أما بعد:
فإن الحديث عن مشاكل المسلمين يطول، ومن يريد أن يتحدث عن مشاكل المسلمين لا يدري من أين يبدأ وإلى أين ينتهي!
ولاشك أن موضوع المرأة من أهم المواضيع التي بدأ العالم يخوض فيها ويسلط الأضواء عليها، والحديث عن المرأة حديث طويل متشعب يحتاج إلى زمن ليس باليسير، وقضية المرأة قضية مهمة؛ فهي تشكل نصف المجتمع من حيث العدد، وأجمل ما فيه من حيث العواطف، وأعقد ما فيه من حيث المشكلات، وأخطر ما فيه من حيث العواقب والنتائج.
ولقد تميز عصرنا هذا بميزات أهمها: أنه عصر الدعاية والتضليل، وعصر الفتن بجميع أنواعها، وأخطرها على الرجال: فتنة النساء التي حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (فاتقوا الدنيا واتقوا النساء) فجعل الدنيا كلها في كفة، وجعل النساء في كفة أخرى؛ فالدنيا بجميع مفاتنها وما فيها من مال، ومناصب، وشبهات، وشهوات في كفة، والنساء في كفة أخرى.
كما أنه عصر برز فيه المنافقون بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وخُدع الناس بهذه الحضارة والتمدن، وصارت القيادة في كثير من المواقع في أيدي غير الأمناء، فوجهوا الحياة وجهة غير سليمة، وأظهروا عطفهم على المرأة وهُم أعداؤها! واتهموا الإسلام بأنه ضدها، وأنه يسلبها كثيراً من حقوقها!
ولقد بلي عصرنا هذا أيضاً بوسائل إعلام لا تتجه وجهة سليمة، ووسائل دعايات ونشر مضلة، وازداد تأثير هؤلاء، ووصلوا في دعاياتهم المضللة إلى قعر بيوت المسلمين، مهما اتخذ المسلمون من الحيطة والحذر، وكثيراً ما كان المسلمون هم السبب في إيصال هذه الدعايات إلى بيوتهم، ومن المؤسف جداً أن كثيراً من هؤلاء الرُّعَناء من أبناء جلدتنا، ومن الذين يتكلمون بألسنتنا!!
وقد حدثنا عنهم الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام بقوله: (دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها)، ومما لا شك فيه أن هذه الفترة التي نعيشها هي تلك الفترة التي كان يعيش فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحينما نريد أن نتكلم عن المرأة نجدها اليوم قد صارت لعبة بأيدي العابثين والحاسدين، وقد تجرءوا عليها باسم حقوقها وحريتها وإنسانيتها وما إلى ذلك، فهم يريدون منها أن تكشف وجهها أولاً، ثم يريدون منها أن تتبرج بعد ذلك وتبدي زينتها؛ لتكون -في نهاية الأمر- صيدهم وفريستهم، وليحصلوا عليها بسهولة.
وإذا ناقشتَ هؤلاء وبيّنتَ لهم وجهة الإسلام في هذه الناحية قالوا: أنت متخلف!! أنت رجعي!! أنت عدو للمرأة!! أنت سفيه!! أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ [البقرة:13].
وإذا قيل لهؤلاء لماذا تقلدون الكفرة وقد أمرنا الله عز وجل باتباع سبيل المؤمنين، ونهانا عن اتباع الكافرين، وقال وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود:113]؟ قالوا: هؤلاء صنعوا معجزات على ظهر الحياة! وما علم هؤلاء أن أولئك يضربون يداً بيد على ما كسبت أيديهم في شأن المرأة.
ولقد سلك هذا المسلك المنحرف أمم من قبلنا، فعضّوا أصابع الندم، وانفلتت من أيديهم أزمّة الأمور، وصاروا يودون لو تعود المرأة إلى السبيل القويم، وتبقى في بيتها، وهيهات لهم ذلك.
لقد حدث هذا في بلاد الغرب وفي بلاد الشرق أيضاً، بل وفي البلاد الإسلامية التي سبقتها إلى هذا النوع من الحضارة المزيفة، أو خطط الاستعمار مسيرتها من أجل أن يقذف بها في مكان سحيق، حتى إنك لا تكاد -وأنت في كثير من البلاد الإسلامية- تجد فرقاً واضحاً بينها وبين بلاد الكفر!! لأن الاستعمار هو الذي خطّط ورسم منهج الحياة فيها، ولقد بُلي عالمنا بالتقليد الأعمى، فلا يكاد المترفون يرون أو يسمعون بما في بلاد الكفر إلا ويريدون أن يوجد مثله في بلادهم! ومما يسر لهم ذلك انتشار وسائل الاتصال بأنواعها، ووسائل التنقل بين أجزاء هذا العالم، مما ييسر انتقال هذه العدوى، فتشابه هذا العالم كافره ومسلمه في كثير من الأشياء، حتى في الأزياء والعادات.
وهناك نوع مبغض هدفه الوحيد السعي إلى هدم قواعد هذا الدين، والإطاحة به ولو كان ممن ينتسب إليه، والله عز وجل يقول عن هؤلاء: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا [النساء:27]. وهؤلاء أيضاً على نوعين:
هناك نوع يحمل الحقد الدفين على هذا الدين، ويعلم علم اليقين أنه بطريق المرأة يستطيع أن يهدم أعز شيء في هذا الوجود، لأن قائلهم يقول: لا أحد أقدر على جذب المجتمع من هذه المرأة. ومن هنا خططوا ونظموا أمرهم، وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30]، ولقد بدأ تنفيذ هذا المخطط منذ أن ارتفع شأن الإسلام وعلمه في المدينة النبوية، يوم وصل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام هناك دولة التوحيد، حديث انبعث هناك حزب اليهود على يد عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أسلم ظاهراً لهدف هدم الإسلام ثم جاء من بعده أتباعه يتواصون بهدم الإسلام، ويعقدون المؤتمرات، ويرسمون المخططات، وأهمها: حرب المسلمين بواسطة المرأة، ولم يصل النصيريون إلى حكم سوريا إلا بهذا الطريق أيضاً.
وهناك نوع مقلد، لكنه لم يفكر بهذه النتائج، حدثنا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه).
وهذه الأصناف كلها وإن اختلفت مشاربها، وتفرعت سبلها تجتمع في مصب واحد وهو محاولة القضاء على الدين والأخلاق، ولكن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ومتم نوره ولو كره الكافرون، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33].
والمقلدون أخطر على الإسلام من الكفار لأنهم كما قال سبحانه وتعالى: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ [الحشر:2]، ونحن نقول: وبأيدي الكافرين، وهؤلاء عاشت طائفة منهم هناك في البلاد الكافرة، وأعجبوا بأخلاقهم، وانغمسوا في فسادهم، حتى تمنوا لو أسرعت بهم الأيام وعادوا إلى بلادهم الطاهرة المتخلفة -كما يظنون- ولو سمحت لهم الظروف، ومكنتهم مراكزهم الوظيفية ومكانتهم الاجتماعية لقضوا على هذا الدين في أقرب وقت ممكن، ولقد تحقق لطائفة منهم سلطات ومناصب مختلفة، فصار كالسبع الجائع، سواء بواسطة الصحافة، أو الأفلام، أو غير ذلك من وسائل الإعلام الأخرى.
وأنتم تقرءون في بعض صحف العالم الإسلامي، وتدركون ما تحمله من الخطر في مقالاتها وقصصها من هجوم عنيف على الإسلام، وحرب شعواء على تعدد الزوجات، وذلك بطريق مفهوم التشجيع على الفاحشة، وتدخل في حكم الله في شئون الطلاق، واتهام لرسوله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته، وسخرية من الحجاب وغير ذلك.
فإن كنت تجري بأمرك فلا تجر، وإن كنت تجري بأمر الله فاجر. فجرى النهر، وزالت تلك الخرافة، وسلمت المرأة التي كانوا يقدمونها كل سنة ضحية لهذه الخرافة!
والمرأة في بريطانيا إلى يومنا هذا ساقطة في الحضيض، فمن الصعب حصولها على زوج، وعندما يتحقق لها الزوج، وتحصل على هذا الحلم فإنها هي التي تدفع المهر! ومهرها لا يعدو بضعة جنيهات، وكان ذلك من أكبر أسباب انحطاط المرأة هناك، وأكبر أسباب فسادها.
جاء قيس بن عاصم المنقري مسلماً، وطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستغفر له، وقال: إنه قتل ثلاث عشرة بنتاً من بناته!!
ولذلك يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما كنا نعد النساء في الجاهلية شيئاً حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم.
وكانوا يكرهون ذكر المرأة في مجالسهم، حتى لقد كان قائلهم يقول:
إياك واسم العامرية إنني أخشى عليها من فم المتكلم
وهذا وإن كان فيه شيء من المحافظة والغيرة، إلا أنه يدل على الإهانة والاحتقار، وكان ذلك رد فعل لما حصل في الجاهلية الأولى من التبرج والفساد مما أخاف هؤلاء على بناتهم حتى اندفعوا إلى قتلهن ودفنهن خشية العار.
وكان هناك زواج البضاع في الجاهلية، ومعناه: أن يعجب رجل برجل فيرسل زوجته إليه من أجل أن يلقحها ولداً ليخرج ولداً لبيباً ذكياً -كما كانوا يعتقدون-!!
وكان أيضاً هناك زواج الشغار وهو أن يزوج الرجل ابنته أو موليته لرجل يزوجه ابنته أو موليته مبادلة، وتحرم المرأة حينئذ من المهر، كما أنه لا يؤخذ رأيها في الزواج، حتى حرمه الإسلام احتراماً للمرأة، وأمر باستئذانها إن كانت بكراً، واستئمارها إن كانت ثيباً، كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح الثيب حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، وإذنها صماتها).
وكان أيضاً هناك زواج المتعة، وزواج المتعة مما تهان به المرأة، يعجب الرجل بالمرأة فيتزوجها أياماً أو شهوراً أو سنين معدودة ثم يطلقها بعد ذلك، فحرمه الإسلام احتراماً لها؛ حيث لا بد أن يكون الزواج لهدف السعادة لا لهدف الشهوة، وأخطر من ذلك أنه كانت هناك متاجرة في أعراض الإماء، فكان طائفة من الناس يشترون الإماء من أجل أن يؤجروا أعراضهن! حتى أنزل الله قوله تعالى: وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:33].
فكانت هناك إهانة حقيقية للمرأة، فلا وزن لها، ولا يقتص من الرجل لها إذا قتلها! ولا دية لها إذا قتلت! وتباع وتشترى وتعار وتستأجر، وكان أهل الدين الأولون أيضاً لا يعتبرون لها مكاناً في الجنة، ولا نصيب لها في نظرهم من رحمة الله؛ لأنهم يعتبرونها من فصيلة الحيوان كما هو رأي طائفة إلى اليوم في كثير من البلاد المتمدنة المتخلفة!!
وإذا مات الزوج يرث زوجته أكبر أولاده من غيرها!! حتى أنزل الله قوله تعالى في هذا الأمر محرماً له: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ [النساء:19].
وكانوا يتشاءمون منها، وليس لها خيرة في أمر من الأمور! حتى جاء الإسلام فأثبت لها حقوقها وأثبت لها حق القصاص، وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة:45]، ويقول عليه الصلاة والسلام: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة) وأثبت لها دية إذا قتلت، وجعل لها حق التصرف في مالها، وأثبت لها حق الميراث مما قل أو كثر من التركة التي يخلفها الميت في قوله تعالى: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:7]، وجعل لها حق التصرف الكامل، وجعلها بشراً سوياً له كل المقومات الإنسانية والحقوق.
وكانوا قديماً يشكّون في إنسانيتها ووجود الروح فيها! كما يقول المثل الروسي: لا تجد في عشر نسوة إلا روحاً واحدة!! ونظرة الشيوعية للمرأة ليست غريبة؛ لأنهم يحقدون على جنس الإنسان كله! ومن مبادئها إبادة البعض في سبيل الدولة، والمرأة يعتبرونها هي المنتج لهذا الإنسان، وهم يكرهون هذا الإنسان ويحقدون عليه.
الغربيون يتظاهرون بإكرام المرأة والعطف عليها، فيعطونها من الحرية فوق المعقول، والحقيقة أن ذلك جناية عليها، ولقد استقدموها عاملة في المصانع بالرغم من أن تركيبها وقوّتها لا تصلح لذلك، كما أخرجوها من بيتها حتى اضطروها إلى تسليم أولادها إلى دور الحضانة، لتحرم من عاطفتها! وحملوها من العمل ما لا تطيق.
وأخيراً جعلوها وسيلة دعاية، ووسيلة متاع حتى فقدت مكانتها في الحياة!! حتى إذا انتهوا من حاجتهم منها رموها كما يرمى الثوب الخلق، ولربما كانوا السبب في عنوستها أو طلاقها وشقاءها حينما يشغلونها عن الزواج وتربية الأبناء بالعمل الدائب المستمر، وهذا واقع مشاهد.
لقد أنزل الله آيات في هذا الأمر كثيرة مفرقة في القرآن الكريم، كلها تبين حقوق المرأة، ومالها وما عليها، وجعلها في مرتبة الرجل في كثير من الأحيان، وميزها كما في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء:1]، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، وجعل الله المرأة من أكبر نعمه: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21]، وجعلها سكناً للرجل ومرقداً له هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف:189]، وساوى بينها وبين الرجل في الذكر بالرغم من دخولها تبعاً معه في قوله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:35] إلى آخر الآية، وقد نزلت بعدما جاءت بعض نساء الصحابة رضي الله عنهن تذكر رغبتها في ذكر النساء كما ذكر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ كما أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بأخذ البيعة منهن كالرجال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ [الممتحنة:12] إلى آخر هذه الآية حتى قال: فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ [الممتحنة:12].
وسمع الله مجادلة المرأة من فوق سبع سماوات حينما جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تجادل في شأن زوجها الذي ظاهر منها، وأن لديها ذرية لا تدري ماذا تفعل بهم، لو ضمتهم إليه ضاعوا، ولو ضمتهم إليها جاعوا! فأنزل الله قوله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا [المجادلة:1] إلى آخر الآيات.
وجعل لهن حقوقاً كاستغفار الرسول صلى الله عليه وسلم لهن كالرجال، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [محمد:19]، وجاءت السنة مؤكدة لهذه الحقوق، ومطالبة الرجال بحسن العشرة والمعاملة الحسنة، يقول عليه الصلاة والسلام: (استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن خلقن من ضلع أعوج، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج)، وفي حديث آخر: (الله الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم)، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك في آخر لحظة من لحظات حياته!
وفي حديث آخر أيضاً: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)، ما أكرم النساء إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم، وفي خطبة حجة الوداع يقول عليه الصلاة والسلام: (استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة).
وكما أمر باختيار الرجل الصالح للمرأة الصالحة، أمر أيضاً الرجل أن يختار المرأة الصالحة أيضاً، فيقول عليه الصلاة والسلام: (فاظفر بذات الدين تربت يداك) ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة الحسناء الجميلة إذا نبتت في منبت السوء فيقول: (إياكم وخضراء الدمن) وهي المرأة الجميلة تنبت في منبت السوء.
ونهى عن العضل، وهو: منعها من الزواج حين يتقدم لها الكفء الصالح، قال الله عز وجل: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232]، ولقد نزلت هذه الآية حينما طلق أحد المسلمين زوجته، ثم انتهت العدة فأراد أن يتزوجها مرة أخرى، فرفض أخوها وأقسم ألاّ يزوجه إياها مرة أخرى بالرغم من أنها تريد الرجوع إلى زوجها الأول؛ فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
إذاً: فلها الحق في اختيار زوجها السابق إذا رغبت فيه، واعتبر العاضل إذا منع موليته من النكاح مسئولاً عما تحدثه من فاحشة، يقول عليه الصلاة والسلام: (من منع موليته فوقعت في شيء فعليه إثمها).
وجعل لها الحق في اختيار الزوج الكفء؛ فلا يجوز إجبارها على رجل معين لا تريده، فيقول عليه الصلاة والسلام: (لا تنكح الثيب حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن).
وخيّر الرسول صلى الله عليه وسلم امرأة حينما زوّجها أبوها بدون إذنها، فخيرها بين الاستمرار أو الفسخ، فاختارت الاستمرار، وقالت: أريد أن يعرف الآباء أن ليس لهم أمر في إكراه بناتهم.
وجعل الصداق حقاً لها، فيقول الله عز وجل: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:4].
وأمر الرجال بدفع المال للمرأة -إذا أراد أن يتزوجها- طيبة به نفسه، واعتبره ملكاً للمرأة نفسها تتصرف فيه كيف شاءت إذا أحسنت التصرف.
وحتى بعد الزواج فإن الإسلام لا يترك الرجل يعبث بحقوقها كما في أمر الجاهلية، بل هناك آداب حتى على فراش النوم! فأمر الله عز وجل بحسن المعاشرة، يقول سبحانه: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف [النساء:19]، وجعل لها مثل ما للرجل، إلا أنه جعل للرجل درجة في قوله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228]، ويقول سبحانه وتعالى: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى [آل عمران:36].
وأمر كلاً من الزوجين بحفظ سر الآخر ونهى عن إفشائه، ففي الحديث: (إن شر الناس يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة، والمرأة تفضي إلى الرجل، ثم ينشر سرها) يعني: يعطيها أو تعطيه سراً لا يريدان أن يطلع عليه أحد.
وكان من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يساعد أهله في بيته، ويقوم في خدمتهم، كما أنه أيضاً كان يتولى خدمة نفسه.
فالمساواة في الأصل ثابتة حقاً، يقول الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا [الأعراف:189].
كذلك المساواة في العمل ثابتة أيضاً: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:35] إلى أن قال الله في آخر الآية: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35].
كذلك المساواة في جزاء الآخرة: يستوي في ذلك الرجل والمرأة، كل ينال نصيبه وجزاء عمله، يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرً [آل عمران:30]، ويقول سبحانه: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:195].
وكذلك المساواة في المعاملات: في البيع والشراء، والأخذ والإعطاء، والرهن، والقرض، وما أشبه ذلك.
وكذلك المساواة في التعليم: فالإسلام لم يحرم تعليم المرأة، لكنه يأمرها بالحشمة حينئذٍ والتستر، فهو يبيح لها أن تتعلم كل ما تستفيد منه، بل قد يوجب التعلم في كثير من الأحيان إذا كان دينها لا يقوم إلا به، إلا أنه ينهى عن المبالغة في التعليم حتى يطغى على سن الزواج، لأنه يفوّت فرصة من فرص الحياة التي لا بد للمرأة منها.
وإذا كانت هناك مطالب للمساواة غير ما سبق، فإنها ليست من مصلحة المرأة، وإنما تصدم مصالحها، ولن تعود عليها بخير؛ ولهذا فإن هؤلاء الذين يطالبون بالمساواة لم يخلصوا لها، بل هم عدوها اللدود؛ فهم يريدون مساواتها بالرجل في جميع وظائف الحياة، وهذا أمر لا يمكن؛ لأن تركيبها يختلف كثيراً عن تركيب الرجل، وعضلاتها تختلف، فلقد أثبتت التقارير العلمية الدقيقة أن هناك فرقاً كبيراً في الوزن، وحجم القلب، وتركيب الأعضاء، وغير ذلك بين الرجل والمرأة!!
علماً أن مزاولتها لجميع الأعمال يعرضها للفتنة وانحطاط الخلق حينما تختلط بالرجال الأجانب، وقبل ذلك فهي مطالبة بأعمال لا يستطيعها الرجال من الحمل، والولادة، والرضاع، والحضانة، وتربية الأولاد، وغير ذلك.
وفوق هذا كله، فالمرأة مأمورة بعدم الخروج من البيت إلا بمقدار الحاجة والضرورة، والعمل غير المقيد يطالبها بالخروج المستمر، والله عز وجل يقول لها: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33]، ولا يجوز تكليفها بأي عمل يفرض عليها الخروج المستمر عن بيتها، ويعرضها للذئاب الجائعة.
وأخيراً نقول: ماذا تريد المرأة؟! أتريد المساواة الإنسانية في الأصل والنشأة مع الرجل؟ لها ذلك، وذلك ثابت لها في قول الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا [الأعراف:189].
أم هل تريد المساواة في الاستقلال الاقتصادي، وحرية التملك والمعاملة والأخذ والإعطاء؟ لها ذلك.
أم هل تريد حق التعليم والعمل بضوابط وحدود؟ لها ذلك.
أم هل تريد حق اختيار الزوج الصالح؟ لها ذلك.
أم هل تريد العشرة الحسنة مع زوجها؟ لها ذلك.
أما إذا كانت تريد بالحرية التبرج، ومزاحمة الرجال، وإفساد المجتمع، فليس لها ذلك؛ محافظة عليها وعلى مجتمعها ودينها، ولا يعرف هذا الأمر إلا الذين اكتووا بناره، وتجرعوا غصّته، فصاروا ينادون بأعلى أصواتهم: خذوا منا عبرة، حافظوا على المرأة، احذروا أن تتركوها طليقة، احذروا أن تتركوا لها الأمر كما تريد!
أولاً: حقوق الزوج: لقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المرأة أن تحافظ على حقوق الزوج محافظة كاملة، ولقد أجملت في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ملخصها أن تطيعه في حدود طاعة الله، أما إذا تعارضا فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ثانياً: ألا توطئ فراشه من يكره، والمقصود بالإيطاء هنا: دخول البيت لا الفاحشة، لأن الفاحشة لا تجوز لمن يحب ولا لمن يكره، يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها، وحفظت فرجها؛ دخلت الجنة).
ثالثاً: أن تحفظ غيبته، فلا تخونه في أهله ولا عرضه ولا ماله، وهذا الحق ربما يكون في درجة حقوق الوالدين أو أكبر، يقول عليه الصلاة والسلام في بيان حق الزوج على المرأة: (لا يجوز لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها).
رابعاً: أعظم ما يلزم الزوجة لزوجها تمكينه من نفسها إذا طلب ذلك منها؛ فهو أهم مقاصد الزواج، فلا يجوز الامتناع بدون عذر شرعي، فإن أبت أثمت، وسقطت حقوقها، يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا دعا الرجل زوجته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضباناً عليها؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح)، وفي حديث آخر: (إذا دعاها فلتأته ولو كانت على التنور).
خامساً: لا يجوز تكليفه من العمل والنفقة ما لا يطيق، وإيذاؤه بالسب أو الشتم أو بأي أمر من الأمور أو إلجاؤه إلى الطلاق أو استغلال فرص غضبه لتخرج منه ما لا يحب وما لا يطيق من الكلام.
كما يلزمه أن يتزين لزوجته كما تتزين له، لكن ذلك في حدود، كما روى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنه في معنى قول الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228] قال: إني أحب أن أتزين لزوجتي كما أحب أن تتزين لي.
وهذه العاطفة بالرغم من أنها إنسانية فطرية فهي لا تتحقق في الغالب إلا لمن كانت له عقيدة، مع أن هذه الفطرة موجودة في الحيوان أيضاً؛ لذلك فالبلاد الكافرة تفقد جانباً كبيراً من هذه الفطرة وهذه العاطفة التي منحها الله حتى للحيوان، فنجد أنها تفقد بين الأمهات والأبناء كثيراً؛ ذلك أن الأبناء يتربون في المحاضن بعيدين عن آبائهم وأمهاتهم، فتسلمه الأم في الصباح إلى سيارة المحضن كما تسلم نفايات البيت، ليعود إليها في المساء وهي مرهقة بسبب العمل في الوظيفة.
وسأذكر لكم قصة تدل على أن هذه الفطرة مفقودة في الأمم الكافرة:
التقيت برجل انجليزي كان كافراً ثم أسلم، فسألته عن سبب إسلامه فقال: كنت أعيش في بلادي هناك، وأبتعد عن أمي أشهراً وأعواماً، ثم ألتقي بها بعد السفر، فلا أقابلها إلا بالإشارة، وعشت في الكويت مدة من الزمن لدى أسرة مسلمة، فرأيت العاطفة في الأسرة، ففي الصباح يأتي الأولاد يقبلون رءوس آبائهم، ولا يستطيعون فراقهم زمناً طويلاً، وعلمت أننا قد فقدنا هذه الفطرة، فعرفت أن الإسلام هو دين الفطرة، فكان ذلك سبباً في إسلامي.
وهذا شيء مشاهد، فإن الأمم الكافرة يعيش بعضها بعيداً عن البعض الآخر بالرغم من صلة القرابة الوثيقة، ثم بعد ذلك يلتقون فيكون اللقاء بارداً!!
أولاً: أمر الله عز وجل بالتحمل والتغافل عن بعض الأخطاء، وعدم التغافل عن حسناتها لعلها تقابل سيئاتها، يقول سبحانه وتعالى في هذا الأمر: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19] أي: ربما هذه الحسنات تقابل هذه السيئات.
ويقول عليه الصلاة والسلام: (لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) أي: لا يهينها ولا يذلها. وأي المسلمين ليس له حسنات؟ وكفى بالمرء نبلاً أن تعد معايبه.
ثانياً: الوعظ: حينما ينفذ هذا الصبر يأتي دور الوعظ، يقول الله عز وجل: (فَعِظُوهُنَّ)، ومعناه: تذكيرها بحقه، وما له وما عليه، ووجوب طاعته، وبالوعيد على المرأة إذا خالفت أمره، وما أعده الله عز وجل للمرأة المطيعة من الثواب.
ثالثاً: الهجر: يأتي دور الهجر في قوله تعالى: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ [النساء:34]، بحيث يتجنبها بعض الشيء، ويستدبرها إذا نام في فراشه، ويجعل له فراشاً خاصاً بعض الوقت لعله أن يؤدبها بذلك.
رابعاً: الضرب: يقول الله عز وجل بعد ذلك وَاضْرِبُوهُنَّ ، أما الضرب الشديد فقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (ولا تقبح ولا تضرب الوجه)، والضرب من باب التربية لا من باب العقوبة؛ لذلك يجب أن يكون ضرباً سهلاً إذا لم تنفع العلاجات الأولى.
خامساً: التحكيم بينهما: وهذا يكون إذا لم تنفع الوسائل السابقة، حينئذٍ يأتي دور العقلاء ليتدخلوا في إصلاح هذه العلاقة ما أمكن، يقول سبحانه وتعالى عن هذه المرحلة: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35]، ويقول سبحانه وتعالى: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128]، وذلك إذا أمكن الصلح.
سادساً: الطلاق: وهو دور -وإن كان مكروهاً- فإنه يكون حين لا يمكن الإصلاح بأي وسيلة، وتظهر حكمة الإسلام في دور الطلاق حينئذٍ، ويكون نعمة من نعم الله عز وجل على الرجل والمرأة.
سابعاً: الفراق: والفراق حينما يتم فإن الله تعالى يعد كلاً منهما بالفرج والمخرج: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا [النساء:130].
وحينئذٍ فلا مجال للطعن في الإسلام؛ ما دام قد بذل كل الوسائل ومهد كل التمهيد لعلاج العلاقة الزوجية قبل الفراق، علاجاً كافياً لحفظ نظام البيت ومنهجه.
والجواب: أن النهي هنا أن تكون رئيسة دولة؛ بدليل سبب هذا الحديث، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أُخبر أن الفرس قد ولوا ابنة كسرى رئيسة عليهم، فقال عليه الصلاة والسلام: (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، وهذا أمر مشاهد، فرئاسة الدولة لا تصلح للنساء؛ لأنها تتطلب من الرئيس جهداً لا تطيقه المرأة، مع ملاحظة أن رئيس الدولة في الإسلام مطالب بإمامة الجمعة والأعياد وغيرها مما لا تصلح له المرأة؛ ولذلك فإن معنى الحديث واضح.
الجواب: أن الرجل يتحمل تبعات لا تتحملها المرأة من بذل للنفقات التي تجب على الرجال ولا تجب على النساء، بل تجب للنساء على الرجال، ومهر الزواج، والدية التي يتحملها الرجال فقط، علماً أن ميراث البنت يذهب خارج الأسرة إلى أسرة ثانية، وميراث الابن يبقى في العائلة يتوارثونه صغيراً بعد كبير، وقد حقد نصارى لبنان على الخليفة العثماني حينما شرع في تطبيق الشريعة الإسلامية عليهم، وقالوا: هذا يؤدي إلى أن نوّرث المرأة، والمرأة محرومة من الميراث عندنا، وحينما نورث المرأة يذهب المال إلى أسرة أخرى. فلما ألزمهم بهذا الأمر وطبق فيهم شريعة الله صار الآباء يوزعون الثروة في الحياة قبل الموت!!
ويلاحظ أن المرأة في بعض الأحيان تساوي الرجل في الميراث، كالأم والأب حينما يموت ميت ويترك عصبة أقرب من الأب، فإن الأم والأب يتساوون، ويكون لكل واحد منهما السدس، كما يلاحظ أن المرأة في بعض الأحيان تزيد على الرجل، فتأخذ البنت النصف، ويأخذ الأب السدس إذا لم يبق له عصبة، وعلى كل فإن هذا شرع الله لا يمكن أن نتدخل به، لأنه لحكمة يعلمها الله، ولربما ندرك بعضها؛ ولذلك يقول سبحانه وتعالى: آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ [النساء:11].
الجواب: لقد بين الله سبحانه وتعالى العلة من ذلك بقوله: أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى [البقرة:282]، والعاطفة هي التي تؤثر على تحمل المرأة للشهادة، علماً أن المرأة يندر تحملها للشهادة؛ لأنها مستقلة في بيتها بعيدة عن المشاكل، فدخولها في باب الشهادات والمعاملات أمر نادر؛ ولهذا ذهب كثير من العلماء إلى عدم قبول شهادة المرأة في الجنايات؛ لأن أعصابها لا تتحمل مشاهدة الحوادث، وحتى حينما تحضر شيئاً من ذلك فإن العاطفة تتغلب عليها غالباً.
الجواب: لأهمية تنظيم إدارة البيت والأسرة، فلا بد من قائد مسئول عن هذا التنظيم، وهو إما المرأة أو الرجل مع المرأة، أو الرجل وحده.
فالأول: فيه ضعف، والثاني: غير ممكن؛ لأنه مجال للفوضى والاضطراب، والثالث: هو المعقول؛ فالرجل مؤهل ليكون هو القائم؛ لذلك كانت القوامة للرجل على المرأة كما قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34]، علماً أن هذه القوامة -وإن كانت تحمل مبدأ التفضيل في بادئ الأمر- إلا أنها تحمل مسئولية وتحمل أعباء، فهناك السعي في الأرض والضرب فيها لطلب العيش، وهناك المطالبة بالحماية للمرأة من أي عدو، وهناك السعي في سبل الحياة من أجل تأمين حياة كريمة للمرأة.
والجواب: أن تعدد الزوجات نعتبره إكراماً للمرأة، سواء كانت المرأة الأولى أم الثانية.
أما المرأة الأولى فإن وجود زوجة أخرى معها شيء ربما تفرضه الظروف على الزوج بسبب القوة البدنية أو الجنسية أو شيء خارج البيت كأن يغترب عنها، وهو أمام أحد أمرين: إما أن يطلقها، وهذا ما لا تقبله المرأة المحبة لزوجها، أو يسلك طريقاً غير مشروعة وهي طريق العشق والفساد، وهذا أيضاً لن تقبله أي امرأة، فالأفضل لها أن تعيش مع امرأة أخرى، وذلك أحسن الأمور، وفيه أفضل النتائج.
أما المرأة الجديدة: فهي إما أن تعيش بدون زوج، وتبقى محرومة من متع الحياة، وهذا ما لا تطيقه امرأة من النساء، وإما أن تعيش مع زوج على الأقل يهب لها نصف حياته، وهذا تستفيد منه المرأة، ولم يعلم في تاريخ البشرية أبداً أن امرأة تيسر لها زوج خاص، وفرض عليها زوج معه زوجة أخرى.
وفي التعدد مصالح كثيرة أيضاً، وهي من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أباح الله عز وجل شيئاً من الميل مع بعض الزوجات مما يدل على أنه الأفضل مع العدل.
أما هؤلاء الذين يطعنون في الإسلام من هذه الناحية الأخرى، فإن بعضهم قد يخالل أكثر من أربع نسوة، إضافة إلى زوجته التي معه، فلا نغتر بهذه الدعايات الباطلة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر