إسلام ويب

لا تجعلوا بيوتكم مقابرللشيخ : محمد الدويش

  •  التفريغ النصي الكامل
  • البيت نواة المجتمع والدولة، وهو محضن تربوي لأفراد الأسرة صغاراً وكباراً، تتزاوج فيه الأخلاق وتتلاقح الطباع، ولذلك ينبغي على المرء أن يحيي بيته بالطاعات والعبادات المتنوعة حتى يطرد منه الشياطين وتحل فيه السكينة، ويتربى على ذلك الأحفاد والبنون.

    1.   

    فضل المساجد وبناؤها

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد.

    فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يثيب الإخوة على دعوتهم وعلى حسن ظنهم، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال في هذا الشهر الكريم المبارك الذي تصرمت أيامه وانقضت لياليه، وها نحن قدمنا في هذه الليلة وقد مضى شطر هذا الشهر، فنحن في الليلة الخامسة عشرة منه. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن صامه وقامه إيماناً واحتساباً إنه سبحانه وتعالى سميع مجيب.

    (لا تجعلوا بيوتكم مقابر) هو عنوان حديثنا لهذه الليلة.

    الله سبحانه وتعالى خص هذه الأمة بخصائص، وفضّلها على سائر الأمم بفضائل، وتحدث صلى الله عليه وسلم عن شيء من هذه الفضائل والخصائص، منها أنه كما قال صلى الله عليه وسلم: (جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما امرئ من أمتي أدركته الصلاة فليصل) وذلك أن الأمم السابقة كانوا لا يصلون إلا في بيعهم وكنائسهم وصلواتهم، أي: أماكن عبادتهم، أما هذه الأمة فالأرض لها مسجد وطهور، فهم يصلون أينما أدركتهم الصلاة.

    هذا فيما يتعلق بالصلاة المكتوبة، أما سائر الصلوات فلها شأن آخر، لا شك أن هذه البيوت فيها النور والبركة، فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور:36-37].

    فهذه البيوت أمر الله سبحانه وتعالى ببنائها وتطهيرها، وأثنى على أولئك الذين يعمرون هذه المساجد ويذكرون الله عز وجل فيها، وأخبر سبحانه وتعالى أن هذه المساجد إنما يعمرها أهل الطاعة: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ [التوبة:17] ثم قال بعد ذلك إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ [التوبة:18] إلى آخر الآيات.

    لا شك في فضل هذه المساجد وأنها بيوت الله كما أخبر صلى الله عليه وسلم، وكما ورد في الحديث المتواتر: (من بنى لله بيتاً بنى الله له بيتاً في الجنة) وأن المرء إذا غدا إلى المسجد أو راح أُعد له نزل في الجنة كلما غدا أو راح، وأنه كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج المرء من بيته فإن الله يتبشبش له كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم).

    1.   

    فضل إحياء البيوت بطاعة الله

    كل هذه الفضائل مرتبة على عمارة هذه المساجد لذكر الله وعبادته وطاعته سبحانه وتعالى، لكن هذا قد يصرف المسلم عن إحياء بيته ومنزله بالعبادة والذكر لله سبحانه وتعالى، قد يصرفه عن ذلك ويشغله، ولهذا يأمر صلى الله عليه وسلم أن يكون لبيت الإنسان نصيب من عبادة الله سبحانه وتعالى وطاعته، وألا يقفز بيته من توجهه لله سبحانه وتعالى، وتضرعه له وعبادته له عز وجل، ويظهر ذلك في أمور عدة:

    صلاة النافلة في البيت

    منها الصلاة، وهي أعظم ما يتقرب به الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى، أوليس النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر الذي سأل مرافقته في الجنة أن يعينه بكثرة السجود؟ أوليست الصلاة هي أول ركن عملي يجب على الإنسان، وهي ثاني أركان الإسلام، وهي العمل الذي يكفر تاركه، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعدون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، فلعلو الصلاة وعظم شأنها ومنزلتها عند الله سبحانه وتعالى صارت أول الأركان العملية وثاني أركان الإسلام، وصارت حداً فاصلاً بين الإيمان والكفر والشرك، وصارت أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من عمله، وكلما فضلت فريضته فضلت نافلته.

    وإذا تأكد وجوب أمر فهذا دليل على محبة الله سبحانه وتعالى له، وعلى أنه يزيد العبد قرباً من الله سبحانه وتعالى، وعلى أن هذا العمل له أعظم الأثر في إصلاح العبد، له أعظم الأثر في إصلاح قلبه وحاله مع الله سبحانه وتعالى.

    ومن عظمة الصلاة وعلو منزلتها أن الله سبحانه وتعالى فرضها على نبيه صلى الله عليه وسلم ليس في السماء، وإذا عظمت فريضة الصلاة عظمت نافلتها أيضاً، وإذا كانت الصلاة هي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من عمله فإنه كما في الحديث أيضاً: (إن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة إن صلحت أفلح وأنجح، وإن فسدت خاب وخسر، وإن نقص شيء من صلاته قال الله عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع فيُكمل بها ما انتقص من صلاته).

    إذاً: فصارت نافلة هذه الصلاة وسيلة لأن يكمل بها ما نقص من فريضته، فإذا كان هذا شأن فريضة الصلاة فلا شك أن نافلة العمل قريبة من فريضته، فكلما ازدادت الفريضة فضلاً ازدادت النافلة فضلاً، ولهذا أوصى صلى الله عليه وسلم أن يصلي المرء في بيته، يعني النافلة والراتبة، وثبت في أحاديث عدة منها ما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما واللفظ لـمسلم : (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً) وفي رواية له أيضاً: (صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً) ولـمسلم أيضاً: (إذا قضى أحدكم الصلاة فليجعل لبيته نصيباً من صلاته فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً).

    وفي قصة احتجاره صلى الله عليه وسلم موضعاً في المسجد وصلاة الناس بصلاته، فصلوا الليلة الأولى، ثم الليلة الثانية، ثم الثالثة.. ثم لم يخرج إليهم صلى الله عليه وسلم، وكان فيما قاله لهم صلى الله عليه وسلم: (فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة).

    وهذا نص عام يدل على أن أفضل صلاة المرء ما كان في بيته إلا الصلاة المكتوبة، وقد كان صلى الله عليه وسلم يصلي الرواتب في بيته، وكان صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على أن يصلوا الرواتب في بيوتهم مع أنه كان في مسجده صلى الله عليه وسلم الذي تضاعف فيه الحسنات، وتضاعف فيه الصلاة، فالصلاة فيه تعدل ألف صلاة فيما سواه، ومع ذلك يأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يصلوا في بيوتهم، وحقاً وصدقاً فإن صلاتهم في بيوتهم خير لهم من صلاتهم في مسجده صلى الله عليه وسلم مع ما له من الفضل، فغيره من باب أولى، وهذا الأمر هدي راتب عند سلف الأمة، فحين نقرأ سير السلف نرى أنه قد حفظ عن الكثير منهم من أصحابه صلى الله عليه وسلم، ومن تلاهم أنهم كانوا يصلون الراتبة والنافلة في بيوتهم.

    في مصنف ابن أبي شيبة أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه كان يصلي الركعتين بعد المغرب في بيته.

    وفيه أيضاً عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: لقد أدركت زمان عثمان بن عفان رضي الله عنه وإنه ليسلم من المغرب فما أرى رجلاً واحداً يصليهما حتى يخرجوا فيصلونها في بيوتهم.

    وروى أيضاً عن ميمون قال: كانوا يستحبون هاتين الركعتين بعد المغرب في البيت.

    وروى عن عبد الله بن يزيد قال: (رأيت السائب بن يزيد يصلي في المسجد ثم يخرج قبل أن يصلي فيه شيئاً) يعني لا يتطوع.

    وروى أيضاً عن إبراهيم قال: سئل حذيفة رضي الله عنه عن التطوع في المسجد يعني بعد الفريضة؟ قال: (إني لأكرهه).

    بينما هم جميعاً في الصلاة كانوا يصلون الفريضة جماعة، ثم أصبح يصلي كل منهم التطوع لوحده، وهذه ليست دعوة منه رضي الله عنه إلى أن يصلوا التطوع والراتبة جماعة ولكنها دعوة إلى أن يصلوا في بيوتهم.

    وروى عن الأعمش قال: (ما رأيت إبراهيم متطوعاً في مسجد).

    وأيضاً روى عن الربيع بن خثيم أنه ما رئي متطوعاً في مسجد الحي قط، والربيع بن خثيم من التابعين وهو الذي قال عنه ابن مسعود رضي الله عنه: (لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك) كان رجلاً مشهوراً بالزهد والرقة والصلاح والتقوى، وكان من أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه.

    وروى أيضاً مثله عن عبيدة أنه ما رئي متطوعاً في المسجد قط.

    وروى عن أبي معمر قال: (إذا صليت المكتوبة فبيتك).

    على كل حال ليس هذا هو موضوع الحديث أيضاً عن صلاة الراتبة في المنزل، لكنه جزء من حديثنا، وهذه بعض الآثار والنصوص وأنت حين تقلب طرفك في كتب السنة ودواوينها، أو كتب تراجم أئمة السلف رضوان الله عليهم فأنت راء من ذلك كل بعيد من أحوالهم وأقوالهم ونصوصهم والتي تدعو إلى أن يكون في بيوتهم نصيب من الصلاة الراتبة.

    قراءة القرآن في البيوت

    أيضاً البيت له نصيب من تلاوة القرآن لفعله صلى الله عليه وسلم تقول عائشة رضي الله عنها كما في الصحيحين : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري فيقرأ القرآن وأنا حائض)، وأين كان يتكئ صلى الله عليه وسلم في حجرها إن لم يكن ذلك في بيته صلى الله عليه وسلم.

    ويأمر صلى الله عليه وسلم بتلاوة القرآن في البيت ويخبر أن ذلك مطردة للشيطان كما في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) والمسلم له نصيب من كتاب الله سبحانه وتعالى، وحاله مع كتاب الله عز وجل كحال سمكة ماء النهر والطائر مع الهواء، وحين يمضي عليه وقت لم يقرأ فيه شيئاً من كتاب الله سبحانه وتعالى فإنه يشعر بضيق ووحشة في صدره وبعد عن الله سبحانه وتعالى وقسوة في قلبه، وخاصة حفاظ كتاب الله عز وجل أمثالكم بإذن الله، وأكثركم من حفاظ كتاب الله إما الآن أو مستقبلاً بإذنه سبحانه وتعالى، والمسلم أياً كان شأنه لا بد أن يكون له نصيب من تلاوة كتاب الله عز وجل، نصيب لا يخل به في أي وقت، وحافظ كتاب الله عز وجل هو أولى الناس بذلك حتى يشفع له كتاب الله عز وجل، فالقرآن حجة لك أو عليك، وهو يأتي يوم القيامة يحاج عن صاحبه ويخاصم عنه قائلاً: أي رب منعته النوم في الليل فشفعني فيه، فلا بد أن يكون لنا نصيب من تلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى والإقبال عليه.

    ذكر الله تعالى في البيوت

    والبيت أيضاً ينبغي أن يكون له نصيب من ذكر الله عز وجل، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل البيت الذي يُذكر الله فيه والبيت الذي لا يُذكر الله فيه مثل الحي والميت).

    وفي حديث جابر في الصحيحين يقول صلى الله عليه وسلم: (أغلق بابك واذكر اسم الله عز وجل فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً، وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله، وخمّر إناءك ولو بعود تعرضه عليه واذكر اسم الله، وأوك سقاءك واذكر اسم الله عز وجل).

    فتكون حال المؤمن حال الذاكر لله عز وجل، فهو يذكر اسم الله حين يدخل بيته، وحينئذ يقول الشيطان: لا مبيت لكم، وحين يغلق بابه يذكر اسم الله عز وجل، والشيطان لا يفتح باباً مغلقاً، ويذكر الله حين يدخل فيسلّم على أهل بيته لأن السلام من ذكر الله عز وجل كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم حين سلّم عليه رجل فلم يرد عليه السلام حتى تيمم ثم قال: (كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة)، فإذا دخلت فسلم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك.

    وهو يذكر الله حين يطفئ مصباحه يريد أن ينام، وحين يوكي سقاءه، ويذكر اسم الله حين يأوي إلى فراشه، وفي كل أحواله وأوقاته لا يفارقه ذكر الله سبحانه وتعالى، حينها يطرد الشيطان، وتحل البركة في هذا المنزل وهذا البيت.

    والمسلم لا يفارقه ذكر الله فهو يستحضر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يزال لسانه رطباً من ذكر الله، وهو يتطلع إلى أن يتحقق فيه: (من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، ومن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي)، ويتطلع إلى أن يكون من الذاكرين الله عز وجل كثيراً والذاكرات، فهو يتطلع إلى أن يبلغ منازل الذاكرين ولهذا لا يفتر لسانه من ذكر الله سبحانه وتعالى قائماً وقاعداً ومضطجعاً، حال أولئك الذين أثنى الله عز وجل عليهم في كتابه: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:190-191] فهو يتطلع إلى أن يكون من الذاكرين الله قائماً وقاعداً وعلى جنبه حتى يستحق هذا الوسام، وحتى يستحق هذا التشريف والتكريم، أعني أن يكون ممن وصفهم الله في كتابه بأنهم من أولي الألباب، وأن يكون ممن قال فيهم عز وجل: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:195].

    وحين يدرك المؤمن هذه المعاني العظيمة في ذكر الله عز وجل يعمر أوقاته وأحواله كلها في بيته وسوقه بذكر الله سبحانه وتعالى وتسبيحه وتمجيده والثناء عليه عز وجل.

    إذاً هذه نماذج، وهي دعوة إلى أن يعمر المرء بيته بطاعة الله سبحانه وتعالى وعبادته، وأن يكون لبيته نصيب من عبادة الله عز وجل وطاعته، وأن لا يكون كحال أولئك الذين لا يعبدون الله إلا في بيعهم وصلواتهم وكنائسهم ومعابدهم، هذه العبادة وهذه الدعوة هي في إطار التصادق الشرعي، فما شرع الله أن يكون في المسجد فهو في المسجد، وما شرع أن يكون في الثغور ففي الثغور، وما شرع أن يكون أمام الناس ومع الناس فهو مع الناس، وما شُرع في البيت فهو في البيت أولى.

    1.   

    آثار إحياء البيت بالطاعة

    ألا يكون البيت كالمقبرة

    هذه العبادة والتوجه لله سبحانه وتعالى، وعمارة البيوت بذكر الله عز وجل لها آثار ونتائج عدة منها: أن لا يكون البيت من المقابر، والنبي صلى الله عليه وسلم قد شبّه البيت الذي لا يُصلى فيه بالمقبرة، فما وجه الشبه بين البيت الذي لا يصلى فيه والمقبرة؟

    والجواب: أن المقابر لا تجوز الصلاة فيها سداً لذريعة الشرك كما تعلمون، لكن أيضاً في هذا الحديث معان أخرى أشار إليها شُرّاح الحديث، منها: أن أهل المقابر لا يصلون في قبورهم، وإنما ذلك خاص بالأنبياء كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم موسى يصلي في قبره.

    فأهل المقابر لا يصلون في قبورهم، وحين لا يصلي المرء في بيته يصبح بيته كالمقبرة لا يُصلى فيها.

    معنى آخر: أن البيت الذي لا يصلي فيه الإنسان يصبح للنوم والاستراحة، والنوم أخو الموت فهو الموتة الصغرى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ [الأنعام:60] اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا [الزمر:42].

    فحين يكون بيت المرء لنومه فقط صار شبيهاً بالمقبرة التي هي للأموات، فصار هذا البيت له كحال القبور لأصحابها فهم لا يعيشون فيها إلا موتى، وهذا لا يعيش فيه إلا ميتاً، ويؤيد هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ذكرناه قبل قليل: (مثل البيت الذي يُذكر الله فيه والبيت الذي لا يُذكر الله فيه كمثل الحي والميت).

    وعلى كل حال فهذه المعاني كلها محقرة لهذا البيت الذي لا يُصلى فيه.. واستدل بهذا الحديث على النهي عن الصلاة في المقبرة.

    ثانياً أهل القبور لا يصلون، وحال هذا البيت الذي لا يُصلى فيه كحال أهل القبور، إلا أنهم يفارقوا أهل القبور أنه يكتسب السيئات وأولئك قد انقضى عنهم، أيضاً هذا البيت ليس إلا للنوم وهو الموتة الصغرى فحاله فيه كحال أهل القبور في قبورهم.

    نفور الشياطين

    الأثر الثاني لإحياء العبادة في البيت هو نفور الشياطين:

    فإن الشياطين إنما تأنس إلى الأماكن القذرة، أليس النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نستعيذ بالله حين ندخل الخلاء من الخبث والخبائث؟ أليس يخبر أن هذه الحشوش محتضرة؟ فالشياطين إنما هي نجسة تأوي للأماكن النجسة القذرة المستقذرة، وتأوي إلى الأماكن التي يعصى الله عز وجل فيها، ولهذا فهي تأوي إلى هذه البيوت، وحين يُعمر البيت بطاعة الله عز وجل وتلاوة كتابه وذكره سبحانه وتعالى فإن الشياطين تنفر منه، ويدل على ذلك مما سبق قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة)، وأيضاً في حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أغلق بابك واذكر اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً، وأطفئ سراجك واذكر اسم الله) فذكر الله عز وجل ينفر منه الشيطان.

    فتخيل أنت معي هذا البيت الذي إذا دخل رب المنزل ذكر اسم الله، وإذا دخل الابن ذكر اسم الله، وإذا دخلت المرأة ذكرت اسم الله، وإذا أطفأ المصباح ذكر اسم الله، وهم فيما بين ذلك يذكرون الله ويسبحونه ويحمدونه ويكبرونه، وإذا اضطجعوا ذكروا الله، وإذا أكلوا طعاماً ذكروا الله، ثم هم أيضاً يتلون كتاب الله عز وجل في هذا البيت، وهم يحيون هذا البيت بالصلاة النافلة والراتبة، أو بإحياء الليل، فتخيل أي مكان سيجده الشيطان في هذا البيت العامر بالتقوى والإيمان وعبادة الله عز وجل.

    نزول البركة وحلولها

    ثالثاً: هذا مدعاة لنزول البركة وحلولها، فإن البيوت التي يُذكر فيها اسم الله سبحانه وتعالى تحل فيها الملائكة وتنفر منها الشياطين فتحل فيها البركة، ولا شك أن اسم الله عز وجل ما ذُكر على أمر إلا وحلت البركة فيه، وحين يكون أيضاً معموراً بالصلاة والذكر والتسبيح وغيرها من أمور طاعة الله سبحانه وتعالى وعبادته فإن هذا البيت يصبح بيتاً مباركاً على أهله، وعلى من يسكنه.

    وكم نحتاج إلى أن نعيش في هذا الجو الآمن المطمئن، في جو تنفر منه الشياطين، في جو تحل فيه البركة والخير كما أخبر صلى الله عليه وسلم، فإذا كان السلام مدعاة لأن يكون بركة على المرء وعلى أهل بيته فكيف إذا أُضيف مع السلام ذكر الله في كل الأحوال؟ كيف إذا أضيف مع ذلك تلاوة كتاب الله عز وجل والصلاة والتوجه لله سبحانه وتعالى؟

    تربية أهل البيت على العبادة

    رابعاً: العبادة في البيت مدعاة لأن يتربى أهل البيت على عبادة الله عز وجل وطاعته سبحانه وتعالى، وللأسف كم تفتقر بيوت المسلمين لهذا الأمر، إنك لو أتيت إلى بيوت الصلحاء الخالية من المعاصي والفجور.. دعك من بيوت من جوارهم وهم عامة وأغلب المسلمين، إنك لو أتيت على بيوت هؤلاء لوجدت أن الأبناء والبنات الذين يعيشون في هذا البيت لا يرون فيه أثر الطاعة والعبادة، فوالدهم الصالح العابد إنما يصلي ما كتب الله له في المسجد وينصرف وهم لا يرون منه في بيته إلا الوجه الآخر، فلا يرون منه إلا الحديث معهم في أمور الدنيا والذهاب والإياب، ويبقون في بيتهم كأنهم في صالة طعام، أو مكان يأوون إليه ويبيتون فيه، وليس هذا شأن البيوت، وليس هذا شأن الأسرة فهي المحضن الذي يتربى فيه أهل البيت على الطاعة والتقوى والصلاح..

    باع أحد السلف جارية وكان بيته معموراً بقيام الليل وعبادة الله سبحانه وتعالى، فلما جاء ثلث الليل قامت توقظ سيدها الذي اشتراها فقال: لم يحن الفجر بعد! فقالت: أوما تستيقظون إلا عند الفجر، إنكم قوم سوء!

    فلما أصبحت خرجت تبكي إلى سيدها الذي باعها تسأله بالله أن يعيدها إليه، فقد باعها إلى قوم سوء لا يستيقظون إلا مع الفجر.

    فماذا عسى هذه الجارية أن تقول لو رأت الكثير من بيوت المسلمين والذين لا يستيقظون حتى مع الفجر، ماذا عسى أن تقول؟

    وانظر إلى أثر هذا البيت الذي عُمر بالتقوى والصلاح وعبادة الله، كيف كان أثره على هذه الأمة التي كانت تخدم فيه؟ حتى كرهت أن تفارق هذا البيت، فكيف بأثره على الأبناء والبنات والذرية؟ وهو أثر يتركه الأب على أسرته وبيته. وحين يسلكه الشاب أو الفتاة يترك أيضاً أثراً على سائر أهل منزله وبيته، إن أهل المنزل يرون هذا الشاب قد سلك في قطار الصالحين، وسار في طريق الأخيار العابدين، لكنهم لا يرونه إلا أوقاتاً محدودة.. يرونه لماماً يتناول معهم الطعام، أو يرتاح في المنزل، أو منزوياً هنا وهناك، وقلما يرونه تالياً لكتاب الله سبحانه وتعالى، قلما يرونه مصلياً ذاكراً لله عز وجل..، ولهذا نرى أن البعض من الشباب يقل أثره على أهل بيته، والسبب هو إهماله لهذا الأمر، ولو كان شأنه العبادة وديدنه الطاعة فعمر أحواله وبيته بعبادة الله سبحانه وتعالى تلاوة وصلاة وذكراً لله عز وجل لترك أثره على أهل بيته، وكم رأينا من بيوت صلحت واستقام أهلها كبيرهم وصغيرهم بصلاح واحد من الأبناء ربما كان لم يتجاوز الحلم إلا بقليل.

    دفع أثر الشرور والآثام

    الأثر الخامس: أن بيوت المسلمين وللأسف مليئة بالمعاصي وبما يسخط الله عز وجل، أليست الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة؟ فكيف إذا ملئ البيت بالصور الفاتنة والمثيرة؟ فكيف إذا ملئ بأجهزة الفساد واللهو التي تعرض الرذيلة والفساد والسوء فيعيش البيت في جو صاخب من المشاهد المخزية والمعازف ومعصية الله، إن هذا أحرى أن تفارقه الملائكة وأن تحل فيه الشياطين، فحين يبتلى شاب أن يكون في بيته شيء من هذه المعاصي، فهو حين يجعل لبيته نصيباً من صلاته وذكره وتلاوة كتاب الله يدفع شيئاً من هذه الشرور والآثام عن هذا المنزل وعن هذا البيت.

    اتخاذ العبادة شأناً وديدناً لأهل البيت

    سادساً: حين يعبد المسلم ربه في بيته، وحين يكون لبيته نصيب من صلاته وعبادته لله عز وجل فإن هذا مدعاة لأن تكون العبادة شأناً له وديدناً له في كل أحواله، فهو يعبد الله في المسجد، وهو يعبد الله حين يلتقي برفقته وإخوانه الصالحين الأتقياء البررة، وحين يعود إلى البيت كذلك، فتصبح العبادة شأناً له وديدناً، فيلهج لسانه وجوارحه وأحواله كلها في العبادة لله سبحانه وتعالى، فتصبح عبادة الله عز وجل عادة له يشق عليه أن يتركها، وأمراً يألفه فيصعب عليه أن يفارقه، بعد أن كان يجاهد نفسه ويكابدها على هذه العبادة.

    أرأيت مثلاً الذي لا يشهد صلاة الفجر مع الجماعة، كم يثقل عليه حينما يريد أن يستيقظ للصلاة؟ أما الذي اعتاد أن يستيقظ للصلاة فالأمر هين عليه سهل، بل يثقل عليه ويشق عليه ويصيبه السأم والأسى حين لا يستيقظ مرة من المرات، وهكذا شأن سائر العبادات، فحين يديم المرء عبادة ربه وذكره وتلاوته يصبح جزءاً من حياته لا يستطيع أن يفارقه، يصبح مدمناً على هذا الأمر ومداوماً عليه فيصعب عليه ويشق عليه تركه، فيصبح من المخبتين المتقين المقبلين على الله سبحانه وتعالى.

    سابعاً: وهي قضية مهمة خاصة للشباب، هو أن كثيراً من الشباب يشتكي من البيت أو يشتكي من الفراغ والخلوة في البيت، وحين يبقى في منزله فهو يبقى كأنه في زنزانة على أحر من الجمر، ينتظر صاحبه الذي اعتاد أن يصحبه كل يوم أن يطرق عليه بابه أو جرس الهاتف مؤذناً له بأنه سيحل عليه، وحين يفارق أصحابه أو يفارقونه يشعر بوحشة وغربة، فيعيش في البيت كأنه يعيش في جحيم، ولهذا تراه يتمنى أن لا يعود مبكراً إلى المنزل، ويتمنى أن يفارق المنزل حين يحل فيه، وله شيء من العذر في ذلك، ذلك أنه يرى أنه حين يكون مع إخوانه ومع رفقته يكون أكثر إقبالاً على الله سبحانه وتعالى، وأكثر طاعة له عز وجل وأكثر بعداً عن معصيته، أما حين يخلو بنفسه ويغلق عليه بابه فإن ذلك مدعاة لأن يستولي عليه الشيطان، مدعاة لأن يوقعه في معصية الله عز وجل، والشيطان يهم بالواحد وهو من الاثنين أبعد، ويهم بالاثنين وهو من الثلاثة أبعد، ولهذا نجد البعض من الشباب قد ينحرف، وقد يضل حين ينقطع عن رفقته، ويبقى وقتاً في منزله، فلم يعتد أن يبقى وحيداً، ويتساءل: ما العلاج لهذه الظاهرة وهذه الحالة؟ لكنه لو اعتاد أن يعمر البيت بالعبادة، فيقرأ القرآن في بيته، ويذكر الله، ويصلي لله عز وجل في أي وقت تكون فيه الصلاة مشروعة.. ليست خاصة بالرواتب، ولا بقيام الليل.. بل في أي وقت ما دام ليس وقتاً للنهي فالمرء مشروع له أن يصلي لله سبحانه وتعالى ما كتب له، فهو حين يعتاد هذا الأمر ما أن يخلو في منزله حتى يفزع إلى صلاته، أو إلى تلاوة كتاب الله عز وجل، أو إلى ذكر الله سبحانه وتعالى، فلا يشعر بالغربة، ولا يشعر بالوحشة، ولا يشعر بأثر فقدانه لأصحابه وإخوانه، بل ربما صار يدعوه ذلك إلى أن يجتهد في أن يكون له نصيب من خلوته بالله سبحانه وتعالى، له نصيب يخلو فيه ويبتعد فيه عن الناس ليركع ركعتين لله في ظلمة الليل، أو يتلو كتاب الله عز وجل، أو يذكر الله بقلبه ولسانه خالياً عله أن تفيض عينه بدمعة خوفاً من الله سبحانه وتعالى، أو شوقاً إلى لقائه ورحمته فيكون ممن قال فيهم صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ... ومنهم: رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).

    أقول: حينما نعتاد العبادة بأبواها وطرقها في منازلنا فإننا لن نشكو هذه الشكوى بل ربما نسعى إلى أن نوفر جزءاً من وقتنا لنخلو فيه في بيوتنا لنتعبد إلى الله سبحانه وتعالى، وحين يفضل وقت بعد ذلك فهو سيصرفه في قراءة كتب أهل العلم، أو سماع ما يتعلم به فيرى حينها أن وقته قد صار كله معموراً بطاعة الله سبحانه وتعالى وعبادته.

    تحقيق الإخلاص

    ثامناً: عبادة المرء في بيته لها أثر عظيم في تحقيق الإخلاص في نفسه، وتجنب الرياء، وقد يجد المرء نشاطاً حينما يصلي مع الناس، وهو ليس باباً من أبواب الرياء بل هو من باب التعاون على البر والتقوى، ومن باب حال أولئك الذين إذا رءوا ذُكر الله عز وجل، فيشعر بنشاط وإقبال، لكن أيضاً العبادة في السر تلاوة وصلاة وذكراً لله عز وجل وتفكراً لها أثر آخر، وأمر آخر، وهما كالجناحين للطائر لا ينوب أحدهما عن الآخر، ولا يقوم أحدهما عن الآخر، إنك لا يمكن أن تستقيم حياتك ولا أن يصلح قلبك حين تعبد الله عز وجل في المسجد وحده، حين تعبد الله مع إخوانك ومع إخوتك فقط، أما حين تخلو بنفسك فليس لك نصيب من ذلك فستطير بجناح واحد ولا يمكن أن يطير الطائر بجناح واحد، ولهذا فلعبادة السر والتي غالباً ما تكون في البيت أثر عظيم.. أثر عظيم في إصلاح القلب وإصلاح النفس، وفي فتح جوانب من العبودية والتوجه لله سبحانه وتعالى لا يمكن أن تنفتح للعبد وهو مع الناس وفي مشاهد الناس، ولها أثر في تحصيل الإخلاص في قلبه وتنقيته من شوائب الرياء وإرادة ما سوى الله عز وجل.

    ما الذي يبكي عليك

    تاسعاً: وأخيراً ما الذي يبكي عليك؟

    يقول سبحانه وتعالى حين أهلك قوم فرعون ونسأل الله عز وجل للطغاة أمثالها: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ [الدخان:29].

    نعم. لم تعرف الأرض من قوم فرعون إلا الطغيان والتجبر، فقد كانوا يستذلون الناس، ويستحيون نساءهم، ويقتلون أولادهم، كانوا يبدّلون دين الله عز وجل، وكانوا حرباً على موسى ومن معه لا لشيء إلا لأنهم دعوا إلى الله سبحانه وتعالى وآمنوا بالله عز وجل، وأرادوا إخراج الناس من عبودية ورق وذل الفراعنة وطغيانهم إلى عبودية الله سبحانه وتعالى، لذلك انصرفوا غير مأسوف عليهم فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ [الدخان:29].

    وروى ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية: أن رجلاً قال له: يا أبا العباس ! أرأيت قول الله تعالى فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ [الدخان:29] فهل تبكي السماء والأرض على أحد؟ فقال رضي الله عنه: (إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء منه ينزل رزقه وفيه يصعد عمله، فإذا مات المؤمن فأغلق باب من السماء الذي كان يصعد فيه عمله وينزل منه رزقه ففقده بكى عليه، وإذا فقده مصلاه في الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله عز وجل فيها بكت عليه)، فسيفقدك مبيتك وغرفتك التي كنت تأوي إليها سنين عدداً، ستفقدك عاجلاً أو آجلاً، فهل تراها ستبكي عليك أم أن لها شأناً آخر، فقد فقدت معصية الله عز وجل، فأنت أعلم بحالك!

    وحين تعمر مكانك وغرفتك وبيتك بصلاة وذكر وتلاوة لله عز وجل فهي ستبكي عليك يوم تفارقها قريباً أو بعيداً، ورويت آثار عن جمع من التابعين، بل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وغير واحد: (إن الأرض تبكي على المؤمن أربعين صباحاً).

    وقال مجاهد : (ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحاً، قال فقلت له: أتبكي الأرض؟ قال: أتعجب؟ وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود، وما للسماء لا تبكي على عبد كان تكبيره وتسبيحه فيها كدوي النحل) هذه معشر الشباب بعض آثار إحياء العبادة في بيوتنا بأنواعها وأبوابها وطرقها، وهي كلها تدعونا إلى أن يكون لبيوتنا نصيب من عبادة الله.

    فلعلنا أن نعيد هذه الآثار عاجلاً.

    أولها: أن لا تكون البيوت مقابر.

    الثاني: نفور الشياطين.

    الثالث: أن تحل فيه البركة.

    الرابع: تربية أهل البيت.

    الخامس: أن بيوت المسلمين مليئة بالمعاصي فلا أقل من أن يكون لها نصيب ولو يسيراً من طاعة الله.

    سادساً: أن تكون العبادة شأناً وعادة للمرء لا يفارقها.

    سابعاً: تبكي عليه الأرض.

    ثامناً: إعانة على الإخلاص وإصلاح القلوب.

    تاسعاً: انعدام الوحشة، أن الإنسان يعيش في البيت غربة ونفور من البيت لأنه مدعاة للمعصية كما قلنا، فحين تكون العبادة شأناً له في منزله فإنه يعافى بإذن الله من ذلك.

    نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن تبكي عليه السماء والأرض، وممن يعمر قلبه وبيته بعبادته وطاعته، ونترك بقية الوقت للإجابة على الأسئلة.

    1.   

    الأسئلة

    صلاة التراويح في المسجد أفضل منها في البيت

    السؤال: هل صلاة التراويح للإنسان في بيته أفضل من المسجد خاصة إذا كانت صلاته في بيته أكثر خشوعاً وخلوة بالله، ويكون فيها مراجعة للقرآن، وأبعد عن الناس، وأخلص إلى العمل، فهل باعتبار هذه الأمور تكون صلاة التراويح في البيت أفضل أم في المسجد؟

    الجواب: لا شك أنها في المسجد أفضل وأولى، لأن ما تسن فيه الجماعة فهو أفضل أن يكون في المسجد، لكن لو كان الناس يصلون فرادى في المسجد كان أفضل لهم أن يصلوها في بيوتهم.

    كيفية قراءة القرآن وفضلها

    السؤال: هل قراءة القرآن الكريم تكون بالشفتين أو في النفس، وما هو الأفضل؟ وما هو الأفضل قراءة القرآن أو الاستماع؟

    الجواب: أولاً: يجب على المسلم أن ينوع بين جميع العبادات، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يستمع القرآن فكان يقول: (إني أحب أن أسمعه من غيري) فيكون له نصيب من الاستماع، وله نصيب أيضاً من التلاوة.

    ثانياً: الجهر إن كان الإنسان نشيطاً فهو أولى وأفضل لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما أذن الله بشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يجهر بالقرآن).

    صلاة المرأة في البيت ينافي كونه قبراً

    السؤال: أليس صلاة المرأة في بيتها مما ينافي كون البيت قبراً؟

    الجواب: قبراً لها لكن قد يكون قبراً لك أنت.. والنبي صلى الله عليه وسلم قال لهم ذلك وهو يعرف أن في بيوتهم نساء.

    المسجد بين المؤمن وكذلك بيته

    السؤال: كيف نوفق بين قوله صلى الله عليه وسلم: (المسجد بيت كل مؤمن) وبين حديث: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً) ؟

    الجواب: لا يوجد تعارض، فللمسلم بيت هو الذي يأوي إليه وينام فيه ويصلي فيه حتى لا يكون قبراً، والمسجد بيت للمؤمنين يأوون إليه، فكما كان في وقت النبي صلى الله عليه وسلم، من لم يجد مكاناً من فقراء المسلمين كان يأوي إلى الصفة التي كانت في المسجد كما تعلمون.

    مراجعة القرآن بعد حفظه

    السؤال: إني أوشكت على حفظ كتاب الله وليس لدي أي وسيلة لمراجعته، علماً بأني بدأت أنسى ما قد حفظته في السنين الماضية، فوجّه لي نصيحة حفظك الله؟

    الجواب: خذوا قاعدة: إذا أنهيت حفظ القرآن وأنت جاد تحتاج بعد حفظ القرآن إلى سنتين على الأقل حتى تتقن ما حفظته، فهذا وضع طبيعي وليست حالة شاذة، فمن الطبيعي أن الإنسان يتفلت من القرآن، وهو كما قال صلى الله عليه وسلم: (أشد تفلتاً من الإبل في عقلها).

    وهناك طريقة لمراجعته، وهي تكرار المراجعة وتلاوة القرآن، فلا تيأس، افترض أنك حفظت القرآن وانتهيت منه ونسيت تماماً، فلن تبدأ من الصفر الآن مهما كان، وصحيح أنك تشعر أنك لا تستطيع أن تقرأ مثلاً آية واحدة أو آيتين كاملتين، لكن حينما تريد حفظه سيكون أهون عليك وأيسر عليك، ومرة ثانية ومرة ثالثة سيصبح سهلاً عليك، وقراءته حفظاً وتكرار تلاوته حفظاً مما يعين الإنسان على أن يتقن كتاب الله سبحانه وتعالى.

    التعود على الراتبة أول ما يدخل البيت

    السؤال: كثيراً ما يحرص المرء على أن يؤدي بعض النوافل كالراتبة مثلاً في البيت حتى يظفر بالأجر مترتباً على ذلك، وحتى لا يراه الناس، وما إن يخرج من المسجد حتى يغفل أو ينسى ذلك، وربما يكرر ذلك فيقع في تفويت كثير من النوافل، فما توجيهكم في ذلك والله يحفظكم؟

    الجواب: يعوّد نفسه أن يصلي الراتبة أول ما يأتي للمنزل مباشرة، ولا يبدأ بشيء قبل الصلاة، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم أول ما يبدأ ببيته إذا دخل بالسواك؛ لأنه كان يصلي إذا دخل منزله، فإذا دخلت بيتك فابدأ بالراتبة مباشرة حتى تتعود، يعني: قد ينسى الراتبة مرة مرتين لكن يعتاد بعد ذلك، ويصبح شأناً له وديدناً له أنه حينما يدخل منزله يصلي الراتبة.

    من صلى العشاء في مسجد والتراويح في مسجد آخر

    السؤال: هل إذا صلى الإنسان صلاة العشاء في المسجد وصلى التراويح في مسجد آخر يكتب له قيام ليلة؟

    الجواب: ما المانع فحديث: (كتب له قيام ليلة) قاله النبي صلى الله عليه وسلم فيمن صلى مع الإمام.. وذلك أن رجلاً لما صلوا قال: لو نفّلتنا بقية ليلتنا، فقال: (من صلى مع الإمام كتب له قيام ليلة) يعني يكفيك ما تصليه مع الإمام.

    ونحن أحياناً نتكلف في معنى اللفظ ونلزم عليه لوازم غير مرادة.

    فالمقصود أن الإنسان يصلي صلاة التراويح كاملة مع الإمام ولا يترك منها شيئاً، صلى العشاء مثلاً في مسجد وصلى التراويح في مسجد آخر لأمر أو لآخر فلا إشكال في ذلك، وفضل الله عز وجل واسع، والنوافل أمرها واسع، لكن الأصل أن الإنسان يعتاد أنه يصلي التراويح حيث يصلي العشاء، حتى لا يفوته شيء من الصلاة، وحتى لا يشعر الناس أنه ينصرف ولا يصلي التراويح؛ لأن الناس قد يرون أنه لا يصلي التراويح، أو أنه لا يريد أن يصلي مع الإمام وهذا مما يؤثر على الناس أو على الإمام في جماعة المسجد، فالأولى للإنسان أن يصلي التراويح حيث يصلي العشاء.

    مكان صلاة الإشراق

    السؤال: هل يصح أن نصلي سنة الإشراق في البيت وأنا قرأت في المسجد؟

    الجواب: إذا جلست في مصلاك بعد الفجر فالسنة أن تصلي في المسجد كما ورد في الحديث، فهذا مما يسن في المسجد، وفيها خلاف بين العلماء: هل هذه هي صلاة الضحى أم غيرها؟ لكنك إذا جلست بعد الفجر في المسجد إلى أن ترتفع الشمس فالأولى أن تصلي في المسجد؛ لأن هذه الصلاة سنتها في المسجد، أما غيرها من الرواتب والنوافل فالأولى والأفضل أن تكون في البيت.

    نكتفي بهذا القدر، وأسأل الله عز وجل أن يكفينا وإياكم الشرور والآثام، وأن يجعلنا وإياكم ممن يصوم هذا الشهر ويقومه إيماناً واحتساباً.

    هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756359849