إسلام ويب

قواعد تنفع طالب العلمللشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ينبغي لطالب العلم أن يكون رفيقاً بالناس خاصة في المسائل التي لم يرد في تحريمها نص شرعي، وأن يترك العمل بالراجح أحياناً إذا وجد أن هناك مصلحة عظيمة ستتحقق، وأن يعرف الأسباب التي جعلت الأئمة العظام يخالفون بعض السنن أحياناً ليعتذر لهم، وأن يتدرج في طلب العلم بجد واجتهاد.

    1.   

    قواعد مهمة لطالب العلم

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    أما بعد: أيها المشاهدون الكرام! أيتها المشاهدات الكريمات! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. طابت أوقاتكم بالخير والمسرات.

    أهلاً ومرحباً بكم أيها المشاهدون الكرام مع حلقة جديدة من حلقات هذا البرنامج, والتي تأتيكم عبر فضائية قناة المجد العلمية، نسعد وإياكم أيها الإخوة والأخوات بصحبة صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي الأستاذ المساعد في المعهد العالي للقضاء.

    باسمكم أيها الإخوة والأخوات! نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور.

    أهلاً ومرحباً بكم فضيلة الشيخ!

    الشيخ: حياكم الله وحيا الله الإخوة المستمعين والمستمعات.

    المقدم: أسأل المولى الكريم سبحانه وتعالى أن يجزيكم عنا خير الجزاء, وأن يجعل ما تقدمونه في ميزان حسناتكم.

    المجال فضيلة الدكتور مفتوح لكم على بركة الله تعالى نبدأ حلقة هذا اليوم بعد الترحيب بالإخوة ودعوتهم للتواصل معنا, وذلك من خلال الأرقام الهاتفية، والموقع الإلكتروني الذي يظهر أمامكم على الشاشة.

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

    اللهم إنا نعوذ بك أن نضل أو نضل، أو نزل أو نزل, أو نظلم أو نظلم، أو نجهل أو يجهل علينا، اللهم اجعلنا للمتقين إماماً، وبعد:

    أحبتي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الدرس وهو الدرس الأخير لشرح عمدة الفقه من كتاب الحج أن يكون خاتمة خير وبركة، وصلاح في ديننا ودنيانا، وأن ينفعنا بما سمعنا، وأن يجعل ما علمنا وتعلمنا حجة لنا لا علينا, إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.

    وقد تحدثنا -أخي العزيز- في درس سابق عن بعض القواعد التي ينبغي لطالب العلم أن يراعيها حق الرعاية، وذكرنا طريقة الطلب، واهتمام طالب العلم بمسألة تعظيم النص، وأنه يجب على طالب العلم أن يعظم النص، وأشرنا إلى أمثلة كثيرة من الأخطاء التي قد يرتكبها طالب العلم في سيره في طلب العلم.

    ولعلي في هذه الجلسة أتحدث عن بعض القواعد، أو بعض النقاط، أو بعض الأشياء التي ينبغي لطالب العلم والسالك في التفقه في الدين أن يراعيها، وأن يهتم بها.

    وهذه القواعد تحدث عنها أهل العلم فليست ببدعة من القول, بل قد تحدثوا فيها وأطنبوا، وكل من قرأ كتب أبي العباس ابن تيمية أو كتب القرافي خاصة كتابه العظيم: الفروق, أو الموافقات للشاطبي سيجد أنهم قد أشاروا إلى شيء من هذا الأمر. ‏

    مراعاة الناس والرفق بهم في كل ما لم يرد في تحريمه نص شرعي

    من القواعد: مراعاة حاجة الناس والرفق بهم في كل ما لم يرد نص شرعي من كتاب أو سنة في تحريمه.

    فالأصل فيه هو أن يخفف على الناس؛ لأنك تجد في بعض كتب الفقهاء أن كل واحد منهم قد تعصب لإمامه.

    فالإمام الكبير مثل الإمام أبي حنيفة أو الإمام مالك أو الإمام الشافعي أو الإمام أحمد , ربما ذكر حكماً شرعياً وخفيت عليه سنة، كما قال غير واحد من أهل العلم: وما من إمام من أئمة الإسلام إلا وقد خفيت عليه سنة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن تيمية رحمه الله وغيره, فتجد أن المقلد لهذا الإمام من أصحاب المذاهب تأتيه هذه السنة من قبل مذهب آخر، ويطلع عليها, فيحاول أن يذكر بعض التقييدات لكي يبقي الحكم الذي قال به إمامه.

    ونحن نقول: كل ما لم يرد نص شرعي من كتاب أو سنة في تحريمه فالأصل فيه أن يخفف على الناس، وأن يرفق بهم.

    وأذكر من ذلك ما ذكره ابن تيمية رحمه الله في مسألة المزارعة والمساقاة، وأن أكثر الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية وبعض الحنابلة حرموه وحاولوا أن يبرروا بعض التصرفات التي يعملها الناس؛ هل هي إجارة على المساقاة على الزرع, أو إجارة على الأرض؟ فحاولوا أن يقولوا: إجارة على الأرض ودخلت الزروع تبعاً، ولا يستطيعون أن يستقلوها؛ لأنها دخلت في بعض القضايا.

    فيقول ابن تيمية رحمه الله عندما ذكر ذلك: والقول الثاني هو جواز ذلك وهو قول أكثر السلف وهو فعل عمر ، ثم قال: وكلما احتاج الناس إلى معاملة من المعاملات فيما يحتاجون إليه مما لم يرد نص شرعي في تحريمه فالأصل فيه أن يخفف على الناس، ثم قال: وكل من تقيد ببعض الضوابط التي لم يرد نص شرعي من كتاب أو سنة في وجودها تجد أنه يتأول بعض النصوص حتى يطبق هذا الأمر.

    ولهذا نقول: الأصل مراعاة حاجة الناس فيما لم يرد نص شرعي من كتاب أو سنة في تحريم ذلك.

    ولعل من أمثلة ذلك ما يحفظه السامعون خلف الشاشة, وما يحفظه كثير من الطلبة قصة حديث عائشة كما في الصحيحين لـعائشة : ( لولا حدثان قومك بالكفر لرأيت أن أجعل للبيت بابين: باب يدخل منه, وباب يخرج منه، ولكن أجد أن قلوبهم ربما تجد في ذلك )، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فتجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك هذا من باب الحاجة، وهي التأليف.

    وأمر آخر: أن الرسول صلى الله عليه وسلم في قصة أصحاب العرية احتاجوا إلى أكل الرطب وليس عندهم إلا التمر، فرخص لهؤلاء بعض التعاملات لأجل أنه يشق عليهم أن يروا الناس يأكلون الرطب وهم لا يأكلونها.

    يقول أهل العلم: وينبغي أن تقيد الرخص والحاجة بضوابط منها: أن لا يرد نص شرعي في التحريم، فإذا جاء النص قلنا: إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، فلا حاجة بنا إلى أن نتأول النصوص بدعوى أنها حاجة للأمة, ولا تقوم قائمة الأمة إلا بها، ونحن لو لم نتدخل لتركها أهل الخير، فمثل هذه الكلمات ربما تفقد النص روحه الشرعي.

    جواز العمل بالقول المرجوح في المسائل العملية رعاية لمصلحة أعظم

    القاعدة الثانية: ذكر أهل العلم جواز العمل بالقول المرجوح أو المفضول في المسائل العملية، مثل: الصلاة، وغيرها من العبادات العملية، رعاية لمصلحة أعظم.

    ولعلي أذكر من ذلك، أنك تجد بعض طلبة العلم ربما يكون إمام مسجد، وفي مسجده أناس ربما تمذهبوا بمذهب غير المذهب الذي تمذهب به, أو أن في مسجدهم رجالاً كباراً في السن لم يعتادوا بعض السنن التي ربما لو فعلها طالب العلم لأثارت ضجة.

    فيقول أهل العلم: إنه يعمل بالعمل المفضول رعاية لمصلحة الجماعة، وإن كان العمل بالمفضول مرجوحاً، ولكن لرعاية ما هو أعظم من ذلك، إلا إذا كان هذا الإمام يقتدى بفعله، وكان له قدم في العلم، والناس يقتدون به، ولا يحدث شغب في مخالفة الناس فحينئذ نقول: يجب أن تحيي هذه السنن, يعني: الوجوب السلوكي لا الوجوب الشرعي, بمعنى: أنه ينبغي لك أن لا تخالف هذا الأمر، بحيث تطبق السنة فيعتاد الناس هذه السنة؛ لأجل أنك إمام يقتدى بفعلك.

    المقدم: جميل، وهذا ليس مسوغاً أن الإنسان مثلاً يراعي جميع المأمومين.

    الشيخ: بالجملة.

    المقدم: نعم, أحياناً الإنسان يأمل أن يراعي وضعهم، وكذلك يعمل على إحياء مثل هذه السنة.

    الشيخ: جميل! وهذا لا يعني أنه يترك السنة، ولكن مرة تلو مرة، بحيث يحبب إليهم السنة، ولقد جاء في الأثر: ( خير الناس من حبب الخلق إلى الله، وحبب الله إلى خلقه )، يعني: بحيث يحب الناس هذه السنة.

    أذكر مثالاً على هذا: ما ذكره ابن تيمية رحمه الله في المجلد الثاني والعشرين, فقد ذكر أن الإمام أحمد رحمه الله استحب القنوت في صلاة الوتر، قال: ولو أم إمام قوماً لا يرون القنوت في الوتر -مع أنه يرى ذلك- قال: أرى أنه لا يقنت بهم؛ رعاية لمصلحة الجماعة.

    ولا يعني أن ذلك إبطال للنص حاشا وكلا، ولكنك لو تأملت لوجدت أمامك مصلحتين: مصلحة تأليف قلوب الناس وتحبيبهم إلى الخير, ومصلحة تطبيق السنة المستحبة وليست الواجبة، وهناك فرق. فينظر إذا كانت هذه السنة سوف تبطل البتة فنقول: لا, ينبغي أن تراعى هذه المصلحة، لكن إذا كان الإنسان يقول: لا, أنا سوف أفعلها. أولاً: أتكلم بالكلام ولا أفعل بالفعل, ثم شيئاً فشيئاً حتى يعتادها الناس.

    نقول: هذا مطلب شرعي، بل إن ابن تيمية رحمه الله ذكر أنه جاءته رسالة من بعض طلاب العلم وقد اختلفوا في مسألة: هل المنافقون يرون الله سبحانه وتعالى في العرصات أو لا يرونه؟

    وهذه المسألة اختلف فيها السلف والخلف حتى إن بعض طلاب العلم اتهم البعض بالتكفير وعدمه، فـابن تيمية كتب رسالة في هذا الباب، يبين أهمية ائتلاف القلوب، واجتماع مصلحة الناس والاعتصام بالجماعة، ثم تكلم كلاماً طويلاً في هذا الأمر، وقال بعد ذلك: وأما هذه المسألة فقد تحدثنا فيها في غير ما كتاب من كتبنا فلتراجع، ولم يجب، والناس يريدون منه الإجابة؛ لأنه رأى أن من المصلحة عدم الإجابة.

    وهذا من العمل بالمرجوح؛ لأن بث العلم وعدم كتمانه مطلب شرعي، لكن كتمان هذا الأمر لأجل أنه يثير بلبلة فيه مصلحة الجماعة.

    ولهذا قال علي بن أبي طالب : حدثوا الناس بما يعرفون, أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟!

    وقال ابن مسعود : ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تدركه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة.

    لا اجتهاد مع النص

    من القواعد التي أرى أنها من الأهمية لطالب العلم أنه قد يقول: نحن قرأنا كتب شرح العمدة, وسمعنا أقوال الأئمة, وأنت تحدثت عن أبي حنيفة الإمام الذي له أتباع كثير، وعن مالك الذي له أتباع كثير، وعن الشافعي وعن أحمد , فنلاحظ أنك أحياناً تذكر قول مالك و الشافعي أو أحمد وتأتي بالقول الآخر المخالف والدليل معه فكيف خالف هؤلاء الأئمة النص؟!

    وهذا يرد كثيراً جداً, نقول: إن الأئمة رحمهم الله حاشاهم كما قال ابن تيمية في المجلد الثامن عشر: ولا يكاد يوجد إمام من أئمة الإسلام خالف نصاً شرعياً يعلم ثبوته حتى أبو حنيفة؛ لأن بعض الناس يقولون: إن أبا حنيفة يخالف النص, يقول ابن تيمية : حتى إن الإمام أبا حنيفة ليخالف القياس لأجل أثر عن ابن مسعود ، فهو يرى أن اتباع الصحابي أولى من الأخذ بالقياس، قال: فإذا كان ذلك في صحابي؛ فكيف بمحمد صلى الله عليه وسلم؟!

    ولهذا قرر ابن تيمية هذا الأمر وألف كتابه العظيم: رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ثم تجد بعض طلاب العلم حينما يذكر مسألة يقول: والعجب أن مالكاً بلا لفظ: الإمام مالك أو أحمد أو الشافعي أو أبا حنيفة تركوا الدليل, والدليل واضح في هذا المسألة, ولا اجتهاد مع النص.

    وهذه القاعدة: لا اجتهاد مع النص ينبغي أن تكون مفهومة بطريقتها الصحيحة، فلا اجتهاد مع النص شيء, ولا اجتهاد مع فهم النص شيء آخر، بل إننا نقول: المعنى الثاني خطأ، فإن الاجتهاد في فهم النص أولى لكن الاجتهاد مع النص ما وجد إمام من أئمة الإسلام يخالف النص بحجة الاجتهاد.

    فـمالك رحمه الله حينما جاءه حديث: ( من صام رمضان ثم أتبعة ستاً من شوال ) لم يعمل به، مع أن الحديث صحيح، لا لأنه حديث صحيح وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله، حاشاه رحمه الله، ولكنه رأى أن عمل أهل المدينة -وهم أكثر الصحابة- تركوه فقال: تركهم لهذا الأمر دليل أن بعض الرواة ربما زاد هذه اللفظة، أو ربما ذكر ذلك عن صحابي فرفعها الراوي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتركها مالك من باب أن الصحابة لا يجمعون على ترك الخير.

    وهذا اجتهاد من مالك رحمه الله.

    لكن ينبغي أن تعرف أن الأئمة ما تركوا النص؛ لأنه نص ثابت عندهم، حاشاهم, لكنهم رأوا أن فهم النص يختلف من إمام إلى إمام آخر.

    وعلى هذا فنقول: لا اجتهاد مع النص معناه: لا اجتهاد مع نص ثابت توفرت فيه شروطه وأركانه؛ ولهذا تجد بعض الناس -حتى بعض الذين ربما ليس لهم قدم صدق في العلم- يقولون: لا بأس بتبرج المرأة؛ لأن المجتمع الآن لا بد له منه, ولأن العالم أصبح قرية واحدة, فلا بد للمرأة أن تكشف وجهها وشعرها وأن تختلط؛ فهذه حاجة لا بد منها، والصحابة كانوا في عهدهم على طريقة معينة واعتبارات معينة، وتقاليد معينة.

    أقول: أعوذ بالله, هذا هو الذي يقال فيه: لا اجتهاد مع النص.

    وتجدهم يقولون: عمر بن الخطاب ترك العمل بحكم مع أنه ثابت بالنص، يقول الله تعالى في كتابه: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا [المائدة:38]، فـعمر ترك القطع زمن الرمادة, وترك إخراج زكاة المؤلفة قلوبهم وهي موجودة في القرآن!

    فنقول: هذا من الخلل في الفرق بين الاجتهاد مع النص، والاجتهاد في فهم النص.

    عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما كان له أن يترك نصاً شرعياً يعلم أن محمداً صلى الله عليه وسلم عمله، وهو الذي قال حينما استقبل الحجر: ( والله إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر, ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ثم قبله رضي الله عنه ).

    فـعمر رضي الله عنه إنما ترك قطع اليد في السرقة زمن الرمادة؛ لأنه رأى أن شروط السرقة لم تتوفر في ذلك الوقت. وشروط السرقة: أن يكون من حرزه، وأن يكون السارق غير مضطر ومكره. قال: فهؤلاء مضطرون مثلهم مثل من أكل الميتة في زمن خوف الهلكة.

    كذلك يقال: إن عمر بن الخطاب عندما منع إعطاء المؤلفة قلوبهم إنما منع ذلك: لأن ذلك كان في عهد ضعف الإسلام وعدم تمكنه من أعداء الدين, أما وقد قوي الإسلام وانتشر فإنه يجب أن يرعوي هؤلاء, وأن يدخلوا في الإسلام، وهذا اجتهاد من عمر رضي الله عنه, وهذه يسع فيها الخلاف، لكنه ليس فيه مصادمة لنص شرعي ثابت.

    المقدم: نعم, أحسنت وبارك الله فيك على هذه التنبيهات الطيبة.

    1.   

    الأسئلة

    أستأذنك في أن أستعرض مجموعة من الأسئلة عبر الموقع. ‏

    التدرج في طلب العلم

    السؤال: هذا الأخ سراج من الكويت، يقول: أحسن الله إليكم شيخنا الكريم، وبارك في علمكم.

    لقد استفدت كثيراً من فضيلتكم في هذا الفصل, وأرجو من فضيلتكم أن توضحوا لنا منهجاً نسير عليه لنستطيع بعد ذلك -بعون الله- الترجيح بين أقوال العلماء.

    ففي هذه الأيام ولله الحمد يتوفر لنا العلم، والوصول للعلماء بطرق ميسرة، لكن لا نعلم كيف سيكون الحال بعد فترة, فنود أن ترشدنا ولو بنبذة مختصرة عن كيفية تدرج فضيلتكم في تلقي العلم؟

    الجواب: أنا أرى أن أفضل طريقة لطالب العلم حتى يترقى في سلم الطلب هي: أن يأخذ متناً من متون العلم الذي يريد أن يبحثه، فإن كان في الفقه: يقرأ عمدة الفقه، أو زاد المستقنع إذا كان يريد أن يتمذهب على مذهب أحمد , أو كتاب المنهاج إن تمذهب على مذهب الشافعي ، أو مختصر سيدي خليل إن تمذهب على مذهب مالك ، أو كتاب الدر المختار إن تمذهب على مذهب أبي حنيفة .

    فيمسك هذا الكتاب, ثم بعد ذلك يقرأ باب الطهارة, فيقرؤه مرة تلو المرة، حتى يتمرس لسانه على عبارة الفقهاء، فإذا تمرس لسانه على عبارة الفقهاء قرأ عشر مرات, ثم يقفل هذا المتن البسيط وقد عرف شروطه بما ذكره المؤلف.

    ثم يفتح كتاباً لشرح هذا الباب، ويستحسن أن يكون هذا الشرح لإمام من أئمة الإسلام في هذا الزمان؛ حتى يفهم طالب العلم عبارة الأئمة بالأسلوب العصري الذي يعيشه، ثم إذا قرأ الشرح، وشروح علمائنا كثيرة فشروح شيخنا محمد موجودة في موقعه، وشروح شيخنا عبد العزيز بن باز موجودة في موقعه أيضاً, وموجود أيضاً في التسجيلات وغيرها كثير من شروح أئمة الإسلام.

    فإذا أخذ هذا الشرح وذكر الشارح كلام المؤلف والدليل عليه، حفظ طالب العلم دليل المذهب الذي يدرسه, فإذا فهم هذا الدليل، نظر قول شيخه، فإن قال: هذا الدليل ضعيف؛ لأن في سنده كذا, يحفظ هذا الإسناد؛ لأن طالب العلم أول الأمر يصعب عليه حفظ الرجال لكنه يترقى في طلب الحديث وطلب الحديث له طريقة أخرى, فيحفظ الإسناد بحيث إذا جاءه شخص آخر وقال له: يجب الوضوء من ألبان الإبل, يقول له: ما الدليل؟ فسيقول: الدليل ما رواه الإمام أحمد رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( توضئوا من ألبان الإبل )، فيقول له طالب العلم: هذا الحديث في إسناده ضعف؛ لأن في سنده الحجاج بن أرطأة و الحجاج بن أرطأة ضعيف ومدلس, هل عندك حديث غير هذا؟ فسيقول: ليس عندي إلا هذا.

    فأصبح طالب العلم عنده حجة، وحجة العلم بالفقه والحديث من أقوى الحجج, حتى قال الإمام الشافعي : أناظر كل أحد إلا أصحاب الحديث، ويعني بذلك أصحاب الحديث الذين يفهمون النص مع حفظه, هذه نقطة.

    النقطة الثانية: يتدرج, فإذا رأى قول أحد الأئمة المعتبرين أو شيخه الذي يدرس عليه يغاير قول الشرح يقيده ويقول: وقال الشيخ الفلاني كذا ويرجح قول شيخه ويكتبه, ويذكر دليله.

    وإن استمر طالب العلم في كتاب الطهارة على هذا النمط، أنا أجزم أنه بعد سنتين سوف تكون له ملكة فقهية، والملكة الفقهية تحتاج إلى مران, فيرجع مرة ثانية إلى هذا المتن, ثم ينظر أقوال الأئمة المحققين كـابن رجب كـابن حجر كـابن عبد البر كـابن تيمية كـابن القيم ، فيذكر هذه الأقوال ويذكر أدلتها, ثم يستمر في هذا الأمر، وإذا استمر طالباً بهذه الطريقة فسوف يكون بإذن الله إماماً يقتدى به وبأقواله ويكون قوله حجة.

    وهذه الطريقة تعطي طالب العلم عقلية استشكالية, وأنا أعجب حينما تجد بعض طلاب العلم إذا جاء طالب علم متميز في مجلس يقولون له: يا شيخ! نريدك أن تتحدث عن طلب العلم, فإذا تحدث تجدهم يتذكرون سؤالاً عنَّ لهم قبل ذلك فلا يسألون، وهذا من الأخطاء.

    وإذا رأيت طالب العلم لم تشكل عليه مسألة فاعلم أنه ليس بطالب علم.

    وفي بداية الطلب إذا كان هناك مسائل تشكل على طالب العلم، فلا بد أن يضع له كتيباً صغيراً, فأي مسألة صعبة يكتبها، حتى إذا وجد طالب علم ناقشه فيها.

    وأنا أحب لطالب العلم المبتدئ -ودعونا من العوام أو الطالب الذي دخل لتوه في الطلب- أنه لا يسأل مسألة إلا وقد قرأ فيها ولو في كتاب واحد، فإذا قرأ هذه المسألة ثم سأل شيخاً فأفتاه وعنده من المسائل ما لم يذكرها الشيخ أو العالم أو طالب العلم فإنه يناقشه بنحو ما قرأ؛ لأنه ربما يكون قد قرأ قراءة عكسية تعود عليه بالضرر، ومن كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه. فيقول: أنا قرأت في كذا كيت وكيت وكيت فما تقول؟

    وأذكر أن أحد الإخوة كان يحفظ من الأحاديث, ثم بلغه حديث في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في قصة الجهنمي الذي يخرج من النار قال فيقال: ( دخلوا بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه )، وفي رواية: ( لم يعملوا خيراً قط ).

    هذا الطالب ما فهم معنى: ( لم يعملوا خيراً قط )؟ فقال: كيف يدخل أحد الجنة من غير الشهادة, لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( لم يعملوا خيراً قط )، وخيراً هنا نكرة في سياق النفي، والنكرة في سياق النفي تعم, فكونهم يجوز لهم أن يدخلوا الجنة ولو لم يعملوا خيراً قط. مخالف للنص الشرعي الذي يقول الله فيه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، وقوله سبحانه: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ [المائدة:72].

    فهذه الطريقة إذا استمر بها طالب العلم بإذن الله سوف يكون طالب علم متمكناً, أو إماماً يقتدى به, وليعلم أن العلم مع المراس والتكرار منحة من الله سبحانه وتعالى يؤتيها من يشاء؛ ( ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ).

    الفرق بين الركن والواجب

    السؤال: أحسنت، بارك الله فيك! حياك الله!

    هذه ابنة الفاروق من السعودية تقول: فضيلة الشيخ أثابك الله, نود معرفة الفرق بين الركن والواجب؟

    الجواب: الركن والواجب كلاهما بعض الفقهاء يقول فيه تفصيلات, لكن أرى أن أفضل شيء هو أن يقال: كلاهما ثبتا بأمر, يعني: كل واحد منهما جاء النص بوجوبه, وزاد الركن أمراً آخر وهو ورود النص أنه إن ترك لم تصح العبادة، أما الواجب فلا, هذا الفرق الأول.

    الفرق الثاني: أن الركن داخل في ماهية العبادة, فلولا وجود الركن لما سميت عبادة في الشرع, فلا يسوغ أن نقول: صلاة من غير ركوع، ولا يسوغ أن نقول: صلاة من غير سجود, ومعلوم أن الركوع والسجود ثبت بالنص وجوبهما, كذلك سبحان ربي العظيم في الركوع، وسبحان ربي الأعلى في السجود ثبتا بالنص, ولكن هذا نص لم يدخل في ماهية العبادة، فسبحان ربي الأعلى، أو سبحان ربي العظيم، لم يدخل في ماهية العبادة, فجائز أن يصلي ويذكر الله من غير قول: سبحان ربي العظيم وهذا يدل على الفرق الثاني, وهو: أن الركن داخل في الماهية فلولاه لم تصح العبادة ولا تسوغ, أما الواجب فلا.

    الفرق الثالث: أن الواجب ثبت جبرانه بخلاف الركن, يعني: إذا كان للعبادة جبران مثل سجود السهو، أو دم لمن ترك واجباً في الحج فإن هذا يدل على وجوبه لا ركنيته؛ لأنه لو كان ركناً لم تصح العبادة إلا بفعله، هذه هي الفروق.

    أقسام الرخص

    السؤال: ما هي أقسام الرخص؟

    الجواب: أما مسألة الرخص؛ فقد تحدثنا أنها تنقسم إلى أقسام: رخصة مستحب عملها, ورخصة واجب عملها، ورخصة مباح عملها، فهي ثلاثة أقسام.

    الأول: الرخصة المستحب عملها: هي ما ثبت النص بكونها سنة. مثل: الفطر للصائم إذا سافر, فالمسافر إذا سافر الأفضل في حقه الفطر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ليس البر أن تصوموا في السفر )، وقوله لــحمزة بن عمرو كما في الصحيحين واللفظ لــمسلم : ( هي رخصة من الله, فمن أخذ بها فحسن, ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ).

    فقوله عليه الصلاة والسلام -بأبي هو وأمي-: ( من أخذ بها فحسن, ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ), من المعلوم في اللغة أن قوله: لا جناح أي: أن المباح, وأن الحسن أقرب إلى السنة من غيره.

    الثاني: الرخصة الواجبة, معلوم أن الإفطار في السفر رخصة؛ لأن الله يقول: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185], لكن إذا كان هذا الصوم في السفر سوف يعود عليه وعلى جماعة المسلمين بالضرر فيجب عليه أن يأخذ بالرخصة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري : ( حينما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغزو مكة قال: إنكم مصبحو عدوكم, والفطر أقوى لكم فأفطروا. قال أبو سعيد : فكانت عزمة ).

    الثالث: الرخصة المباحة: وهي ما جيء بها للتخفيف على الأمة, من ذلك ( فعل النبي في جمعه لأجل المطر, قيل: يا ابن عباس ! ما أراد بذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته ).

    ومن المعلوم أن الحرج فيه مشقة, لكن لا يلزم من أحب أن يأخذ بهذه المشقة المعتبرة في الشرع فإنه هو الأفضل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة : ( إن أجرك على قدر نصبك ).

    1.   

    أسئلة المتصلين

    المقدم: نعم, أحسنت وبارك الله فيك! دكتور معنا نايف من ... السلام عليكم أخ نايف.

    المتصل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

    المقدم: تفضل أخي الكريم!

    المتصل: حياك الله! كيف حالكم شيخ عبد الله.

    الشيخ: حياك الله يا شيخ نايف.

    المتصل: أحسن الله إليك! لدي عدد من الأسئلة؛ منها ما يتعلق بالعقيقة، ومنها ما يتعلق بالحج، فمن المسائل التي في العقيقة.

    السؤال الأول: إذا قيل: إن الأحاديث الواردة في التصدق بقيمة شعر المولود فضة ضعيفة هل يبطل حكمها للاستحباب؟ ومثل هذا حديث الأذان والإقامة في أذن المولود؟

    السؤال الثاني: في العقيقة، بعضهم جعل العقيقة مثل الأضحية تقسم أثلاثاً، ومثل هذا لـابن عمر و ابن مسعود رضي الله عنهم، فهل هذا الفعل له أصل وهو تقسيم العقيقة كالأضحية؟

    السؤال: ما هو دليل قول المؤلف يستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه, مع أن العلة من زيارة القبور أنها تذكر الآخرة والناس اليوم لا يمكنهم أصلاً الدخول إلى القبر والوقوف أمامه, فلا يبقى إلا مجرد السلام, والجمهور الذين قالوا في حديث أبي هريرة : ( ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي فأسلم عليه )، هذا حديث عام يشمل من كان واقفاً أمام القبر النبوي ومن كان بعيداً عنه، فما هو دليل الذين قالوا بالاستحباب؟

    السؤال: تحدثتم عن الركن اليماني وذكرتم قولاً أو أثراً فما هو؟

    المقدم: شكراً.

    المتصل: باقي سؤال أخير.

    المقدم: باختصار الله يحفظك.

    المقدم: شكراً جزيلاً أخي الكريم شكراً.

    معنا أم عبد الله من الإمارات. السلام عليكم. الأخت أم عبد الله.

    المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

    المتصل: جزاك الله خيراً يا شيخ، بالنسبة لطواف الوداع، يعني: لو تخيرت المرأة أن تطوف في وقت لا يكون فيه زحام، ولن يحين فيه وقت الصلاة, هل لها أن تجلس بعد ذلك ساعتين أو ثلاثاً إذا كان في الوقت متسع لتسمع درساً مثلاً في الحرم, ثم تغادر بعد ذلك، فهل عليها أن تعيد طواف الوداع, وإن لم تعد فهل عليها دم؟

    المقدم: طيب أم عبد الله الآن هي سوف تؤخر الطواف حتى تصلي، أو تطوف ثم تصلي.

    المتصل: لا، لا، تطوف في وقت يكون أقل زحاماً؟

    المقدم: يعني: تؤخر الطواف.

    المتصل: مثل: ساعتين ثلاث ساعات.

    المقدم: تؤخر أن تجلس ساعتين ثلاث ساعات ثم تطوف.

    المتصل: لا، تطوف قبل.

    المقدم: تطوف ثم تجلس؟

    المتصل: نعم، ثم تجلس، فهل لها إذا جلست وصلت أو استمعت لدرس تعيد طواف الوداع؟

    واستشكل علينا أمر يا شيخ جزاك الله خيراً بالنسبة لمن أتى منى في واحد ذي الحجة, هل يقصر الصلاة في أيام التشريق أم لا يقصر الصلاة؟

    حال الأحاديث الواردة في التصدق بوزن شعر المولود فضة والأذان والإقامة في أذنه

    المقدم: نعود لأسئلة الأخ الكريم نايف.

    الجواب: الأخ نايف يسأل عن الأحاديث الواردة في حلق الرأس والتصدق بثمنها، والحديث رواه البخاري وقد اختلف فيه: هل هو زيادة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر, أم أن هذا الزيادة مدرجة من كلام قتادة؟

    والبخاري رحمه الله قال: ويحلق رأسه ويسمى، وكأن البخاري أشار إلى أنها موصولة، وإذا ثبت أنها صحيحة فلا إشكال في سنيتها, وإذا قيل: إنها ضعيفة فإنها ليست بسنة, لكن لو فعلها فحسن؛ لأن الصحابة فعلوها.

    يقول ابن تيمية رحمه الله: ولا يكاد يفعل واحد من الصحابة أمراً فيقال: إنه بدعة فنقول: فعلها حسن وتركها حسن, وكذلك يقال في الأذان والإقامة في أذن المولود فحديث أبي رافع ضعيف: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن في الأذن اليمنى، وأقام في الأذن اليسرى ) ولكن لو فعل نقول: قد فعل الأولون، ومن ترك فقد ترك محمد صلى الله عليه وسلم والأولون، فإن فعل فحسن، لكن أن يقال: إنها سنة فلا. والأولى: أنه لا يفعلها الإنسان؛ لأن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يفعلها.

    حكم تقسيم العقيقة كالأضحية

    الجواب: أما مسألة تقسيم الأضحية كالعقيقة فبعض الفقهاء قال: العقيقة تقسم ثلاثاً وثبت ذلك عن ابن عمر وغيره، والحقيقة والأقرب: أن العقيقة تأخذ حكم الأضحية فيقال فيها هي كالأضحية؛ لأن الله يقول: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28]، وقال: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [الحج:36]، قالوا: فقسمت ثلاثة أقسام فكذلك يقال في العقيقة.

    والأقرب والله أعلم: أن الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم إنما شرع العقيقة لأجل إراقة الدم، وإن تصدق بها فهذا خير كما قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الصدقة تطفئ غضب الرب ) ولكن لو صنع وليمة ودعا أهله وأقاربه وذبح شاتين للذكر وشاة للأنثى وزاد لا حرج في ذلك إن شاء الله, والله أعلم.

    دليل القائلين باستحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم بعد الحج

    الجواب: يقول: زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، تحدثنا عن هذا وتكلمنا فيه، المؤلف يقول: ويستحب زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الحج، استدلوا عليه بحديث عند الدارقطني وهو موضوع أو لا أصل له، وهو: ( من حج فلم يزرني فقد جفاني )، من حديث أبي هريرة , وهذا حديث باطل, ولم يصح حديث في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أحداً من أمته أن يزور قبره، ولم يكد أحد من أئمة الإسلام يقول ذلك، إنما قاله العز بن عبد السلام و الجويني وأشار إلى ذلك الغزالي فقالوا: جائز أن يزور. ثم جاء متأخرو المتأخرين فقالوا: يستحب.

    قال ابن تيمية رحمه الله -كما في المجلد السابع والعشرين- لم يرد عن أئمة الإسلام من الأئمة الأربعة أو من قبلهم في استحباب ذلك شيء، بل كره مالك قول زرت قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: لأنه حقيقة لم يزر قبره إنما زار الحجرة.

    على كل حال قول المؤلف: يستحب، بناء على هذا الحديث، وإلا فإنه لا يستحب، بل إنه لا يجوز أن يقصد الإنسان شد الرحل لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.

    أما مسألة السلام فلو شديت الرحل إلى زيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا بأس, وهل يستحب لي أن أسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم؟ نقول: كما قال ابن تيمية والإمام أحمد رحمة الله عليهم: إن فعل فقد فعل ابن عمر رضي الله عنه، فقد روى مالك رحمه الله أن ابن عمر كان إذا قدم من سفر ذهب واستقبل الحجرة التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: السلام عليك يا رسول الله! أشهد أنك قد بلغت, ثم يتقدم قليلاً ويقول: السلام عليك يا أبا بكر , ثم يتقدم قليلاً ويقول: السلام عليك يا عمر .

    وهذا فعل ابن عمر فعله على ملأ من الصحابة والتابعين, ولم ينكر عليه ذلك أحد, وقد نقل الإجماع على أن هذا من الجائز أو المستحب.

    استلام الركن اليماني في الطواف وذكر الأثر الوارد في ذلك

    الجواب: وأما هل في الركن اليماني سنة؟ ذكرنا أن السنة في الركن اليماني هي أن يستلمه إن استطاع لما روى الترمذي والإمام أحمد بسند جيد من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مسحهما يحط الخطايا حطاً )، وقال ابن عمر : ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتركهما في شدة ولا رخاء يعني: استلام الركنين )، أما أن يكبر حينما يستلم الركن اليماني, فنقول: هذا ورد عن ابن عمر وفي سنده ضعف, والله أعلم. أما إذا لم يستطع أن يستلم فلا يفعل شيئاً، ولا يقول شيئاً.

    الجمع بين إنكار ابن عباس على معاوية استلام جميع أركان البيت وفعله لذلك

    الجواب: الأخ نايف يقول: كيف ابن عباس يقول لـمعاوية حينما استلم معاوية الركنين المقابلين للحجر الأسود واليماني وقال له معاوية : لم يكن شيء من البيت مهجوراً, قال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]. ثم إن ابن عباس -كما عند عبد الرزاق- استلم أو جلس في الملتزم؟

    نقول: إن ابن عباس لعله بلغه سنة عن أحد من الصحابة الكبار, أو لأنه رأى أن ذلك كان يفعل على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو على عهد الصحابة الكبار ولم ينكروا فقال بذلك، ومما يدل على أنه كان يعمل: اختلاف الصحابة في نفس هذه المسألة.

    فحينما فعل معاوية لم يكن ابن عباس قد رأى كبار الصحابة يفعلونه، وحينما فعل بالملتزم؛ لأنه رأى الناس يفعلونه والصحابة لا ينكرون ذلك.

    ما يلزم من بقي في مكة بعد طواف الوداع

    المقدم: الأخت أم عبد الله من الإمارات لها سؤال عن حكم من بقي في مكة بعد طواف الوداع؟

    الجواب: إذا طاف الإنسان للوداع فإذا بقي بقاء من كان حاله الإقامة، مثل: أن يذهب إلى وليمة، أو يجلس في حديث، أو يستمع إلى دروس ويطيل في ذلك فنقول: عليه أن يعيد طواف الوداع، أما إذا كان قد انتهى وهو ينتظر رفقة فقال: أجلس أستمع العلم، أو أجلس أتسنن حتى تجتمع الرفقة, فحينئذ نقول: بقاؤه لأجل حاجة فلا حرج في ذلك.

    المقدم: الزحام يا شيخ؟

    الشيخ: والزحام كذلك لها أن تبقى، إذا كان هناك زحام وتخشى على نفسها فلا بأس بذلك إن شاء الله؛ لأنه خارج عن إرادتها.

    قصر الصلاة لمن أتى منى في أول أيام ذي الحجة واستمر إلى أيام التشريق

    الجواب: من أتى منى في اليوم الأول من شهر ذي الحجة هل يقصر؟ نقول: نعم يقصر, هذا هو الأقرب -والله أعلم- أن المسافر يقصر أبداً حتى يرجع، ما لم يعزم على إقامة, فالذين يسافرون للدراسة عزموا على الإقامة فحينئذ يتمون، والذي ذهب للانتداب ليقضي حاجة مثل الموظفين الذين يذهبون من الرياض إلى جدة لإنجاز عمل فنقول: هؤلاء يقصرون حتى يرجعوا ما لم يعزموا إقامة, والله أعلم.

    مراجع لطلاب الأكاديمية في ترجيح الأقوال في مسائل الحج

    السؤال: الأخت منال من السعودية تقول: جزاكم الله خيراً! نود من فضيلة الشيخ أن يوجهنا نحن طالبات وطلاب الأكاديمية الإسلامية وخاصة طلاب الفقه أن يوجهنا إلى المرجع الذي نرجع إليه في ترجيح الأقوال في مسائل الحج التي يذكرها الشيخ بأدلتها ليسهل علينا معرفة الأقوال الراجحة ومراجعتها؟

    الجواب: الحمد لله, جزى الله الإخوة القائمين على الأكاديمية هذه فلا يكاد يوجد شرح لدروسنا كلها إلا وقد كتبت كاملة, فأنا أنصح الإخوة والأخوات بمراجعة هذا في نفس الأكاديمية الإسلامية, وينظرون إلى قول المؤلف وكلامنا على قول المؤلف ودليله, ثم يرجعون إلى الراجح، لأني أذكر الأقوال ثم أقول: والراجح، والله أعلم، فيأخذ القول الراجح، ويقول الشاعر:

    ولابد دون الشهد من إبر النحل

    ومن طلب العلا سهر الليالي

    بيع أو إهداء جلد الأضحية

    السؤال: أحسنت وبارك الله فيك! الأخ نبيل إبراهيم السيد حجازي من السعودية يقول: جاء في الشرح سلمكم الله: أن المضحي لا يحق له أن يبيع جلد الذبيحة، ويمكن أن يهديه، وما يجري حالياً أن كثيراً من الناس يذبحون في المجزر وعند القصابين، ويستحيون من أخذ جلد الذبيحة ويتركونه عند القصاب، وأيضاً لأن الكثير منهم لا يعرف كيف يتصرف في هذا الجلد فما العمل؟ وماذا على من فعل ذلك من قبل، عالماً أو جاهلاً؟

    الجواب: لا يجوز للمضحي نفسه أن يبيع شيئاً من الأضحية، لكن لو بقي الجلد للجزارين صار كأنه أهدي إليهم، والجزار حينئذ له أن يتصرف فيه فليس على المضحي شيء إن شاء الله.

    لكن إذا كان سيبقى الجلد للجزار مقابل خفض الأجرة فهذا لا يجوز؛ لقول علي بن أبي طالب : ( وأمرني أن لا أعطي الجزار منها شيئاً )، وقال: نحن نعطيه من عندنا؛ لأنه إن أعطاه لأجل فقره، أو هدية من عنده فلا حرج, لكن تبقى أجرة الجزار متعينة.

    بيان أجر الملبية

    السؤال: أحسنت وبارك الله فيك! الأخت فاطمة من الإمارات تسأل وتقول: السؤال الأول: ذكرتم -حفظكم الله- أن الملبي يرفع صوته بالتلبية فيشهد له الشجر والحجر والمدر كما جاء في الحديث, والمرأة مأمورة بخفض صوتها؛ فهل يكون لها هذا الفضل أيضاً فيشهد لها الحجر والشجر والمدر؟

    الجواب: قُلْ لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا [الإسراء:100]، يرجى لها ذلك إن شاء الله، ما أمر الله سبحانه وتعالى الذكر بأمر وترك المرأة إلا وقد ادخر للمرأة مثله أو أعظم, والله أعلم.

    نقطة مهمة كثير من الأخوات يقلن: تأتي أحاديث فيها فضل للرجل دون المرأة مثل: ( من صلى في جماعة فهو في ذمة الله )، وحديث آخر: ( صلاة الجماعة تعدل صلاة أحدكم بسبع وعشرين درجة )، فيقلن: هذه للرجال وليس لنا ذلك؟!

    فأقول: الله سبحانه وتعالى حكيم، فهو حينما ذكر للرجال هذا الفضل قد أوجب عليهم واجبات أشق من الواجبات التي أوجبها على المرأة، وهو سبحانه وتعالى بعدله وكرمه وفضله ومنته حينما يحاسب الذكر لا يحاسب مثله الأنثى, فالأنثى لها تكاليف إذا طبقت هذا التكاليف وصلت إلى مرتبة مثل مرتبة الرجل أو أعظم.

    وكذلك الرجل إذا أدى هذه التكاليف فقد وصل في مرتبة مثل مرتبة المرأة أو أعظم؛ ولهذا نحن نعلم أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خير منا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( أطولكن يداً أسرعكن لحاقاً بي ) وهي مرافقة للنبي صلى الله عليه وسلم, وهذا يدل على أن أزواج النبي أرفع ممن جاء بعدهن من التابعين وغيرهم، أما الصحابة فعلى أفضلية بعضهم بعضاً فـأبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي , يقول ابن عمر : ثم نسكت.

    المقدم: نعم، أحسنت وبارك الله فيك، إلى هذا الحد نتوقف لفاصل قصير -أحبتي الكرام- ثم نعود بعده إليكم نسعد بمتابعتكم.

    مرة ثانية أهلاً ومرحباً بكم -أيها المشاهدون والمشاهدات- نكرر الترحيب بضيفنا الكريم صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي الأستاذ المساعد في المعهد العالي للقضاء أهلاً ومرحباً.

    الشيخ: حياكم الله.

    سقوط العمرة الواجبة عمن حج متمتعاً عند من قال بوجوب العمرة

    السؤال: هنا سؤال للأخت الكريمة فاطمة من الإمارات, تقول فيه: ذكرتم أن الراجح أن العمرة واجبة، فمن حج متمتعاً فهل تسقط عنه العمرة المستقلة في سفر آخر، أم يلزمه الإتيان بعمرة مستقلة في سفرة أخرى؟

    الجواب: الراجح -والله تبارك وتعالى أعلم- وهو قول الجمهور ممن أوجب العمرة، قالوا: إن العمرة في التمتع أو القران تسقط العمرة الواجبة في ذمة المكلف، وعلى هذا فلو تمتع فأخذ عمرة ثم حجة فقد سقط وجوب العمرة ووجوب الحج عنه، وكذلك لو صار قارناً سقط وجوب العمرة عنه ووجوب الحج, والله أعلم.

    من حلف أن لا يعمل عملاً معيناً في زمن معين ثم عمله في غيره

    السؤال: جميل, أحسنت وبارك الله فيك! ابنة الفاروق من السعودية تسأل وتقول: لو حلف الشخص أن لا يعمل عملاً معيناً, وحدد له يوماً ليقوم بعمله, ولكن بعد يوم أدى هذا العمل الذي حلف أن لا يعمله فماذا عليه؟ وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: إذا كان الإنسان قد حلف وفي نيته أن لا يعمله في نفس اليوم المعين فنقول: لا يخلو من أحوال: إما أن ينص على أنه لن يفعله في هذا اليوم، أو ينوي، فنقول: إذا نص أو نوى فإنه لا بأس بعد ذلك أن يفعله في غير هذا الزمان ولا حرج عليه في شيء، وأما إن قصد أن لا يعمله وطرأ على لسانه أن لا يعمله في هذا اليوم؛ لأنه معتاد عليه لكن لم يقصد نفس اليوم فنقول. عليه الكفارة.

    المقدم: جميل، لو قصد العمل واليوم؟

    الشيخ: إذا قصد العمل وذكر اليوم من باب سبق اللسان أو قال: والله لن أصوم، وقصده أنه يقول: والله لن أصوم يوم الخميس وقصده الصيام فنقول: يكفر، مثل: أن يقول: والله لن أروح معكم يوم الخميس، وعادتهم أن يذهبوا يوم الخميس، لكن في نيته أن لا يذهب معهم أبداً.

    فنقول: يوم الخميس جاء طارئ والعبرة بما في نيته.

    وعلى هذا فنقول للأخت: إذا قصدت هذا اليوم بالذات ثم عملت العمل قبل هذا اليوم أو بعده فلا حرج عليك في ذلك ولا تكفري, والله أعلم.

    الجمع بين إرادة النبي صلى الله عليه وسلم الذهاب إلى صفية للمبيت عندها وعدم معرفته بتحللها التحلل الثاني

    السؤال: أحسنت وبارك الله فيك! آخذ سؤالاً آخر من أسئلة الموقع، الأخ علاء من مصر يقول: فضيلة الشيخ! ذكرتم أن من أدلة ركنية طواف الإفاضة: حديث عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد من صفية ما يريد الرجل من امرأته, فأخبرته عائشة أنها حائض, فقال: أحابستنا هي، فأخبروه أنها قد أفاضت )، إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم أن صفية طافت الإفاضة أم لا؟ بدليل: قوله: ( أحابستنا هي )، فكيف يريدها مع أنه لم يكن يعلم أنها قد تحللت التحلل الثاني أم لا؟

    الجواب: هذا دليل على أن عائشة رضي الله عنها كانت فطنة في هذا الأمر، والرسول صلى الله عليه وسلم عندما يسافر كان يقسم بين نسائه، فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما أراد أن يذهب إلى صفية وكان هو عند عائشة , فإذا أراد أن يذهب إلى صفية في يومها؛ لأجل أنه يريد منها ما يريد الرجل من المرأة, ( فقالت عائشة : يا رسول الله! إنها قد حاضت )؛ لأن صفية ربما كانت قد سألت عائشة عن هذا، ( فقال الرسول: عقرى حلقى، أحابستنا هي؟ ) الرسول صلى الله عليه وسلم ظن أنها قد طافت، ولو ذهب إلى صفية وأخبرته أنها قد حاضت لم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ما هو محظور, حاشا نبينا عليه الصلاة والسلام.

    وعلى هذا فيقال: إن عائشة استعجلت هذا الخبر قبل معرفة النبي صلى الله عليه وسلم فظن النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي أنها حينما حاضت، حاضت مع عائشة ؛ لأن عائشة حاضت يوم الثالث فظن النبي صلى الله عليه وسلم أن صفية ما زالت حائضاً فقال: ( عقرى حلقى، أحابستنا هي؟! فلما قيل له: إنها قد أفاضت ثم حاضت, فقال: فللنفر إذاً )، فلا يريد أن يأتيها وهي حائض, ولا يريد أن يأتيها وهي لم تطف طواف الإفاضة.

    الأثر الوارد عن ابن مسعود في سنية السعي بين الصفا والمروة

    السؤال: أحسنت وبارك الله فيك الأخ علاء كذلك له سؤال آخر يقول: ذكرتم أن من أدلة القائلين بسنية السعي ما جاء في مصحف ابن مسعود , فهل ورد هذا بإسناد صحيح؟

    الجواب: الآية تقول: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158]، وفي مصحف ابن مسعود : (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَلاْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا)، وهذا الأثر عن ابن مسعود في سنده بعض الكلام، ولو صح فيقال فيه ما يقال في غيره: إن هذا ليس دليلاً على عدم الوجوب, وإن كانت الآية لم تدل على الوجوب فقد جاء دليل آخر لقوله صلى الله عليه وسلم لـأبي موسى : ( فطف بالبيت, واسع بين الصفا والمروة, وقصر )، وهذا أمر, والأمر يدل على الوجوب.

    وهناك رواية عند الإمام أحمد , وهو قول بعض الأحناف، وبعض المالكية، واختاره ابن تيمية أن السعي واجب في الحج والعمرة.

    السعي بين الصفا والمروة في العمرة

    السؤال: ما هو الراجح في حكم السعي في العمرة, هل هو سنه أم ركن؟ لقد ذكرتم أن الطحاوي نقل الإجماع على أنه سنة, بينما نقل ابن العربي المالكي الإجماع على أنه ركن, فما هو الصحيح؟

    الجواب: ذكرنا في الشرح هذا وقلت: وأغرب ابن العربي فذكر أن الخلاف إنما هو في وجوب السعي في الحج بدليل، قال: إنهم أجمعوا على ركنيته في العمرة.

    فقلت: انظر، هذا نقل الإجماع وخالفه إجماع آخر مضاد, وهو قول الطحاوي: إن السعي في العمرة سنة, والراجح -والله تبارك وتعالى أعلم-: أن السعي بين الصفا والمروة في الحج والعمرة واجب, والله أعلم.

    فرضية حج النفل عند الشروع فيه

    السؤال: أحسنت، وبارك الله فيك, يقول الأخ علاء من مصر: ذكرتم أن من فاته الوقوف بعرفة فلا يلزمه الحج من قابل إلا إذا كان في حجة الفريضة, والسؤال هو: أليس كل حج ولو كان حج نافلة يصبح فرضاً بالشروع فيه؟

    الجواب: أحسنت, سؤال جميل جداً، يقول الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، فيجب على المسلم أن يتم حجه أو عمرته, ولكن إذا لم يستطع أن يكمل حجه بسبب فوات عرفة فإنه يقلبها إلى عمرة, وقد أدى الواجب وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ [البقرة:196] فهو إن لم يحج فقد اعتمر, وهذا لا بأس به، بدليل أن الإنسان يلبي بالحج مفرداً، ويجوز أن يقلبه إلى عمرة، كما سبق, فكذلك هنا, والله أعلم.

    1.   

    تابع أسئلة المتصلين

    المقدم: أحسنت وبارك الله فيك! معنا اتصال أم همام من مكة السلام عليكم.

    المتصل: ألوه، السلام عليكم.

    المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله.

    السؤال: لو سمحت أريد أن أسأل أنا وزوجي كنا نشتغل في مشفى والدوام اثنتا عشرة ساعة, فنطرح النقالات إلى ثلاث ساعات بعد الثامنة مساءً, خدمتي حوالي ساعة ثم ذهبنا إلى مزدلفة ودخلناها قبل الساعة الثانية عشرة, وغادرناها بعد الساعة الثانية عشرة بوقت قليل, ثم توجهنا إلى منى ورمينا, فهل تعد حجة صحيحة، وهل علينا شيء؟

    السؤال: الله يحفظك يا شيخ! ويجزيك خير الجزاء، نحن نشكر الله عز وجل أن هيأ لنا مثلك في الاستدلال على الأحكام الفقهية، عندي مسألة في أصول الفقه، ربما تفيد في هذا الباب إفادة كثيرة نود من فضيلتكم بيانها بياناً فقهياً على طريقة الأصوليين، وهي مذهب الصحابي؟

    الجواب: بالنسبة لمذهب الصحابي من قول أو فعل، فله ثلاثة أحوال:

    إما أن يكون هذا القول من الصحابي، وإما سنة جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا لا إشكال فيه، فتكون سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومعها سنة الصحابي.

    وإما أن تأتي هذه السنة عن الصحابي مخالفة لسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم, فكيف نعتذر للصحابي الذي ورد عنه القول أو الفعل مخالفاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهذا كثير وأمثلته كثيرة، وأنا لا أود أن أطيل.

    الحال الثالثة: هو أن يأتي القول أو الفعل عن الصحابي، ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا القول أو الفعل سنة, فمذهب الصحابي هنا له حالان: إما أن يكون له مخالف من الصحابة, وإما أن لا يكون له مخالف من الصحابة.

    في الحال الأولى: إن لم يكن له مخالف من الصحابة, كيف يحقق أهل العلم أن هذا المذهب ليس له مخالف؟ وقد وجدنا كثيراً من أهل العلم قالوا عن كثير من مذاهب الصحابة: إن هذا لم يرد له مخالف، ولا نعرف له مخالفاً, وعند التحقيق والبحث نجد أن هذا الصحابي قد خالفه كثير من الصحابة، فماذا نفعل حتى نتحقق أن مذهب الصحابي في هذه المسألة التي لم يرد فيها سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا مخالف له؟ وهل إن ثبت أنه لا مخالف له يكون بمثابة الإجماع من الصحابة.

    ثم الحال الثانية: أن مذهب الصحابي إذا كان له مخالف فكيف نرجح بين قول هذا الصحابي والذي قاله, وما هي المعتمدات الأصولية عند الأصوليين في الترجيح بين مذهب هذا الصحابي وغيره؟ وجزاكم الله خيراً.

    المقدم: شكراً, جزاك الله خيراً, شكراً أخي الكريم. ‏

    وقوف الحاج بعرفة بعد غروب الشمس

    المقدم: نعود إلى أسئلة الأخت أم همام من مكة حيث أنها وصلت مزدلفة مع زوجها قبل الثانية عشرة وغادرتها بعد الثانية عشرة فهل عليها شيء؟

    الجواب: الأخت أم همام تقول: هي وزوجها جاءت إلى عرفة بعد الساعة الثامنة أي بعد غروب الشمس، وأجمع أهل العلم على أن من جاء بعد غروب الشمس إلى عرفة يجزئه أن يجلس بمقدار الوقوف المعتبر يعني ولو لحظة، فإذا خرج من عرفة إلى مزدلفة، وهي سألت تقول: جئنا وجلسنا إلى بعد الساعة الثانية عشرة، فنقول: وهو الأقرب والله أعلم, وهو مذهب الجمهور خلافاً لـأبي حنيفة حيث إنهم يقولون: إنه إلى بعد منتصف الليل, وعليه فلا حرج عليهما حينما خرجوا من مزدلفة إلى منى ورموا بعد منتصف الليل إن شاء الله.

    المقدم: لكن في الحجة الأولى ذكرت بأنها وصلت في الثانية عشرة وبقيت قليلاً.

    الشيخ: نعم, هذا لا بأس به.

    حج المرأة بدون زوجها

    السؤال: تقول: الحجة الثانية كانت كاملة لكنها لم تستأذن زوجها في ذلك، أو لم يرض زوجها عنها، فهل هي صحيحة؟

    الجواب: إذا ذهبت من غير إذن زوجها فهي آثمة في هذا الأمر، أما حجها فهو صحيح.

    الحج عن الميت

    الجواب: أما المسألة الثالثة: فهو الحج عن المتوفى نقول: كل من مات له ميت فإن كانا والديه كأب أو أم فإن الأفضل في حق الابن أو البنت أن يحج عن والديه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما عند الإمام أحمد وغيره من طريق وكيع بن عدس عن أبي رزين عن عمه أبي رزين العقيلي أنه قال: ( يا رسول الله! إن أبي مات ولم يحج أفأحج عنه؟ قال: حج عن أبيك واعتمر )، قال أهل العلم: في هذا دلالة على أن من البر أن يحج الإنسان عن أبيه أو عن أمه المتوفاة.

    أما عن المبيت في منى فإن كانوا قد سألوا شخصاً فأفتاهم أن المبيت في منى سنة فنقول: لا حرج في ذلك, وهذا الذي يقول فيه العلماء: الاجتهاد لا ينقض بمثله، أما إن كان إفراطاً وتفريطاً وتهاوناً ولم يبحثوا فنقول: ننظر فإن كان في مثل هذا الوقت يحدث زحام فيسقط في حقهما لأنه لا يكاد يجد مكاناً إلا إذا كان مع حملة.

    أما إن كان في مكان، ولكن ترك ولم يسأل فنقول: عليه دم, والله أعلم.

    أقسام قول وفعل الصحابي والحكم عليها

    الجواب: أما الأخ عبد الرحمن فقد ذكر تفصيلات لا حاجة لذكرها؛ لأنه يسلم في بعضها مثل لو وافق السنة فلا حرج، والإشكال عنده هو في مخالفة الصحابي السنة.

    والصحابي إذا خالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم فإن هذه المخالفة تنقسم إلى قسمين:

    القسم الأول: مخالفة ظاهرة، فنقول: هذا الصحابي لم يبلغه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يقبل قول الصحابي حينئذ وهذا أمثلته كثيرة، من ذلك:

    قصة ابن مسعود أنه كان يرى أنه إذا ركع الإنسان يطبق يديه بين فخذيه. وكذلك قصة ابن عمر أنهم كان في المزارعة يساقون على المذيانات يعني: يقول له: اسق الزرع وهو لي إذا نبت، فهذا فيه جهالة، فبقي ابن عمر على هذا أربعين سنة, لم تبلغه سنة النبي صلى الله عليه وسلم ثم علم بعد ذلك كان يقول: ( كنا نزارع على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فزعم أبو رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك )، فـابن عمر لم يتيقن لكن مع ذلك تركها من باب تعظيم حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

    القسم الثاني: مخالفة الصحابي إذا كان من باب تقييد المطلق أو تخصيص العام، فهذا كلام طويل ذكره الإمام الشاطبي رحمه الله، لكننا نقول: الأولى الأخذ بظاهر النص ولا عبرة بقول الصحابي؛ لأنه قيد النص مثل ما فعل ابن عمر في مسألة قبض اللحية فإنه كان يأخذ ما زاد على القبضة والرسول صلى الله عليه وسلم لم يأخذ من اللحية شيئاً.

    أما مسألة قول الصحابي إذا خالف قول صحابي آخر، فإن أحمد و الشافعي و مالكاً يقولون: ننظر إلى أقربهما إلى الكتاب والسنة فنأخذ به.

    رمي الجمار ليلاً

    السؤال: عندي مجموعة من الأسئلة هنا يا شيخ! ولم يبق معي إلا ثلاث دقائق فقط نأخذها باختصار إجاباتها.

    الأخت الكريمة هبه من الأردن تقول: بارك الله فيكم! ما حكم رمي الجمار ليلاً؟ وما هو القول الراجح: أقول الحنابلة أو الشافعية أم قول أبي حنيفة و مالك ؟

    الجواب: رمي الجمار ليلاً الصحيح -والله أعلم- هو قول مالك ومذهب الشافعي خلافاً للمشهور عند الحنابلة: أنه يجوز الرمي ليلاً؛ لما روى مالك في موطئه بسند صحيح أن ابن عمر قال لـصفية بنت أبي عبيد حينما نفست امرأة من قومها في مزدلفة, فجاءت يوم العيد بعد غروب الشمس قال: الآن حين قدمتما؟ قالت: نعم، قال: فارميا. فأمرهما أن يرميا بالليل, ولم يأمرهما بغير ذلك.

    ويقول عبد الرحمن بن سابط، كما عند ابن أبي شيبة بسند جيد: كانوا ينيخون إبلهم، ثم يدعونها ويرمون ليلاً، ويقصد بذلك الصحابة والعلم عند الله.

    واجب المتمتع إذا سعى سعياً واحداً للعمرة بناءً على فتوى بعض أهل العلم

    السؤال: أحسنت وبارك الله فيك! هذا الأخ جهاد من الجزائر يقول: ما هو الواجب على من كان متمتعاً وسعى سعياً واحداً للعمرة بناء على فتوى سمعها من بعض طلاب العلم؟

    الجواب: كل من تعامل بمعاملة، أو عمل عبادة، بناء على فتوى عالم أو إمام فما ترتب على ذلك لا حرج عليه فيه، ولا يلزمه شيء, والعلم عند الله.

    المقدم: شريطة أن يتحرى عن هذا العالم.

    الشيخ: نعم ينبغي أنه يسأل, لكن إذا قيل له: هذا هو مذهب فلان وذكر الدليل, والعامي قد لا يعرف الأدلة فحينئذ نقول: لا حرج عليه في ذلك, والعلم عند الله.

    الجمع بين أمر النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة أن تكتحل ونهي علي لها

    السؤال: أحسنت وبارك الله فيك! أم فيصل من السعودية تقول: بالنسبة للاكتحال ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه أمر فاطمة رضي الله عنها بأن تكتحل فأنكر عليها علي رضي الله عنه), وقالت عائشة رضي الله عنها: إنه ليس بمحرم، ولكنه مكروه، والنبي صلى الله عليه وسلم أمرها بذلك, فما الراجح؟

    الجواب: إن إنكار علي رضي الله عنه حينما رأى فاطمة رضي الله عنها قد تجملت، ولبست ثوباً صبيغاً وصنعت مثلما يصنع المحل, فأنكر علي ذلك.

    وإنكار علي يدل على أن الأولى عدم الاكتحال، وقول عائشة رضي الله عنها يدل على أنه ليس بمحرم, والعلم عند الله.

    من حج عن غيره قبل أن يحج حجة الإسلام

    السؤال: ما الراجح فيمن حج عن غيره ولم يحج عن نفسه بعد, وماذا يجب عليه؟

    الجواب: ذكرنا الخلاف وقلنا: مذهب الشافعي وأحمد أنه ينقلب إليه ابتداء، والقول الثاني: هو مذهب مالك وأبي حنيفة أنه: يصح مع الإثم، وهذا الأقرب، والعلم عند الله.

    من حاضت قبل طواف الإفاضة

    السؤال: نبيل إبراهيم حجازي من السعودية يقول: جاء في الشرح أن المرأة إن كانت حائضاً ولم تطف طواف الحج فإنه يمكنها أن تستذفر وتطوف وعليها دم؛ لأنها طافت على غير طهارة والطهارة واجبة للطواف, فماذا عليها إن كانت ملتزمة بحملة، وستغادر مباشرة، ولا يمكنها أن تذبح دماً قبل سفرها إلى بلدها، ولاسيما إن كانت خارج المملكة؟

    الجواب: نقول: المرأة لا تخلو من أحوال: إذا كان يسهل عليها الرجوع فيجب عليها أن تذهب وترجع، وإذا كان يشق عليها فإنها تستذفر، وتطوف بالبيت، وتذبح شاة، والذبح لا يلزم أن يكون في وقت الحج، فلو ذهبت إلى بلدها وأمرت أحد أقاربها أو المستودع الخيري القائم في العزيزية وأرسلت إليهم المبلغ فلا حرج في ذلك إن شاء الله.

    المقدم: أحسنت وبارك الله فيك! نحن في نهاية هذه الحلقة، أسأل المولى الكريم سبحانه وتعالى أن يجزيكم يا فضيلة الشيخ عبد الله! خير الجزاء عنا, وأن يبارك في علمك وعملك، إنه سميع قريب, وأن يجزيك عنا خير الجزاء.

    وأبلغ كذلك شكر الإخوة في الموقع والأخوات, ودعاءهم بأن يجزيك الله سبحانه وتعالى خيراً على ما قدمت في هذه الدروس المباركة.

    1.   

    نصيحة لطالب العلم

    الشيخ: اسمح لي إن كان ثمة كلمة أن أقول: أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل ما سمعنا حجة لنا لا علينا, وأن ينفعنا بما سمعنا في القول والعمل, وأنا حقيقة أشكر الإخوة والأخوات الذين تواصلوا معنا في هذا الدرس ولازموا هذا الدرس فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياهم الفقه في الدين، وأن يمنحنا وإياهم رضاه، والعمل بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والتقوى.

    وأنا نصيحتي لطالب العلم إذا أراد أن يكون طالب علم أن يتعب؛ فالعلم يريد صبراً.

    أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببيان

    ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وصحبة أستاذ وطول زمان

    فلا بد للإنسان أن يصبر, وأن لا يتعجل النتيجة, والنتيجة تحتاج صبراً وتأنياً.

    يقول ابن عباس وقد قيل له: بم حصلت العلم؟ قال: بقلب عقول, ولسان سؤول.

    أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما نسمع, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    المقدم: اللهم صل وسلم على نبينا محمد.

    شكر الله لكم فضيلة الشيخ! وشكر الله لكم أنتم أيها المشاهدون الكرام, وأنتم أيها المتابعون طلاب الأكاديمية الإسلامية، هذا التواصل، وهذا الحرص، أسأل الله المولى الكريم سبحانه وتعالى أن يبارك في هذا العلم الذي تلقيتموه في هذه الحلقات.

    وحتى الملتقى بكم إن شاء الله تعالى في حلقات قادمة, نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755835637