الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن من الآداب التي نبّه عليها الشارع الحكيم: أنه يستحب الاستقصاء في إزالة الأظفار إلى حد لا يدخل منه ضرر على الأظفار.
فيجتهد الإنسان في تقليم الأظفار، ويستقصي في ذلك، لكن بشرط ألا يؤذي الأصبع أو يدميه.
وقص الأظافر سنة مستحبة؛ لأنه من الفطرة، ويتفاحش بتركه، وربما حك به الوسخ فيجتمع تحتها من المواضع المنتنة فتصير رائحة ذلك في رءوس الأصابع، وهناك بعض الروايات في كيفية قص الأظفار، ويكون ذلك في يوم الخميس أو الجمعة أو غيرها، ولم يثبت توقيت تقليم الأظفار بيوم معين، فغالب العلماء يفضلون أن يكون ذلك يوم الجمعة؛ باعتباره يوم العيد الأسبوعي، وكذلك غيره من سنن الفطرة، لكن لا دليل يخصص لفعل هذه الأشياء وقتاً معيناً أو محدداً، فمتى استحقت الأظافر القص، فعلى الإنسان أن يفعل، يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى: ينبغي أن يختلف ذلك باختلاف الأحوال والأشخاص، والضابط هو الحاجة في هذا وفي جميع خصال الفطرة المذكورة، لكن الحد الأقصى أربعين يوماً، يقول الترمذي الحكيم : فأما قص الأظفار؛ فمن أجل أنه يخدش ويخمش ويضر، وهو مجتمع الوسخ، وربما أجنب ولا يصل الماء إلى البشرة من أجل الوسخ، فلا يزال جنباً، ومن أجنب فبقي موضع إبرة من جسده بعد الغسل غير مغسول، فهو جنب على حاله، حتى يعمّ الغسل جسده كله؛ فلذلك ندبهم إلى قص الأظفار.
وبعدما يقص الإنسان أظفاره، يستحب له حينئذٍ أن يغسل رؤوس الأصابع؛ تكميلاً لنظافتها، وحمل بعض العلماء حديث عائشة رضي الله عنها في غسل البراجم أن المراد به: غسل رؤوس الأصابع، ويحتمل أن البراجم هي هذه العقد التي في الأصبع.
كما قال الإمام الخطابي رحمه الله: البراجم: العقد التي في رءوس الأصابع، والرواجب: ما بين البراجم؛ لأنه ربما تجتمع فيها الفضلات فيها أحياناً، وغسل البراجم سنة مستقلة وليست بواجبة.
والحديث الذي جاء في غسل البراجم وأنه من خصال الفطرة، أخذ منه بعض العلماء استحباب غسل التعرجات التي تظهر عند فرد الأصابع، وألحقوا بذلك ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن وقعر الصماخ، فيزيله بالمسح ونحوه.
يسنّ ألا يحيف على الأظفار في التقليم عند الغزو والسفر، فقد ذكر العلماء أن من كان في حالة سفر أو غزو وجهاد، فلا ينبغي له أن يستقصي في قص الأظافر؛ لأنه ربما احتاج إلى فك حبل مثلاً أو شيء معين، فتكون أظافره طويلة طولاً يسيراً بحيث يستطيع أن يمسك بها ويفك به ما يحتاج إليه، وذكر بعض العلماء أنه قد يستخدم الأظافر في قتال العدو عند فقد السلاح، وعن عمر رضي الله عنه قال: وفّروا الأظفار في أرض العدو؛ فإنه سلاح. قالوا: والسفر في معناه.
من الآداب: أنه عند النظر في المرآة ينبغي قول: (اللهم كما حسنت خلقي فحسن..) وفي زيادة: (وحرم وجهي على النار)، وهذا الدعاء من الأدعية المسبقة وليس من الأدعية الموظفة، إذ إنه غير مرتبط بوظيفة المرآة، فمن الممكن أن يقوله الإنسان إذا نظر إلى المرأة، أو قد يقوله في أي وقت آخر؛ لأنه ينبغي له في أي وقت أن يدعو الله تبارك وتعالى بهذا الدعاء، حيث أنه دعاء مطلق كسائر الدعاء، وهذا الحديث صححه الشيخ الألباني حفظه الله، وذكر أنه يقال مطلقاً دون قيد النظر في المرآة، وأما الزيادة: (وحرَّم وجهي على النار) فهي ضعيفة.
ولا ينبغي النظر في المرآة كما يفعل ذلك أصحاب رياضة النيوزا، لكن يكون النظر في المرآة بقصد تحسين الهيئة، كإصلاح الشعر أو اللحية أو نحو ذلك، ويستحب تسريح الشعر وترجيله وإكرامه؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أبي داود : وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان له شعر فليكرمه)، وسواء في ذلك شعر اللحية أم شعر الرأس.
وجاء عن عطاء بن يسار حديث مرسل، وهو مشتهر على ألسنة الناس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فدخل رجل ثائر الرأس واللحية، فأشار صلى الله عليه وسلم بيده كأنه يأمره بإصلاح شعره ولحيته، ففعل ثم رجع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم وهو ثائر الرأس كأنه شيطان) هذا الحديث رواه الإمام مالك في الموطأ مرسلاً؛ لأن عطاء بن يسار من التابعين، فهو بهذا الإسناد ضعيف، لكن قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله تعالى: جاء موصولاً بمعناه عن جابر وغيره.
والحديث الذي جاء بنفس المعنى عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلاً شعثاً قد تفرق شعره، فقال: أما كان هذا يجد ما يسكّن به شعره. ورأى رجلاً عليه ثياب وسخة فقال: أما كان هذا يجد ماء يغسل ثوبه)، قال الإمام النووي : رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم .
وعن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى قال: إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا -أراه قال:- أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود. قال الراوي يعني الذي سمع من سعيد بن المسيب : فذكرت ذلك لـمهاجر بن مسمار ، فقال: حدثنيه عامر بن سعد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه قال: (نظفوا أفنيتكم) أخرجه الترمذي وقال: غريب. وحسّنه الألباني بشواهده.
والشاهد فيه قوله: نظيف يحب النظافة، فإكرام الشعر يكون بالتسريح أو بصونه أيضاً من نحو الوسخ والقذر، فعلى الإنسان أن يتعاهد شعره بالتنظيف والإدّهان بالزيوت، وأحياناً يعبّر بالدهن عن الطيب، لكن ينبغي أن نتذكر أدباً مهماً، وهو أن الإنسان لا ينبغي له أن يواظب على دهن شعر رأسه وتسريحه حتى يكون شغله الشاغل، أو يكثر ويبالغ في ذلك، (فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإرفاه، قيل: وما الإرفاه؟ قال: كثرة التدهن والتنعم) والإرفاه أيضاً كما في الحديث الآخر: (هو الترجل كل يوم) وفي الحديث الآخر: (نهى صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غِبّاً)، وأصل الغبّ في اللغة كما في الحديث الآخر: (زر غباً تزدد حباً) يعني: الإنسان ألا ينبغي له يواظب كل يوم أو كل وقت على زيادة إخوانه، بل يغيب ثم يزور، وكذلك هنا: (نهى عن الترجل إلا غباً) يعني: أن يفعل يوماً ويترك يوماً، لكن قال العلماء: ليس المراد خصوصية الفعل يوماً والترك يوماً، وإنما المقصود: أن الإنسان لا يواظب على ذلك بحيث يكون شغله الشاغل ووظيفته الدائمة.
قال الإمام ابن قدامه رحمه الله تعالى: يستحب أن يكتحل وتراً، ويدهن غباً، فينظر في المرآة ويتطيب، قال حنبل : رأيت أبا عبد الله وكانت له صينية فيها مرآة ومكحلة ومشط، فإذا فرغ من حزبه -أي: إذا فرغ من قراءة ورده من القرآن أو الأذكار- نظر في المرآة، واكتحل، وامتشط.
والمقصود بقوله: رأيت أبا عبد الله : هو أحمد بن حنبل ؛ لأنه إذا جاء ذكر أبا عبد الله في كتاب فقه حنبلي فالمقصود به: أحمد بن حنبل ، وإذا كان في كتاب فقه شافعي ذكر هذه الكنية فالمقصود: الشافعي ، وإذا كان في كتاب فقه مالكي فالمقصود: الإمام مالك ؛ لأن أبا عبد الله هي كنية الأئمة الثلاثة، فالإمام مالك كنيته أبو عبد الله ، والإمام الشافعي كذلك، والإمام أحمد كذلك، أما الإمام النعمان بن ثابت فكنيته: أبو حنيفة ، رحمهم الله أجمعين، وأحياناً يأتي في بعض كتب الفقه عبارة: وذهب إلى هذا آباء عبد الله. يعني: الأئمة الثلاثة اختصاراً.
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالإثمد؛ فإنه يجلو البصر؛ وينبت الشعر)، والإثمد: نوع من الأحجار التي يصنع منها الكحل، حيث يُدَقّ ويضاف إليه الأشياء ويكتحل به. وقد عثرت على عبارة للإمام القرطبي في تفسيره وهو يتكلم عن بعض هذه الآداب فيقول: وكذلك الكحل من الرجال: منهم من يليق به، ومنهم من لا يليق به. وحكم هذه الأشياء شرعاً: أنها سنة مستحبة بلا شك، ما زلنا نبحث عن كلام لبعض أهل العلم في هذا، وما وقفت على غير عبارة الإمام القرطبي السابقة، ونحن نُقّر أن الاكتحال سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك اتخاذ الشعر سنة، والمهم في هذا الأمر هو النية، أي: أن ينوي الإنسان بذلك الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، والآن يُستنكر إسدال الشعر غالباً؛ لأن الناس الآن تعوّدوا أن يروا إسدال الشعر من عادة النساء؛ بسبب تبرج كثير منهن، فيظهر من كان موفراً لشعره وفق السنة كأنه متشبه بالنساء، فلو لم يوفر شعره خشية التشبه بالنساء، مع كونه يريد أن يفعل هذه السنة، فهو يثاب عليها ولو لم يفعلها.
وكذلك في الاكتحال، فإنه نظراً للبعد عن الآداب الشرعية، فقد أصبح الكحل في مجتمعاتنا كأنه خاص بالنساء، وربما لو اكتحل الإنسان في وسط هذه المجتمعات وهو يريد الأجر باتباعه لسنّة مستحبة، فقد يوصف بأنه متشبه بالنساء كما يفهم كثير من الجهال، فيمكن أن يؤجر الإنسان إذا ترك الكحل بنيّة أن يكف ألسنة المغتابين؛ لأنهم إذا رأوه فعل ذلك، فبالتالي اغتابوه ووقعوا في معصية لله؛ لجهلهم بأن هذا من الآداب الشرعية، ويرون مثل هذا الفعل مُزرياً به، فإذا ترك ذلك ليكفّهم عن الوقوع في النميمة فهو مأجور، وينبغي للإنسان أن يراعي أيضاً حال المجتمع الذي يعيش فيه.
وفي بعض البلاد كالحجاز مثلاً تجد أن النساء عموماً محتجبات، والاكتحال عندهم شيء عادي، أما إذا وجد الإنسان أنه في مجتمع ربما يجلب عليه تطبيق السنة أشياء من المنكرات والفضائع التي تؤذيه أو تزري به، فإنه إن لم يفعل ذلك بنيّة كفّ الناس عن الوقوع فيه وغيبته، فلعله يؤجر في ذلك أيضاً كما سبق، ومع ذلك لا ننكر على من اكتحل بنية إحياء السنة أو تذكير الناس بها، فكلٌ بحسب نيته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر