إسلام ويب

شرح العقيدة الواسطية [21]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يعتقد أهل السنة والجماعة أنه لا يتحقق الإيمان إلا بمحبة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون ذلك بإكرامهم وحفظ منزلتهم وقدرهم، والذب عنهم ورفع الظلم عنهم.

    1.   

    من أصول أهل السنة: محبة أهل البيت رضوان الله عليهم

    قال المصنف رحمه الله: [ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويتولونهم].

    محبة المؤمن موجبها جملة من الأوجه: يحب من جهة بره، ومن جهة إحسانه، ومن جهة صدقه، ومن جهة قرابته، حتى التحاب بين المؤمنين فيما بينهم، فإن المحبة الإيمانية لأبيك ليست كالمحبة الإيمانية لغيره ممن هو بعيد مثل العم أو لغير ذي الرحم أو ما إلى ذلك.

    فالمقصود: أن من أوجه الدين والإيمان المحبة لآل البيت من جهة كونهم من آل بيت النبوة، هذا أحد أوجه محبتهم، ولكن لا شك أن هذا ليس هو الوجه الأول، إنما هو فرع عن إيمانهم، ولهذا لم يكن هذا الوجه بإجماع المسلمين مشروعاً في كفارهم، فلا تشرع المحبة للكافر ولو كان ينتهي نسبه إلى آل البيت.

    وقد وجد من آل البيت في التاريخ أناس من الشيوعيين ومن العلمانيين، وأنسابهم مثل الشمس لا إشكال عليها، فهؤلاء لا يشرع حبهم من جهة كونهم من آل البيت؛ لأن هذا فرع عن الإيمان، إذا تحقق إيمانهم فمن أوجه محبتهم الشرعية أنهم يُحبَّون لكونهم قرابة لرسول الله عليه الصلاة والسلام.

    المقصود بالثقلين

    قال رحمه الله: [ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غدير خم: (أذكركم الله في أهل بيتي)] .

    حديث الغدير هو حديث زيد بن أرقم في الصحيح، وإن كانت الشيعة قد زادت فيه زيادات كثيرة، لكن فيه أن النبي قال: (إني تارك فيكم الثقلين)، وجاءت الرواية: (كتاب الله وأهل بيتي).

    فهل كان السياق أن الثقلين هما: الكتاب وآل البيت، أم أن قوله: (وآل بيتي) هذا كان من باب الاستئناف وليس من باب العطف؟ هذه مسألة.

    لكن لو فرضنا جدلاً أن الثقلين الذين قصد النبي صلى الله عليه وسلم أنه تركهما هما: كتاب الله وآل البيت، فهذا لا جديد فيه، إذا فسرناه بهذا التفسير أنه ترك فينا ثقلين: كتاب الله وآل البيت، أما كتاب الله فالمقصود من تركه فينا أن يُتدين به، فحق كتاب الله الإيمان به والعمل، وحق آل البيت محبتهم وتوقيرهم والإحسان إليهم .. وهلم جراً من المسائل المناسبة لهم.

    فمن يقول: إن النبي قال: تركت فيكم كتاب الله وآل بيتي، نقول: نعم، هذا وصية من الرسول عليه الصلاة والسلام بكتاب الله ووصية منه بآل البيت، ولا نعترض على هذا، فهذا صحيح، وقد قاله صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة، وليس حكماً جديداً اختص بغدير خم، فحتى لو لم ينطق به الرسول عليه الصلاة والسلام فهذه الوصية حكمها ثابت في القرآن وفي السنة كثيراً.

    فحق القرآن الإيمان به واتباعه والتمسك به، وأما آل البيت فإما أن يكون المقصود: (وآل بيتي) أي: تمسكوا بشريعتهم، واتبعوهم، وهذا غير ممكن، فلا يمكن أن نتبع كل واحد من آل البيت، وفيهم الفقيه وغير الفقيه، والسني وغير السني، وفيهم المؤمن والعلماني، فالإسلام ليس عائلةً معينة، والأشياء المكتسبة جعلها الإسلام شورى، الملك جعله الإسلام شورى، وهو قضية مكتسبة، وقد أجمع السلف على أن من غلب بقوة السيف، واستقر له الأمر؛ أصبح إماماً تجب طاعته، فكيف في مسألة النبوة؟

    وقوله: (أذكركم الله في آل بيتي) كان من باب التأكيد على حق آل بيته عليه الصلاة والسلام، وأنه يجب برهم، وليس فيه أن لهم الخلافة أو أنهم يقدمون أو ما إلى ذلك.

    عدم تحقق الإيمان إلا بمحبة آل البيت

    قال رحمه الله: [وقال أيضاً للعباس عمه وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم، فقال: (والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي) ] .

    وهذا حديث على وجهه: أن المسلم لا يحقق الإيمان إلا بمحبة آل البيت، كما تقول: إن من خصال الإيمان الواجبة صلة الرحم، فمن خصال الإيمان الواجبة محبة آل البيت، فقاطع الرحم يسمى فاسقاً، ومن لم يحب آل البيت يسمى فاسقاً، فقوله: (والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي) نقول: نعم، من زعم أن أحداً يحقق الإيمان وهو لم يحب آل بيت الرسول -أي: المؤمنين منهم- فقد أخطأ وخالف السنة وإجماع السلف، فإن من أعظم أنواع الفسق: الطعن في آل البيت أو عدم محبتهم، ولا شك أن من موجبات الإيمان ومن أعظم شعائره: محبة آل البيت، والشهادة لهم بهذه الخاصية التي لا يشاركهم فيها حتى أبو بكر ، لكن كونه رضي الله عنه لا يشاركهم في هذه الخاصة لا يعني أنه لا يمتاز عليهم بأوجه أخرى، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم) وليس معنى ذلك أن إبراهيم أفضل من محمد عليه الصلاة والسلام.

    وموسى عليه السلام حصل له أنه جاء للميقات وكلمه ربه، ولم يحصل لمحمد صلى الله عليه وسلم أنه كلمه ربه وهو في الدنيا وهو في أحد جبال مكة أو ما إلى ذلك لكن هذا الاختصاص الذي عرض لموسى لا يوجب أن يكون موسى أفضل من محمد.

    كذلك عيسى عليه السلام رفعه الله إليه، وليس هو أفضل من محمد عليه الصلاة والسلام.

    أما ما تقوله الشيعة من أنه لا ولاء إلا ببراء .. فإنه يلزم منه التكفير لآل البيت، فهم يقصدون أنه لا ولاء لـعلي إلا بالبراء من أبي بكر وعمر ، والتاريخ يحفظ حفظاً قطعياً أن هناك أعياناً من آل البيت كانوا موالين لـأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وهذا هو الأصل فيهم، وهكذا كان شأن أبي بكر أنه كان موالياً لـعلي ومحباً له، وكان علي بن أبي طالب موالياً لـأبي بكر ، فإذا قيل:لا ولاء إلا ببراء؛ لزم من ذلك التكفير حتى لآل البيت؛ لأنهم ما كانوا يتبرءون من أبي بكر وعمر ، وما نقل عن إمام من أئمة آل البيت أنه تبرأ من أبي بكر .

    وقولهم: إن فاطمة رضي الله عنها لم تبايع، فهذا حصل منها، وكانت رضي الله عنها ترى أن لها في ميراث النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، ولم يبلغها قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (نحن معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة) فكانت تظن أن رسول الله عليه الصلاة والسلام يورث كغيره، فكانت تنتظر ما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر أنه يقسم قسمة مواريث، لكن أبو بكر قال: إن رسول الله قال: (لا نورث، ما تركنا صدقة) وفاطمة لم يبلغها الحديث فأخذت في نفسها على أبي بكر ، وهذا اجتهاد من فاطمة يدخل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر) فهي اجتهدت رضي الله عنها، وما قصدت مخالفة سنة النبي، واجتهادها مغفور لها وإن كان ليس صواباً.

    وأما أنها لم تبايع أبا بكر فقد أجمع أهل العلم أن البيعة تنعقد بدون النساء، إنما المعتبر هو بيعة أهل الحل والعقد من الرجال، أما النساء فلا يدخلن في مسألة البيعة أصلاً؛ لأنهن ليس لهن في الأمر نصيب، إنما الذي تجب بيعته هو الذي له في الأمر نصيب؛ لذلك حتى العامة لا يلزم بيعتهم بالأعيان، كأن يأتي كل واحد من العامة يبايع أو يعلن البيعة، بل إذا جاء أهل الحل والعقد من العلماء ووجهاء الأمصار فبايعوا إماماً، فإن بيعته تكون شرعية لازمة لكل أفراد المجتمع من الرجال والنساء، أما من بايع من العامة فهذا يعتبر زيادة تأكيد ليس إلا.

    معنى الاصطفاء في حديث: (إن الله اصطفى بني إسماعيل)

    قال رحمه الله: [ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) ] .

    فبنو هاشم بهذا الحديث قد اصطفاهم الله، ولا شك أن بني هاشم هم أفضل قريش، لكن هذا الاصطفاء له معنى آخر، فهو مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفى قريشاً) وليس معنى ذلك أن قريشاً أصبحت كلها أمة ربانية إلهية، بل قريش فيهم الأبرار وفيهم الكفار، فمن يقول: إن الله قد اصطفى بني هاشم. نقول: اقرأ الجمل التي قبل، اصطفى بني هاشم من قريش، واصطفى قريشاً من كنانة، هل معناه: أن قريشاً أصبحت مصطفاة؟ بل قريش هي التي كانت تعبد اللات والعزى، وهي التي وضعت على الكعبة ثلاثمائة وستين نصباً كما في حديث ابن مسعود ، فالاصطفاء ليس معناه القداسة المطلقة لهذه الطائفة أو القبيلة أو المجموعة، وبعض أهل العلم يقول: إن الاصطفاء من قريش هو باعتبار المنتهى، أي: أن النبي في الأخير صار منها، فصار الرسول يقال: إنه هاشمي قرشي، هذا وجه الاصطفاء لقريش.

    لكن حتى لو قلنا: إن قريشاً لها بعض الاختصاص في قدر الله، الاصطفاء في قدر الله ليس معناه الإطلاق؛ لأن قريشاً كان فيها الكفرة.

    هنا تنبيه يتعلق بمسألة حقوق آل البيت أو مسألة الصحابة: أحياناً بعض الناس ممن يكتب في هذا يكون متحمساً للرد على الشيعة، فتراه يقصر في شأن آل البيت، ويكون عنده حماس في الدفاع عن أبي بكر وعمر لدرجة أنه قد يطعن في علي أو يطعن في مقام آل البيت أو في قدرهم مما لا داعي له، وبعض الناس يكون عنده ضعف في العقل، لا يحسن التوازن إلا بأن يصيب من هؤلاء شيئاً أو من هؤلاء شيئاً.

    والصواب: أن هؤلاء أمة واحدة، وكانوا رضي الله عنهم -أعني: أبا بكر وعلي بن أبي طالب ، أو آل البيت وغير آل البيت من الصحابة- كانوا في زمن النبوة وقبل أن توجد الفتن أمةً واحدة، وكانوا مجتمعين يصدق بعضهم بعضاً ويوالي بعضهم بعضاً.

    إذاً: لا يجوز أن يقع في كلام بعض الناس ما هو من التقصير في شأن آل البيت، فكما قلنا: إن لهم قدراً، وإن لهم اختصاصاً، وإن محبتهم من الإيمان بالله ورسوله، ومن تصديق الله ورسوله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756300753