إسلام ويب

اشهد يا تاريخ....للشيخ : أحمد الشاوي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • منكر عظيم ابتليت به أمة الإسلام، يلاحقنا أينما حللنا، ويضايقنا في أيِّ مكان نزلنا. هذا المنكر نشره واجتهد في تزيينه أعداء الإسلام، وذلك حين أدركوا أنهم لن يهزموا الأمة المسلمة إلا حينما يضعفوا أخلاقها، ويدمروا غيرة شبابها.

    1.   

    منكر الغناء في أمة الإسلام

    الحمد لله الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان:1].

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً [الإسراء:30]، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، المرسل إلى الأمة بشيراً ونذيراً، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فاتقوا الله يا خير أمةٍ أخرجت للناس، منكرٌ يلاحقنا، أينما حللنا، ويضايقنا في أي مكانٍ نزلنا، إن ذهبنا إلى الشواطئ متنزهين كان لنا بالمرصاد يجرح قلوبنا، وإن ذهبنا إلى البراري والحدائق والمتنزهات وجدناه يُعرَض علينا ليسمم آذاننا، عند الإشارات يُعرض علينا قسراً وإن أبيناه، يعرضه لنا شبابٌ بصورةٍ تنبئ عن قلة ذوقٍ وانعدام حياء.

    منكرٌ تسطَّر لأجله صفحات الصحف، وتفرد له قنوات، ويوسم أهله بالنجوم زوراً وبهتاناً.

    منكرٌ يغزونا في قعر بيوتنا.. في سياراتنا.. في أسواقنا.

    منكرٌ أصبح اليوم معلماً للمهرجانات السياحية، تبذل لأجله أموال، وتهدر في سبيله طاقات، وتُضَيَّع أوقات، ويُفَرَّط في صلوات.

    منكرٌ أصبح قرين بعض الحفلات الزواجية، به تتباهى أسر، وتتفاخر نساء.

    إنه المخدر المسموع، والمسكر القاتل.

    إنه الصوت النشاز، إنه أنكر الأصوات، إنه النهيق والنعيق الذي تخرجه حناجر الفاشلين التائهين المسمَّون بالفنانين.

    إنه صوت الشيطان ورُقْيَة الزنا، إنه المعازف والغناء، إنه خمر القلوب، والصادُّ عن ذكر الله، وعن معالي الأمور.

    يا أمة محمد: إن أعداء الإسلام قد هيئوا لشباب الإسلام ميادين كثيرة لتبديد طاقاته، وتلهيته عما ينفعه في دينه ودنياه، لا عن فريضة الجهاد فحسب، بل عن طاعة الله عامَّة، وأصبح ذلك من الأمور المألوفة لدى عامة المسلمين، حتى ماتت في نفوسهم الغيرة على دينهم، وهان عليهم عزهم وكرامتهم.

    إن في المسلمين صفوفاً تولَّى أعداء الإسلام إعدادها؛ لحمل جراثيم الفساد الخلقي التي تقتحم قلوب أبناء المسلمين فتميتها، وتحولها من قلوبٍ بشرية مفطورةٍ على الخير إلى قلوبٍ حيوانية ليس لها همٌّ إلا تلبية الشهوات، لا تفكر إلا في البطن، والفرج، واللباس، لا فرق عندها بين أن يأتيها من طريقٍ حلالٍ أو حرام.

    ومن أمثلة هذا النوع: صفوف الرقص الساقط، والغناء الماجن، والمزامير الملهية عن الحق والخير، وسائر الملاهي التي لم يبق منزلٌ في الأرض ولا مكانٌ إلا وصل فسادها إلى أهله؛ إلا ما رحم ربي.

    لقد ابتليت الأمة بالمعازف والغناء في صفوف شبابها وفتياتها، حتى أصبحتَ ترى من يحتفظ في ذاكرته بأسماءٍ لا تُحصى لأغانٍ ومغنين، ولا يحفظون سورة من القرآن.

    لقد غزتنا وسائل الإعلام بهذا العفن الذي خدر مشاعرنا، وأمات غيرتنا، وزعزع أخلاق شبابنا وفتياتنا فظهرت صور التميع والانحلال، ورقَّ الدين، وقل الحياء، ووهنت الإرادة، ودنت الهمم وسفلت.

    لقد أراد أعداء الإسلام وأذنابهم، ممن يريدون أن تميل الأمة ميلاً عظيماً، أرادوا من نشر هذا الغثاء أن يصرفوا المسلمين وشبابهم، ويلهوهم به عن معالي الأمور، ومصالح الأمة، التي لو علمها الشباب حق العلم، وتصورها حق التصور، وعلم واجبه نحوها، لانصرف إلى تحقيقها، ولحرم أعداء الأمة وأذنابهم ما يتمتعون به من خيرات بلاد المسلمين التي لا يحصلون عليها إلا بجهل المسلمين، وانحطاطهم، وسفالة أهدافهم في حياتهم، وعدم قيامهم بدفع العدوان على دينهم وحقوقهم.

    لقد أدرك الأعداء أنهم لن يهزموا الأمة المسلمة إلا حينما يُضعِفون أخلاقها، ويدمرون غيرة شبابها.

    في حرب (1967م) بين العرب وإسرائيل كانت الجيوش العربية تسهر الليل على الغناء، وجيش إسرائيل يقول: إن موعدكم الصبح، فكانت الفاجعة.

    الغناء -أيها المسلمون- كان سبباً لزوال مجد المسلمين في الأندلس ، عندما كانت غاية الأماني هي سماع الأغاني، وهي تنخر في جسد الأمة جيلاً تلو جيل.

    الغناء -يا مسلمون- هو المحرك للغرائز، والمثير للشهوات، إنها تنتهي بالإنسان إلى سعارٍ شهواني، لا ينطفئ ولا يرتوي، بل ويدفع بالشباب إلى الفعل المادي؛ لإطفاء هذا السُّعار، فإذا لم يتم ذلك تعبت الأعصاب المستثارة، وكان ذلك بمثابة التعذيب المستمر لها.

    قال شيخ الإسلام : فالغناء رُقْيَة الزنا، وهو من أعظم أسباب الوقوع في الفواحش، ويكون الرجل والصبي والمرأة في غاية العفة والحرية حين يحضره، فتنحل نفسه، وتسهل عليه الفاحشة، ويميل إليها فاعلاً أو مفعولاً به، أو كلاهما كما يحصل بين شارب الخمر وأكثر.

    فإذا كان هذا الكلام في عصر شيخ الإسلام ، فماذا عن حال الغناء في عصرنا حيث الكلام الساقط، والإثارة السامجة؛ بالكلمة، بالحركة، والمؤثرات الأخرى؟!

    قال ابن القيم رحمه الله: ولا ريب أن كل غيورٍ يجنِّب أهله سماع الغناء كما يجنبهم أسباب الريب، ومن طرق أهله إلى سماع رقية الزنا فهو أعلم بالإثم الذي يستحقه.

    وقال أيضاً: ومن مكائد عدو الله ومصائده التي كادَ بها مَن قَلَّ نصيبُه من العلم والعقل والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين، سماع المكاء والتصدية والغناء بالآلات المحرمة؛ ليصد القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفةً على الفسوق والعصيان، فهو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن القرآن، وهو رقيةٌ اللواط والزنا، وبه ينال الفاسق من معشوقه غاية المنى.

    كاد به الشيطان النفوس المبطلة، وحسنه لها مكراً وغروراً، وأوحى إليها الشُّبَه الباطلة على حسنه، فقبلت وحيه واتخذت لأجله القرآن مهجوراً.

    1.   

    أما يكفيك؟!

    أيها المسلم المؤمن بالله: إن كنا ممن تهز مشاعرَه كلمةُ (حرام)، فلنعلم أن الغناء حرام حرام، وإن أفتاك الناس وأفتوك.

    أما يكفيك أن الله ذمه، فقال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [لقمان:6]؟!

    وقد أقسم ابن مسعود رضي الله عنه ثلاثاً أن لَهْوَ الحديث هو: الغناء، وبه قال كثيرٌ من المفسرين.

