إسلام ويب

تفسير سورة المنافقونللشيخ : مصطفى العدوي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • سورة المنافقون من السور المدنية التي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، والنفاق لم يكن موجوداً بمكة وإنما نشأ في المدينة حينما قويت شوكة المسلمين فيها. وأهل النفاق يهتمون اهتماماً بالغاً بالمظهر دون المخبر، فهم ذوو أجسام حسنة وهيئات بهية، ولكنهم كالخشب المسندة التي لا فائدة منها، وأما أهل الإيمان فهم حريصون غاية الحرص على القلب والعمل الصالح، وقد ذكر الله تعالى في هذه السورة جملة من صفاتهم وأخلاقهم وما فعلوه مع النبي صلى الله عليه وسلم، حتى نحذر منهم ومن أن نكون مثلهم.

    1.   

    أقسام النفاق

    باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

    وبعد:

    فسورة المنافقين من السور المدنية التي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، والنفاق لم يكن موجوداً بمكة، إنما نشأ النفاق بالمدينة لما قويت شوكة المسلمين فيها، والنفاق ينقسم إلى قسمين: نفاق اعتقاد، ونفاق عمل.

    ونفاق الاعتقاد: هو الذي يخلد صاحبه في النار، وهو الذي ورد فيه قول الله سبحانه وتعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [النساء:145].

    أما نفاق العمل: فهو مثل الوارد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)، وكالوارد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ..) إلى آخر الحديث.

    فنفاق العمل يلحق بالمعاصي والآثام، ولا يخلد صاحبه في النار؛ وذلك لأن الكذب وإخلاف المواعيد ونحو ذلك، معاصٍ تكاد تصل إلى حد الكبائر، لكن لا توجب لصاحبها خلوداً في النار.

    أما نفاق الاعتقاد، وهو إضمار الكفر وإظهار الإسلام، فهو الذي يخلد صاحبه في النار، وهو الذي تتعلق به هذه السورة الكريمة، وكذلك أكثر الآيات الواردة في ذكر النفاق في كتاب الله سبحانه إنما تتعلق بنفاق الاعتقاد، أما نفاق العمل فوروده في كثير من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    تفسير أوائل سورة المنافقين

    يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ [المنافقون:1].

    ( نشهد ) هنا بمعنى: نحلف، أحياناً يكون معنى الشهادة هو معنى الحلف، وأحياناً تختلف الشهادة عن الحلف، وما هو وجه اختلاف الشهادة عن الحلف أحياناً؟

    من المعلوم عند المحاكمات أن أيمان اليهود وأيمان النصارى تجزئ ويُطلب منهم الأيمان، لكن شهادتهم لا تعتمد في كثير من المسائل، فمثلاً: في مسائل الطلاق يقول الله سبحانه: وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2]، فأحياناً يتحد معنى الشهادة ومعنى الحلف، وأحياناً تأخذ الشهادة معنىً والحلف معنىً آخر.

    فمثلاً: في آيات الملاعنة يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [النور:6]، ( فشهادة أحدهم ) أي: يمين أحدهم، وكذلك في قول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ [المائدة:106]، والآية مصدرة بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ [المائدة:106]، وفي ختام الآية: فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ [المائدة:106]، فالشهادة هنا هي اليمين.

    اتقاء المنافقين بالأيمان الكاذبة

    إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ [المنافقون:1] أي: نحلف لك بالله، إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ [المنافقون:1] أي: نقسم ونحلف أنك رسول من عند الله، وهو تستر منهم وراء الأيمان، وهذا شأن أهل النفاق وأهل الكذب والغدر، يتسترون دائماً وراء الأيمان، كما قال الله سبحانه: اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [المنافقون:2]، ( اتخذوا أيمانهم جنة ) أي: وقاية يتقون بها أهل الإيمان، وبطش أهل الإيمان، ويتقون بها حدود الله، إلى غير ذلك، فمن شعار أهل النفاق أنهم يكثرون من الأيمان، ولذلك كره جمهور أهل العلم الإكثار من اليمين.

    ومن حججهم وأدلتهم على كراهية الإكثار من اليمين:

    أولاً: أن الله سبحانه وتعالى قال: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم:10-11]، فالحلاف: هو كثير الحلف.

    ومن أدلتهم على ذلك: أحد الوجوه في تفسير قول الله سبحانه: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ [البقرة:224]، وإن كان جمهور المفسرين في تفسير الآية على أن المعنى: لا تجعلوا اليمين بالله حائلاً بينكم وبين فعل الخير، لكن ثمّ وجه آخر من أوجه التأويل بأن المعنى: لا تكثروا الأيمان.

    ثالث أدلة القائلين بكراهية الإكثار من اليمين: أنه فعل أهل النفاق، وقد نهينا عن التشبه بأهل النفاق، ولا يمنع هذا أن تقسم أحياناً حتى وإن لم يطلب منك القسم ولا يثرب عليك؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك مراراً، فحين جاءه رجلان يختصمان، فجاء الرجل وقال: (يا رسول الله! إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، فقضوا أن على ابني مائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: -وهذا وجه الاستشهاد- والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله عز وجل)، ولم يطلب منه اليمين.

    وكذلك قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها) دون أن يطلب منه القسم، فقد يكون هناك داعٍ يدعو إلى تثبيت الحكم فيقسم الشخص، لكن لا يكون هذا القسم شعاراً له ولا ديدناً، فهو شعار وديدن المنافقين، يتقون بأس المسلمين بأيمانهم الكاذبة.

    إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ [المنافقون:1]، وهي: نحلف عند الجمهور من المفسرين، ومن المفسرين من قال: إن معناها نقر ونعترف، لكن أكثر المفسرين قالوا: (نشهد) أي: نحلف.

    نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [المنافقون:1-2]، والجُنَّة هي الوقاية، ومنه ما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، (في المتصدق الذي يلبس ثياباً تجن بنانه) أي: تخفيها وتغطيها، وهذا أصل مادة الجن والجُنَّة فكلها منشؤها الإخفاء، ومنه قولهم: للجن جن لاستتارهم وخفائهم، وقيل للجنة جنة؛ لأنها تجن من دخلها لكثرة أشجارها.

    فقوله: اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً [المنافقون:2]، أي: وقاية يتقون بها أهل الإسلام، فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [المنافقون:2] ، وذلك؛ لأنهم في الظاهر أهل إسلام، ومع إسلامهم يقسمون بالله أيماناً كاذبة فيظن ضعيف العلم والإيمان أنهم على حق في مقالتهم، فينصرف عن الدين وراءهم للأيمان التي يقسمونها وللشهادات التي يشهدونها في الظاهر.

    فلأهل النفاق علامات ذكرها الله في مواطن متعددة من كتابه، قال سبحانه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ [العنكبوت:10].

    فقوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ)، أي: إن جاءته بلية أو مصيبة في بدنه أو في ماله، فلضعف إيمانه بالله يسوي بين هذه البلية وبين عذاب الله، فيترك الإيمان ويرجع إلى الكفر والردة والعياذ بالله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ [العنكبوت:10]، والآيات في وصف المنافقين في غاية الكثرة والوقت لا يتسع لها، فنحن بصدد تفسير سورة المنافقين فقط.

    قال الله جل ذكره: اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [المنافقون:2]، أي: صدوا غيرهم عن الدخول في الإسلام، إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا [المنافقون:2-3]، بألسنتهم، ثُمَّ كَفَرُوا [المنافقون:3]، بقلوبهم، فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ [المنافقون:3-4]، هذا شأنهم وهذا حالهم، كانوا على درجة كبيرة من الحسن والبهاء والجمال، إذا نظرت إليهم أعجبك منظرهم، وإذا رأيت أولادهم أعجبك منظر أولادهم.

    الإرشاد إلى عدم الاغترار بالمظاهر

    وربنا يقول في آية أخرى: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:55]، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وإلى أعمالكم)، ويقول: (التقوى ها هنا، التقوى ها هنا، التقوى ها هنا, وأشار إلى صدره ثلاث مرات) صلى الله عليه وسلم.

    وقد ضحك الصحابة رضي الله عنهم من دقة ساق ابن مسعود ؛ لما صعد شجرة وكشفت الريح عن ساقه، فرأى الصحابة دقة ساقه فعجبوا منها وضحكوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتعجبون من دقة ساقيه؟! لهي والله في الميزان أثقل من جبل أحد)، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (يؤتى بالرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة، وتلا قول الله تعالى: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [الكهف:105]).

    وقال الشاعر:

    ترى الرجل النحيف فتزدريه وفي أثوابه أسد هصور

    ويعجبك الطرير فتبتليه فيخلف ظنك الرجل الطرير

    فالمعول عليه دائماً هو الإيمان، فلا تعجب ببدانة شخص، ولا بضخامة جسم شخص، ولا ببهاء شخص، فقد كان أهل النفاق ذوي أجسام حسنة، وذوي هيئات جميلة، وشارات حسنة بهية، قال الله سبحانه وتعالى: وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ [المنافقون:4]، أي: فعندهم ألسن يصيغون الكلام صياغات، ويتكلفون الكلام تكلفات.

    إعراض المنافقين عن العلم النافع

    كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ [المنافقون:4]، وما المراد بالخشب المسندة؟

    الخشب المسندة على الجدران، فهي خشب لا فائدة منها إلا شغل المكان، فالخشبة قد يكون لها فائدة، وهي أنها تحمل سقفاً مثلاً، أو خشبة قامت مقام العمود الذي يحمل السقف، لكن هؤلاء خشب مسندة على الجدران لا فائدة منها إلا أنها شغلت المكان فحسب.

    وعند هذه الآية أثار العلماء بحثاً، ينصب هذا البحث على أدب الجلوس لطلب العلم، فإذا كان هناك أقوام جلوس في المسجد أثناء درس علم مثلاً، كلٌ قد أخذ له مكاناً مريحاً، هذا وراءه عمود، وهذا ذهب إلى جدار في مكان مريح ليس غرضه أن يفهم، المهم أن يستريح جسمه، وليس حريصاً على العلم، فلا يبالي فهم أو لم يفهم؛ فكان أهل النفاق هكذا، أهم شيء عند المنافق منهم أن يبحث عن مكان مريح يجلس فيه في المسجد، فلا يبالي! كما قال الله سبحانه في شأن الفئات الأخرى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ [محمد:16] جالس يستمع في المسجد، حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا [محمد:16]، أي: هذا الرجل ماذا كان يقول؟ هذا مضمون كلامهم.

    وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ [محمد:16]، فهم جالسون يستمعون خطب الرسول عليه الصلاة والسلام وأقواله، ولكن أهم شيء عندهم الجلوس في مجلس مريح، فلا يبالون بالحديث من أصله، حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا [محمد:16] صاحبكم هذا ماذا كان يقول في المجلس؟

    فهذا شأنهم، وصفهم ربنا سبحانه فقال : كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ [المنافقون:4]، أي كأنهم خشب مستندة إلى جدار.

    وفي حديث الثلاثة الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وهو يدرس أصحابه أدب لطلاب العلم، فأحدهم وجد فرجة في المجلس فأقبل وجلس فيها، والآخر جلس في آخر المسجد، والثالث أدبر وأعرض، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أما هذا فأقبل فأقبل الله عليه، وأما هذا فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما هذا فأعرض فأعرض الله عنه).

    فللجلوس في مجالس العلم آداب، منها ما يستنبطها العلماء من حديث جبريل ومجيئه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه ..)، ثم بدأ يسأل صلى الله عليه وسلم، ولا يمتثل كل ما جاء في حديث سؤال جبريل عليه الصلاة والسلام، وإنما يؤخذ منها أدب السؤال كما صنع جبريل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ [المنافقون:4].

    سبب اعتقاد المنافقين كل صيحة عليهم

    يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ [المنافقون:4].

    وهذا شأن كل أثيم، كل أثيم كما يقول المثل العامي المصري: (الذي على رأسه بطحاء يحسس)، فأنت تتكلم مثلاً في عقوبة الزنا، وفي عقوبة السرقة، وفي عقوبة المرتشي، وليس في ذهنك شخص، ولكن هناك شخص مرتش وزان جالس فيحسب أن الكلام الذي يقال منصب عليه: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ [المنافقون:4]، وكما قال سبحانه في آية أخرى: يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ [التوبة:64].

    وهنا يقول الله سبحانه: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ [المنافقون:4]، أي: كل آية تنزل يظنونها نزلت فيهم، فقد اجتمعت فيهم الموبقات، وعلى حسب الموبقات التي تراكمت عليهم يكون خوفهم وفزعهم، فأنت إذا كنت قد ارتكبت ذنباً واحداً فلن تحسب كل صيحة عليك، وإنما تحسب أن الحديث في هذا الذنب خاصة موجه إليك، لكن إذا كنت قد ارتكبت كل الذنوب، من سرقة وشرب خمر وربا... إلخ، فكل آية يتكلم بها الشخص تحسبها عليك.

    فقوله تعالى: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ [المنافقون:4]، أي: لكثرة الموبقات التي ارتكبوها، فإنهم كذبوا على رسول الله، وآذوا رسول الله، وحدثوا فكذبوا، ووعدوا فأخلفوا، واؤتمنوا فخافوا، وأضمروا الكفر وأظهروا الإسلام، فكل شيء ينزل في أهل نفاق يحسبونه موجهاً لهم.

    قوله تعالى: هُمُ الْعَدُوُّ [المنافقون:4]، لا يعني نفي عداوة غيرهم، وإنما يعني بيان عظيم العداوة التي يكنونها للإسلام ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا كحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، إنما المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه، ولا يتفطن إليه فيتصدق عليه)، فالذي ترده اللقمة واللقمتان مسكين، لكن الأشد منه مسكنة هو الذي لا يجد غنىً يغنيه ولا يتفطن إليه فيتصدق عليه.

    وكذلك حديث: (ليس الشديد بالصرعة)، وحديث: (أتدرون من الرقوب فيكم؟ قالوا: الرقوب من لم يولد له يا رسول الله، قال: ولكن الرقوب الذي لم يقدم شيئاً من الولد) أي: الذي لم يمت له أولاد.

    فقوله تعالى: هُمُ الْعَدُوُّ [المنافقون:4]، من هذا الباب، أي: هم كاملو العداوة لك؛ لأن الكفار أظهروا أمرهم وأظهروا عداوتهم لك، لكن هؤلاء أبطنوا العداوة وأظهروا الإسلام، فكانت عداوتهم أشد وأبشع.

    1.   

    لا منافاة بين الحذر من المنافقين وبين التوكل

    قال تعالى: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ [المنافقون:4].

    قوله تعالى: فَاحْذَرْهُمْ [المنافقون:4]، أمر بأخذ الحذر، والله يقول في آية أخرى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا [النساء:71]، فالأمر بأخذ الحذر والحيطة لا ينافي التوكل، فإن قوماً فهموا هذا الباب على غير وجهه، ففهموا أن التوكل ينافي الأخذ بالأسباب، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث في البخاري وغيره: (ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة، فجاء سعد بن أبي وقاص وسمع لمجيئه صوت السلاح، قال: جئت أحرسك يا رسول الله).

    ومن الناس من يستدل بأقوال لا أعلم لها أصلاً، وخاصة الوارد عن عمر لما رآه أحدهم نائماً فقال: (حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر )، فلم يجد عنده حراس ولا غير ذلك، وهذا الأثر لا أعلم له سنداً، والأسانيد الثابتة إلى عمر بخلاف ذلك، فإن عمر كان يتخذ الحجبة والبوابين، ففي الصحيح أن عمر كان في مجلسه وله غلام يقال له: يرفأ ، فقال: يا أمير المؤمنين هذا عثمان يستأذن عليك، قال: فأذن له، ثم قال: هذا عبد الرحمن بن عوف يستأذن عليك، قال: فأذن له.

    وأيضاً أراد عيينة بن حصن الفزاري أن يدخل على عمر فلم يستطع، فقال لابن أخيه الحر بن قيس : يا ابن أخي! إن لك وجاهة عند هذا الأمير فاستأذن لي في الدخول عليه، فاستأذن الحر بن قيس لعمه عيينة بن حصن الفزاري في الدخول على عمر .

    وأيضاً علي بن أبي طالب رضي الله عنه، جاءه آتٍ فقال: يستأذن عليك ابن جرموز قاتل الزبير بن العوام فقال: ائذن له وبشره بالنار، فالشاهد في قوله: يستأذن عليك فلان.

    فاتخاذ الحجبة واتخاذ الحرس لا ينافي التوكل على الله، بل أمرنا الله أمراً فقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71]، فهذا أمر من الله سبحانه وتعالى، وهنا يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ [المنافقون:4]، فلا يُفهم التوكل على غير وجهه الصحيح، فإن نبينا صلى الله عليه وسلم وهو خير المتوكلين يؤمر بالحذر من المنافقين.

    هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ [المنافقون:4]:

    من العلماء من يطلق القول فيقول: كل آية فيها (قتل)، مثل: (قاتلهم الله، أو قتل الخراصون، أو قتل الإنسان ما أكفره) فمعناها: لعن، فمعنى قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ [الذاريات:10]: لعن الخراصون، قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ [عبس:17]، أي: لعن الإنسان ما أشد كفره.

    قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4] من العلماء من يجري المعنى الأصلي على هذا فيقول معناها: لعنهم الله أنى يؤفكون، و( يؤفكون ) معناها: يصرفون، مثل قوله سبحانه: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ [الذاريات:9]، أي: يصرف عنه من صرف.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله...)

    قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ [المنافقون:5]:

    هذا حالهم، لا يبالون باستغفار رسول الله ولا غيره لهم، ومن أمثالهم: الجد بن قيس صاحب الجمل الأحمر، الذي ورد له ذكر في صلح الحديبية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شهد بيعة الرضوان فله الجنة -وفي بعض الروايات- إلا صاحب الجمل الأحمر).

    قال فريق من المفسرين: إن صاحب هذا الجمل الأحمر هو الجد بن قيس ، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه ضل بعيره يوم الحديبية فذهب يبحث عنه، فقال له الناس: هذا رسول الله يبايع المسلمين تعال فبايع، وسل الرسول أن يستغفر لك، فقال: لا والله لأن أجد جملي أحب إليَّ من أن يستغفر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا هو صاحب الجمل الأحمر، وقد ورد فيه هذا الحديث.

    والجد بن قيس هو الذي عزله الرسول عن السيادة، فقال لبني سلمة : (من سيدكم يا بني سلمة؟ قالوا: يا رسول الله! الجد بن قيس على أنّا نبخله، قال: وأي داءٍ أدوى من البخل؟! بل سيدكم فلان.. ) وسمى لهم سيداً آخر؛ بسبب بخل هذا الرجل.

    وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ [المنافقون:5]، فحالهم أنهم يرفضون استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم، والله يقول: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ [المنافقون:6]، أي: يستوي في حقهم أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [المنافقون:6]، وهذه الآية كقوله تعالى: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:80].

    مسألة استجابة الله لكل دعوات الأنبياء

    يقول الله سبحانه: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [المنافقون:6]، وهنا يثار بحث سريع: هل كل دعوات الرسول صلى الله عليه وسلم استجيبت؟ أو هل كل دعوات الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم استجيبت؟

    تحرير الإجابة: أنه لم تستجب كل دعوات الأنبياء، فثم دعوات دعا بها الأنبياء فلم يستجب دعاؤهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سألت ربي ثلاثاً، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألته: أن لا يجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها، -وفي بعض الروايات: ولكن يقتل بعضهم بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً ..) الحديث.

    وإبراهيم صلى الله عليه وسلم لما قال الله له: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة:124].

    ونوح لما قال: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ [هود:45]، قال الله: يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [هود:46].

    ترتب الثواب على الدعاء وإن لم يستجب

    فقد يقول قائل: مالي أدعو ربي ولا يستجيب دعائي؟!

    فنقول له: إن الله يقول أولاً: فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ [الأنعام:41]، ثم إن أجرك في الدعاء ثابت أُجيبت الدعوة أو لم تستجب، فإذا قلت: يا رب ارزقني، فأجرك ثابت رزقت أو لم ترزق، وذلك إذا استوفيت شروط الإجابة من الطعام الطيب، ومن عدم الدعوة بإثم ولا بقطيعة رحم، إلى آخر ما ورد في شرائط إجابة الدعاء.

    فالدعاء عبادة تثاب عليها إذا استوفيت شروطها، ثم إن استجيبت دعوتك فأنت مثاب، وإن لم تستجب فأنت مثاب، شأن ذلك شأن الشفاعة، قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اشفعوا تؤجروا)، اشفع، أي: توسط، لكن الشفاعة بالحق هي الشفاعة الحسنة، وليس لك تسلط على المشفع فيه ولا على الشافع، قال عليه الصلاة والسلام: (اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله ما شاء) أي: أنت إذا شفعت أُثبت سواء قبلت منك الشفاعة أو ردت شفاعتك، فأنت مثاب على كل حال، ومسألة قبول الشفاعة أو رد الشفاعة ليست لك ولا للذي تشفع عنده، إنما مردها إلى الله، لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ويقضي الله ما شاء) .

    ولذلك شفع النبي صلى الله عليه وسلم عدة مرات، مع أن شفاعته ردت عليه الصلاة والسلام، وذلك كما في قصة مغيث مع بريرة: كان مغيث رجلاً أسود وكان يحب بريرة حباً جماً، فشاء الله أن تعتق بريرة، والسنة في المعتقة أن تخيّر بين البقاء مع زوجها أو الفراق، فاختارت الفراق، فمن شدة حبه لها كان يطوف خلفها في الأسواق يبكي وتبلّ دموعه خده ولحيته، فرآه الرسول على هذه الحال، وكان الرسول يمشي مع عباس ، فقال الرسول للعباس : (يا عباس! ألا تعجب من حب مغيث لـبريرة وبغض بريرة لـمغيث ؟ فقال: يا رسول الله ! لو شفعت، فذهب الرسول يشفع، قالت: تأمرني يا رسول الله؟ قال: لا. إنما أنا شافع، قالت: لا حاجة لي فيه)، فالشاهد: أن أجر الرسول عليه الصلاة والسلام ثابت في شفاعته وقد ردت.

    فكذلك في الاستغفار لقوم، لكن أهل النفاق الذين عُلم بنص الكتاب العزيز أنهم أهل نفاق لا يستغفر لهم، كذلك أهل الشرك لا يستغفر لهم، وقد تأثم إذا استغفرت لأهل الشرك؛ لأن الله يقول: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى [التوبة:113].

    فالدعاء يثاب عليه الداعي حصلت الاستجابة أو أُجلت، فإذا دعوت الله وقلت: يا رب ارزقني، يا رب احفظني، يا رب أكرمني، فأنت مثاب أُجيبت الدعوات إجابات عاجلة، أم اُُدخرت، أم صرف عنك من السوء شيء كان سينزل بك.

    قال الله سبحانه: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [المنافقون:6].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله..)

    قال تعالى: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا [المنافقون:7].

    وهذا المسلك مسلك أهل النفاق، ويسلكه الشيوعيون دائماً لصرف الناس عن الأديان، يشغلونهم بمسائل الطعام والشراب، ويجوعونهم حتى يصرفوهم عن الأديان، فسلفهم في هذا هم أهل النفاق الذين قالوا: لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا [المنافقون:7]، أي: حتى يذهب كل واحد ليبحث عن عمل وينصرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فمسلك التجويع لصرف الناس عن الأديان، ومسلك رفع الأسعار لصرف الناس عن الأديان مسلك قديم، فعله المشركون لما حاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعب أبي طالب، ودعا إليه أهل النفاق لما قالوا: لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا [المنافقون:7].

    وأكثر مسالك الكفار لها أصولها من عهد المرسلين، فهي مسالك قديمة، وعلاجها أيضاً معروف في كتاب الله ومعروف في سنة رسول الله، ولذلك جاء الحث على الصبر في البأساء والصبر في الضراء في عدة آيات.

    قوله سبحانه: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا [المنافقون:7].

    فيه حث على الإنفاق على أهل الدين حتى يثبتوا على دينهم، ومن هنا شرعت مسائل تأليف القلوب بالأموال، فلما كان نداء الكفار: لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا [المنافقون:7]، كان لأهل الإيمان شعار مقابل: (إنما المؤمنون إخوة)، وفي الحديث: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

    سبب نزول قوله تعالى: (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله...)

    يقول زيد بن أرقم : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة من الغزوات، فتشاجر مهاجري مع أنصاري، فالأنصاري نادى الأنصار والمهاجري نادى المهاجرين، فقال عبد الله بن أبي ابن سلول : أوقد فعلوها، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، وأيضاً قال: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، فذهب زيد بن أرقم وأخبر عمر بذلك، فذهب عمر وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.

    فدعا النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن أرقم فحدثه بالذي كان.

    فاستدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي ابن سلول ومن قالوا هذه المقولة، فأتوا إلى الرسول وأقسموا بالله ما قالوا هذه المقالة، فصدقهم رسول الله صلى الله عليه مسلم وكذب زيد بن أرقم ، قال أصحاب زيد بن أرقم وأعمامه ماذا جنيت؟ مقتك رسول الله وكذبك رسول الله، قال: فبت بشر ليلة، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ [المنافقون:7]، فأرسل إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: (إن الله قد صدقك يا زيد ) وفي هذا يقول الأنصار: ومنا الذي سمع الله له بأذنه، يعني: صدق الله سماعه وأنزل الله ما يؤيد صحة سماعه.

    وفي الآية معنىً، وهو أن الله سبحانه وتعالى يبرئ ساحة المظلوم، ويبرئ ساحة الصادق، فـزيد كان صادقاً مع رسول الله فبرأه الله سبحانه وتعالى.

    وعائشة أنزل الله براءتها.

    ويوسف برأه الله سبحانه إذ قالت امرأة العزيز: الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ [يوسف:51].

    وموسى أيضاً برأه الله وكان عند الله وجيهاً.

    وتلك الجارية التي قالت:

    ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ألا إنه من بلدة الكفر نجاني

    فقد كانت هذه الجارية لـعائشة وكانت تكثر من ترديد هذا البيت:

    ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ألا إنه من بلدة الكفر نجاني

    والوشاح هو: نسيج عريض تلبسه المرأة.

    فسألتها عائشة رضي الله عنها: مالكِ ترددين هذا البيت؟

    قالت: والله لقد كنت عند قوم، ففقدوا وشاحاً لابنة من بناتهم، فاتهموني بسرقة هذا الوشاح، وفتشوا كل شيء في جسمي حتى فتشوا قبلي، واتهموني بسرقته، فبينما هم على هذه الحال، إذا جاء طائر وألقى بالوشاح فوقهم وهم يفتشونني، فبرأني الله بذلك، فحفظت هذا البيت:

    ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ألا إنه من بلدة الكفر نجاني

    فلتقر عين كل من ظُلم! فإن الله سبحانه وتعالى يبرئ ساحته عاجلاً أو آجلاً، فالله سبحانه وتعالى حكم عدل.

    هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [المنافقون:7].

    إن الذي يقسم الأرزاق هو الله، وكل الخزائن أمرها بيد الله، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [الحجر:21]، فالذي يبسط الأرزاق هو الله، والذي يضيق على العباد هو الله سبحانه وتعالى، وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ [الشورى:27]، فالمرزوق من رزقه الله، والمحروم من حُرم، فأمر ذلك كله إلى الله سبحانه وتعالى.

    وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ [المنافقون:7].

    موقف عبد الله بن عبد الله بن أبي من أبيه

    يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ [المنافقون:8] وهذه أيضاً قالها عبد الله بن أبي لما قال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فتشاجروا فيما بينهم، فقال عبد الله بن أبي : نافسونا في ديارنا، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.

    فأيضاً أصحاب الدعوة إلى العصبيات الجاهلية سلفهم عبد الله بن أبي ابن سلول ، والدعاة إلى النعرات القومية إمامهم عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين.

    قد وردت في ذلك روايات مشهورة يتحدث بها بعض المفسرين، وإن كان في إسنادها ضعف، أن عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول، وكان رجلاً مؤمناً، أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! لقد بلغني أن أبي قال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ولقد بلغني يا رسول الله! أنك تريد قتله، فإن كنت تريد قتله يا رسول الله فدعني أنا أقتله، فإني أخشى أن يقتله رجل من المسلمين فتأخذني الحمية فأقتله، فأقتل مسلماً بكافر فأدخل النار، ولكن دعني يا رسول الله آتيك برأسه، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: لا ولكن نستوصي به خيراً) أو كما قال.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله)

    يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [المنافقون:8-9]، أي: كما ألهت أهل النفاق، وكما شغلت أهل النفاق، فقد يكون هذا هو وجه الربط بين قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [المنافقون:9]، وبين موضوع السورة.

    وبعض أهل العلم ومنهم : الشوكاني في تفسيره فتح القدير، وتبعه وأخذ ذلك منه صديق حسن خان في فتح البيان لا يقولون بلزوم التناسب، بل وألّف قبلهما مؤلفون في مناسبة الآية مع التي قبلها.

    قال الشوكاني رحمه الله تعالى ما حاصله وفحواه: لا يلزم أن يكون هناك ترابط بين كل آية والآية التي بعدها، صحيح قد يكون هناك ترابط بين الآية والآية التي سبقتها والآية التي تتلوها، ولكن ليس هذا في كل وقت وحين.

    فقد تأتي آيات مستقلة تنشئ معنىً جديداً كما في سورة البقرة، حيث ترى آيات تتعلق بالطلاق، وآيات أُخر تتعلق بالربا، وآيات تتعلق بالجهاد، وآيات نصفها عن الربا ونصفها في الحث على تقوى الله، فأحياناً تجد آيات لها صلة بالآيات التي قبلها في المعنى، ولكن ليس هذا بلازم، فلا يلزم في كل وقت أن يكون هناك مناسبة في المعنى بين كل آية والتي بعدها.

    فإن التمس وجه للمناسبة في المعنى فبها ونعمت، وإن لم يكن هناك اتصال ولا مناسبة فليس هناك شيء ملزم من الكتاب والسنة يقول إنه لابد أن تكون الآية متصلة بما قبلها في المعنى، أو منفصلة عما قبلها في المعنى.

    الانشغال بمتاع الدنيا عن ذكر الله

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [المنافقون:9].

    هذا نداء من الله لجميع المؤمنين، فإن الناس الآن قد شغلوا بدنياهم وأموالهم شغلاً ألهاهم عن ذكر الله، فتجد مثلاً أخاً من إخواننا التجار شغلته تجارته حتى عن المكتوبات، وتجد أخاً طبيباً شغله طبه عن مجالس العلم حتى هجر مجالس العلم تماماً، وتجد أخاً مهندساً شغلته هندسته عن تلاوة جزء من كتاب الله في كل يوم.

    فلابد أن تنظم نفسك، وتنظم وقتك، وتنظم عملك، ولا تجعل الدنيا والأموال تلهيك، طبيب مثلاً يفتح العيادة من العصر إلى الساعة الواحدة في الليل، ليس من أجل المرضى، بل من أجل جيبه في الدرجة الأولى، ولا يعنيه شأن المرضى في كثير من الأحيان، إلا من رحم الله، فإذا لم تضبط نفسك وتدخر لأخراك شيئاً، أتيت يوم القيامة من المفلسين.

    قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المنافقون:9]، والآية الأخرى: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:24].

    فلا ينبغي أن تُشغل عن ذكر الله بأي شيء وقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [الطلاق:3]، وقد يبارك الله في المال القليل الذي تصحبه دعوة بالبركة فيه، وتصحبه آية من كتاب الله قد تليت، أو حديث لرسول الله قد حفظ. وهذه الآية الكريمة آية محكمة عند الجميع، ليست بمنسوخة بالاتفاق: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المنافقون:9].

    فقه الإنفاق

    قوله: وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ [المنافقون:10]، بعض العلماء يقول: (من) هنا للتبعيض، أي: لا تنفقوا كل ما رزقناكم، ولكن أنفقوا شيئاً مما رزقناكم، وهي الزكوات المفروضة عند فريق من المفسرين، وهي كقوله تعالى: وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ [محمد:36]، فقوله تعالى: (وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ)، أي: لا يسألكم إنفاق جميع أموالكم، إنما يسألكم جزءاً من أموالكم، فـ(من) للتبعيض، أي: أنفقوا شيئاً مما رزقناكم.

    وقد تقدم أن للإنفاق فقهاً، متسعاً يدور حول قوله تعالى: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا [الإسراء:29]، وأيضاً يحكمه قوله تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِه كَفُوراً [الإسراء:27]، وقوله تعالى: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام:141]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دينار تصدقت به، ودينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك).

    ويضبطه أيضاً: (ما أبقيت لأهلك يا أبا بكر؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله) ومع ذلك: (الثلث والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)، فتسبك هذه المسائل سبكة فقهية مأخوذة من هذه الأحاديث، حتى تعرف متى تنفق وفي أي موطن تنفق، ومتى تسعى في الكسب ومتى تفرغ وقتاً للطاعات والعبادات؟

    مسألة ترك العمل والاتكال على ما في اللوح المحفوظ

    وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا [المنافقون:10-11].

    وهنا بحث أصولي عقائدي ذو أهمية، قوله تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا [المنافقون:11]، إذا كان الأجل لا يؤخر، فلماذا يدعو الرسول بطول العمر، ويقول في شأن أنس : (اللهم أطل عمره

    ولماذا ندعو أيضاً بسعة الأرزاق، ونقول: يا رب ارزقنا وأنت خير الرازقين؟ والرزق مقدر لنا ونحن في بطون أمهاتنا، وعلى شاكلتها جملة من المسائل.

    إذا كان الشفاء مقدراً في وقت بعينه، فلماذا أرفع يدي وأقول: يا رب اشفني؟ وإذا كان النجاح مقدراً، فلماذا أقول: يا رب نجحني في الامتحان؟

    مسائل في الحقيقة أورد بعض المفسرين عندها إشكالات في غاية الطول، والمخرج منها اتباع الوارد عن رسول الله.

    أما الإجابة على ما سبق فإجابة إجمالية ثم تفصيلية.

    الإجابة الإجمالية:

    أولاً: أننا نعتقد اعتقاداً جازماً أن الآجال مقدرة وأن الأرزاق مقدرة، ومع هذا الاعتقاد نعمل كما أمرنا ربنا وكما أمرنا رسولنا، وليس لنا وراء ذلك شيء، وبهذا أرشد رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم لما سأله سراقة بن مالك فقال: (يا رسول الله أرأيت العمل الذي نعمل، عمل جرت به المقادير، وجفت به الأقلام، وطويت عليه الصحف، أم عمل مستأنف؟ قال: بل عمل طويت عليه الصحف، وجفت به الأقلام، وجرت به المقادير، قال: ففيم العمل إذاً يا رسول الله؟ قال: اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له).

    فأهل الإسلام والذي سار عليه أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم هو اعتقاد أن الأمور مقدرة، والعمل كما أمرهم الله وكما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعون ما وراء ذلك الخوض في الفلسفات التي تأتي من وراء ذلك، والله أعلم.

    أما الإجابة التفصيلية ففي وقت لاحق إن شاء الله.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

    1.   

    الأسئلة

    حكم إعطاء المتزوج بهاشمية من الزكاة والصدقة

    السؤال: شخص زوجته من بني هاشم، فهل يحرم إعطاؤه من الزكاة أو الصدقة؟

    الجواب: نعم يجوز إعطاؤه من الصدقة، ولا يجوز إعطاؤها هي من الصدقة، فهو يعطى من الصدقة، لأن مسئولية البيت في الإنفاق عليه هو وليست عليها، (والنبي صلى الله عليه وسلم كان في بيته، فقرب إليه طعام، وكان قد رأى برمة -يعني: صحفة فيها لحم- فقال: ألم أر البرمة؟ قالوا: لحم تصدق به على بريرة يا رسول الله، قال: هو لها صدقة ولنا هدية)، فاستحالت الصدقة من بريرة إلى هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

    حكم قتل القطة المؤذية

    السؤال: لدينا قطة كثيرة المشاكسات، وتصيب الطيور عندنا، وربما أكلتها واحدة تلو الأخرى، فهل يحل قتلها أم يحرم؟

    الجواب: يحل قتلها، فإن النمل التي هي أشد احتراماً من الهرة -إذ النبي قد نهى عن قتل النمل- إلا أن النبي قد رخص في قتل المؤذي منها لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لدغت نملة نبياً من الأنبياء فأمر ببيت النمل فأحرق، فأوحى الله إليه: هلا نملة واحدة?)، فاستدل به على جواز قتل المؤذي حتى من الأشياء المحترمة، فالنمل أشد احتراماً من القطة، أما القطة فهي من ذوات الأنياب.

    حكم زواج رجل من فتاة رضع أخوه من أمها

    السؤال: أريد أن أتزوج من فتاة ولكن أخي رضع مع أختها من أمها رضعات كثيرة، فهل يحل لي أن أتزوج منها؟

    الجواب: نعم يحل لك؛ لأن أخاك رضع من أمها، لكن إذا كانت البنت رضعت من أمك فإنها تحرم عليك.

    حكم صلاة الوتر قبل النوم في أول الليل ثم التهجد بعده

    السؤال: هل يمكن أن أصلي الوتر في أول الليل قبل النوم؟

    الجواب: نعم، لحديث أبي هريرة قال: (أوصاني خليلي بثلاث.. وذكر منها: أن أوتر قبل أن أنام...).

    السؤال: ثم إذا منّ الله علينا باليقظة فهل نصلي تهجدنا؟

    الجواب: نعم إذا منّ الله عليك باليقظة فصل مثنى مثنى ولا توتر مرة أخرى، إذ لا وتران في ليلة.

    حكم رجوع زوج سب الدين إلى زوجته بعقد جديد

    السؤال: زوجي سب الدين، وعلمت أن سب الدين كفر، فقلت له: إنني محرمة عليك إلا أن تتزوجني مرة أخرى بعقد جديد، هل هذا صحيح؟ ولو كان صحيحاً ماذا أفعل؟

    الجواب: ليس بصحيح، إذا تاب فلا يلزم إنشاء عقد جديد للزواج؛ لأن الكفار على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يسلمون ويبعد أن يقال: إن كل الكفار أسلموا مع أزواجهم في آنٍ واحد، فهذا يسلم الآن وزوجته تسلم مثلاً بعد شهر أو بعد يوم أو بعد سنة أو بعد سنتين، وبعدها ترجع إليه، ولم يرد في حديث ثابت أنه أنشأ أحدهم عقداً جديداً لرجعة زوجته إليه.

    ورد حديثان في شأن زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم كلاهما ضعيف، وكل منهما يضاد الآخر، لكن أراحنا ضعفهما لتضادهما.

    الأول: أن النبي أعاد زينب ابنته على أبي العاص بن الربيع بعقد جديد وبصداق جديد، وهذا ضعيف.

    والثاني: أنه أعادها إليه بالعقد الأول والصداق الأول، وهذا أيضاً ضعيف.

    لكن عموم أحوال سائر الصحابة رضي الله عنهم تدل على أنه ما ورد أن واحداً جدد عقده مع زوجته بعد أن أسلم، فإذا سب هذا الشخص الدين فلابد من النظر إلى المخرج، وإن كان بعض العلماء يقولون: نشدد في الزجر ولا نحلل في مثل هذه المسألة حتى لا يتهاون الناس بها، لكن لأن المجلس مجلس علم فلابد أن تعرف الأحكام.

    هناك فرق بين من يسب الدين لكونه دين الإسلام، ويسب الإسلام قاصداً بذلك الإسلام، وبين شخص يسب الشخص في صورة سب الدين، كلفظة جرت على اللسان، فهذه النية تختلف عن تلك النية.

    فالشاهد: أنه لا إعادة للعقد إذا تاب من سبته.

    الجمع بين كون سعد بن أبي وقاص حارساً للنبي وبين قوله: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)

    السؤال: كان سعد بن أبي وقاص يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هل يدل قوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67] على عدم اتخاذ الحجاب؟

    الجواب: قوله: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ [المائدة:67]، لا تمنع من اتخاذ البوابين، فالرسول أيضاً في قصة المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله، جاء عمر فقال لغلام أسود يقال له رباح : يا رباح استأذن لي على رسول الله، قال: قد استأذنته فلم يأذن، فلا يمنع أن تتخذ حرساً أحياناً وأن تترك الحرس أحياناً، على حسب الحال.

    حكم لعب الأطفال

    السؤال: هل لعب الأطفال حرام؟

    الجواب: لعب الأطفال ليست محرمة.

    حكم من قال لزوجته: أحضري أهلك وفي ستين داهية

    السؤال: حدثت مشكلة بيني وبين زوجتي، فرفعت صوتها وقالت: طلقني، وأنا حريص وحذر جداً من إطلاق هذا اللفظ، ولكني غضبت وقلت لها: (أحضري أهلك وفي ستين داهية)، ولما ذكرت ذلك لها أقسمت بالله أنها لم تطلب مني الطلاق، مع العلم بأنها لم تخرج من المنزل ولم يأت أحد من أهلها، فما حكم الإسلام في ذلك؟

    الجواب: ليس فيما ذكر شيء، وهي ما زالت زوجته ولم تقع طلقة.

    أحاديث ضعيفة

    حكم الدعاء أثناء الإقامة

    السؤال: ما هو حكم حديث الدعاء أثناء الإقامة؟

    الجواب: هناك دعاء إسناده حسن.

    حكم حديث: (كان النبي إذا صلى المغرب ذهب إلى بيته...)

    السؤال: حديث: (كان إذا صلى المغرب ذهب إلى بيته ولا يكلم أحداً حتى يصلي ركعتين

    الجواب: لا يحضرني الحكم عليه.

    حكم رواية الحديث بالمعنى

    السؤال: هل تجوز رواية الحديث بالمعنى؟

    الجواب: نعم تجوز رواية الحديث بالمعنى إذا كنت عالماً بما يحيل المعنى، يعني: عالماً بالألفاظ ومدلولات الألفاظ.

    حكم رد المشتوم على الشاتم

    السؤال: كانت لي بنت مخطوبة ولم يحدث نصيب وأرجعنا لهم الشبكة، وبعدها انهال الخطيب عليَّ بالشتم المقذع في الهاتف، وللأسف رددت عليه شتمه، وقلت له: يا ابن (ال...)، المهم أني شتمته بأمه، وأخاف من القصاص يوم القيامة، فهل أطلبها وأعتذر لها، مع العلم بأن في ذلك إحراجاً لنا وضرراً علينا؟

    الجواب: البادئ أظلم، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما حتى يعتدي المظلوم)، فإذا رأيتِ أنكِ ستمته بالقدر الذي شتم فهذه بتلك والبادئ أظلم، وإلا فالتحلل من المظالم وذلك إذا شعرتِ أنكِ ظلمتيه، كما حث على ذلك رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

    حكم إصلاح سيارات الشرطة

    السؤال: أنا (ميكانيكي) وتأتي إليَّ سيارات الشرطة لأصلح ما بها من أعطاب، فهل عليَّ إثم؟

    الجواب: ليس عليك إثم.

    حكم قراءة الفاتحة على روح المتوفى

    السؤال: هل قراءة الفاتحة على روح المتوفى من السنة؟

    الجواب: لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    المحارم مؤقتاً وحكم جلوس المرأة معهم بدون نقاب

    السؤال: من هم المحارم المؤقتون للمرأة، وهل يجوز أن تجلس معهم بدون نقاب؟

    الجواب: المحرم المؤقت للمرأة لا يحل له السفر بها ولا الخلوة بها، بل هو مؤقت، يعني: أنت محرم مؤقت لأخت زوجتك؛ لأنك لا تجمع بينها وبين أختها، ومع أنك محرم مؤقت لها فلا تسافر بها ولا تخلو بها، فقد تعجبك بها فتطلق الزوجة وتتزوجها، وكذلك عمة الزوجة وخالة الزوجة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها).

    حدود عورة المرأة مع المرأة

    السؤال: هل عورة المرأة مع المرأة كعورة الرجل مع الرجل؟

    الجواب: الجمهور يقولون: إن عورة المرأة مع المرأة كعورة الرجل مع الرجل.

    حكم ربط المحبلة أو استئصال الرحم

    السؤال: هل عملية ربط المحبلة أو استئصال الرحم حرام أم حلال؟

    الجواب: يُنظر إلى السبب من وراء هذه العملية، والغرض الذي من أجله تمت هذه العملية، وعلى ذلك يأتي الحكم، والله أعلم.

    والسلام عليكم ورحمة الله،،،

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718743

    عدد مرات الحفظ

    766197851