إسلام ويب

القيامة وأهوالهاللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يوم القيامة يوم كثير الأهوال، ينجي الله فيه عباده الصالحين، الذين خافوا ذلك اليوم فاستعدوا له بصالح العمل، ولرسول الله في ذلك اليوم شفاعات عدة ادخرها لأمته، وأشد المواقف هناك ثلاثة: الصراط والميزان والحوض، وهي أماكن تواجده عليه الصلاة والسلام.

    1.   

    الاستعداد للقاء الله

    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]. أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    إخوتي في الله! كلما أمعن المؤمن النظر في أخبار يوم القيامة، وما يلقاه الناس فيها، وكلما أجال الإنسان الفكرة فيما ينتظره بعد مماته؛ كلما كان ذلك داعياً له إلى إحسان عمله، والاستعداد للقاء ربه، ومن مكرمات الله عز وجل لهذا الإنسان: أنه كلما اهتم بآخرته، وصرف رغبته إليها كلما كفاه الله عز وجل الهموم التي قبلها، فما من هم إلا ويصرف حين يجعل المؤمن همه لقاء الله، وما من ضيق إلا ويتوسع حين يجعل الإنسان همه تفريج كربات نفسه يوم الحساب، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ( من جعل الهم هماً واحداً هم آخرته كفاه الله هم دنياه ).

    ومن وصايا الصالحين ما نقل عن الإمام الثوري رحمه الله حين قال: أحسن سريرتك يحسن الله علانيتك، وأصلح ما بينك وبين الله يصلح الله ما بينك وبين الناس، وبع دنياك بآخرتك تربحهما جميعاً، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعاً، هذه سنة من سنن الله تعالى في خلقه، أن المؤمن كلما كان أكثر استعداداً للقاء الله، وكلما كان أكثر اهتماماً لما يلقاه بعد مماته، كلما يسر الله عز وجل عليه أمور دنياه.

    1.   

    المواطن التي يشتد فيها الهول يوم القيامة

    والحياة الأبدية هي الحياة التي تبدأ بالممات، فحق على العاقل أن يعمل لها بقدر ما يعيش فيها، وهذه الحياة عن قريب تفنى وتزول، وكان من بالغ نصح النبي صلى الله عليه وسلم لنا أنه جلى لنا حقائق الآخرة، حتى كأنا نراها رأي عين إذا نحن صدقنا وآمنا، لم يدع شيئاً مما يخاف علينا في أمر الآخرة إلا وأجراه الله عز وجل على لسانه، أو استخرجه لنا أصحابه الكرام بأسئلتهم النيرة، فلقد سألوه عن مواطن كانت هذه الأسئلة خير ما قدموه لهذه الأمة، وفي هذه اللحظات نقف مع سؤال من أسئلة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم للنبي الكريم عن مواطن القيامة وأهوالها، ومن ذلك ما رواه الترمذي رحمه الله و أحمد في المسند عليه رحمة الله وغيرهما، وصححه غير واحد من أهل العلم: عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة، فقال صلى الله عليه وسلم: أنا فاعل، قلت: فأين أطلبك يا رسول الله؟ قال: اطلبني أول ما تطلبني على الصراط، قلت: فإن لم أجدك على الصراط؟ قال: فاطلبني عند الميزان، قلت: فإن لم أجدك عند الميزان؟ قال: فاطلبني على الحوض، فإني لا أخطئ هذه المواضع الثلاثة ).

    هذه المواضع الثلاثة لها خاصيتها يوم المعاد، لقد سأل أنس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشفع له، وأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه من البشريات لـأنس بن مالك ، ومما يبين درجته عند رسول الله، فهو مبشر بهذا الحديث بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم له، لكن أنس لفقهه في أخبار الآخرة يعلم بأن أخبار الآخرة متفاوتة في الشدة والضيق، ويعلم أن مواطن الآخرة متفاوتة في الكرب، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهم المواطن التي يحتاج فيها إلى طلب رسول الله، وعن أشد المضايق التي يحتاج فيها إلى شفاعة رسول الله، فسأله هذا السؤال الجليل: أين أطلبك يا رسول الله؟ ما هي المواقف الشديدة التي أحتاج فيها أشد الحاجة إليك لتخلصني فيها من ورطة؟ أين أطلبك يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ( اطلبني على الصراط )، وثنى له بالميزان، وثلث بالحوض.

    هناك مواطن تضيع عندها عقول أولي الألباب، ولا يذكر أحد أحداً، جاء في سنن أبي داود ( أن عائشة رضي الله تعالى عنها بكت بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها رسول الله: ما يبكيك يا عائشة ؟ قالت: ذكرت النار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة يا رسول الله؟! قال: أما عند ثلاثة مواطن فلا يذكر أحدٌ أحداً )، هناك مواطن ينسى فيها الحبيب حبيبه، وينسى القريب قريبه، ( أما عند ثلاثة مواطن فلا، عند الكتاب حتى يعلم أيأخذه بيمينه أو بشماله، وعند الميزان حتى يعلم أيخف عليه أم يثقل، وعند الصراط )، في هذا الحديث يخبر عائشة بأنه لا يذكر أحدٌ حبيبه، والعلماء يحملونه على الحبيب الغائب، فإنه في الحديث الآخر أجاب أنساً إلى سؤاله، وقال له بأنه سيشفع له، ودله إلى المواطن الثلاثة، فقال له: ( اطلبني أول ما تطلبني على الصراط ).

    الصراط

    والصراط جسر جهنم، وحق لمن ذكر النار وهو مؤمن بها أن يبكي، كيف تنام الأعين وهي مستعدة لعبور ذلك الصراط، وقد جاء في وصفه أنه أدق من الشعر، وأحد من السيف، يركبه الناس جميعاً، وتراهم يتقاذفون كما جاءت الأخبار على حافتيه كلهم يريد لنفسه السلامة، ترى هذا الصراط جسراً ممدوداً وعليه كلاليب وحسكة، كلاليب تخطف الناس بأعمالهم، وترى الناس وهم يجتازون هذا الصراط بقدر أعمالهم ( فمن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه )، ولا يجتازه الإنسان إلا بما قدم من الأعمال، فكثير منهم هالك موبق، وقليل منهم سالم منجى.

    هذه المواطن كلما أمعن فيها الإنسان الفكر، وكلما أجاد لها التذكر كلما دفعته إلى صالح العمل، الصراط موقف شديد، لا ينجو الإنسان من هوله إلا بعمله، فقليل هم الناجون، على جهنم كلاليب وحسكة تخطف الناس بأعمالهم، هكذا وصفه عليه الصلاة والسلام، لقد وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفات بالغة الخطر، فهو في ضيقه أدق من الشعرة، وفي حده أحد من السيف، ومع ذلك يجتمع الناس عليه، جاء في الحديث ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين سألته عائشة عن قول الله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ [إبراهيم:48] سألته عائشة : أين يذهب الناس حين تبدل الأرض غير الأرض؟ أين يذهب الناس حين تبدل السموات غير السموات؟ أين يذهب الناس؟ فقال لها عليه الصلاة والسلام: على الصراط ).

    ولا تثبت قدم على هذا الصراط إلا إذا ثبتت على صراط الله في هذه الدنيا، وأول من يجيز الصراط يوم القيامة هو محمدٌ صلى الله عليه وسلم وأمته، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل كما جاء في الحديث ( ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم )، إذا كان رسل الله يدعون لأنفسهم بالسلامة، فكيف بأحوالنا من وراءهم، وهذا ما طلبه أنس من رسول الله، يرجو أن تشمله هذه الدعوات، وأن يدخل في دعوات رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم سلم سلم، ( اطلبني أول ما تطلبني على الصراط ).

    الميزان

    وإذا اجتاز الإنسان الصراط جاء الميزان، فالميزان بعد الصراط كما تشهد لذلك الأحاديث الصحيحة. والميزان موقف عسير، يتأمل الإنسان إلى حصائد ما عمل، وينظر إلى صحيفة عمله، ويترقب أين يكون ميزانه: أهو من أهل الثقل فيسلم وينجو، أم هو من أهل الخفة فيخسر ويبور، أين يكون المصير؟ فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ [القارعة:6-11]، إنه موقف عصيب، حق للألباب أن تطير، وللقلوب أن تفزع، وللأبصار أن تطيش حين ينظر الإنسان إلى كفتي الميزان وهو ينتظر مصيره، ومآله إلى أين يكون، وهنا يحتاج الإنسان إلى شفاعة الشافعين، وأعظم الشفعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    الميزان كبير وعظيم، ولكنه تملؤه الأعمال الصالحة التي يبتغى بها وجه الله، الميزان كبير لكنه يملأ بيسير الأعمال التي يؤديها الإنسان من الفرائض والنوافل مبتغياً بها وجه الله، ( وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض )، الميزان يثقل بأعمال الإنسان الخالصة، التي يريد بها وجه الله، ويخف وإن كثرت أعماله إذا كان المبتغى بها غير ذلك.

    لقد جاءتنا الأحاديث الكثيرة بثقل موازين بعض الناس مع قلة أعمالهم، لكنهم كانوا يؤدون الفرائض مبتغين بها وجه الله، فثقلت، ففي حديث صاحب البطاقة المشهور ( ينشر له تسعة وتسعون سجلاً من السيئات، وتخرج له بطاقة عليها شهادة أن لا إله إلا الله، فيقرره الله: هل ظلمك كتبتي؟ فيقول: لا. يا رب! ويقر بتلك الأعمال، ويقول له: لكن لك عندنا حسنة، فتوضع لا إله إلا الله في كفة، والسيئات في كفة، فتطيش كفة السجلات )، تخف كفة السجلات بما فيها من السيئات والموبقات؛ لأنه سلمت له لا إله إلا الله، قالها موقناً معتقداً، عاملاً بمقتضاها، مبتغياً بها وجه الله، وإذا صح نور الشمس لم تقف أمامه ظلمة، ثقلت تلك الموازين بتلك الكلمة العظيمة، و( ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من خلق حسن )، تثقل الموازين يوم القيامة بأعمال يسيرة، فربما ثقل الميزان بمثقال ذرة من الخير: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]، وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47]، إنه لا يضيع في ميزان الله قليل ولا كثير، كل سيئة تعملها هي مرصدة لك: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30]، كل ما نتلفظ من كلمة أو نعمل من عمل سنقف عليه أمام الميزان، وحق للعقل أن يطير حين يعلم الإنسان بأن ذلك الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

    وأول ما توزن على هذا الإنسان الفرائض التي كلفه الله عز وجل بها، ( فأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص منها شيء قال الله لملائكته: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل به ما انتقص من الفريضة )، ثم يكون سائر عمله على ذلك، إنه الميزان القسط، الذي لا يحابي مخلوقاً، ولا يجامل أحداً، وما بين أحدٍ منا وبين الله علاقة إلا التقوى، فمن لم يثقل عمله في ميزانه لن ينفعه نسبه.

    لقد رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود راعي الغنم الأسود مرة وهو يقطف الأراك لرسول الله، فضحكوا من دقة ساقيه، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: ( أتضحكون من دقة ساقيه؟ فوالذي نفسي بيده لهما أثقل يوم القيامة في الميزان من جبل أحد )، يوزن الناس، وتوزن صحائفهم، وتوزن أعمالهم، فلا يثقل إلا الأتقياء، و( يؤتى بالرجل السمين العظيم، فلا يزن عند الله جناح بعوضة )، هذه الدار التي نحن فيها مزرعة لتلك المواقف، فمن زرع فيها خيراً حصده هناك، ومن أودع فيها حسناً جنى ثمرته هناك، ومن غرته الأماني، وأضاع عمره في التمني، فإنه سيخسر، ويندم حين لا ينفع الندم، من زرع الأرض وحرثها وسقاها ثم ظل بعد ذلك ينتظر فضل الله فذلك هو الراجي رحمة الله، ومن قعد عن الحراثة والزرع وظل يتمنى أن ينبت له الزرع، أو أن تثمر له الفاكهة فقد غره الشيطان، والله تعالى يقول في كتابه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [فاطر:5].

    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه.

    الحوض

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    الموطن الثالث من المواطن التي يحتاج فيها الشخص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى شفاعته: ما دلهم عليه الصلاة والسلام إليه في هذا الحديث حين قال له أنس : ( فإن لم أجدك عند الميزان؟ قال: فاطلبني على الحوض؛ فإني لا أخطئ هذه المواطن الثلاثة ).

    الحوض الذي كرم الله عز وجل به هذا النبي في صفته، وسعته، وعدد أكوابه، ومن ورد عليه من أمته، فإنه من شرب منه لم يظمأ بعده أبداً، كما جاءت بذلك الأخبار.

    الحوض يرده السعداء الذين كانوا ألصق الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين كانوا يتبعونه، وماتوا على ملته، وعاشوا على شرعته، فهم وراد حوضه، نسأل الله بوجهه الكريم أن يجعلنا من ذلك الصنف المكرم.

    ( من ورد الحوض فشرب فإنه لا يشقى بعده أبداً )، هكذا جاء الحديث، وقد جاءت الأخبار في صفة هذا الحوض، وما هو عليه من الوصف العظيم النبيل، فقد جاء في الحديث أن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه سأل أحد التابعين من رواة أحاديث الحوض أن يذكره بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحوض، فقال: حدثنا ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن حوضي كما بين صنعاء وأيلة )، كما بين صنعاء وعمان، هذا عرضه، ( وعرضه كطوله، أحلى من العسل، وأصفى من اللبن، أكوابه عدد نجوم السماء، من شرب منه لم يظمأ بعده أبداً )، ( أول الناس وروداً عليه فقراء المهاجرين، الشعث رءوساً الدنس ثياباً، الذين لم ينكحوا المتنعمات )، هكذا وصفهم صلى الله عليه وسلم بثلاثة أوصاف، أول من يرد الحوض على رسول الله فقراء المهاجرين، الشعث رءوساً، الذين أمضوا حياتهم في مرضاة الله، صبروا على الفقر والحاجة، وتركوا الأهل والأموال، وارتضوا أن يبذلوا الدنيا في سبيل الآخرة، فكانوا شعث الرءوس، وكانت ثيابهم تتسخ فلا يجدون من الوقت ما يكفيهم للاعتناء ببشرتهم، والاعتناء الزائد بمظاهرهم، فرغوا أوقاتهم لله، واشتغلوا بآخرتهم، وقل مع ذلك ما في أيديهم، فكانت هذه حالهم، ( الشعث رءوساً، الدنس ثياباً، الذين لم ينكحوا المتنعمات )، ولما سمع عمر بن عبد العزيز هذه الأوصاف الثلاثة بكى حتى اخضلت لحيته، عمر الذي كان يغسل الثوب وينتظره حتى يجف ليلبسه وهو أمير المؤمنين، عمر الذي أخذ ثروات زوجته وأودعها بيت المال، عمر الذي عُمِّر في الخلافة عامين فعد خامس الخلفاء الراشدين، لما سمع أوصاف أول الطوائف وروداً على الحوض بكى حتى اخضلت لحيته، ثم قال: لا جرم ألا أغسل ثيابي حتى تتسخ، وإني قد نكحت المتنعمات فاطمة بنت عبد الملك .

    كانت همتهم حين يسمعون الأخبار العمل بما فيها، فإذا سمعوا الحديث كانوا أرغب ما يكون على التخلق بما فيه من صفات، وإذا سمعوا آيات القرآن كانوا أحرص ما يكون على تحقيق تلك الصفات في أنفسهم؛ علهم أن يظفروا برضوان الله، وذلك هو الرجاء الصادق، وليست رءوس أموال المفاليس.

    إن تذكر الأحوال الآخرة وما فيها من الشدائد والأهوال جدير أن يبعث الإنسان إلى إحسان العمل، والاستزادة من الخير، ولذلك كانت الآيات الذي نزلت بمكة كلها أو جلها تعالج قضية الإيمان باليوم الآخر، وتذكر الناس بما لهم عند الله إن أطاعوه، وما لهم عند الله إن عصوه، فإذا صح الإيمان وثلج القلب بيقين الإيمان بالآخرة، أصبح الإنسان وأمسى وهو يستعد لتلك المواقف، فصلحت الآخرة والأولى، بصلاح هذا الهم تصلح الأعمال وتصلح القلوب، وبالغفلة عنه تفسد الدنيا والآخرة، ولقد جاء في الحديث أن من الناس من يحاول أن يتشدق يوم القيامة، ويظهر على خلاف حقيقته، ولكنه لا يدري من يغالط، يقول يوم القيامة حين يسأله الله: ماذا عملت؟ فيقول: آمنت، وصدقت، وصليت، وتصدقت، فيقال له: كذبت، ثم ينطق الله عز وجل أعضاءه وأركانه فتشهد عليه بعمله، من الناس من يأتي يوم القيامة وقد نسي تلك المواقف، وأمضى حياته في لهوه وعبثه، بعيداً عن الله، وعن الاستعداد للقائه، فإذا سئل يوم القيامة لم يجد جواباً، فيأتيه جواب الباري سبحانه وتعالى: اليوم أنساك كما نسيتني.

    حقٌ علينا أيها الأحباب! أن نتذكر تلك المواطن، وأن نستعد لذلك اللقاء، فإنه عسى أن يكون قريباً، أولم يتفكروا في خلق الله للسموات والأرض، ويتفكروا في أعمالهم وآجالهم، فلعل الفراق قريب، ولعل الساعة التي ترتحل فيها قد حانت، فانظر بماذا تقابل تلك المواقف.

    نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، اللهم يا حي يا قيوم! برحمك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

    اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

    اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها، دقها وجلها، وأولها وآخرها، وسرها وعلانيتها، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.

    اللهم اغفر لمن حضر هذه الجمعة ولوالديه، وافتح للموعظة قلبه وأذنيه، أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

    اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم اخذل الكفرة والمشركين، أعداءك أعداء الدين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره، وأشغله في نفسه، واجعل تدميره في تدبيره يا قوي يا عزيز!

    اللهم انصر عبادك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين! اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين، اللهم اجعل للمستضعفين في كل مكان فرجاً ومخرجاً يا رب العالمين، اللهم فرج عن المستضعفين في سوريا ما هم فيه يا أرحم الراحمين، اللهم فرج عن المستضعفين في سوريا ما هم فيه يا رب العالمين! اللهم فرج عن المستضعفين في سوريا ما هم فيه يا رب العالمين! اللهم لا تكلهم إلى أحد سواك، اللهم لا تكلهم إلى أحد سواك، اللهم لا تكلهم إلى أحد سواك، تول أمرهم، واغفر ذنوبهم، وتجاوز عن سيئاتهم، اللهم ثبت أقدامهم برحمتك يا رب العالمين، اللهم أنزل عليهم سكينتك، وانشر عليهم فضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تجعلهم فتنة للقوم الظالمين، اللهم لا تجعلهم فتنة للقوم الظالمين، اللهم لا تجعلهم فتنة للقوم الظالمين، ونجهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم اجعل أعمالنا كلها صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحدٍ فيها شيئاً.

    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756367182