المسألة الأولى: مسألة ترتيبهم في الخلافة، فإجماع الأمة الإسلامية خلافاً للرافضة على أن الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر ، ثم الخليفة بعد أبي بكر هو عمر ، ثم الخليفة بعد عمر هو عثمان، ثم الخليفة بعد عثمان هو علي، وهؤلاء هم الخلفاء الراشدون، ومن طعن في خلافة أحد منهم فهو أضل من حمار أهله.
اتفق أهل السنة على أنهم الخلفاء على هذا الترتيب، إلا أن الرافضة زعموا أن أبا بكر مغتصب للخلافة وكذلك عمر وعثمان ، وأنهم ليسوا خلفاء، ولا يستحقون الولاية ولا الخلافة، بل زادوا أن كفروهم وشتموهم، وأخرجوهم من الإسلام، وجعلوهم منافقين، وطبقوا عليهم الآيات التي في المنافقين، ولكن أهل السنة -والحمد لله- على عقيدة موحدة في الاعتراف بخلافة الخلفاء الراشدين.
المسألة الثانية: مسألة ترتيبهم في الفضل، وقد تواتر عن علي رضي الله عنه -الذي تغلو فيه الرافضة- أنه قال: أفضل الأمة بعد نبيها أبو بكر ، ثم بعد أبي بكر عمر ولم يختلف الصحابة في تفضيل أبي بكر ثم عمر، ولم يختلف أهل السنة في ذلك، فيقولون: أفضل الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ، ويروون ذلك مسنداً، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي: أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره، أي: يعترف بهذا الترتيب، وقد رجح أكثر أهل السنة أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة، ولكن وقع خلاف في الترجيح بين علي وعثمان ، فقوم قدموا عثمان ، وهو القول الصحيح، وقوم قدموا علياً ، وهذه المسألة وهي: هل يقدم علي على عثمان أو يقدم علي على عثمان -يعني: في الفضل- مسألة اجتهادية، لا يضلل من قدم علياً ، ولا يضلل من قدم عثمان ، وأما تقديم الشيخين فلا خلاف في تقديمهما، ويضلل من قدم عليهما أحداً من الصحابة أو من غير الصحابة.
وقد عرفنا خلافة أبي بكر وخلافة عمر ، وأنها منصوصة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (اقتدوا باللذين من بعدي
وكان من آثارها أن انتشر العلم؛ وذلك لأنه رضي الله عنه كان من أوعية العلم وحملته، وأرسل الدعاة إلى البلاد التي أسست في زمانه، والتي فتحت، وأرسل المعلمين، وأخذ يراسلهم ويكاتبهم، وعين القضاة والمرشدين؛ وكل ذلك لأجل أن يظهر دين الله، وأن ينتصر المسلمون على أعدائهم، وصدق الله: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33].
[ثم لـعثمان رضي الله عنه:
أي: ولنثبت الخلافة بعد عمر لـعثمان رضي الله عنهما، وقد ساق البخاري رحمه الله قصة قتل عمر رضي الله عنه، وأمر الشورى والمبايعة لـعثمان في صحيحه، فأحببت أن أسردها كما رواها بسنده: عن عمرو بن ميمون قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يصاب بأيام بالمدينة، ووقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف فقال: كيف فعلتما؟ أتخافان أن تكونا قد حملتما الأرض ما لا تطيق؟ قالا: حملناها أمراً هي له مطيقة، ما فيها كبير فضل، قال: انظرا أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق؟ قالا: لا، فقال عمر : لئن سلمني الله لأدعن أرامل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبداً، قال : فما أتت عليه إلا رابعة حتى أصيب، قال: إني لقائم ما بيني وبينه إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب، وكان إذا مر بين الصفين قال: استووا، حتى إذا لم ير فيهم خللاً تقدم فكبر، وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس، فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول: قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه، فطار العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يميناً وشمالاً إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً، مات منهم سبعة، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنساً، فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه، وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه، فأما ما يلي عمر ، فقد رأى الذي أرى، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون غير أنهم قد فقدوا صوت عمر ، وهم يقولون: سبحان الله! فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة، فلما انصرفوا قال: يا ابن عباس انظر من قتلني؟ فجال ساعة ثم جاء فقال: غلام المغيرة ، قال: الصنع؟ قال: نعم، قال : قاتله الله! لقد أمرت به معروفاً، الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام، قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثرا العلوج بالمدينة، وكان العباس أكثرهم رقيقاً، قال: إن شئت فعلت؟ -أي: إن شئت قتلنا؟- قال : كذبت بعدما تكلموا بلسانكم، وصلوا قبلتكم، وحجوا حجكم؟ فاحتمل إلى بيته، فانطلقنا معه، وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ، فقائل يقول: لا بأس عليه، وقائل يقول: أخاف عليه، فأتي بنبيذ فشربه فخرج من جرحه، ثم أتى بلبن فشربه فخرج من جرحه، فعلموا أنه ميت، فدخلنا عليه، وجاء الناس فجعلوا يثنون عليه، وجاء رجل شاب فقال: أبشر -يا أمير المؤمنين- ببشرى الله لك بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدم في الإسلام ما قد علمت، ثم وليت فعدلت، ثم شهادة، فقال: وددت أن ذلك كفافاً لا علي ولا لي، فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض، قال: ردوا عليّ الغلام، قال: يا ابن أخي! ارفع ثوبك، فإنه أنقى لثوبك، وأتقى لربك.
