إسلام ويب

خطر الذنوبللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الذنوب لها خطر عظيم على الفرد والمجتمعات، ولذلك علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن ندعو الله ليطهرنا منها، حيث إنها تحرم الإنسان كثيراً من الخير والرزق، وتقيده عن فعل الخير والمسابقة فيه، وقد شرع الله لنا طريق التوبة للتخلص منها وتهيئة النفس للسباق في الخير.

    1.   

    دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أن يطهره الله من الذنوب

    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة.

    أيها الإخوة في الله! روى الإمامان: البخاري و مسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر تكبيرة الإحرام سكت هنيهة ) يعني: لحظة يسيرة ( فسأله أبو هريرة عن هذا، فأخبره بأنه يدعو في هذا السكوت بقوله: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي بالماء والثلج والبرد ).

    هذا الحديث العظيم فيه بيان دعائه عليه الصلاة والسلام ربه ليطهره من الذنوب والخطايا: ( اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد ).

    الحكمة من ذكر الثلج والبرد لغسل الخطايا مع أن الماء الحار أقوى على التنظيف

    والسؤال أيها الإخوة! وهو ما استشكله بعض العلماء: لماذا يدعو النبي صلى الله عليه وسلم بأن يغسل بالماء والثلج والبرد، وفي بعض الأحاديث: (بالماء البارد)، مع أن الماء الحار أقوى على التنظيف، وأسرع في الإزالة، ولكن مع هذا دعا عليه الصلاة والسلام بأن يطهر بالبرد وبأن يطهر بالثلج، وبأن يطهر بالماء البارد، يقول ابن القيم رحمه الله: سألت شيخي -يعني ابن تيمية رحمه الله- عن سر دعائه عليه الصلاة والسلام بأن يغسل من الذنوب بالماء البارد وبالثلج وبالبرد، فقال رحمه الله تعالى: الذنوب توجب للقلوب حرارة ونجاسة وضعفاً، فالذنوب إذا وردت على القلب أحدثت فيه ثلاثة آثار: نجاسة، فإن الذنوب كلها قذارة ونجاسات، وأعظمها نجاسة: الشرك بالله تعالى، وتحدث له حرارة، فالمعصية شؤم على القلب، تقلقه وتضرم فيه النار، لا سيما نار الشهوة، وتحدث فيه أثراً ثالثاً وهو أشدها عليه، تحدث فيه ضعفاً فتمزقه، والشيء الضعيف لا يحتاج إلى شيء حار، فإن الحار يزيده ضعفاً إلى ضعفه، يحتاج إلى شيء بارد يجمع عليه قوته، فدعا عليه الصلاة والسلام بأن يطهر بالثلج والبرد والماء البارد؛ ليعود لهذا القلب قوته، وليرجع إليه جمعيته، ويجتمع شمله، فيقوى على القيام بما أمره الله عز وجل به.

    1.   

    أثر الذنوب على الإنسان

    تقييد الذنوب لصاحبها عن القيام بالطاعة

    القلوب إذاً تضعف وتقوى، تتفرق وتجتمع، ولا يؤثر فيها إلا الذنب أو الطاعة، فالذنب يورث في القلب ضعفاً وتفريقاً، فيريد القلب بعد ذلك أن يفعل شيئاً لكنه لا يقدر عليه، وفي حديث الثلاثة الذين تخلفوا، ونحن نقرأ توبة الله عليهم في سورة التوبة، قال سبحانه: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا[التوبة:118]، كان من هؤلاء الثلاثة كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه، كعب لم يكن له ذنب إلا أنه تخلف عن جيش تبوك وعن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج، كما قال الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [التوبة:38]، تخلف ثلاثة من أهل الإيمان وبضعة وثمانون رجلاً من أهل النفاق، وبقيت في المدينة أصناف من الناس، رجلٌ مغمور معروف بالنفاق، ورجل معذور عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء الثلاثة تخلفوا عن الجيش من غير عذر، وكعب بن مالك يقص علينا قصته كما رواها الإمام مسلم في صحيحه، تخلف عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لماذا؟ يقص علينا خبره بنفسه، فيقول: كان الناس يتجهزون -الواحد منهم يشتري المتاع، ويشتري أهبة السفر، ويتجهز للقتال- وأنا أراهم، فأقول: إذا أردت شيئاً فأنا أستطيعه يعني: متى ما أردت أن أتجهز معهم سأتجهز وأخرج، يتردد في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني، وفي اليوم الثالث، حتى انفصل الجيش وخرج عن المدينة، و كعب يحدث نفسه: لو أني أردت شيئاً فإني أستطيعه، حتى إذا انفصل الجيش وتباعد عن المدينة هم بعد ذلك بأن يلحقهم، قال: لكني لم أستطع، ويا ليتني فعلته! لم يستطع لماذا؟ هل لضعف في بدنه؟ لا، هل لقلة في ماله؟ لا، ولكن لعدم إرادة في قلبه، أضعف الله عز وجل في قلبه الإرادة، فلم تتوجه الإرادة بعد ذلك للتجهز والخروج واللحوق بالجيش، صرف الله عز وجل قلبه عن إرادة هذا الفعل جزاء لما فعله أولاً، ينظر إلى الناس وهم يستعدون للخيرات وهو متباطئ ومتكاسل، فصرف الله عز وجل قلبه، يقول ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد وهو يعلق على هذه الحادثة إذا فتح الله عز وجل للإنسان باباً من الخير فينبغي أن يبادره قبل أن يغلقه الله عز وجل عليه، أو كما قال رحمه الله، هذه سنة الله في عباده، كما قال في سورة الأنفال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ[الأنفال:24]، الله يدعوكم لما فيه خيركم وفلاحكم، يدعوكم لما فيه سعادتكم وحياتكم، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال:24]، اعلموا أن الله عز وجل يقلب القلوب ويصرفها، فإذا عرضت عليك الطاعة يوماً ولم تقبل عليها ربما عوقبت بعد ذلك بالحرمان من هذه الطاعة، تريدها فلا تقدر عليها، وتشتهيها ولا توفق لها، جزاءً بما أسلفت من قبل، وهذه ثمرة من ثمرات الذنوب والمعاصي، يذنب الإنسان ويستمرئ الذنب والمعصية، فإذا فتحت أبواب الطاعات وجد نفسه ثقيلاً متباطئاً، يرى الناس يتسابقون في الخيرات وهو يتحسر ندماً، لا يستطيع أن يفعل فعلهم ولا أن يلحق بهم، يرى الناس يتسابقون في قراءة القرآن وأنواع الصدقات وأنواع الأذكار، وهو يتأمل يحب ذلك لكنه لا يمكن من فعله، والسبب منه ومن نفسه لا من غيره.

    جاء رجل إلى الحسن البصري يقول: يا أبا سعيد ! إني أعد وضوئي قبل أن أنام -أي أجهز الماء الذي أتوضأ به في الليل لأقوم في الليل وأصلي- لكني لا أقدر على القيام، فقال له: أنت رجل قيدتك ذنوبك. الذنوب من شأنها أن تقيد طاقات هذا الإنسان على الإقدام على الأعمال الصالحة في زمن التسابق، ولهذا كان حري بالإنسان العاقل اللبيب الذي يريد فلاح نفسه واستثمار عمره أن يتوب إلى الله تعالى من ذنوبه، ونحن بين يدي أيام مباركة، بين يدي موسم من مواسم الخيرات والتسابق، ربما حرم الإنسان فيه العمل الصالح بسبب ذنوب أسلفها، فما أحوجنا إلى أن نتوب، ما أحوجنا إلى أن نستعد لاستقبال هذه الليالي والأيام بالاستغفار والتوبة والتخلي عن الذنوب السالفة قبل أن نقع في هذا الحرمان، ما هي إلا ليالٍ وينادي المنادي، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( فينادي المنادي: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر )، لكن ما كل الناس يستطيعون الإقبال، وما كل الناس يقدرون على الإقبال، (يا باغي الخير أقبل)، أقبل على الله من اليوم قبل أن ينادي ذلك المنادي، وصحح ما بينك وبين الله، وتب إلى الله مما سلف من الذنب والمعصية، هيئ نفسك، واستعد لهذه اللحظات، ولهذه الساعات بالتوبة، وتخفف من ذنوبك، فيوفقك الله سبحانه وتعالى لعمل صالح ينفعك به.

    حرمان الرزق بسبب الذنوب

    القرآن والسنة مليئان بالأخبار التي فيها حرمان الله تعالى لأناس بسبب ذنوبهم، قال عليه الصلاة والسلام كما في سنن ابن ماجه : ( إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه )، أي: يحرم رزقاً بسبب ذنبٍ من ذنوبه، وليست الأرزاق المال فقط، فأعظم الأرزاق الأرزاق الدينية وأعظم العطايا الهبات الدينية وأعظم المنح أن يوفقك الله سبحانه وتعالى لحسنة تنتفع بها يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ [الشعراء:88]، أعظم المنح: أن يوفقك الله للطاعة، فيحرم الإنسان هذا النوع من الأرزاق بسبب ذنوبه السالفات، ويقول سبحانه وتعالى في سورة آل عمران مبيناً موقف جماعة من أهل الإسلام وقعوا في معصية يوم أحد، ففروا وكانوا قد أمروا بالثبات، فقال سبحانه: إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا[آل عمران:155] (إنما استزلهم الشيطان)، أي: دعاهم إلى الزلل، دعاهم إلى المخالفة والمعصية، (ببعض ما كسبوا)، أي: بسبب بعض ما كسبوا، ويعفو سبحانه وتعالى عن كثير، والزلل والمعصية ثمرة من ثمرات الذنوب السالفة، فإن الحسنة تدعو إلى أختها، والسيئة تدعو إلى أختها، وهذه حكمة الله سبحانه وتعالى في خلقه، فإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، يوفقك الله للحسنة بعد الحسنة، جزاءً عاجلاً، والآجل خير وأبقى.

    نحن أيها الأحباب! ننتظر أياماً تغفر فيها الذنوب، وتعظم فيها الحسنات، وتفتح فيها أبواب الجنات، فما أحوجنا أن نستقبلها بالتوبة والتطهير، والنظر في الصفحات، والإحسان فيما بيننا وبين الله، عل الله سبحانه وتعالى أن يحسن إلينا، فيوفقنا لأن نكون من أهل مراضيه.

    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    التخلص من الذنوب استعداداً للسباق إلى الخيرات

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    إخوتي في الله! أخبرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه بأن الذنوب والمعاصي أوزار، والوزر يعني: الشيء الثقيل، هذا معنى الكلمة في لغة العرب، فسمى الله عز وجل المعصية وزراً، أي: ثقلاً على ظهرك، إذا أردت أن تسابق لا تستطيع السباق، وعادة الناس وكما تعلمون جميعاً أنهم إذا أرادوا السباق ضمروا الخيل، يجوعونها حتى تضمر ويخف بدنها، فإذا خف البدن استطاعت المسابقة، والإنسان بحاجة أن يتخفف من أثقاله حتى يقدر على السباق، وتفتح له أبواب السباق وهي مفتوحة في طول العمر، لكن تتأكد هذه المسابقة في الأزمان الفاضلة، فيريد الإنسان أن يسابق، لكنه مثقل بذنوبه، مثقل بسيئاته، بحاجة أن يتخفف من هذه الأثقال ويلقي عنه هذه الأعباء حتى يستطيع المسابقة.

    أصناف الناس تجاه ارتكاب الذنوب

    وقد أخبرنا عليه الصلاة والسلام بأن (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)، ما منا إلا وله ذنوب يقع فيها، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( ما من عبد إلا وله ذنب يعاوده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا )، الناس صنفان: منهم من له ذنوب متفرقة، ومتشتتة، يعتاده ويرجع إليه وقتاً بعد وقت، يتوب منه ويرجع، وهناك فريق آخر استمرءوا بعض الذنوب، وأصروا عليها، لا يفارقه حتى يفارق الدنيا، والإنسان مطلوب منه في هذه الليالي والأيام أن يحاسب نفسه فينظر في ذنوبه، ما هي الذنوب التي يفعلها ليتوب منها؟ فإنه كما قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام في آخر هذا الحديث: ( فإن الإنسان خلق مفتناً تواباً نسياً، إذا ذكر ذكر )، (مفتناً) يعني: معرض للفتنة والابتلاء والاختبار، والله عز وجل يختبره في الليل والنهار، (تواباً)، إذا وقع في الذنب تاب ورجع، ولا يضره بعد ذلك أن يقع فيه مرة أخرى، فعليه أن يتوب أخرى وثالثة ورابعة، وهكذا، (نسياً)، ينسى ويغلبه الهوى، وتغلبه الشهوات، ويقع تحت ضعف النفس، فيقع في المعصية والذنب لكنه ينبغي له أن يتذكر إذا ذكر، هكذا قال الله في سورة الأعراف: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:201-202]، الناس صنفان: أخو الإيمان وأخو الشيطان، أخو الإيمان يقع في الذنب، وتمر عليه المعصية كسحابة الصيف، فإذا ذكر ذكر وأبصر، ورأى ما له وما عليه، فرجع إلى الله، وأخو الشيطان مدمن على ذنوبه، لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:202]، يعني لا يتراجعون، الإنسان مطلوب منه أن يتوب إلى الله لا سيما في الأزمان الفاضلة، ومن رحمة الله أنه لم يترك ذنباً بلا توبة، فما من ذنب إلا والله يقبل التوبة منه، عظم ذلك الذنب أو صغر، وأعظم الذنوب وأعلاها الإشراك بالله، والكفر به وجحد حقه وسبه والتعالي عليه، ومع هذا دعا سبحانه وتعالى أصحاب هذه الذنوب إلى التوبة، فقال سبحانه: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المائدة:73]، ثم قال: أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:74]، يتوب، فإذا تاب غفر الله له؛ لأنه سبحانه وتعالى الغفور الرحيم، وقال عمن ضيع الصلاة: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ[مريم:59-60]، وقال عن قتلة النفوس وشربة الخمور، وأهل الزنا في وصف عباد الرحمن: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ [الفرقان:68] من يفعل هذه الذنوب: يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ[الفرقان:68-70] وقال سبحانه: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ[المائدة:38-39]، وهكذا إذا قرأت القرآن بتمعن فلا تجد ذنباً مهما عظم إلا والله عز وجل يدعو إلى التوبة بعده؛ لأنه سبحانه وتعالى لا يتعاظمه ذنب، ولا يغلق الباب أمام ذنب مهما عظمت خطيئته، قال سبحانه وتعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، أي: يغفر الذنوب جميعاً مهما تعاظمت.

    أركان التوبة

    والتوبة لها ثلاثة أركان، كما أن للصلاة أركاناً لا تصح إلا بها، فالتوبة لها دعائم وأركان لا تصح إلا بها، الركن الأول: الندم على ما فات من الذنب، والندم من عمل القلب، فيتحسر الإنسان ويتألم على ما كان منه من الذنب والمعصية.

    والركن الثاني: الإقلاع عن الذنب في الحال.

    والركن الثالث: العزم في القلب على ألا يعود إليه في المستقبل.

    وإذا كان الذنب بينك وبين العباد فهناك ركن رابع وهو: التخلص من هذه المظالم بإرجاعها إلى أصحابها، أو استحلالها منهم، فمن تاب تاب الله عليه، وقد قال عليه الصلاة والسلام كما في سنن ابن ماجه : ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له )، هكذا يعرض الله عز وجل فضله، ويفتح أبواب رحمته، فمن أعرض فعلى نفسه، ومن اهتدى فلها.

    نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، يا حي يا قيوم! برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

    اللهم اغفر لمن حضر هذه الجمعة ولوالديه، وافتح للموعظة قلبه وأذنيه، أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم انصر عبادك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم أعنهم ولا تعن عليهم، وانصرهم ولا تنصر عليهم، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756425504