واسمحوا لي أن أستهل الحديث اليوم -مع حضراتكم- في العلامات الكبرى، وعن الآية العظيمة الأولى التي تؤذن بتغير الأحوال على وجه الأرض، ألا وهي المسيح الدجال، وسوف أخصص اليوم اللقاء كله لفتنة المسيح الدجال، وقد أؤجل الحديث عن بعض العلامات في الجمع المقبلة بحسب تقدير الله جل وعلا، وكعادتنا حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعاً، فسوف أركز الحديث عن فتنة المسيح الدجال في العناصر المحددة التالية:
أولاً: الدجال أعظم فتنة على وجه الأرض.
ثانياً: وصف دقيق للدجال وفتنته.
ثالثاً: ما السبيل إلى النجاة؟
فأعرني قلبك جيداً... وأعرني سمعك تماماً، والله أسأل أن يحفظني وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
الدجال أعظم فتنة منذ خلق الله آدم
وصف النبي للدجال
ووصف النبي فتنته.. وأستحلفك بالله أن تتدبر معي هذا المطلع العجيب!
مع الدجال نهران يجريان
يمكث الدجال أربعين يوماً في الأرض
قتل الدجال للشاب المؤمن
ثم تزداد فتنته: فيرى شاباً من المسلمين فينادي عليه الدجال، ويأخذه، ويشق الدجال هذا الشاب نصفين، فتقع القطعتان على الأرض، فيمشي الدجال بين القطعتين أمام الناس، ويقول للشاب: قم، فيستوي الشاب حياً بين يديه، وهذا أمر لا يكاد العقل أن يدركه أو أن يستوعبه، لولا أن أخبر به الصادق المصدوق.
وفي رواية
أبي سعيد الخدري في صحيح
مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، يقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: فيخرج إليه شاب فيلقاه مسالح الدجال -ومسالح الدجال: أتباعه من اليهود الذين يحملون السلاح- فيقول مسالح الدجال لهذا الرجل المؤمن من أتباع الحبيب محمد: إلى أين؟ فيقول: إلى هذا الذي خرج -أي: إلى الدجال- فيقولون له: أوما تؤمن بربنا؟ فيقول الرجل المؤمن: ما بربنا خفاء -يعني: لو نظرت إلى الدجال فسأعرفه- فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أو ليس قد نهانا ربنا -أي: الدجال- أن نقتل أحداً دونه، فينطلقون بهذا الرجل المؤمن إلى الدجال، فإذا نظر المؤمن إليه، وقرأ بين عينيه الكلمة التي أخبر عنها الصادق (كافر) صرخ المؤمن وقال: أنت المسيح الدجال الذي ذكره لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول المصطفى: فيأمر الدجال بقتله، فيوضع المنشار في مفرق رأسه ويشقه الدجال نصفين، ثم يقول الدجال لهذا الشاب المؤمن: قم.
فيستوي الشاب قائماً أمام عينيه وبين يديه وهو يضحك، فيقول له الدجال: أتؤمن بأنني ربك، فيقول المؤمن: والله ما ازددت فيك إلا بصيرة، فأنت الدجال الذي ذكر لنا رسول الله، ويلتفت المؤمن إلى الجموع من حوله ويقول: أيها الناس! هذا هو المسيح الدجال، ووالله لن يستطيع أن يفعل ذلك بأحد بعدي كما أخبرنا المصطفى.
يقول رسول الله: فيقوم الدجال ليذبحه، فلا يمكنه الله من ذلك، فيأخذه الدجال من بين يديه ورجليه، ويريد أن يلقي به في ناره، فيظن الناس أنه قد قذف به في النار، وإنما ألقي في الجنة.
ثم قال الحبيب: هذا أعظم الناس شهادة عند الله جل وعلا، أي: هذا الرجل المؤمن من أتباع المصطفى أعظم الناس شهادة عند الله جل وعلا، فهو الذي سيبين كذب الدجال وبطلان ادعاءات الدجال، ويحذر المؤمنين من فتنته؛ لأنه آمن برسول الله وصدق خبره، وبهذا الإيمان قرأ بين عينيه كلمة (كافر)، وقال للجموع من حوله: هذا هو الدجال الذي ذكره لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
الجساسة والدجال
أختم الحديث عن فتنة الدجال بحديث عجيب غريب رواه
مسلم و
أبو داود و
الترمذي وغيرهم، من حديث
فاطمة بنت قيس عن
تميم الداري .
وهذا الحديث عندما وقفت عليه كاد عقلي أن يطيش، مع أنني قرأت الحديث قبل ذلك، لكن لما تدبرت المعاني كاد -والله- عقلي أن يطيش.
الحديث -كما قلت- رواه
مسلم و
أبو داود و
الترمذي من حديث
فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، وفيه أن
فاطمة رضي الله عنها قالت: سمعت منادي رسول الله يقول: (
إن الصلاة جامعة، إن الصلاة جامعة، تقول: فخرجت إلى المسجد، وصليت خلف رسول الله، وكنت في النساء اللاتي تلي ظهور الرجال -أي: كانت في الصف الأول في النساء الذي يقف مباشرة خلف آخر صف للرجال- فلما قضى رسول الله صلاته، جلس على المنبر وهو يضحك -بأبي هو وأمي- ثم قال: أيها الناس! ليلزم كل إنسان منكم مصلاه) أي: ليجلس كل واحد منكم مكانه، فجلس الصحابة.
ثم قال: (
هل تعلمون لِمَ جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله: أما إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، وإنما جمعتكم اليوم لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً، فجاءني اليوم فبايعني وأسلم لله، وحدثني حديثاً أحببت أن أحدثكم به)، وهذه من أعظم مناقب
تميم الداري .
وقال
النووي أيضاً: وفيه جواز حديث الفاضل عن المفضول، أي: يجوز أن ينقل الفاضل حديثاً عن رجل يقل عنه في الفضل والكرامة، فلقد نقل المصطفى -وهو من هو- حديثاً عن
تميم الداري .
قال
النووي : وفيه كذلك جواز قبول خبر الآحاد الذي أنكره بعض الطوائف، فلقد قبل النبي خبر
تميم الداري وهو واحد فرد.
فماذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ وتدبر معي جيداً قال: (
حدثني تميم أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام -ولخم وجذام قبيلتان عربيتان مشهورتان- فلعب بنا الموج في البحر شهراً كاملاً، ثم أرفأنا إلى جزيرة وسط البحر- يعني: ألجأهم الموج إلى جزيرة وسط البحر- فدخلوها، فإذا هم أمام دابة أَهْلَبَ كثير الشعر، فقالوا لها: ويلك من أنت؟ فقالت: أنا الجساسة. قالوا: وما الجساسة؟ قالت: انطلقوا إلى هذا الرجل في هذا الدَّيْرِ؛ فإنه إلى خبركم بالأشواق، يقول: ففزعنا منها لما سمت لنا رجلاً وظننا أنها شيطانة، فتركناها وأسرعنا إلى الدَّير، فرأينا رجلاً عظيم الخلق مقيداً بالحديد، فقلنا: ويلك! من أنت؟ فقال لهم: قد قدرتم على خبري، فأخبروني أنتم: من أنتم؟ فقالوا: نحن قوم من العرب ركبنا السفينة فلعب بنا الموج شهراً، فأرفأنا إلى جزيرتك، فلقيتنا هذه الدابة، وقالت لنا: انطلقوا إلى هذا الرجل في هذا الدير؛ فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأتينا إليك وقد خشينا أن تكون شيطانة.
فقال لهم: أخبروني عن نخل بَيْسَانَ؟ فقالوا: وعن أيّ شأنها تستخبر؟ فقال هذا الرجل المقيد بالحديد: هل يثمر نخلها؟ فقالوا: نعم، نخلها يثمر، فقال: يوشك أن لا يثمر.
ثم قال لهم هذا الرجل المقيد بالحديد: أخبروني عن بحيرة طبرية؟ قالوا: عن أيّ شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: ماؤها كثير، فقال الرجل المقيد بالحديد: يوشك أن يجف ماؤها.
ثم قال: أخبروني عن نبي الأميين هل خرج؟ قالوا: نعم، خرج، بل وهاجر الآن من مكة إلى يثرب، فسألهم: ماذا صنع مع العرب؟ فقالوا: أظهره الله عليهم، فقال لهم: أوقد كان ذلك، قالوا: نعم، فقال هذا الرجل: خير لهم أن يطيعوه، خير لهم أن يطيعوه -أي: أن يطيعوا هذا النبي صلى الله عليه وسلم- ثم قال لهم: أما أنا فأخبركم؛ أنا المسيح الدجال، وإني أوشك أن يؤذن لي فأخرج فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها، إلا مكة والمدينة فإنهما محرمتان عليّ، كلما أردت أن أدخل واحدة منهما وجدت ملكاً على بابها بالسيف، فإنه على كل نقب من أبواب مكة والمدينة ملائكة يحرسونها بأمر الله جل وعلا).
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.. أما بعد:
فيا أيها الأحبة الكرام! كان ولابد أن أجيب على هذا السؤال:
ما السبيل إلى النجاة من فتنة الدجال؟
والجواب من سيد الرجال محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله ومن والاه، تدبر الجواب جيداً..
حفظ سورة الكهف
الفرار إلى مكة أو المدينة
كذلك من السبل للنجاة منه أن تفر إلى بلد الله الحرام أو إلى طيبة طيبها الله، فمكة والمدينة محرمتان على الدجال أن يدخلهما، فلا يستطيع الدجال أن يدخل مكة ولا أن يدخل المدينة، فهذه أيضاً من سبل النجاة، فإن يسر الله أن تفر إلى بلد الله الحرام أو إلى مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام أو إلى المدينة، فهذا سبيل من سبل النجاة، أسأل الله أن يرزقنا وإياكم وفاة في أرض حبيبه المصطفى، إنه وليّ ذلك والقادر عليه.
توحيد الله تعالى وتحقيق الإيمان
تصحيح المعتقد في الله
قال الله في الحديث القدسي: (
يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي..
يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عَنَان السماء ثم استغفرتني، غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي..
يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة).
قولوا: لا إله إلا الله؛ تفلحوا في الدنيا وفي الآخرة بين يدي الله، وتسعدوا بصحبة رسول الله في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فحققوا التوحيد والإيمان، فإن من أعظم الأسباب للوقاية من فتنة المسيح الدجال، أن نصحح معتقدنا وأن نقوي إيماننا.
أسأل الله جل وعلا أن يقينا وإياكم من فتنة الدجال، اللهم نجنا من فتنة الدجال، اللهم نجنا من فتنة الدجال، اللهم اختم لنا منك بخاتمة الموحدين يا كبير! يا متعال! اللهم ارزقنا جميعاً قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، وبعد الموت جنة ورضواناً، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا.
اللهم أسعد قلوبنا بنصرة الإسلام وعز الموحدين، اللهم احمل المسلمين الحفاة، واكس المسلمين العراة، وأطعم المسلمين الجياع، برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم اجعل مصر واحة للأمن والأمان، اللهم لا تحرم بلدنا مصر من الأمن والأمان وسائر بلاد المسلمين، اللهم اجعل مصر سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم ارفع عن مصر الفتن ما ظهر منها وما بطن وسائر بلاد المسلمين.
أحبتي في الله! هذا وما كان من توفيق فمن الله، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون عليه إلى الجنة، ويلقى به في جهنم، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.