إسلام ويب

دروس من قصة الإسراءللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الله جل جلاله ملاذ المكروبين، ومنجد المستغيثين، فمن لجأ إليه كفاه، ومن استنصره نصره وحماه. وما أكثر البلاء بالمسلمين اليوم، غير أن جمع الكلمة والتضرع بين يدي الله بالدعاء يكشف الكرب ويزيل البلاء.

    1.   

    تكذيب قريش لمعجزة الإسراء وتأييد الله لنبيه

    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الإخوة في الله! روى الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه، في باب ذكر المسيح ابن مريم عليه السلام: عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي )، يعني عما حدث له ليلة الإسراء: ( فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكُرِبت كربة ما كربت مثله قط، فرفعه الله إليّ أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به، ولقد رأيتني في جماعة الأنبياء، فإذا موسى عليه السلام قائم يصلي، وإذا هو رجل ضرب جعد، كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى بن مريم قائم يصلي أشبه الناس به عروة بن مسعود الثقفي ، وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم )، يعني: نفسه صلى الله عليه وسلم: ( فحانت الصلاة، فأممتهم، فلما انصرفت من الصلاة، قال لي قائل: يا محمد! هذا مالك صاحب النار، فسلم عليه، فالتفت إليه فبادرني بالسلام ).

    هذا الحديث العظيم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم يوماً من أيام الله التي وقعت له صلى الله عليه وسلم، وكربة عظيمة تعرض لها صلوات الله وسلامه عليه، لقد جاء الناس بخبر عجيب، واستغله أعداؤه أيما استغلال؛ للتنفير منه ولتكذيبه، وإبعاد الناس عن الإيمان به، أصبح في الصباح يحدث الناس أنه الليلة البارجة ذهب من مكة إلى بيت المقدس، وأنه عرج به من بيت المقدس إلى السماء السابعة، وأنه التقى في كل سماءٍ بأهلها، ثم رجع إلى فراشه في نفس الليلة، بل رجع إلى فراشه والفراش لا يزال حاراً كما تركه، فأصبح الناس يتحدثون عن هذا الخبر العجيب، وعن كذب هذا الرجل، وداروا على الناس في بيوتهم ليخرجوا إلى شوارع مكة ليستمعوا هذا الخبر العجاب، حتى جاءوا على الصديق رضي الله تعالى عنه فأخبروه بأن صاحبك يقول بأنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس، وأنه عرج به إلى السماء السابعة، ورجع إلى مكة الليلة، فقال: إن كان قال فقد صدق، فأنا أصدقه بما هو أكبر من ذلك، أصدقه بأنه يأتيه الوحي من السماء، فسمي الصديق، اجتمع الناس حول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصور لك هذا المشهد، ويخبرك عن هذه الكربة، اجتمع الناس حوله صلى الله عليه وسلم وهو في الحجر بجانب البيت، فاجتمعوا إليه وهو يقول عليه الصلاة والسلام: ( لقد رأيتني وأنا في الحجر، وقريش تسألني عن مسراي )، توجه إليه الأسئلة الدالة على صدقه، إن كنت صادقاً فيما زعمت فحدثنا عن كذا، وصف لنا كذا، ( فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها )، أي: لم أعتن بحفظها، ولم أنظر إليها في تلك الساعة، وما كان يدريه أن الناس سيسألونه عن هذه العلامات وعن هذه الأمارات، لقد شغل بما هو أهم وأعلى، جاء إلى بيت المقدس فدخل المسجد، وصلى فيه، والتقى بأنبياء الله، ثم صعد إلى السماء، فكان مشغولاً بما هو أهم وأجل، وما كان معتنياً بحفظ علامات وأمارات بيت المقدس، ( فسألوني عن أشياء لم أثبتها )، ولك أن تتصور كيف سيكون الموقف وهو يسأل عن أمارات صدقه في هذا الخبر العجيب، فنزل به من الغم، وأحاط به من الكرب ما وصفه صلى الله عليه وسلم قال: ( فكربت كربة ما كربت مثله قط)، نزل بي من الكرب ما لم أعرفه في حياتي، هذا شاهدنا من الحديث أيها الكرام! حينما نزلت به الكربة، وحل به الهم، ونزل بساحته الضيق، إنه لا منجى من الله إلا إليه، كان المفر والمفزع إلى الله جل شأنه: ( فكربت كربة ما كربت مثله قط )، لكن لأنه رجع إلى ربه، ولأنه يحسن على من يلوذ به، فإنه سبحانه وتعالى أنزل عليه الفرج من حيث لا يحتسب، وعلى هيئة لا يتصورها الناس، فهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء، وليس شيء كبير على قدرته، لما نزل به هذا الكرب جاءه الفرج من الله عز وجل، قال: ( فرفعه الله لي أنظر إليه )، أزال الله عز وجل الحجب، وقرب إليه بيت المقدس، ورفعه في صورة جلية واضحة، ينظر إليه، ( لا يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به )، لهم بعد ذلك أن يسألوا عما شاءوا فإنه سيصفه لهم حجراً حجراً، وشبراً شبراً، ولن يدع شاذة ولا فاذة يسألون عنها إلا أنبأهم بها؛ لأنه يراه، (فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به)، هذا هو الفرج بعد الضيق، وإزالة الشدة بعد إحاطتها، ولا يزيلها إلا الله.

    هذا الحديث فيه تعليم للناس أن الله عز وجل هو ملاذ المكروه، فهو سبحانه القادر على تفريج الكرب وإزالة الشدائد، ولا يقدر على ذلك إلا الله سبحانه وتعالى، ثم هذا التفريج يأتي الناس على أنحاءٍ لا يتصورونها، وبأشكال لا يمكن أن يثبتوها في عقولهم، يأتيهم من حيث لا يحتسبون، وعلى هيئة لا يتصورونها، فهل كان الناس يظنون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرفع له بيت المقدس لينظر إليه، ويصفه كما يشاء، ما كان ذلك في الحسبان، ولا دار ذلك على الأفئدة، ولكنه فعل اللطيف الخبير، الله جل شأنه إذا شاء شيئاً هيأ له أسباباً، ففي مواطن الكرب العديدة التي نقلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمن جاء بعده من صالحي هذه الأمة، كان الله عز وجل هو مفرج كربهم، فهو سبحانه وتعالى الملاذ وحده عند اشتداد الأحوال.

    1.   

    دعوات تزيل الهموم والكروب

    جاء في قصص أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلمأبو معلق الأنصاري رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهذه القصة أثبتها غير واحد من أهل الحديث، ممن رووا أخبار هذا الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه، ذكر القصة ابن أبي الدنيا في مجابي الدعوة، وذكرها الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه العظيم الإصابة في تمييز الصحابة، أوردها بسندها ساكتاً عليها، وأوردها الإمام اللالكائي رحمه الله في كتابه: كرامات أولياء الله، وأوردها غير واحد ممن نقل الأحاديث بأسانيدها، وهي قصة عجيبة، تنبئك عن أن تفريج الله عز وجل إذا جاء جاء على صورة لا يتصورها البشر، أبو معلق الأنصاري كان تاجراً ورعاً نسكاً، يخرج بماله ومال من أعطاه من الناس ليتجر به، ومرة في الطريق اعترضه لص مدجج بالسلاح وهو يسير وحده بماله يسير، ليس له رفيق إلا الله تعالى، اعترضه في طريقه، فقال له: أريد قتلك، قال: إن كنت تريد المال فشأنك بالمال، خذ المال، قال: ما أريد إلا دمك، قال: يا رجل! وما ينفعك دمي؟ شأنك بالمال، قال: لا أريد إلا دمك، يقول أبو معلق رضي الله عنه: فقلت له: دعني أصلي أربع ركعات، فقال: صل ما بدا لك، صل ما شئت، فصلى أبو معلق ودعا في صلاته بالدعاء الشهير الذي يقول ابن القيم عنه: ينبغي لكل أحد أن يحفظه، قال: يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعالاً لما تريد! أسألك بعزتك التي لا ترام، وبملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تغيثني من هذا اللص، اللهم أغثني، اللهم أغثني، اللهم أغثني، وانصرف من صلاته فإذا هو بفارس يجري يلهث في الصحراء قد رفع رمحه بين أذني فرسه فجاء إلى اللص فطعنه فقتل اللص، قال له أبو معلق : من أنت يا رجل! لقد أغاثني الله عز وجل بك، قال: أنا ملك من السماء الرابعة، لما رفعت دعواتك سمعت لأبواب السماء قعقعة، وسمع لأهل السماء ضجيج، وقالوا: دعوة مكروب، فسألت الله أن أكون أنا من ينصرك، فبعثني إليك، وأبشر فإنه ما من عبدٍ يدعو بهذا الدعاء إلا استجيب له، هذا نموذج ومثال قد يكون بعيداً عن الخيال لكنه لولا وقوعه ما صدقناه، وتفريج الله عز وجل وقدرته أعظم من ذلك كله وأكبر، ولهذا كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يعلم المكروب دعاءً يذكره بهذه الصفات العظيمة، صفات الله الجليلة، صفات القدرة، صفات العظمة، صفات الملك والكبرياء، صفات التصرف بالمخلوقات، فكلهم مربوبون تحت قدرته ومشيئته، كان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه علم الأمة إذا نزل بها الكرب أو الواحد منهم إذا نزل به الكرب أن يقول: ( لا إله إلا الله العظيم الحليم )، وفي رواية: ( لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض، ورب العرش الكريم ) هذه الجمل الثلاث إذا نزل بك كرب، وأحاطت بك شدة، وجعلتها بين يدي دعواتك فإن في مسند أبي عوانة زيادة: ( ثم يدعو إلا فرج الله عز وجل عنك ما أنت فيه من الكرب )، وهذه الكلمات في الثناء على الله تذكرك بمن هو الله، فإنه سبحانه العظيم، وهو سبحانه الحليم، يملي للظالم، ولكن إملاءه سبحانه وتعالى له طرف، فإذا أخذه لم يفلته، وهو سبحانه الكريم الذي يتعالى عن أن يستغيث به المظلوم، أو يلهث إليه المكروب ثم يعرض عنه، لا إله إلا الله العظيم الحليم، أو الحليم الكريم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم، فالجميع مربوبون له سبحانه، والمربوب يعني: المتصرف فيه، وهذا معنى الرب المالك، الخالق، المتصرف، فالجميع مخلوقون وهو الخالق، والجميع متصرف فيه وهو المتصرف، والجميع مملوكون وهو المالك، فهو مالك الأرض والسماء وما فيهن، وهو المتصرف في جميع خلقه، فإذا بدأ الداعي بتذكير نفسه بهذه الصفات الجليلة، وأثنى على الله بهذه المحامد العظيمة، ودعا الله عز وجل بما يزيل كربه فإن الله عز وجل وعده بأنه يرفع عنه الكرب، ويزيل عنه الضيق.

    1.   

    نازلة المسلمين في سورية والواجب نحوها

    أقول هذا أيها الإخوان ونحن نرى على الشاشات أي كرب نزل بالمسلمين في سوريا، تجول الدبابات في الشوارع لا تدع شيئاً إلا هدمته، المساجد تهدم على فرشها، والبيوت تهدم على رءوس أطفالها، لا يتركون حرمة إلا انتهكت، ولا يتركون عرضاً إلا سطوا عليه، لم يتركوا شاباً إلا قتلوه، ولم يتركوا امرأة إلا اعتدوا عليها، وليس لهؤلاء الناس إلا الله، ليس لهم من يغيثهم في هذه الأحوال إلا الله، تنازل عنهم الناس الأقربون والأبعدون، وكلٌ يضرب حسابه لمصالح نفسه، تقاطعت على أجسادهم خطوط المصالح، وتقاطعت على أشلائهم ودماء أطفالهم ونسائهم مصالح الشرق والغرب، فليس لهم ملاذ إلا الله، والعجيب كيف نهنأ نحن بالنوم، وكيف نهنأ بالعيش ونحن نرى صرخات الثكالى، ونحن نسمع صرخات الأطفال، ونحن نسمع صرخات المستصرخين من الضعفة والنساء والصبيان، أي شيم في هذه الأمة لو لم يكن الدين يجمعها، فلا أقل من الشهامة، لقد اختار الله أمة العرب يوم اختارها كما يقول العلماء، لإنزال هذا الدين عليها لما فيها من شيم المكارم، لما فيها من الخصال العظيمة التي يتمتع بها الرجال، ولو لم يكونوا أصحاب دين، اختار الله العرب لحمل هذه الرسالة لما فيهم من نجدة المظلوم، ولما فيهم من إغاثة الملهوف، ولما فيهم من نصرة المستضعف.

    في مكة أيام الجاهلية قبل أن يعرف الناس الإسلام، عقد أهل مكة حزباً سموه حلف الفضول، تحالفوا فيه، وتعاقدوا فيه على نصرة المظلوم المستضعف إذا دخل مكة، كان بعض أهل الأطماع، وبعض المعتدين إذا دخل التاجر الضعيف إلى مكة أخذوا منه بضاعته ثم أبوا أن يدفعوا إليه ماله؛ لأنه لا ناصر له ينصره، فهو وحيد في مكة، فأنشأ أهل مكة حزباً، وتعاهدوا وتحالفوا عليه وسموه حلف الفضول، تعاهدوا فيه على أن ينصروا هذا المظلوم إذا استغاث بهم، وفعلاً فعلوه، ودعي إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شاب صغير قبل أن يبعث، ثم يقول بعد الإسلام: (لو دعيت إليه في الإسلام لأجبت)، أين ذهبت هذه الأخلاق الرفيعة من الأمم اليوم، الناس اليوم في كرب لا يعلمه إلا الله، وفي ضيق لا يحصي حزنه وشدته على هذه النفوس إلا الله، فلا أقل من أن تقوم أمتهم وإخوانهم في الديانة بنصرتهم بقدر المستطاع، ونحن نقدر على الشيء الكثير، دولة قطر مشكورة قامت بما تستطيعه، وإن كان بعض ما تستطيعه، ولكنه شيء خير من لا شيء، لكن الناس بعد ذلك يبقى أنهم يقدرون على شيء كثير، هذا ما سنشير إليه في الخطبة التالية.

    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه.

    1.   

    واجب المسلم تجاه الأحداث والنوازل الواقعة على المسلمين

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    إخوتي في الله! قال ابن القيم رحمه الله وهو يتحدث عن أصناف الناس حين تنزل بالمسلمين النازلة، وحين يلتقي المسلمون بأعدائهم، يقول رحمه الله تعالى: إن لم تكن من أنصار الرسول ونزال الحرب، فكن ممن يحرس الخيام، فهذان صنفان، إما أن يكون الإنسان ناصراً ببدنه، مقاتلاً بيده، فإن لم يستطع على ذلك فليكن من حراس الخيام، يعني: ممن يعين هؤلاء المقاتلين، فإن لم يستطع على ذلك قال: فكن من نظارة الحرب الذين ينتظرون الظفر للمسلمين، هذا الصنف الثالث، إذا لم تكن ممن يباشر، ولم تكن ممن يعين، فكن ممن ينتظر بقلبه، كن من نظارة الحرب الذين ينتظرون الظفر للمسلمين، يعني: يعينونهم بما يقدرون عليه، ولو لم يكن إلا الدعوات، ولا تكن الرابعة فتهلك، لا تكن مشغولاً بنفسك، ملتهياً بأحوالك، ناسياً لأبناء أمتك، فإن المسلم جزء من هذا الجسد الكبير، إذا أصابت الحمى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، أنت جزء من هذه الأمة، ومن ثم أنت مطالب بما تقدر عليه، شر البلايا أن نعيش هذه الأحداث الجسام ونحن نشعر أننا مكبلون، مقيدون، لا نقدر على أن نفعل شيئاً، وهذا صحيح، نحن أعداد كثيرة، وأموالنا وفيرة، وقدراتنا عزيزة، ولكننا لا نقدر على أن نفعل بها شيئاً، أشبه ما نكون بالفارس المكبل المقيد، ولكن مع هذا لا نعذر يا إخوان! من أن نبرأ إلى الله تعالى بما نقدر عليه، فإن من فرائض الله على الأمة نصرة المظلوم، قال عليه الصلاة والسلام: ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً )، وهذه المواقف كل من قدر على نصرة هؤلاء المستضعفين ولم يفعل فإن الله عز وجل سائله ومحاسبه، فلا أقل من أن نبرأ إلى الله، فنكره ما يصنع الظالمون، ونؤيد المظلومين بما نقدر عليه، نؤيدهم بدعواتنا الصادقة، ولا تهزأ بالدعاء ولا تزدريه:

    أتهزأ بالدعاء وتزدريه وما تدري ما صنع الدعاء

    سهام الليل لا تخطئ ولكن لها أمد وللأمد انقضاء

    الدعوات إذا رفعت إلى أبواب السماء فإن الله عز وجل قادر على أن يهيئ الأسباب لنصرة المستضعف المسكين، ونحن أحوج ما نكون إلى أن ندعو لهؤلاء القوم في كل موطن تشتد فيه الرغبة، ويعظم فيه الرجاء بإجابة الدعوة، ندعو لهم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم -كما ذكرت غير مرة- يدعو للمستضعف من المسلمين ولو كان واحداً، فكيف ونحن نسمع كل يوم يقتل مائة أو يزيدون، وأصبح هذا العدد كالوجبة اليومية، وكأنهم مجموعة من الخراف وليست دماءً معصومة، ولا أنفساً محترمة، وليسوا من أبناء أمة تنهض لهم وتغيثهم وتعينهم، أصبحت الأرقام شيئاً مألوفاً، وأصبح الواحد منا يتطلع إلى آخر الأخبار في اليوم ليرى كم عدد القتلى، هذا ينبغي أن يحرك فينا الكوامن؛ لندعو الله تعالى بدعوة صادقة، ومن ذلك أن نعينهم بما نقدر عليه من العون المادي عن طريق المؤسسات الخيرية، وأن نبادر إلى ذلك.

    لعل الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب

    اللهم يا ودود يا ودود! يا ذا العرش المجيد، يا فعالاً لما تريد! نسألك اللهم بعزك الذي لا يرام، وبملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، أن تغيث المستضعفين في سوريا يا رب العالمين! اللهم لا تكلهم إلى أنفسهم، اللهم لا تكلهم إلى أنفسهم، اللهم لا تكلهم إلى أنفسهم، اللهم لا تكلهم إلى أحد سواك يا رب العالمين! اللهم تول أمرهم، اللهم تول أمرهم، اللهم تول أمرهم، اللهم أغثهم، اللهم أغثهم، اللهم أغثهم، اللهم أطعم جائعهم، اللهم اشف مريضهم، اللهم أمن خائفهم، اللهم آو شريدهم، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم أنزل عليهم سكينتك، اللهم أنزل عليهم سكينتك، اللهم أنزل عليهم سكينتك، وانشر عليهم فضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأعز الإسلام والمسلمين، واخذل الكفرة والمشركين، أعداءك أعداء الدين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره، وأشغله في نفسه، واجعل تدميره في تدبيره، اللهم أحط به يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

    اللهم اغفر لمن حضر هذه الجمعة ولوالديه، وافتح للموعظة قلبه وأذنيه، أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756318295