أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
فهيا بنا نصغي مستمعين إلى هذه الآيات من سورة سبأ المباركة الميمونة ثم نتدارسها، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ * وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:34-39].
مرة أخرى: إذا رأيت غنياً مترفاً في نعيمه فلا تفهم أن الله يحبه، وإنما أعطاه ذلك ليبتليه هل يشكر أم يكفر، وكذلك إذا رأيت فقيراً محتاجاً يسأل الناس القرص من العيش فلا تقل: إن هذا يبغضه الله، إنما هو الابتلاء والامتحان، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [سبأ:36] هذا، وإلى الآن يوجد المغترون والمترفون بالمال يظنون أن الله راض عنهم، إذ لو كان الله ساخطاً عليهم ما أعطاهم، وبالتالي يفهمون هذا الفهم، ولو أنكم جادلتموهم لقالوا لك هذا الكلام كما قالوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذه النظرية باطلة، ولذلك اسمعوا إلى قول الله فيها: قُلْ [سبأ:36]، يا رسولنا! إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ [سبأ:36]، أي: يوسع لمن يشاء، ويقدر [سبأ:36]، أي: ويضيق، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [سبأ:36]، ومشيئة الله -كما علمتم- إنما يعطيه لينظر هل يشكر المعطى أم يكفر؟ ويمنع ويضيق لينظر هل يصبر العبد المؤمن أم يجزع؟
وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا [سبأ:38]، لإبعاد الناس عنها ولتحريفها ولتبديلها، ولدعوة الناس إلى الانصراف عنها، مُعَاجِزِينَ [سبأ:38]، لنا في ذلك، أُوْلَئِكَ [سبأ:38]، البعداء، والأشقياء، فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ [سبأ:38]، والله ما يتخلف منهم واحد، إذ كلهم محضرون في جهنم والعياذ بالله.
فهذا هو معنى هذه الآيات، فهل القرآن يقرأ على الموتى يرحمكم الله؟! أسألكم بالله! لما تجتمعون على الميت وتقرءون عليه يقوم فيبكي ويتعظ؟! يصحح عقيدته؟ يلجأ إلى الله تعالى؟ والله ما كان، إذاً فكيف تقرءون القرآن على الموتى ولا تقرءونه على الأحياء؟! كم الآن حلقة في العالم يقرأ فيها كتاب الله تعالى؟ نادراً ما تجد، وقد مضت فترة من الزمن على الناس إذا سمعوك تقول: قال الله، فإنهم يغلقون آذانهم، إذ إنهم يخافون أن ينزل عليهم عذاب! فحرموا أمة الإسلام من كتاب الله، بل وأبعدوها عن كتاب ربها، وقالوا: إن تفسير القرآن صوابه خطأه وخطؤه كفر! ويدخلون مع هؤلاء الذين يصرفون عن آيات الله تعالى.
قال: [ ثانياً: بيان اغترار المترفين بما آتاهم الله من مال وولد ظانين أن ذلك من رضا الله تعالى عليهم ]، كما قد بينت لكم، فإلى الآن الأغنياء في كثير من أنحاء البلاد يظنون أنهم ما أغناهم الله إلا وكان هذا دليلاً على أن الله راض عنهم، ولو كان ساخطاً عليهم ما أعطاهم هذا المال وهذا السلطان والولد.
قال: [ ثالثاً: بيان الحكمة في التوسعة على بعض والتضييق على بعض، وأنها الامتحان والابتلاء، فلا تدل على حب الله ولا على بغضه للعبد ]، لا تدل التوسعة على العبد أنه مرضي عنه، ولا يدل التضييق عليه في المال أنه مسخوط عليه، بل الله يبتلي ويمتحن، فيمتحن بالمال لينظر هل صاحب هذا المال يشكر الله وينفق منه، ويبتلي بالفقر لينظر هل هذا العبد يصبر أو يضجر، وهذه هي الحكمة، لا على أنه يحب الأغنياء ويكره الفقراء، ولا أنه يحب الفقراء ويكره الأغنياء، فلا هذا ولا ذاك، وإنما الحب والبغض ثمرتهما الإيمان والعمل الصالح أو الشرك والذنوب والآثام.
قال: [ رابعاً: بيان ما يقرب إلى الله ويدني منه وهو الإيمان والعمل الصالح، ومن ذلك الإنفاق في سبيل الله لا كثرة المال والولد كما يظن المغرورون المفتونون بالمال والولد ]، بيان ما يقرب من الله تعالى ويدني منه، ألا وهو الإيمان والعمل الصالح، فإذا أردت أن تقرب من الله ويقربك منه، فآمن حق الإيمان واعمل الصالحات، وهي حال تقتضي البعد عن الشرك والمعاصي والذنوب والآثام، أما كثرة المال والولد فلا تدني ولا تبعد.
قال: [ خامساً: بيان حكم الله فيمن يحارب الإسلام ويريد إبطاله وأنه محضر في جهنم لا محالة ]، بيان حكم الله فيمن يحارب الإسلام وأهله، فيمن يحارب دعوة الله عز وجل، فإنه والله لمحضر في جهنم لا محالة والعياذ بالله تعالى.
قال: [ سادساً: بيان وعد الله تعالى بالخلف لكل من أنفق في سبيله مالاً ]، بيان وعد الله الصادق لمن أنفق في سبيله، فإن الله عز وجل يخلف عليه في الدنيا وينزله في المقام الأعلى في الجنة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر