أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب (منهاج المسلم)، وها نحن مع الآداب الواجبة للمسلم لأخيه لمسلم، ودرسنا منها ستة عشر واجباً، أذكركم بها أولاً.
أولاً: أن يسلم عليه إذا لقيه، من حق المسلم على المسلم: أن يسلم عليه إذا لقيه.
ثانياً: أن يشمته إذا عطس، بأن يقول له: ( يرحمك الله).
ثالثاً: أن يعوده إذا مرض، ويزوره في مرضه.
رابعاً: أن يشهد جنازته إذا مات.
خامساً: أن يبر قسمه إذا أقسم عليه، ولا يحنثه.
سادساً: أن ينصح له إذا استنصحه، فإذا طلب منه أن ينصح له يجب أن ينصح له.
سابعاً: أن يحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه.
ثامناً: أن ينصره ولا يخذله بحال من الأحوال.
تاسعاً: أن لا يمسه بسوء أو يناله بمكروه.
عاشراً: أن يتواضع له ولا يتكبر عليه.
الحادي عشر: أن لا يهجره أكثر من ثلاثة أيام.
الثاني عشر: أن لا يغتابه أو يحتقره أو يسخر منه.
الثالث عشر: أن لا يسبه بغير حق حياً كان أو ميتاً.
الرابع عشر: أن لا يحسده أو يظن به سوءاً.
هذه درسناها وعرفنا أدلتها من الكتاب والسنة، والآن مع الحقوق الباقية:
ثانياً: [ ( وإذا حدث كذب ) ] فلا تحدث أخاك أو إخوانك وأنت تكذب عليهم - والعياذ بالله- فلا يفعل هذا إلا منافق.
ثالثاً: [ ( وإذا عاهد غدر ) ] مثل أن يعاهد على كذا، أو يعاهدهم على أن يأتي أو يفعل ثم يغدر بهم ولا يأتي ولا يفعل.
رابعاً: [ ( وإذا خاصم فجر ) ] وخرج عن العدل والحق والمعروف وقال الباطل والشر والكذب. هذه أربع خصال، ( أربع من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منها كانت فيه خصلة من النفاق حتى يتركها ).
[ وقوله ] صلى الله عليه وسلم [ قال الله تعالى: ( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ) ] فالقائل الله كما يخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ( ثلاثة) أي: أصناف من الرجال أو النساء [ ( رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ) ] أي: عمله [ ( ولم يعطه أجرته ) ] فهؤلاء الثلاثة الله خصمهم يوم القيامة، رجل أعطى بالله ثم غدر، فقوله: ( أعطى بي) أي: بسم الله وبوجه الله وغدر. ( ورجلاً باع حراً من الناس فأكل ثمنه )، وهو حر، باعه كعبد ليأكل الثمن ( ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه -أي: العمل- ولم يعطه الأجر ) [ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( مطل الغني ظلم ) ] فإذا كان لك دين على أحد وكان غنياً وطالبته فلم يعطك فهو والله لظالم [ ( وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع ) ]. متفق عليه. فإذا أحالك صاحب الدين إلى شخص آخر وهو قادر على أن يعطيك فيجب أن تقبل الإحالة، هذه تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم لإيجاد أمة أكمل الأمم في العالم وأسعدها.
والتوقير: هو التبجيل والتعظيم [ وقوله ] صلى الله عليه وسلم [ ( إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم ) ] ذو الشيبة المسلم إكرامك له من إجلال الله تعالى، فإذا أجللت ربك وعظمته وأكبرت شأنه فأكبر وقدر عبده الشايب فيه؛ لأن هذا العبد شاب في خدمة ربك، فكيف لا توقره.
وهناك جماعة يسخرون من ذي الشيبة ويستهزئون به؛ لأنهم هابطون ليسو من هذه الأمة على الحقيقة، فمن إجلال الله وإعظامه: إكبار ذي الشيبة المسلم بحق، أما ذو شيبة فاسق فاجر فلا قيمة له، فمن إجلال الله إكبار وتوقير ذي الشيبة المسلم. [وقوله] صلى الله عليه وسلم: [ ( كبر كبر ) ] ابدأ بالأكبر فالأكبر في العطايا وفي الأخذ وفي كل شيء، أي: ابدأ بأكبر إخوانك، ابدأ بالكبير.