    فما الذي أحوج ابن مسعود إلى القسم؟!

    إنه يقينه وجزمه بما يقول، أفيُتْرك قوله لرأي فلانٍ وهوى فلان؟!

    أما يكفيك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن قومٍ سيستحلونه، فقال: (ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الحر، والحرير، والخمر، والمعازف) أن يعتقدوا ذلك حلالاً، بل ويطلبون أن تكون حلالاً بالطلب من بعض العلماء أو المفتين ممن رق علمهم أو دينهم ليحلوا ما حرم الله، ومعظم المسلمين اليوم بين هؤلاء وهؤلاء، إلا ما رحم الله؟!

    أما يكفيك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليشربَنَّ أقوامٌ من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها، يُعْزَف على رءوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم قردةً وخنازير)؟! صححه الألباني.

    أما يكفيك أن المغني عند العلماء ساقطةٌ مروءتُه، مردودةٌ شهادتُه؟!

    أما يكفيك أن لغتك العربية قد عرفت قدر المغنين فسمت الحمار فناناً؟!

    أما يكفيك ما يعيشه مجتمع المغنين في كل أمة من انحلالٍ في السلوك، وانحطاطٍ في الأخلاق، وتردٍّ في مهاوي الضياع والانحدار، وقصصهم المنبئة عن فضائحهم الأخلاقية، تفيض بها الصحف والمجلات؟! بل إن منهم من تجرأ على قدسية كتاب الله، وجعل من آياته مادةً لأغانيه، سخريةً واستهزاءً، أفهؤلاء وأمثالهم أهلٌ لأن تتعلق بهم قلوب أبناء المسلمين وبناتهم؟!

    أما يكفيك أن الغناء ينبعث من حناجر قومٍ لم تعرف الأمة لهم مجداً يؤثر، ولم يسجل لهم التاريخ موقفاً مشرفاً، أو عملاً خالداً، ولم تعرف الأمة عنهم نصرةً لقضاياها، وغيرةً على حرماتها، ولا دفاعاً عن مقدساتها؟!

    فهل رأيت أحداً منهم في ساحة الجهاد؟! أو هل رأيت واحداً منهم في ميدان العمل والإنتاج؟! بضاعتهم الحُب والغرام، وهمتهم لا تتجاوز الحب والهيام، وغايتهم إثارة الغرائز، وإشعال فتيل الشهوات، فكم ضل بسببهم من فتى! وكم سقطت بغثائهم من عفيفة! فإلى الله المشتكى!

    أما يكفيك أن الغناء يقسي القلب، ويضعف تعظيم الرب، ويحول بين العبد وعمل الصالحات؟!

    فهل رأيت مولعاً بالغناء، عاكفاً في المساجد؟! وهل رأيته داعياً إلى الله؟! وهل رأيته باكياً عند تلاوة كتاب الله؟! وهل رأيته خاشعاً عند موعظة، أو مبادراً إلى طاعة؟! لقد حال سكر الغناء بينهم وبين معالي الأمور.

    أما يكفيك في حرمة الغناء ما يعيشه أهله من همٍّ وضيقٍ ونكد؟!

    أما رأيت قوافل التائبين تسير إلى روضة التوبة، ونعيم الطاعة، فنانات بلغن أوج الشهرة، وقمة المجد الفني رحلن إلى أرضٍ لا يُعبد فيها إلا الله، هن في سن الفتنة والإغراء، الشهرة والثراء يحاصرهن، وعرش البطولة شاغرٌ ينتظر جلوسهن؛ لكنهن طرقن باب التقى، وقررن الرحيل، ومفارقة أرض الشيطان إلى أرض الرحمن؟! فلماذا؟!

    لأنهن رأين في الفن عفناً، وفي الغناء هماً وحزناً، فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ [غافر:4]، إنهم يئنون من ألم النفس، وضيق الصدر، يضحكون وقلوبهم تبكي، يمرحون ونفوسهم تختنق، إنهم يقرون بذلك في لحظات صدقٍ مع أنفسهم، ومع الآخرين.

    أما يكفيك ما قاله ابن القيم في شأن الغناء حيث قال: فإذا استمع المرء إلى الغناء ومال إليه نقص عقله، وقل حياؤه، وذهبت مروءته، وفارقه بهاؤه، وتخلى عنه وقاره، وفرح به شيطانه، وشكا إلى الله تعالى إيمانه، وثقل عليه قرآنه.

    أيها المسلم الحق: لا يغرنك بعض أهل الأهواء ممن يتتبعون الرخص، ويبحثون عن منافذ لتحليل الحرام، فزعموا أن الأدلة الواردة في الغناء تدل على إباحة المعازف، إن خلاف السابقين في الغناء كان حول الغناء باعتباره كلاماً موزوناً، شعراً كان أم نثراً، فأباحوا ما كان كلاماً مباحاً كالحداء، وأناشيد المجاهدين، وغناء الأفراح.

    أما الغناء المصحوب بآلات اللهو والمعازف، فهاكم ما قاله أسلافنا:

    قال ابن رجب رحمه الله: فأما سماع آلات اللهو فلم يُحْكَ في تحريمه خلاف.

    وقال أيضاً: قد حكى زكريا بن يحيى اتفاق العلماء على النهي على الغناء، إلا إبراهيم بن سعد ، وعبيد الله بن الحسن قاضي البصرة ، وهذا في الغناء دون سماع آلات الملاهي، فإنه لا يُعْرَف عن أحدٍ ممن سلف الرخصة فيها، إنما يُعْرَف ذلك عن بعض المتأخرين، من الظاهرية والصوفية ، ممن لا يعتد به. انتهى كلامه.

    1.   

    شتان بين الفريقين

    أيها المسلمون: إن البيت المسلم أهله جادون في هذه الحياة لبلوغ مراتب الكمال، فلا وقت عندهم فائض لإنفاقه في لهوٍ هابط، أو غناءٍ محرم، بيوتهم منزهةٌ عن كل ما فيه خطرٌ على الدين والأخلاق، ولم تعلق بأفكارهم اللوثة العصرية، فقد عزفوا عن اتخاذ المعازف أو الاستماع إليها، وترفعوا عن اقتناء آلات الطرب أو التفاعل بها.

    وبعد أيها المسلمون: فإن العجب لا ينقضي من أمةٍ تعيش المتناقضات، امرأةٌ تفجر نفسها غيرةً على حرماتها، ودفاعاً عن دينها، وأخرى تتلوى تكسراً وتميعاً، تفجر مكامن الشهوات، وتخدر قلوب شباب الأمة وفتياتها.

    رجالٌ يقفون في خط المواجهة على قمم الجبال، يصارعون أمواج الكفر، وآخرون يظهرون في وسائل الإعلام بثيابٍ شفافة، وصدورٍ مفتوحة، ومشيةٍ متخنثة، يطلقون الآهات والحسرات في وصف الحب والعشق، فاشهد يا تاريخ!

    ماذا نقول لمن يغني ويطرب في أمتنا حتى في أوقات شدة آلامها وجراحها؟!

    أَمَا لو كان الغناء حلالاً فهل واقع الأمة يبيح لها أن تغني وتطرب؟!

    طبلٌ ومزمـارٌ ورقصٌ     فكيف تندملُ الجراحُ

    اشهد يا تاريخ! أن فئةً من رجال أمة محمد صلى الله عليه وسلم ونسائها تركوا الحديث عن المجد، والعز، والجهاد، والجنة، ورضا الرحمن، وأخذوا يغنون عن الحب والمحبوب!

    اشهد يا تاريخ! أن أمتنا تغني عن الحب والهيام، بينما إخوانهم يبادون، ويُذبحون، ويُؤسرون، ويُيَتَّم أطفالُهم، وتُرَمَّل نساؤهم، وتُغْتَصَب بالآلاف أخواتُهم!

    اشهد يا تاريخ! أن أمتنا لا تزال تطرب وتلهو وتغضِب الله حتى في أوقات اشتداد الأخطار عليها، وتربص الأعداء بنا.

    اشهد يا تاريخ! أن أمة الإسلام تعصي الله جهاراً في الوقت الذي اشتدت الحاجة فيه إلى أن تكون قدوةً ودليلاً للبشرية التائهة المتخبطة إلى طريق السعادة والرشاد.

    1.   

    نداء للأمة

    أيها المغنون: أيها الفنانون بفنٍّ مليءٍ بالمعاصي؛ من إثارةٍ للغرائز، ودعوةٍ إلى الحب، وفسادٍ، وفجورٍ، شعرتم أم لم تشعروا! وإلى كل من يساعدهم! يا أصحاب شركات توزيعها، وعرضها! يا أصحاب شركات نغمات الجوال الغنائية! يا أصحاب القنوات والمسئولين عنها، والعاملين فيها! أيها السامعون والمشاهدون لفنهم المليء بعصيان المولى وإغضابه! إلى هؤلاء جميعاً ننادي: اتقوا الله في أمة محمد، اتقوا الله .. اتقوا الله ..!

    أيها الراقصون على جراحنا! لنخجل أن نكون سبباً في ذل وهزيمة أمتنا، كيف لا نعتب عليكم، وأنتم منا، وإن جرحتمونا، ونحب لكم الخير، وإن أغضبتمونا؟! نبعثها لكم دعوةً أخوية للتوبة إلى الله قبل أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر:56].

    ويا أيتها الأمة جميعاً: لنتعاون ونبذل الجهد في سبيل القضاء على هذا العفن الذي أفسد أخلاقنا، وأضعف غيرتنا، وأوهن عزائمنا، فمالكو المحلات مسئولون أمام الله يوم أن ساهَموا في نشر الفساد بتأجير مَحلاتِهم لبيع الغناء ونشره، فهل هم منتهون؟! والعاملون في هذه المحلات مسئولون يوم أن تعاونوا على الإثم والعدوان، فهل إلى مردٍ من سبيل؟!

    ويا أيها الصالحون والمصلحون: ساهموا بالقضاء على العفن بدعوة هؤلاء المخدوعين من بائعين، ومشترين، ومنتجين، ومستمعين، ناصحوهم وبلغوهم أنهم آثمون، وبين يدي الله موقوفون، وعن ذنبهم مسئولون: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36].

    وحينما تتحد الأمة للقضاء على هذا المنكر، ستتدلى قنوان الفضيلة، وتيبس أغصان الرذيلة، ويسود الأمن، وينتصر الحق، وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ [الروم:4-5].

    فيا أبناء الأمة المحمدية: يا جيل خير أمة! يا أتباع أفضل رسولٍ وأزكى نبي! يا أبناء الإسلام! ويا نساء الأمة! عزيزٌ علينا أن نرى أمتنا يتجه أبناؤها وبناتها إلى مهاوي الردى وسبيل الضلال، عزيزٌ علينا أن نرى شبابنا وفتياتنا يتعاطون مخدرات العقول، ومفسدات القلوب، مؤلِمٌ لقلوبنا أن يعيش أبناء أمتنا وبناتها على الغثاء، ويلهثون خلف أهل الطرب والغناء، وأمتهم يُقْتَل أبناؤها، وتُستحيا نساؤها، ويُيَتَّم أطفالها، وتُنْهَب خيراتها، فأين الشعور بآلام المسلمين وآمالهم.

    1.   

    رسالة إلى كل أخ وأخت في الله

    فيا أخاه! ويا أختاه! يا من جرى في عروقهم حب الدين، ونبضت قلوبهم بالشوق إلى رب العالمين! اسمعوا مني كلماتٍِ سطرتُها بمداد الحب، وكتبتُها بقلم الإشفاق، وإني والله لكم من الناصحين: يا أبناء هذه الأمة وبناتها! أيها المبتلَون بسماع الغناء ومتابعة الغثاء! أتدرون أي كلامٍ تسمعون، وله تطربون؟ إني لا أجد له وصفاً أجمل من كلام شيخٍ أديبٍ عليه رحمة الله، حيث يقول: كنت راكباً في الحافلة فخطر على بال السائق الطرب ففتح المذياع، فإذا رجلٌ يخرج صوتاً عجيباً لا يشبه أصوات بني آدم، صوتٌ كأنه صوت مختنقٍ يطلب النجدة، ثم يمنعه الماء في فمه أن يُفصح أو يُبِيْن، أو كأنه صوت امرأةٍ أخذها الطلق، أو كأنه صوت دجاجةٍ عَلِقَت بها البيضة فلا تخرج ولا ترجع، وسألتُ جاري مدهوشاً: ما هذا؟

    قال: هذا فلانٌ، أحد المغنيين المشهورين، يغني ويقول: آه.

    فلم أصدق حتى جاء بأربعة شهود من الركاب فشهدوا أن هذا الصوت الغريب هو غناء مغنٍ، ونظرتُ، فإذا هذه الآه قد خرج ربعُها فكان على لسانه، وربعُها عَلِقَ في حلقه، ونصفُها أصابه الإمساك المزمن فبقي في جوفه.

    قالوا: هذا هو الفن الجديد.

    فقلت: ألا لعنة الله على هذا الفن الجديد.

    وإن تعجب فعجبٌ من مسلمٍ مولَعٍ بأغانٍ غربية لا يفقه من كلماتها حرفاً واحداً، ولكنه التقليد والتبعية، وضعف الشخصية، والانهزامية النفسية!

    يا أبناء أمتي وبناتها! ليس العجب من إنسان تافهٍ فاشلٍ في حياته ودراسته مبتورٍ عن مجتمعه يمتهن الغناء له حرفة، فإنه إنسانٌ قد سفلت همته، فأوصلته إلى هذا المستوى المنحط! لكن العجب لا ينقضي من شباب أمةٍ يجري في عروقهم حب الله ودينه، وتنبض أفئدتهم بالشوق إلى وعد الله، والخوف من وعيده! ومن فتياتٍ ينتسبن إلى أمة خير الأنام، ثم هم يلهثون وراء هؤلاء السافلين، يعلقون صورهم، ويحفظون سيرهم، ويرددون غثاءهم، ويجعلون من أهل الفن روحهم، وقلوبهم، وعيونهم، يسطرون هذا في كتبهم، وغرفهم، وسياراتهم، وعلى الجدر والأسوار، بل وفي أماكن الخلاء!

    فأي مستوىً منحط يسير إليه شبابنا؟! وأي مستقبلٍ ينتظره أبناؤنا؟! وأي همةٍ يسعى إليها أجيالنا؟!

    يا أخاه! ويا أختاه! تساؤلاتٌ أطرحها إليكم، فزوِّروا في نفوسكم الجواب، واحسموا القضية: قد علمتم من نبيكم أن المرء يُحْشر مع من أحب، أفتحبون أن تحشَروا مع من كان ذاكراً شاكراً تالياً؟ أم مع من كان تائهاً مغنياً لاهياً؟ هل يستوي من يُبعث يوم القيامة ملبياً، ومن يبعث مغنياً؟! لا يستوون. (يأتي القرآن يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)، فهل سيشفع لك الغناء، سوف تقف بين يدي ربك فرداً، وإنه والله لسائلك عن سمعك ماذا سمعت به، ولسانك ماذا نطقت به، فماذا سيكون جوابك؟! أتأمن أن يفجأك الأجل وآخر أحوالك كلمات غناء ساقط، تمخر في أذنيك، وتخترق قلبك الذي توقف نبضه وهو يهتز طرباً على الغناء؟!

    يا أخاه! ويا أختاه! كيف طابت نفوسكم، وقرت عيونكم بسماع الغناء، وأصوات المزامير، وغفلت عن كتاب ربها؟! أفيستوي عندكم ظلمات ونور، وظلٌ وحرور، وأعمى وبصير؟! أفتستبدلون غثاءً يميت الغيرة ويفسد المروءة بكتابٍ فيه حياةٌ للقلوب وشفاءٌ لما في الصدور؟!

    عِشْ يا أخي مع القرآن سماعاً وتلاوةً، تجد كلاماً يشفي الغليل، ويهدي السبيل، ويورث حياةً لا يضل فيها المرء ولا يشقى.

    يا أبناء الإسلام: وإن أبيتم إلا اتباع الهوى، وسماع الغناء، فلم المجاهرة برفع صوته!!

    أوَما سمعتم قول قدوتكم صلى الله عليه وسلم في المجاهرين: (كل أمتي معافىً إلا المجاهرين)؟!

    1.   

    بشرى للتائبين

    يا أخاه! ويا أختاه! يا كل مَن نوى التوبة والرجوع إلى الحق! أزف لكم البشرى، قال ربكم: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ [الروم:15]، والحبرة هي: اللذة والسماع.

    وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن الحور العين لتغنين في الجنة، يقلن: نحن الحور الحسان، خُبِّئنا لأزواجٍ كرام).

    ...... ويرسل ربنا     ريحاً تهز ذوائب الأغصانِ

    فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ     إنسان كالنغمات بالأوزانِ

    يا لذة الأسماع لا تتعوضي     بلذاذة الأوتار والعيدانِ

    واهاً لذيَّاك السماع فكم به     للقلب من طربٍ ومن أشجانِ

    نزِّه سماعك إن أردت سماع ذيـْ     ـيَاك الغناء عن هذه الألحانِ

    حب الكتاب وحب ألحان الغناء     في قلب عبدٍ ليس يجتمعانِ

    يا أبناء الأمة المحمدية وبناتها! هذه حروفي تناديكم، رجاءً لا تصمُّوا آذانكم عن سماع الحق، وقولوا كما قال المفلحون: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285].

    واسْتَجِيبُـوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ [الشورى:47].

    وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [الطلاق:2].

    وإِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [الأنفال:29]. (ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه).

    والموعد يوم تبلى السرائر، وتنصب الموازين، وينزل الرب لفصل القضاء، حينها كم من قائلٍ: يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24]! وحينها كم من مرددٍ: رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً [المؤمنون:99-100].

    فاللهم اهدِ شبابنا، فإنهم لا يعلمون.

    اللهم صلِّ وسلم على من بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وارضَ اللهم عن صحابته أجمعين، وعُمَّنا معهم بعفوك ورحمتك، يا أرحم الراحمين.

    اللهم آمِنا في دورنا، وأصلح ولاة أمورنا.

    اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، وأذل الشرك ودمر المشركين، وانصر عبادك الموحدين.

    اللهم يا سامعاً لكل شكوى، ويا كاشفاً لكل بلوى، ويا عالماً بالسر والنجوى، يا فارج الهم، ويا كاشف الغم، يا منزل القطر، يا مجيب دعوة المضطر، نسألك فرجاً عاجلاً لإخواننا المأسورين في كل مكان،اللهم اجعل لهم من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلاءٍ عافية،اللهم أنزل عليهم السكينة والثبات،اللهم أعدهم إلى أهليهم مرفوعي الرءوس، مطمئني النفوس،اللهم عليك بمن أسرهم، ومن أعان على أسرهم، ومن خذلهم وهو على نصرتهم قادر.

    اللهم عليك بأم الكفر، ومن شايعها، اللهم اجعل ولاياتها دولاً،اللهم فرق جمعهم، وشتت شملهم،اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم اكفناهم بما شئت، يا سميع، يا عليم،اللهم سلط عليهم من يخافك ولا يرحمهم، يا حي يا قيوم، اللهم اجعلهم لغيرهم آية، اللهم لا ترفع لهم راية، اللهم لا ترفع لهم راية، اللهم لا ترفع لهم راية،اللهم أرهم من عز الإسلام والمسلمين ما يموتون به كمداً.

    اللهم عليك بمن أراد إفساد أخلاق المسلمين، اللهم عليك بالمنافقين والمنافقات الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في المؤمنين، اللهم عليك بهم، يا حي يا قيوم.

    اللهم اهدِ جميع شباب المسلمين وفتياتهم،اللهم ردهم إليك رداً جميلاً،اللهم ازرع في قلوبهم الغيرة والحمية للدين، واجعلهم من المجاهدين والمصلحين.

    سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756993222