إسلام ويب

إرهاصات النبوة [2]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد تم بناء البيت الحرام على مراحل متعددة آخرها في زمن رسول الله الذي شرفه الله فيه بوضع الحجر الأسود، وقد أخبر الله بأوصاف رسوله في الكتب السابقة، وهي التي قادت سلمان من فارس إلى بلاد العرب بحثاً عنه، وقد حبب إلى رسول الله الخلاء، وبدئ بالرؤيا الصادقة، وسلم عليه الحجر وبشر بالنبوة قبل بعثته صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    إعادة بناء الكعبة ودلالته على نبوة محمد صلوات الله وسلامه عليه

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين:

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم. أما بعد:

    فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

    الكلام في هذا الدرس -أيها الإخوة الكرام- عن بناء الكعبة، والكعبة بيت الله الحرام، وهي أول بيت وضع للناس، وسميت كعبة من الكعوب وهو الظهور؛ ولذلك سمى الله عز وجل الفتيات اللائي في الجنة: كواعب، قال سبحانه: وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً [النبأ:33]، والفتاة الكاعب: هي التي ظهر نهداها، وكذلك العظمان الناتئان الظاهران عند مفصل الساق مع القدم يسميان كعبين، فسميت الكعبة كعبة: لأنها ظاهرة بارزة على وجه الأرض، وهي أول بيت وضع للناس كما أخبر ربنا جل جلاله في كتابه.

    أول من بنى الكعبة

    وهذه الكعبة التي جعلها الله قياماً للناس اختلف المؤرخون في أول من بناها:

    فقال بعضهم: أول من بنى الكعبة الملائكة عليهم السلام، وذلك أنهم لما أخبرهم ربنا بأنه خالق بشراً من طين وقالت الملائكة: يا ربنا! أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ[البقرة:30]، فالله عز وجل قال للملائكة: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:30].

    فالملائكة استغفروا ربهم من هذا السؤال الذي طرحوه، وطافوا حول البيت المعمور في السماء السابعة يستغفرون الله مما قالوا، فقال الله لهم: ( ابنوا لي بيتاً في الأرض، من عصاني من عبادي ثم أتاني تائباً وطاف به غفرت له )، فبنت الملائكة الكعبة المشرفة.

    وبعض المؤرخين يقولون: أول من بنى الكعبة هو آدم عليه السلام، فإنه بعدما أهبط إلى الأرض أمر بأن يبني لله بيتاً، فبنى البيت الحرام في مكة، ثم لما كان في زمان نوح وغمر الطوفان الأرض غمر الكعبة المشرفة فذهبت معالمها وضاعت، إلى أن جاء الخليل عليه السلام فأمره الله عز وجل بأن يرفع القواعد من البيت، فـإبراهيم عليه السلام حفر حتى وجد القواعد، ثم رفعها وأظهر هذا البناء بمعونة ولده إسماعيل، وبعدما فرغا توجها إلى الله بالدعاء: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:127-128].

    إعادة قريش بناء الكعبة ودور النبي في ذلك

    ثم بعد ذلك هدمت الكعبة، ثم بناها العمالقة، ثم هدمت وبنتها قبيلة جرهم، ثم لما كان في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما زال شاباً لم يوح إليه بعد، حديث السن، تهدمت أجزاء من الكعبة، فاتفقت قريش على أن تهدمها ثم تعيد بناءها، واشترطوا ألا يدخل في هذا البناء مهر بغي، ولا مال مغصوب، ولا مال من ربا.

    ولما أرادوا أن يهدموها وجدوا حية عظيمة قائمة عليها، ففزعوا وروعوا وضجوا إلى الله بالدعاء، ومعلوم بأن المشركين كانوا يدعون، وكانوا يحلفون، وكانوا يحجون، وكانوا يطوفون، لكنها عبادات مشوبة بطقوس شركية، فدعوا الله عز وجل فأرسل الله طائراً أنشب مخالبه في تلك الحية ثم حملها وألقاها عند أجياد -بعض جبال مكة- بعيداً عن الكعبة، ثم شرعوا في هدمها وإعادة بنائها مرة أخرى.

    لما وصلت قريش في البناء إلى مكان الحجر الأسود الذي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه نزل من السماء أبيض فسودته خطايا بني آدم)، والذي أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم (بأنه يبعث يوم القيامة وله لسان وشفتان، تشهد لمن استلمه بحق). فلما وصلوا إلى مكان الحجر الأسود اختصمت قريش من الذي ينال شرف وضعه في مكانه، حتى ثاروا إلى السلاح وتحالفت بنو مخزوم وبنو عدي، وأتوا بقصعة من دم فغمسوا فيها أيديهم، لكن بعض عقلائهم قالوا: نحكم أول من يدخل علينا المسجد الحرام نحكمه، فكان أول داخل بفضل من الله ونعمة محمد صلى الله عليه وسلم، فصاح القوم: قد جاء الأمين، قد جاء الأمين.

    وكان معروفاً عندهم صلوات ربي وسلامه عليه بالأمانة، فعرضوا عليه الأمر، فهداه الله عز وجل لحيلة مشروعة ووسيلة طيبة تحقن بها الدماء، ويرضى بها الجميع، قال: ( ائتوني بثوب، فجيء له بثوب، فبسطه ثم حمل الحجر فوضعه فيه، وقال: ليأخذ كل فخذ بطرف من الثوب ) يعني: بنو هاشم يأخذون طرفاً، وبنو عدي يأخذون طرفاً، وبنو مخزوم طرفاً، وبنو أمية بن عبد شمس يأخذون طرفاً، وبنو تيم يأخذون طرفاً، وبنو أسد، وهكذا كل فخذ من قريش أخذ بطرف، فاشتركوا جميعاً في حمله حتى أوصلوه إلى مكانه، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعه.

    وفي هذا دليل على أنه صلوات الله وسلامه عليه مفطور على الذكاء وسرعة البديهة، وحسن السياسة والرغبة في الوفاق وجمع الكلمة، وأنه أبعد الناس صلوات الله وسلامه عليه من الشقاق، وحب الخلاف وأن يذيع صيته ولو كان على حساب الدماء والأعراض.

    وفي هذا تدريب من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم على أن يخوض في أمور الناس اجتماعية وسياسية ودينية ويشارك فيها كلها صلوات ربي وسلامه عليه.

    1.   

    إخبار اليهود بقرب ظهور النبي وتفاخرهم بذلك على العرب

    بعض إرهاصات البعثة النبوية

    وأيضاً أيها الإخوة الكرام: لابد أن نذكر أن هناك إرهاصات حصلت ودلت على أن ظهور النبي المنتظر قد بات وشيكاً.

    كان أهل الكتاب يحدثون الناس بأن نبياً قد أظل زمانه، يعني: حتى اليهود في المدينة كان إذا حصل بينهم وبين الأوس والخزرج نوع خلاف كانت اليهود تتوعدهم، وتقول لهم: يوشك أن يخرج نبي قد أظل زمانه نتبعه، ونقتلكم معه قتل عاد وإرم.

    يعني: كان اليهود يتوعدون أهل المدينة من الأوس والخزرج بأن النبي قد أوشك أن يخرج، وأننا معشر اليهود سنكون من أتباعه، وسنقتلكم معه قتل عاد وإرم.

    سبحان الله! لما نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم سارعت الأوس والخزرج إلى الإيمان به، وقال بعضهم لبعض: إنه النبي الذي تتوعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه.

    وكفر اليهود الذين كانوا يحدثون الناس بخروج النبي كما قال الله عز وجل: وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [البقرة:89].

    1.   

    تتبع سلمان للدين الحق إلى أن وجده في المدينة

    أيضاً: من الإرهاصات: ما حصل لـسلمان الفارسي ، وهذا الرجل كان من بلاد فارس، من أرض يقال لها: أصبهان، وهي معروفة إلى اليوم، من بلد يقال لها: جي، وكان على دين المجوسية، كان مجوسياً يعبد النار، قال: (وبلغ من اجتهادي في دين المجوسية أن جعلوني قاطن النار لا أدعها تخبو أبداً). يعني: من شدة اجتهاده جعلوه السادن الذي يجلس عند النار، كلما خبت فإنه يزيدها حطباً من أجل أن تستمر مشتعلة، فيسجد لها الساجدون، ويطوف بها الطائفون.

    يقول سلمان رضي الله عنه: (وكنت أحب ولد أبي إليه) ، يعني: أبوه كان يحبه أكثر واحد من إخوانه.

    يقول رضي الله عنه: (فأرسلني أبي إلى ضيعته يوماً) أبوه كان عنده مزرعة يخرج في كل يوم يتفقدها ويرجع، فشغل ببناء له، فقال له: يا بني! انطلق إلى تلك الضيعة ولا تتأخر، فإنك إن تلبثت لم يكن شيء أهم إلي منك. يعني: لو تأخرت ستشغلني عن أي شيء.

    يقول سلمان رضي الله عنه: (فمررت بقوم يعبدون الله على دين النصرانية) مر بقوم نصارى في كنيسة لهم يتعبدون، قال: (فوقفت عندهم، وسمعت كلامهم، وأعجبني قولهم، فأرسل أبي في طلبي). أي: لما تأخر أرسل أبوه في طلبه.

    قال: فلما جئت سألني؟ فأخبرته، وقلت له: وقفت عند قوم يقولون كذا، ويعبدون الله بكذا وكذا، قال لي: يا بني! لا يفتنوك، دينك خير من دينهم، قلت: لا والله! بل دينهم خير من ديني. يعني: أفصح بمكنون نفسه، فوضعه أبوه في القيد.

    وهكذا دائماً الإنسان الضعيف ما يتحمل المراجعة، فوضعه في القيد.. أي: حبسه.

    يقول سلمان رضي الله عنه: (فأرسلت إلى أولئك القوم) أي: أرسل رسولاً إلى أولئك النصارى قال لهم: (دينكم هذا أين هو؟ فأخبروه أنه في الشام)، وفعلاً مبدأ النصرانية من بلاد الشام؛ لأن المسيح عليه السلام ولد في فلسطين، إن كان قد ولد في الناصرة؛ ولذلك سمي النصارى نصارى، أو ولد في بيت لحم، الله أعلم، لكن مبدأ دين النصارى في بلاد الشام.

    يقول سلمان رضي الله عنه.. وانتبهوا إلى هذا الكلام؛ لأنه دال على إنسان متجرد للحق، وإلا لو كان سلمان من طلاب الدنيا لجلس عند النار وهو غني ذو مال معظم عند أبيه وقومه، لكنه رضي الله عنه يريد الحق، يريد الله والدار الآخرة.

    قال: (فما لبثت إلا يسيراً حتى عالجت قيدي) يعني: خلصت نفسي من القيد (ثم ذهبت إلى كبيرهم إلى حبرهم إلى راهبهم، فقال لي: لا أعلم أحداً بقي على دين النصرانية إلا راهب بعمورية) وعمورية في بلاد الترك، يعني: سيخرج سلمان من بلاد الفرس إلى بلاد الترك، قال: ( فذهبت إليه، وعرضت عليه أمري، وبقيت أخدمه فما رأيت رجلاً لا يدين بدين الإسلام خيراً منه)، يعني: كان رجلاً طيباً، على التوحيد وعلى الخير وعلى الزهد في هذه الدنيا.

    قال: (فلما أدركته الوفاة قال: يا بني! لا أعلم أحداً بقي على ما أنا عليه إلا رجل بنصيبين. قال: فخرجت وأتيته، وكان شيخ سوء)؛ لأن بعض الناس يلبس لباس الدين، فيطيل لحيته، ويكور عمامته، ويتمتم بكلمات ولكن غرضه أن يحلب الناس حلباً، ولو استطاع أن ينزع اللقمة من أفواههم لفعل.

    فهذا الراهب كان من هذا الصنف، يأمر الناس بالصدقة وبعد ذلك يكنزها لنفسه، لا يصل للفقراء منه شيء، يقول سلمان : (حتى بلغ ما عنده من الذهب والفضة سبع قلال) والقلال: جمع قلة من الذهب والفضة، وكان هذا الرجل قد دفنها.

    قال: (فلما مات وجاء القوم ليدفنوه، قلت لهم: صاحبكم شيخ سوء) رجلكم هذا غير صالح، (كان يجمع منكم المال ثم يكنزه لنفسه، وإن شئتم دللتكم عليه، فدللتهم على المكان الذي دفن فيه ذلك المال، فأخرجوه ثم أسندوه إلى جدار ورجموه بالحجارة).

    أي أن الراهب الذي كانوا يريدون أن يدفنوه ويحتفلوا به أسندوه إلى جدار ورجموه بالحجارة.

    يقول سلمان رضي الله عنه: (ثم انطلقت إلى بلاد الشام، فوجدت راهباً مكثت عنده، فلما أدركه الموت قلت: إلى من تعهد بي؟ فقال: يا بني! ما بقي أحد على دين المسيح بن مريم ، ولكن قد أظل زمان نبي يوشك أن يخرج، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وبين كتفيه خاتم النبوة. قلت: وأين هو؟ قال: في بلاد العرب في أرض سبخة ذات نخل بين حرتين) حدد له المكان.

    بقي سلمان رضي الله عنه همته معلقة بأن يبلغ بلاد العرب، لكنه مكث في الشام إلى أن صار عنده غنيمات وبقرة، صار عنده رأس مال، قال: (فقدم قوم من التجار العرب، فلما أرادوا أن يرجعوا قلت: اذهبوا بي إلى بلادكم ولكم هذه الغنيمات والبقرة)، أي: الغنم والبقر لكم لكن أبلغوني بلاد العرب، قال: (فصحبوني حتى إذا بلغوا وادي القرى ظلموني فباعوني عبداً) أي: بعدما أخذوا الغنم والبقر وصلوا إلى مكان اسمه وادي القرى، وكان اليهود فيه كثيرين فقالوا لهم: اشتروا منا هذا العبد، فباعوه عبداً رقيقاً وهو الحر الكريم رضي الله عنه.

    قال: (فبقيت عند سيدي اليهودي أعمل في زرعه، وبينما أنا أعمل يوماً إذ أتى قوم من يثرب فباعني لهم). انظروا كيف يقدر الله الأسباب، جاء يهود من المدينة واشتروا سلمان من اليهودي الذي في وادي القرى.

    يقول رضي الله عنه: (فلما بلغت يثرب نظرت إليها فعرفتها)، عرف أن هذه هي الأرض التي وصفها الراهب، أرض سبخة، أي: كثيرة الحجارة السود، كثيرة النخل بين حرتين.

    يقول رضي الله عنه: (فصرت أعمل عند اليهودي، وبينما أنا أعمل يوماً إذا أتاه يهودي فقال له: قاتل الله بني قيلة، اجتمعوا في قباء على رجل قدم من مكة يزعم أنه نبي)، اليهودي يكلم اليهودي يقول له: الأوس والخزرج اجتمعوا في قباء، على رجل جاء من مكة يقول: إنه نبي.

    يقول سلمان رضي الله عنه: (فأخذتني رعدة) ارتعد، (قلت له: ماذا قلت؟ قال: فرفع سيدي يده فلطمني، وقال لي: ما شأنك؟ ارجع إلى عملك) أي: لا دخل لك في كلام الكبار.

    يقول سلمان: (فقال لي اليهودي: لا شيء وإنما قول سمعته أحببت أن أتثبت منه. فلما جن الليل وانتهى عمل سلمان قال: (أخذت طبقاً من تمر فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه فقربت إليه التمر، فقال لي: ما هذا؟ قلت: صدقة. فقال لأصحابه: كلوا، وكف يده، ما طعم منه شيئاً، فقلت: هذه والله واحدة. قال: فلما كانت الليلة التي تليها أخذت طبقاً من تمر ثم أتيته فقال: ما هذا؟ قلت: هدية. فقال لأصحابه: كلوا باسم الله وأكل معهم، قلت: هذه والله ثانية).

    بقيت الثالثة: وهي خاتم النبوة؛ وهذه مشكلة لأنها في الظهر، وليس من الأدب ولا من الحكمة أن يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: اكشف لي عن ظهرك هناك شيء أريد أن أتأكد منه، لكنه مجتهد رضي الله عنه، بدأ يراقب أحوال النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن خرج في جنازة إلى بقيع الغرقد، فخرج معهم، وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان القبر يحفر أن يجلس ويجلس حوله أصحابه كأن على رءوسهم الطير، يعني: يجلسون في صمت وفي حزن واعتبار وتفكر، ليس كما نصنع في مقابرنا الآن، القبر يحفر والميت يدفن والناس حلقاً حلقاً، هؤلاء يقهقهون، وهؤلاء يدخنون، وهؤلاء يسفون عليه التراب.

    كانوا يجلسون حوله كأن على رءوسهم الطير، وبدأ سلمان يدور حول النبي عليه الصلاة والسلام، يعني: يأتي مرة من هاهنا ومرة من هاهنا، والنبي عليه الصلاة والسلام أذكى الناس، أدرك أن هذا الرجل يبحث عن شيء، (فألقى رداءه عليه الصلاة والسلام، فظهر خاتم النبوة، فأقبل سلمان يقبل كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبكي. فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: تحول يعني: تعال قدام. ما شأنك؟) فحكى له الأمر كله منذ أن خرج من أصبهان، من جي، في أقصى المشرق إلى أن مر بعمورية ونصيبين وبلاد الشام، ووادي القرى إلى أن وصل المدينة وبيع عبداً رقيقاً، ومن ذلك اليوم صار سلمان ابن الإسلام.

    إلى الآن لو سألنا أي واحد: سلمان ابن من؟ هل أحد يعرف أباه؟ لا، لقد نسي ما كان في فارس، ولذلك أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( سلمان سابق الفرس، وصهيب سابق الروم، وبلال سابق الحبشة، وأنا سابق العرب ) يعني: أول مسلم من العرب الرسول عليه الصلاة والسلام، وأول مسلم من الحبش بلال، وأول مسلم من الروم صهيب ، وأول مسلم من الفرس سلمان عليهم جميعاً رضوان الله عز وجل.

    1.   

    سماع عمر بن الخطاب لكلمة التوحيد من العجل بعد ذبحه قبل الإسلام

    كذلك من الإرهاصات: ما كان من شأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (إني لعند نصب من أنصاب المشركين قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهر، إذ أتى رجل بعجل فذبحه، فخرج من جوف العجل صوت ما سمعت أنفذ منه، يقول: يا نجيح! رجل فصيح، قائل يصيح : لا إله إلا الله).

    عمر رضي الله عنه سمع هذا من جوف العجل، ولعل الناطق جني، والعلم عند الله تعالى.

    1.   

    بعض صفات رسول الله المذكورة في كتب اليهود

    من الإرهاصات أيضاً: جاء في كتب أهل الكتاب أن من صفة نبينا عليه الصلاة والسلام أنه يسبق حلمه غضبه، وأنه لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً، فهو عليه الصلاة والسلام حليم وليس بغضوب، وأنه كلما ازداد الجاهل عليه جهلاً ازداد حلماً عليه الصلاة والسلام، ومن أجل معرفة هذه العلامة جاء رجل من اليهود يقال له: زيد بن سعنة أو زيد بن سعية يريد أن يختبرها، وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد استسلف منه أصوعاً من شعير، يعني: كان عنده أضياف فطلب منه عليه الصلاة والسلام أن يسلفه شيئاً من الشعير، ووعده بأن يرده إليه في يوم كذا، وقبل أن يحين موعد تقاضي الدين جاء اليهودي للنبي صلى الله عليه وسلم على ملأ من الناس وأمسك به وأخذه أخذاً شديداً وقال: يا محمد! قم وفني حقي فإنكم يا بني عبد المطلب! قوم مطل، أي: قوم تأكلون حقوق الناس، ناس مماطلين فغضب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأمسك باليهودي وطرحه أرضاً وقعد على صدره، يعني: بعد دقائق اليهودي سيكون مقتولاً، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال له: ( مه يا عمر! كنت أنا وهو أحوج إلى غير هذا منك، قال: وما ذاك؟ قال: تأمره بحسن الطلب، وتأمرني بحسن القضاء، ثم قال له: اذهب وفه حقه وزده عشرين صاعاً؛ جزاء ما روعته ) والعشرون الصاع حوالي خمسين كيلو جرام، الآن لو أن واحداً استسلف منك مالاً، أخذ منك مائة جنيه، ثم جاء وقال لك: أنت رجل طيب، أنت أعطيتني مائة فخذ مائة وخمسين، تحبه أم تبغضه؟ ولو جاءك غداً وقال لك: أريد ألفاً؟ ستعطيه وتقول وفي نفسك: إن شاء الله يردها ألفاً وخمسمائة.

    فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لـعمر : ( اذهب وفه حقه، وزده عشرين صاعاً؛ جزاء ما روعته )؛ لأنك خوفته، فذهب عمر وأعطى الرجل وزاده، فجاء اليهودي وقال: ( يا محمد! لقد عهدت فيك أخلاق النبوة كلها إلا خلقاً واحداً ما عهدته إلا الساعة: أن حلمك يسبق غضبك، وأن شدة الجهل لا تزيدك إلا حلماً، أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله)، هذه أيضاً مما كان موجوداً في كتب أهل الكتاب.

    ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( متى نبئ؟ أخبر بأنه كان نبياً وإن آدم بين الروح والجسد )، أي: في علم الله الأزلي كان صلوات ربي وسلامه عليه نبياً.

    1.   

    تعبد النبي قبل النبوة في غار حراء

    أيها الإخوة الكرام! قبل أن ينبأ عليه الصلاة والسلام كان يخرج إلى غار حراء يتحنث فيه الليالي ذوات العدد، وغار حراء إلى الآن موجود في مكة، والوصول إليه يستغرق صعوداً في الجبل نحواً من ساعة، والنبي عليه الصلاة والسلام وهو الفتي القوي على أمر الله كان يذهب إلى ذلك الجبل يخلو بربه، ويتأمل في ملكوت السموات والأرض، ويعلم بفطرته النقية أن لهذا الكون خالقاً مدبراً، وأنه على كل شيء قدير، وأنه بكل شيء عليم، وأنه غني عن العالمين، يمكث عليه الصلاة والسلام وحده أياماً ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حبب إليه الخلاء والبعد عن الناس.

    1.   

    بدء نبوة النبي بالرؤيا الصادقة

    ثم أول ما بدئ به من النبوة بعد الخلاء: الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: ( مضت النبوة ولم يبق إلا المبشرات. قيل: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: الرؤيا الصالحة يراها العبد الصالح أو ترى له )، وأخبر عليه الصلاة والسلام: ( أن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ).

    والرسول عليه الصلاة والسلام نبوته ثلاث وعشرون سنة؛ لأنه نبئ على رأس أربعين عليه الصلاة والسلام، وقبض وهو ابن ثلاث وستين، فنبوته ثلاث وعشرون سنة.

    والرؤيا الصادقة مكث فيها ستة أشهر، والستة أشهر بالنسبة لثلاث وعشرين سنة جزء من ستة وأربعين جزءاً، فكان عليه الصلاة والسلام لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.

    1.   

    تسليم الحجر والشجر على النبي صلى الله عليه وسلم

    وأيضاً من إرهاصات النبوة: أن الحجر والشجر كان يسلم عليه. يعني: إذا مر به يقول: السلام عليك يا رسول الله! قبل أن يوحى إليه، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن )، يعني: الآن أعرف هذا الحجر كان يسلم عليه بالنبوة قبل أن يبعث عليه الصلاة والسلام.

    ونقف عند هذا الحد، ونبدأ في درس الغد إن شاء الله من نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في غار حراء.

    أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يحيينا على سنته، وأن يتوفنا على ملته، وأن يحشرنا تحت لوائه، وأن يوردنا حوضه، وأن يسقينا بيده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً، وألا يحرمنا شفاعته، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

    اللهم اجمع بيننا وبينه كما آمنا به ولم نره، ولا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله، اللهم اجعلنا ممن يتبعون سنته، وينصرون شريعته، برحمتك يا أرحم الراحمين.

    وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين.

    1.   

    الأسئلة

    ضابط المرض المبيح للفطر في رمضان

    السؤال: ما هو الضابط في المرض الذي يبيح الفطر في رمضان؟

    الجواب: الله عز وجل قال: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، وضابط المرض الذي يبيح الفطر: هو الذي يشق معه الصيام بحيث يخشى الصائم على نفسه زيادة المرض أو تأخر الشفاء؛ ولذلك نقول: المريض على ثلاثة أنواع:

    النوع الأول: من كان مرضه خفيفاً لا يؤثر معه الصوم، إنسان عنده صداع خفيف، عنده وجع في الضرس، عنده جرح في أصبعه، هذا كله لا علاقة له بالصيام ولا يجوز له أن يفطر.

    النوع الثاني: مريض مرضاً شديداً يستطيع الصيام لكن مع مشقة، كمن كان عنده ملاريا مثلاً، فالمصاب بحمى الملاريا يمكن أن يصوم لكن مع مشقة، فنقول له: صومك صحيح وخير لك أن تفطر؛ (لأن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معاصيه).

    النوع الثالث: مريض مرضاً شديداً حيث إنه يخشى لو صام الهلاك أو ذهاب حاسة البصر أو ذهاب السمع مثلاً، وبعض مرضى الفشل الكلوي، أو بعض مرضى السكري، لو أنه صام فإنه ربما يموت أو ربما يفقد سمعه أو بصره.

    ومثله أيضاً: الشيخ الكبير الطاعن في السن فهؤلاء جميعاً نقول لهم: صومكم حرام؛ لأن الله قال: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]، ولأن الله قال: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:29].

    شرب الصائم ناسياً في نهار رمضان

    السؤال: ما حكم من شرب الماء ناسياً في نهار رمضان؟

    الجواب: صومه صحيح إن شاء الله، ولا قضاء عليه ولا كفارة، وهذا الذي عليه جمهور العلماء الحنفية والشافعية والحنابلة؛ لقول نبينا صلى الله عليه وسلم : ( من نسي فأكل أو شرب وهو صائم فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه ) .

    قال أهل العلم: ولا فرق بين قليل الطعام وكثيره، يعني: هذا شرب ماء فقط، ولكن الآخر أكل خروفاً وهو صائم ناسياً، أيضاً صومه صحيح.

    الحجامة في نهار رمضان

    السؤال: ما حكم الحجامة في نهار رمضان؟

    الجواب: الحجامة لا تفطر، وهذا الذي عليه جمهور العلماء الحنفية والمالكية والشافعية؛ لأنه : ( ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم، وأعطى الحجام ديناراً ).

    فالحجامة لا تفطر، ومثله أيضاً: نقل الدم، فإذا احتاج الإنسان إلى دم فأعطيته من دمك فصومك صحيحٌ إن شاء الله وأنت مأجور؛ لأن الله قال: وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً [المائدة:32].

    قراءة القرآن للراقد

    السؤال: هل يجوز قراءة القرآن والإنسان راقد؟

    الجواب: نعم. يجوز أن تقرأ القرآن وأنت راقد؛ لأن الله قال: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ [آل عمران:191]؛ ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كان يتكئ في حجر عائشة فيرتل القرآن وهي حائض ) فليس فيه مانع إن شاء الله.

    لبس الفنايل التي فيها تصاوير لكفار

    السؤال: ما حكم الفنايل التي يلبسها بعض الشباب وفيها صور لغير المسلمين، وأحياناً لبعض المشاهير من أهل الكفر؟

    الجواب: لا ينبغي أن تحمل صورة عدو الله ورسوله على صدرك وظهرك؛ لأنه لو كان واحد يسب أباك وأمك هل تحمل صورته؟! فما بالكم بمن يسب الله جل جلاله، فينسب له الصاحبة والولد، فاليهود قالوا: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة:64]، وقالوا: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181]، وكذلك سبوا رسولنا صلى الله عليه وسلم سباً قبيحاً، وتعلمون الرسوم المسيئة التي تظهر حيناً بعد حين وكما قال ربنا: قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:118].

    أفضل صيغ الحمد والشكر

    السؤال: ما هي أفضل صيغة للحمد والشكر؟

    الجواب: الحمد لله كلمة كل شاكر، قالها إبراهيم عليه السلام: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ [إبراهيم:39].

    وقالها نوح عليه السلام: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [المؤمنون:28].

    وقالها داود وسليمان عليهما السلام: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ [النمل:15].

    وقالها محمد صلى الله عليه وسلم: وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ [الإسراء:111].

    وكانت كلمة الحمد لله تجري على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم مجرى النفس، إذا أصابته نعمة كان يقول: ( الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ) وإذا أصابه بلاء كان يقول: ( الحمد لله على كل حال )، يعني: الحمد لله دائماً كانت على لسان النبي عليه الصلاة والسلام.

    وكذلك أهل الجنة أول ما يدخلون الجنة هي أول كلمة على لسانهم: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر:34].

    المقصود بحديث: (إن المرء ليدخل اللقمة في في زوجته ويكون له بذلك أجر)

    السؤال: في الحديث: ( إن المرء ليدخل اللقمة في في زوجته ويكون له بذلك أجر )، هل قصده بوضع اللقمة أم قصده شيء آخر؟

    الجواب: المقصود: بأن الإنسان إذا أنفق على زوجه وعياله فهذه النفقة صدقة، لكن الأبلغ والألطف أن تأخذ لقمة وتضعها في فيها من باب التحبب لها وإظهار الود نحوها، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحبب إلى عائشة فكانت إذا تعرقت عظماً -يعني: عظم فيه لحم- وأكلت ما فيه من لحم وتركته، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأخذ العظم فيأكل من حيث أكلت، وإذا شربت من إناء كان يأخذ الإناء فيضع فاه حيث وضعت، ما كان يقول لها: اغسلي هذا الكوب وهات لي ماء بعدما رآها شربت مثلاً؟ لا، وإنما من باب التحبب يشرب من حيث شربت، فمن استطاع أن يفعل ذلك فهو على خير عظيم، لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21].

    زكاة البيت المعد للبيع

    السؤال: اشتريت منزلاً منذ سنتين فيه أرض ديار، ومنذ شهور بعت البيت، فهل أزكي مباشرة أم بعد أن يحول الحول على المبلغ؟

    الجواب: من اشترى قطعة أرض أو قطعة زراعية أو بيتاً على نية أن يسكن فيه فليس فيه زكاة ولو مكث عنده ما مكث، يعني: بعض الناس يشتري أرضاً على أساس أنه يبنيها ويسكن فيها، فلو مكثت عنده عشر سنين فليس فيها زكاة، أما من اشترى قطعة أرض أو بيتاً على نية الاستثمار والاتجار فحكمه حكم عروض التجارة يشملها الحديث: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة مما نعد للبيع )، يعني: أي سلعة معدة للبيع ففيها الزكاة إذا كانت بالغة النصاب، فالمفروض على الأخ هذا أن يزكيه منذ أن حال عليه الحول، يعني: السنتين التي فاتت لا بد أيضاً أن يخرج زكاتهما عن هذا البيت. نعم.

    تفسير قوله تعالى: (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه...)

    السؤال: قال تعالى: أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [الأنفال:24]، أرجو شرح الآية؟

    الجواب: نعم. يقول الله عز وجل: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال:24]، يعني: تأمل في نفسك كم من مرة هويت شيئاً فمنعه الله منك أو منعك منه؟ وبمعنى آخر: كم من واحد من الناس كان يريد أن يتزوج فلانة وقد هويها وما تم له ذلك.

    وكم من إنسان كان يريد شيئاً من حطام الدنيا فحيل بينه وبين ما يشتهي، فالله عز وجل هو الفاعل، وهو المتصرف وهو الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [الرعد:41].

    تأخير قضاء رمضان إلى بعد رمضان الآخر

    السؤال: علي قضاء ومر علي رمضان ولم أقضه فماذا أفعل؟

    الجواب: إذا كنت قد أخرت القضاء من غير عذر فإن شاء الله بعد رمضان تقضي وتطعم عن كل يوم مسكيناً. يعني: لو أن إنساناً أفطر من رمضان الماضي خمسة أيام مثلاً، وبعد ذلك ما قضى وما كان مريضاً ولا مسافراً، فمر عليه العام حتى دخل رمضان الذي نحن فيه، إن شاء الله بعد رمضان يقضي الخمسة الأيام ويطعم خمسة مساكين.

    بيع رصيد الهاتف بأقل من قيمته

    السؤال: ما حكم الشرع فيما يتعلق بعملية بيع الرصيد لأنها تتم بمبلغ أقل منه؟

    الجواب: ليس هناك حرج في بيع الرصيد بمثله أو بأكثر منه أو أقل؛ لأن هذا المبلغ مجرد ما دخل في الموبايل قد تحول إلى سلعة وتحول إلى وحدات، والسلعة يجوز لي أن أبيعها من رجل آخر، أنا اشتريت هذا الكتاب بخمسة، عند ذلك أنا حر أبيعه بخمسة أو أبيعه بعشرة أو أبيعه بواحد، نعم. العلماء يسمون بيع السلعة بأقل من ثمنها: بيع الوضيعة، أو بيع الحطيطة، وإذا بيعت بأكثر يسمونه: بيع المرابحة؛ لأنه ربح أكثر من رأس المال، وأما إذا باعه بمثله فيسمونه: بيع التولية؛ يعني: إذا اشتريته بخمسة وبعته بخمسة، فلا حرج في أن تبيع الرصيد بمثله أو دونه أو أكثر منه.

    تفسير قوله تعالى: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا...) الآية

    السؤال: نرجو بيان معنى الآية الكريمة: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى[المائدة:82]؟

    الجواب: سبب نزول الآية: لما ذهب بعض الصحابة إلى الحبشة بكتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ، وقرءوا عليهم شيئاً من القرآن، دمعت عيونهم حتى اخضلت لحاهم، يعني حتى ابتلت لحاهم، فالله عز وجل يبين طبائع الناس، يقول: أشد الناس عداوة للمؤمنين اليهود، وهذا يصدقه الواقع، الآن اليهود أشد الناس عداوة للمؤمنين، وفي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كان اليهود أشد الناس عداوة للمؤمنين، وفي زمن الصحابة ومن بعدهم وإلى يوم القيامة، والنصارى قلوبهم ألين، وإسلامهم احتماله أكثر، ولكن لا يفهم من الآية تزكية النصارى بإطلاق أبداً؛ لأن السياق يدل على أن الآية نزلت في أناس معينين، قال الله عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [المائدة:82-83]، يعني: أنهم ناس أسلموا، أما القسيس الذي يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو الذي يتهم القرآن بأنه محرف، هل يمكن أن نقول: بأن هذا أقرب مودة للذين آمنوا؟! لا. فإن مثله مثل اليهود.

    حكم الصلاة على النبي والمقصود بقوله: (ولو زدت لكان خيراً لك)

    السؤال: ما هو حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟ وما المقصود من هذ الحديث: ( ولو زدت لكان خيراً لك

    الجواب: هذا حديث أبي بن كعب وإسناده حسن، قال: ( يا رسول الله! أجعل لك ثلث صلاتي؟ قال: ما شئت، ولو زدت لكان خيراً لك. قال: أجعل لك شطر صلاتي؟ قال: ما شئت ولو زدت لكان خيراً لك. قال: أجعل لك الثلثين؟ قال: ما شئت ولو زدت لكان خيراً لك. قال: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذاً تكفى همك ويقضى دينك )، يعني: أبي عنده ساعات يخلو فيها بربه يدعوه ويرجوه فيقول: يا رسول الله! هذا الوقت سأجعل ثلثه صلاة وسلاماً عليك، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: الأحسن أن تزيد، حتى قال له: سأجعل الوقت كله صلاة وسلاماً عليك؟ فقال له عليه الصلاة والسلام: ( إذاً تكفى همك، ويقضى دينك )، فمعنى هذا الكلام بأن الإنسان كلما أكثر من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو إلى الخير أقرب، وأقل ذلك عشر مرات في الصباح، وعشر مرات في المساء، قال عليه الصلاة والسلام: ( من صلى علي عشراً حين يصبح وعشراً حين يمسي حلت له شفاعتي يوم القيامة )، وكذلك عود نفسك على أن تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر؛ لأن جبريل دعا قائلاً: ( رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك ) صلى الله عليه وسلم.

    العلة في ورود: (ليقولن) مرة بالضم ومرة بالفتح في سورة هود

    السؤال: في قوله تعالى: وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمْ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ [هود:8]، جاءت (ليقولُن) بضم اللام، بينما جاءت بلام مفتوحة في نفس الكلمة في الآية التي قبلها في قوله تعالى: وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ [هود:7]، هل من سبب؟

    الجواب: المسألة مسألة لغة، فقول الله عز وجل في الآية الأخيرة: وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ [هود:8]، و(أمة) بمعنى: أمد أو زمن، أي: مدة زمنية، لَيَقُولُنَّ [هود:8]، أصلها: ليقولون، اللام واقعة في جواب قسم مقدر، يعني: والله ليقولون: والله إن هذا إلا سحر مبين، ليقولون: ما يحبسه؟ سيحلفون، إذاً اللام واقعة في جواب القسم، ونون التوكيد الثقيلة دخلت عليه، ولما التقت النونان حذفت النون التي هي علامة الرفع في الأفعال الخمسة، ونون التوكيد الثقيلة أصلها نونان: الأولى: ساكنة، والأخرى: مفتوحة، ولما التقت النون الساكنة والواو قبلها ساكنة حذفت الواو وجعلت الضمة علامة على اللام التي هي أصل الفعل للدلالة عليه.

    وأما قول الله عز وجل: وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ [هود:7]، فيقال فيها نفس الكلام، اللام واقعة في جواب قسم مقدر، والنون نون التوكيد الثقيلة، ولم يؤت بواو الجماعة ولا نون الرفع لذكر الفاعل صراحة؛ لأن كلمة (الذين) تطلق على الواحد وتطلق على الجمع، مثل كملة: (نحن)، يمكن أن يتكلم بها الواحد؛ ويمكن أن يتكلم بها الجمع من الناس.

    التوفيق بين سؤال زكريا من ربه غلاماً وقوله: (رب أنى يكون لي غلام ...)

    السؤال: قال الله تعالى على لسان نبيه زكريا عليه السلام: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً [مريم:5] ، فلما وهبه الله الولد قال: رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنْ الْكِبَرِ عِتِيّاً [مريم:8] كيف يوفق بين الآيتين؟

    الجواب: ليس هناك تعارض، هو ما قال هذا الكلام بعدما وهب الغلام، وإنما بعدما بشر بالغلام، يعني: هو دعا ربه وقال: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً [مريم:5]، فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى [آل عمران:39]، فطبيعي جداً أن يستفسرهم فمثلاً نقول: أنت تريد تأشيرة عمرة, هذه أمنية طيبة في رمضان، فذهبت، فقيل لك: قد غلقت الأبواب، وانقطعت الأسباب، ولا سبيل إلى عمرة، العدد اكتمل، فقال لك واحد من الناس: أعطني جوازك، وسـأحصل لك على تأشيرة، فأعطيته من باب أن تسكته، فأخذ الجواز، ثم في اليوم الثاني جاءك وقال لك: قد حصلت لك على التأشيرة، فقلت له: ما أصدق، فقال لك: والله، وفتح لك الجواز. فأنت تقول له: كيف حصلت عليها؟ هل أنت الآن شاك أن التأشيرة حصلت وإلا رأيتها رأي العين؟ لا شك أنك رأيتها وصرت على يقين أنه قد أشر الجواز وعما قريب ستكون في البيت الحرام، لكن أنت تسأل من باب معرفة الكيفية حتى يطمئن قلبك، كما قال إبراهيم: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة:260] ، فهنا زكريا عليه السلام ليطمئن قلبه قال: رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنْ الْكِبَرِ عِتِيّاً [مريم:8] ، يعني: هناك مشكلتان:

    المشكلة الأولى: أن امرأتي أنا أعرفها لا تلد.

    والمشكلة الثانية: أني قد بلغت من الكبر عتياً، وفي العادة أن الإنسان إذا كبر سنه لا يولد له، فيقول هذا من باب: طمأنينة القلب، فالملائكة طمأنوه بأن الله عز وجل: إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [مريم:35].

    تبرع الولد بأجر صومه شهر رمضان لوالده المتوفى

    السؤال: نويت صيام هذا الشهر الكريم، وأن يذهب فضل صيامي إلى روح والدي رحمة الله عليه، ما حكم ذلك؟

    الجواب: والله عجيب، هذا ليس من حقك يا أخي! أنت تتبرع بما تتطوع به، أما الفرض فليس من حقك أن تتبرع به، يعني: أن أقوم وأصلي العصر وأقول: يا رب! ثواب العصر هذا لأبي، وأصوم رمضان وأقول: ثواب رمضان لفلانة فهذا لا يصح، فهذا فرض الله عليك، وهب أنك تبرعت به فيوم القيامة ماذا أنت صانع؟! فلا تتبرع يا أخي! هذا فرض الله، و(قضاء الله أحق وشرط الله أسبق).

    زواج الولد بغير علم والده

    السؤال: تحدثت مع والدي في موضوع الزواج، ولم أجد منه رداً فعلياً، فكيف إذا تزوجت من دون إخباره؟

    الجواب: لا تفعل، أكثر من الدعاء في هذا الشهر بأن يلين الله قلبه، وأن يأخذ بناصيته إلى الهدى، إن شاء الله يوم العيد تراه هو الذي يأتي ويقول لك: أنت ما زلت مصراً على الزواج؟ فتقول: إيه نعم. فيزوجك، وأصلاً رمضان ليس فيه زواج في الغالب، يعني: الناس لا يتزوجون في رمضان، فأكثر من الدعاء من الآن، وأكثر من الاستغفار ( من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب ).

    الدين بالفائدة

    السؤال: هل يجوز الدين بالفائدة؟

    الجواب: لا يجوز، وهذا معلوم أنه ربا.

    التصدق بلقطة الحرم

    السؤال: ما حكم الحاج الذي وجد لقطة داخل الحرم المكي ثم تصدق بها؟

    الجواب: إن شاء الله برئت ذمته، لكن اللقطة لا تؤخذ في الحرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض؛ فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا ينفر صيدها) يعني: لو لقيت أرنباً أو ضباً أو غيرها فلا تعمل ما ينفره (ولا يعضد شجرها) فلا تقطع الشجر في مكة (ولا تلتقط لقطتها إلا لناشد) إلا لرجل يأخذها ويعرف بها.

    والفرق بين لقطة الحرم وغيره من البلاد: أنك في سائر البلاد تعرف باللقطة سنة، أما في مكة فتعرف بها حتى تموت؛ لأنها ربما وقعت من حاج والحاج ربما لا يأتي.

    نسأل الله أن يتقبل منا أجمعين.

    رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة:127]، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم اجعلنا من عتقائك في هذا الشهر المبارك من النار.

    اللهم اجعلنا ممن صام فقبلت صيامه، وممن قام فقبلت قيامه، اللهم أعنا على الصيام والقيام وقراءة القرآن وصالح الأعمال، واجعلنا من عبادك المقبولين برحمتك يا أرحم الراحمين، يسر أمورنا، واشرح صدورنا، واغفر ذنوبنا، وطهر قلوبنا، واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وحسن أخلاقنا، ووسع أرزاقنا، وبلغنا آمالنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا.

    اللهم إنا ظلمنا أنفسنا ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لنا مغفرة من عندك، وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وارحمهم كما ربونا صغاراً.

    اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن بنى هذا المسجد المبارك، ولمن عبد الله فيه، ولجيرانه من المسلمين والمسلمات، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].

    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين.

    والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755906463