إسلام ويب

سلسلة منهاج المسلم - (17)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإيمان بالقضاء والقدر هو الركن السادس من أركان الإيمان التي لا يتم إيمان العبد إلا بها، فيجب الإيمان بأن الله تعالى قضى وقدر كل شيء في هذا الكون قبل أن يخلقه، وأنه تعالى لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، كما دلت على ذلك الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة الصحيحة، فيجب الإيمان بكل ذلك، وعدم الاعتراض بالرأي على شيء مما قضاه الله وقدره، وعلى العبد أن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، رفعت الأقلام وجفت الصحف.

    1.   

    منزلة العقيدة الإسلامية الصحيحة وأهميتها

    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا معشر المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب (منهاج المسلم)، وما زلنا في باب العقيدة، وقد علمنا -وزادنا الله علماً- أن العقيدة الإسلامية الصحيحة بمنزلة الروح للبدن، فصاحبها حي يسمع ويجيب، يؤمر فيمتثل، ينهى فيترك؛ وذلك لكمال حياته.

    وفاقد هذه العقيدة الإسلامية الصحيحة ميت، لا يسمع نداءً ولا يجيب ولا يفعل ولا يترك، كسائر الحيوانات، وليس هذا قولاً منا بل هو من كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، أما قال تعالى: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [النمل:80] يعني بهم المشركين؟

    ثم هذه العقيدة إذا لم تكن صافية خالصة نقية من شوائب الزيادة والنقصان فصاحبها بمنزلة المؤمن المريض، فالمريض يقوى على فعل شيء ويعجز عن آخر، يقدر على أن يترك شيئاً، ويعجز عن ترك آخر، شأنه شأن المريض يقوى على أن يمشي ويعجز أياماً عن المشي، وهكذا..

    ومعنى هذا: أن على كل مؤمن ومؤمنة أن يصححا عقيدتهما، والطريق إلى ذلك أن يعرضاها على القرآن، فإذا وافقت القرآن وصدق عليها قالا: الحمد لله. وإذا لم يعرفها القرآن يعرضانها على السنة النبوية، فإن وافقت عقيدتهما عقيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليحمدا الله، وذلكم المؤمن، وإن وجدا فرقاً بينهما وخلافاً فليصححا عقيدتهما قبل أن يموتا، ومن لم يعرف الكتاب ولا السنة يأت أهل العلم أولي العقائد السليمة السلفية الصحيحة، ويعرض عليهم معتقده، فما وافقوه عليه أصر عليه ولازمه وحافظ عليه، وما قالوا له: اتركه أو تخل عنه وجب أن يتركه ويتخلى عنه، وبذلك يصبح شاعراً شعوراً حقيقياً أنه مؤمن.

    هذه العقيدة التي هي بمثابة الروح أركانها التي تقوم عليها ستة، جاءت مبينة في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، وعليها إجماع المسلمين، وهذه الأركان الستة من اليسر والسهولة أن يحفظها كل مؤمن ومؤمنة، لكن الحفظ شيء والفهم شيء آخر، والتطبيق شيء آخر، فلا مفزع إلا إلى الله، واللجأ الصادق يكون إلى الله.

    هذه الأركان الستة إليكموها:

    أولاً: الإيمان بالله.

    ثانياً: الإيمان بملائكة الله.

    ثالثاً: الإيمان بكتب الله.

    رابعاً: الإيمان برسل الله.

    خامساً: الإيمان باليوم الآخر.

    سادساً: الإيمان بالقضاء والقدر.

    1.   

    الإيمان بالقضاء والقدر

    وقد درسنا الأركان الخمسة وها نحن مع الركن السادس، ألا وهو الإيمان بالقضاء والقدر، فما هو القضاء؟ وما هو القدر؟ من لم يعرف يسأل، أو يسمع فيعلم.

    ما القضاء والقدر؟ القضاء معناه: الحكم. لماذا سمي القاضي قاضياً؟ لأنه يحكم. فالقضاء معناه: الحكم. والقدر معناه: التقدير للكمية والكيفية والزمان والمكان.

    قضى الله، أي: حكم أن يوجد الشيخ أبا عبد العزيز ، ثم قدر متى يوجد، وأين يوجد، وما يصيبه، وما يحصل عليه بتقديرات لا تتخلف قط، ولو كان يتخلف ما قدره الله لخرب العالم في أيامه الأولى، ولكن كل شيء يقع حسب تقديره في وقته ومكانه، حسب الصفة الذي وصفها وقدرها له سبحانه.

    وهذا يدل على عظمة الله وقدرته، وعلى أن علمه أحاط بكل شيء، فلا تخرج ذرة من الكون ما علمها، إذ هو موجدها ومقدرها، وأن رحمته وسعت كل شيء، ولولا ذلك ما عشنا ساعة، وأن حكمته لا يخلو منها شيء، حتى ورقة في شجرة ما وجدت إلا لحكمة، ولا تخلو الحكمة منها فضلاً عن وجود إنسان.

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [ الفصل الثاني عشر: الإيمان بالقضاء والقدر:

    يؤمن المسلم ] المسلم وليس الكافر [ بقضاء الله وقدره، وحكمته ومشيئته] الحكمة عرفناها: وضع الشيء في موضعه. والمشيئة ما هي؟ ما أراد شيئاً وشاءه إلا كان [ وأنه لا يقع شيء في الوجود حتى أفعال العباد الاختيارية] التي يفعلونها باختيارهم [ إلا بعد علم الله به وتقديره، وأنه تعالى عدل في قضائه وقدره] لا حيف ولا ظلم ولا جور ولا اعتداء [ حكيم في تصرفه وتدبيره، وأن حكمته تابعة لمشيئته، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا به تعالى ] هذا هو القضاء والقدر، والمؤمن الحق ما سمعتم.

    أي: لا تتحول عن معصية، ولا تقوى على فعل طاعة إلا بقدرة الله عز وجل وبه؛ فلهذا لا غنى لنا عن الله عز وجل لا في الفعل ولا في الترك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    1.   

    الأدلة النقلية على الإيمان بالقضاء والقدر

    ثم قال: [ وذلك] أي: اعتقد هذا الاعتقاد [ للأدلة النقلية] من الكتاب والسنة [والعقلية ] التي العقل مطالب بها ويدركها[ التالية] فهيا بنا: [الأدلة النقلية : ] أي: من الكتاب والسنة.

    أولاً: إخباره تعالى عن ذلك في كتابه الكريم

    [ أولاً: إخباره تعالى عن ذلك في قوله: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] ] من أخبر بهذا الخبر؟

    الله جل جلاله في كتابه [ وقوله عز وجل: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [الحجر:21]، وفي قوله: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد:22] ] أي: نخلقها. هذا كتاب القضاء والقدر [ وفي قوله: إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج:70]. وفي قوله: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [التغابن:11] ] فلا يمكن أن تحدث مصيبة والله ما يعلمها أو ما قدرها أو ما أرادها. مستحيل؛ فلهذا أهل الإيمان بالقضاء والقدر لا يكربون ولا يحزنون، ولا يحملهم الكرب أن يلقوا بأنفسهم من السطوح، أو أن ينتحروا بالحديد والنار؛ وذلك لإيمانهم بقضاء الله وقدره في خلقه.

    [ وفي قوله: وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ [الإسراء:13] ] ما الطير؟ نصيبه الذي كتبه له من الأكل والشرب والعبادة، أو الكفر أو كذا، أو الجنة أو النار، في سجل منوط به، (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه) فلا يمكن أن تتحرك حركة بدون كتابة لها قبل وجود الكون.

    [ وفي قوله: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51]] من نصر أو هزيمة [ هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [التوبة:51] ] لا على سواه، إذ هو الذي بيده كل شيء والقادر على كل شيء، ويضع كل شيء في موضعه [ وفي قوله عز وجل: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59] ] كتاب القضاء والقدر، مفاتح الغيب خمسة جاءت في قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34]، وقد علمنا رسول الله أن هذه مفاتح الغيب [ وفي قوله تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29] ] ما تشاء أنت شيئاً إلا وقد شاءه الله قبلك وكتبه حتى شئته أنت، فمشيئة العبد مسبوقة بمشيئة الرب، إذا شئت أنت شيئاً فلا تظن أن الله ليس له به علم، بل شاءه قبل أن تشاءه أنت، شاءه وكتبه قبل أن يوجد الكون بكامله: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29]، [ وفي قوله: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى [الأنبياء:101]] أي: الجنة [ أُوْلَئِكَ عَنْهَا [الأنبياء:101]] أي: عن النار[ مُبْعَدُونَ [الأنبياء:101] ] فما معنى: (إن الذين سبقت) في كتاب القضاء والقدر؟ أي: سبق في كتاب القضاء والقدر أن فلاناً من أهل الجنة.

    [ وفي قوله تعالى: وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ [الكهف:39] ] هذا حوار كان بين كافر ومؤمن، أو موحد ومشرك، جاء في سورة الكهف [ وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ [الكهف:39]] أي: بستانك[ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ [الكهف:39] ] لكنه ما قال ذلك، فسلبه الله إياها [ وفي قوله: وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43] ] قول أهل الجنة: وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43]، فهذه الآيات كلها تقرر أن كل شيء بقضاء وقدر، وأن كل كائن كتب في اللوح المحفوظ في كتاب المقادير بصفته وكميته ومكانه وزمانه على ما كتب الله عز وجل، ولا يتخلف شيء أبداً. هذه أدلة نقلية، نقلناها عن القرآن فهيا ننقل عن النبي صلى الله عليه وسلم!

    ثانياً: إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم عن القضاء والقدر في سنته

    قال: [ ثانياً: إخبار رسوله صلى الله عليه وسلم عن ذلك في قوله: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة)] قطرة مني [(ثم يكون علقة مثل ذلك)] في الأربعين يوماً التي بعدها، علقة تعلق بالأصبع كعلقة الدم [ ( ثم يكون مضغة مثل ذلك ) مثل اللحمة التي تمضغها في فمك ليس أكثر منها، ( ثم يرسل إليه الملك ) الموكل بهذه المهمة ( فينفخ فيه الروح ) تسري فيه كالتيار الكهربائي؛ فلهذا الروح كانت موجودة قبل وجود الجسم ( فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات ) الملك يأمره الله بكتابة أربع كلمات (بكتب رزقه) الرزق.. من كأس الماء إلى حبة التمر، واذكر ما شئت (وأجله) باللحظة وليس بالدقيقة، بلا زيادة ولا نقصان، (وعمله) صالحاً أو فاسداً، خيراً أو شراً (وشقي أو سعيد) يكتب هذا، ويخرج هذا الطفل، ويطبق ذلك حرفياً حتى يموت، ويدخل الجنة أو النار، ثم قال صلى الله عليه وسلم في تمام الحديث: [ (فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع)] مسافة قريبة قصيرة [ ( فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها )] وهنا مسألتان عظيمتان:

    الأولى: اليقينية، فأحلف لكم بالله أنه لن يدخل الجنة إلا من آمن وعمل صالحاً، ولن يدخل النار إلا من كفر وأشرك. ولكن هناك شيء آخر وهو أن تعيش دائماً تخاف الله وتسأله ليل نهار: أن يحسن خاتمتك وعاقبتك، فلا تشعر بأنك مطمئن، لأنك تصوم وتصلي وتجاهد، فمن الجائز أن تنتكس في آخر أيامك فتكفر بالله، فلا تطمئن إلى صلاتك أو جهادك أو صدقاتك وتقول: أنا أنا؛ لأن العبرة بالخاتمة!

    والثانية كما علمتم: فقد دلت الأدلة على أن الجنة لا يدخلها إلا مؤمن عمل الصالحات، وأن النار لا يدخلها إلا كافر مشرك عمل بالسيئات ( فو الذي لا إله غيره) من يحلف هذا الحلف؟ الرسول صلى الله عليه وسلم ( فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة- فيما يظهر لنا- حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع - كناية عن قرب الوقت- فيسبق عليه الكتاب- أي كتاب؟ الذي كتب الله أنه من أهل النار-فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) فلا تفهم أن عبداً يموت على الشرك والكفر ويدخل الجنة، وأن عبداً يموت على الإيمان والعمل الصالح فيدخل النار، انزع هذا من ذهنك؛ لأن الرسول قال: فيعمل .. لا بد وأن يعمل حتى يدخل الجنة أو النار.

    اللطيفة الثانية: لا تعول على اجتهادك وفطنتك وعبادتك وتنسى ضراعتك لربك وسؤالك اللطف والإحسان إليك ليتوفاك مؤمناً مسلماً، ولهذا يقول أهل العلم: المؤمن يعيش كالطائر بجناحين: جناح الخوف، وجناح الرجاء، فهو من جهة خائف ومن جهة راج وطامع، يواصل إلى أن يصل إلى وكره، إلا عند المرض الشديد وقرب الساعة فجناح الرجاء يغلب؛ لأن جناح الخوف لم يبق له قيمة فيغلِّب جانب الرجاء.

    قال: [ وفي قوله عليه السلام لـعبد الله بن عباس رضي الله عنه ] أنا آسف عن كتابتي: [وفي قوله عليه السلام] والأصل أن أقول ( في قوله صلى الله عليه وسلم) هي تجوز ولكننا لا نستحسنها، نقول: موسى عليه السلام، عيسى عليه السلام، إبراهيم عليه السلام، إذا ذكر نبي من الأنبياء تقول عليه السلام، أما إذا ذكر نبينا محمداً فنقول: صلى الله عليه وسلم، وإذا ذكر أصحابه تقول: رضي الله عنهم، وإذا ذكر التابعون تقول: رحمهم الله، وإذا ذكرنا نحن فنقول: غفر الله لنا ورحمنا، وإذا ذكر الملائكة نقول جبريل عليه السلام.

    [وفي قوله عليه السلام لـابن عباس : ( يا غلام! إني أعلمك كلمات ) ] طيبات، آه لو عرفنا هذه الكلمات ( إني أعلمك كلمات ) معدودة وليست كثيرة [ ( احفظ الله يحفظك )] هذه واحدة. احفظ الله في شرعه وأمره ونهيه يحفظك من البلاء والشقاء والعذاب، ولا تضيعه فيضيعك، فحيثما اتجهت وجدت عون الله عز وجل ومدده [ (إذا سألت فاسأل الله )] إذا طلبت- ولو كأس ماء- فاطلبه من الله [ ( وإذا استعنت )] أي: طلبت من يعينك [ ( فاستعن بالله )] إذا استعنت فاستعن بالله [ ( واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف ) ] (رفعت الأقلام): أقلام المقادير. (وجفت الصحف): كتاب المقادير. لو اجتمع أهل المدينة كلهم على أن ينفعوك بشيء وما أراد الله، والله ما استطاعوا، ولو أرادوا أن يضروك بشيء وما كتبه الله لك، والله ما استطاعوا، ليس المدينة فقط، بل البشرية كلها؛ فلهذا قلبك يكون مع الله خائفاً وطامعاً، اللهم اربط قلوبنا بك يا رب العالمين!

    قال: [ وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما خلق الله تعالى القلم )] ن وَالْقَلَمِ [القلم:1] [( فقال له: -أي: للقلم- اكتب. فقال: رب! وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة )] فهذا هو القضاء والقدر.

    [ وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (احتج آدم وموسى)] اختصما، كل أدلى بحجته على الآخر، هذا الحِجَاج [ ( قال موسى: يا آدم! أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة. فقال آدم عليه السلام: أنت موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده، تلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين عاماً؟ فحج آدم موسى ) ] أي: غلبه في الحجة. وبيان ذلك: أن لوم موسى كان في غير محله (أنت آدم خلقك الله بيده وأخرجتنا..) كذا، هذا اللوم كان في غير محله؛ لأنه إن لامه على الذنب فإن آدم تاب منه، والذي تاب من الذنب لا يلام قط، وحرام أن تلومه، فمن تاب لا يلام عقلاً ولا شرعاً وآدم عليه السلام تاب، وتاب الله عليه بنص القرآن. من تاب يلام على ذنب سبق؟ لا يحل هذا أبداً، فمن تاب تاب الله عليه؛ لأنه إن لامه على الخروج من الجنة كان قد لامه على أمر لابد من وقوعه لما قضاه الله، فيلومه على الخروج من الجنة، هذا أمر قضاه الله وقدره، لابد وأن يخرج، فلا حق له أن يلومه على ذنب تاب منه.

    [ وفي قوله صلى الله عليه وسلم في تعريف الإيمان: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقضاء خيره وشره ). وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ) ] حتى يدخل الجنة أو النار [ وفي قوله صلى الله عليه وسلم لـعبد الله بن قيس : ( يا عبد الله بن قيس ! ألا أعلمك كلمة هي من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله ) ] خذوها مجاناً، كنز والله من كنوز الجنة، من أراد أن يكتنز شيئاً في الجنة يقل: لا حول ولا قوة إلا بالله مؤمناً بما يقول عاملاً؛ وبذلك يدخرها عند الله عز وجل، فهذا كنز من كنوز الجنة، وهي كلمة: لا حول ولا قوة إلا بالله.

    قال: [ وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (إن النذر لا يرد قضاء)] الناذر الذي يقول: إذا شفي ولدي أذبح بقرة. هل هذا النذر يرد القضاء؟ إذا ما كتب الله شفاء الولد يشفى؟ لا يشفى.

    مثلاً: إن حصلت على ما فقدته بالأمس أتصدق بنصفه. هل هذا النذر يرد ما قضاه الله؟ إذا قضى لا يرجع له شيء يرجع؟ لا. ولهذا كره هذا النذر المشروط.

    والنذر المحبوب عند الله هو النذر المطلق: لله علي أن أصوم كذا، لله علي أن أتصدق بكذا؛ تملقاً إلى الله وتزلفاً وتقرباً إليه، لا يريد إلا وجه الله، أما بالاشتراط: إن ولدت امرأتي وجاءت بولد نفعل كذا، فهذا هو النذر المذموم المكروه، هذا الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن النذر لا يرد قضاء) أي: أمراً قضاه الله وحكم به، لكن يجوز أن تقول: إن شفي ولدي أتصدق بكذا، لكن لا تفهم أن نذرك يرد ما قضاه الله وقدره الله، لا. أبداً.

    قال: [ وفي قوله صلى الله عليه وسلم لمن قال: ما شاء الله وشئت: (قل: ما شاء الله وحده)].

    هذا صاحب حدث الرسول وقال له: ما شاء الله وشئت يا رسول الله! قال: لا لا، (قل: ما شاء الله وحده) لو قال: ما شاء الله ثم شئت بالتراخي كان يجوز، لكن لا يقول أساساً: ما شاء الله وشئت يا فلان! بل ما شاء الله وحده.

    هذه الأدلة النقلية من الكتاب والسنة.

    ثالثاً: إيمان مئات الملايين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بقضاء الله تعالى وقدره

    [ ثالثاً: إيمان مئات الملايين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من علماء وحكماء وصالحين وغيرهم، إيمانهم بقضاء الله تعالى وقدره وحكمته ومشيئته، وأن كل شيء سبق به علمه، وجرى به قدره، وأنه لا يكون في ملكه إلا ما يريد، وأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأن القلم جرى بمقادير كل شيء إلى قيام الساعة ] هذه هي عقيدة المؤمنين؛ فكيف أنت تكفر بها أو تجحدها أو تشك فيها؟! بلايين الملايين من العلماء والصلحاء كلهم آمنوا بهذا القضاء والقدر! ما قيمة إنكارك أنت أو شكك؟

    1.   

    الأدلة العقلية على الإيمان بالقضاء والقدر

    [الأدلة العقلية] ثلاثة أدلة:

    أولاً: أن العقل لا يحيل شيئاً من شأن القضاء والقدر

    [ أولاً: أن العقل لا يحيل شيئاً من شأن القضاء والقدر] لا يجعله مستحيلاً أبداً [ والمشيئة والحكمة والإرادة والتدبير، بل العقل يوجب كل ذلك ويحتمه؛ لما له من مظاهر بارزة في هذا الكون ] دائماً ننظر فقط نظرة، لو أن في مائة سنة كل امرأة لا تلد إلا أنثى لتعطلت الحياة البشرية كلها، لو تجمعها في صعيد واحد لن تجد اثنين لا يفرق بينهما، وهذا تدبير عجيب!

    ثانياً: أن الإيمان بالله تعالى وبقدرته يستلزم الإيمان بقضائه وقدره

    [ ثانياً: الإيمان به تعالى وبقدرته يستلزم الإيمان بقضائه وقدره وحكمته ومشيئته ] فما دمت آمنت بالله رباً وإلهاً فيجب أن تؤمن بقضائه وقدره تابعاً لذلك، ولا معنى لكفرك بذلك.

    ثالثاً: العلم بأن الله تعالى على كل شيء قدير

    [ ثالثاً: إذا كان المهندس المعماري يرسم على ورقة صغيرة رسماً لقصر من القصور ] العالية [ ويحدد له زمن إنجازه ] سنوات ويعطيك المفاتيح [ ثم يعمل على بنائه؛ فلا تنتهي المدة التي حددها حتى يخرج القصر من الورقة إلى حيز الوجود، وطبق ما رسم على الورقة بحيث لا ينقص شيء- وإن قل- ولا يزيد- شيء وإن قل- فكيف ينكر على الله أن يكون قد كتب مقادير العالم إلى قيام الساعة، ثم لكمال قدرته وعلمه يخرج ذلك المقدر طبق ما قدره في كميته وكيفيته وزمانه ومكانه، ومع العلم بأن الله تعالى على كل شيء قدير؟! ] هذا هو القضاء والقدر، الركن السادس من أركان الإيمان.

    اللهم ارزقنا فهمه وحفظه والعمل به.

    1.   

    الأسئلة

    حكم طواف المرأة الحائض

    السؤال: وفقنا الله أن علمنا أن المرأة الحائض تقوم بجميع مناسك الحج إلا الطواف، فكيف إذا جاء موعد الطائرة للرجوع إلى بلادنا ولا يمكننا التأخر؟

    الجواب: هذا السؤال تكرر، المرأة إذا حاضت تقوم بكل أركان الحج: الإحرام، الوقوف بعرفة، الوقوف بمنى، رمي الجمرات، السعي، اللهم إلا الطواف، فإن الحائض لا تطوف.

    وقال أهل العلم: إذا هذه المرأة رفاقها أبوا أن يقيموا معها حتى تطهر يومين أو ثلاثة أيام أو أسبوعاً؛ فكيف تترك في مكة وبلادها في الهند أو في الأندلس؟ من يعولها؟ من يحفظها؟

    فإذا تعذر البقاء معها تغتسل وتستذفر- تتحفظ- وتطوف وتذبح شاة وتعود حاجة، أما إذا كان بالإمكان انتظارها حتى تطهر؛ فيجب أن تنتظر حتى تطهر أو تغتسل، ثم تطوف بالبيت طواف الإفاضة وتسافر.

    حكم الدعاء لأخ أو قريب بالتوبة

    السؤال: هل نستطيع أن ندعو بهذه الكيفية: اللهم عجل توبة فلان قبل أن يأتي أجله؟

    الجواب: نعم، الدعوة لا شك أنه يقولها لابنه أو لأخيه أو لصديقه أو لمن يحبه، فيسأل الله له التوبة، لا بأس.

    بنت عم الأب ليست من المحارم

    السؤال: بنت عم والدي هل أنا من محارمها؟

    الجواب: لست بمحرم لها، بنت العم ليست محرماً، يتزوجها ويطؤها.

    حكم العمل فيما لا يرضي الله

    السؤال: هل يلزم المريض العمل إذا قال له الطبيب: من أسباب شفائك العمل، مع ذكر الدليل أطال عمرك؟

    الجواب: ما هو هذا العمل؟ إذا قال له الطبيب: اشرب الخمر. هل هذا العمل يجوز؟ إذا قال له الطبيب: اسع بين القبور. هل هذا يجوز ؟ ما هو هذا العمل؟ إذا قال له الطبيب: لا تصل. هل هذا العمل يشفيه؟! لا بد أن يبين لنا العمل الذي قال له الطبيب، إذا قال: العمل بعد صلاة الصبح تمشي مائتي خطوة، أو ثلاثمائة خطوة بسرعة نعم يجب إذا أرشد الطبيب لهذا، أما أن يأمر بعمل هو معصية لله فلا يصح هذا أبداً، ولا يوثق فيه.

    إثبات موت الخضر وإدريس عليهما السلام

    السؤال: ما رأيكم فيمن يعتقد أن الخضر وإدريس عليهما السلام على قيد الحياة؟

    الجواب: لا الخضر ولا إدريس على قيد الحياة، بل ماتا عليهما السلام.

    فالخضر من أدلة العلماء على موته:

    أولاً: قول الله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185].

    ثانياً: لو كان الخضر حياً لكان يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤمن به، ويقف إلى جنبه ويقاتل معه، عاش ثلاثاً وعشرين سنة وهو يدعو ويجاهد، فلو كان الخضر في العراق أو في الشام كان سيأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، هذه خرافة استغلها الجهال من أجل أن يستحلوا أموال الناس وفروجهم.

    كان الواحد يقول: هذا الحناء وضعه الخضر. الخضر قال لي: كذا وكذا، ويكذبون على الناس، لقد مات الخضر ومات إدريس عليهما السلام.

    حكم رفع السبابة عند ذكر الله حال القيام في الصلاة

    السؤال: ما حكم رفع السبابة في الصلاة في القيام إذا ذكر الله عز وجل؟

    الجواب: يجوز. من استطاع أن يمشي طول النهار هكذا يقول: لا إله إلا الله يفعل.

    مما يدل على هذا: أن يمنياً- رضي الله عنه- كان يطوف بالكعبة والرسول صلى الله عليه وسلم يشاهده، واليمني يسبح ويرفع أصبعيه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( وحد، وحد ) اجعلها واحدة فقط، وليس اثنتين؛ فلهذا عند قولك: لا إله إلا الله ترفع أصبعك إقراراً بأنه لا إله إلا الله، وليس في ذلك خلاف.

    السبب في تقديم ذكر الجن على الإنس في الآيات القرآنية

    السؤال: اقتران ذكر الجن والإنس وتقدم ذكر الجن على الإنس في قوله تبارك وتعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وقوله أيضاً: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ [الأنعام:128]؛ فلماذا تقدم ذكر الجن على الإنس؟

    الجواب: لأن الله أوجد الجن قبل أن يوجد الإنس بلا خلاف بين أهل العلم ولا في القرآن والسنة، عالم الجن مخلوق قبل عالم الإنس، بل الأرض عمرها الجن قبل أن يوجد آدم وينزل إليها.

    حكم من جاء من مصر إلى مكة ولم يحرم إلا من التنعيم

    السؤال: جئت إلى مكة من مصر، فلم أحرم إلا في التنعيم في مكة، فماذا علي؟

    الجواب: عليك ذبح شاة سمينة لفقراء مكة ومساكينهم، وإن كنت عاجزاً بالفعل لا تملك نقوداً فصم عشرة أيام.

    وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756263420