إسلام ويب

أهمية الأعمال الصالحةللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تظهر همة الصحابة رضي الله عنهم فيما يطلبونه من النبي صلى الله عليه وسلم، فأحدهم يسأل عن العمل الذي يقربه من الجنة ويباعده عن النار، والآخر يسأله رفقته في الجنة، وغير ذلك كثير، وكلها تدور حول العمل الصالح، كيف لا وهو الأمل فقد قال تعالى: (والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملا). فحري بالعاقل أن يجتهد في العمل الصالح، خصوصاً في الأوقات الفاضلة كعشر ذي الحجة ونحوها.

    1.   

    فضل العمل الصالح

    الحمد لله رب العالمين, نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة.

    إخوتي في الله! روى الإمام الطبراني رحمه الله تعالى في معجمه, وصححه الشيخ الألباني رحمهما الله, عن ربيعة بن كعب رضي الله تعالى عنه خادم النبي صلى الله عليه وسلم, قال: ( كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم في نهاري, فإذا كان الليل أويت إلى باب النبي صلى الله عليه وسلم فبت عنده, فلا أزال أسمعه يقول: -يعني: وهو داخل البيت- سبحان الله! سبحان الله! سبحان ربي! حتى تغلبني عيني فأنام ), هكذا يصف هذا الصحابي ملازمته لخدمة النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً ونهاراً, بل بلغ به الحال أن يبيت أمام باب النبي صلى الله عليه وسلم خشية أن يحتاج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً فلا يجده: ( فإذا كان الليل أويت إلى باب النبي صلى الله عليه وسلم فبت عنده, فلا أزال أسمعه يقول: سبحان الله! سبحان الله! سبحان ربي! حتى تغلبني عيني فأنام, فقال لي يوماً: يا ربيعة , سلني فأعطيك ) أراد أن يكافئه عليه الصلاة والسلام ( فقال له ربيعة رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله! أنظرني حتى أنظر ) أمهلني حتى أتفكر ما هي المسألة التي أطلبها ( قال ربيعة : فرأيت أن الدنيا فانية منقطعة, فليس فيها شيء يستحق أن يسأل من النبي عليه الصلاة والسلام ) ليس فيها متاع يستحق أن تتعلق به النفوس, وأن تتشوف إليه الأرواح, وأن تتعلق به الأطماع ( فقلت: يا رسول الله! أسألك أن تدعو الله لي أن ينجيني من النار وأن يدخلني الجنة، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال: يا ربيعة! من أمرك بهذا؟ ) أي: من علمك هذه المسألة؟ ( قلت: يا رسول الله! لم يأمرني بها أحد, ولكني رأيت أن الدنيا فانية منقطعة, ورأيت أنك من الله بالمكان الذي أنت منه, فأحببت أن تدعو لي, فقال عليه الصلاة والسلام: إني فاعل, فأعني على نفسك بكثرة السجود ), (إني فاعل), سأدعو الله لك بأن ينجيك من النار ويدخلك الجنة, (فأعني على نفسك بكثرة السجود), هكذا فهم الألباء وأهل العقول الزاكية حقيقة ما هم فيه, وحقيقة ما يسعون إليه, (فرأيت أن الدنيا فانية منقطعة).‏

    العمل الصالح أمل العاقل

    هكذا وعظ الله عباده المؤمنين في كتابه, فقال لهم سبحانه وتعالى في السورة التي يقرءونها في كل جمعة, قال لهم جل شأنه: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف:46], خير الأمل الذي يأمله الإنسان العاقل, وخير ما يرجوه الإنسان العاقل, وخير ما يعلق به الإنسان العاقل أطماعه وآماله, حسنة باقية, وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف:46], الباقية: الحسنة التي لا تفنى, الحسنة التي يظل الإنسان يجني ثمارها عاجلاً وآجلاً, دنيا وأخرى, وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ [الكهف:46], أي: والأعمال الصالحات الباقيات خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف:46], خير ما يأمله الإنسان وخير ما يرجوه الثواب المترتب على هذه الحسنة, الجوائز التي ينالها المسلم بعد عمله للعمل للصالح, قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم : ( إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة ), مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النساء:134], من كان يريد صلاح الدارين, من كان يريد منفعة الحياتين: حياته الأولى وحياته الآخرة فعليه بسلوك هذا الدرب, مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النساء:134], وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ [النحل:30], العمل الصالح وما يجنيه الإنسان من ورائه في دنياه وأخراه, ما يجنيه الإنسان من ثمار في حياته الدنيا وفي حياته البرزخية, ويوم يبعث الناس, ويوم يستقر الناس في دار الخلود, ماذا يجنيه الإنسان؟ هذا هو محط أنظار العقلاء.

    ومن العجب العجاب أن الملائكة في الملأ الأعلى تتساءل فيما بينها, عن أعمال بني آدم, وماذا ينبغي أن يفعل الآدمي على هذه الأرض, وأكثر الآدميين في غفلة عن ذلك كله, في الحديث الذي رواه أحمد وغيره, وصححه كثير من أهل العلم, قال عليه الصلاة والسلام: ( أتاني ربي في المنام في أحسن صورة, فقال: يا محمد! أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ ) الملائكة تتناقش فيما بينها, تختصم, يقول أحدهم قولاً ويرد عليه الآخر ( قلت: الله أعلم, قال عليه الصلاة والسلام: فوضع كفه بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي, ففتح لي أو فرج لي ما بين السماء والأرض, فعلمت ما في السموات وما في الأرض ) أعلمه الله ما الذي يجري في الملأ الأعلى ( ثم قال له: يا محمد! أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: نعم, في الكفارات والدرجات ), الملائكة تتناقش وتتحاور فيما بينها, ما هي الأعمال التي تكفر عن ابن آدم زلاته؟ ما هي الأعمال التي ترفع لابن آدم درجاته؟ وابن آدم في غفلة عن هذا كله, الملائكة لن ترتفع درجاتها, ولن تكفر سيئاتها, ولكنها تبحث وتتناقش, وبنو آدم أولى الناس بأن يعلموا هذه السبل, وأن تتضح لهم هذه الطرق, فيعرفون ما هي الكفارات؟ وما هي الدرجات؟

    1.   

    فضل العمل الصالح في عشر ذي الحجة

    نحن أيها الإخوة نستقبل العشر التي أقسم الله عز وجل بها في كتابه, لشرفها عنده, وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر:1-2], هذه العشر التي أخبرنا عليه الصلاة والسلام بأنها خير أيام الدنيا, ليس في الدنيا أيام كهذه الأيام, كما في البخاري وغيره، قال عليه الصلاة والسلام: ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من عشر ذي الحجة, قالوا: ولا الجهاد يا رسول الله؟ قال: ولا الجهاد, إلا أن يخرج الرجل بماله ونفسه ثم لا يرجع من ذلك بشيء ), لن يعدل العمل الصالح في العشر شيء إلا أن يخرج الإنسان مجاهداً بكل ما يملك وبنفسه, ثم تزهق الروح ويبدد المال, ( إلا أن يخرج الرجل بماله ونفسه، ثم لا يرجع من ذلك بشيء ).

    العمل الصالح موضوع الابتلاء والامتحان.

    1.   

    منزلة العمل الصالح

    العمل الصالح من أجله أنزل الله الكتب, العمل الصالح من أجله أرسل الله الرسل, العمل الصالح من أجله خلق الله الخليقة, العمل الصالح من أجله نصبت القبلة, العمل الصالح من أجله انقسم الناس إلى أولياء وفجار, إلى سعداء أبرار, وإلى أشقياء كفار, العمل الصالح موضوع الابتلاء والامتحان, إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الكهف:7]، وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هود:7], حسن العمل.

    العمل الصالح من أجله خلق الله الأرض وما عليها, من أجله خلق الإنسان وقدر عليه الموت والحياة, من أجله خلقت السموات وما فيها, وخلقت الأرض وما فيها, من أجل هذا العمل.

    هذا العمل موضوع أبدى فيه القرآن وأعاد, كم في آيات القرآن حديث عن العمل الصالح؟ مرة يأمر به سبحانه وتعالى أمراً صريحاً؛ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون:51], قال عليه الصلاة والسلام: ( إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ), يعني: قال لهم كما قال للرسل: كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون:51], ومرة يخبر سبحانه وتعالى أن بالإيمان والعمل الصالح يفوز الإنسان بسعادة الدنيا والآخرة, مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].

    ويخبر سبحانه وتعالى أن الناس يوم القيامة ينقسمون إلى سعداء وأشقياء بسبب العمل الصالح, فمنهم من هو في روضة يُحبَر, فرح مسرور؛ بسبب العمل الصالح, فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ [الروم:15-16].

    العمل الصالح هو ميزان التفاضل والقرب من الله, لن تبلغ مكانة عند الله بمالك, ولن تبلغ مكانة عند الله بكثرة ولدك, ولا بعلو جاهك, ولا بقوة سلطانك, كلا والله, هذه عوارض تفنى مع موت هذا الإنسان, وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا [سبأ:37], لكن من آمن وعمل صالحاً, إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ [سبأ:37], أهل الإيمان والعمل الصالح هم الذين يضاعف لهم العمل, وهم الذين يرفعون في الدرجات, وهم الآمنون في دار الكرامة, إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ [سبأ:37].

    هذا العمل أيها الإخوة الذي ينبغي لكل واحد منا أن ينظر في نفسه اليوم؛ ما الذي سيستقبل به هذه الأيام؟ بماذا سيمضي ساعات هذه الأيام ولياليه؟ ما هو العمل الذي ينبغي أن يشغل به وقته ويملأ به نهاره؛ حتى لا يخسر خسراناً، ويندم عليه حين لا ينفع الندم.

    العمل الصالح أحبه وأقربه وأجله عند الله أن يتقرب الإنسان بما فرض الله عز وجل عليه, ( وما تقرب إلي عبدي بأفضل مما افترضته عليه, ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ).

    اتق الله في نفسك, اتق الله في ولدك, اتق الله في زوجتك, اتق الله في أهل بيتك, قوم نفسك ومن تعول, قوم نفسك ومن تسوس على أمر الله, ألزم نفسك بالتزام فرائض الله, أد فرائض الله التي كلفك بفعلها, واجتنب نواهي الله التي نهاك عنها, لا سيما في هذه الأزمان الفاضلة, احفظ فرجك, واحفظ عينك, واحفظ لسانك, واحفظ بطنك, وأد فرائض الله عز وجل عليك, إن لم يتق الله العبد في هذه الأيام, وإن لم يتقرب له بصالح العمل في هذه الأيام؛ فمتى سيكون إذاً؟

    ( وما تقرب إلي عبدي بأفضل مما افترضته عليه, ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ), العمل الصالح أنت في حاجة إليه, والله غني عن العالمين, يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15], ليس بحاجة إلى عبادة عابد, وليس بحاجة إلى ذكر ذاكر, وليس بحاجة إلى صدقة متصدق, على نفسها جنت براقش, مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46].

    يخبرنا عليه الصلاة والسلام عن أثر الصلاة, فيقول: ( إن لله ملكاً ينادي عند كل صلاة: يا بني آدم! قوموا إلى ذنوبكم, قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها فأطفئوها ), أنت الذي توقد على نفسك النيران بين الصلاة والأخرى, ندبك الله إلى أن تنقذ نفسك, دعاك الله إلى أن تنجو بنفسك, ( يا بني آدم! قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها فأطفئوها ), أوعدك بعظيم الثواب, ( من تطهر في بيته فأحسن الوضوء, ثم خرج إلى الصلاة المكتوبة؛ كان له كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى ) يعني: إلى صلاة الضحى, ( لا يخرجه إلا إياه ) أي: لا يخرج إلا من أجل الصلاة ابتغاء وجه الله: ( كان له كأجر المعتمر, وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين ), هذه الصلاة وما لها عند الله عز وجل من المرتبة, ( من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله ), أنت في ذمة الله وفي حمايته ما دمت محافظاً على هذه الفرائض, ( ومن ترك صلاة حتى يلقى الله عز وجل وهو مضيعها؛ لقي الله تعالى وهو عليه غضبان ), أنت بحاجة إلى أن تتصدق, فصدقتك تكفر سيئتك, يقول عليه الصلاة والسلام: ( والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ), استمع إلى هذا الخبر العجيب؛ رواه البيهقي في سننه, وصححه الشيخ الألباني من كلام عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه, عبد الله بن مسعود يقص علينا نبأ رجل من العُبَّاد من الأمم السابقة, عَبَد الله ستين سنة, قال رضي الله عنه: ثم نزلت بجواره امرأة فافتتن بها, فوقع عليها ست ليال, فلما ندم فر من صومعته فأوى إلى مسجد, أوى إلى مكان يعبد الله فيه, أوى إلى مسجد فبات فيه ثلاث ليال طاوياً جائعاً, نادماً تائباً فاراً, فجيء بعد ذلك بكسرة خبز, فوجد عن جانبيه رجلين محتاجين لها, فكسر القطعة فأعطى بعضها من عن يمينه وأعطى بعضها من عن يساره, قال عبد الله بن مسعود : فأتاه ملك الموت فقبض روحه, فلما نصب له الميزان وضعت الستين في كفة ( عبادته ستين سنة ) ووضعت الست في كفة, فرجحت الست, غلبت تلك المعصية التي فعلها تلك العبادات الطويلة, فرجحت الست, ثم جيء بكسرة الخبز فعدلت الست ومالت, وفي الحديث: ( الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ).

    أنت بحاجة إلى ذكر الله لتكون من السابقين الأبرار، فقد قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم : ( سبق المفردون, قيل: من المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات ), أهل الذكر هم أهل السبق, أهل الذكر هم أهل ولاية الله, ( ألا أدلكم على خير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق, وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فيضربوا أعناقكم وتضربوا أعناقهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: ذكر الله ).

    وهذه الأيام هي أيام الذكر, أنت بحاجة إلى أن تستغل وقتك بذكر الله, فتؤدي صلاة الصبح في وقتها, وتذكر الله, ( من جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس يذكر الله تعالى ثم صلى ركعتين؛ كتب له أجر حجة وعمرة تامة, تامة, تامة ), أنت بحاجة إلى أن تحافظ على أذكار الصلوات, وأذكار الصباح والمساء, وأذكار النوم, وما هنالك من أذكار كثيرة رتب الله عز وجل عليها خير الثواب, وصدق عليه الصلاة والسلام, وصدقت الملائكة الذين أخبرونا كما في الحديث الصحيح, ( قالوا: والمحروم من حرم الثواب ), المحروم من مرت عليه أيام الله, المحروم من مرت عليه هذه المواسم بما تحمله من خير وخيرات وهو غافل لاه.

    يا من بدنياه اشتغل وغره طول الأمل

    الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل.

    اغتنم في الفراغ فضل ركوع فعسى أن يكون موتك بغتة

    كم صحيح مات من غير سقم ذهبت نفسه الصحيحة فلتة

    أقول ما تسمعون, وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    وجوب نصرة المظلوم

    الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    إخوتي في الله! الأعمال الصالحة على تنوعها وتعددها إلا أن بعضها أفضل من بعض, ومن هذه الأعمال الجليلة التي يتقرب بها إلى الله:

    نصرة المظلوم, جاء في الحديث: ( أن أبا ذر سأل النبي صلى الله عليه وسلم, قال: يا رسول الله, ما الذي ينجي العبد من النار؟ قال: الإيمان, قلت: يا رسول الله, أمع الإيمان عمل؟ قال: نعم, ترضخ من مالك, أو يرضخ من ماله, قلت: يا رسول الله, أرأيت إن كان فقيراً لا يجد ما يرضخ؟ -لا يجد ما يعطي ويتصدق- قال: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, قلت: أرأيت إن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ قال: يعين الأخرق -يعين: الجاهل- أو ينصر المظلوم, قلت: فإن كان لا يستطيع؟ قال: أما تريد أن تترك لأخيك من خير؟ يكف أذاه عن الناس ), هذه هي الأعمال التي ينجو بها العبد يوم القيامة من نيران الله, ومنها نصرة المظلوم, ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ).

    جاء في الحديث: ( أن رجلاً يؤمر به في قبره أن يجلد مائة جلدة, فيدعو ربه أن يخفف عنه, فيجلد جلدة واحدة, فيمتلئ عليه قبره ناراً, فإذا فرغ منها وفرغ من معاناتها؛ قال: يا رب! بم جلدت هذه الجلدة), -لماذا جلدتموني هذه الجلدة التي امتلأ بسببها القبر ناراً؟- ( قال: مررت على مظلوم فلم تنصره).

    إن ترك المظلوم -لاسيما إذا كان مسلماً- بلا نصرة من الحرام المؤكد, ومن الموبقات التي لا يجوز للإنسان أن يقترفها, فإن نصرة المظلوم من الموالاة في الله والمعاداة في الله, إذا كان المظلوم مسلماً لم يجز لأحد من المسلمين أن يتركوه مخذولاً, وإذا كان غير مسلم كذلك, ولكن حق الإسلام أرعى, وأخوة الإسلام أوكد, لا يجوز للناس أن يتأملوا في أحوال المسلمين وهم يعانون أنواع المعاناة, ومن هؤلاء إخوتنا في فلسطين, أقامت علينا شاشات الإعلام الحجة والله, فإننا نرى بأعيننا ونسمع بآذاننا, نسمع الأطفال وهم يتضورون جوعاً ويموتون بسبب فقد الدواء, نرى العجائز والشيوخ وهم يتضورون جوعاً ونحن نلعب بالمليارات, ومن المحال أن تكون هذه الأمة على كثرة عددها لا تستطيع أن تقول كلمتها لتوصل كسرة خبز لأحد أبنائها, من المحال, ووصول السفن العربية, أو ذهاب السفن العربية خير دليل على أن الناس يستطيعون عمل شيء ما لهذه العصابة المؤمنة, على أن الناس يستطيعون بذل شيء, ولكنه التخاذل من الشعوب والتخاذل من الحكومات, لم تجد الحكومات شعوباً تقول لها: اتقوا الله في هؤلاء الرعايا, لم يجد الناس من يذكرهم بحقوق أخوة الإسلام.

    إن المسلمين عليهم أن يتقوا الله تعالى في إخوانهم, ( المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً ), ( ما آمن لي من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع ).

    أي أخوة وأي ولاء بعد ذلك ندعيها إذا لم نقم بأقل ما نقدر عليه؟ ونحن إذا لم نستطع شيئاً فكما قال الشاعر:

    إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع

    تحقيق الأخوة الإيمانية

    إن من أهم المهمات التي ينبغي أن تبقى حية في نفسك أيها الفرد العاجز أيها الفرد الضعيف: أن تبقى أخوة الإيمان حية في ضميرك, وأن تعلم بأن هؤلاء المسلمين لهم عليك أن تدعو لهم في صلاتك, أن تتحين الفرص المناسبة للجأر إلى الله, والتضرع بأن يفك عنهم الحصار، وأن تتصدق عنهم بما تستطيع, هذا إذا لم تسطع شيئاً غير ذلك.

    النصرة والموالاة

    إن من حقوقهم علينا أيها الإخوة: حقوق النصرة, والموالاة في الله, والحب في الله, والإعانة في الله, فإذا لم نستطع ذلك فلا أقل من أن نجود بشيء من أموالنا, وأن نجود بشيء من دعائنا, وكما رددنا مراراً: إذا التقى الناس على أرض المعركة؛ فالمسلم واحد من ثلاثة: إما نازل معهم في المعركة يناصرهم, وإما رجل يحرس لهم خيامهم, وإما رجل ينتظر الظفر لهم ويدعو لهم, ولا تكن الرابعة فتهلك, لا تكن أمة محمد تعيش ما تعيش, وتعاني ما تعاني من الويلات وأنت غارق في شهوات بطنك وفرجك, همك نفسك, تأكل مما تشتهي, وتنام حين تريد, وتتقلب في رغد العيش بين أهلك وأولادك وكأن الأمر لا يعنيك, فقد جاء في الحديث وإن كان فيه ما فيه, ( إن الرجل يبعث يوم القيامة فيقول الله عز وجل له بعد أن يسأله عن أعماله: هل واليت أوليائي وعاديت أعدائي؟ فيقول: لا, فيقول: اذهب فليس لي حاجة بمن لم يوال أوليائي ويعادي أعدائي ), الولاء: الحب والنصرة, لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286], لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7], فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16], والاستطاعة هذه يعلمها كل واحد من نفسه, ويعلمها الله جل شأنه, فإذا أعذر الإنسان إلى ربه وفعل ما يستطيعه فقد سقطت عنه الحجة, وذهب عنه الطلب, وبرئت ذمته أمام الله.

    1.   

    ما يفعله المؤمن في عشر ذي الحجة

    مما ينبغي أن يفعل في هذه العشر: الإكثار من الذكر, والصلاة, والصيام, فقد سئل عليه الصلاة والسلام عن العمل, ( قال له صاحبه: دلني على عمل يا رسول الله! قال: عليك بالصيام، فإنه لا عدل له ), ذكر الله والتهليل والتكبير مما يفعل في هذه العشر, ومنها صيام التاسع منه؛ فإن صيام التاسع يكفر السنة الماضية والسنة القابلة.

    ومنه -وهو أحبه إلى الله في اليوم العاشر-: التضحية وإراقة الدم؛ كما جاء في الحديث: ( ما عمل آدمي من عمل أحب إلى الله يوم النحر من إهراق الدم, وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وشعورها وأظلافها ), تأتي يوم القيامة بهيئتها, فينتفع بها الإنسان حين لا ينفعه مال ولا بنون.

    نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه, ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه, اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث, أصلح لنا شأننا كله, ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, والمسلمين والمسلمات, الأحياء منهم والأموات, إنك سميع قريب مجيب الدعوات, اللهم اغفر لمن حضر هذه الجمعة ولوالديه, وافتح للموعظة قلبه وأذنيه, أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين, واخذل الكفرة والمشركين؛ أعداءك أعداء الدين, اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره, وأشغله في نفسه, واجعل تدميره في تدبيره يا قوي يا عزيز, اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين, اللهم اجعل لهم من كل هم فرجاً, ومن كل ضيق مخرجاً, ومن كل بلاء عافية, رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201], وصل اللهم وسلم على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756491713