إسلام ويب

حق المستضعفين في أفغانستان وفلسطينللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كانت الأمة قبل الإسلام أمة متناحرة، مقطعة الأجزاء، فوحد صفها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وآخى بين أجناس الناس المختلفة، حتى صاروا كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. ثم عدنا من جديد إلى الوراء فتفرقت الأمة، وأصبحت فرقاً وأحزاباً، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فعلينا واجب ديني عظيم، وهو واجب النصرة لهذا الدين بالنفس والمال بتحقيق الولاء والبراء، وتوحيد الصفوف ولم الشعث، لنستعيد مجدنا الأمثل، والله تعالى ينصر من نصره، ويخذل من تولى عن دينه الحنيف.

    1.   

    أمة الجسد الواحد

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الإخوة والأخوات، وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً، وأسأل الله الكريم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أيها الأحبة! حقوق يجب أن تعرف، سلسلة منهجية تحدد الدواء من القرآن والسنة لهذا الداء العضال الذي استشرى في جسد الأمة، ألا وهو داء الانفصام النكد بين المنهج المنير، والواقع المؤلم المرير، فأنا لا أعرف زماناً قد انحرفت فيه الأمة عن كتاب ربها وسنة نبيها، وضيعت فيه حقوق الإسلام؛ كهذا الزمان، فأردت أن أُذَكِّرَ أمتي ونفسي من جديد بهذه الحقوق الكبيرة التي ضاعت عسى أن تسمع الأمة مرة أخرى عن الله ورسوله، وأن تردد مع السابقين الصادقين الأولين قولتهم الخالدة: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285]. ونحن اليوم بحول الله ومدده على موعد مع اللقاء السابع والعشرين من لقاءات هذه السلسلة الكريمة، وحديثنا اليوم عن حق جليل كبير ألا وهو: حق المستضعفين في أفغانستان وفلسطين، فأعيروني القلوب والأسماع جيداً، والله أسأل أن يرزقنا الصدق في القول والعمل، وأن يقر أعيننا بنصرة المستضعفين من المسلمين في كل بقاع الأرض، وأن يشفي صدور قوم مؤمنين بهزيمة ساحقة لأعداء رب العالمين وأعداء المسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وحتى لا ينسحب بساط الوقت سريعاً من تحت أقدامنا؛ لأن الحديث طويل بطول آلامه، مؤلم بكثرة دمائه، ممزق للقلوب الحية بكثرة الأشلاء المتبعثرة الممزقة، فأرجو أن أركز الحديث في العناصر المحددة التالية: أولاً: أمة الجسد الواحد. ثانياً: أمة غثاءٌُُ. ثالثاً: أين واجب النصرة؟ رابعاً: أيها المظلوم صبراً لا تهن. وأخيراً: مِنْ رَحِمِ الليل يولد ضوء الصباح. فأعيروني القلوب والأسماع جيداً، والله أسأل أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وألاَّ يستخرج منا إلا ما يرضيه سبحانه إنه ولي ذلك ومولاه.

    الأخوة الإسلامية

    أولاً: أمة الجسد الواحد: كان العرب أمة ممزقة قبل الإسلام لا وزن لهم ولا قيمة، لو تصفحت التاريخ وقرأت عن حروب العرب؛ لوقفت على قيمة هذا الدين العظيم الذي حَوَّلَهُمْ من غثاء وقبائل متناحرة، ومن أمم متمزقة متصارعة، إلى أمة واحدة؛ لذا امتن الله عز وجل عليهم بهذه النعمة العظيمة الكبيرة فقال سبحانه وتعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا [آل عمران:103]. كانوا متفرقين، وكانوا على شفا حفرة تُوْدِيْ بهم إلى نار الدنيا والآخرة، بشركهم بالله جل وعلا وتَصَارُعِهِمْ وتحاربهم، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى التوحيد، فاستنقذهم من شرك العصبية والوثنية إلى أنوار الأُلْفَةِ والتوحيد لرب البرية جل جلاله، فأذلوا كسرى، وأهانوا قيصر، وأقاموا للإسلام دولة من فتات متناثر، وسط صحراء تموج بالكفر موجاً، فإذا دولة الإسلام بناء شامخ لا يطاوله بناء، وذلك في فترة لا تساوي في حساب الزمن شيئاً على الإطلاق، يوم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، ووحدت العقيدة صفوفهم، وجمعتهم على لسان وقلب رجل واحد. فجاء المصطفى فآخى بين سلمان الفارسي وحمزة القرشي ، وصهيب الرومي ومعاذ الأنصاري وبلال الحبشي، وعلى اختلاف ألوانهم وأوطانهم وأجناسهم انصهروا في بوتقة واحدة، جمعتهم آصرة العقيدة، جمعتهم الأخوة الإيمانية التي لا نظير لها في كل الشرائع الوضعية على وجه الأرض؛ لأنها أُخُوَّة تعلو على إخوة النسب والعِرْقِ واللون والوطن، إنها الأُخُوِّةُ في الله. استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل من المؤمنين جميعاً دوحة واحدة متشابكة الأغصان، متلاصقة الأوراق، انصهروا في بوتقة المحبة في الله، فرأيت منهم العجب العجاب، ولو لم نكن على يقين بأن ما سنذكر بعضه الآن جاء عن الصادق الذي لا ينطق عن الهوى لقلنا إنه من نسج الخيال؛ لأنه لا يمكن بحال أن يقع في دنيا الناس، اللهم إلا إذا كان المربي لهؤلاء الناس هو المصطفى محمد.

    نموذج فريد للأخوة الإيمانية

    تدبر معي هذه النماذج ولن أطيل فيها، تدبر معي في هذا النموذج العظيم الأول: في الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: (آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع الأنصاري)، يوم أن هاجروا من مكة إلى المدينة اختار النبي سعد بن الربيع أخاً في الإسلام لـ عبد الرحمن بن عوف المهاجر من مكة، تدبر ماذا قال الأنصاري لأخيه، قال سعد بن الربيع: يا عبد الرحمن ! إني أَكْثَرُ الأنصار مالاً، وسأقسم مالي بيني وبينك نصفين، ولي زوجتان فانظر أعجبهما إليك لأطلقها، حتى إذا انقضت عدتها تزوجتها). والله إن الحلق ليجف، وإن القلب ليرتعد فرحاً وخجلاً، وإن الكلمات كلها لتتوارى خجلاً وحياءً أمام هذه الأُخُوَّةِ. لولا أن الحديث في الصحيحين لظننت أنه من نسج الخيال أن يقول رجل عربي له شهامة، وعنده من الرجولة ما نعلم جميعاً، يقول لأخيه: (عندي امرأتان فانظر أعجبهما إليك؛ لأطلقها، حتى إذا انقضت عدتها تزوجتها)، فيرد عليه العفيف الشريف عبد الرحمن بن عوف ويقول: (بارك الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلني على السوق، فدله على سوق بني قينقاع، فذهب فباع واشترى وربح. وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صُفْرَةٍ، فقال له النبي: (مَهْيَمْ؟ -يعني: ماذا صنعت يا عبد الرحمن ؟- قال: تزوجت امرأة من الأنصار يا رسول الله، قال النبي: وماذا سقت لها من مهر؟ فقال: سقت لها مقدار نواة من ذهب، فقال له المصطفى: أو لم ولو بشاة). وإن سألني سائل وقال: أين من يعطي الآن عطاء سعد بن الربيع؟ فالجواب: وأين من يتعفف عفة عبد الرحمن بن عوف ؟ فلقد وجد سعد يوم وجد عبد الرحمن ، وضاع سعد يوم ضاع عبد الرحمن . جاء رجل فقير إلى أحد الأغنياء الأثرياء ليسأله الصدقة بإلحاح، فلما امتنع الغني قال له الفقير: أين الذين ينفقون لله سرّاً وعلانية؟ فقال له الغني: ذهبوا مع من لا يسألون الناس إلحافاً. إنه مجتمع فريد فيه سعد وفيه عبد الرحمن ، فيه من يبذل وفيه من يتعفف، والمربي لـسعد ولـعبد الرحمن هو الإسلام، بقيادة المصطفى الذي رباه الله على عينه ليربي به الدنيا، بأبي هو وأمي ونفسي وروحي

    موقف العزة من أمة الجسد الواحد

    موقف من مواقف الأمة ذات الجسد الواحد، وانظر إلى هذا الموقف الذي يتألق عزة، واسمحوا لي أن أكرره، فإن المسلم الآن يتطلع إلى موقف من عزة ولو في الماضي؛ ليضمد به الجراح، إنه موقف ربعي ، ذكرت الموقف كثيراً لكننا في أَمَسِّ الحاجة إلى ذكره الآن؛ لنقف على أمة الجسد الواحد، وبما كانت تمتلكه من عزة ومكانة وكرامة. ربعي بن عامر جندي متواضع في الجيش المسلم، يرسل به قائد القادسية سعد بن أبي وقاص إلى قائد الجيوش الكسروية الجرارة رستم ، ويدخل ربعي بثيابه المتواضعة، ويقف بين يدي رستم دون وقوف مع جزئيات الموقف والحدث، ليقول له رستم : من أنتم؟ فيقول ربعي الذي عرف الغاية، وفهم الوظيفة التي من أجلها ابتعث: نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جَوْرِ الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فمن قبل منا قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن حال بيننا وبين دعوة الناس لدين الله قاتلناه حتى نفضي إلى موعود الله. قال رستم : وما موعود الله؟ قال ربعي : الجنة لمن مات منا، والنصر لمن بقي من إخواننا. قال رستم : سمعت مقالتك، فهل لكم أن تؤجلونا لننظر في أمرنا، ولتنظروا في أمركم؟ قال ربعي : لقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم ألاَّ نؤخر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث ليال فانظر في أمرك وأمرهم، واختر لنفسك ولهم واحدة من ثلاث. يا لها من عزة وكرامة!. قال رستم : ما هي؟ قال ربعي : الأولى: الإسلام ونرجع عنك -هذه هي الغاية أن تسلموا لله جل وعلا. قال رستم : وما الثانية ؟ قال: الجزية، وإن احتجت إلى نصرتنا نصرناك. الجزية التي ما زالت الأمة تدفع فاتورتها الآن كاملة غير منقوصة، ومن أغرب ما قرأت في اليومين الماضيين أن تقريراً أمنيّاً وضعه التقرير الأمريكي عرض على (بوش )، هذا التقرير الأمني يطالب العرب والمسلمين بتسديد نفقات الحرب الأمريكية على أفغانستان، هل تعلمون تكلفة اليوم الواحد؟ تتكلف أمريكا في حربها في أفغانستان في اليوم الواحد ما يزيد على مائة مليون دولار، وليدفع العرب وليحيا العرب، وليبارك الله في بترول العرب، وفي أموال العرب، فليدفع العرب أذلاء، ينفق في اليوم مائة مليون دولار، فالصاروخ تزيد قيمته على مليوني دولار، والقنبلة الانشطارية التي تسقط الآن على أرض أفغانستان تزيد تكلفتها على نصف مليون دولار، ويطالب التقرير الأمني (بوش) أن يكلف العرب بتسديد هذه الفاتورة، بدعوى أنها حرب ضد الإرهاب، والعالم العربي كله بحاجة إلى القضاء على الإرهاب، حسبنا الله ونعم الوكيل!! كل الكلمات ورب الكعبة أراها تنسحب من بين يدي، بأي لغة أعلق؟! وبأي كلام أدلل على مثل هذا الكلام الخطير؟! فالجزية اليوم تدفعها الأمة، وربعي يقول لـ رستم : الجزية، وإن احتجت إلى نصرتنا نصرناك. قال رستم : وما الثالثة؟ قال ربعي : القتال، ولن نبدأك بقتال فيما بين اليوم وبين اليوم الثالث إلا إن بدأتنا أنت. فقال له رستم : عرفتك، أسيدهم أنت؟ أي: هل أنت القائد؟ قال: لا، ولكن المسلمين كالجسد الواحد، يسعى بذمتهم أدناهم على أعلاهم. هذه أمة الجسد الواحد التي حققت قول المربي والمعلم صلى الله عليه وسلم الذي في الصحيحين من حديث النعمان : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). هذه أمة الجسد الواحد التي حققت قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري : (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك النبي صلى الله عليه وسلم بين أصابعه). هذه أمة الجسد الواحد التي استحقت أن تُخَاطَبَ من الله جل وعلا بقوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]. استحقت هذه الأمة أن تُخَاطَبَ من الله جل وعلا بقوله: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143]. استحقت هذه الأمة أن تُخَاطَبَ من الله بقوله: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92]، ولو كان المراد بالآية هم الأنبياء، فالخطاب لأمة سيد الأنبياء، وإمام الأصفياء محمد صلى الله عليه وسلم. ظلت هذه الأمة عزيزة تَرْفُلُ في ثوب العز والكرامة حتى جيء بتاج كسرى ليوضع في حجر عمر بن الخطاب وهو في مدينة رسول الله، نعم يؤتى بتاج كسرى ليوضع بين يدي الفاروق! وقيصر تفتَّتَتْ إمبراطوريته، وكسرى يمزق ملكه، وتنتشر وتعلو راية الإسلام على ثلثي الكرة الأرضية في فترة لا تساوي في حساب الزمن شيئاً على الإطلاق، ارتفعت راية الإسلام في قلب الصين .. في قلب فرنسا .. في إيطاليا .. في أقصى الحدود المغربية، ارتفعت راية التوحيد في قلب أوروبا على أيدي هؤلاء الأبطال الفاتحين الذين عرفوا الغاية التي من أجلها خلقوا، والوظيفة التي من أجلها ابتعثوا. ثم راحت الأمة تتخلى شيئاً فشيئاً عن ثوب عزها بانحرافها عن أصل عزها، عن قرآن ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، راحت الأمة تبتعد يوماً بعد يوم، حتى وقع ما لم يكن يخطر أَلبَتَّةَ لأحد على بال، حين تركت الأمة شريعة الكبير المُتعَاَلِ، وحكمت الأمة قوانين أخبث الرجال في السياسة .. في الاقتصاد .. في الإعلام .. في التعليم .. في كل مناحي الحياة. ابحث عن شريعة الله وشريعة رسول الله في الأمة لقد ضاعت! بل رأينا من أبناء الأمة من يعلنها صريحة بلا خجل أو وجل: إن الشريعة الإسلامية لم تعد صالحة لمدنية القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين، بل يجب على الأمة إن أرادت التقدم والانطلاق أن تحاكي الغرب، وأن تُحَكِّمَ قوانينه ولو اصطدمت مع شريعة الله ورسوله! فاستبدلت الأمة بالعبير بعراً، وبالثريا ثرى، وبالرحيق المختوم حريقاً، وظنت الأمة أنها قد ركبت قوارب النجاة فغرقت وأغرقت وهلكت، وضلت وأضلت، وصارت الأمة الآن ذليلة لأذل أهل الأرض؛ لمن كتب الله عليهم الذُّلَّ والذِّلَّةَ من إخوان القردة والخنازير، وللصليبيين الحاقدين، وَلعِبُادِ البقر، حتى للملحدين في روسيا. وهذا هو عنصرنا الثاني: أمة غثاء:

    1.   

    أمة غثاء

    قال النبي الصادق الذي لا ينطق عن الهوى كما في مسند أحمد وسنن أبي داود بسند صحيح من حديث ثوبان أن النبي صلى عليه وسلم قال: (يوشك)، ولفظة يوشك للقريب، توحي بالقرب (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأَكَلَةُ إلى قصعتها). لقد صرح بوش أنه سيعلن الحرب ضد الإرهاب، وضمت القائمة ستين دولة، وهذا هو عدد الدول العربية والإسلامية على وجه الأرض، (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟! قال: لا. أنتم يومئذ كثير، ولكن غثاء كغثاء السيل) انظر إلى هذا الزِّبَدِ الذي يقذف به السيل لا وزن له ولا قيمة، يؤرجحه التَّيَّارُ حيثما شاء وأراد ، (ولكنكم غثاء كغثاء السيل، وليوشكن الله أن ينزع المهابة من قلوب عدوكم، ويقذف في قلوبكم الوهن، قيل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت) صدق المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى، صارت الأمة غثاءً من النفايات البشرية، تعيش على ضفاف مجرى الحياة الإنسانية كدول، أستغفُر الله، بل كدويلات متناثرة متصارعة متحاربة، تفصل بينها حدود جغرافية مصطنعة، ونعرات قومية جاهلية مقيتة، وترفرف على سمائها رايات القومية والعروبة والوطنية، وتحكم الأمة قوانين الغرب العلمانية، وتدور بالأمة الدوامات السياسية، فلا تملك الأمة نفسها عن الدوران، بل ولا تختار لنفسها حتى المكان الذي تحب أن تدور فيه. ذلت بعد عزة، وجهلت بعد علم، وضعفت بعد قوة، وأصبحت في ذيل القافلة البشرية بعدما كانت بالأمس القريب تقود القافلة كلها بجدارة واقتدار، وأصبحت تتسول على موائد الفكر البشري بعد أن كانت بالأمس القريب منارة تهدي الحيارى والتائهين ممن أحرقهم لَفْحُ الهاجرة القاتل، وأرهقهم طول المشي في التيه والظلام. بل وأصبحت الأمة تتأرجح في سيرها، وضلت طريقها بعد أن كانت الأمة بالأمس القريب الدليل الحاذق الأرب في الدروب المتشابكة، بل في الصحراء المهلكة التي لا يهتدي للسير فيها إلا الأَجِلِّاءُ المجربون. أهذه أمة دستورها القرآن وقائدها محمد عليه الصلاة والسلام؟!! أهذه هي الأمة التي خوطبت من الله سبحانه بقوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [آل عمران:110]؟!! أهذه هي الأمة التي خوطبت من الله بقوله: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143]؟!! أهذه هي الأمة التي خوطبت من الله بقوله: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103]؟!! إن خيرية الأمة ليست عصبية ولا عنصرية ولكنها خيرية هداية وإيمان، والتزام بشرع الله، كما ذكر سبب خيريتها فقال سبحانه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، فبات في الأمة الآن من يشرك بالله، انظر إلى الملايين المملينة في الأمة التي لا تعرف شيئاً عن شرع ربها: ضيعت الصلاة، ضيعت الزكاة، ضيعت الحج مع القدرة، تسأل غير الله، تستغيث بغير الله، تستعين بغير الله، تثق بأمريكا وببعض دول الأرض أكثر من ثقتها بالله، إلى آخر هذا الوباء والبلاء، بات في الأمة الآن من يشرك بالله، وبات في الأمة الآن من يأمر بالمنكر، وينهى عن المعروف!

    المسلمون في فلسطين

    أنا لا أغالي ولا أريد أن ألهب العواطف بكلمات فارغة، وإنما أتحدث عن واقع يعلمه كل مسلم، وتعلمه كل مسلمة، هذا واقع الأمة، ابتعدت الأمة عن ربها فذلت، ابتعدت الأمة عن رسول الله فهانت، تعرت الأمة من ثوب الإسلام فانكشفت كل سوءاتها وعوراتها، فطمع فيها اليهود أنجس أهل الأرض وهم يفعلون بها الآن في فلسطين ما يندى له جبين التاريخ، بل ما يحترق له قلب كل مسلم غيور. يصرح زعيم السلطة ويقول: إنه يثق في شارون ، وإن شارون صديق حميم حريص على السلام. قمة الذل، قمة الاستجداء، شارون السفاح المسرف، الذي لُطِّخَتْ يداه بدماء المسلمين المستضعفين في فلسطين يوم أن كان ضابطاً صغيراً في الجيش اليهودي، وإلى هذه اللحظة لا يزال حريصاً على السلام!! وصديق حميم!! تُهَدَّمُ البيوت، وتسفك الدماء، وتمزق الأشلاء، وينتهك عرض الإسلام وعرض المقدسات، والأمة تسمع وترى، والمسلمة في فلسطين تقول: واإسلاماه، وامعتصماه، لكن أين المعتصم ؟ ما ثَمَّ معتصم يغيث، أين زعماء العرب؟! أين حكام المسلمين؟! أين الجيوش المسلمة لتنقذ هذه المسلمة التي تنادي باسم المعتصم ؟! ما ثم معتصم يغيث من استغاث به وصاح ذبحوا الصبي وأمه وفتاتها ذات الوشاح وعدوا على الأعراض في انتشاء وانشراح يا ألف مليون وأين همو إذا دعت الجراح؟ ما ثم معتصم يغيث من استغاث به وصاح آه يا مسلمون متنا قروناً والمحاق الأعمى يليه محاق أي شيء في عالم الغاب نحن آدميون أم نعاج نساق نحن لحم للوحش والطير منا الجثث الحمر والدم الدفاق وعلى المحصنات تبكي البواكي يا لعرض الإسلام كيف يراق قد هوينا لما هوت وأعدوا وأعدوا من الردى ترياق واقتلعنا الإيمان فاسودت الدنيا علينا واسودت الأعماق وإذا الجذر مات في باطن الأرض تموت الأغصان والأوراق تنادي على المسلمين في بقاع الأرض مسلمة في فلسطين، ومسلمة في أفغانستان، ومسلمة في الشيشان، ومسلمة في كشمير، ومسلمة في طاجكستان، ومسلمة في الفلبين، ومسلمة في الصومال، ومسلمة في العراق، ومسلمة في السودان، ومسلمة في الجزائر، وتقول: أنا لا أريد طعامكم وشرابكم فدمي هنا يا مسلمون يراق عرضي يدنس أين شيمتكم؟ أما فيكم أبي قلبه خفاق؟ أختاه أمتنا التي تدعينها صارت على درب الخضوع تساق أودت بها قومية مشئومة يرتادها نحو الضياع رفاق إن كنت تنتظرينها فسينتهي نفق وتأتي بعده أنفاق مدي إلى الرحمن كف تضرع فلسوف يرفع شأنك الخلاق إنه الذل، إنه الهوان، وددت أن لو أسمعت زعماء العرب وحكام المسلمين مثل هذا، فأنا أعلم أنكم لا تملكون من الأمر شيئاً إلا النزر اليسير، وددت أن لو أسمعت الأمة كلها مثل هذه الكلمات التي تذيب الصخور والحجارة، ولكن القلوب صارت أقسى من الصخور، وأشد من الحجارة.

    1.   

    واجب النصرة

    أين واجب هؤلاء؟ هذا هو عنصرنا الثالث: واجب النصرة: النصرة بالنفس لمن استطاع، والنصرة بالمال لمن لم يقدر على نصرة هؤلاء المستضعفين بنفسه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الصف:10-11]. النصرة بالكلمة، فالسياسة الآن تديرها الكلمة، تديرها وسائل الإعلام اليهودية التي تتحكم في الإدارة الأمريكية، بل وفي الإدارة الأوروبية. هذه الجريدة الوقحة تعلن الحرب الآن على مصر ورئيسها، وعلى السعودية وملكها، هذه الجريدة التي تسمى واشنطن يوست، ارجعوا إليها لتعرفوا مجلس إدارتها، لتعرفوا محرريها، لتعرفوا من ينفق عليها، فالجريدة كلها يهودية صرفة، رئيس مجلس الإدارة يهودي، مجلس الإدارة يهودي، المحررون يهود، فالشركة كلها مملوكة لأسرة يهودية . حتى لا نستكثر على هذه الجريدة وغيرها من وسائل الإعلام الأمريكية والغربية هذه الحرب القذرة التي تشن الآن على مصر والسعودية؛ لأنهم يعلمون يقيناً وزن مصر، ومكانة مصر، ولا يريدون أبداً لمصر أن تتدخل لا من قريب ولا من بعيد في مثل هذه الفتنة الطاحنة. ولكن سنؤكل ورب الكعبة جميعاً يوم أكل الثور الأبيض، فالنصرة بالنفس، وبالمال، وبالكلمة، وبتحقيق الولاء والبراء، وبإقامة الفرقان الإسلامي للخروج من حالة الغبش التي تحياها الأمة، وبإعداد بيتك إعداداً يليق بخطورة المرحلة المقبلة والتي لابد منها، ثم الدعاء، وأنا أعي قدر كلمة الدعاء. ولا أستهين بهذا السهم الذي إن خرج من قوس مشدودة، وصادف القوس ساعداً قويًّة، لو أصاب السهم الهدف بإذن الرب العلي، فنحن نريد الآن قلوباً تحترق، ودعوات صادقة تخرج من هذه القلوب إلى عَنَانِ السماء، ونحن مظلومون؛ ليرفعها من حَرَّمَ الظلم على نفسه فوق الغمام، وليقول لها: (وعزتي وجلالي لأنصرنكِ ولو بعد حين). فوالله وإن تخلى العالم الغربي والعالم الإسلامي عن أولئك المستضعفين في فلسطين وأفغانستان وفي كل مكان؛ فإن رب العزة جل جلاله لا يمكن أبداً أن يتخلى عنهم، كيف وربك حكم عدل؟ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46]، وكيف وربك قد حرم الظلم على نفسه، فقال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)، وهذا هو عنصرنا الرابع من عناصر اللقاء.

    1.   

    أيها المظلوم صبراً لا تهن

    أيها المظلوم صبراً لا تهن، إن عين الله لا تنام، اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255]، ولكن الله قد أودع الكون سنناً ربانية ثابتة لا تتبدل ولا تتغير، ولا تحابي تلك السنن أحداً من الخلق مهما ادعى لنفسه من مقومات المحاباة، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11]، وقال تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ [البقرة:251]، وقال تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:40].

    نصرة الله لأبطال الانتفاضة

    أنا أقسم بالله! إن ما نراه الآن على أرض فلسطين وعلى أرض أفغانستان لهو النُّصْرَةُ الحقيقية لأولئك المستضعفين من رب العالمين، فلسطين الانتفاضة مضى عليها عام أو يزيد، اسأل الآن أي يهودي على أرض فلسطين: هل يشعر بالأمن؟ هل يشعر بالاستقرار؟ سل جنرالات اليهود الكبار. يصرح أحد جنرالاتهم ويقول: صرت أخشى كل شيء في الشارع، صرت أخشى صندوق القمامة، صرت أخشى الدراجة التي تمر إلى جواري أن تنفجر في وجهي في أي لحظة، إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ [آل عمران:140]. ثم انظر إلى سلاح أولئك، وإلى ترسانة هؤلاء، انظر إلى سلاح اليهود، وسلاح المستضعفين الفلسطينيين، لا وجه للمقارنة، صار الحجر في أيدي الطفل المسلم يتلألأ ويتوهج كأنه قنبلة! أذكر ورب الكعبة كلما رأت عيني هذا المشهد الرقراق مشهد طفل يجري وراء جندي يهودي يجري أمامه وهو مدجج بالسلاح، يجري وراءه بالحجر، أتذكر قول ربي لنبيه: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17]. لماذا يجري اليهودي؟ لأنه جبان! ويقدم الطفل الفلسطيني الذي عَلَّمَ الدنيا كلها أن محمداً ما مات، وما خلف محمد بنات، بل خلف أطفالاً ورجالاً أبطالاً علموا الأمة كلها كيف يكون الذود عن الكرامة والعرض والمقدسات، علموا الحكام والزعماء حقيقة الشرف والبطولة وعظمة الفداء! إنه النصر، وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ [الحج:40]، أقسم برب الكعبة إنه النصر. مضى عام والأطفال الأبطال ما لانت لهم شكيمة، فما سلَّموا، ولا استسلموا، بل يركض الآخرون بِذُلًّ وعار للاستسلام ولتوقيع الذل والمهانة، لكن هؤلاء يأبون الذل، ويأبون التسليم، ويأبون إلا الكرامة، ويقفون في الصف، ويتصدون لهذه الترسانة الرهيبة اليهودية -أو إن شئت فقل: لهذه الترسانة الأمريكية- بكل عز وكرامة. إنه النصر، صار كل وزير يهودي يخشى على نفسه، فتشوا في بيته، فتشوا في حديقته، يخشى من أي شيء، ماذا تريدون بعد ذلك؟

