إسلام ويب

الروض المربع - كتاب الصلاة [31]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • النية شرط في صحة الصلاة، ويجوز تحويلها أثناء الصلاة من نية فرض أو نفل مقيد إلى نفل مطلق إن كان ذلك لفرض صحيح، ومن حولها من فرض إلى فرض فإن صلاته الأولى باطلة والثانية غير صحيحة.

    1.   

    أقسام تحويل النية في الصلاة

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

    فقد قال المؤلف رحمه الله: [وإن قلب منفرد أو مأموم فرضه نفلاً في وقته المتسع جاز؛ لأنه إكمال في المعنى، كنقض المسجد للإصلاح، لكن يكره لغير غرض صحيح، مثل أن يحرم منفرداً فيريد الصلاة في جماعة، ونص أحمد فيمن صلى ركعة من فريضة منفرداً ثم حضر الإمام وأقيمت الصلاة يقطع صلاته ويدخل معهم، ويتخرج منه قطع النافلة بحضور الجماعة بطريق الأولى، وإن انتقل بنية من غير تحريمة من فرض إلى فرض آخر بطلا؛ لأنه قطع نية الأول، ولم ينو الثاني من أوله، وإن نوى الثاني من أوله بتكبيرة إحرام صح. وينقلب نفلاً ما بان عدم كفايته فلم تكن وفرض لم يدخل وقته].

    يقول المؤلف وهو يتحدث عما يتعلق بآخر شروط الصلاة وهي النية: (وإن قلب منفرد أو مأموم فرضه نفلاً في وقته المتسع جاز)، وهذا يفيد أن للإمام والمأموم أن يغير نيته وهو في الصلاة من أعلى إلى أدنى في بعض صوره، فإذا كان إماماً فقلب الفرض إلى نفل مطلق في وقته المتسع؛ جاز، وإنما قال: (في وقته المتسع)، لأن الوقت إذا ضاق ولم يكفي إلا للفرض، وقلب الفرض إلى نفل؛ أدى ذلك إلى ترك صلاة الفرض في وقته، ويأثم لأجل ذلك. ‏

    فتحويل النية من شيء إلى شيء ينقسم إلى أقسام:

    تحويل النية من فرض إلى نفل مطلق

    القسم الأول: تحويل النية من فرض إلى نفل مطلق، مثل: أن يحول نيته وهو يصلي الظهر إلى تطوع مطلق، كأن يكبر في أول وقت الظهر في وقت الصيف، ثم يحب أن يصلي في وقت الإبراد، فيحول نيته إلى نفل مطلق، فهذا في الأصل جائز، وهو قول عامة أهل العلم.

    إلا أنهم اختلفوا في الاستحباب، فإن كان لغرض صحيح، مثل أن يدرك جماعة إذا كان يصلي منفرداً، فعلى القول بأن الجماعة فرض عين، كان ذلك غرضاً صحيحاً، وإذا كان يصلي منفرداً في أول وقت الظهر، وأراد أن يغير نيته لغرض صحيح كـ: ( أبرد أبرد، أو انتظر انتظر )؛ لأجل شدة الحر، ( فإن شدة الحر من فيح جهنم )، فهذا غرض صحيح، فيجوز، أو يستحب، على أثر حكم نيته، فإن كان يريد الجماعة؛ صارت الجماعة مستحبة أو واجبة على القول بأنها فرض كما جاء في بعض روايات المذهب.

    فإن كان لغير غرض صحيح، فإن المذهب أنه يكره، والقول الآخر: أنه يحرم؛ لأنه أبطل عمله، ولا يجوز للإنسان أن يقطع فرضه، وهذا القول: يحرم إن كان لغير غرض صحيح قول قوي، لقوله صلى الله عليه وسلم كما عند الإمام أحمد وأهل السنن من حديث علي رضي الله عنه: ( مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم )، فإذا كبر حرم عليه أن يقطعها حتى يكملها إلا لغرض صحيح، فهذا يجعل القول بأن تحريم قطع الصلاة إلا لغرض صحيح قوي.

    تحويل النية من نفل مقيد إلى نفل مطلق

    القسم الثاني: تحويل النية من نفل مقيد إلى نفل مطلق، مثل: رجل كان يصلي الوتر ثم حول نيته إلى تطوع مطلق في الليل، فهذا أيضاً جائز، لكن خلافه إذا كان لغير غرض صحيح أخف من خلاف الفرض، فإن كان لغير غرض فهو مكروه، وبعضهم يقول: جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قطع صومه التطوع وقال: ( أراني قد أصبحت اليوم صائماً فأكلت )، وقد جاء في الحديث: ( المتطوع أمير نفسه؛ إن شاء صام وإن شاء أفطر )، وقد حسنه بعض المتأخرين، وهو إلى الضعف أقرب.

    تحويل النية من فرض إلى فرض

    القسم الثالث: تحويل النية من فرض إلى فرض، يعني: بلا تكبيرة إحرام للفريضة الثانية، وصورته مثل: أن يصلي الظهر ظاناً أنه لم يصلها وهو في وقت العصر، فيقول: أجعلها عصراً، فهذا لا يصح بإجماع أهل العلم، كما نقل ذلك ابن حزم وغيره؛ لأن أول الصلاة الأولى لم يكن فيها نية للثانية، فإذا كبر وقرأ الفاتحة على أنها الظهر، ثم تذكر أنه صلى الظهر فجعلها عصراً، فإنه يكون عند ابتداء أول الصلاة ليس بنية العصر، والنية شرط في صحة الصلاة.

    تحويل النية من نفل مطلق إلى نفل مطلق

    القسم الرابع: أن يحول نيته من نفل مطلق إلى نفل مطلق، فهذا جائز مثل: أن يصلي في الضحى لكونه يظن أنه لم يصل من الليل، و( صلاة الليل مثنى مثنى )، وهذا نفل مطلق ( فإذا خشى أحدكم الصبح فليصل ركعةً توتر له ما قد صلى )، وهذه سنة مقيدة، فبينما هو يصلي تذكر أنه قد صلى الليل، فجعلها ضحى مطلقاً، فهذا تحويل من مطلق إلى مطلق، وهو جائز، والله تبارك وتعالى أعلم.

    قال المؤلف رحمه الله: (وإن قلب منفرد أو مأموم فرضه نفلاً في وقته المتسع؛ جاز)؛ لأنه إكمال في المعنى، أي: أن النفل المطلق إكمال للفرض بالمعنى، كما لو نقض المسجد لإصلاحه، فإن إصلاحه وهدمه إنما هو إكمال له؛ لأجل أن يبقى أكثر وأكثر، وهذا القياس يدلك على أن العلماء رحمهم الله يقيسون أقيسة شبهية، وإن كانت ليست قوية، فيستدلون ببعض الأقيسة مع أن بعضها أقوى لأجل إدراك الطالب.

    1.   

    شرط مشروعية تحويل النية في الصلاة

    قال المؤلف رحمه الله: (لكن يكره لغير غرض صحيح)، فإن كان لغرض صحيح، كإدراك جماعة وهو منفرد، فهو مستحب.

    قال المؤلف رحمه الله: (مثل أن يحرم منفرداً فيريد الصلاة في جماعة)، يعني: لو صلى منفرداً، وأقيمت جماعة، فأحب أن يصلي معهم لأجل أن يدرك آخر الجماعة فهذا مستحب له، وعلى القول بالوجوب قال بعضهم: يجب عليه أن يحول نيته إلى نفل؛ لأنه ليس ثمة عذر له في أن يصلي منفرداً.

    قال المؤلف رحمه الله: (ونص أحمد )، أي: أن الحنابلة قالوا بجواز ذلك، وليس منصوص أحمد في هذه المسألة، وإنما أخذوها من تخريج مسألة نص عليها الإمام أحمد ، وهذا يسميه العلماء: التخريج من كلام الإمام، يعني: إيجاد حكم مسألة من نص من الإمام في غيرها إذا لم يكن ثمة فرق، أو من باب أولى.

    قال المؤلف رحمه الله: (ونص أحمد فيمن صلى ركعةً من فريضة منفرداً، ثم حضر الإمام وأقيمت الصلاة: يقطع صلاته ويدخل معهم)، فالإمام أحمد نص على أن الشخص لو صلى وحده بنية الفرض، ثم جاء الإمام وأقام الصلاة، يقول أحمد : يقطع صلاة الفرض ليصلي مع الإمام.

    قال المؤلف رحمه الله: (ويتخرج منه قطع النافلة بحضور الجماعة)، يعني: فإذا جوز أحمد أن يقطع الفرض إذا كان منفرداً ليصليه مع الجماعة؛ فلأن يجوز أن يقطع النفل لأجل الفريضة في الجماعة من باب أولى.

    ومثال قلب المأموم فرضه إلى نفل مطلقاً: كأن يصلي خلف إمام يتأخر، وأراد أن يدرك رفقته في السفر، فيحول نيته من فرض إلى نفل، لأن غرضه صحيح، والله أعلم.

    1.   

    العلة في بطلان صلاة من حول نيته من فرض إلى فرض من غير تحريمة

    قال المؤلف رحمه الله: (وإن انتقل بنية من غير تحريمة من فرض إلى فرض آخر بطلا)، يعني: لو صلى الظهر في وقت العصر ظاناً منه أنه لم يصل الظهر، فبان أنه قد صلاها، فأراد أن يحول نيته إلى العصر من غير تحريم، أي: من غير قطع لصلاة الظهر، بل استمر، يقول المؤلف: (بطلا)، أي: الظهر والعصر، فالظهر بطلت لأجل أنه غير نيته، والعصر بطلت لأن أول الصلاة لم يكن فيها نية الفرض.

    واعلم أن قول المؤلف: (بطلا) تجوز منه في العبارة، وذلك أن الثانية لم تنعقد أصلاً حتى يقال: إنها بطلت، فالصحيح أن يقول: بطلت الأولى ولم تصح الثانية؛ لأن الثانية لم تنعقد أصلاً حتى يقال: إنها بطلت، ولهذا قال المؤلف: (لأنه قطع نية الأول ولم ينو الثاني من أوله).

    قال المؤلف: (وإن نوى الثاني من أوله بتكبيرة إحرام صح)، يعني: لو صلى العصر ثم تذكر أنه لم يصل الظهر، فهنا يجب عليه الترتيب كما هو مذهب أبي حنيفة و أحمد و مالك ، فيجوز له أن يقطعها، ثم يكبر بنية الظهر، وجواز القطع هنا مثل ما لو صلى مع الإمام، وهو يصلي العصر، فتذكر أنه لم يصل الظهر وهو يريد إدراك الجماعة، فله أن يقطعها ويكبر بنية الظهر مع الإمام.

    1.   

    الحالات التي ينقلب فيها الفرض إلى نفل من غير نية النفل

    قال المؤلف رحمه الله: (وينقلب نفلاً ما بان عدمه كفايته فلم تكن)، يقول: إذا صلى العشاء بنية العشاء في خارج وقت العشاء، ظاناً أنها فاتته كانت صلاته نفلاً.

    ولو قال: أصلي، فإنه لا يصح، ويكون نفلاً مطلقاً، (ما بان عدمه) يعني: عدم ما نواه.

    قال المؤلف رحمه الله: (وفرض لم يدخل وقته)، يعني: مثل شخص ظن أن الظهر قد دخل وقته فأقام للصلاة وهو في البر، فلما انتهى من الصلاة نظر إلى الساعة وإذا ساعته قد تقدمت، ووقت الظهر لم يدخل بعد، فتكون هذه الصلاة التي صلاها نفلاً، وإن لم ينوها نفلاً، هذا معنى كلام المؤلف.

    نكتفي بهذا، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755916615