إسلام ويب

أحكام في صلاة الخوفللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، ومنزلتها أعظم المنازل، وقد شدد الشرع على المحافظة عليها حتى في حال الخوف والقتال، ومع ذلك فإن لصلاة الخوف صفات تختلف باختلاف موقف العدو من المسلمين، وهي تؤدى جماعة، وهذا يعطي دلالة كبيرة على فضل الصلاة جماعة في المسجد.

    1.   

    قصر الصلاة في السفر

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    في الآيات الواردة في سورة النساء يتكلم فيها ربنا سبحانه وتعالى عن أحكام السفر في الأرض لمقاصد، والمقصود الأعظم الذي تتحدث عنه السفر في سبيل الله، أي: السفر فراراً بالدين وحفظ الإنسان لدينه، وذم الله عز وجل في الآيات الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا [النساء:97]، إلى آخر الآيات.

    ولما فرغ سبحانه وتعالى من الحديث عن السفر في سبيل الله وبيان أحكامه على طريقة القرآن في تكميل الفائدة، وتتميم المعاني ذكر السفر لغير ذلك.

    ثم ذكر السفر وأحكام القصر فيه، وكيف تصلى الصلاة في السفر؟ فقال: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ [النساء:101]، أي: إذا خفتم أن يعتدي عليكم الكفار فلا جناح عليكم أن تقصروا الصلاة.

    ( جاء رجل إلى عمر رضي الله تعالى عنه قال: الله عز وجل أذن بالقصر بشرط الخوف، قال: إِنْ خِفْتُمْ))[النساء:101]، وقد أمن الناس -يعني: لماذا نقصر اليوم والناس في أمان؟- فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته )، أي: تصدق الله عليكم بالقصر في السفر، سواء كان هذا السفر فيه خوف أو ليس فيه خوف، فاقبلوا من الله عز وجل صدقته.

    1.   

    أحكام في قوله تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة...)

    ثم أنتقل بعد ذلك إلى الكلام عن صلاة الجماعة، ومنزلتها وأهميتها، فقال سبحانه وتعالى لنبيه: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ [النساء:102]، ففصل لهم في الآية كيف يصلون في حالة الخوف.

    سبب نزول الآية الواردة في صفة صلاة الخوف

    أما سبب نزول هذه الآية، ولماذا نزلت هذه الآية؟ فقد جاء في سنن الترمذي وصحيح مسلم وغيرهما من دواوين السنة، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج لملاقاة المشركين في قتال، فنزل بين عسفان وضجنان -منطقة بين منطقتين- فلما حانت صلاة الظهر صلى المسلمون الظهر على هيئتها كما يعرفونها، والمشركون غافلون عنهم -ما كانوا يدرون أنهم سيصلون- ثم قال أبو هريرة : فقال المشركون بعد ذلك: ستأتيهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أولادهم وأموالهم )، أي: الآن بعد قليل ستأتي صلاة أخرى هي أحب إليهم من أموالهم وأولادهم ولن يفرطوا في هذه الصلاة، ولن تحول الحرب بينهم وبينها، فإذا قاموا يصلون فميلوا عليهم ميلة واحدة، وهذا ظن الكفار؛ بأن المسلمين إذا أقاموا دينهم سيضيعون دنياهم، وأن المسلمين إذا قاموا إلى الصلاة سيضيعون تكاليف أخرى كلفهم الله عز وجل بها، من حفظ أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، فخيب الله عز وجل ظن الكفار, وأنزل هذه الآية فيها بيان كيف يصلي الناس في المعركة.

    كيفية صلاة الخوف عندما يكون العدو خلف المسلمين

    جاء في حديث أبي هريرة : (جاء جبريل فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقسم أصحابه شطرين) شطر يصلي مع النبي عليه الصلاة والسلام ركعة، ثم يقوم النبي عليه الصلاة والسلام قائماً في الركعة الثانية، وإذا وقف يقرأ، والجماعة وراءه يكملون الركعة بأنفسهم، أي: يكملون الركعة ويسلمون، ويذهبون يأخذون الأسلحة من الذين كانوا يحرسون، وتأتي الطائفة الأخرى التي كانت تحرس كما قال الله تعالى: وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ[النساء:102]، والنبي صلى الله عليه وسلم واقف ينتظرها، فسلمت الجماعة الأولى وذهبت وأخذت الأسلحة، وجاءت الجماعة الأخرى التي كانت تحرس، فصلوا معه هذه الركعة، فلما سلم النبي عليه الصلاة والسلام قاموا فصلوا ركعة ثانية، وبهذا يكون النبي عليه الصلاة والسلام قد صلى ركعتين، وكل طائفة صلت ركعتين، لكن كل طائفة صلت مع النبي عليه الصلاة والسلام ركعة واحدة.

    وأنا أسألكم هذا السؤال: لو كان هذا التكليف لنا نحن اليوم ونحن في هذه المعركة ماذا سنقول؟ سيقول البعض: لماذا التشديد هذا كله، لماذا كل هذا الضيق كله سنصلي في وقت آخر، ولماذا نقتسم طائفتين، اتركونا على المهل، ولا داعي للتشديد، نحن الآن في حرب يا جماعة، نحن الآن في سيوف، فكيف تريدونا أن نصلي الآن.

    هذا المنطق ما كان يعرفه الناس، الناس كانوا يعرفون أن حدود الله عز وجل يجب أن تلتزم، وأن حدود الله يجب أن تقام، فقد فرض عليهم صلاة الجماعة ولم يتسامح معهم في ترك هذه الفريضة، حتى في حال الخوف أمرهم بأن يصلوا على الجهة التي يقدرون عليها، هذه كيفية من كيفيات صلاة الخوف، وتكون عندما يكون العدو في غير جهة القبلة، أي: أن العدو خلفهم.

    كيفية صلاة الخوف عندما يكون العدو أمام المسلمين

    وفي موقعة أخرى كان العدو أمامهم، فصفهم النبي عليه الصلاة والسلام صفين طويلين جماعتين، جماعة وراءه مباشرة، وجماعة وراء الجماعة الأولى، فيصلون جميعاً والعدو أمامهم، فإذا ركع النبي عليه الصلاة والسلام ركعوا جميعاً معه، وإذا رفع من الركوع رفعوا جميعاً معه؛ لكن إذا سجد سجد الصف الأول فقط، والصف الثاني يظل واقفاً يحرس خشية أن يأتي العدو فيداهمهم، فإذا قام الصف الأول مع النبي عليه الصلاة والسلام سجد الصف الثاني، فإذا فرغوا من السجود قاموا وفعلوا في الركعة الثانية مثلما فعلوا في الركعة الأولى.

    لماذا لا يقولون: لماذا كل هذا التشديد؟

    لأنهم يعلمون أن هذه فرائض الله عز وجل، وهكذا أراد الله عز وجل أن تكون، وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ [النساء:102].

    دلالة الآية الواردة في ذكر صفة صلاة الخوف على حكم صلاة الجماعة

    هذه الآية يقول العلماء: فيها دلالة على أن صلاة الجماعة فرض عين على كل واحد من المكلفين إلا لعذر من أعذار الجماعة، ولو كانت فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن البعض الباقين، كان يمكن أن يحصل الفرض بطائفة تصلي مع النبي عليه الصلاة والسلام، والباقون يصلون بعد ذلك في أي وقت، لكن لا، كلف الله الجميع أن يصلوا جماعة على هذه الكيفية، لأن هذا مقام صلاة الجماعة.

    وقد كان السلف يعرفون هذه القضية فيموت الواحد منهم وهو حريص أشد الحرص على أن يموت وهو مصل للصلاة في الجماعة.

    والنبي عليه الصلاة والسلام خرج يصلي ورجلاه تخطان في الأرض، ويحمله من جهة العباس ، ومن جهة علي رضي الله تعالى عنه، وقال عبد الله بن مسعود : لقد كان يؤتى بالرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف، مع أن المريض معذور، يمكن أن يصلي في بيته وليس عليه حرج، لكن حرص منهم على صلاة الجماعة.

    وهذا أبو عبد الرحمن السلمي أحد القراء المشهورين في زمن التابعين كان مريضاً، فحضرته سكرات الموت وهو بالمسجد ينتظر الصلاة، فلما جاءوا إليه وهو في النزع، قالوا له: ألا نرجعك إلى البيت حتى تميل على الفراش، أي: ترتاح على الفراش، فقال: قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أحدكم في صلاة ما دام ينتظر الصلاة، فأريد أن أموت وأنا أصلي )، ما دام الواحد في المسجد ينتظر الصلاة فهو في عداد المصلين، مكتوب أنه يصلي، فأنا أريد أن أموت وأنا في صلاة، هكذا كانوا يفهمون صلاة الجماعة وأهميتها.

    المشروع بعد الفراغ من صلاة الخوف

    وبعد أن فرغ من صفة صلاة الخوف، قال لهم سبحانه وتعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ [النساء:103]، أي: إذا انتهيتم من هذه الصلاة التي صليتموها على هذا الوجه.

    فيا ترى هل كانوا محسنين أو كانوا مسيئين؟ إنهم بلغوا والله الغاية في الإحسان.

    تجد الواحد منهم يصلي وهو حامل السيف، وهل هناك جهاد أعظم من هذا؟ يصلي وهو خائف من رؤية العدو له، وهل هناك أحسن من هذا؟ الله يقول لهم: إن هذه الصلاة التي صليتموها فيها نقص؛ لأن القلب كان مشغولاً بالجهاد، فإذا كنتم حريصين على مصلحة أنفسكم كملوا هذا النقص، لكن كيف تكملون هذا النقص؟ قال لهم: فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ [النساء:103]، أي: إذا ذهب الخوف ورجعتم إلى بلادكم, فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [النساء:103]، أقيموا الصلاة كما أرادها الله إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103].

    نحن أحوج ما نكون اليوم إلى جبر هذه الصلاة التي نصليها، والواحد منا يرى بأنه قد فعل فعلاً لم يفعله الأول والآخر، نعم نحن أحوج ما نكون إلى أن نجبر هذا النقص الذي في صلاتنا بكثرة النوافل، بكثرة ذكر الله تعالى، بالمداومة على الجماعة في المسجد، فالصلاة أول ما يوزن من عمل الإنسان، كما قال عليه الصلاة والسلام، (فإذا صلحت فقد أفلح وأنجح، وإذا فسدت فقد خاب وخسر).

    فإذا انتقص من الفريضة شيء قال الله لملائكته: (أنظروا هل لعبدي من تطوع، فيكمل به ما انتقص من الفريضة)، فالفريضة بحاجة إلى تكميل، والذي يكملها هذه النوافل التي نحن فيها، فلنصبر أنفسنا، نجاهد أنفسنا على الإكثار من النوافل، لا سيما في شهر الصوم في شهر رمضان في هذه الأزمنة الفاضلة، رجاء أن يكمل الله عز وجل النقص الحاصل في صلاتنا بهذه النوافل.

    نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يلهمنا رشدنا، ويقينا شر أنفسنا.

    وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756314833