    نصرة الله للمجاهدين والأفغان

    وإذا انتقلت إلى أفغانستان أقول بِمِلْءِ فمي: في الأسبوع الرابع على التوالي للحملة الأمريكية على أفغانستان يصرح البنتاجون بأن الحملة قد حققت (10%) من أهدافها، وأنا أقول: لم تحقق الحملة ولا واحداً في المائة من أهدافها، وما زال كل من يبحثون عنهم موجودين بفضل الله، وما زال الأُسوْدُ في كهوفهم ينتظرون الجيش الأمريكي الذي لا يجيد إلا الرمي من فوق والهرب، ينتظرون الجيش لينزل على الأرض كما صرح الملا محمد عمر ويقول: نتشوق إلى لقاء الجيش الأمريكي على الأرض؛ لنلقنهم درساً أقسى من الدرس الذي لقناه للروس بإذن الله. ما سقط على أفغانستان من صواريخ وقنابل كان كفيلاً -لو أن الأمور تسير وفق القوانين المادية كما يحدث العلمانيون- بمحو أفغانستان من على خريطة العالم ووجه الأرض، لكن أفغانستان ما زالت قائمة، ولكن الأبطال ما زالوا قائمين ينتظرون. بل وقد أصيبت المعنويات الأمريكية في الداخل والخارج بنكسة شديدة، وبدأت بعض الأصوات في قلب أمريكا تنادي وتقول: ما الذي حققته الحملة العسكرية على أفغانستان؟! إلى هذه اللحظة لم تحقق أي شيء، وقرأت في اليومين الماضيين تقريراً خطيراً رفع إلى الرئيس الأمريكي يقول: إن التكلفة اليومية للحرب على أفغانستان تزيد على مائة مليون دولار، ويقول التقرير: ولا تستطع أمريكا أن تستمر هكذا أكثر من ستة أشهر وإلا ستسقط أمريكا اقتصادياً! تقرير أمني في منتهى الخطورة؛ ولذلك هم يريدون أن يحملوا العرب الفاتورة كما ذكرت. هزيمة اقتصادية بالفعل، سياسية يقيناً، عسكرية حتماً، سقطت هيبة القوة العظمى سياسياً، عسكرياً، اقتصادياً، لكن قد يسأل رجل ويقول: فلماذا لم تنته بالكلية؟ أقول: حتى لا نحاسب الأمم، وحتى لا نحكم على أعمار الأمم بحكمنا على أعمار الأفراد أقول: لو أصيب شيخ بفيروس، وأصيب شاب قوي بنفس الفيروس، فإن تحمل الشيخ لا يمكن بحال أن يكون كتحمل الشاب، وأمريكا في مرحلة الشباب، وفي مرحلة الفتوة، فهي قوية بلا شك، فلا أريد أن أنقض كلامي لأدفن رأسي في الرمل كالنعام، فعندهم قوة عسكرية رهيبة، وقوة اقتصادية، وقوة سياسية تسوق العالم كله بعصاً غليظة، لكن الفيروس قد أصابها في مقتل، والله تبارك وتعالى يقول: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ [البروج:12]، لكنها سنن. فلو تخلى أهل الأرض عن أولئك المستضعفين فإن الله معهم، ويا لها من معية كريمة عرف إخواننا هنالك قدرها ورب الكعبة، لقد رأيت إعلامياً يحاور رجلاً بسيطاً من أولئك الطالبانيين ويقول له: لقد جيشت أمريكا الجيوش، فماذا أعددتم؟ بأي شيء استعددتم لصد هذه الترسانة الرهيبة؟ فابتسم الأخ ابتسامة لطيفة جميلة وقال له: معنا الله! يا لها من معية جهلت الأمة قدرها وجلالها! نعم معهم من يدبر أمر الكون، تطلق أمريكا الصواريخ للتجسس، فتأتي جل الصور التي التقطتها أحدث وسائل التقنية مشوهة مشوشة! قرأت بنفسي لطيار أمريكي يقول: أصعد بطائرتي وقد حملت بالأسلحة، وأصعد بالهدف الذي أخذت، فحينما أصل إلى مكان الهدف لا أرى شيئاً! قد يكون ذلك فعل ربي وما ذلك عليه بعزيز. ثم بعد ذلك علمت أن إخواننا يضعون أهدافاً وهمية على الأرض؛ ليضربها الأمريكان، يضعون قاعدة كرتونية للدبابات، قاعدة للطيران، قاعدة للمدافع، وهي مصنعة من الكرتون، ويصعد هذا الطيار ويسقط عليها حمولة تزيد قيمتها على خمسة ملايين دولار؛ ليحرقوا مجموعة من الكرتون لا تصل قيمتها إلى دولار، وصدق العزيز الغفار: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36]. لا أريد أن أطيل أكثر من ذلك؛ فلقد مضى الوقت سريعاً، أسأل الله جل وعلا أن يقر أعيننا بنصرة هؤلاء المستضعفين في فلسطين وفي أفغانستان وفي الشيشان وفي كل مكان. وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

    1.   

    من رحم الليل ينبثق نور الصبح

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين. أما بعد: فأخيراً أيها الأحبة، ومن رحم الليل يولد نور الصبح، لابد أن يشرق ضوء الفجر، وإن أشد ساعات الليل سواداً هي الساعة التي يأتي بعدها ضوء الفجر مباشرة، ولقد اشتد الظلام واستحكمت حلقاته، اشتد الظلم واشتد الكرب، وكلما اشتد الظلام استبشرنا بنور الصبح وبإشراقة الفجر بموعود الله جل جلاله. تدبر معي هذا الخبر، وفكر فيه جيداً، فلقد ذكرت في أول هذه الأزمة أنني ألمح فيها خيراً كبيراً، وهأنذا أؤكد لحضراتكم الآن ما ذكرت، فحينما ذكرت ذلك لم أذكره من باب الأحلام الوردية، ولا من باب السياسة الجاهلة القاصرة، ولا حتى من باب التنبؤ بالغيب، ولكن من خلال فهمي لقرآن الله وسنة الحبيب رسول الله؛ قلت: لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [النور:11]، خذ الخبر: رفع تقرير في غاية الخطورة للبيت الأبيض يقول: بأنه من تاريخ (11 سبتمبر) وهو يوم الأحداث إلى تاريخ (12 أكتوبر) أسلم في أمريكا ثلاثة آلاف من الأمريكان! هل تصدق مثل هذا الرقم في شهر؟! ألم أقل: لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [النور:11]؟ قد ينظر بعضنا إلى الأمور نظرة ضيقة؛ فيقع في الإحباط واليأس، لكن لو نظرت إلى الحدث نظرة شمولية واسعة من خلال فهمك لآيات الله والسنن الربانية التي أودعها الله كونه، للمحت من وراء كل حدث خيراً عظيماً، وإن غاب عنك فإن الحكمة ما غابت عن الحكيم الخبير. لو تجمعت الأمة بكل ما تملك من طاقة إعلامية ودعوية لتبلغ الإسلام في الأرض كما شاء الله وقدر في مثل هذا الحدث ما استطاعت، زعماء الغرب: بوش، رئيس وزراء إيطاليا، حتى بوتن في روسيا؛ الكل تحدث عن الإسلام، وعن سماحة الإسلام، وعن أخلاق الإسلام، فسمع الكثيرون من الغربيين ولأول مرة كلمة الإسلام، وشيئاً من الصورة الحقيقية للإسلام، فدخل هذا العدد الضخم بكل المقاييس الإسلام في شهر واحد، لماذا؟ لأن الجهات الأمنية في أمريكا أمرت الجهات والمراكز الإسلامية والمساجد أن تتحرك؛ لتظهر الصورة المشرقة الحقيقية للإسلام، فتحركت كل الجمعيات التي قيدها اليهود قبل ذلك؛ تحركت بأمر من الجهات الأمنية أو إن شئت فقل: بتقدير من خالق البشرية جل جلاله، فكانت النتيجة أن يسلم ما يزيد على ثلاثة آلاف رجل وامرأة من الأمريكان أنفسهم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756691725