قال: [ ولما عرف عنه صلى الله عليه وسلم من أنه كان يؤتى بالصبي ] الصغير [ ليدعو له بالبركة ويسميه، فيضعه في حجره صلى الله عليه وسلم، فربما بال الصبي في حجره عليه الصلاة والسلام ] هذا هو التواضع، وهذا هو الإجلال والإكبار [ وروي أنه كان إذا قدم من سفر ] من حج أو عمرة أو جهاد [ تلقاه الصبيان ] عند أبواب المدينة [ فيقف عليهم، ثم يأمر بهم، فيرفعون إليه، فيجعل منهم بين يديه ] وهو راكب [ ومن خلفه ] من ورائه، وهو راكب [ ويأمر أصحابه أن يحملوا بعضهم رحمة منه عليه الصلاة والسلام بالصبيان ]. هكذا تتجلى الرحمة المحمدية، أطفال المدينة يخرجون لاستقباله فيحملهم.
معاشر المستمعين! لا أرى حاجة إلى شرح في هذه الأحاديث؛ لوضوحها وكمالها، فلنذكر هذا إن شاء الله طول حياتنا، والآن مع الأسئلة والإجابة عليها.
الجواب: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، يصلي في بيته ولو كان البول يسيل منه، ويتيمم لكل صلاة، وإذا استطاع أن يتوضأ يتوضأ لكل صلاة، وإن لم يستطع تيمم وصلى وصلاته مقبولة؛ لأنه عاجز ما دام البول يسيل منه دائماً.
الجواب: إذا كان في الإمكان إزالتها بدون تألم ولا ألم يزيلها بطريق الأطباء، وإذا كان يتأثر بذلك ويكرب ويتألم فحسبه التوبة، ويغطي ذلك ولا يشهره بين الناس ويظهره، ويجزئه ذلك.
وقد كانت أمي رحمة الله عليها رسمت لي هنا شبه صليب؛ لأن اليتامى عندنا قد يضيعون، وكانت تقول الجارة لجارتها: اجعلي له وشمة هنا حتى يعرف بها إذا ضاع، فكن يعملنها بهذه النية، ولما كبرنا وبلغنا العلم أزلناها، وزالت نهائياً، لكن أحياناً لو كانت في يده صورة إنسان أو امرأة فيصعب إزالتها. لكن أقول: لوجود الطب والأطباء والآلات ففي الإمكان أن يزيلوها، فإذا تعذرت يكفيه التوبة والاستغفار والندم والتصميم على أن لا يعود.
الجواب: لا يجوز .. لا يجوز .. لا يجوز، آثم .. آثم .. آثم، لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يسأل الناس وهو في غنى عن أولئك الذين يسألهم، فالسؤال عند الحاجة والضرورة القصوى إذا لم يجد بداً، فذلك يسأل على قدر حاجته، أما أن يكون متوفراً لديه غذاء ولباس وكذا ويسأل فهذه كالسرقة وأسوأ، فلا يجوز.
الجواب: لا علم لي، والذي أعلمه أن هذا من التوحيد، فالإشارة بالأصبع لتأكيد ما تقول بلسانك، فتؤكده بيدك، وعندنا حديث عجيب صحيح: كان يمني من اليمنيين يطوف بالبيت والرسول صلى الله عليه وسلم يطوف فشاهده وهو يشير بأصبعيه هكذا، فقال له الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( وحد وحد وحد ). أي: واحد فقط. فمن هنا نقول: لو كنت تمشي في الشارع وأنت تشير هكذا فإن لك أجر الذاكرين؛ لأنك توحد الله عز وجل، كما أنك في التشهد تشير بيدك إلى التوحيد وتؤكده بإصبعك، وهذا يغضب الشيطان قطعاً، وما في ذلك شك، وهي أكثر من رصاصة في وجهه.
الجواب: لا يوجد داع لهذا، فالأوراق موجودة، والقراطيس بالقناطير.
وأما الكتابة على السبحة أو في جدران المنازل فلا خلاف في الكراهة على كل حال، وأما الحرمة فالله أعلم. فهي مكروهة؛ خشية أن تهان وتكون أنت السبب في إهانة اسم الله عز وجل، فلا حاجة إلى هذا.
الجواب: من طبعه كله خير العرب يسمونه بهلول، وعند الهابطين المجنون يسمونه بهلول، وبهاليل الرجال خيارهم، فلا يجوز .. لا يجوز .. لا يجوز، الزكاة لا يعطيها الأب لأولاده، ولا الأولاد يعطونها لأبيهم أبداً؛ لأنه يجب أن تنفق على والدك وجوباً، وليس زكاة، وسواء عليه دين أو ليس عليه دين، وإذا كان عليه دين فإن عليه أن يسدد دين والده.
الجواب: هذه مسألة فقهية عامة، فإذا حضرت صلاة العشاء وأنت ما صليت المغرب، أو حضرت معه صلاة العصر وأنت ما صليت الظهر فالقول الذي هو أحسن ما قيل عند أهل العلم: أنك تدخل معه بنية صلاة الإمام التي يصليها التي هي العشاء، فإذا فرغت تقوم تصلي المغرب ثلاث ركعات وتصلي العشاء، واستفدت أجراً عظيماً، وكذلك الظهر والعصر، صل معهم العصر لا بنية العصر؛ لأنك ما صليت الظهر، ولا بنية الظهر؛ لأن الإمام لا يصلي في الظهر، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا تختلفوا على إمامكم ). فلا يكون هو في المغرب وأنت في العشاء، فأحسن ما تسمعون والذي به العمل: أنك تدخل بنية الصلاة الحاضرة، ثم إذا فرغت تصلي ما فاتك وتعيد صلاتك؛ لأن الترتيب بين الصلوات الخمس واجب، والله رتبه في كتابه، فلا تصلي العصر قبل الظهر أبداً.
الجواب: إذا كان يقصد بذلك الإهانة أو الاحتقار والازدراء فهو حرام، وهو عاص، ولا يصح، وإذا كان يريد أن يتلطف من يسأله، كأن يكون بعثه واسطة ليطلب منه شيئاً فيقول: بعثني الشيبة أو الشايب ليرحمه فهذا إذا كان بهذا القصد فلا بأس، والأفضل ما يقول: يا شيبة! أو يا شايب! لأبيه أو أخيه، وليس لنا أن نصف إلا بما يحب الموصوف أن يوصف به.
الجواب: هناك آداب، فنقول: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال .. فوق ثلاثة أيام، بمعنى: إذا وجده في الطريق يسلم عليه، قد يتركه ثلاثة أيام، لكن إذا انتهى اليوم الثالث إذا وجده يجب أن يسلم عليه، وأيهما يبدأ بالسلام كان أفضل وأكمل.
وهجران الفاسق ليس بالسلام، بل هجران الفاسق أن لا يجالسه، وأن لا يأكل معه، وأن لا يضحك معه، بل يقول له: أهجرك، فلا أجالسك ولا أمشي معك؛ لأنك مرتكب لكذا وكذا، فتب إلى الله، ونحن إخوة، فهجران الفاسق والظالم والمبتدع من أجل أن يستقيم، وأن يعود إلى الحق، فالسلام عليه أو رد السلام لا يمنع ذلك الهجران، فالهجران أن لا تجالسه وأن لا تؤاكله وأن لا تماشيه؛ حتى يشعر بالجفاف واليبوسة؛ ليتوب إلى الله عز وجل ويرجع.
الشيخ: نعم والله غاش، وهو خادع لهم، فقد أراد أن يفسد قلوبهم، ويقضي على آدابهم الإسلامية وأخلاقهم، فهو ظالم لهم، وكل الذنوب التي يرتكبونها له منها المثل؛ لأنه السبب.
وفي الحديث ذكر ( الرعية)، وهو في الغالب يعني الحاكم، لكن أنا عممت وقلت: حتى الأسرة والجماعة أنت أميرهم في عمل، فلا يحل أبداً الغش، ( ومن غشنا فليس منا )، وهذا الذي يسترعيه الله رعية على أن يحفظها ويصونها ويحفظ لها دينها وقلوبها وعقولها ثم يخونها ولا يدخل الجنة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن يتوب ويتوب الله عليه.
الجواب: نصيحتي لهم أنهم إن لم يتوبوا توبة نصوحاً فإنه لا يقبل منهم فرض ولا نفل، وأنهم ملعونون على لسان رسول الله والملائكة والناس أجمعين. التجار في مدينة الرسول يفجرون هذا الفجور، ويستخدمون البضائع المحرمة، وينشرونها بين المسلمين؟ هؤلاء يدخلون في قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( المدينة حرم من عير إلى ثور من أحدث فيها حدثاً.. ). وأي حدث أعظم من هذا الحدث؟! تخرج الآن فتجد شبيبتنا البرانيط على رءوسهم كاليهود والنصارى أعوذ بالله، والله لأن أعطى عشرين مليوناً فلن أضع على رأسي برنيطة لأكون كاليهود، ويتبجحون بها، وبدءوا بالأطفال الصغار، والآن والله الشبيبة يقودون السيارات، ويتلذذون بأنهم شبه اليهود والنصارى، فالذين عملوا هذا والذين سكتوا كلهم يا ويلهم! والله ما يحل السكوت أبداً؛ لأن هذا أمر واضح، أفنريد أن نتزي بزي الكفار لنكفر؟ أعوذ بالله. ( من أحدث في المدينة حدثاً أو آوى محدثاً -أي: نصره ووقف إلى جنبه- فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل ). بلغوا هذه الكلمة للتجار الفجار!
وصلى الله على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر