وقد ذكر الشيخ في هذا الدرس ما يوجه القلوب إلى هذا العمل الصالح ويزكيها به، واهتم بالنقل عن السلف الصالح لما في قصصهم من أثر عظيم على القلوب.
أنت رب الطيبين, لك الحمد حتى ترضى, ولك الحمد إذا رضيت, ولك الحمد بعد الرضا, والصلاة والسلام على من أرسلته معلماً وهادياً وبشيراً, وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً, بلغ الرسالة, وأدى الأمانة, ونصح الأمة, وجاهد في الله حتى أتاه اليقين, فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته..
سلام عليكم يوم اجتمعت قلوبكم تطلب الإخلاص لله, وتطلب الصدق مع الله, فلا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون, ولا إله إلا الله نلقى بها ربنا تبارك وتعالى، ليكفر بها سيئاتنا وخطايانا, ولا إله إلا الله نقف على عتبات رحمته سُبحَانَهُ وَتَعَالى نادمين، خاشعين، مذنبين، معترفين، لسان حالنا يقول:
إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار |
وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شِبْتُ في الرق فاعتقني من النار |
ولذلك كان معنى لا إله إلا الله أن تخلص العبادة لله, وكان معنى لا إله إلا الله أنك إذا سجدت أو ركعت أو سبحت أو دعوت أو تكلمت تكون عبداً لله, ظاهرك وباطنك يحمل العبودية للواحد الديان.
جاء في كتاب الزهد للإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {قال الله تبارك وتعالى: عجباً لك يا بن آدم! خلقتك وتعبد غيري, ورزقتك وتشكر سواي, أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك، وتتبغض إليّ بالمعاصي وأنت فقير إليّ! خيري إليك نازل, وشرك إليّ صاعد!} وهذا مثل العبد الذي لا يتشرف بعبودية الله, ومن الذي لا يتشرف بعبودية الواحد الأحد؟! من الذي لا يتشرف بالإخلاص لله والصدق مع الله؟!
ومما زادني شرفاً وفخـراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا |
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا |
إننا نقف أمام موضوع الإخلاص خاشعين؛ لأنه موضوع رهيب وصعب وموضوع مرعب حقاً.
يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:3] إي والله..! ألا لله الدين الصافي النقي الذي يريده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
ويقول سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5] هل أمروا أن يكونوا مرائين؟ أو منافقين؟ أو مشركين؟ وقال تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الزمر:65-66].
فإذا علم أن معنى لا إله إلا الله أن تكون عبداً لله, لحمك وشحمك وعظمك وشعرك وعصبك ملئن نوراً من نور الله, لأن الله يريدك أن تكون عبداً له.
ولذلك جاء في البخاري: من رواية ابن عباس وخباب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب لصلاة الفجر: { اللهم اجعل في قلبي نوراً, وفي سمعي نوراً, وفي بصري نوراً, وعن يميني نوراً, وعن شمالي نوراً, ومن أمامي نوراً, ومن خلفي نوراً, واجعل لي نوراً} زاد البخاري في رواية: {واجعل في عظمي نوراً, وفي دمي نوراً, وفي مخي نوراً, وفي بشري نوراً, واجعل لي نوراً} فالنور هذا هو نور لا إله إلا الله, وهو قبس وضياء لا إله إلا الله.
فيا ويل من عمل لغير الله! ويا ويل من صلّى لغير الله يوم يبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور، يقول تعالى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [الأنعام:94] كل شيء عند الله مكشوف.. الجسد مكشوف, والقلب مكشوف, والتاريخ مكشوف, والسجل من الحسنات والسيئات مكشوف, جئنا إلى الله حفاة عراة غرلاً, كما بدأكم تعودون.
فلذلك كان على العبد أن يطلب الثواب من الله, وأن يطلب الدرجات من الحي القيوم, فإنه الذي يبقى والناس يذهبون.
عمر الذي يقول: [[يا ليتني كنت شجرة تعضد! يا ليت أمي لم تلدني!]].
وإذا كان هذا في سبيل الله, فأنعم وأكرم بمثله من عمر رضي الله عنه وأرضاه!
وقد سأل الله تعالى الشهادة في آخر حجة حجها, فإنه لما حج رفع يديه عند الجمرات، وقال دعاءً حاراً صادقاً فيه، طالباً من الله الشهادة، قال: [[اللهم إنها ضاعت رعيتي, ورق عظمي, ودنا أجلي, فاقبضني إليك غير مفرط ولا مفتون, اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، وموتة في بلد رسولك. فقال الصحابة: يا أمير المؤمنين! إن من يطلب الشهادة يخرج إلى الثغور, قال: هكذا سألت! وأسأل الله أن يلبي لي ما سألت]].
وعاد إلى المدينة صادقاً مخلصاً, وعلم الله صدقه وإخلاصه, ففي أول ليلة إذا به يرى في المنام رؤيا مبشرة رأى في منامه كما قال أهل العلم: ديكاً ينقره ثلاث نقرات, فسأل في الصباح أسماء بنت عميس الحثعمية , فقالت: يا أمير المؤمنين! استودع الله في نفسك الذي لا تضيع ودائعه, إنني أرى أنك تقتل بيد رجل من العجم.
فأتى عمر في آخر جمعة يخطب, فما كان إلا البكاء على المنبر, يستودع الناس ويستبرئهم, ويطلب المسامحة والعفو, ويطلب منهم أن يتجاوزوا عما أخطأ, ولم يكن منه إلا الجميل.
وفي صباح يوم السبت يأتي الصدق لأهل الصدق, والإخلاص لأهل الإخلاص؛ لأنه سأل الشهادة مخلصاً منيباً صادقاً مع الله, فيصلي الفجر ويقرأ سورة يوسف, وما أحسن سورة يوسف يا شباب الإسلام! وما أروعها! وما أقواها! يوم تربي في نفس الشبيبة التقوى, يوم تجعل لهم يوسف عليه السلام علماً ومعلماً من معالم الذين ثبتوا على لا إله إلا الله, وأخلصوا للا إله إلا الله, فحفظهم الله في الخفاء بعين رعايته: فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64].
ويركع أمير المؤمنين, وتمتد يد آثمة, ما سجد صاحبها لله سجدة, يد بغيضة ما ركع صاحبها لله ركعة, لتمزق الأديم الطاهر المجاهد العابد الزاهد.
ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا |
فيهوي في المحراب، وما أحسن الشهادة! وما أحسن الشهيد! وما أحسن البقعة! وما أحسن الصلاة! ويُرفع رضي الله عنه, وجذوة الصدق والإخلاص حية في قلبه, يرفعه الناس على أكتافهم, ودماؤه تسيل على أكتاف الرجال, ويذهب به إلى بيته, فيوضع في البيت, ويوضع تحت رأسه مخدة, فيقول للناس: أزيلوها عن رأسي, وضعوا رأسي على التراب, علّ الله أن يرحمني.
رحمك الله يا أبا حفص.. رحمك الله يا فاروق الإسلام! رحمك الله أيها الصادق المخلص الذي قوى الله به الدين.
قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها |
يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه |
يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه |
قال: ضعوا خدي على التراب, لعل الله أن يرحمني, فوضعوه على التراب، ودخل أمير المؤمنين سيف الله المنتضى أبو الحسن علي بن أبي طالب , فقال: يا أمير المؤمنين! هنيئاً لك! والله لطالما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {جئت أنا و
هذا وهم المجاهدون الصادقون, فقل لي بالله: ماذا فعلنا للإسلام؟
وقل لي بالله: ما ذا قدمنا للا إله إلا الله؟
وقل لي بالله: ماذا ادخرنا عند الله؟
هل هناك جهاد؟
هل سكبنا دماءنا لرفع لا إله إلا الله؟
هل قطعت رءوسنا من أجل نصرة لا إله إلا الله؟
هل سهرنا نناجي من أنزل لا إله إلا الله؟
نحن برحمة الحي القيوم, ذنوب وخطايا وعيوب ونقص, لكن نسأل الله كما سترنا في الدنيا فلم يفضحنا أن يغفر لنا يوم أن نأتيه مذنبين نادمين في يوم لا ريب فيه.
هذا هو الصدق, وقصة عمر رواها أصحاب الصحيح, ويأتي الصحابة الواحد تلو الآخر, وذاك بعد هذا, ليسجلوا صحفاً من نور, منحوتة في الصدور، من الصدق مع الله الواحد الأحد.
فقل لأهل المطاعم الشهية والمراكب الوطية والمساكن الرضية: أين تكبيرة الإحرام؟
وقل لأهل الملابس الجميلة, ولكل من له همم في الدنيا: أين تكبيرة الإحرام؟
وسعيد الذي لا يجد كسرة الخبز, يقول: ستين سنة ما فاتتني تكبيرة الإحرام. يقول -وهذا الحديث مرسل-: لما اجتمع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في أحد.. في معركة أحد الصادقة للصادقين, معركة أحد التي قدمها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قصيدة في جبين الزمن, ونجماً في سماء التاريخ, وقف الصحابة قبل ذاك وهم صفوف, صفوا للمعركة كما صفوا للصلاة.
نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا |
جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا في مسمع الروح الأمين فكبرا |
وقبل المعركة قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لـعبد الله بن جحش: [[تعال نبايع الله هذا اليوم]]. إي والله! قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [التوبة:111] لا أصدق من الله, ولا أوفى من الله, ولا أحق بالوفاء من الله, فهل تريدون الثواب من غير الله؟ قال سعد: يا عبد الله تعال نبايع الله هذا اليوم, فانزويا وراء أكمة, فرفع سعد يده وقال: اللهم انصرنا في هذا اليوم, اللهم أعل كلمتك, اللهم أيد دعوتك, فلما انتهى من الكلام.. تقدم عبد الله جحش.. أول أمير في الإسلام، الصابر على الجوع والعطش كما سماه صلى الله عليه وسلم, وهو شاب في السادسة والعشرين, فيا أبناء السادسة والعشرين.. ويا أبناء الثلاثين.. أين المستقبل مع هذا الدين؟
أين الخدمة لهذا الدين؟
أين العيش في رحاب هذا الدين؟
فيتقدم ويرفع يديه لا يريد إلا إرضاء الله والجنة, لا يريد إلا تلك الرياض, ملّ من الدنيا, فارق الأحباب والأوطان, سافر إلى الحي القيوم.. فرفع يديه وقال: اللهم إني أسألك صادقاً مخلصاً هذا اليوم أن تواجه بيني وبين عدو لك من الكفار شديد حرده, قوي بأسه, فيقتلني فيك, فيبقر بطني, ويجدع أنفي, ويفقأ عيني, ويقطع أذني, فألقاك بهذه الصورة, فتقول لي: يا عبد الله لِمَ فُعِل بك هذا؟ فأقول: فيك يا رب! قال سعد بن أبي وقاص: فوالذي نفسي بيده لقد أتيته في آخر المعركة, وإنه لمقتول بين القتلى, مبقور بطنه, مجدوع أنفه, مفقوءة عيناه, مقطوعة أذناه, فقلت: أسأل الله أن يكمل له سؤاله. هذا هو الصدق، ويوم صدقوا مع الله أثابهم الله بالصدق, ولبى لهم ما سألوا.
أتى عبد الله بن عمرو فصلَّى صلاة الليل قبل معركة أحد بليلة, قام فتهجد ورفع يديه يوم أن كان السلف الصالح يتهجدون, ويوم أن كانوا يناجون الله في الثلث الأخير في الساعات الحبيبة القريبة من الحي القيوم, يوم أن يتجلى الله, وينزل نزولاً يليق بجلاله إلى سماء الدنيا, فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داعٍ فأجيبه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ فقام هذا الصحابي في هذه الساعة ودعا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يوفقه للشهادة، فعلم الله صدقه وإخلاصه, ثم في الصباح قال لابنه جابر: يا بني! إني رأيت في المنام كأني مقتول غداً في المعركة, فعليك بأخواتك، وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه. وذهب إلى المعركة، واغتسل وتحنط وتكفن, ووقف في الصف صادقاً منيباً مخلصاً مع الله عز وجل.
وفي آخر المعركة أتى ابنه جابر فإذا أبوه مقطع أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتأتي أخته, فتبكي وتقول: {يا رسول الله! أهو في الجنة فأصبر وأحتسب، أم هو في غير ذلك؟ قال: أهبلت؟ أجننت؟ إنها لجنان كثيرة, وإن
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا
فقد صدق رضي الله عنه وأحسن, ولما صدق هؤلاء مع الله وفقهم الله.
روى أهل الحديث بسند حسن عن معاذ رضي الله عنه وأرضاه (أنه وقف عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى, ومرّ به
وجاء عند ابن ماجة من حديث أبي هريرة بسند حسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليأتين أقوام يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة يجعلها الله هباءً منثوراً. فقلنا: يا رسول الله! أمسلمون هم؟ قال: مسلمون. قلنا: أيصلون؟ قال: يصلون ويحجون ويعتمرون, ولهم من الليل مثلما لكم, لكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) أمام الناس عباد وزهاد ونساك, ولكنهم ذئاب في الظلام.
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان |
فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني |
الإخلاص سيف إذا وضع على جرح برئ بإذن الله؛ لأنه دواء وعلاج.
دخل الإمام أحمد السجن، وعلم الله أنه صادق، ومكث في السجن ثمانية وعشرين شهراً, صائماً نهاره, قائماً ليله, صادقاً مع مولاه, ما أكل للسلطان لقمة, ولا شرب للمعتصم شربة, وإنما بقي صادقاً مع لا إله إلا الله, فجعل الله الرفعة لأهل لا إله إلا الله, وجعل الخزي لأهل البدع الذين حاربوا لا إله إلا الله.
أتي به فعرض على السيف خمس مرات, فأبى أن يلين, وأبى أن يهادن, وأبى أن يستسلم لأنه صادق, والصادق لم يكن له أن يستسلم, يقولون: أَلِن في الكلام.. اقرب في الخطاب..! فيأبى ويصبح بقوة الله أسداً هصوراً.
ولما حضرته الوفاة قال: اللهم سامح من شتمني, اللهم سامح من سجنني وضربني إلا صاحب البدعة -يعني ابن أبي دؤاد - فعذبه واحبسه في جسده, فكان جزاء الصدق مع الله أن ينكل الله بعدو هذا الصادق, فيحبس أحمد بن أبي دؤاد في جسده، ويصاب بمرض الفالج, نصفه يابس ميت, والنصف الآخر حي, قال له زواره وعواده: كيف تجدك؟ قال: دعوة أحمد بن حنبل وصلتني في هذه الحياة الدنيا, قالوا: وكيف؟ قال: دعا عليّ أن أحبس في جسمي, فأما نصفه فقد مات منذ زمن, والله ما أحس به ولو قطع بالمناشير, وأما نصفي الآخر فوالله لو وقع ذباب لآلمني ألماً أشد من ألم القتل. أو كما قال.
ودعا الإمام أحمد على عدوه الآخر ابن زيات فنكل الله به, وقطعت يده وحبس, لأن الصادق لا بد أن يخرجه الله, ولا بد أن ينجيه الله عز وجل.
حضر فتح كابول، التي فقدت من أيدينا يوم أن نقص صدقنا وإخلاصنا مع الله, التي ذهبت من أيدينا يوم لم نرفع لا إله إلا الله كما ينبغي.. كابول التي فتحها العباد الزهاد, والتي وقف على شرفاتها وعلى روابيها محمد بن واسع مع جيش قتيبة بن مسلم.
وكان في برنامج محمد بن واسع أن يصوم كل يوم, وأن يصلي لله ما يقارب أربعين ركعة, وأن يستغفر كذا من المئات التي يفتح الله بها عليه, ثم هو في تذكر لقاء الله.. حضر المعركة مجاهداً مستبشراً بفتح الله ونصره, ولما التقى أهل الإسلام وأهل الأصنام؛ أهل لا إله إلا الله وأعداء لا إله إلا الله؛ التقى أهل الحق وأهل الباطل, قال قتيبة بن مسلم: يا معشر الناس! أين محمد بن واسع الأزدي؟ قالوا: لا ندري. فقال: أسألكم بالله أن تبحثوا لي عنه.. -ذكر هذا ابن كثير - فذهبوا يبحثون عنه, فوجدوه قد صلَّى صلاة الضحى, ووقف على رمحه رافعاً أصبعه يقول: يا حي يا قيوم..!يا حي يا قيوم..!يا حي يا قيوم..!
فعادوا إلى قتيبة بن مسلم فأخبروه, فقال: الحمد لله أبشروا بالنصر!
والله الذي لا إله إلا هو لأصبع محمد بن واسع خير عندي من ألف سيف شهير وألف شاب طرير.
وانتصر المسلمون, وتقدم قتيبة بن مسلم يوم أن كان صادقاً مع الله, فرأى أصنام داهر, وأتباعه الكفرة في كابول , وهي بالذهب محلاة, فقالوا: خذها كنوزاً لك في بيت مال المسلمين, فقال: لا والله! لا يدخل بيت مال المسلمين كنز عُبد من دون الله ولو كان ذهباً, حرقوها بالنار فنسفوها بالنار.. ولذلك يقول إقبال:
كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا |
لو كان غير المسلمين لصاغها حلياً وحاز الكنز والدينارا |
فهؤلاء الصادقون مع الله, والمخلصون لله, نصرهم الله, وحفظهم ووقاهم لصدقهم معه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
يا واهب الآمال أنت حفظتني ورعيتني |
وعدا الظلوم عليّ كي يجتاحني فمنعتني |
فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني |
إنه حفظه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لأوليائه؛ حِفظهم كما يقول ابن رجب: من العدو الظاهر والعدو الباطن من المعاصي والمخالفات.
وبالمقابل الذين لا يصدقون مع الله ولا يريدون وجهه تتساقط أعمالهم أحوج ما يكونون إليها, وتذهب سدى، قال الله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23].
ما أحسن هذه الكلمات! ما أحسن (هش وبش) للدعاة وللصالحين وللأخيار! قال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] وقال: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].
قال عمرو: {فلما جلست قلت: يا رسول الله! مد يدك لأبايعك, فمد عليه الصلاة والسلام يده الشريفة, فلما بسط يده قبضت يدي, قال: ما لك يا
فيا بشرى من صدق مع الله! ويا بشرى من أخلص لله! لأن كل عمل لا يراد به الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يذهب وينتهي وينقضي, ويبقى ما لله تبارك وتعالى، ويوفى الصادقون بصدقهم عنده تبارك وتعالى.
كان صادقاً مخلصاً منيباً علم الله صدقه, فبلغه الله ما تمنى من القبول, ومن الخير ومن الثبات والسداد, وبقدر ما يصدق العبد مع الله يرزقه الله الصدق.
يقول أحد تلاميذه وهو يروي صدقه وخشوعه وخشيته: سافرنا مع ابن المبارك, فقلت في نفسي: يا عجباً! هذا ابن المبارك يصلي كصلاتنا ويصوم كصيامنا ويتلو القرآن كتلاوتنا؛ فماهو الذي رفعه؟ -رفعه الإخلاص والصدق والخبيئة، وحسن السريرة مع الواحد الأحد- قال: فكنا في ليلة مظلمة, وقد انطفأ علينا السراج, فذهبنا نلتمس سراجاً ونوراً, فأتينا إليه وهو جالس في البيت, وإذا دموعه تنزل من رأس لحيته, فقلنا: ما لك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: تذكرت والله بهذه الغرفة المظلمة القبر.. وما أدراك ما القبر؟! وما أدراك ما ظلمة القبر؟! وما أدراك ما تلك الحفرة؟!
أبني أبينا نحن أهل منازل أبداً غراب البين فيها ينعقُ |
نبكي على الدنيا وما من معشر جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا |
أين الأكاسرة الجبابرة الألى كنزوا الكنوز فلا بقين ولا بقوا |
من كل من ضاق الفضاء بجيشه حتى ثوى فحواه لحد ضيقُ |
خرس إذا نودوا كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلال مطلقُ |
فالموت آتٍ والنفوس نفائس والمستعز بما لديه الأحمقُ |
قال: ذكرت والله بهذه الظلمة ظلمة القبر فبكيت, قال التلميذ: هذا الذي رفعك عنا. إنها خبيئة الصدق وسريرة الإخلاص للحي القيوم, ولذلك لما سافر ابن المبارك لقتال الكفار ترك الحرم والفتوى؛ فقال له الناس: أتترك الإفتاء وتذهب إلى الجهاد؟ فقال: خلوا عني, ثم قال:
بغض الحياة وخوف الله أخرجني وبيع نفسي بما ليست له ثمنا |
إني وزنت الذي يبقى ليعدله ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا |
وكان في ليلة واحدة يردد: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2] إلى الصباح, ويأتي الصباح وإذا هو من أشجع الفرسان.
كن كالصحابة في زهد وفي ورع القوم هم ما لهم في الناس أشباهُ |
عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراهُ |
وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياهُ |
يارب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناهُ |
يشيدون لنا إسلاماً فرطنا فيه, وقرآناً ضيعناه ونسيناه, ومعالم من الهداية تركناها وجفوناها, ومساجد هجرناها, وحلقات علم قاطعناها, فابعث من أمثالهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه, وجنينا عليه، وخناه، وصارمناه, وما كان هذا ينبغي لنا, لأننا من سلالة الأخيار, من الذين وزعوا على المعمورة لا إله إلا الله، وأنتجوا للبشرية أروع مثل, وأحسن تاريخ, وأنبل عقيدة, فمالنا ننـزوي الآن خجلاً؟ أصابنا خجل وحياء, لئلا نبلغ لا إله إلا الله, أصبحنا في آخر الركب متأخرين يوم فاتنا الصدق والإخلاص مع الله، وأصبحنا نستذل يوم لم نصدق مع الحي القيوم.
كان ابن المبارك عالم يفتي على المنبر, ومتحدث يعظ, ومربٍ يربي, ومدرس يدرس, ولكنه مجاهد يضرب رءوس الأعداء بسيف الله, تأتيه رسالة من الفضيل يلومه فيها على الخروج وترك الحرم, فيرد عليه بقصيدة حارة, لقد كان يجيد القصائد القوية الصادقة المخلصة, ويقول للفضيل:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعبُ |
ليست العبادة فقط الجلوس في الروضة وترك شئون الأمة وأخلاقها ومعاملاتها وما تحتاجونه، وليست العبادة أن نرفع رءوسنا بالتكبير وبالحمدلة فحسب:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعبُ |
من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضبُ |
ألا إن الدم الصادق المخلص أغلى عند كل مسلم من الدمع, ألا إن الذي يبكي مهما بكى, فإن دم المجاهد ودم من صدق مع الله، وأراد الله أغلى من الدموع, فليعلم ذلك.
هؤلاء قوم رفعهم الله بالصدق والإخلاص، يقول ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه للتابعين: [[والله لقد كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أقل منكم صلاة وصياماً, ولكنهم أكثر صدقاً وإخلاصاً لله]] قال الله جل شأنه: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2] فأصدق مع الله وأخلص لله، وأطلب ثواب الله.
كأن رقيباً منك يرعى خواطري وآخر يرعى مسمعي وجناني |
وقالوا في الصدق أيضاً: هو أن تقطع في سبيل الله وأن تتبسم بفتح الله. وقالوا فيه: هو أن تبذل من نفسك ما تبذله صادقاً وأن تخجل من عملك. وقالوا فيه: هو أن تفعل العبادة, ثم تستغفر من تقصيرك ونقصك وعيبك في عبادتك لله. وقالوا فيه: هو أن إذا وقفت أمام الله في عبادة نسيت كل من دون الله عز وجل.. فالله الله في الصدق!
أسأل الله أن يوفقني وإياكم إلى الصدق والإخلاص في سبيله سُبحَانَهُ وَتَعَالى, وإلى طلب مرضاته, اللهم إنا وقفنا على أبوابك, ورفعنا أيدينا إليك, يا من لا يسدل حجابه, ولا يرد طلابه, اللهم فارزقنا إخلاصاً من عندك يا رب العالمين! وصدقاً من لدنك, تفيض به على قلوبنا, وتغيث به أرواحنا, اللهم فاجعلنا من الصادقين المخلصين المنيبين.
اللهم بعلمك الغيب, وبقدرتك على الخلق, أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا, وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا, اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة, ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا, ونسألك القصد في الغنى والفقر, ونسألك لذة النظر إلى وجهك, والشوق إلى لقائك, في غير ضراء مضرة, ولا فتنة مضلة, برحمتك يا أرحم الرحمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين, وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
الجواب: كما سمعتم شكوى الأخ من الرياء، وكلنا ذاك الرجل, ومن لوازم إسلامك -أيها المسلم- أن تخاف من الرياء, فإنه لا يخاف النفاق والرياء إلا مؤمن ولا يأمنه إلا منافق, وهذه المقولة أوردها البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان عن الحسن موقوفة عليه رضي الله عنه وأرضاه, قال: [[ما خافه إلا مؤمن وما أمنه إلا منافق]].
فمن لوازم إسلامك وإيمانك أن تكون حريصاً متحذراً خائفاً دائماً من الرياء, فإن من أمن الرياء وقع فيه, فإن من الأدلة على خيريتك وعلى إقبالك وحسن صدقك مع الله أنك تخاف الرياء, ولكن هذا لا يعني أن العلاج والدواء أن ينتظر العبد ويقول: أخاف الرياء، وهو واقع فيه! بل عليه أن يتوب ويستغفر، وأن تثبت في ذهنه قضايا:
1- أن الذي ينفع ويضر هو الواحد الأحد, وأن غيره لا يملك له نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً ولا تصريفاً ولا تدبيراً, فهو الذي بيده مقاليد الأمور, فاطلب أجرك وثوابك منه, ولا تطلب من غيره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
2- أن تنظر إلى الناس على أنهم بشر كما سلف, وأنه ليس بأيديهم من مقاليد الأمور شيء, وأن الله استأثر بالنفع والضر, وكل ما يجلب لك من خير فمن الله, وما يصيبك فمن الله, وهذه هي العقيدة التي أملاها صلى الله عليه وسلم لـابن عباس كما في الترمذي: {وإذا سألت فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله, واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك, وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}.
3- عليك أن تدعو دائماً بكفارة الشرك والرياء، وهو ما صح عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: {اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً أعلمه, وأستغفرك لما لا أعلم}.
4- أن تكون في خلوتك محاسباً لنفسك، وترفع كفيك داعياً الله عز وجل أن يرزقك الصدق والإخلاص والإنابة، فإذا أخذت على هذا، وتدربت عليه، وسألت الله في أدبار الصلوات والسجود، فتح الله عليك، ورزقك الصدق، نسأل الله لنا ولك ولكل مسلم الصدق والإخلاص.
الجواب: كلمة الأعمال في السؤال عامة, فإن كان يقصد الأعمال الصالحة التي يتعبد بها والتي هي من الشريعة ومن النسك, ويخاف من العيب, فهذا شرك ورياء, ونعوذ بالله من ذلك, كأن يصلي خوفاً من العيب ومن المثلبة ومن التنقص من الناس , أو يصوم خوفاً من ذلك, فهذا في العبادات رياء وشرك.
وإن كان في الأمور العامة والآداب العامة في هيئات الجلوس أو غيرها مما لم يرد فيه نص, فله أن يتجمل أمام الناس, وله أن يظهر التجمل والتحسن؛ وقد ورد في ذلك أحاديث، كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن الحنظلية مع أبي الدرداء عند أبي داود بسند حسن: {تجملوا حتى تكونوا كأنكم شامة في عيون الناس} فلا بأس أن تدرأ العيب عن نفسك لا في العبادات, ولا بأس أن تذهب عن نفسك مذمة تنقص الناس لا في النسك, فإنها في النسك والعبادة شرك ورياء إذا قصدت بها غير الله عز وجل؛ فليعلم ذلك.
الجواب: أما صيامك وإخبار زملائك بهذا فإن الأعمال بالنيات, وهذا الحديث يدخل في سبعين باباً, فإن كنت قصدت من إخبار زملائك بهذا الخبر تشجيعهم وترغيبهم على الخير, ولتكون سانّاً لهم سنة حسنة يقتدون بك, فلك الأجر مضاعفاً بإذن الله, ولك الأجر موفوراً عند الله, ولا يلت الله من عملك شيئاً, ولا يُنقِص منه شيئاً إن شاء الله.
وإن كان قصدك ليعلموا ويثنوا عليك, فإنه يذهب بقدره, وقد أشركتهم هذا العمل, فانتبه لنفسك.
الجواب: كل مسلم في الغالب يجد هذا الأمر الذي سأل عنه الأخ, فإنه قد يقصد وجه الله والإخلاص, فترد عليه واردات, وتتداعى عليه أمور حتى يذهب ما به من إخلاص, ويقصد أموراً أخرى, فواجبه أن يكون من أول الطريق صادقاً مع الله ومخلصاً له, وقد قال أهل العلم: لا يضره العارضات والواردات, وممن اختار ذلك: ابن تيمية وابن جرير الطبري، كما ذكر ابن حجر في فتح الباري في كتاب الجهاد, فقد عقد البخاري باب: (إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم) ثم أتى بحديث أبي موسى: {قالوا: يا رسول الله! الرجل يقاتل ليرى مكانه, والرجل يقاتل ليسمع, والرجل ليحمد.. فأي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله} فأتى بهذا الوارد, ونقل عن ابن جرير أن كلام أهل العلم ينص على أن من سلك الطريق في أولها مخلصاً لله, فلا تضره الواردات وتلبيسات إبليس التي لا بد أن ترد على كل عبد.
فأنا أوصيك أن تقصد وجه الله في أول الطريق, ولن تضرك هذه الوساوس والخطرات؛ فإن الشيطان بالمرصاد, يأتي للمصلي الخاشع, فيقول: إنما تصلي رياءً, ويأتي للداعية المتكلم, فيقول: إنما تتكلم رياءً وشهرةً, ولو صدقه كل أحد لتعطلت المنابر والحلقات, وتعطل النسك، وتعطلت النوافل والطاعات, فنعوذ بالله من تلبيسه, ونعوذ بالله من مداخله.
فعليك أن تصدق مع الله وعليك بكثرة الدعاء, والله يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى.
الجواب: هذا وارد, وهو أشبه بالأسئلة التي قبله, وعلاج هذا: أن تعلم -وهو العنصر الذي أوردته في علاج الرياء- أن تعلم أن الناس لا ينفعون ولا يضرون, وأنهم لا يعرفون بنقصك وتقصيرك وذنوبك التي هي بينك وبين الله عز وجل, فإنك قد تظهر لهم الجميل والخشوع والخضوع والزهد, ولكنك تظاهر وتكاشف الله عز وجل بالمعاصي والذنوب والخطايا, فعليك أن تعلم أنهم لا يدرون إلا ما ظهر, والظاهر فيك الجميل والستر, فهم يمدحونك على ظاهرك, ولكن يوم تبعثر ما في القبور, وتحصل ما في الصدور, ينتج لك إخلاصك وصدقك ومعاملتك مع الله عز وجل.
فهذا علاجه ألا تركن إلى الناس, وأن تعلم أنهم لا ينفعون ولا يضرون, وأن تعرف أن الله هو الذي يعلم السر وأخفى, وهو الذي يثيب ويعاقب, فهو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولي كل أمر؛ فعد إليه والتجئ إليه، وادعه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
الجواب: إن كان الأخ السائل يقصد أن الفضل الذي حصلوا عليه من هذه القصص التي سطروها فهذا صحيح, فلهم فضل الصحبة, ولهم القدح المعلى والقدم السابقة عند الله عز وجل.
وإن كان قصده ألا تقع كهذه الحوادث بعينها؛ فليس بصحيح, بل هذه تتكرر في أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهي كالسيل لا يدرى الخير في أوله أو في آخره, بل قد يفتح الله عز وجل على يد بعض الناس, ويرزقهم من الإخلاص والصدق إلى قيام الساعة, فيقتل كثير من الناس في سبيل الله, ويصدق كثير من الناس في قيام الليل لمناجاة الله, ويصدق كثير من الناس في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وكثير يصدقون في البذل والعطاء لوجه الله, إذاً فقصص الصحابة, وقد وقع لها شبيه في غيرهم, لكن الفضل ادخره الله عز وجل درجة للصحابة لا يبلغها أحد.
الجواب: من صلّى وزكى وصام وجاهد وحج هو علامة الصدق بإذن الله, لكن إذا علم الله من نيته أنه لا يريد إلا وجهه؛ لأنه ليس كل من صلّى وزكّى وصَام وحج يريد الله عز وجل.. لا! منهم من يريد الدنيا, ومنهم من يريد الشهرة, ومنهم من يريد أن يعصم دمه في الحياة, ويعصم عرضه وماله وأولاده, فهذا له ما حصل له من الأجر العاجل, لكن ليس له عند الله حظ ولا نصيب, بل له النار ونعوذ بالله من النار! فمن صلّى وصام فعليه أن يعتبر أن هذا العمل لوجه الله, وأنه لا يصلي من أجل فلان وفلان.
وهناك ضابط يستفاد منه في الصدق والإخلاص, وهو أن تفعل العمل في الجلوة كما تفعله في الخلوة, أي: تفعل العمل مع الناس كما تفعله وحدك, في خشوعك, وفي ركوعك, وفي ذكرك, وفي عبادتك؛ كأن الناس لا يرونك ولا تراهم، ولا يصح أن تخشع أمام الناس لتطلب مديحاً, ثم إذا خلوت نقرت الصلاة! هذا هو أول النفاق والرياء.
الجواب: هذه القضية من أعوص القضايا على الإطلاق, قضية استحضار النية عند الأعمال, وقد ناقشها ابن رجب رحمه الله في كتاب جامع العلوم والحكم عند حديث {إنما الأعمال بالنيات}, وناقشها ابن حزم في المحلى , ونتيجة هذا النقاش: أن العبد عليه أن يستحضر أنه يريد بالعبادة وجه الله, لكن لو فاتته في بعض لحظات العبادة فلا يهمه ذلك إذا كان المقصد والمبدأ وجه الله, كأن يقول: أنا أريد الصلاة لله عز وجل, ثم ينسى أنه يريد الصلاة لله, وتذهب عنه هذه النية فلا يهمه؛ لأنه ما قام إلا مصلياً لله عز وجل.
والنية عجيبة، حتى قيل للإمام أحمد كما في جامع العلوم والحكم: يا أبا عبد الله! كيف نحصل على نية؟ قال: ليفكر العبد لعل الله أن يرزقه النية. وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: والله لا أدري ما هي هذه النية, وكيف تحصل, وإنما نسأل الله أن يرزقنا النية. لأنه لا يُدْرى كيف تمسك هذه النية, ولا كيف تقيد وتضبط, لكن على العبد أن يصدق ويدعو، وأن يحاول وأن يرجو الله عز وجل أن يمنحه النية الخالصة.
الجواب: هذه المسألة وردت عن السلف , والذي تكلم فيها بكلمة جيدة هو الفضيل بن عياض كما نقل عنه, فقد قال: "العمل من أجل الناس رياء, وترك العمل من أجلهم شرك, والإخلاص أن يعافيك الله منهما".
فأنت إذا عملت من أجل الناس لتحمد فقد راءيت مع الله عز وجل في العبادة, وإذا تركت العمل من أجلهم فقد أشركت, مثلاً: إنسان يصلي الضحى دائماً، فخرج معه أناس فرأى من الحكمة ألا يصلي لئلا يمدح؛ فهذا قد أشرك في العبادة, لأنه ترك شيئاً من العبادة من أجل الناس, وإنسان آخر ما كان من هديه ولا من عادته أن يصلي الضحى, فلما خرج مع أناس صلى الضحى من أجلهم فهذا قد راءى.
فالمقصود أن تعمل العمل الذي لله عز وجل بدون أن تنظر إلى الناس, لا تعمل من أجلهم عملاً ولا تترك من أجلهم عملاً, فإنك إذا عملت من أجلهم فقد راءيت, وإذا تركت من أجلهم فقد أشركت, والسلامة أن يعافيك الله من هذين الأمرين, وذلك بأن تعمل العمل مخلصاً صادقاً, تطلب أجره وثوابه من عند الله عز وجل.
الجواب: كل ما سلف من الكلام نصيحة لي ولك ولكل مسلم, وعليك بكثرة الدعاء والصدق مع الله, قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] فالله لا يضيع سعيك ولا سجودك ولا ركوعك ولا دعاءك, بل سوف ينفح عليك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من نفحاته, ويلطف بلطفه, لكن عليك أن تستعيذ بالله من الشيطان, وتستعيذ من الهوى, وتستعيذ من قرناء السوء, وأن تجدد نيتك دائماً وأبداً.
وأنصحك بما ذكره ابن الجوزي في صيد الخاطر: أن تطالع موضوعات الإخلاص كثيراً في كتب الإخلاص, مثل: موضوع الإخلاص في الترغيب والترهيب للمنذري, وموضوع الإخلاص في رياض الصالحين, ومواضيع الإخلاص عند الحفاظ مثل: مجمع الزوائد وجامع الأصول, وفي غيرها من الكتب الجامعة, فعليك أن تطالعها كثيراً, ثم طالع تراجم الصالحين وسير الأخيار, مثل سير الصحابة, وسيرة سعيد بن المسيب , والحسن البصري , ومالك , وسيرة أبي حنيفة , والشافعي , وأحمد بن حنبل , وابن المبارك , قال الله عز وجل: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90].
الجواب: أبشر هذه الأخت المسلمة السائلة وكل مسلمة أن الله أعد للمؤمنات ما أعد للمؤمنين, وهذا السؤال قد ورد على النبي صلى الله عليه وسلم من أم سلمة، كما في تفسير قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ [آل عمران:195].
فقد جاء في الحديث: {قالت النساء: يا رسول الله! الرجال ذكروا في القرآن كثيراً, ووعدهم الله ثواباً, ووعدهم مبرة في الجنة؛ فما لنا نحن؟ فأنزل الله عز وجل في كتابه, ما اكتفى بجواب رسوله صلى الله عليه وسلم بل أفتاهم الله عز وجل فقال: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى [آل عمران:195]} فأبشري وأملي في ربك ما يسرك, فإن الله قد أعد النعيم لكل مسلم من ذكر وأنثى, لأن بعضنا من بعض, فالأم هي أم البيت, وهي العمة والخالة والأخت, وهي القريبة, وهي الحميمة, وهي المدرسة التي تعد الأجيال, والتي تربي البيت؛ فلها عند الله جزاؤها وثوابها موفوراً.
وأما مسألة: من كان لها أكثر من زوج, فبمن تزوج في الجنة؟ فقد ناقشها بعض أهل العلم, وخرج بعضهم بأنها تزوج أحبهم إليها وأصلحهم وخيرهم, فهي زوجته عند الله عز وجل, فأحسن الأزواج وخيرة الأزواج وأحبهم إلى قلبك هو زوجكِ إن كنتِ من أهل الجنة.. نسأل الله أن يدخلنا وإياكن الجنة.
الجواب: نصيحتي لكل مسلم عنده مؤمنة في بيته يريد أن يصون عرضها ودينها وشرفها أن يبحث لها عن رجل, وإذا أتاه من يرضى دينه وأمانته أن يزوجه, وألا يرد طلبه فيبتليه الله عز وجل بفساد وفتنة, ففي الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: { إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} فالله الله..! وأي طلب أكبر من رجل صالح يصلي لله الصلوات الخمس, ويتوضأ بماء التوبة والصدق والإخلاص, ويريد ما عند الله، حَسن الخلق قائم بكتاب الله.. فأين يُذهب بنا؟ وأين يذهب بعقولنا؟ وأين يذهب بأخلاقنا؟
أن نعرض بناتنا وأخواتنا على الفجرة وعلى المردة أعداء الله, لتعيش حياة الضنك, الحياة الجهنمية, حياة المعصية, وترك الصلاة, وهجر كتاب الله عز وجل ومقاطعة ذكره سبحانه، لتستمع الغناء والهراء, وترى المعصية بعينها, فتعذب في الدنيا, ثم لا تجد طريقاً لأن تعبد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
فلنتق الله في أنفسنا، ولنتق الله في بيوتنا، ولنتق الله في بناتنا وأخواتنا, ولنطلب لهن بيوتاً صالحة, ولنعنهن على ما يقربهن من الله عز وجل, ولنكن من مفاتيح الخير؛ لأننا لا نرضى ونحن الرجال أن تدخل علينا امرأة فاجرة؛ فكيف ترضى وأنت رجل ألا تزوجها رجلاً صالحاً محسناً قريباً من الله عز وجل, لينقذها الله به من النار, وليصلح لها شأنها وظاهرها وباطنها.
فأسأل الله أن يصلح شأننا وشأنكم، وأن يصلح بيوتنا ويصلح قلوبنا, إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.
الجواب: المسألة ليس فيها فاضل ولا مفضول, بل لا يرفع صوته, وليكتم ما استطاع لأنها صلاة, ولأن للصلاة خشوعاً وآداباً, وإن كان تكلف هذا الصوت, وتكلف الشهيق والزفير في البكاء, فهو مذموم, وقد خالف الأوْلى, وعليه أن يتقي الله, وليخفِ بكاءه ودموعه، وليكن بكاؤه لله عز وجل.
وإن غلبه ذلك فإنه يعذر؛ لأن بعض الناس يغلبه البكاء, فلا يستطيع أن يكتم صوته ولا أنفاسه لما في قلبه من حرارة وكثرة البكاء, فهو مأجور ومشكور, فقد كان أبو بكر رضي الله عنه يسمع نشيجه من آخر الصفوف, وسمع بكاء عمر من الصفوف المؤخرة في المسجد, وفي سنن أبي داود عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال: {دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعت لصدره أزيزاً كأزيز المرجل من البكاء} والمرجل: هو القدر الذي يغلي إذا استجمع غلياناً على النار.
والبكاء فضيلة ولا شك: {عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله, وعين باتت تحرس في سبيل الله} قال تعالى: أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ [النجم:59-60].
فلذلك مدح الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من يبكي من خشيته, وأعد الله له ثواباً عنده.
الجواب: النصيحة التي يمكن أن أقدمها إلى نفسي وإلى إخواني من المسلمين أن يتقدموا ليقدمهم الله عز وجل عنده, يقول عليه الصلاة والسلام: {لا يزال قوم يتقدمون حتى يقدمهم الله فيمن عنده, ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله فيمن عنده} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {خير صفوف الرجال أولها, وشرها آخرها, وخير صفوف النساء آخرها, وشرها أولها}.
والصف الأول يصلي عليه لله وملائكته، كما في حديث جابر بن سمرة: {إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف والصفوف الأول} فاغتنم أن تكون وراء الإمام لتحظى بقربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, ولتكون من المبكرين لطاعته. جاء في كتاب الزهد للإمام أحمد في ترجمة عدي بن حاتم أنه قال لما أتته الوفاة: [[ما أتتني صلاة إلا وقد توضأت وأنا لها بالأشواق]].
وذكروا أن أحد الصالحين كان يشتغل بالنجارة, فكان إذا سمع (الله أكبر) وقد رفع المطرقة أسقطها وراء ظهره وقام إلى الصلاة.
وورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون في مهنة أهله, فإذا سمع (الله أكبر الله أكبر) قام كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه}.
والذي يلاحظ على كثير من الشباب التأخر عن أوقات الصلاة وهم من أهل الاستقامة ومن أهل الخير, بل إن بعضهم لا يأتي إلا بعد أن يكبر الإمام تكبيرة الإحرام, فأين الصف الأول؟ وأين استغفار الملائكة؟ يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: {لا تزال الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه أو ما دام ينتظر الصلاة -في رواية
الجواب: أولاً: قبل أن نخبرها بجواز قراءة القرآن أو عدمه, إن كانت حلقة العلم في المسجد فلا ينبغي أن تأتي إلى المسجد, وعليها أن تجتنب المسجد, فإن الرسول صلى الله عليه وسلم {نهى أن يدخل المسجد حائض أو جنب} كما في رواية أبي داود من حديث علي. وأما إذا كانت حلقة العلم في غير المسجد فلها أن تحضرها, وأما قراءة القرآن عن ظهر قلب للحائض فليس بها بأس, وبعض أهل العلم يقولون: يجوز لها أن تمس المصحف لأنهم يضعفون حديث علي الذي عند أبي داود: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يمس القرآن حائض أو جنب} ضعفوه وجوزوا لها أن تمس المصحف.
ولكن الأحوط والأوْلى أن تقرأ القرآن عن ظهر قلب، أما أن تمس المصحف فليس لها ذلك إذا كانت حائضاً.
الجواب: نعم. الحديث الذي ذكر الأخ حديث صحيح، قال لها صلى الله عليه وسلم: {ناوليني الخمرة, قالت: إني حائض, قال: إن حيضتك ليست في يدك} والخمرة كالسجادة يصلي عليها صلى الله عليه وسلم.
لكن هذا الحديث -بارك الله فيك- فيه احتمال, وإذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال؛ فإن مسألة طهارة اليد ومس المصحف من عموم هذا الحديث ليست بواردة, وليست بأكيدة من النص, فعلينا أولاً أن نعود للنصوص لنجمعها, وهناك حديث عند أبي داود عن علي رضي الله عنه, وعلى فرض ضعف الحديث؛ فالأحوط ألا تقرب المصحف, أما أن نأخذ طهارة الحائض وطهارة يد الحائض من هذا؛ فلو كان الأمر كما قلت لترك الرسول صلى الله عليه وسلم لها المجال, ونقول: ما دامت يدك طاهرة, وجسمك طاهراً, فادخلي المسجد, وقد قال صلى الله عليه وسلم لـأم سلمة لما توضأ معها واغتسل: {إن الماء لا يجنب} مع العلم أن الماء كاليد في وصول الجنابة إليه أو وصول حدث الحائض إليه, ولكم أن تعودوا إلى أهل العلم كسماحة الشيخ الوالد عبد العزيز بن باز وغيره من العلماء.
ولكن الذي أعرفه في المسألة أنه لا ينبغي لها أن تمس المصحف, احتياطاً لهذه الأحاديث، ولما ورد من آثار, ولها أن تقرأ القرآن غيباً.
الجواب: الداخل إلى المسجد غير الجالس اللابث في المسجد, لأن الله عز وجل قال للجنب: إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ [النساء:43] فالعابر غير الجالس, فأنا أقول: لا تجلس في المسجد, لا الحائض ولا الجنب, ولها أن تعبر المسجد من طرفه إلى طرفه, ولها أن تمر لتأخذ حاجة كما فعلت عائشة, وإلا ففي الصحيحين عن عائشة ذلك أنها قالت: {كان صلى الله عليه وسلم يدني لي رأسه وأنا في بيتي وهو في المسجد, أرجل رأسه} فلماذا لم تدخل عليه في المسجد لترجله؟ لأنها لو رجلت رأسه للبثت معه, واللبث للحائض ليس بجائز.
الجواب: قصيدة الشيخ الوالد تكررت مرتين, وقصيدة مجاهدي الأفغان قد سمعت في مناسبة, ولكن لا بأس بإعادتها، فالمكرر أحلى, هذه القصيدة اسمها "مع المجاهدين الأفغان":
مروا بقلبي فقد أصغى له البانُ لي في حمى الحب إخوان وجيرانُ |
نعم لك الله ما قد تبت من ولهٍ أما لكم صاحبي صبر وسلوانُ |
أنا يراعتك اللاتي كتبت بها رسالة الحب ما في ذاك نكرانُ |
دع ذا وهات قوافٍ منك صادقة لأمة مجدها بالأمس فينانُ |
كم ملحد ماجنٍ ظن الحقوق له زفوا له الموت مراً وهو مجانُ |
وبلشفي أتى كالعير منتخياً رأى المنايا فأضحى وهو جعلانُ |
ردوه كالقرد لو بيعت سلامته بشعبه لشراها وهو جذلانُ |
فروا على نغم البازوك في غسق فقهقهت بالكلاشنكوف نيرانُ |
يسعى فيعثر في سروال خيبته في أذنه من رصاص الحق خرصانُ |
وهناك قصيدة أرسلتها للشيخ سياف وهي بعنوان "المدوية":
سياف في ناظريك النصر يبتسم وفي محياك نور الحق مرتسم |
وفيك ثورة إسلام مقدسة بها جراح بني الإسلام تلتئم |
حطمت بالدم أصناماً محجلة وصافحت كفك العلياء وهي دم |
ثأرت لله والدين الحنيف فلم يقم لثأرك طاغوت ولا صنم |
على جبينك من سعد توقده وخالد في رؤى عينيك يقتحم |
حلِّق إذا شئت فالأرواح طائرة فعن يمينك من عاهدت كلهم |
وصغ من المهج البيضاء ملحمة يظل يقرؤها التاريخ والأمم |
موتاً على صهوات البيد يعشقه أهل البسالة في عليائهم شمم |
لا موت من تسكر اللذات فطنته حياته في الورى سيان والعدم |
سياف خذ من فؤادي كل قافية تجري إليك على شوق وتستلم |
بها حياء إذا سارت لحضرتكم ماذا تقول ويكفي أنك العلم |
كادت معاليك أن ترويك معجزة لكن تواضعك الأسمى لها كتم |
كأنما أنت كررت الأُلى ذهبوا هذا صلاح ومحمود ومعتصم |
السائرون وعين الله ترقبهم السابحون وماء البحر مضطرم |
أكفانهم نسجوها من دمائهم على مطارفها النصر الذي رسموا |
ماتوا ولكنهم أحياء في غرف من الجنان وذابوا لا فقد سلموا |
يكبرون فتهتز الربى فرقاً ويهتفون فيسعى النصر نحوهم |
والطائرات على صيحاتهم سقطت صرعى وربانها فوق الربى فحم |
...إلى آخرها.
نسأل الله تعالى أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم, إنه على كل شيء قدير, وبالإجابة جدير, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر