يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [الأنعام:134].
ثم أما بعد:
فإن الناظر في علاقات الصحابة رضي الله عنهم بين بعضهم مع بعض والمقارن لهذه العلاقات بعلاقات المسلمين في هذا الزمان يجد البون شاسعاً في أخلاقهم وسلوكهم وآدابهم ومعاملاتهم، فضلاً عن عقيدتهم، ولذلك أصيب المسلمون في هذا الزمان بما يسميه بعض أهل العلم بالفتور الشديد في العلاقة، مما أدى إلى إماتة الرابطة الإيمانية الأخوية الشرعية الإسلامية بين أبناء التيار الواحد، فتجد البرود والفتور قد ساد العلاقة بين الأخ وأخيه، وبين المرء وزوجه، وبين الوالد وأولاده، وبين الأولاد وآبائهم، ولم تعد العلاقة بينهم ترضي ربنا تبارك وتعالى، وسيحار المرء ولابد إذا سئل يوم القيامة عما كان بينه وبين بقية مجتمعه من العلاقات التي فرضها الله عز وجل على العباد من فوق سبع سماوات.
ولو نظرنا إلى العلاقة الإيمانية بين التيارات الإسلامية في الستينات والسبعينات لوجدنا البون شاسعاً بين ذلك الوقت ووقتنا هذا، فما بالكم بالصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين؟! وقد كان الواحد منا أيام أن كنا في الجامعة وقبلها في الإعدادية والثانوية إذا رأى أخاً له في طريق آخر قطع الطريق وانتظره حتى يسلم عليه ويصافحه، وأما الآن فإن الأخ يضرب أخاه بكتفه، وربما ينطحه بقرنه ورأسه ولا يلقي عليه السلام، ولابد لنا من السؤال هنا: لماذا بلغ المسلمون هذه المنزلة؟ أنجحت التيارات الإلحادية في بث العداوة بين أبناء التيارات الإسلامية؟ أم أن هذا هو البأس الشديد الذي ضرب بين هذه الأمة وفي قلوب أفرادها؟ أم هو الجهل بفضل السلام والأخوة الإيمانية؟ والإجابات كثيرة، والاختيار محير، والأولى أن نقول: لقد اجتمع كل ذلك في غياب العلم الشرعي عن أبناء هذه الأمة المباركة مما أدى إلى فساد قلوبها وتحير عقولها واضطرابها في معرفة الحق والباطل، حتى في الآداب الإسلامية التي فرضها الله عز وجل وفرضها رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام على أبناء هذه الدعوة، ولذلك قال الله عز وجل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، وقال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29].
فهل بيننا نحن اليوم رحمة؟ وهل نحن فعلاً وحقيقة أشداء على الكفار؟
الجواب: لا، فليس بيننا رحمة، ولا في قلوبنا عداوة على أبناء الكفر وملل الكفر.
وقال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12].
وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13]، أي: عليم بأحوالكم وبما في قلوبكم، وخبير بسرائركم، ولما كانت التقوى محلها القلب اختار الله عز وجل اسمان من أسمائه فقال: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13]؛ ليتناسب معرفة عملك الظاهر مع معرفة عملك القلبي الباطني، فإن أمرك مهما خفي لا يخفى على الله عز وجل؛ لأن الغيب والشهادة مشهودان لله عز وجل، وهما معلومان مكشوفان له عز وجل.
كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح سنته فقال: (دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة، لا أقول حالقة الشعر ولكنها حالقة الدين). فالحسد والبغضاء يحلقان دين المرء، فانتهوا عن الحسد الذي هو تمني زوال النعمة عن المنعم عليه وانتقالها عنه، ومن الحسد ما هو شر من ذلك، وهو تمني المرء زوال النعمة عن إخوانه وإن لم يبلغوا شيئاً منها، ويسعد هو ويفرح كل الفرح بزوال النعمة عنهم، ولو تعرى هو عن تلك النعمة، ويسعده ويبسطه ويفرحه أن يكون الكل مثله أو أقل منه، وهذا بلا شك ينبئ عن قلب مريض سيئ الحظ في الدنيا والآخرة، فالحسد والبغضاء ليسا من أخلاق أهل الإسلام.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (ولا تباغضوا) والبغض هو حمل القلب لكل شر وسوء تجاه المسلمين، فلا ينبغي أن يكون المسلم على هذا الخلق الذميم.
والأخلاق الحسنة إنما هي ميراث الصالحين، وسئل أحمد بن حنبل رضي الله تبارك وتعالى عنه ورحمه عن ميراثه، وعما يعتز به في دنياه، فقال: لقاء الإخوان.
لقاء الإخوان والحرص على مودتهم وصحبتهم هو ميراثكم، فاتقوا الله تبارك وتعالى، وحسنوا أخلاقكم فيما بينكم وبين الخلق أجمعين، وفيما بينكم وبين رب العالمين، ومع نسائكم في بيوتكم، ومع أولادكم، وعلموهم كتاب الله وسنة النبي عليه الصلاة والسلام، واحرصوا على أن يكونوا هداة مهديين.
وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح سنته أن العمل الصالح لا يرد، وأن صاحبه مأجور كل الأجر، فقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود : (إنما مكارم الأخلاق ميراث المؤمن). فمكارم الأخلاق مواريث المؤمنين، فحسنوا أخلاقكم مع كل من تقابلون، لا أن يكون شعارنا تعبيس الوجه والتكشير عن الأنياب عند اللقاء وإبداء كل السوء، فقد التقى النبي عليه الصلاة والسلام بصناديد الكفر والشرك وعبدة الأصنام والأوثان، ومع هذا هش عليه الصلاة والسلام في وجوههم ولقيهم أحسن لقاء، فهذا منافق طرق عليه الباب فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (من؟ فقال: فلان بن فلان، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: بئس أخو العشيرة، ثم أذن له بالدخول، قالت
والأخلاق الحسنة تدل على صاحبها، والأخلاق السيئة تدل كذلك على صاحبها، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه).
وقد سمعت أن أحد المسلمين ادعى أنه أحرص من إخوانه جميعاً على حب الله ورسوله، وعلى انتشار الدعوة بين أبناء الأمة الإسلامية شرقاً وغرباً، حتى بلغ به الأمر أن شهر السيف في وجه إخوانه؛ ادعاء وزعماً منه أنه يحب الله تعالى ورسوله، وأنه يدافع عن دين الله حتى آخر قطرة من دمه، وكذب ورب الكعبة، فإنما مثله كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من قال: هلك الناس فهو أهلَكَهم)، أي: هو تسبب في هلاكهم، وفي رواية أنه قال: (من قال: هلك الناس فهو أهلًكُهم)، أي: فهو أشدهم هلاكاً. فهذا الزاعم لا يخرج عن أحد هذين الشخصين، فإما أنه أشد الناس هلاكاً، وإما أنه هو الذي تسبب في هلاك الناس، ولا أرى إلا أن الله تعالى جمع له بين الأمرين، فعليه أن يتوب ويرجع، وإلا فليصل في بيته صلاة النساء، ويكف أذاه عن الناس، فإن هذا أكرم له، والنبي عليه الصلاة والسلام سن لمن لم يكن قادراً على أن ينفع إخوانه أن يمكث في بيته، وأن يكف عنهم أذاه، وذلك منه صدقة، فكف الأذى عن الناس وعن الخلق أولى ألف مرة من حضور صلاة الجماعة وإيذاء المسلمين من خلالها، وعامة الناس أبلغوا الجهات المسئولة أن فلاناً تهجم عليهم مرة بالضرب ومرة بالسب، ومرة باللعن، بل وبلغ الأمر به أن شهر السيف في وجوههم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
فأي أخلاق هذه يا عبد الله؟! وهل شهر النبي عليه الصلاة والسلام السيف في وجوه إخوانه؟!
تقول عائشة رضي الله عنها وغيرها: (لم يكن النبي عليه الصلاة والسلام بالطعان، ولا اللعان، ولا السباب، ولا الفاحش البذيء). هذه أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام، وينبغي أن تكون هي أخلاقنا جميعاً أيها الكرام، فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يسب أحداً من أصحابه أو يشتمه، فضلاً عن أن يكون شهر السيف في وجه إخوانه وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين. وصلى الله على نبينا محمد وأصحابه الكرام الميامين.
لابد أن ترجع العلاقة الأخوية الإيمانية بين المسلمين كما كانت بين الصحابة، فهي ميراثنا وقوتنا، وعندما فارقناها تمكن الأعداء من رقابنا ومن ديننا، واستولوا على أراضينا وأوطاننا، ولن يكون لنا السؤدد والرفعة والتمكين والنصر والتأييد إلا إذا تخلقنا بأخلاق نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام، والصحابة رضي الله عنهم كانوا ألين الناس لبعضهم، وقد علموا التابعين هذه الأخلاق، فساروا على منهاجهم ومنوالهم.
وقال الله عز وجل: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [الحجر:88]. وقال في آية أخرى: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء:215]، هذا أمر للنبي عليه الصلاة والسلام بخفض الجناح ولين الجانب، وإلا لما كان له مكسب في الخلق فضلاً أن يكون له مكسب بين يدي الله عز وجل يوم القيامة، فانظروا إلى أخلاق نبينا عليه الصلاة والسلام، واعلموا أن الله تعالى أخبر أن الأسوة في رسوله فقال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، فالأسوة الحسنة في رسول الله عليه الصلاة والسلام، فمن كان مقتدياً ومتأسياً فليتأس بمن قد مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، وإن الناس اليوم بعقولهم يقولون ما لا يفعلون، ويستحسنون ما هو عند الله قبيح، ويقبحون ما هو عند الله حسن، وذلك بسبب بعدهم عن دين الله عز وجل، وعدم تخلقهم بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاق الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
وإن أعظم عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله تبارك وتعالى، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من والى في الله وعادى في الله وأحب في الله وأبعض في الله فقد استكمل الإيمان). وتمام الإيمان وكماله إنما يتحقق بالولاء والبراء، وبالمحبة في الله والمعاداة في الله. وفي الصحيحين من حديث أنس أنه قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان)، أي: يتذوق حلاوتهن كأنهن أشياء محسوسة، (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله)، فلا يكن حبك لأخيك إلا لله عز وجل خالصاً، وأي رابطة تنعقد لغير الله عز وجل فهي إلى فناء وزوال، وإذا انعقدت أخوة الإيمان فاعلم أن هذه الأخوة ليس لها زوال قط، بل ويبقى لها بعد موتك ذكر جميل وثناء حسن على ألسنة الناس وفي قلوبهم، (وأن يكره أن يعود إلى الكفر بعد إذا أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار).
ومن فضل المحبة في الله عز وجل أن الله تبارك وتعالى ينادي يوم القيامة: (أين المتحابون في؟) فبإخلاصك في محبة الخلق تشرف أيما شرف عند الله تبارك وتعالى، فيناديك يوم القيامة فيجعلك في ظله يوم لا ظل إلا ظله، والناس يغرقون في عرقهم، فمنهم من يبلغ عرقه إلى كعبه، ومنه من يبلغ العرق إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ إلى سرته، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، وأنت بسبب حبك لإخوانك وشفقتك عليهم وقيامك على مصلحتهم وقضاء حوائجهم وتفريج كربهم يظلك الله تعالى في ظله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله، فتكون في برد من العيش، وتنجو من هول الموقف، وغيرك يتلوى في الحر والشمس، فإن الشمس تدنو من الرءوس يوم القيامة قدر ميل، قيل: هو ميل المسافة، وقيل: هو المرود أو المكحلة التي يكتحل بها، ونحن نتصبب الآن عرقاً لأجل أن حرارة الشمس بلغت بضعاً وثلاثين درجة، فما بالك لو كانت الشمس فوق رأسك قدر شبر أو أقل قليلاً أو أكثر قليلاً، فاتق الله يا عبد الله، واعمل لهذا الموقف، وانج بنفسك، فإن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من نوقش الحساب عذب)، فانظر يا عبد الله إذا حاسبك الله: لمَ لم تحب إخوانك وتقض حوائجهم ماذا يكون جوابك لله عز وجل؟ فيلجمك العرق إلجاماً؛ لأنك لم تكن عاملاً بهذا في الدنيا، فالله تبارك وتعالى يختم على فيك يوم القيامة، وتظل حائراً أمام ربك، فانج بنفسك من هذا الموقف الرهيب، ومن سؤال الله عز وجل لك، وكن محباً لإخوانك، ومحباً لربك ولرسولك ولشرعك، ولا تكن كبني إسرائيل الذين تاهوا وضلوا، وسبوا الله تبارك وتعالى تارة، والشرع تارة والأنبياء تارة أخرى، فلا تكن مثلهم، فإن حجة الله بينة، والنبي عليه الصلاة والسلام أخبر بذلك فقال: (تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك).
أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلني وإياكم من الناجين.
وبعد:
هناك بعض الوسائل التي تعين وتساعد على تمتين أواصر الأخوة الإيمانية بين العباد بعضهم مع بعض، وبينهم وبين الله عز وجل، وبينهم وبين رسولهم وشرعهم الذي جاء به الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.
ولا تثقلوا على دعاتكم ومشايخكم وأئمة دعوتكم بالزيارة والاتصالات وغيرها، وقد يتصل الشخص ويبقى على الهاتف الساعة والساعتين من غير حاجة، وإنما يخلف الشيخ والمسئول عن مهامه وعن دعوته، فاتقوا الله تبارك وتعالى، فإنه يستحي أن يعتذر لأضيافه عن ضيق وقته، وعن مهامه ومسئولياته، ويكون ذلك سبباً في تخلف الشيخ في آخر النهار وفي صلاة المغرب عما كلف به من درس أو محاضرة أو غيرها، فضلاً عن أنه يثير قلبه غضباً وبغضاً لصاحبه ذلك؛ لأنه بقي ومكث بغير حاجة، فاتقوا الله تبارك وتعالى، واعلموا أن الحاجات أكثر من الأوقات، فاسمحوا لغيركم أن ينتفع بوقته، فقد كان السلف رضي الله عنهم ينتفعون بأوقاتهم ولا يفرطون في شيء منها، فهذا المجد بن تيمية رحمه الله كان إذا دخل الكنيف لقضاء حاجته يقول لامرأته: اقرئي علي وأنا أسمع في الحمام حتى لا يضيع الوقت، وأما نحن فإننا نقضي الساعات والأيام والشهور والأعوام ولا نفكر مرة في النظر في كتاب الله، أو تعلم مسألة من مسائل الشرع، والواحد منا إذا زار أخاً له في الله ففتح له كتاباً من كتب العلم الشرعي ليتعلم معه مسألة غضب وقال: أنا أحضر الدروس كلها! والشوكاني كان يحضر في اليوم الواحد اثني عشر درساً، عليه رحمة الله، والإمام الصنعاني اليماني كان يحضر في اليوم الواحد أحد عشر درساً، وقيل: اثني عشر درساً، فاتقوا الله تبارك وتعالى في دينكم وشرعكم، واعلموا أنكم لستم على شيء من طلب العلم، ولا على شيء من أخلاق نبيكم إلا القليل النادر، فاتقوا الله تبارك وتعالى، وارجعوا واستمسكوا بكتاب ربكم وبسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم.
وأن تكف أذاك عنه من الغيبة والنميمة والطعن في حسبه ونسبه، وأن تكف عنه لسانك فيما رزقه الله تبارك وتعالى وحباه من مال أو نعمة.
والأمر لا يتوقف عند ذلك، وإنما يجب عليك أن تذب عنه الغيبة إذا اغتيب في مجلس أنت فيه، وإلا فقم ودعهم إذا لم تستطع أن تزيل المنكر.
هذه كلها من آداب المسلم تجاه إخوانه.
وأيضاً إنصاف الإخوان ومعاملتهم بما تحب أن يعاملوك به.
وتمتين أواصر العلاقات الأخوية لا يكون إلا بأداء الصلاة في جماعة، وخاصة صلاة الجمعة، والحج إلى بيت الله الحرام، والمحافظة على هذه المجامع، فيلقى كل منا أخاه فيطمئن على أحواله وعلى بيته وأهله وأسرته وأولاده.
ومن فوائد الأخوة وثمراتها أنك تستشعر محبة الله ورسوله، وتجد حلاوة ذلك في قلبك، ويكفيك شرفاً وفخراً وفضلاً أن الله تبارك وتعالى إذا أحبك أمر جبريل في السماء أن يحبك، ثم ينادي أهل السماء أن يحبوك فيحبونك، ثم يوضع لك القبول في الأرض، والمحبة في الله علامة على قبول العمل، وعنوان التوفيق والسداد، ثم إنك تتبوأ منزلة عالية بصدق الإخاء في الله عز وجل، وتحصل على الأمن والأمان؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67]، فكل صاحب يتبرأ من صاحبه، ويعاديه يوم القيامة، إلا من صاحب مسلماً لأجل إسلامه ودينه وطاعته.
والأخوة في الله تورث طمأنينة القلب؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]، والمتحابون في الله مع الذين أنعم الله تبارك وتعالى عليهم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69].
والأخوة في الله سلوك حسن، وصحبة نافعة، وسيرة طيبة، ونية صالحة، وعيشة هنيئة سعيدة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي) .
والحب في الله والبغض في الله يدل على كمال دين صاحبه، وصفاء سريرته، وعمله المتقن، وخوفه من الله عز وجل، ورعايته لحقه، واحترام كتابه وسنة نبيه، ومحبته لله ورسوله، والأخوة أكبر وأعظم طاعة لله عز وجل، وأكبر وأعظم نظام يحقق التكافل الاجتماعي.
والأخوة في الله أنس ومحبة وإحساس بحاجة الأخ لأخيه وسعي في قضاء حوائجه، ولا يكون ذلك ولا ينفع ولا يشعر بهذه الثمرات وهذه الفوائد إلا من كان مخلصاً في هذه الأخوة لله عز وجل، وقرنها بالإيمان والتقوى، وبغير ذلك لا ينفع المرء في الدنيا ولا في الآخرة صحبة صاحب.
والإلف يألف أليفه، والصاحب يقترب من صاحبه وشبهه، فيجب أن تقوى هذه العلاقة في الله عز وجل، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (الدين النصيحة)، وقد بايع جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تبارك وتعالى عنه النبي عليه الصلاة والسلام على النصح لكل مسلم.
أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعني وإياكم بما قلنا وسمعنا، وأن يجعلنا متآخين متحابين متوادين، وأن يرزقنا النجاة يوم المحشر، وأن يظلنا في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله تبارك الله لي ولكم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وأقم الصلاة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر