وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد.
فها نحن مع هذه الآيات من سورة القمر، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ * تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:18-22].
أما عاد فهي من القبائل العربية، وكانت من أقوى الأمم يومها، وكان طول الرجل فيهم اثنا عشر ذراعاً, ستة أمتار، وديارهم الأحقاف واد في الجنوب, وهي المعروفة الآن بحضرموت وما حولها، والأحقاف واد عظيم, قال تعالى: وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ [الأحقاف:21] اذكر يا رسولنا لقومك حتى يؤمنوا ويتوبوا ويعبدوا الله ولا يعبدوا الهوى والشيطان، ذكرهم بقوم عاد.
والرسول الذي أرسله الله تعالى إليهم هو هود بن عبد الله بن رباح، من ذرية نوح، فحين دمرت البشرية وما نجا منها إلا نوح ونيف وثمانون رجلاً وامرأة, بعد ذلك تناسلوا وتكونت أمم وقبائل في كل منطقة، وهؤلاء من ذرية نوح، والزمان بينه وبين نوح الله يعلم مداه, ولكن ما بينهم أمم بعث فيها رسل، فلعلهم بعدما نزل نوح عليه السلام ومن معه انتشر الإسلام, وبعد مائة سنة أو مائتين أو ثلاث مات العلماء, وعادوا إلى الكفر والشرك والعياذ بالله تعالى.
قال تعالى: كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ [القمر:18], كذبت عاد نبيها ورسولها هود بن عبد الله بن رباح عليه السلام، كذبته فيما جاء به، لم تؤمن بالبعث والجزاء أبداً، وقالوا: لا دار آخرة ولا حياة بعد الأولى والعياذ بالله، كذبوه في رسالته واتهموه بالضياع والخسران بل بالجنون، كذبوه في أنه لا يُعبد إلا الله، كفروا بلا إله إلا الله، وكانت حالهم كحال مشركي قريش: التكذيب بالبعث والجزاء، تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، التكذيب بالقرآن كلام الله، التكذيب بالتوحيد وأنه لا يُعبد إلا الله.
جاء من سورة الفجر قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ [الفجر:6-8] كيف كانت؟ دمرها تدميراً.
أَلَمْ تَرَ [الفجر:6] يا رسولنا كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ [الفجر:6-7] إرم هي عاد, الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ [الفجر:8], وقد علمنا أن طول أحدهم اثنا عشر ذراعاً, ما كان لهم نظير في المنطقة كلها، فكان أن أرسل الله تعالى عليهم ريحاً صرصراً باردة ذات صوت من مساء يوم الأربعاء من آخر شوال واستمرت ثمانية أيام، واذكر لذلك قول الله تعالى من سورة الحاقة: سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ [الحاقة:7].
وهنا لطيفة علمية: حيث نقل المجوس إلى المسلمين الجاهلين التشاؤم بيوم الأربعاء، وانتشر بين بعض المسلمين، هذا اليوم الذي دمر الله فيه عاداً كان مساء الأربعاء من آخر شوال، فيتشاءم الجهال بهذا اليوم، ولا يقبلون السفر ولا العمل في يوم الأربعاء من شهر شوال.
إذاً: يقول تعالى: كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ [القمر:18]؟ كان كما أراد الله, ريح, فيدخلون في كهوف وفي أماكن غارقة في الأرض فتستخرجهم الريح وتضربهم، فتنفلق رءوسهم وتنفصل عن أجسامهم.
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ [القمر:19] فيه سوء العذاب وفيه شؤم, مُسْتَمِرٍّ [القمر:19] ثمانية أيام في الدنيا, والعذاب والشؤم مستمر إلى يوم القيامة، إلى جهنم، عذابهم الذي عذبوه بالهلاك استمر معهم إلى يوم القيامة في جهنم، عذاب مستمر لا ينقطع.
ثم قال تعالى: تَنزِعُ النَّاسَ [القمر:20] تأخذهم؛ لأنهم دخلوا في غيران وأماكن فيها حفر، وحفروا آباراً ودخلوا فيها لما توعدهم وعرفوا أنه لا بد واقع، فالريح تنتزعهم انتزاعاً وتضرب أحدهم على الأرض فينفلق رأسه حتى يصبح كالنخلة إذا قطع رأسها, تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [القمر:20] النخلة إذا سقطت وانفصل رأسها يبقى جسدها وخشبها، فهم لطولهم كالأخشاب, والرءوس انفصلت، فحين يُضرب بالعاصفة هذه ينقطع رأسه وينفصل عن جسده، فيبقى الجسد كالنخلة لطوله, تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [القمر:20] مفصول رأسه عن جسده.
وهكذا يقول تعالى: فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي [القمر:21] الذي أنزلته بهم ونذري لهم وما بينه رسولي هود إليهم، كيف كان؟ كان كما أراد الله عز وجل، أفلا تتوب قريش وترجع إلى الله بعدما شاهدت مظاهر قدرة الله، وكيف يفعل بأعدائه وخصوم أنبيائه ورسله؟
هذه وحدها كافية في الدلالة على وجود الله، وعلى علمه, وعلى ألوهيته وربوبيته وحكمته، القرآن العظيم يحفظه النساء والرجال, الأطفال الصغار والكبار, شيء عجب!
أما أصحاب الأرواح الخبيثة العفنة المنتنة بسبب الكفر والشرك والذنوب والآثام، ما طيبوا نفوسهم، ما طهروها، ما زكوها، لماذا؟ ما آمنوا حق الإيمان ولا وحدوا الله ولا عبدوه ولا استجابوا لأمره ونهيه ولا سألوا عن أمره ولا عن نهيه، واستمروا على الشرك والباطل وعلى الدنيا والفجور فيها، فمن مات منهم فروحه في أسفل سافلين، واقرءوا: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ [التين:1-5] أسفل سافلين في الكون، اللهم إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [التين:6].
معشر المستمعين والمستمعات! هيا لنصحح إيماننا ونقويه، ونعرف ما أحب الله وما كره الله، فنعمل المحبوب مستعينين بالله، ونتجنب المكروه مستعينين بالله، ويتجلى ذلك في سلوكنا، في نظرنا، في قولنا, في أكلنا وشربنا، في كل حياتنا، وما هي إلا أيام حتى ننتقل إلى دار السلام، اللهم اجمعنا فيها يا رب العالمين مع آبائنا وأمهاتنا يا حي يا قيوم.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: بيان عقوبة المكذبين لرسل الله وما نزل بهم من العذاب في الدنيا قبل الآخرة ].
من هداية هذه الآيات: بيان نزول العذاب والعقاب بالمكذبين والكافرين في هذه الحياة، والآخرة بعد ذلك، فالمكذبون لله ورسوله والكافرون بهما والعاملون بالعمل الفاسد والشرك والمعاصي تنزل بهم البلايا والعذاب في الدنيا قبل الآخرة.
[ ثانياً: بيان أن قوة الإنسان مهما كانت أمام قوة الله تعالى هي لا شيء, ولا ترد عذاب الله بحال ].
من هداية الآيات: بيان أن قوة الله لا تعادلها قوة، مهما كانت الأمة قوية، إذا أراد الله ضربها وعذابها فبكلمة (كن) فقط تدمر وتهلك، والآن أمم أوروبا والروس واليابان والصين يظنون أنهم بلغوا منتهى الكبر والعظمة، والله! إن يوماً سيأتي لهم يبادون فيه ويهلكون.
[ ثالثاً: بيان تسهيل الله تعالى كتابه للناس ليحفظوه ويذكروا به, ويعملوا بما جاء فيه؛ ليكملوا ويسعدوا في الحياتين ].
من هداية الآيات: تذكير الله لنا بالقرآن الكريم، لهيا نحفظه، هيا نعمل بما فيه، هيا ندرسه، هيا نفهم ما فيه من الهدى والنور, لا بد من هذا، فربنا يرغب فيه، بل أمرنا: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:22]؟ فما لنا لا نتذكر ولا نعمل؟ هذا توجيه لهذه الأمة المؤمنة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر