إسلام ويب

أشراط الساعة رواية ودراية [2]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ظهرت بعض علامات الساعة الصغرى في مراحل مختلفة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد موته وحتى يومنا هذا، ومن تلك الأشراط والعلامات التي ظهرت: انشقاق القمر، وموت الصحابة، وظهور الخوارج، واستحلال المعازف وشرب الخمر، ودخول الفتن بيوت العرب، وظهور الأنفاق في مكة، وإعادة بناء الكعبة، وخروج نار من الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى.

    1.   

    انشقاق القمر

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

    فقد تقدم معنا الكلام على جملة من المسائل المتعلقة بأشراط الساعة، ومقدمات مهمة أيضاً، وذكرنا أيضاً من أشراطها علامتين.

    العلامة الثالثة من علامات الساعة: انشقاق القمر؛ حيث قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1]، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث إبراهيم عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى قال: ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى، فانفلق القمر فرقتين أو فلقتين، أحدهما وراء الجبل، والأخرى دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشهدوا ).

    سبب انشقاق القمر

    وانشقاق القمر من علامات الساعة التي جعلها الله جل وعلا من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ جلباً لقلوب الضعفاء، ودفعاً للشبهات التي أثاروها حول رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وفي قوله: (بمنى) دليل على أن ذلك كان في موسم حج قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حج قبل حجة الوداع، ولكن قد اختلف كم مرة حج؟ هل هي مرة واحدة أم أكثر من ذلك؟ وقد ثبت في صحيح البخاري للنبي عليه الصلاة والسلام حجة، وثبت في الصحيحين في ظاهر المعنى في حديث عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى هذا حينما قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى).

    وقد ذكر جماعة من أهل السير أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما شق الله جل وعلا له القمر جماعة من صناديد قريش؛ كـأبي جهل و العاص بن وائل و العاص بن هشام و الوليد بن المغيرة وغيرهم من كفار قريش، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اشهدوا )، يعني: على هذا، فلما شق الله القمر لنبيه عليه الصلاة والسلام لم يؤمن كفار قريش بذلك، وقالوا: إن هذا من السحر. كما روى ذلك ابن جرير وغيره من حديث أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى قال: (لما شق الله جل وعلا لنبيه القمر فلقتين قال كفار قريش: إن هذا سحر، اسألوا السفار - يعني المسافرين -، فسألوهم، فقالوا: قد رأينا القمر فرقتين).

    انشقاق القمر على الحقيقة

    وانشقاق القمر هو على الحقيقة، وليس على الخيال، وقد زعم بعض المتأخرين أن هذا من الخيال الذي جعله الله جل وعلا شبيهاً بالتخيلات التي يفعلها السحرة في أعين الناس، كما فعل السحرة من أصحاب موسى، وإن كان قد قال ذلك بعض الأجلة من المتأخرين فلا شك أنه وهم وغلط، وذلك أن الله جل وعلا قد أطلق انشقاق القمر، والأصل في ذلك أنه يحمل على الحقيقة.

    ثم إنه لا يظهر فيه الإعجاز إذا كان على التخيلات، فإن الناس يستطيعون أن يفعلوا مثل ذلك، كما يفعل السحرة، ولكن يفعلون في بعض البشر دون سائر الخلق، فلما كان هذا قد تحقق في سائر الخلق ممن حضر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وممن كان بعيداً من أهل الآفاق دل على أن هذا هو على الحقيقة، وإن كانوا يعتضدون بما جاء عند ابن جرير الطبري من حديث عكرمة عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى قال: (لما شق الله القمر لنبيه عليه الصلاة والسلام وكسفه)، وجاء في رواية: (كسف القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان فرقتين)، قالوا: فلما ذكر عبارة الكسوف دل على أنه حيل بين القمر وبين الشمس بكوكب، فأضاء على شطره، فكان ثمة شيء من الغيم الكثيف على الجهة الأخرى تشبه بجزء القمر الآخر، فتشبه حينئذٍ في أعينهم على أنه انشقاق، وليس كذلك، وإنما هو من الخيال، وهذا لا شك أنه بعيد كل البعد.

    والانكساف الذي جاء في الأثر عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى أراد به المعنى، ثم إن عبد الله بن عباس لم يشهد ذلك، بل كان حين انكساف القمر ربما لم يولد،؛ وقد ذكر جماعة من أهل السير أن انكساف القمر كان قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل بأربع، والخمس أقرب، وقد جاء في الصحيح من حديث عائشة عليها رضوان الله تعالى قالت: (نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1] وأنا جارية ألعب قبل الهجرة).

    ومعلوم أن عبد الله بن عباس عليه رضوان لله تعالى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قد ناهز الاحتلام، يعني قاربه، فيكون حينئذٍ عمره قريب من الرابعة عشرة، وهذا ثابت كما جاء في البخاري عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى قال: (أتيت إلى رسول الله صلى لله عليه وسلم وهو بمنى، وهو يصلي إلى غير جدار، وأنا غلام قد ناهزت الاحتلام على أتان، قال: فمررت بين يدي بعض الصف، وتركت الأتان ترتع). والشاهد من هذا أن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى قال: (قد ناهزت الاحتلام) يعني: قاربه ولم يحتلم، واستدل بهذا البخاري عليه رحمة الله على أن عبد الله بن عباس لم يبلغ حينما ترجم لهذا الخبر بقوله: (باب متى يصح سماع الصغير) يعني: روايته، ومعلوم أنه حينئذٍ لم يبلغ، فدل على أنه لم يدرك انشقاق القمر، وهذا لا يقدم على من شهد ذلك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كـعبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى ممن كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى.

    عدد مرات انشقاق القمر

    وانشقاق القمر جاء في بعض المرويات أنه وقع مرتان كما جاء من حديث أنس بن مالك عند ابن جرير الطبري وغيره من حديث شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك عليه رضوان الله تعالى قال: (انشق القمر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين). وجاء في بعض المرويات: (فرقتين)، مما يحتمل أن المراد بالمرتين أنه على جزئين، لا ثلاث، وليس المراد بذلك تكرار الانشقاق، وهذا هو الأظهر.

    فائدة في نكران كفار قريش لانشقاق القمر مع ظهوره وبيانه

    وفي هذا إشارة إلى فائدة عظيمة جليلة القدر، وهي أن الله جل وعلا مهما يظهر من آياته البينة والدلائل المعجزة إلا أن من ران على قلبه، وختم الله جل وعلا عليه أنه لا يؤمن، كحال كفار قريش الذين شهدوا الانشقاق، وأحالوا ذلك إلى السفار من المسافرين، وأهل الآفاق، فسألوهم فصدقوا ما كان من إعجاز على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنهم لم يؤمنوا أيضاً، وبقوا على كفرهم، مما يدل على أنه ما كان دونه من الإعجاز من باب أولى أن يصد عنه من ختم الله جل وعلا على قلبه، ومما ينبغي معه ألا يلتفت إلى من انصرف عن الحق والصراط المستقيم، وأعرض عن ذلك مع ظهور الحجج البينة من كلام الله جل وعلا، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك ما أخبر عنه الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام مما يحدث في آخر الزمان من أشراط الساعة وعلاماتها وأماراتها، فيقع جهاراً نهاراً، فيتأولونه يمنة ويسرة، فإذا لم يؤمن أسلافهم بما رأوه رأي العين من إخبار النبي عليه الصلاة والسلام بعد تحديهم، فوقعت المعجزة بعد التحدي، فكانت المناسبة ملائمة لقوة الإعجاز، ومع ذلك لم يؤمنوا، فمن جاء بعدهم من باب أولى.

    1.   

    موت أصحاب رسول الله صلى لله عليه وسلم

    الشرط الرابع من أشراط الساعة: موت أصحاب رسول الله صلى لله عليه وسلم.

    التلازم بين بعض أشراط الساعة

    تقدم معنا تقرير أصل معين من أصول أشراط الساعة، وهو أن جملة من أشراط الساعة تكون متداخلة، والتداخل في ذلك منها ما يلزم بعضها لبعض، فيكون حينئذٍ انتفاء بعض لازم لورود بعض، وورود بعض لازم لانتفاء بعض، كما جاء في بعض أشراط الساعة من انتفاء وقبض العلم، فإن هذا يلزم منه ظهور الجهل، وكذلك ما جاء من أخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذهاب الصالحين فيلزم منه ظهور الطالحين، ونحو ذلك مما يأتي من بعض الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظهور الظلم والجور مما يدل على قلة السلطان الحق والعدل في الحق، وهذا فيه تلازم.

    ويكثر من يتكلم في أشراط الساعة على هذه التفريعات، ويجمع بين المتضادات، فيشكل على الناظر في ذلك، وهذا يحمل على أن هذه الأحوال المتضادة تكون في زمن واحد، فحين قبض العلم يظهر الجهل، وفي ظهور جور السلاطين دليل على انتفاء العدل، وفي انتشار المال والغنى دليل على ظهور الشح، فإن الغنى متلازم مع شح النفس، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو أعطي ابن آدم واديين من ذهب لابتغى لهما ثالثاً )، وهذا إشارة على الشح، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة من الأخبار تدل على استفاضة المال، وبعض الأخبار تدل على ورود الشح، فهذا كله يكون في زمن واحد، ولا تكون في أزمان متفرقة.

    حصول التداخل فيما بين أشراط الساعة

    ومما ينبغي الإشارة إليه: أن ثمة من الأصول من أشراط الساعة ما يكون أصلاً يدخل فيه جملة، كمسألة ذهاب الصالحين، وهي من أشراط الساعة التي يدخل فيها من تفاصيلها ذهاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبض العلم، فإنه لا يمكن أن يوجد علم مع عدم وجود الصالحين الذين يقومون به، وقبض الصالحين لازم لظهور الجهل، وعدم العدل أيضاً. ومن الأصول ظهور الفتن في الناس، ولازم ظهور الفتن ظهور الزنا وشرب الخمر والجهل والهرج وهو القتل، وغير ذلك من فروع هذه المسائل التي ندرج جملة منها تحت أصلها حتى تكون بينة، مخالفين في ذلك ممن يفصل على سبيل التعداد وتكثير التقسيمات في ذلك.

    ظهور الفتن بذهاب الصحابة

    وموت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو جزء لذهاب الصالحين لظهور علاماته، فالله جل وعلا قد جعل الخيرية في القرن الأول كما جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم )، فخير القرون هم قرن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعلق الذهاب بهم أظهر.

    والنبي عليه الصلاة والسلام خص ذهابهم بظهور ما توعد هذه الأمة من فتن، كما جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث مجمع عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى الأشعري قال: ( صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: ننتظر حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتانا، فقال رسول الله: ما زلتم مكانكم؟ فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: قلنا: ننتظر حتى نصلي معك العشاء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصبتم، أو قال: أحسنتم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نظر إلى السماء، وكان كثيراً ما ينظر: النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما توعد ).

    وقوله عليه الصلاة والسلام: ( أصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما توعد )، الأمنة والأمان المراد به هنا الأمان من الفتن التي أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بظهورها، وانفراط العقد لكثير من الآثام والكبائر، واستحلال المحرمات، وظهور الظلم والفجور في الأرض، وكذلك قبض الصالحين وقبض العلم، وظهور الجهل والشح والزلازل، وتقارب الزمان هو من قرائن قبض الصالحين، وأظهر الصالحين في الأمة هم القرن الأول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وقد جعل النبي عليه الصلاة والسلام من علامات الساعة واقتراب الزمان قبضه عليه الصلاة والسلام كما في حديث عوف بن مالك قال عليه الصلاة والسلام: ( أعدد ستاً بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس )، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (موتي) الذي أشار إليه هنا في قوله: ( أنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون )، وما يوعدون بالاشتراك هنا مع ما توعد الأمة هي الفتن، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي ظهرت الفتن بعده عليه الصلاة والسلام.

    بعض المسائل المختلف فيها بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام

    وقد اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في النبي عليه الصلاة والسلام هل مات أم لا؟ فمنهم من قال: لم يمت كـعمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى، فقال: قد رفعه الله إليه، حتى حاجه من هو أعلم منه، وهو أبو بكر الصديق عليه رضوان الله تعالى، فتلا عليه قول الله جل وعلا: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30] ، وقول الله جل وعلا: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران:144]، فدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت كسائر البشر، فسلم لذلك، وأذعن لسلامة سريرته وقصده الخليفة الراشد عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى لما ورد إليه النص بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ثم اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك هل يغسل النبي عليه الصلاة والسلام أو لا يغسل؟ وهل يجرد كما يجرد الموتى؟ فانتزع ذلك الخلاف بـأبي بكر الصديق .

    ثم اختلفوا أين يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل يدفن في المدينة موضع هجرته وأزواجه وأصحابه وأنصاره أم يدفن في مكة موضع مبعثه وقبلته؟ وكذلك ما فتح الله جل وعلا عليه فيها، وهي خير البقاع إلى الله؟ أم يدفن في المسجد الأقصى، موضع مسراه وصلاته، وهي قبلته الأولى، وصلاته بالأنبياء خلفه كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما تقدم الإشارة إليه بإلماحة، ويأتي تفصيله بإذن الله؟ وحسم ذلك بقول أبي بكر الصديق عليه رضوان الله تعالى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يدفن الأنبياء حيث يقبضون).

    ثم اختلفوا بعد ذلك في إرث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الخلاف يأتي متسارعاً ولا ينتهي حتى يأتي خلاف آخر، لكنه يحسم بالدليل، فكان ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام: ( أتي أمتي ما توعد )، وهو إشارة إلى هذا النوع من الخلاف.

    ظهور الفتن في أواخر عصر الصحابة وبعد انقضاء قرنهم

    ثم موت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ( فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما توعد )، يعني: من ظهور البدع، فظهر في أواخر عصر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتنة من الخلاف، وظهرت الخوارج، وظهرت القدرية، وظهرت المرجئة، ثم انفرط العقد بظهور الطوائف في الإسلام من الاتحادية والحلولية، والمعتزلة وغلاتهم، والرافضة بأنواعهم في أواخر عصر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارة إلى ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام: ( فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ).

    وقوله عليه الصلاة والسلام: (فإذا ذهب أصحابي) إشارة إلى العصر التام، أي: أنه كلما ذهب جملة منهم ظهر شيء من الفتن، فإذا ظهر القرن كاملاً أتى الأمة ما توعد من الاقتتال وظهور الجهل، ونحو ذلك، ويظهر هذا فيما جاء في الصحيح من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عليها رضوان الله تعالى قالت: ( كان الأعراب إذا جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن الساعة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى أحدث القوم سناً، فقال: إن يعش هذا ولا يهرم تأتكم ساعتكم أو تأتي الساعة )، على خلاف عند العلماء في هذا المعنى كما تقدم الإشارة إليه.

    والأصل في ذلك أن القيامة لا تقوم على الصالحين، ولا تقوم وفي الأرض أحد يقول: الله الله، فيكون حينئذٍ كل من على الأرض من أهل الجهالة المتمحضة، فلا يبقى حينئذٍ حق؛ وقد جاء في البخاري من حديث قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يذهب الصالحون الأول فالأول، فيبقى حثالة أو حفالة من البشر فتقوم عليهم الساعة )، وفي رواية عنه عليه الصلاة والسلام في الصحيح وهي الأصل: ( لا يأبه الله بهم، وعليهم تقوم الساعة) كما جاء في حديث النواس بن سمعان عليه رضوان الله تعالى عند الإمام مسلم .

    وقيام الساعة على شرار الخلق متلازم لذهاب الصالحين، وذهاب الصالحين هو من علامات الساعة، وهو من أظهر شرائطها، وأظهر ما يزول من الصالحين هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل ذلك سيد ولد آدم النبي عليه الصلاة والسلام، فهو أول علامات الساعة الست التي جاءت في حديث عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    قبض العلم

    ذهاب الصالحين من علامات الساعة، ولا تقوم الساعة على صالح، ويلزم من هذا - وهذا من أشراط الساعة- قبض العلم، وقبض العلم يكون على التدريج، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى: ( يذهب الصالحون الأول فالأول )، أي: أنهم يذهبون شيئاً فشيئاً، والصلاح لا يكون إلا بوجود المصلح، والمصلح هو الآلة، وكذلك الشخص وهو العالم، ولا يوجد عالم إلا بعلم، فلما قبض العلم وقل العلماء دل على قبض العلم بقبض العلماء، فيكون حينئذٍ على نزول حتى ينتفي أهل العلم، فيبقى الجهل منتشراً في الناس، وهذا بالنسبة للناس نسبي، إلا أنه في آخر الزمان الذي يعقبه قيام الساعة ينتفي في الخلق بالكلية.

    ويظهر هذا كما جاء عند ابن ماجه - وهذا من أشراطها أيضاً - من حديث أبي مالك عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان عليه رضوان الله تعالى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يدرى ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة، إلا رجال يقولون: كنا أو أدركنا آباءنا يقولون: لا إله إلا الله، فنحن نقولها كما يقولون، فقال صلة لـحذيفة بن اليمان : ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صدقة ولا صيام ولا نسك؟ فأعرض عنه مرة، فأعاد عليه، فلما كان في الثالثة التفت إليه حذيفة وقال: تنجيهم من النار لا أبا لك )، وهذا فيه إشارة إلى أن الإنسان يعذر بجهله، فإذا كان من أهل الجهالة في الأصول فإنه يعذر في الأصول، وتقوم عليه الحجة بحسب بلوغ الحكم عليه.

    والله جل وعلا قد أخذ على نفسه أنه لا يعذب أحداً حتى يبعث إليه رسولاً وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، وهذا ظاهر في قول الله جل وعلا لرسوله عليه الصلاة والسلام: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6]، والسماع المراد به هنا هو بلوغ الحجة لا فهمها، فإن الإنسان قد لا يفهم الحجة، أو يكون من المعاندين، فالإحالة إلى شيء لا يمكن أن يدرك لا يمكن أن يتقرر في الشرع؛ ورسول لله صلى الله عليه وسلم قد قاتل المشركين لمجرد الإسماع على وجه يفهمونه لو أراد.

    وأما مسألة الإفهام فإنه لا يتعلق بها حكم شرعي، وذلك أن الإفهام متعلق بالقلب، والقلب مرده إلى الله؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: ( إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم )، فالنظر إلى القلوب هو من خصوصيات الله جل وعلا، والظواهر إلى العباد، فلما تبلغ الحجة الناس حينئذٍ يلزمون بالاتباع، وإن اعتذروا بعدم الفهم فلا يعتبر بذلك إذا كان قد بلغتهم الحجة على وجه يفهمونها لو أرادوا.

    المقصود بقبض العلم

    وقبض العلم قد جاء مفسراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الصحيح من حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى لله عليه وسلم يقول: ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رءوساً جهالاً فسألوا، فأفتوا بغير علم، فأضلوا وأضلوا )، وقوله عليه الصلاة والسلام: ( إن الله لا يقبض العلم) قبض العلم أضيف إلى الله، وتصدير الجهال أضيف إلى الناس، (حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رءوساً جهالاً)، ومعلوم أن الله جل وعلا هو المقدر لذلك كله، ولكن المراد في المسألة الأولى أن الله يقبض العلم لحكمة زائدة عن الشأن القدري وهو انتشار الجهل في الناس، وأن يصدر الناس الجهال؛ ويؤخذ من هذا فائدة أن العالم يصدر نفسه بين الناس ولا يصدره الجهال، وعلماء السوء يصدرهم الناس، وهذا ظاهر في قوله عليه الصلاة والسلام: ( اتخذ الناس رءوساً جهالاً )، أما العلماء فالله جل وعلا هو الذي يتخذهم.

    التلازم بين ظهور الجهل وقبض العلم

    ويلزم من ظهور الجهل قبض العلم، ومن قبض العلم ظهور الجهل، ومن انتفاء الجهل ظهور العلم، وكلها متلازمة تكون بين زمن إلى زمن، تظهر وتخبو حتى تزول، ويتأرجح ذلك بحسب وجود العلم والخيرية بين الناس، والخيرية المراد بها هنا هي وجود العلم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في البخاري : ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )، فالخيرية المراد بها هنا هي الفقه في الدين.

    ويلزم من هذا أن الشر كما جاء في بعض الأدلة في آخر الزمان من وصف الناس بالشرار، أو وصف الزمن بالشر، المراد به انتفاء الفقه في الدين، وبه يعلم أن ما جاء في بعض النصوص من انتشار القراء وكثرتهم، وقلة الفقهاء أن وجود القراءة في الناس قراءة القرآن وضبطه وحفظه لا يلزم منها علماً، وقد جاء في بعض الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يكثر قراؤكم، ويقل فقهاؤكم )، وهذا فيه إشارة إلى أن القراءة وحدها من مواضع الضلال في الأمة إذا لم يكن ثمة فقه.

    ظهور القلم وفشو الكتابة

    ويظهر الجهل في معنى آخر وهو ظهور القلم وفشو الكتابة، فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما عند الإمام أحمد في كتابه المسند، ورواه البخاري في كتابه الأدب، من حديث سيار أبي الحكم عن طارق بن شهاب عن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يظهر القلم في آخر الزمان ).

    وظهور القلم مع انتفاء العلم وظهور الجهل دليل على أن المراد بالقلم هو انتشار الكتابة والقراءة، والقراءة والكتابة لا تعني علماً، وليس كل من حمل القلم وحمل الكتابة يكون عالماً، وقد جاء في بعض الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يلتمس الكاتب في البلد فلا يوجد إلا الواحد مع وجود القلم )، وهذا فيه إشارة إلى معانٍ: المعنى الأول: إشارة إلى الظنية في انتشار العلم، وأن العلم يبتغى به التجارة، فلا يوجد شخص يتبرع بكتابة إلا الواحد والاثنان، وهذا إشارة إلى ما ظهر في الأعصار المتأخرة أن العلم وتعليم الكتابة والقراءة لا يكون إلا برواتب يدفعها الطلاب للمعلمين، وما يسمى الآن بالمدارس والبرامج التعليمية، وغير ذلك، فتعدى ذلك إلى ما هو أبعد من القلم والكتابة إلى سائر العلوم، وهذا لازم كما تقدم الإشارة إليه في ظهور الجهل في الناس، وليس بلازم من انتفاء العلم، فقد يوجد العلم ويفشو القلم، وقد لا يوجد العلم، ولا يوجد القلم أيضاً، وقد يوجد القلم مع وجود العلم، وقد يوجد القلم مع عدم وجود العلم، وهذه قد تتلازم، وقد لا تتلازم.

    وهذه الأنواع يذكرها كثير ممن يتكلم في أشراط الساعة على أنها أصناف منفردة، وهي داخلة من جهة الأصل تحت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يذهب الصالحون الأول فالأول )، ونحن أدرجنا هذه الجمل وهذه الأنواع في هذا الموضع.

    1.   

    فتح بيت المقدس

    ومن أشراط الساعة ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام في حديث عوف بن مالك مما جاء في الصحيح من حديث بسر عن أبي إدريس عن عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أعدد ستاً بين يدي الساعة: موتي، وفتح بيت المقدس )، ففتح بيت المقدس من علامات الساعة، وقد جاء هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخر، وهذا من أصح ما جاء فيه.

    وقوله عليه الصلاة والسلام: ( ثم فتح بيت المقدس ) (ثم) هنا تدل على الترتيب الزمني، وقد تدل على الترتيب الذكري في لغة العرب، ويستدلون لهذا بقول الشاعر:

    قل لمن ساد ثم ساد أبوه قبله ثم قبل ذاك جده

    وتأتي على ترتيب الزمن على الأشهر والأكثر كما هنا؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ( أعدد ستاً بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس ).

    فتح عمر لبيت المقدس

    وفتح بيت المقدس فتحه عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى في عام ستة عشرة من الهجرة، وقد فتحه عليه رضوان الله تعالى وصلى به، وعمر فيه المسجد المعروف الآن بمسجد بيت المقدس.

    والمراد بمسجد بيت المقدس ما هو أوسع من ذلك وهو الحائط تاماً، ويدخل فيه ما يسمى بمسجد قبة الصخرة، ويدخل فيه أيضاً مسجد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى، فكله يسمى المسجد الأقصى وبيت المقدس.

    والمراد ببيت المقدس المراد بذلك المدينة، وإنما أشير إلى بيت المقدس لأنه هو المقصود من جهة التعظيم، فيكون كل ذلك تبعاً له، فلما فتح بيت المقدس كان حكامه وولاته حينئذٍ النصارى، ففتحه عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى.

    وتلاه بعد ذلك ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام من علامة أخرى وهي وقوع الطاعون، ويأتي الإشارة إلى ذلك أيضاً بعد فتح بيت المقدس بسنتين.

    عدد مرات فتح المقدس

    وقد فُتح بيت المقدس مرتين: المرة الأولى في خلافة عمر بن الخطاب ، والمرة الثانية في خلافة صلاح الدين الأيوبي في القرن السادس من الهجرة.

    وسيفتح أيضاً في آخر الزمان كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ستقاتلون اليهود، ويقتل المسلمون اليهود، حتى يختبئ اليهودي خلف الشجر والحجر، فيقول الشجر والحجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود )، وهذا فيه إشارة إلى أن المقتلة تكون في بلاد فلسطين، ويكون حينئذٍ الولاية لليهود وليست للنصارى، كما كان في السابق، وهذا من علامات الساعة أنه يتولى اليهود على بيت المقدس، ثم يعقب ذلك فتح، فيكون حينئذٍ ثمة علامتان من علامات الساعة في هذا الموضع: العلامة الأولى: أن يتولى أمر بيت المقدس اليهود، وقد حدث هذا، ويليه بعد ذلك الفتح على أيدي المسلمين، وهو الفتح الذي لا يعقبه ولاية على بيت المقدس إلا الشرار العام الذي يستوعب الأرض في آخر الزمان، وهو آتٍ لا محالة.

    فضل قبة الصخرة ومسجد الصخرة

    ومن الفوائد التي ينبغي أن يشار إليها هنا: أن ما يذكر في كتب التاريخ في مسألة قبة الصخرة ومسجد الصخرة، فإن هذا لم يثبت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء، وما جاء في ذلك إنما هو آثار، وقد بنى ذلك عبد الملك بن مروان وابنه الوليد ، وذلك نكاية بـابن الزبير ، فإن ابن الزبير لما كان بمكة كان يخطب في الحرم، ويتكلم في عبد الملك بن مروان ، فأراد أن يجعل مسجداً في هذا الموضع، فجعل مسجد قبة الصخرة، وأخذ يخطب فيه ويتكلم في ابن الزبير ، فهو إنما بنى هذا المسجد لهدف سياسي، وليس لجمع المسلمين تحت ولاية عامة، حتى يصلوا فيه على التعبد كما هو ظاهر.

    ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل هذا الموضع شيء، بل ثبت عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى خلاف ذلك، كما رواه الإمام أحمد في كتابه المسند من حديث أبي سنان عن عبيد بن آدم و أبي مريم عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى أنه (لما فتح بيت المقدس، وكان بالجابية، قال لـكعب الأحبار : أين تراني أصلي؟ فقال: صل، واجعل أمامك الصخرة فيكون البيت كله أمامك. فقال: قد ضاهيت اليهود، أو ضارعت اليهود، فتقدم عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى فصلى أمام الصخرة).

    وفيه إشارة إلى أن هذه الصخرة معظمة عند اليهود، وهم يعظمونها، وبقي من بقاياها ما كان اعتقاداً عند كعب الأحبار وكان يهودياً فأسلم، وبقي من بقايا علم اليهود لديه هذا المعنى، فجرى على لسانه فيما يظهر من غير قصد.

    وفيه إشارة من قول عمر عليه رضوان الله تعالى هنا: (ضاهيت اليهود، أو شابهت اليهود) إلى أن هذا ليس من شريعة الإسلام، وطرأ عليه جملة من المسائل، منها ما وضعه المتأخرون من جملة الكتابات والرسوم على الحجرة، ووضع رسم قدم، وأنها قدم النبي عليه الصلاة والسلام لما أسري به، وكل هذا من الخرافات، وقد جاء في ذلك خبر عند الطبراني وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عمرو الأسلمي النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( تمر العجوة والصخرة من الجنة )، وقال بعض الشراح: إن المراد بالصخرة هي القبة التي بنيت عليها قبة الصخرة، وهذا لا يصح، وقد صحح الخبر هذا الحافظ ابن حجر ، وحمله على أنها قبة الصخرة ابن الأثير ، و ابن حجر ، ولا يثبت عن أحد من العلماء من السالفين ممن سبقهم في هذا المعنى أحد، وقد يحمل على أن المراد بالصخرة هنا هي الحجر الأسود، وقد جاء في ذلك خبر أنه من الجنة، وقد أنزله الله جل وعلا إلى الأرض، والخبر قد أعله غير واحد من الحفاظ، وليس هذا موضع الكلام عليه، وتقدم الكلام عليه في غير هذا الموضع.

    1.   

    استفاضة المال وظهور الشح

    ومن علامات وأشراط الساعة: ما جاء في حديث عوف بن مالك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً )، وفي هذا إشارة إلى استفاضة المال وكثرته في أيدي الناس.

    التلازم بين استفاضة المال وظهور الشح

    ويلزم من استفاضة المال إيراد شرط من أشراط الساعة وهو ظهور الشح، وذلك أنه قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند البخاري و مسلم من حديث عبد الله بن عباس أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( لو أعطي ابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثاً، ولا يملئ فم ابن آدم إلا التراب )، وهذا فيه إشارة إلى أن الشح متلازم مع ظهور المال.

    وظهور المال واستفاضته قد ظهر في بعض الأعصار كما جاء في خلافة عمر بن عبد العزيز عليه رضوان الله، وقد جاء في بعض الأعصار، ومنها عصرنا، حيث استفاض وظهر الشح، وملك كثير من الناس أموالاً طائلة لم تعهد عند السابقين، وهذا ظاهر.

    علاقة القناعة والسعادة بالمال

    والإشارة إلى استفاضة المال وظهور الشح فيه فائدة ومعنى جليل القدر إلى أن القناعة والسعادة لا علاقة لهما بالمال، وذلك أن الشح إذا وجد في الإنسان وجدت التعاسة والشقاوة، وإذا وجدت القناعة ولا توجد مع المال وجدت حينئذٍ السعادة، والغالب في من يستفيض عنده المال أنه لا يكون من أهل السعادة، وإنما يكون من أهل الشح.

    انشغال الناس بخاصة أنفسهم

    ومن فروع كثرة المال واستفاضته وهو قرينة لظهور الشح انشغال الناس بخاصة أنفسهم، وعدم ما يسمى بحب العلاقة، وتكثير العلاقة، وانشغاله بالخصوصية، وهذا من آثار الشح، حتى يخشى الإنسان الاستدانة ويخشى الصدقة، أو الإحسان إلى الغير، ويخشى طراق الأبواب، وهذا يظهر مع غلبة الشح، ويلزم من هذا تسليم الخاصة، أي: ألا يسلم الإنسان للإنسان إلا للمعرفة، ويلزم من هذا قطيعة الأرحام، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله عند البخاري في الأدب، وعند الإمام أحمد من حديث طارق بن شهاب عن عبد الله عن رسول الله صلى لله عليه وسلم قال: ( يفيض المال، وتقطع الأرحام، ويظهر تسليم الخاصة، وتكثر الفتن ).

    وتسليم الخاصة ألا يسلم الإنسان إلا لخاصته، ولا يسلم لقرابته ولا لأرحامه، ويخشى أن يكون من الناس من يتعرف عليه لأجل ماله ولغلبة الشح على الناس، وهذا ظاهر، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسند من حديث عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من أشراط الساعة أن يمر الرجل على الرجل لا يسلم عليه إلا للمعرفة )، وهذا متلازم لظهور الشح.

    فشو التجارة

    ويلزم أيضاً من ظهور المال واستفاضته فشو التجارة، وهو لازم لظهور المال، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الإمام أحمد في المسند من حديث سيار أبي الحكم عن طارق عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( وتفشو التجارة )، وجاء في السنن والمسند: ( حتى تعين المرأة زوجها على التجارة )، يعني: لكثرة وتشعب تجارته، حتى إن المرأة تنشغل مع زوجها بتسيير أمور تجارته، وهذا يدل على استفاضة المال، وكثرة التجارة عند الناس.

    وفي هذا إشارة إلى أن استفاضة المال لعلة ورود التجارة، وليس لغير هذه العلة، وقد ترد غير هذه العلة مما يظهر في آخر الزمان من السرقات، أو الإقطاعات، أو الاختلاسات، ونحو ذلك، ولكن الأظهر من ذلك هو أمر التجارة، كما جاء مقترناً في حديث عبد الله وحديث أبي هريرة وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه أشراط متتابعة هي تابعة لمسألة استفاضة المال.

    ومن ذلك أيضاً: أن تجعل الزكاة مغرماً، وألا تخرج الزكاة، وهذا لازم للشح واستفاضة المال، ويأتي الكلام على مسألة الزكاة.

    1.   

    كثرة الفتن وتنوعها

    ومن علامات الساعة: كثرة الفتن التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة.

    والفتن هي أكثر أشراط الساعة وروداً على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإطلاق، سواء على وجه الإفراد، أو على سبيل الإجمال، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان أشراط الساعة على سبيل الإجمال، فمنها ما جاء في حديث عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ثم فتنة لا تدع بيتاً من بيوت العرب إلا دخلته )، يعني: أنها جاوزت الطرقات إلى بيوت الناس، وتخصيص العرب بمعنى أنها اقتحمت العرب مع شدة احترازهم، وانتقلت من غيرهم إليهم.

    والفتنة التي أخبر عنها النبي عليه الصلاة والسلام منها ما يتعلق بالمال، وتقدم الإشارة إليه، ومنها ما يتعلق بالعلم، وهو قبض العلم ويلزم له ظهور الجهل، ويأتي الكلام عليه.

    ظهور القتل في الناس

    ومن أنواع الفتن أيضاً: ظهور القتل في الناس، ومن أوائل الفتن التي ظهرت في الناس هي ما وقع بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مقتلة، كما جاء في الصحيح من حديث معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( لا تقوم الساعة حتى يقع بين فئتين من المسلمين مقتلة عظيمة دعواهما واحدة )، وقد وقعت بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجمل وصفين، ووقعتا الجمل وصفين قارنها ظهور الخوارج، وهي من علامات الساعة كما جاء في البخاري من حديث سويد بن غفلة عن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى قال: ( يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، إن لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم )، وقد جاء في ذلك جملة من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصفهم، ويأتي الكلام عليهم.

    اضطراب العلماء في الفتوى والبيان

    والفتن التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التحذير منها: منها ما يتعلق بالعلم، ومنها ما يتعلق بالعلماء، واضطرابهم في الفتوى، وعدم اتزانهم، حتى يخضع العامة لقولهم في يوم، وينتكسون عنه في اليوم الآخر، وهذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مبيناً في الصحيح من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل، يمسي الرجل مؤمناً ويصبح كافراً، أو يصبح مؤمناً ويمسي كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا ).

    وفي قوله عليه الصلاة والسلام: ( يمسي مؤمناً ويصبح كافراً ) إشارة إلى سرعة تقلب الرأي عند القدوة في الإيمان والكفر؛ وقد جاء عند ابن أبي شيبة من حديث خيثمة عن عبد الله بن عمرو قال: ( يأتي على الناس زمان يجتمعون في المساجد ليس فيهم مؤمن )، وإسناده صحيح عن عبد الله بن عمرو عليه رضوان الله تعالى، وله حكم الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ويظهر هذا في مسألة الاضطراب حتى عند أهل العلم ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو السابق في قوله: ( إن الله لا يقبض انتزاعاً ينتزعه من صدور العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق )، فقوله: (حتى) إشارة إلى الغاية أنه لا يبقى عالم، مما يدل على ورود التدرج شيئاً فشيئاً بنقصان العلم، فيكون حينئذٍ الجهل والعلم بينهما مغالبة ومدافعة.

    والسنة عند ورود الاشتباه أن يبرز العلماء للناس ليبينوا الحق، وأن يزاحموا الباطل، وقد روى البخاري من حديث عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار (أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى ابن حزم قال: انظروا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبوها، فإني خشيت دروس العلم وذهاب العلماء). ثم قال عليه رحمة الله: (وليجلس في العلم حتى يعلم من لم يعلم، فإن العلم لا يذهب حتى يكون سراً)؛ ولهذا العالم الذي يلزم داره ولا يبرز للناس هو من أسباب فشو الجهل، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخالطة الناس، وإظهار المعروف فيهم.

    ويظهر أيضاً هذا في مسألة تقلب العلم عند أهل العلم، والتقلب والتردد في الرأي كما ما جاء في البخاري من حديث أبي إدريس الخولاني عن حذيفة بن اليمان قال: ( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني. فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. فقلت: يا رسول الله! وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهتدون بغير هديي، ويستنون بغير سنتي، تعرف منهم وتنكر )، فقوله هنا: (تعرف منهم وتنكر) أي: تعرف حقاً وتنكر باطلاً، فلا تستطيع حينئذٍ أن تميز، (قال: فقلت: يا رسول الله! وهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله! فبم توصيني إن أدركت ذلك؟ قال: عليك بإمام المسلمين وجماعتهم. قال: فقلت: فإن لم يكن لهم جماعة؟ قال: عليك بخاصة نفسك حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ).

    وفي قوله عليه الصلاة والسلام: (تعرف منهم وتنكر) إشارة إلى امتزاج الحق بالباطل فيمن يهتدي بغير هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإشارة أيضاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يعقبهم بعد ذلك انسلاخ تام، وهو ( دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها )، فلم يجعل من قولهم معروفاً ومنكراً.

    ومن المعلوم أن المراد بالمعروف أن الإنسان إذا رأى شيئاً سبق أنه عرفه أنه حق، أو عرف أنه باطل، وما ينكره، أي: أنه لم يكن في الأسلاف؛ ولهذا قال الله جل وعلا في قصة يوسف عليه السلام لما قدم عليه إخوته: فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ [يوسف:58]، ومسألة النكران هنا أنكرهم لأنه لا يعرف هذه الوجوه، ولم يكن قد رآها من قبل، مما يدل على أنه يبسط من المسائل مما لم يعرف.

    1.   

    من آثار الفتن وقبض العلم

    وقد مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الأمثلة مما يظهر في آخر الزمان من آثار الفتن وقبض العلم، منها: ظهور الزنا، وشرب الخمر، واستحلال المعازف، واستحلال الزنا، واستحلال الخمر، وذلك فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه البخاري فقال: قال هشام بن عمار : حدثنا صدقة بن خالد قال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن خالد قال: حدثنا عطية بن قيس عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك أو أبي عامر الأشعري قال: (حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ووالله ما كذبني: يأتي قوم في آخر الزمان يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)، والحر المراد به الزنا، وما جاء في هذا الخبر هو خبر صحيح، وقد جاء وصله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أبي ذر وهو راوية البخاري من حديث الحسين بن سفيان عن هشام ، وجاء عند الطبراني من حديث محمد بن يزيد بن عبد الصمد عن هشام بن عمار به في كتابه مسند الشاميين، وجاء عند الطبراني أيضاً في كتابه المعجم الكبير من غير هذا الوجه من حديث جعفر بن محمد و موسى عن هشام بن عمار عن صدقة بن خالد به، وقد جاء من غير هذا الوجه عند أبي نعيم من حديث عبدان و الباغندي عن هشام عن صدقة بن خالد به، وقد جاء عند أبي داود من غير هذا الوجه، وقد جاء من حديث بشر بن بكر عن عبد الرحمن بن يزيد بن خالد عن عطية بن قيس عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك أو أبي عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحيح، ولا ريب فيه باتفاق المتأخرين من النقاد، ولا أعلم أحداً من أعل هذا الحديث قد سبق ابن حزم الأندلسي و أبو طاهر القيسراني ، حتى من سلك مسلكهم في الإعلال قد صححه لما ثبت من وصله عند من قال بتعليقه، وهو ثابت موصول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ظهور الزنا واستحلاله

    وفي قوله عليه الصلاة والسلام: ( يستحلون الحر ) وهو الزنا، وقد جاء في مسألة الزنا علامتان:

    العلامة الأولى: ظهور الزنا كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة وغيره،

    العلامة الثانية: استحلال الزنا، وظهور الزنا لا يلزم منه الاستحلال، وإنما يفشو في الناس ويكون تجارة، حتى لو سئل الشخص عن الزنا، فقال: حرام؛ لأنه لا يرضاه لنفسه.

    وظهور الزنا إشارة إلى أنه مستساغ، فطالبه يجده من غير نكير، والاستحلال أعمق من ذلك وأظهر.

    استحلال المعازف

    وقد ظهرت أولى ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي مالك بن عمرو الأشعري وهو استحلال المعازف، وقد جاء هذا في لسان بعض أهل العلم في زماننا في استحلال المعازف، والمراد بالمعازف هي الملاهي من الموسيقى وآلات الطرب بعمومها مما أخبر عنه النبي عليه الصلاة والسلام، وجاء كذلك عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء من حديث سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس في مسألة الكوبة، وما في أحكامها، وهي الطبل، وجاء أيضاً من حديث نافع عن عبد الله بن عمر في مسألة المزمار وغيره، وجاء في كلام جملة من العامة ممن ينتسب للإسلام، فأصبحت تشريعاً في بعض الدول الإسلامية إباحة الزنا.

    وأصبح القانون في أكثر الدول الإسلامية أن الرجل إذا وقع على امرأة برضاها من غير عقد أن ذلك جائز، وأما المرأة فلا يجوز لها، ويمنع الرجل أن يطأ غير زوجته بحرام في فراشه وعش الزوجية، ويعتبر هذا خيانة، أما في غير ذلك فهو جائز، وهذا مطبق في سائر بلاد الشام كلها، وفي بعض دول الخليج، يعني: أن ذلك إذا كان تراضياً بين الطرفين فلا يعد جرماً، ولو جيء بأربعة شهداء، وهذا ما أخبر عنه النبي عليه الصلاة والسلام، فزاد هذا عن مسألة ظهور الزنا إلى مسألة ما يسمى بالاستحلال.

    وقد جاء في مسألة ظهور الزنا بعض الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أن الرجل يزني بالمرأة على قارعة الطريق، أي: يفترشها، كما في المسند وعند أبي يعلى و الطبراني وغيرهم من حديث أبي سعيد ، وجاء في صحيح الإمام مسلم من حديث عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن النواس بن سمعان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ثم يبعث الله ريحاً من تحت آباطهم فتأخذ أرواح المؤمنين، ثم يموجون، فيتسافدون كما تتسافد الحمر )، والمراد بذلك أن يقع الرجل على المرأة كحال الحمر علانية، وهذا يكون بعد قبض أرواح المؤمنين.

    وجاء في بعض الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أن الرجل يفترش المرأة في قارعة الطريق، فيكون خيرهم من يقول: لو استترت عن الناس )، أي: يكون خير من يقول له: لو استترت عن أعين الناس، وهذا تفسير لبعض ما يذكره العلماء في أشراط الساعة مما هو داخل في أبواب الفتن وقبض العلم.

    شرب الخمر وانتشاره في الناس

    ومن آثار ذلك وصوره: شرب الخمر وانتشاره في الناس، وهو ظاهر، وبه يعلم أنه لا يوجد دولة من دول العالم في يومنا هذا إلا ويوجد فيه بقعة يباع فيها الخمر علانية بإذن وتصريح، إلا هذه البلاد، حتى استوعب ذلك حالياً الآن جميع دول الخليج، والتي لا يوجد في سوقها يوجد في المطار فيما يسمى بالسوق الحرة، ويباع علانية، وهذا مصداق لما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام من الاستحلال، وما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام من شرب الخمر.

    استحلال ما دون الكبائر

    وفي هذا إشارة إلى جملة من مسائل أشراط الساعة وما يدخل في فروعها: أنه إذا استبيحت هذه الكبائر الظاهرة التي تنبذها الفطرة كمسألة الزنا، مما يدل على أن ورود الفروع مما هو دونها على وجه الاستحلال من باب أولى، كاستحلال حلق اللحى، واستحلال الإسبال، واستحلال جملة من فروع الدين، أو جعل بعض الشرائع لا علاقة لها بالدين، فهذا يكون حينئذٍ من باب أولى، ويعلم به تسليماً أن ما نبذته الفطرة عقلاً، ونبذه الدين نصاً استحل وظهر في الناس، فلم لا يستحل ما هو دونه من أمارات الشريعة وعلاماتها.

    ونحن نسمع بين فينة وأخرى أن هذا ليس من الدين، أو أنه ليس بواجب، ويخفف من واجب إلى مستحب، ثم إلى أنه لا علاقة له بالشريعة، ويجب أن يعلم أن الإقرار بوجود هذا الأمر شريعة ووجوب التزامه مع مخالفته أهون عند الله جل وعلا بمراحل ممن يستحل الحرام، فيسول للنفس الوقوع.

    ويظن كثير من العامة أنه إذا سول لنفسه أن هذا الأمر مباح أن هذا يرخص له من الإثم، وكأنه يريد أن يقدم إعذار الناس له أنه يرى هذا الأمر جائزاً عن عقاب الله جل وعلا، وبه يعلم أن هذا من وسائل الثبات لأهل الحق واليقين الذين يقفون على حدود الله جل وعلا ونصوصه، فيستبصرون بمواضع الحق، فإذا رأوا رجلاً أو عالماً قد استحل ما حرم الله بذريعة من الذرائع؛ أن يعلموا أن هذا من علامات الساعة التي أخبر بها النبي عليه الصلاة والسلام، إما صراحة، وإما ضمناً، وهذا ظاهر.

    1.   

    وقوع الطاعون

    ومن علامات الساعة التي تقدم الإشارة إليها، وأحلنا الكلام عنها، وهي مسألة: ( موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم )، وقد جاء هذا في حديث عوف بن مالك عليه رضوان الله تعالى وهو الطاعون، والمراد به موتان، وفيه إشارة إلى المبالغة من موت، وهو الموت الذي يفتك في الناس.

    وقد وقع الطاعون، ويسمى طاعون عمواس، وهو في بيت المقدس، بجوار المسجد الأقصى، في العام الثامن عشر من الهجرة، ومات فيه جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخيارهم، مات فيه معاذ بن جبل و أبو عبيدة و الفضل بن عباس وجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنه مات في ذلك الطاعون أكثر من خمسة وعشرين ألف رجل وامرأة، وهذا عدد كبير جداً قل أن يحدث في التاريخ.

    وحينما عقب النبي عليه الصلاة والسلام مسألة الطاعون بعد فتح المقدس إشارة إلى أن هذا يعقب فتح بيت المقدس.

    1.   

    دخول الفتن بيوت العرب

    ومن الصور التي ينبغي أن تلحق في مسألة الفتنة التي أخبر بها النبي عليه الصلاة والسلام في مواضع عديدة، وتقدم الإشارة على أن أظهر أشراط الساعة على لسان النبي عليه الصلاة والسلام وروداً هو الفتنة على وجه العموم.

    والفتن في لغة العرب هي جمع فتنة، وهي ما يظهر منها ابتلاء واختبار وتمييز للناس، وتشق الصفوف إلى يمين ويسار، أو إلى أكثر من طائفة، وهي التي يبتلي الله عز وجل بها المسلمين حتى يمتاز الله سبحانه وتعالى أهل الإيمان من غيرهم.

    ومن صور الفتن التي ينبغي أن يشار إليها: ما أخبر بها النبي عليه الصلاة والسلام من دخول بيوت العرب في حديث عوف بن مالك قال: ( ثم فتنة لا تدع بيتاً من بيوت العرب إلا دخلته )، وجاء عند الإمام أحمد في مسنده من حديث محمد بن أبي محمد عن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تدع بيت مدر ولا شعر إلا دخلته )، يعني: هذه الفتنة تدخل حتى بيوت الشعر، وجاء عند ابن أبي شيبة في كتابه المصنف من حديث منصور عن شقيق عن حذيفة قال: ( ليوشكن أن يصب عليكم الشر من السماء حتى لا يدع بيتاً إلا دخله حتى الفيافي. قالوا: وما الفيافي؟ قال: الأرض القفر ) يعني: البوادي.

    والذي يظهر لي والله أعلم أن المراد بذلك هو الإعلام، وهو البث الفضائي، سواء القنوات، أو الإذاعات، أو غيرها، ويفسره ما جاء عند الإمام مسلم في كتابه الصحيح من حديث عروة عن أسامة قال: ( صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أطام من آطام المدينة، فقال: أترون ما أرى، كأني أرى مواقع الفتن في بيوتكم كمواقع القطر ) يعني: المطر، إشارة إلى أنها تصيب كل موقع؛ ولهذا يجري على ألسنة الناس مسألة أن القنوات هي تبث وتمطر على الناس، ويستطيع الإنسان أن يأتي بها سواء في بيوت الشعر أو غيره.

    والقرائن التي تدل على هذا عدة:

    منها: ما جاء في رواية مسند الإمام أحمد : ( لا تدع بيت شعر ولا مدر إلا دخلته ) هذه واحدة.

    والثانية ما جاء في الموقوف على حذيفة بن اليمان عليه رضوان الله تعالى قال: ( حتى الفيافي، قال: الأرض القفر )؛ ولهذا أنت حينما تذهب إلى البادية تجد أن أهل القرى وأرباب البوادي ورعاة الشاة والإبل لديهم صحون فضائية يستقبلون، ولو كانوا في صحراء قاحلة، ولو رفع أحدهم صوته ما سمعه أحد، فيستقبلون البث الفضائي.

    ومن القرائن أيضاً: ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ( كمواقع القطر ) أي: أنها تأتي في كل موقع، وهذا ما يستطيع أن يأتي به الإنسان من البث الذي يدرك الإنسان في وسائل الإعلام من القنوات أو الانترنت، أو كذلك الإذاعة من البث، وغير ذلك.

    ولا يظهر لي ما يذكره بعض المعاصرين من انتشار بعض الفتن، أو بعض المحرمات كمسألة الصور ونحو ذلك؛ لأنها لا تشبه بالقطر، والأليق أن يحمل القطر على ما يسمى بالبث.

    1.   

    ظهور الخوارج

    ومن علامات الساعة: ظهور الخوارج، وظهور الخوارج قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في البخاري من حديث سويد بن غفلة عن علي بن أبي طالب ، وقد تقدم الإشارة إليه، وفيه دليل على جواز المبادرة بقتال الخوارج من غير أن يبادروا بقتل؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وفي قتلهم أجر لمن قتلهم ). قال شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله: وأجمع العلماء على مشروعية قتالهم.

    وأما الواحد منهم إذا ظهر هل يبادر بقتله ولو لم يقاتل أم لا؟

    اختلف العلماء في هذا، وهو روايتين في مذهب الإمام أحمد ، والصواب في ذلك أنه يبادر بقتله، وهذا الذي رجحه جماعة من العلماء كـابن قدامة و ابن تيمية وغيره من العلماء.

    1.   

    تقارب الزمان

    ومن علامات الساعة: تقارب الزمان، أي: أنه يقرب فيخرج عن المعتاد، إما على وجه الحقيقة، وإما على المعنى، وهذا قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ، ومن حديث سعيد عن أبي هريرة قال: قال عليه الصلاة والسلام: ( لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان )، وقد جاء تفسيره عند الإمام مسلم عليه رحمة الله في صحيحه من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كاحتراق السعفة من النخل )، يعني: أنها تمضي بسرعة، وهذا معناه قد يؤخذ من أن الساعة كاشتعال السعفة.

    وهذا المعنى (كاشتعال السعفة) أي أنها سرعة المضي، قد يحمل على عدة معانٍ:

    من هذه المعاني: رغد العيش، وقوة تلذذ الناس بالنعيم، حتى تمضي هذه الأيام والأعوام فلا يشعرون بها، بخلاف أيام الشقاء والبؤس، فإن اليوم يطول، وأما أيام الرخاء فإنها تمضي بسرعة، وقد أشار إلى هذا المعنى جماعة من العلماء كـالخطابي وغيره.

    وقال بعض العلماء: تقارب الزمان أي أنهم يختلطون فيتقاربون في الجهل والعلم، ويكون على السواء في هذا الباب.

    والذي يظهر والله أعلم أن المراد بتقارب الزمان معانٍ منها: أن يتقارب من جهة المعنى، فمن جهة الاستمتاع واللذة تمضي الساعة بسرعة، وهذا مشاهد لدى الناس لكثرة النعيم والإغداق في العيش.

    ومن هذه المعاني أن يتقارب الزمان من جهة المسافة، فالإنسان بدل أن يقضي في ذهابه إلى مكة أسابيع وأشهراً يرتحل، فإنه يأخذها في ساعات أو أقل من ذلك بالسفر، وهذا نوع من تقارب الزمان، وحينئذٍ يحمل عليه معنى وهو أن يتقارب البعيد، فتقرب المسافة، وهذا من المعاني.

    وقد يكون المعنى على الحقيقة، وهذا قد جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن النواس بن سمعان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر الدجال قالوا: ( سألناه: كم مكوثنا؟ قال: مكثه أربعين. قال: يوم كجمعة، ويوم كشهر، ويوم كسنة، قالوا: يا رسول الله! اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاتنا هذه؟ قال: لا، اقدروا لها قدرها )، وفي قوله عليه الصلاة والسلام: ( اقدروا لها قدرها ) إشارة إلى تغير عجلة الزمن، وهو إما أن يكون تغير قانون ثبات الزمن في الأرض، وهو ما يسمى بالجاذبية الذي يرتبط به دوران الأرض حول نفسها، أو دورانها حول الشمس كما يقول الفلكيون، فتكون حينئذٍ الحركة بطيئة مما يطول الزمن، وحينئذٍ يقدر هذا بحساب الساعات، فقد يكون في اليوم الواحد يصلي الإنسان صلوات أيام متعددة؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا تكفي صلاة واحدة )، مما يدل على أن تغير الزمن على الحقيقة.

    ولعل هذا يسبق طلوع الشمس من مغربها، وهذا هو الظاهر لمعانٍ، منها: أن النبي عليه الصلاة والسلام أشار إلى التكليف بالصلاة، فقال: ( اقدروا لها قدرها )، وقد يشار إلى معنى آخر وهو أنه ظهر من الدول ما يطول فيها الزمن فيكون الليل سرمداً، ومن الدول من يكون فيها النهار سرمداً، ويشق عليهم من جهة الصلاة والصوم ونحو ذلك، فلا يرون الشمس ربما قريب السنة، ومنهم من لا يرى الليل كذلك، وهذا يختلف بحسب الفصول وتقلبها، وحينئذٍ يؤمرون بأن يقدر لها القدر.

    وقد يكون هذا متضمناً لإشارة سعة الفتوحات، وبعد البلدان، وحينئذٍ يدخل هذا في باب التقارب بوجهين: التقارب الزمني، والتقارب المعنوي، وهذا محتمل أيضاً.

    1.   

    ظهور الأنفاق في مكة وتجديد بنيان الكعبة

    ومن أشراط الساعة: الأنفاق التي ظهرت في مكة التي فتحت من عقود، وبعضها من عقود وما زالت إلى الآن، وقد جاء النص فيها صحيحاً عند ابن أبي شيبة في المصنف من حديث شعبة عن يعلى عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: (إذا رأيت مكة قد بعجت) البعج هو الشق والثقب، (قد بعجت كظائم) يعني: حفر وآبار، (ورأيت البنيان على الجبال، فاعلم أن الأمر قد أظلك). وإسناده صحيح، وهذا وإن كان موقوفاً فله حكم الرفع، والأنفاق ظهرت في قوله: (قد بعجت كظائم) يعني: أنفاق، كما فسره غير واحد من أئمة اللغة، وهو ظاهر في تفسير كلمة بعج، والكظائم هي الآبار والحفر؛ ولهذا لا تخلو جهة من جهات مكة من نفق يمر معه الناس ذهاباً وإياباً.

    ومن العلامات المقترنة بهذا: علو البنيان، وهي الناطحات التي بنيت في مكة، والبنيان الذي كان على الجبال، كما قال هنا: (وإذا رأيت البناء على الجبال فاعلم أن الأمر قد أظلك) يعني: قد قربت الساعة، وأظل الإنسان الشيء أدركه، كالإنسان يستظل تحت شجرة، أي: أدركته الشجرة، واستظل بداره قد دخل فيها.

    وقد يكون من أشراطها هدم الكعبة، وتجديد البنيان، وقد جاء هذا عند ابن أبي شيبة في المصنف من حديث شعبة عن يعلى عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: ( كيف بكم إذا هدمتم الكعبة حجراً حجراً. قال: ونحن على الإسلام؟ قال: وأنتم على الإسلام، فتعيدونها على خير ما كانت )، و(على) يعني: على أحسن ما كانت، تشيدون بناءها على أفضل ما كان، مما يدل على أن نقض الكعبة وتجديدها بالبناء، وعلى هذه الهندسة الموجودة بنقضها حجراً حجراً، وتبنى على هذا.

    ومعلوم أنهم في ما مضى أن الكعبة قد أزيلت من جوانب متعددة في سنوات متعددة، ولو لوحظ مسألة الإزالة على السنوات المتعددة لشمل جميع الأجزاء، وشيدت على أفضل بناء، ولا أعلم هل أزيلت إزالة تامة، وشيدت تشييداً تاماً، فهذا لا أظنه وقع، ولكن قد أزيلت من جهات متعددة في أزمنة متعددة حتى شمل ذلك البناء تاماً، وحتى أعيد على أحسن ما كان، وهذا بأيدي المسلمين، ولا يعني هذا أن هذا الفعل مذموم؛ ولهذا قال: (وأنتم على الإسلام) يعني (وتعيدونه على أمثل ما كان) أو (على أحسن ما كان بناء) وهذا من علامات الساعة.

    1.   

    تطاول الناس بالبنيان

    ومن علامات وأمارات وأشراط الساعة: تطاول الناس بالبنيان، وفيه إشارة إلى الجزئية التي تقدم الإشارة إليها وهي البنيان الذي يعلو جبال مكة، أي: يفوقها، وربما كان عليها الناس يتطاولون بالبنيان، كما جاء في الصحيح من حديث عبد الله بن عمر عن عمر بن الخطاب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله جبريل، قال: وما أمارتها؟ قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة رعاة الشاة يتطاولون في البنيان )، وهذا ظهر، ومن المعلوم أن جزيرة العرب جل وأكثر سكانها هم من رعاة الشاة، فأصبح من هؤلاء ممن قد رعى الشاة يتطاول بالبنيان، وهذا مشاهد.

    ويوجد الآن من كبار السن من سبق له الرعي وهو الآن يملك ناطحات سحاب، وهذا معلوم، ولو سأل عنه الإنسان لوجد من ذلك أعياناً، وإن لم يجد أعياناً لوجد من أصلابهم من يتطاول بالبنيان.

    وقوله: ( يتطاولون بالبنيان ) أي يقول أحدهم: أنا أطول من فلان بناية؛ ولهذا ظهر في الأزمنة المتأخرة الموسوعات التي يدخلها: أطول الناس بناء في البلد الفلاني، أو أطول عمارة أو ناطحة سحاب في البلد هي الناطحة الفلانية، فأصبح الناس يتطاولون في البنيان، وهذا مصداقاً لما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام: ( يتطاولون في البنيان ).

    1.   

    ولادة الأمة لربتها

    ومن أشراطها ( أن تلد الأمة ربتاها )، واختلف في المراد بهذا، فقيل: كثرة الجهاد في سبيل الله، وشيوعه، ويتبعه السبي، ويكثر الإماء، حتى توطئ الإماء فتلد سيدها، فيكون حراً.

    وقيل: إنه يكثر العقوق في آخر الزمان، فيتسلط الرجل على أمه حتى تكون عنده كالأمة؛ ولهذا قال: ( حتى تلد الأمة ربتها )، وكل ذلك محتمل.

    والجهاد ظهر وشاع واشتهر في عصر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك في عصر التابعين وأتباع التابعين، وبعد ذلك فتحت البلدان، ثم اضمحل شيئاً فشيئاً حتى يزول، ويأتي الكلام على مسألة اختفاء الجهاد، ومحاربة الجهاد في بعض الأخبار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    قتال الترك

    ومن علامات الساعة في هذا ما جاء في بعض النصوص من قتال الترك، وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( لا تقوم الساعة حتى تقاتلون أقواماً نعالهم الشعر، ووجوههم أو كأن ووجوههم المجان )، يعني: كالجلد السميك، وهذا قد وقع في قتال التتار، وهم المغول الذين كانوا في زمن شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله وقبله، الذين اجتاحوا بلاد الإسلام، وقد أطبق العلماء على هذا المعنى؛ أن القتال المقصود في هذا الحديث قد وقع.

    1.   

    خروج نار من الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى

    ومن علامات الساعة: ظهور النار من الحجاز التي تضيء لها أعناق الإبل ببصرى، وقد جاء في الصحيح من حديث الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى )، وبصرى هي بلاد حوران من الشام بجوار دمشق ، وهذه قد ظهرت في القرن السابع عام ستمائة وأربعة وخمسين للهجرة، كما ذكره أبو شامة و النووي وغيرهما.

    قال أبو شامة عليه رحمة الله وهو ممن شهد ذلك: خرجت نار في حرة المدينة، عرضها أربعة أميال، ترى من مسيرة شهر، يستضيء بها المسافرون إلى تيماء في طريقهم، تذيب الصخر حتى يصبح بعد ذلك كالفحم. ولعل هذا ما يسمى بثوران البراكين، وإذا كانت هذه النار يستضيء بها المسافرون ليلاً إلى تيماء، وبقية الشهر كاملاً على هذه الحال، وعرضها أربعة أميال فهذا دليل على كبرها وقوة اشتعالها، وقد جزم العلماء العارفون بأن هذه ظهرت.

    وهذه غير النار التي تظهر في آخر الزمان التي تضيء وتحشر الناس إلى أرض المحشر، وأرض المحشر هي الشام؛ ولهذا قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: لِأَوَّلِ الْحَشْرِ [الحشر:2]، وهي أرض الشام، كما جاء مفسراً عن غير واحد كـعبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى و عكرمة و قتادة وغيرهم، وقال به جماعة من المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله، وقد روى الإمام مسلم في الصحيح من حديث عبد الله بن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يحشر الناس ثلاث طرائق رغبة ورهبة: رجلان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، ثم تحشرهم نار إلى أرض المحشر، تصبح معهم حيث يصبحون، وتقيل معهم حيث يقيلون، وتمسي معهم حيث يمسون، وتبيت معهم حيث يبيتون )، مما يدل على أن النار تتبعهم شيئاً فشيئاً، فيذهبون رغبة ورهبة، حتى أن منهم من يريد المسارعة فعشرة يكون على بعير واحد، يريدون بذلك الوصول إلى أرض المحشر وهي بلاد الشام، فهذه النار تختلف عن النار الأولى.

    بهذا القدر نكتفي، ونرجئ ما تبقى إلى المجلس القادم بإذن الله تعالى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    1.   

    الأسئلة

    التشنيع على صلاح الدين الأيوبي بانتمائه إلى الأشعرية

    السؤال: هناك من يتكلم على صلاح الدين الأيوبي ويشنعون عليه، ويقولون: أنه أشعري.

    الجواب: هو عقيدته أشعرية مما لا ريب في ذلك، لكن من الجهل أن ينظر إلى هذا الباب، ولا ينظر أن صلاح الدين الأيوبي عليه رحمة الله نشر الأشعرية على أنقاض الفاطمية الوثنية، الذين هم في عداد الزنادقة، فأقام هذه على أنقاض تلك، ولا شك أنهم أقرب إلى الحق، وأقل خطأ وباطلاً بكثير من الفاطميين العبيديين، وهذا ينبغي أن ينظر إليه، وهم في دائرة الإسلام بالاتفاق، ويكفيه منقبة في ذلك أن فتح الله جل وعلا على يديه بيت المقدس، ومن أراد أن ينظر إلى حال رجل فلينظر لها من جوانب متعددة، ومن أراد أن ينقد شخصاً فلينقده من جهة سابقة أمره وآخرته، وإذا نقده فلينظر إلى خليفته لو لم يكن موجوداً، ولا شك أن خليفة صلاح الدين لو لم يكن موجوداً هم الزنادقة من العبيديين وغيرهم؛ ولهذا أزال دولتهم، ونشر الإسلام مع ما هم فيه من خطأ في أبواب الأسماء والصفات وشيء من مسائل الإيمان.

    الكلام على الفتنة التي وقعت بين الصحابة وأمارات الساعة الواردة فيها

    السؤال: هل يجوز الكلام عن الفتنة التي حصلت بين الصحابة؟ وهل هي من علامات الساعة؟

    الجواب: الفتنة التي تقع بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تقدم الكلام عليها، وهي فتنة، ومن عقيدة أهل السنة والجماعة ألا يخاض في تفاصيلها، والخوض في التفاصيل مجلبة للحقد والغل، وقل من يتعمق في هذه المسائل ويخوض فيها من عامة الناس إلا ويقع في الزلل والخطأ، ويقع في إتيان بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان يندرج فيها بعض العلامات التي تكلم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها نباح كلاب الحوأب على عائشة ، وقد جاء هذا في المسند والسنن وعند الطبراني وغيرهم من حديث قيس بن أبي حازم عن عائشة عليها رضوان الله تعالى عن النبي عليه الصلاة والسلام قال لها: ( كيف بإحداكن - يعني أمهات المؤمنين - إذا نبحت عليها كلاب الحوأب. قالت عائشة : يا رسول الله! وما الذي يذهب بنا إلى الحوأب؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ما أظنه إلا أنت )، فلما وقعت الفتنة في زمن أواخر الخلفاء الراشدين في خلافة علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى، لما وقعت الفتنة بعد مقتل عثمان ، أتوا إلى عائشة عليها رضوان الله تعالى قالوا: (أصلحي بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم قد اقتتلوا). فذهبت بعد لأواء، فلما كانت في الطريق سمعت الكلاب تنبح، فقالت: (ما هذا الماء؟ فقالوا: هذه بلدة يقال لها الحوأب، فبكت عليها رضوان الله تعالى حتى كادت أن تسقط من راحلتها، فقالت: سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول كذا وكذا)، فكان معها طلحة و الزبير ، فقال لها الزبير: (لعل الله عز وجل يصلح بك بين فئتين من المسلمين)، وجاء في تتمة الحديث عند الإمام أحمد قال: (يقتل عن يمينك أناس كثير، وعن يسارك أناس كثير)، ووقع ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام.

    دلالة قوله في الحديث: (يكون في آخر الزمان)

    السؤال: إذا جاء في بعض الأحاديث: يكون في آخر الزمان كذا، فهل هذا من علامات الساعة؟

    الجواب: نعم من علامات الساعة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767456531