إسلام ويب

فقه العبادات - الصلاة [21]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الصلوات المسنونة المؤكدة صلاة الوتر، ولها أحكام خاصة بها، واختلف العلماء في حكم القنوت فيها، كما اختلفوا في قنوت الفجر، ويشرع القنوت في النوازل، وتستحب صلاة التراويح في رمضان؛ لورود الأدلة في ذلك.

    1.   

    تابع صلاة الوتر

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل, اللهم انفعنا بما عملتنا, وعلمنا ما ينفعنا, وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    إخوتي المشاهدين والمشاهدات. حياكم اله جميعاً وأسعد الله مساءكم أيها الإخوة! الذين معنا في الأستديو، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً نافعاً، وأن يجعلنا ممن يحافظون على الوتر؛ لأننا في باب صلاة التطوع.

    أيها الإخوة! ذكرنا في فيما مضى حكم صلاة الوتر, وكذلك ذكرنا كم مقدار الوتر من حيث الكمال, ووقفنا على حكم ما لو صلى الوتر ثلاث ركعات مثل صلاة المغرب, وقلنا: استحب ذلك الحنفية وكره ذلك الحنابلة؛ بناء على حديث أبي هريرة رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أوتروا بثلاث, أوتروا بخمس، أو سبع, ولا تشبهوا بالمغرب ), وهذا الحديث بينا أنه ضعيف, والصحيح وقفه على أبي هريرة .

    وقد جاء عن ابن مسعود ما يبين أنه كان يصلي الوتر على هيئة صلاة المغرب, وقد ذكر الإمام أحمد رحمه الله أن الأفضل أن يفصلها بسلامين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث ابن عمر , واللفظ لفظ مسلم : ( إذا صلى أحدكم من الليل فليصل ركعتين ركعتين, فإذا خشي الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى ), وفي اللفظ الآخر المتفق عليه: ( صلاة الليل مثنى مثنى ).

    ما يستحب أن يقرأ في صلاة الوتر

    الشيخ: والآن سوف نتحدث عن بعض المسائل التي تتعلق بصلاة الليل, وأول هذه المسائل هي مسألة: ما يستحب للإنسان أن يقرأ في صلاة الوتر؟

    ذكر جماهير أهل العلم أنه يستحب للإنسان أن يقرأ في الشفع والوتر -والتي هي ثلاث ركعات- بـ(سبح اسم ربك الأعلى) في الأولى, ثم الركعة الثانية بـ(قل يا أيها الكافرون), ثم الركعة الثالثة بـ(قل هو الله أحد), واستدلوا بما رواه الإمام أحمد و أبو داود و البيهقي و الدارقطني وغيرهم, من حديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( كان يوتر بـ(سبح اسم ربك الأعلى), و(قل يا أيها الكافرون), و(قل هو الله أحد) ), الحديث وفيه: ( وكان يقنت قبل الركوع ), قال الإمام أحمد : زيادة: (قبل الركوع) ضعيفة, وقال ذلك أيضاً الإمام أبو داود ، وقال الخطيب البغدادي رحمه الله: الأحاديث المرفوعة الدالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت قبل الركوع كلها معلولة, وعلى هذا فإن هذه الزيادة منكرة.

    وقد روى الترمذي من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( كان يقرأ في ركعة الوتر بـ(قل هو الله أحد), و(قل أعوذ برب الفلق), و(قل أعوذ برب الناس) ), وهذا الحديث لا يصح, وقد ضعف الحديث الإمام أحمد و يحيى بن معين كما روى ذلك الترمذي وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث خصيف بن عبد الرحمن , وخصيف بن عبد الرحمن روايته ضعيفة, وكذلك والد ابن جريج فإنه أيضاً فيه نكارة.

    وعلى هذا فالصحيح أنه لا يقرأ في أخيرة الوتر الإخلاص والمعوذتين، بل الإخلاص فقط.

    القنوت في الوتر

    الشيخ: المسالة الثانية: هل يستحب القنوت في الوتر أم لا؟ وهل يستحب في كل يوم من السنة أم هو مخصوص بالنصف الأوسط من رمضان؟

    اختلف العلماء في هذه المسألة, فذهب عبد الله بن مسعود إلى أنه يستحب للإنسان أن يقنت في كل السنة, وهذا هو مذهب الحنفية والحنابلة, فقالوا: يستحب للإنسان أن يقنت كل ليلة.

    والقول الثاني في المسألة: هو مذهب مالك و الشافعي اللذين قالا: إن الأفضل أن يقنت بعد النصف من رمضان، كما روي ذلك عن عمر , والحديث الوارد عن عمر تكلم فيه, وإنما هو فعل فعله الصحابة, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم أننا نقول: إنه لم يصح حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر, فكل حديث جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت للوتر فإنه حديث ضعيف.

    وأما ما جاء عند الخمسة -وهم أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجه و أحمد- من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك, وبمعافاتك من عقوبتك, وبك منك لا أحصي ثناء عليك, أنت كما أثنيت على نفسك ), فهذا الحديث إسناده جيد, غير أنه لا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يقوله في قنوت الوتر, وثمة فرق بين القنوت في الوتر وبين الوتر نفسه, فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر, لكنه يقوله في آخر وتره, فلعله كان يقوله في سجوده، وهذا ثابت في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها فإنها قالت: ( افتقدت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش، قالت: فوضعت يدي فوقعت على باطن قدميه وهما منصوبتان في المسجد يدعو، فسمعته يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك, وبمعافاتك من عقوبتك, وبك منك لا نحصي ثناء عليك, أنت كما أثنيت على نفسك ), فدل ذلك على أن رواية مسلم فيها دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الدعاء وهو ساجد, ولهذا قال: (في آخر وتره) ولم يقل: في قنوته, وفرق بين الوتر وبين القنوت, فربما قنت الإنسان من غير وتر, كما في قنوته صلى الله عليه وسلم في النازلة, ولربما أوتر من غير قنوت وعلى هذا فحديث علي ليس فيه دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله في قنوت الوتر.

    الثاني: أن الراجح والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم أنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أحداً من أصحابه أن يقنت في الوتر.

    وأما ما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود و الترمذي من حديث أبي إسحاق السبيعي عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء السعدي عن الحسن بن علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه كلمات يقولهن في قنوت الوتر: ( اللهم اهدني فيمن هديت, وعافني فيمن عافيت, وتولني فيمن توليت, وبارك لي فيما أعطيت, وقني برحمتك واصرف عني شر ما قضيت, فإنك تقضي ولا يقضى عليك, إنه لا يذل من واليت ).

    وزاد النسائي و البيهقي : ( ولا يعز من عاديت, اللهم صل على محمد ), وهذه الرواية منكرة؛ لأنها ليست من طريق بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن , وإنما هي من طريق آخر, وهي طريق علي بن عبد الله بن الحسين عن الحسن ، ولم يسمع من جده الحسن بن علي بن أبي طالب .

    إذا ثبت هذا فإن هذا الحديث استدل به بعض أهل العلم على أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الحسن بن علي الدعاء في قنوت الوتر، وهذا الحديث قال عنه غير واحد من أهل العلم: إنه مما انتقد على البخاري و مسلم لماذا لم يذكراه في صحيحهما, فإن الإسناد فيه صحيح, كذا قال الدارقطني وغيره, قال ابن دقيق العيد : إن هذا الحديث مما ألزم البخاري و مسلم أن يذكراه في الصحيح, بيد أن الأئمة الحفاظ كـابن خزيمة و ابن حبان ذكرا أن في الحديث زيادة، وهي قوله: (علمه دعاء يقول به في قنوت الوتر), وهذه زيادة منكرة, وذلك أن أبا إسحاق السبيعي وهو عمرو بن عبد الله روايته في هذا الحديث منكرة, فقد تابعه على ذلك شعبة , يقول ابن حبان وشعبة أفضل من مائتي أبي إسحاق ، يعني بذلك أن شعبة كان حافظاً لا يخطئ في متون الحديث، وإن كان يخطئ في أسماء الرجال, فـشعبة أفضل من مائتي أبي إسحاق ؛ لأن أبا إسحاق السبيعي بدأ في آخر عمره يهم؛ ولهذا يقولون: يهم بآخره, يعني: بآخر عمره, فإن شعبة روى الحديث عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء أنه قال: قلت لـالحسن : ماذا عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: ( عقلت عنه تمرة أخرجها من فيِّ بلعابها فجعلها من تمر الصدقة, وعلمني كلمات أقولهن: اللهم اهدني فيمن هديت, وعافني فيمن عافيت ).

    وهذا يدل على أنه علمه كلمات يقولها، وليس فيه ما يدل على أنها في القنوت.

    قال ابن حبان : وكيف يعلمه دعاء يقوله في القنوت وهو لم يتجاوز الثامنة من عمره؟ فإن المعروف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي والحسن بن علي عمره ثمان سنين, فكيف يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء؟

    ولهذا فالذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم أن زيادة: ( في قنوت الوتر ) منكرة.

    وعلى هذا فنقول: لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحداً من أصحابه أن يقنت.

    وقت قنوت الوتر من العام

    الشيخ: إذا ثبت هذا فإننا نقول: إن قنت كل السنة فقد أحسن, فقد فعل الصحابة ذلك, كـابن مسعود وغيره.

    وإن قنت بعض الأحيان فقد أحسن, فقد روى ابن أبي شيبة : (أن ابن عباس رضي الله عنه كان يقنت في الوتر ويقول: اللهم لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض, وملء ما بينهما, وملء ما شئت من شيء بعد).

    وإن قنت في رمضان فقد أحسن, فقد فعل ذلك الصحابة.

    وإن قنت وسط رمضان فقد أحسن فقد فعل ذلك الصحابة.

    وإن لم يقنت ألبتة فقد أحسن, فإن هذا هو الظاهر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

    وعلى هذا لا ينبغي أن يعنف أحد على أحد، فكلاهما على خير, قال الله تعالى: فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ [الأنعام:90], فنحن نقتدي بالصحابة, فمن قنت كل السنة فقد أحسن, ومن لم يقنت كل السنة فقد أحسن, ومن قنت بعض السنة فقد أحسن, ومن قنت في رمضان فقد أحسن, ومن قنت في وسط رمضان فقد أحسن, هذا هو الذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    ولهذا نقول: لم يثبت في ذلك سنة أنه يقنت أو لا يقنت, ويفعل أو لا يفعل, فكل ذلك حسن، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    قنوت الوتر بعد الركوع وحكم القنوت قبله

    الشيخ: المسألة الثالثة: هل السنة أن يقنت قبل الركوع أو يقنت بعد الركوع؟

    نقول: اختلف في ذلك أهل العلم؛ فذهب أحمد رحمه الله وهو مذهب الشافعي إلى أنه يستحب للإنسان أن يقنت بعد الركوع, قال الإمام أحمد : قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع في الفجر- يعني في النازلة- والقياس عليه, يعني أن كل من أراد أن يقنت فإنه يقنت بعد الركوع.

    وأقول: لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح أنه قنت قبل الركوع, فقد ضعف الإمام أحمد حديث أبي بن كعب في ذلك، وكذلك الإمام أبو داود ، قال الخطيب البغدادي رحمه الله: الأحاديث المرفوعة في أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع كلها معلولة.

    فالذي يظهر أن الأفضل أن يقنت الإنسان بعد الركوع, قال أبو هريرة رضي الله عنه كما في الصحيحين: ( قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر شهراً، يقنت بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله ), وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قنت بعد الركوع.

    لكن إن قنت قبل الركوع فما حكمه؟

    الجواب: إن قنت قبل الركوع فإنه جائز, فقد صح عن عمر رضي الله عنه أنه قنت قبل الركوع كما روى أبو داود من حديث ابن عباس ، وكما رواه ابن أبي شيبة وغيره.

    وكذلك صح عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه كان يقنت قبل الركوع.

    فإن قنت قبل الركوع فقد فعل ذلك الصحابة, وإن قنت بعد الركوع فهو أفضل, وهذا هو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله؛ وذلك لأن القيام قبل الركوع الأفضل فيه أن يذكر الله تعالى بأفضل الذكر، وهو القرآن، وأما بعد الركوع فإنما يناسب ذلك ثناء العبد على ربه ودعائه له, فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بعد الرفع من الركوع وإن لم يقنت, قال عبد الله بن أبي أوفى كما عند مسلم : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعد الرفع من الركوع: ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض, وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد, أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد, وكلنا لك عبد, لا مانع لما أعطيت, ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ), وهذا ثابت في الصحيح.

    والراجح أنه يقولها بعد الركوع كما هو الظاهر من الروايات, فإن بعض الروايات فيها بعد الركوع, وبعض الروايات ليس فيها بعد الركوع, وقد ذكرها كلها ابن تيمية رحمه الله كلها في كتابه (الكلم الطيب)، وأنها كلها تقال بعد الركوع.

    إذا ثبت هذا -أيها الإخوة- فإن السنة أن يقنت بعد الركوع, وكما قلت لكم: إن الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت قبل الركوع كلها معلولة.

    1.   

    حكم القنوت في الفجر

    الشيخ: إذاً: الأفضل للإنسان ألا يقنت إلا في الوتر, ولا يقنت في غيره إلا إذا نزلت بالمسلمين نازلة, وهذا هو مذهب جماهير أهل العلم, خلافاً للشافعية وبعض المالكية, فإنهم يرون القنوت في الفجر دائماً.

    وقد استدلوا بما رواه أنس بن مالك أنه قال: ( لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت حتى فارق الدنيا ), وهذا الحديث ضعيف؛ لأن في سنده رجلاً يقال له: أبو جعفر الرازي .

    ولو صح لم يكن معناه القنوت الذي هو الدعاء, وإنما المقصود بالقنوت طول القيام, وهذا هو اختيار أبي العباس بن تيمية , فإنه ذكر أن الحديث لو صح فإنه محمول على طول القيام بعد الركوع.

    وقد روى البخاري و مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه يقول: ( إني لا آلو أن أصلي بكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، قال ثابت بن أسلم : فكان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه, كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائماً حتى يقول القائل: قد نسي, وإذا رفع رأسه من السجود انتصب جالساً حتى يقول القائل: قد نسي ), وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل القنوت بعد الركوع, أي: يطيل القيام بعد الركوع.

    وعلى هذا فالقنوت يطلق على الدعاء، ويطلق أيضاً على القيام؛ ولهذا سئل صلى الله عليه وسلم عن أفضل الصلاة؟ فقال: ( طول القنوت )، وهذا ثابت في صحيح مسلم من حديث جابر ، وقوله: (طول القنوت) حمله أهل العلم على طول القيام كما هو اختيار أبي العباس بن تيمية و ابن القيم كما في زاد المعاد والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    إذا ثبت هذا -وهو أن القنوت لا يستحب في الفجر- فإن الدليل على أنه لا يستحب هو ما رواه أبو مالك الأشجعي عن أبيه قال: ( يا أبتِ! صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبي بكر و عمر ، فهل كانوا يقنتون بعد الفجر؟ فقال: أي بني محدث ), وهذا إسناده جيد, وهذا يدل على أن القنوت بعد الفجر -مثلما يفعله بعض فقهاء الشافعية- ليس فيه دليل, ولكن من صلى مع إمام يقنت في الفجر فلا يستحب له أن يخالفه, بل يرفع يديه ويدعو مثل الإمام, وإن كان لا يرى ذلك؛ لأن متابعة الإمام أعظم من مخالفته له، كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث عائشة و أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه ).

    وهذا يدل على أنه لا ينبغي للمأموم أن يخالف إمامه, بل إن الفقهاء رحمهم الله قالوا: لو ترك الإمام سنة فعلية فلا يستحب للمأموم أن يفعلها, كما لو أن الإمام ترك جلسة الاستراحة فإن الأفضل في حق المأموم ألا يجلس لها؛ لأنه في حال جلوسه للاستراحة والإمام لم يفعل قد دخل في قوله صلى الله عليه وسلم: ( فلا تختلفوا عليه ) هذا السبب الأول.

    السبب الثاني: لأن جلوس المأموم بعد قيام الإمام يكون فيه نوع من التأخير, والسنة ألا يتأخر المأموم عن إمامه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( فإذا كبر فكبروا ), والفاء تفيد التعقيب مع الترتيب, وهذا هو السنة: ( ولا تكبروا حتى يكبر ), وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي موسى رضي الله تبارك وتعالى عنه وعن أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    القنوت للنوازل

    الشيخ: أما بالنسبة لقنوت النازلة: فالراجح أنه يستحب لإمام المسلمين ولنائبه ولكل مصل إذا نزلت بالمسلمين نازلة أن يقنتوا في صلاة الفريضة, ويكون القنوت في الركعة الأخيرة بعد الرفع من الركوع، فهذه هي السنة, وقد صح ذلك عن أنس و ابن عباس و أبي هريرة و البراء و ابن عمر وغيرهم, فيقنت في الفرائض.

    وهل يستحب القنوت للنوازل في الجمعة؟

    ذهب الحنابلة إلى أن الأفضل ألا يقنت الإنسان في النازلة في صلاة الجمعة, وهذا رأي مشايخنا, ولعل هذا القول أظهر.

    وقال بعضهم: إنه يقنت في كل صلاة، وهو ظاهر كلام ابن تيمية وإن لم يصرح به.

    والذي يظهر والله أعلم أنه لا يستحب أن يقنت في الجمعة؛ لأن الصحابة الذين ذكروا قنوت رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهم: أبو هريرة و أنس و ابن عباس و البراء بن عازب و ابن عمر- لم يذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الجمعة, فقد صح عن ابن عباس كما روى الإمام أحمد و أبو داود أنه قال: ( قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء ), ولم يذكر صلاة الجمعة, فدل ذلك على أن الأفضل ألا يقنت في صلاة الجمعة.

    الثاني: ولأن الإمام يدعو في الخطبة, فهذا وقت ورد أن الدعوة فيه مستجابة من حين يقوم الإمام على منبره إلى أن تقضى الصلاة, لكن إن قنت في الجمعة فهذا جائز, لكن الأفضل ألا يقنت؛ لأن هذا هو ظاهر السنة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    استحباب قنوت النوازل لكل مصل

    الشيخ: وأما المسألة الأخرى: من الذي يقنت؟

    الذي يظهر والله أعلم كما قال أبو العباس بن تيمية : أن الذي يقنت هو كل مصل, فالمرأة في بيتها لها أن تقنت, والرجل المنفرد له أن يقنت, وإمام الحي له أن يقنت, وكل إمام له أن يقنت, هذا هو الراجح والله أعلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك, والأصل في فعله أنه قدوة في كل حال ولكل الأشخاص, هذه هي القاعدة، ولا يخرج من هذا العموم إلا بدليل.

    وأما من قال: يقنت الإمام الأعظم، فهذا يحتاج إلى دليل، وفي قول: يقنت الإمام أو نائبه، وهذا أيضاً يحتاج إلى دليل.

    اشتراط إذن الإمام في قنوت النوازل

    الشيخ: وهل يشترط في ذلك إذن الإمام أم لا؟

    أقول: لا يعرف للفقهاء في أنه يقنت بإذن الإمام أو لا يقنت بإذن الإمام, فبعد الرجوع لكلام أهل العلم في هذا الباب لم يحفظ عن واحد منهم أنه قال: لا يقنت إلا بإذن الإمام, فلم يقولوا هذا كما قالوا في صلاة الجمعة وغيرها من المسائل.

    وأما من قال: إنه يقنت الإمام أو نائبه، فهذه ليست مثل مسألة إذن الإمام, فإذن الإمام مسألة معروفة عند الفقهاء, لكن لو أن ولي أمر المسلمين منع من ذلك حتى يأتي الإذن -من باب ضبط الأمور- فهذا لا بأس به, وإن كان الأفضل أن يقنت الناس متى ما نزلت بالمسلمين نازلة لاستشعارهم الأخوة, ولأجل أن إخوانهم إذا علموا أن إخواناً لهم يدعون لهم في صلواتهم ويتضرعون إلى الله سبحانه وتعالى في هذا الأمر, فهذا يعطي نوعاً من الترابط والتلاحم والتواصي بالحق والتواصي على الدعاء.

    تحديد قنوت النوازل بشهر

    الشيخ: وهنا مسألة: هل يقنت للنوازل مطلقاً أم يحدد بشهر؟

    الذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم أنه لما قنت صلى الله عليه سلم لأجل النازلة لم يزد على شهر, فدل ذلك على أن السنة ألا يزيد على شهر, ومما يدل على ذلك أمران:

    الأمر الأول: هو فعله, فكما أننا أثبتنا استحباب القنوت للنازلة بفعله، فإننا نستحب ألا يزيد على شهر لفعله, وأما من فرق فقد فرق بين متماثلين.

    الأمر الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( قنت شهراً يدعو على رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله, وقال: اللهم أنج المستضعفين من المسلمين, اللهم أنج عياش بن ربيعة ), الحديث، ومع ذلك ما زالت المصيبة وما زالت النازلة قائمة بعد شهر، وقد توقف صلى الله عليه وسلم عن القنوت.

    فدل ذلك على أن السنة ألا يزيد على شهر, فإن زاد قنوته عن شهر فهذا جائز, لكن نحن نتحدث عن السنة.

    إذا ثبت هذا فإنني أقول: إنه يقنت مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن يقنت في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر, هذا الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم, فظل شهراً كاملاً يدعو, أما اليوم فإنك تجد بعض الناس لا يقنت إلا يوماً دون يوم, أو في المغرب أو العشاء، وهذا قال به الحنابلة: إنه يقنت في الجهرية.

    ولكن الراجح ما صح عن ابن عباس و أبي هريرة : ( أنه صلى الله عليه وسلم قنت في الفجر وفي المغرب وفي الظهر ), وثبت أيضاً عن البراء ( أنه قنت في الظهر والعصر والمغرب ), وعلى هذا فالسنة أن يقنت في كل الصلوات، والله أعلم.

    فإذا كان الإنسان يقنت بمثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً فإنه بإذن الله سوف يفرج الله سبحانه وتعالى عن المسلمين كربتهم, أما أن يقنت يوماً ويترك يوماً، فهذا لم يطبق السنة كما وردت، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    1.   

    تابع صلاة الوتر

    ما يستحب للإنسان أن يقوله في وتره

    الشيخ: المسألة الأخرى: وهي مسألة ما يستحب للإنسان أن يقوله في وتره؟

    أولاً: يستحب أن يقول في آخر وتره وهو ساجد أو وهو في التشهد الأخير: ما صح ذلك عن علي : ( اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك, وبمعافاتك من عقوبتك, وبك منك لا أحصي ثناء عليك ), فإن قالها في آخر وتره على أنها في التشهد الأخير, أو قالها في سجوده كما صح ذلك عند مسلم من حديث عائشة ، فلا حرج في ذلك إن شاء الله.

    ومما يستحب للإنسان أيضاً: أن يقول إذا سلم: ( سبحان الملك القدوس -ثلاث مرات- ويمدها ), فيقول: سبحان الملك القدوس, سبحان الملك القدوس, سبحان الملك القدوس, يمدها, وكذلك يرفع صوته في الثالثة, فالثالثة فيها روايتان: يمدها، ويرفع بها صوته.

    وقد جاء في حديث عند الدارقطني أنه يقول في الثالثة: ( سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح ), وهذا الحديث حسنه بعض أهل العلم وفيه كلام, فإن قاله الإنسان أحياناً فلا حرج إن شاء الله، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    الأفضلية بين الوتر قبل النوم وبعده

    الشيخ: ذكرنا فيما مضى أن أفضل صلوات التطوع، على الترتيب:

    أولاً: صلاة الكسوف؛ لأنهم اختلفوا في وجوبها، وتصلى جماعة, ثم صلاة الوتر؛ لأنهم اختلفوا في وجوبها, ثم صلاة الاستسقاء.

    قال بعض أهل العلم: والراجح والله أعلم أن الاستسقاء والتراويح كلتيهما جاءتا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    وبعد الاستسقاء صلاة التراويح, لكن قبل أن ندخل في صلاة التراويح فإننا نقول: أيهما أفضل أن يوتر الإنسان قبل أن ينام أم بعد أن ينام؟

    أقول: إذا كان الإنسان يغلب على ظنه -وعنده نوع من الجد- أنه يقوم من آخر الليل, فإن الصلاة آخر الليل أفضل, وإن كان لا يغلب على ظنه أو أنه يسوف ويقول: أنا سوف أقوم, ولكن الغالب أنه لن يقوم, فإن الأفضل في حقه أن يقنت قبل أن ينام.

    ومما يدل على ذلك: الدليل الأول: قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث جابر : ( من خاف ألا يقوم آخر الليل فليوتر أوله, ومن طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخره, فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل ).

    الدليل الثاني: ما رواه أهل السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ( أوصاني خليلي بثلاث: بأن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر, وأن أوتر قبل أن أنام, وأن أصلي ركعتي الضحى ), والشاهد: (أن أوتر قبل أن أنام), وقد ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله في لطائف المعارف أن جمعاً من السلف كانوا يوترون قبل أن يناموا, وذكر منهم سعيد بن المسيب و الحسن البصري و محمد بن سيرين .

    وهذا يدلك -أيها الأخ الفاضل! وأيتها الأخت الفاضلة!- على أن الإنسان لا ينبغي له أن ينام حتى يوتر وإن غلب على ظنه أنه سوف يقوم, فإن قام من الليل فإنه يصلي ما شاء الله تعالى أن يصلي.

    وقد روى الإمام أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـأبي بكر رضي الله عنه: ( كيف تصلي من الليل؟ قال: أصلي من الليل ما شاء الله أن أصلي، ثم أوتر، ثم أنام, فإن قمت بعد ذلك صليت ما شاء الله أن أصلي, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد أخذ بالحزم ).

    ولهذا إذا كان الإنسان متأخراً في نومه فإنه لا ينبغي له أن يترك الوتر قبل أن ينام؛ لأنه ربما يعجز عن قيام الليل فتفوته حسنات كثيرة, ولا ينبغي للإنسان أن يخادع نفسه فيقول: إن شاء الله سوف أقوم! فإن نام بعد ذلك قال: صدقة تصدق الله بها عليّ, فإنه جاء في الحديث: ( من طمع أن يقوم من آخر الليل ثم نام، فإنما هي صدقة تصدق الله تعالى بها عليه ), ولكن هذا في حال ما إذا كان قد استعد أن يقوم, وقد عهد من نفسه أنه سوف يقوم, أما إذا كان غالب ظنه أنه لا يقوم, فإن هذا فيه نوع من عدم الأخذ بالحزم, فلا بد للإنسان أن يوتر قبل أن ينام، حتى لو قلنا: إنه يغلب على ظنه أنه سوف يقوم, فإن الأفضل في حقه ألا ينام إلا وقد تطوع, كما ثبت ذلك عن عائشة أنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعدما يصلي العشاء أربع ركعات ), فهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل أن ينام, وهذا يدل على أن الإنسان إذا جاء إلى فراشه فإنه يكون متطهراً، قد تقرب إلى الله سبحانه وتعالى بألوان الطاعات من أوراد وأذكار واستغفار وصلاة، وهذا أفضل, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    ما يلزم من أوتر أول الليل ثم قام للتهجد

    الشيخ: فأما إن كان قد أوتر في أول الليل ثم قام, فهل يشفعها بركعة ثم يوتر بعد ذلك؟

    نقول: صح عن ابن عمر أنه كان يوتر أول الليل، فإن قام من آخر الليل صلى ركعة واحدة لتشفع له وتره, ثم بعد ذلك يصلي ركعتين ركعتين، فإن أحب أن يوتر قبل الفجر أوتر ثم نام, فهذا فعل ابن عمر , وقد روي عن أبي بكر ولا يصح.

    وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الأفضل للإنسان ألا يصلي من الليل وترين؛ لما جاء في حديث معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا وتران في ليلة ), وعلى هذا فإن أوتر الإنسان أول الليل, أو أوتر مع إمام يصلي التراويح من أول الليل ثم طمع أن يقوم آخر الليل، فإنه يقوم ويصلي ركعتين ركعتين ولا يوتر, هذا هو الراجح والله أعلم.

    وقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا وتران في ليلة ), ليس معناه ألا يصلي بعد الوتر, بل المعنى ألا يوتر في الليل مرتين.

    ومما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد أن يوتر ما ثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه, ثم يصلي تسع ركعات لا يجلس في شيء منها إلا في الثامنة, فيسلم على الملائكة المقربين, ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يجلس فيسلم, ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني ).

    فالشاهد من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد أن أوتر, فدل ذلك على أن الإنسان إذا أوتر من أول الليل أو صلى مع إمام يوتر أول الليل فإنه يسلم معه، فإن طمع أن يقوم آخر الليل صلى ركعتين ركعتين ويكون قد أدرك قيام الليل في آخره.

    وأما قيام الليل فإنه يصدق عليه أنه من بعد صلاة العشاء؛ لقول عائشة رضي الله عنها: ( من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ), والحديث متفق عليه, وزاد مسلم : ( من أوله وأوسطه وآخره ), وروى البخاري و مسلم : ( فانتهى وتره إلى السحر ), وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر أول الليل، وأوتر وسطه، وأوتر آخره بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.

    قضاء الوتر

    الشيخ: وهنا مسألة وهي: هل يقضى الوتر إذا فات؟ بمعنى أنه إذا نام الإنسان عن وتره، فهل إذا قام يصليه ركعتين ركعتين أو أنه يوتر؟

    الجواب على هذا نقول: إن أدرك قبل صلاة الفجر وكان الأذان قريباً, فإنه إن أوتر فلا حرج إن شاء الله، فقد فعل ذلك الصحابة, وقد رواه مالك في الموطأ عن جمع من الصحابة منهم ابن مسعود ، مثل: أن يقوم والإمام يؤذن الفجر وهو لم يوتر, فإن صلى ركعتين ثم أوتر بركعة فلا حرج في ذلك إن شاء الله, وهو مذهب مالك رحمه الله, ورواية عن الإمام أحمد ، وقد ذهب أبو العباس بن تيمية رحمه الله إلى أنه إن فعل ذلك فحسن, وأما مالك فإنه يستحب ذلك ولا إشكال.

    أما لو قام قريباً من صلاة الفجر، أو قام ليصلي الفجر ولم يدرك، فإن السنة في حقه أن يصلي صلاة الوتر من بعد ارتفاع الشمس قيد رمح إلى أذان الظهر؛ لما صح عن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من نام عن حزبه فقرأه ما بين صلاة الفجر إلى الظهر، فكأنما قد قرأه من الليل ).

    وهل يصليه بشفع أم يصليه بوتر؟ يعني: إذا كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة, فهل يصليها من النهار إحدى عشرة ركعة أم ركعتين ركعتين؟

    الأقرب والله أعلم أنه يصلي ركعتين ركعتين ولا يوتر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : ( أوتروا قبل أن تصبحوا ), وفي حديث ابن عمر وروي مرفوعاً ولا يصح: ( فإذا طلع الفجر فقد ذهب عامة صلاة الليل ), وهذا يدل على أنه بعد صلاة الفجر قد ذهب عامة صلاة الليل, وعلى هذا فالسنة أن يصلي ركعتين ركعتين.

    وخلاصة القول في هذه المسألة: إذا كان الإنسان لم يصل من الليل، فإن السنة أن يصليها من النهار ركعتين ركعتين, وهذا مذهب الجمهور, ومما يدل على هذا ما ثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( وكان صلى الله عليه وسلم إذا غلبه نوم أو نعاس عن صلاة الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة ), وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لما كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة, وقد قالت عائشة رضي الله عنها: ( لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره على أكثر من إحدى عشرة ركعة ).

    وهذا يجعلنا نقول: إنه لما كان صلى الله عليه وسلم يصلي إحدى عشرة ركعة صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة؛ ولهذا نقول: فمن كان من عادته أن يصلي من الليل ثلاث ركعات، فإن الأفضل في حقه من النهار أن يصلي أربعاً, وإذا كان يصلي من الليل خمساً صلى في النهار ستاً, وإذا كان يصلي من الليل سبعاً صلى من النهار ثماني ركعات, وإن زاد فهو أفضل لكي تكون من صلاة الضحى, وسوف نتحدث إن شاء الله عن صلاة الضحى.

    1.   

    صلاة التراويح

    الشيخ: بعد أن تكلمنا في صلاة الوتر، ننقل الآن للحديث عن صلاة التراويح فنقول:

    صلاة التراويح مشروعة من حين رؤية هلال رمضان إلى رؤية هلال شوال, فإذا رُأي هلال رمضان استحب للناس أن يصلوا ليلة الأول من رمضان, وأما ليلة الشك فإن الراجح والله أعلم أنه لا يستحب صلاة التراويح فيها, خلافاً للحنابلة, وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء؛ أنه لا يستحب صلاة التراويح إلا إذا كان في ليلة الأول من رمضان, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    الأدلة على استحباب صلاة التراويح

    الشيخ: وإنما قلنا: تستحب صلاة التراويح لأمور:

    أولاً: لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يفعلها, ولكن خشي أن تفرض على الأمة, فبعدما صلى بأصحابه ليلة ثم ليلة، فاجتمع الناس حتى اكتظ المسجد بأهله، ولم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم, فجعل بعض القوم يقولون: يا رسول الله! الصلاة الصلاة! فلم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم إلا بعد صلاة الفجر وقال: ( إني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل, فعليكم بالصلاة في بيوتكم ).

    فالرسول صلى الله عليه وسلم إنما خشي من ذلك أنه تفرض على الناس, وإلا فقد صلى بالناس ثلاث ليال, ولما صلى في الليلة الثالثة وأطال فقالوا: يا رسول الله! والله إنا لنحب أن تطيل بنا, فقال صلى الله عليه وسلم كما في حديث ثوبان : ( إنه من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ), ومن منا لا يحب أن يصلي خلف محمد صلى الله عليه وسلم, التي كانت صلاته -بأبي هو وأمي- كلها خشوع وذكر لله تعالى وخضوع؛ ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يعود أصحابه على ذلك, فقد صلى خلفه حذيفة ، وصلى خلفه ابن عباس ، وصلى خلفه ابن مسعود , إلا أنه ربما لا نتحمل صلاة محمد صلى الله عليه وسلم, فإنه صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتفطر قدماه فتقول عائشة : ( يا رسول الله! أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فيقول: يا عائشة ! أفلا أكون عبداً شكوراً ), ولهذا قال ابن مسعود : ( صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة حتى هممت بأمر سوء, قالوا: وما هممت؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه ), وذلك من طول صلاته صلى الله عليه وسلم.

    فهذا الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يصنع هذا, فكيف بنا؟! فإننا بحاجة إلى أن نتضرع إلى الله سبحانه وتعالى, ولا أقل من أن يقرأ الإنسان نصف جزء أو جزءاً في ليلة عل الله سبحانه وتعالى أن يغفر الله له زلته, وأن يمحو عنه خطيئته, نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لدينه، والله تبارك وتعالى يعفو ويصفح ويتجاوز ويسامح.

    إذا ثبت هذا فإننا نقول: إن صلاة التراويح ثابتة من فعله صلى الله عليه وسلم بثلاث ليال, وكذلك من حضه على ذلك: ( إنه من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ).

    الثالث: أنه من فعل أحد الخلفاء الراشدين, فقد روى البخاري رحمه الله من حديث عبد الرحمن بن عبد القارئ عن عمر رضي الله عنه، أنه خرج على الناس فوجدهم يصلون، هذا يصلي وحده وهذا يصلي وحده, قال: فلو جمعناهم على إمام واحد, فجمعهم على أبي بن كعب ، ثم خرج عليهم مرة وهم يصلون فقال: نعمت البدعة هذه, والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون لها.

    وقوله: (نعمت البدعة)، المقصود بها البدعة اللغوية، وإلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد حث على ذلك, فكان عمر ممن أحيا هذه السنة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ( من أحيا سنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده لا ينقص من ذلك من أجورهم شيئاً ), ولو لم يكن إلا إجماع الصحابة أنهم كانوا يصلون في عهد عمر ، ولم يأت أحد بما ينكر على هذا الأمر لكفى, وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث النواس بن سمعان : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي, عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور ).

    عدد ركعات صلاة التراويح

    الشيخ: وهنا مسألة: وهي كم يصلي الإمام في صلاة التراويح؟

    أولاً: يجب علينا أن نعرف المسألة من أولها في صلاة التراويح, هل الأفضل أن يصلي إحدى عشرة ركعة أو الأفضل أن يصلي ثلاثاً وعشرين ركعة أو الأفضل أن يصلي ستاً وثلاثين ركعة؟

    قبل ذكر الخلاف نقول: أجمع أهل العلم على أن للإمام أن يصلي بالناس ما شاء من غير كراهة, وقد نقل الإجماع أبو عمر بن عبد البر , قال: أجمع أهل العلم على أن له أن يصلي ما شاء, وكذلك نقل الإجماع العراقي في كتابه الفذ العظيم (طرح التثريب), وهذا كتاب جميل في بابه, وقد ذكر بعض المسائل التي لا تكاد تجدها مصفوفة مرصوصة مبينة إلا في هذا الكتاب, فالله سبحانه وتعالى قد فتح عليه, وقد نقل الاتفاق على ذلك.

    وقال الإمام الشافعي: إنه لا بأس أن يزيد في هذا, وقد ذكر أبو العباس بن تيمية رحمه الله أن جماهير أهل العلم على أن الأفضل أن يصلي ثلاثاً وعشرين ركعة.

    ومما يدل على ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صلاة الليل مثنى مثنى ), قال أهل العلم: هذا خبر بمعنى الأمر؛ ولهذا جاء في رواية مسلم : ( صلوا من الليل ركعتين ركعتين ), أو: ( إذا صلى أحدكم فليصل ركعتين ركعتين ), وهذا يدل على أن له أن يصلي ما شاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق له الإرادة, ثم قال: ( فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة ).

    وعليه فإننا نعلم خطأ بعض الفضلاء الذين قالوا: إن الزيادة على إحدى عشرة ركعة مكروهة، أو ربما بالغ بعضهم فقال: بدعة! فنقول: القول بأن الزيادة على إحدى عشرة ركعة بدعة, هو بنفسه بدعة لم تعرف عن سلف هذه الأمة.

    إذا ثبت هذا فهل الأفضل أن يصلي إحدى عشرة ركعة أو ثلاثاً وعشرين ركعة أو ستاً وثلاثين ركعة؟

    اختلف فيه أهل العلم, وسوف نذكره في حلقة قادمة إن شاء الله.

    وإلى ذلكم الحين فابقوا معنا ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين, وأن يمنحنا وإياكم رضاه, والعمل بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم والتقوى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756496969