يا عبد الله بن عمر انظر ما عليّ من الدين؟ فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفاً أو نحوه، قال: إن وفَّى له مال آل عمر فأده من أموالهم، وإلا فسل في بني عدي بن كعب، فإن لم تف أموالهم، فسل في قريش، ولا تعدهم إلى غيرهم، فأدِّ عني هذا المال، وانطلق إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فقل: يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل: أمير المؤمنين؛ فإني لست اليوم للمؤمنين أميراً، وقل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه.
فسلم واستأذن ثم دخل عليها، فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت: كنت أريده لنفسي، ولأوثرنه به اليوم على نفسي، فلما أقبل قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء، قال : ارفعوني، فأسنده رجل إليه، قال: ما لديك؟ قال: الذي تحب -يا أمير المؤمنين- أذنت، قال: الحمد لله، ما كان شيء أهم إلي من ذلك، فإذا أنا قضيت فاحملوني، ثم سلم، فقل: يستأذن عمر بن الخطاب. فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردتني فردوني إلى مقابر المسلمين.
وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء تسير معها، فلما رأيناها قمنا، فولجت عليه، فبكت عنده ساعة، واستأذن الرجال فولجت داخلاً، فسمعنا بكاءها من الداخل، فقالوا: أوص يا أمير المؤمنين! استخلف قال: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمى علياً وعثمان والزبير وطلحة وسعداً وعبد الرحمن ، قال: يشهدكم عبد الله بن عمر ، وليس له من الأمر شيء -كهيئة التعزية له- فإن أصابت الإمارة سعداً فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم من أمِّر، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة، وقال: أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم، ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيراً الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم، أن يقبل من محسنهم، وأن يعفي عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار خيراًً، فإنهم ردء للإسلام، وجباة الأموال، وغيظ العدو، وألا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم، وأوصيه بالأعراب خيراً، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام، أن يؤخذ من حواشي أموالهم ويرد على فقرائهم، وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله أن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل مِن ورائهم، ولا يكلفوا إلا طاقتهم. فلما قبض خرجنا به فانطلقنا نمشي فسلم عبد الله بن عمر قال: يستأذن عمر بن الخطاب، قالت: أدخلوه، فأدخل فوضع هنالك مع صاحبيه، فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط، فقال عبد الرحمن : اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، قال الزبير : قد جعلت أمري إلى علي ، فقال طلحة : قد جعلت أمري إلى عثمان ، وقال سعد : قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف ، فقال عبد الرحمن: أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه، والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم إلى نفسه؟ فأسكت الشيخان، فقال عبد الرحمن : أفتجعلونه إليّ، والله علي ألا آلو عن أفضلكم؟ قالا: نعم، فأخذ بيد أحدهما فقال: لك قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن، ولئن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن، ثم خلا بالآخر، فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق، قال: ارفع يدك يا عثمان فبايعه، فبايع له علي ، وولج أهل الدار فبايعوه.
وعن حميد بن عبد الرحمن أن المسور بن مخرمة أخبره أن الرهط الذين ولاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا، قال لهم عبد الرحمن : لست بالذي أنافسكم عن هذه الإمرة، ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم؟ فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن ، فلما ولوا عبد الرحمن أمرهم، مال الناس على عبد الرحمن ، حتى ما أرى أحداً من الناس يتبع أولئك الرهط، ولا يطأ عقبه، ومال الناس على عبد الرحمن يشاورونه تلك الليالي، حتى إذا كانت تلك الليلة التي أصبحنا فيها فبايعنا عثمان ، قال المسور بن مخرمة : طرقني عبد الرحمن بعد هجع من الليل، فضرب الباب حتى استيقظت، فقال: أراك نائماً؟ فوالله ما اكتحلت هذه الثلاث بكبير نوم، انطلق فادع لي الزبير وسعداً ، فدعوتهما له فشاورهما، ثم دعاني فقال: ادع لي علياً ، فدعوته فناجاه حتى أبهار الليل، ثم قام علي من عنده وهو على طمع، وقد كان عبد الرحمن يخشى من علي شيئاً، ثم قال: ادع لي عثمان ، فدعوته، فناجاه حتى فرّق بينهما المؤذن بالصبح، فلما صلى الناس الصبح، واجتمع أولئك الرهط عند المنبر، فأرسل إلى من كان حاضراً من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد، وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر ، فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ، ثم قال: أما بعد: يا علي ! إني قد نظرت في أمر الناس، فلم أرهم يعدلون بـعثمان ، فلا تجعلن على نفسك سبيلاً، فقال لـعثمان : أبايعك على سنة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده، فبايعه عبد الرحمن ، وبايعه الناس، والمهاجرون، والأنصار، وأمراء الأجناد والمسلمون.
ومن فضائل عثمان رضي الله عنه الخاصة: كونه ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه، وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعاً في بيته كاشفاً عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن
وفي الصحيحين: (لما كان يوم بيعة الرضوان، وأن
هذا هو الخليفة الثالث عثمان رضي الله عنه، وقد اتفق المسلمون من الصحابة ومن معهم على تقديمه بعد قتل عمر رضي الله عنه، وسمعنا قصة قتل عمر رضي الله عنه، وتولية عثمان .
ولما عرف عمر رضي الله عنه أنه ميت أخذ يوصي الخليفة من بعده بهذه الوصايا: يوصيه بالمهاجرين، ويوصيه بالأنصار، ويوصيه بأهل القرى والمدن، ويوصيه بالأعراب، ويذكر ما لكلٍ منهم من المآثر، وما لكل منهم من الجهاد، ويوصيه بالسير الحسن، وعادة الناصحين المخلصين الوصية لمن بعدهم بالخير، وصية دينية، يقصد منها السير على نهج قويم، حتى تأمن البلاد في عهده، وحتى لا يخاف من جوره، وحتى لا يكون عليه اختلاف ولا خروج، ولا من ينكر عليه، وقد عمل الخليفة بعده بهذه الوصايا.
وسمعنا: أنه جاءه ذلك الغلام الذي كان مسبلاً إزاره فشهد له بالخير، ولكن عمر لما رأى إزاره يصل إلى الأرض نصحه، ولو كان في تلك الحال، ولو كان في مرض الموت، فنصحه بأن يرفع إزاره، وقال له: إنه أتقى للرب، وأنقى للثوب، فهكذا كانت عادته رضي الله عنه يحب للمسلمين الخير، ولا يدخر عنهم وسعاً.
وسمعنا كذلك قصة استئذانه أن يدفن مع صاحبيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، فاستأذن من أمنا عائشة ؛ لأن البيت مسكنها، وقد كانت تحب أن تكون في ذلك المكان مع زوجها وأبيها، ولكنها آثرت عمر رضي الله عنه لما جاءها الخبر بأنه قد طعن، فبقيت تبكي في بيتها، ولما دخلوا عليها وهي باكية، وذكروا لها ذلك لبت طلبه، ووافقت على ذلك، فدفن رضي الله عنه مع صاحبيه.
وقد مر بنا قول علي رضي الله عنه لما دفن عمر مع أبي بكر: كنت كثيراً ما أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (جئت أنا و
وسمعنا أن هؤلاء الستة الذين اختارهم عمر رضي الله عنه، وجعل الأمر فيهم، اجتمعوا وجعل كل منهم أمره إلى واحد، فجعل الزبير أمره إلى علي ، وجعل سعد أمره إلى عبد الرحمن ، وجعل طلحة أمره إلى عثمان ، فأصبح الأمر إلى ثلاثة: عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ، وكأن عبد الرحمن هو الذي اهتم بهذا الأمر، واشتد عليه أن يمضي وقت ولم يتم للمسلمين اختيار خليفة لهم يقوم بأمرهم، فبقي ثلاث ليالٍ لا يهنأ بالنوم، لا ينام إلا قليلاً؛ من شدة اهتمامه بأمر المسلمين، وكلما جاء أو جلس مع واحد منهم أخذ يناجيه، ويتكلم معه، ويأخذ عليه العهد والميثاق إذا تم له الأمر أن يسير سيرة حسنة، وأن يتبع سيرة الخليفتين قبله، حتى توثق منهما بذلك، فرأى أن الناس يميلون إلى عثمان ، وأن عثمان له تجربة، وله مكانة، وله أهلية، فأمره أن يبسط يده للمبايعة، فبايعه عبد الرحمن وبايعه علي ، وتمت البيعة، ولم ينقل أن علياً توقف، ولا قال: أنا أحق بها منه، أو أنا ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم أو نحو ذلك، بل وافق على ذلك بما أُخذ عليه من العهد، ولا شك أن ذلك دليل على أنه رضي الله عنه لم يكن مخالفاً لما حصل، بل موافقاً له.
وله فضائل كثيرة، ولو لم يكن من فضائله إلا أنه هاجر الهجرتين: هاجر أولاً إلى الحبشة، ثم هاجر بعد ذلك إلى المدينة.
ومن فضائله أنه يقال له: ذو النورين؛ لأنه تزوج أولاً رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ماتت سنة اثنتين من الهجرة زمن وقعة بدر، ثم زوجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته الثانية أم كلثوم ، ولكنها أيضاً ماتت في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (لو كان لنا بنت ثالثة لزوجناها
قالوا فثالثهم فقلت مجاوباً من بايع المختار عنه باليد
صهر النبي على ابنتيه ومن حوى فضلين فضل تلاوة وتهجد
أعني ابن عفان الشهيد ومن دعي في الناس ذو النورين صهر محمد
ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لما نزل في الحديبية، وصده المشركون عن دخول الحرم، وعن إكمال عمرته؛ أراد أن يبعث عمر إلى قريش، ولكن عمر خاف منهم؛ لكرامته وقوته، فأشار إليه أن يبعث عثمان ؛ لكونه ذا قرابة منهم، فـأبو سفيان قريبه، وهو سيد فيهم، فوقع الاختيار عليه، فبعثه، ولما بعثه قالوا له أهل مكة: نمكنك أن تطوف بالبيت، فقال: لا أطوف والنبي صلى الله عليه وسلم لم يطف، ثم جاء خبر كاذب بأن عثمان قتل، فعند ذلك فزع النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (بايعوني) ، فبايعه الصحابة البيعة التي تسمى بيعة الرضوان، ولما تمت وجاء الخبر بأن عثمان حي، أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى على يده اليسرى، وقال: (هذه لـعثمان) أي: هذه بيعة عثمان ، فكأنه بايع عن عثمان بنفسه؛ فلذلك يقال: إنه من أهل البيعة وإن لم يكن حضرها، بل البيعة ما حصلت إلا بسببه.
ولا شك أن تزوجه ببنتي النبي صلى الله عليه وسلم مزية وأي مزية، وفضيلة كبيرة.
وعثمان رضي الله عنه كان من أوائل الذين أسلموا؛ وذلك لأنه تزوج رقية قبل نزول الوحي بمدة، وكانت رقية قد خطبها أحد أبناء أعمامها أبي لهب ، ولكن كرهته وكرهه النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي، ثم خطبها عثمان وتزوج بها؛ لما رؤي منه من الأهلية، ورزق منها أولاداً، وهاجر بها، ولما نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم كان عثمان صهراً للنبي عليه الصلاة والسلام، وكان قد عرف صدقه، وعرف أهليته، فلم يتوقف أن أسلم، فهو من أوائل من أسلم، ولم يسلم لكونه صهراً للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن أبا العاص بن الربيع زوج زينب صهر للنبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يسلم إلا في سنة ثمان، بل تمسك بدينه، مع أن زوجته -وهي بنت النبي صلى الله عليه وسلم- أسلمت، لكن عثمان أسلم؛ لكونه اقتنع بصحة النبوة، ولأهلية النبي صلى الله عليه وسلم للنبوة، فأسلم وهاجر الهجرتين كما عرفنا، وله فضائل كثيرة رضي الله عنه، استحق بها أن يكون خليفة على المسلمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر