أما بعد..
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله القائل في كتابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] وأعطانا الآمان النفسي والمعيشي في التقوى، فقال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] وأعطانا الضمان لذريتنا من بعدنا فقال: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً [النساء:9].
أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، رب العرش الواحد وكل العروش زائلة، ورب الكرسي الواحد وكل الكراسي حائلة، وحده نسبح بحمده الملك الحق المبين، أبرأ من الثقة إلا بك، ومن الأمل إلا فيك، ومن التسليم إلا لك، ومن التفويض إلا إليك، ومن التوكل إلا عليك، ومن الرضا إلا عنك، ومن الطلب إلا منك، ومن الذل إلا في طاعتك، ومن الصبر إلا على بابك، ومن الرجاء إلا لما في يديك الكريمتين، ومن الرهبة إلا لجلالك العظيم.
اللهم تتابع برك، واتصل خيرك، وكمل عطاؤك، وعمت فواضلك، وتمت نوافلك، وبر قسمك، وصدق وعدك، وحق على أعدائك وعيدك، ولم تبقَ حاجة لنا إلا قضيتها برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله.
أما جدار الصامتين من الذين يرفعون مشاريع السلام؛ فإنهم أرسلوا برقيات العزاء إلى آل صهيون، ويقولون: إنه لمجنون، وليس على المجنون حرج، وأما الشعوب المسلمة فقد تنفست واطمأنت أن هذه الأمة لا يزال فيها الخير إلى يوم القيامة.
أيها الأحبة: وبعده بأيام ارتقى عداء الجنون وانتقلت العدوى إلى رتبة أعلى، فالمصري كان جندياً، ولكن كان هناك ضابط تونسي ذهب إلى منتجع اليهود وهم يستحمون، وأطلق عليهم وابل الرصاص، وأردى منه قتيلاً، ولكن السلطات الرسمية لم تقل هذه المرة مجنوناً، وإنما جاءت بلفظة أقل درجة من المجنون، حتى لا يظهروا أنهم إمعات ومقلدين، فقالوا: به لوثة عقلية، المصري مجنون، والتونسي به لوثة عقلية.
أيها الأحبة الكرام: حدث هذا على أثر الهجوم الغادر الذي قام به اليهود على مقر الفلسطينيين في تونس، وهذه التهمة وجهت أيضاً إلى ضابط مصري مسلم لما كان اليهود يحتلون سيناء، خرج بدبابته في شوارع أرض مصر ، يطلق مدفعها ويصيح الله أكبر، الله أكبر! وأحاطت به الجنود، وألقوا القبض عليه؛ لأنه يعلم أن المرحلة القادمة مرحلة الكامب، وأولاد الكامب، ومرحلة مشاريع السلام مع أعداء السلام، فأعلنها مدوية بدبابته، فماذا قالت السلطات يومها؟ قالت: إنه لمجنون.
والنبي الثاني من أولوا العزم موسى عليه السلام لما وقف أمام الطاغوت فرعون، ودعاه إلى الله رب العالمين، قال فرعون ويقولها كل فرعون، ودرجة الفرعونية تتفاوت بين فرعون الأول وفرعون الأخير: قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [الشعراء:23-28].
وهنا يوجهها موسى إلى فرعون يضربه في عقله الغبي، إن كنتم تعقلون، وهنا يغضب الطاغوت كيف يقال له مجنون، فماذا قال؟ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ [الشعراء:29] وسليمان المصري الآن مسجون، يعرض للتعذيب والتحقيق، وأظنه سيقدم إلى إسرائيل، حتى يوزع لحمه مع بطاقة إلى ذوي المقتولين من اليهود لكي يعلقوه تذكاراً في غرفهم وعلى مكاتبهم.
والمتهم الثالث: محمد صلى الله عليه وسلم، إمام المرسلين وخاتم النبيين، يقول الله عنهم وعن عتاة قريش الذي يسمى أعقل واحد منهم في الأرض أبو الحكم ، ويسمى في السماء : وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ [القلم:52].
وتوجه هذه التهمة إلى جميع الأنبياء والرسل عبر سلسلة الدعوات إلى الله: كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [الذاريات:52-53] ما سر هذه التهمة التي توجه إلى أعقل الناس وأصدقهم وأوفاهم وأشجعهم عبر الدهور والعصور؟ هل وصى بها طاغوتٌ طاغوتاً آخر؟ هل هي وصية متوارثة يوصي بها السابق اللاحق، أم إن القضية ميراث طاغوتيٌ وملة الكفر واحدة؟ كلهم يعلمون حقيقة صدق وعقل الرسول، ولكنهم بمنطق الكفر الواحد يقولون لهم: مجانين.
جلس الواثق يمتحن الناس بخلق القرآن، وابتلي إمام أهل السنة الإمام أحمد وعذب، وضرب وجلد، واستدعي العلماء الصادقون من مشارق الأرض ومغاربها يصب عليهم العذاب صباً لقولوا: إن القرآن مخلوق.
القرآن كلام الله، والله متصف بالكلام، وصفته ليست مخلوقة، فهو خالق سبحانه لا إله إلا هو، ولكن يريدون أن يجعلوا كلام الله مخلوقاً، وبما أنه مخلوق تتاح لهم الفرصة للنقد والتجريح والتكذيب والفلسفة والاقتراح على كلام الله.
ولكن لم يؤدب الحاكم في ذلك الوقت إلا مجنون، دخل أحد المجانين على الحاكم العباسي وهو يجلد الناس، والمجنون يصيح: يا أمير المؤمنين! فرفع أمير المؤمنين رأسه، وأصاخ الناس في المجلس أسماعهم، قال: عظم الله أجرك في القرآن يا أمير المؤمنين! وتقبل الله عزاءك، قال: ويحك! ماذا تقول؟ قال: مات القرآن يا أمير المؤمنين! عظم الله أجرك! قال: القرآن يموت يا هذا؟! قال: نعم، ألم تقولوا: إنه مخلوق، وكل مخلوق يموت يا أمير المؤمنين، فضحك من في المجلس، وطأطأ الخليفة رأسه وهم أن يأخذه السياف، فقال من في المجلس: يا أمير المؤمنين! إنه مجنون وليس على المجنون حرج.
وهكذا يأتي المجانين العقلاء عبر التاريخ، ويظل العقلاء الذين تعرضهم الصحف ووزارة الإعلام، الذين سيكونون مجانين يوم القيامة ورب الكعبة.
كل العقلاء يظهرون في الصحف والجرائد والمجلات والإعلام وتسلط عليهم الأضواء، أنت يا فنان! أين اكتشفت نفسك؟ قال: في الحمام، وسلط عليه، نجم ساطع! النجم الساطع أذكى الناس، وأفهم الناس، وأعلم الناس، يعرف كل شيء، قد أحاط بكل شيء علماً، والرسول يسميهم الرويبضة، الرجل الجاهل الخامل الذي يقضي في أمر الأمة والعامة.
إن هؤلاء ماذا يقول الله عنهم؟ هؤلاء المرابون، الذين يأكلون الربا: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275] هذا أول مبعثهم، وكل الطواغيت مرابون، ومعظم أشياعهم وأتباعهم مرابون، أول ما يخرجون من قبورهم مجانين يتخبطون من المس.
وأما عندما يقفون عند أعظم زنزانة في الوجود جهنم، ماذا سيقول العقلاء؟ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:10-11] لو كنا نسمع أو نعقل؛ أنكروا السمع والعقل واعترفوا بالجنون وهم يقذفون في النار، أقول ذلك رحمةً بكم، قبل أن تقفوا هذا الموقف وتصيروا مجانين كـسليمان المصري ، وسليمان التونسي، وسليمان العباسي، وسليمان الأموي، وإلا فسيأتي عليكم يوم تعضون فيه أصابع الندم.
اللهم إنا نسألك نصرك المؤزر المبين لجندك وأوليائك المجاهدين، في كل أرض يذكر فيها اسم الله، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
أما بعد..
عباد الله: ما السر الذي جعل السلاطين يتهمون هؤلاء الأبطال بالجنون؟
السر الأول: خوف السلاطين على عروشهم، يتشبثون بها بجميع الوسائل الشرعية وغير الشرعية.
..... فأصبح الكرسي الآن يهتز، لو علم الناس والشعب بهذه الفضيحة لطالبوه بالاستقالة، فيصبح ديوثاً ولا يستقيل، فماذا قال؟ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ [يوسف:29] فقط هذا الذي قاله، ويقوله كل عزيز وصلت إليه عدوى مرض الإيدز السياسي، الذي يخاف بسبب هذا المرض على عرشه الصدئ المحاط بمسامير صدئة من البيت الأبيض أو البيت الأحمر: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ [يوسف:29] وأراد أن يستر الفضيحة، ولكن هيهات هيهات! وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [يوسف:30] المومسات يرينها في ضلال مبين، والعزيز لا يراها في ضلال مبين خوفاً على الكرسي، خوفاً على السياسة.
مرض الإيدز يتنقل من قرن إلى قرن، لما قالت السلطات: إن الجندي مجنون، ردت إسرائيل قائلة: كذبت الحكومة إنه من أتباع خالد إسلام بولي ، الله أكبر! خالد إسلام بولي في قبره وقبره مجهول، فقد دفنوه في ليل حتى أن أمه وأباه لا يعرفان مكان القبر.
ومع هذا إسرائيل بعابراتها وطائراتها وحولها البيت الأبيض، وحولها يهود العرب يحرسونها ما خافت من هؤلاء، وإنما خافت من ميت في قبره، اليهود ترتجف من تلميذ خالد إسلام بولي، وقالت: كذبت الحكومة، إن هذا الذي أطلق الرصاص من أتباع خالد إسلام بولي، لماذا؟ لأنه لما أفرغ رصاصه في اليهود وجن عليه الليل، أخذ يطلق طول الليل صيحة الله أكبر، الله أكبر! ذلك النداء الذي زلزل قلوب الروس في أفغانستان، وزلزل قلوب عتاة قريش في الفتح الأكبر، وزلزل الأكاسرة في القادسية الكبرى يوم أن أطلقها الجند أنشودة خالدة، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلا، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده.
الله أكبر! سمعتها يهود، فقالوا: إنه من أبناء وأحفاد وتلاميذ خالد إسلام بولي رحمة الله عليه، هذه أنشودة أقدمها إلى الشعب المصري، ليحفظها الأطفال ويرددوها في الشوارع، حتى إذا اعترضت السلطات قولوا: أطفال، كما أنهم يقولون مجانين:
يا محطم عرش العزيـز اللي يعدي بمرض الإيدز |
ويعزي أولاد صهيون ويسمي العاقل مجنون |
ويرفع مشروع السلام مع أعداء السلام |
والثعلب فات فـات وبذيله سابع أموات |
وبذيله سبع جنزات |
يا أبناء خالد إسلام بولي وخالد بن الوليد احفظوا هذه الأنشودة، ورددوها في شوارع مصر المسلمة التي لا تعدم الرجال أبداً، وأقضوا بها مضجع الطاغوت ولا تبالوا، فأنتم أطفال، التقوا بهذه الأنشودة مع أطفال الحجارة بـفلسطين، ورب حجارة أفتك من طيارة.
اللهم إنا نسألك مزيداً من هؤلاء المجانين، وأن تجعلهم حراساً للسلاطين، ثم يجنون وهم يحرسون لكي تتحرر أرض فلسطين، آمين يا رب العالمين.
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر