.
الجواب: متن الحديث الذي يستدلون به على المنع لا يقتضي ذلك؛ لأن متنه: (لا تصوموا السبت إلا فيما افترض) فهم يقولون: إن الصيام قبله بيوم ما زال نفلاً، فالقول معكر عليه أيضاً بنفس متن الحديث، يعني: لا أنت مع هؤلاء ولا مع هؤلاء.
الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم قال (قصوا الشوارب)، والذي أعلمه فقط مقولة الإمام مالك: من حلق الشارب يؤدب، والمسألة محل بحث، والله أعلم.
الجواب: لا تعترف بسرقتك الآن، واستر على نفسك إلى أن يوسع الله عز وجل عليك، وسدد إليهم المال إذا وسع الله عليك، ولا تقنط من رحمة الله، واطلب مسامحتهم إجمالاً، ولا تحدد أنك سرقت وأنت ابن ثلاثة عشر عاماً.
وعندنا مخرج آخر، لكن أخبرك به أنت وحدك، إلا إذا كان هنا لا يوجد صغار، وهو: إذا كنت دون البلوغ فالأمر أخف، والله أعلم.
الجواب: نعم يجوز الجمع بين تحية المسجد وسنة الوضوء، بل وسنة الظهر القبلية، بل والاستخارة مع هذه كلها بنية واحدة، يعني: يجوز أن تصلي ركعتين هي سنة الظهر القبلية، وهي تحية المسجد، وهي سنة الوضوء، وهي استخارة، يجوز أن تجمع بين هذه الأشياء.
أما قضاء رمضان مع الست من شوال فلا؛ لأن هذه مسألة أخرى، لا يجوز الجمع بين النيتين في مسألة قضاء رمضان مع الست من شوال.
الجواب: إذا رأت المرأة الطهر في صبيحة الثلاثين كما ذكرت، وبعد أن رأت الطهر وتأكدت منه نزلت إفرازات، أو نزلت الصفرة والكدرة، فالصفرة والكدرة إذا كانت أثناء النفاس أو أثناء الحيض فحكمها حكم الحيض أو النفاس، وإذا كانت بعد رؤية الطهر فلا اعتبار لها، فتبني على الطهر.
الحاصل في مسألة الصفرة والكدرة: إذا كانت أثناء الحيض فهي حيض، وإذا كانت بعد الطهر فلا اعتبار لها، ولا تمنع المرأة من طهرها.
فنقول لها: لا تعتذر بالصفرة والكدرة، بل عليها أن تصلي، أما بالنسبة للأيام التي تركت الصلاة فيها، فإن كان قد مضى زمنها من مدة طويلة فلا شيء عليها؛ لأنها اجتهدت وأخطأت في هذا الباب، وإن كانت قريبة العهد بذلك تقضي مع كل صلاة صلاة.
الجواب: ليست هناك فضيلة في ذلك؛ بل قد تكون إلى الابتداع أقرب لتخصيص يوم بمراسم معينة، ولكن جاءت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عامة (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة)، فلم يقيد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بوقت دون آخر.
الجواب: هذه المسألة فيها أقوال كثيرة للعلماء، لكن ليس هناك دليل يلزم المرأة التي هذه حالتها بأن تقضي الظهر ولا العصر، ليس هناك دليل، فعليه ليس في ذمتها إلا فرض المغرب.
الجواب: أما الذي في رجلها ويدها فيجوز لها أن تزيله، وما بين الحاجبين من حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، فلتبتعد عن الشعر الذي بين الحاجبين، فمن العلماء من يحكم بأن إزالته نمص، وأما الذي في اليد أو الرجل لها أن تزيله.
الجواب: لا يثبت في ذلك حديث، وحديث: (أقامها الله وأدامها) حديث ضعيف.
ويجب عليك أن تقوم عند سماع الإقامة.
الجواب: المثبت مقدم على النافي، فإذا كان هناك امرأة أثبتت أنها أرضعتك، وجاءت أخرى وقالت: أنتِ لم ترضعيه، فالمثبت مقدم على النافي، وهو يقول: أنا رضعت من هذا الطرف مرتين فقط، وما أدراك؟ فهل يجوز العقد أم لا؟ مع العلم أن عدم إتمام العقد ينشأ عنه أضرار كثيرة جداً. (جاء رجل وقال: يا رسول الله إني تزوجت ابنة
لكن إن جئنا عند التحرير، إن كان حقاً ما تقول: إنك رضعت مرتين فقط، ففي شأنك نزاع، الجمهور يقولون أيضاً: تحرم عليك؛ إذ عند الجمهور: أن الرضعة الواحدة تحرم، ولكن بعض المذاهب فقط هو الذي سيبيح لك ذلك؛ لحديث (لا تحرم المصة ولا المصتان)، وإن كان الجمهور يحملون المصة على الشفطة لا على الرضعة الكاملة، ولكن القوي في الباب حديث عائشة (كان فيما أنزل من القرآن أن عشر رضعات مشبعات يحرمن فنسخ بخمس معلومات)، فعلى ذلك الاحتياط ألا تتزوجها، إلا إذا كنت أنت تحبها حباً شديداً، فإذا جئت عند التحرير فكما سمعت، إن كنت رضعت رضعتين فقط فبعض المذاهب يجيز لك الزواج بها، لكن ستبقى طول حياتك في قلق واضطراب.
الجواب: إذا كنت ناسياً فإن الله وضع عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم الخطأ والنسيان، وإذا كنت عالماً فابعث مع من يذهب إلى مكة ليتصدق بقيمته في مكة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ [المائدة:95]. وهذا إذا قلنا بالكفارة.
الجواب: الثج: كثرة إراقة الدماء في الحج، والعج: رفع الصوت بالتلبية.
الجواب: يعني زوجته أنفقت عليه وأخذته للعمرة على نفقتها، ثم رجع من العمرة فيريد أن يقضي الأيام التي قضاها معها في العمرة عند الأخرى، فإذا كانت الأخرى اشترطت عليه ذلك ووافقت المعتمرة على ذلك؛ فله أن يقضي الأيام عند الأخرى، وإن لم تكن اشترطت وخرج بموافقتها فلا قضاء عليه، إذا خرج بموافقة الباقية هنا، لو قالت له: اخرج ولم يحدث بينهما شروط ولا اتفاقيات فلا قضاء عليه، والله أعلم.
الجواب: أخونا السائل موسوس! ولا شيء في طلاقه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تفعل ) وهو موسوس كما قال العلماء فلا شيء في ذلك.
الجواب: المرتب حلال لك.
الجواب: نذكره بمراقبة الله سبحانه وتعالى في السر والعلن، فإذا راقبت ربك استحيت من نفسك، فأنت تستحي أن يراك رجل من صالحي قومك على حال سيئة، كيف والرقيب شهيد سبحانه وقد قال: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5-7]، وإذا ابتليت بشيء من ذلك فأتبعه بفعل حسنات، وإكثار من الصلاة والصيام، واعمل بنصيحة النبي عليه الصلاة والسلام (من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم).
الجواب: إذا كان لإتمام الرضاع، والوسيلة المستعملة لا تضر بها ولا بطفلها بشهادة الأطباء العدول الثقات، فلا بأس بذلك إلى أن ينقضي العامان والله أعلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر