إسلام ويب

اليتيم في الإسلامللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد حث الشرع الحنيف على الإحسان إلى اليتيم بقدر الاستطاعة، بل جعل كافل اليتيم في منزلة تلي منزلة النبيين، ونهى عن زجره وتعنيفه وإهانته، وحذر أيضاً من ظلمه وأكل ماله

    1.   

    حقوق الأيتام في الإسلام

    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الإخوة في الله! روى الإمام أبو يعلى رحمه الله تعالى عن أبي هريرة وحسنه الحافظ ابن حجر رحمهم الله جميعاً، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أنا أول من يفتح له باب الجنة، فإذا امرأة تبادرني)، يعني: تسابقني لتدخل الجنة ( فأقول: من أنت؟ فتقول: أنا امرأة تأيمت على أيتام لي )، تأيمت أي: تركت الزواج فأصبحت أيماً بلا زوج لترعى هؤلاء الأيتام.

    حديثنا عن هذا النوع من الضعفاء أيها الكرام! اليتامى ما لهم علينا، وما ينبغي أن نقدمه لهم؟

    الضعفاء كثيرون ولكن اليتامى من أضعفهم، وقانون حقوق الإنسان أو ما يسمى بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان حين تحدث عن حقوق الطفل لم يتعرض لحق اليتيم بوجه الخصوص، وهذه طبيعة الإنتاج البشري؛ القصور والجهل شيء ملازم له، لا يدرك الإنسان حاجاته على التمام، ولا يعرف الإنسان مواطن الضعف فيه على الكمال، إنما يعلم ذلك اللطيف الخبير سبحانه وتعالى.

    اليتيم طفل يحتاج إلى الرعاية وله حقوق، ولكنه طفل من نوع خاص، وضعيف من نوع خاص، إنه طفل فقد اليد الحانية التي كانت تمسح رأسه، وفقد الصدر الحنون الذي كان يضمه إليه، وفقد الشخص الذي كان يحميه ويذود عنه، وفقد الشخص الذي كان يصطحبه ويأخذه كما يأخذ الآباء أبناءهم، فهو بحاجة إلى تعويضه عن كل تلك المعاني التي فقدها حين فقد أباه.

    فلا غرابة أن ينبه الله سبحانه وتعالى على هذا النوع بخصوصه من الضعفاء، فقد اجتمعت فيه أسباب الضعف الكثيرة: صغر سنه، وفقد أبيه، وربما غفلة المجتمع عنه.

    وفي الوقت الذي خلا فيه الإعلان العالمي عن حقوق الإنسان من ذكر اليتيم ولو مرة، ذُكر اليتيم في القرآن ثلاثة وعشرين مرة، أما الأحاديث التي ذكرت اليتيم وحثت على إكرامه والقيام بحقوقه فلا أحصيها.

    ما هو موقف هذا الشرع من اليتيم؟

    تعددت أساليب القرآن في الحث والحض على إكرام اليتيم، وراعت أحوال هذا اليتيم.

    حقوق اليتيم في حال فقره

    فاليتيم قد يكون فقيراً صغيراً فيحتاج إلى من يقوم بالإنفاق عليه وكفالته وتربيته، جاءت الآيات الكثيرة حاضةً على إطعامه قال سبحانه وتعالى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [الإنسان:8]، وجعل سبحانه وتعالى إطعام اليتيم من الأمور الصعبة التي بها ينجو الإنسان يوم القيامة، قال سبحانه وتعالى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ [البلد:12-15]، وحث سبحانه وتعالى على إكرامه والإحسان إليه بقدر الاستطاعة، ونهى عن زجره وإهانته وتعنيفه قال: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ [الضحى:9]، وهكذا تعددت أساليب القرآن في الإنفاق على اليتيم، وجعله من مصارف الفيء، فذكره في المصارف الستة: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الحشر:7]، وجعل الإنفاق على اليتيم من أعمال البر التي يستحق بها صاحبها أن يوصف أنه من الأبرار، وأنه من المتقين، وأنه من المحسنين، لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ [البقرة:177].

    وهكذا جرى القرآن على ذكر اليتيم في موطن صرف الأموال حتى يتنبه الناس إلى حاجة هذا النوع من الضعفاء، حاجته إلى الرعاية والإنفاق.

    حقوق اليتيم في حال غناه

    وراعى حاله عند الغنى، فقد يكون اليتيم غنياً ثرياً، ترك له الأب ثروة طائلة، ولكنه لصغر سنه يقع فريسة سهلة لأطماع الطامعين من الأقارب أو من الأباعد، فزجر الله سبحانه وتعالى وشدد في أمر الاعتداء على أموال اليتامى، وكلف الناس حفظ هذه الأموال، وتوعدهم بأشد العذاب إذا هم اعتدوا عليها: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10]، ونهى عن قربان مال اليتيم إلا بأحسن الوسائل، قربانه من أجل الحفاظ عليه، من أجل تنميته وتثميره، من أجل المتاجرة به ليزيد لا لينقص، فقال سبحانه: وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ [الأنعام:152].

    وأمر بحفظ هذه الأموال حتى يؤنس منه الرشد، فإذا أونس منه الرشد وعلم منه الصلاح دفع إليه ماله، وهكذا يرعاه الإسلام في حالتيه: في حالة الضعف والفقر، وفي حالة الضعف والغنى.

    حقوق يتامى النساء

    ومن عجيب هذه الشريعة أنها تنبه على الأشد ضعفاً وهن يتامى النساء، فجاء القرآن مشدداً على حق هذا النوع من الضعفاء، فالفتاة اليتيمة قد تكون في حجر أحد أقاربها فيطمع في ثروتها ليأخذ مالها فيتزوجها قهراً؛ ليأخذ هذا المال، وربما لم يبذل لها من المهر مثل ما تأخذه مثيلاتها، فنهى الله سبحانه وتعالى عن نكاح اليتامى إلا مع القيام بالقسط لهن بالحقوق، قال سبحانه في أول سورة النساء: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3]، إذا خشي الإنسان ألا يقيم القسط إذا تزوج اليتيمة وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى [النساء:3]، أي: ألا تقسطوا في نكاح اليتامى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3]، انصرف عنها إلى غيرها، ودعها تتزوج بغيرك، فإذا تزوجت بغيرك أخذت كامل حقها، أما أنت فلا يجوز لك أن تتزوجها إلا إذا أقمت العدل معها، قال: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ [النساء:127]، أي: والذي يتلى عليكم في الكتاب أيضاً يفتيكم في يتامى النساء، فذكر سبحانه وتعالى هذا النوع خاصة؛ لأنه أضعف الضعيف، وكان لفتاً للانتباه إلى ضرورة تقصي الحق وإقامة القسط في التعامل مع اليتيم وحفظ ماله.

    1.   

    دلالة إكرام المجتمع لليتيم أو إهانتهم له

    إكرام اليتيم أيها الإخوة! علامة على سلامة المجتمع وتحاض الناس، وحث بعضهم بعضاً على إكرام اليتيم والقيام بحقه علامة على خيرية الناس، فإن الله ذم أقواماً بعد أن بسط لهم الرزق، ووسع لهم المعايش، ذمهم بأنهم لا يكرمون اليتيم، فقال سبحانه وتعالى بعد أن ذكر صنفي الناس؛ من ضيق عليهم، ومن وسع لهم، قال: فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ [الفجر:15-16]، قال: كلا ليست المسألة مسألة إهانة وإكرام، إنما نبسط لمن نشاء أن نبسط له، لنختبره، ونضيق على من نضيق عليه لنختبره، وليس إعطاؤنا أو منعنا دلالة على الإكرام.

    ثم بين لهم ميدان التسابق الذي ينبغي أن يتسابق فيه من وسع له في الرزق قال: كَلَّا بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ [الفجر:17]، تتركون الميدان الذي ينبغي أن تتسابقوا فيه بعد أن وسع لكم في الرزق، وهو إكرام من يستحق الإكرام كَلَّا بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ [الفجر:17]، فإكرام اليتيم وحث الناس على إكرامه دليل على إيمانهم ودليل على خيرتهم.

    وبالعكس، جعل سبحانه وتعالى إهانة اليتيم وتعنيف اليتيم من أوضح صفات الذين لا يؤمنون باليوم الآخر: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ [الماعون:1-2]، يدعه يعني: يدفعه، يزجره ينهره، فهذا علامة على أنه لا يؤمن بالجزاء، ونهى رسوله صلى الله عليه وسلم عن قهر اليتيم، قال: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ [الضحى:9].

    1.   

    منزلة كافل اليتيم

    هذا هو شرعنا الحنيف وموقفه مع اليتيم، يحث على الإحسان إليه بقدر الاستطاعة، ولم يكتفِ بهذا حتى جعل منزلة كافل اليتيم تلي منزلة النبيين في الجنة، فقال في الحديث الذي نحفظه جميعاً: ( أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين. قال الراوي: وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما شيئاً)، يعني: شيئاً يسيراً؛ لأنه لا يمكن التفريج الكثير، فجعل عليه الصلاة والسلام منزلة كافل اليتيم تلي منزلة رسول الله، كما قال شراح الحديث: كما أنه لا أصبع بين الأصبعين كذلك لا منزلة بين المنزلتين، فمنزلة كافل اليتيم تلي منزلة رسول الله، ولهذا قال بعض الأئمة كـابن بطال رحمه الله وهو يشرح هذا الحديث العظيم يقول: حق على كل مؤمن يسمع بهذا الحديث أن يطمع في أن يعمل به ليكون في منزلة تلي منزلة النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلة الأنبياء عليهم السلام، فأي أمل تؤمله وأي أجر تطمع إليه أكبر من أن تكون في منزلة تلي منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وفي الحديث المذكور سابقاً ذكر النبي صلى الله عليه وسلم تسابقه، تريد أن تدخل معه أو تريد أن تدخل على أثره، وما ذاك إلا ليدلك على عظيم منزلتها، وأنها بالقرب من منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    الجنة جزاء لكافل اليتيم، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( من ضم يتيمين بين أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يستغني عنه، وجبت له الجنة )، أي: حقت له الجنة، الله عز وجل يوجب على نفسه أن يدخله الجنة إذا قام بهذا العمل الجليل، كفالة الأيتام ورعاية الأيتام من أعظم القربات، التي يتقرب بها الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى.

    هذا ديننا ونحن اليوم أكثر أمم الأرض يتامى، أكثر الأيتام اليوم على سطح هذه الكرة من أبناء المسلمين، عددهم في أقطار الإسلام بالملايين، عدد اليتامى في العراق وحدها في إحصائية قديمة ما يزيد على خمسة ملايين يتيم، والسودان، وفلسطين، والصومال، واليمن أرقام إن لم تصل الملايين فإنها بمئات الآلاف، أكثر من نصف مليون يتيم.

    أحدثكم عن اليمن التي أعرفها فيها أكثر من نصف مليون يتيم ينتظرون كفالة اليتيم، هذا ما وقع عليهم الإحصاء، والذين لا يحصون لا يعلمهم إلا الله، نحن كما أن شرعنا يحثنا على إكرام اليتيم نحن اليوم أحوج ما نكون أن نقوم بهذه الوظيفة وهي علامة على خيريتنا، علامة على إيماننا، علامة على رغبتنا في الدار الآخرة وإيثار ما عند الله سبحانه وتعالى.

    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    المقصود باليتيم ومراتب كفالته

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    إخوتي في الله! نحن بحاجة أن نعرف ماذا تعني كفالة اليتيم؟ ومن هو هذا اليتيم؟ وما هي الصورة الكاملة في كفالة اليتيم؟

    اليتيم من فقد أباه، ولكن العلماء ألحقوا به من فقد أبويه من باب أولى، وألحقوا به مجهولي النسب، فإن الإسلام إذا جاء بكل ما سمعت من الحض على إكرام اليتيم الذي علم أبوه، لكنه فقده، وقد يكون هذا الأب ترك له مالاً وتركة، فأولى بالرعاية من لا يعلم أبوه، فاللقطاء هم من جملة اليتامى الذين ينال كافلهم ما ينال كافل اليتيم في النصوص الشرعية، فهو بحاجة إلى الرعاية، بحاجة إلى الإحسان؛ لأنه أضعف من اليتيم الذي ذكر في الآيات والأحاديث، فاللقطاء يتامى بحاجة إلى الرعاية.

    أما الكفالة فالكفالة مراتب، لكن الكفالة التي وردت في هذه الأحاديث السابقة معناها القيام بمصالح اليتيم، ليس مجرد الإنفاق عليه، فالإنفاق عليه حسنة وقربة، ولكن الكفالة الكاملة التي يستحق بها الإنسان أن ينال الثواب الكامل أن يضم هذا اليتيم إلى نفسه، كما في الحديث: ( من ضم يتيماً بين أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يستغني وجبت له الجنة )، الضم شيء زائد على مجرد النفقة، اليتيم بحاجة إلى من يحضنه، بحاجة إلى أن يتربى في أسرة فيشعر بالحنان والرحمة والرفق، بحاجة إلى أن يلعب مع الصغار وأن يضحك ويمرح مع الصغار كغيره من أبناء الأسر، بحاجة إلى أن يعلم ويربى، حتى يأخذ لنفسه كما قال ابن عباس: (من صالح ما يأخذ الناس)، بحاجة أن يتعلم عادات المجتمع، وأخلاقه، كيف يتأقلم ويتناسب مع هذا المجتمع؟

    وهذه المعاني لا تتحقق إلا إذا ضم إلى الأسرة فربي في وسطها. هذا هو معنى الكفالة الكامل، والمؤسسة لرعاية الأيتام من خدماتها التي تقدمها إعطاء حق الحضانة لبعض الأسر التي تراها مؤهلة لأن تحضن يتيماً، فليست كل الأسر صالحة لهذه المهمة، إنما إذا تحققت الشروط أعطيت هذه الأسرة يتيماً تكفله، ويبقى تحت نظر المؤسسة ورعايتها ومتابعتها، وهذا فضل عظيم وأجر كبير.

    1.   

    مخالطة اليتيم

    مخالطة اليتيم مقصود شرعاً من أجله رخص الله عز وجل في بعض ما لم يرخص به عند عدم المخالطة، لما نزل قول الله سبحانه وتعالى: وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152]، ولما نزل قول الله: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا [النساء:10]، لما نزل هذا الوعيد عمد الصحابة رضوان الله تعالى عليهم إلى أموال اليتامى فعزلوها، فأصبح اليتيم يأكل منفرداً حتى لا تقع يد هذا المخالط له في طعامه فيأكل شيئاً من طعامه بغير حق، فينزل به ذلك العقاب، وهذا ينبئك عن شدة ورع القوم، وخوفهم من عقاب الله، لكن الله لم يرد هذا، أراد إصلاح مال اليتيم، أراد منفعة اليتيم، فأنزل سبحانه وتعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [البقرة:220]، اليتامى بحاجة إلى مخالطة، وشأن المخالط أن ينال من مال من يخالطه، وهذه طبيعة الإخوان أن يأكل الإنسان من مال أخيه ما تطيب به نفسه، وما لا تجري عادة الناس بالمشاحة فيه، فرخص الله فيما ذهب من مال اليتيم في سبيل تحقيق هذا المقصود، ما دام المخالط لا يقصد أكل مال اليتيم، ولا يقصد إفساد مال اليتيم، قال: فَإِخْوَانُكُمْ [البقرة:220].

    ثم نبههم سبحانه أنه يعلم ما يخفون في بواطنهم وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [البقرة:220]، إن أكلت حال المخالطة وأنت قصدك إتلاف مال اليتيم، وأكل مال اليتيم، فإن الله يعلم ذلك، ولا يغيب عنه، وإن أكلت بغير ذلك القصد، إنما جرتك إلى ذلك المخالطة فالله عز وجل يعلم ذلك ويعفو عنك، ويعلم أن قصدك الإصلاح وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [البقرة:220].

    اليتيم بحاجة إلى مخالطة، ومن ثم ينبغي لنا أن نجتهد في تحقيق الأسر البديلة للأيتام، ونتسابق في تحقيق هذا الأجر العظيم حتى نؤهل أنفسنا لنكون ممن يستحقون رحمة الله عز وجل، فإن الله عز وجل يرحم الرحيم، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء )، وأقرب القلوب إلى الله القلوب اللينة القلوب الرحيمة.

    ومن أسباب لين القلب ومن أسباب طراوة القلب، ومن الأسباب التي تجعل الإنسان محلاً لرحمة الله أن يحسن إلى اليتيم، وفي الحديث (أن أبا الدرداء جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو إليه قسوة قلبه، فقال له عليه الصلاة والسلام: امسح رأس اليتيم يلن قلبك وتدرك حاجتك )، ومن أسباب رحمة الله لك أن تكون رحيماً بالضعفاء: ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ).

    نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يأخذ بأيدينا إلى كل خير.

    اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

    اللهم اغفر لمن حضر هذه الجمعة ولوالديه، وافتح لسماع الموعظة قلبه وأذنيه، أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأعز الإسلام والمسلمين، واخذل الكفرة والمشركين أعداءك أعداء الدين.

    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755971650